٢٩ دجمبر ٢٠٢٠

8 0 0
                                    

قَدْ كنْتُ وحْدِي في المَسِيرِ، أبْكِي لَيْلا ونَهارا عَلَى اِعْتراضَات الدُّنيا... قَدْ كُنْتُ وحْدِيَ في المَسِيرِ وأنا أتسَاءَلُ عن الدنْيا وما فِيهَا منَ التَّنعُمِ والتَّمَتُّع... قدْ كُنْتُ وحْديَ في الْمَسِير وأنا أحَاوِلُ فهْمَ نفْسي وكلَّما يحِيطُ بي... قدْ كنْت وحديَ في المَسِير ظانا بأنِّي لسْتُ كالناس وأنِّي خُلقْتُ لحزْنٍ ما بَعدَهُ فَرَحٌ. نُهُريَ أحزانٌ وَلَياليَ أحزانٌ، وَفي كُلِّ يوْمٍ وليْلةٍ يسْقطُ الدمْعَ مِن عَيْنيَّ كالمَوْلُودِ الصَّغِيرِ دُونَ أنْ أُدْرِكَ ذَالكَ.

أيْن كَانَ الأَصْدقاءُ والرُّفقاءُ ؟ أيْنَ كَانَ الإِخْوانُ والذينَ كَانُوا يُسَمُّونَ أنْفَسَهمْ بالأَحْبَابِ ؟ لم أكُن أعْلَمُ فِي الحَقيقِةِ، الَّذِي كنْتُ متَأَكدًّا به هُوَ أَنهُ لمْ يَكنْ مَعِي شَخْصٌ فِي تلكَ الأيامْ.

فنِمْتُ يوْمًا ورأيْتك فِي مَنَامِي كأنَّك زهْرَةٌ في وَسَطِ الصَّحْراءِ، كأنَّكَ قَمَرٌ بَلْ كأَنَّك غَيْثٌ والنَّاسُ جَمِيعا بِدُونِ اسْتِثْناءٍ، يرِيدُونَ لِقَائَكَ. فَقُلْتُ فِي نَفْسِي وأَنا في الحُلمْ : لاَ شَكَّ أنَّ هَذَا الرَّجُلَ مِنْ ذَالِك العُظَمَاءِ الَّذِين قدْ مَنَّ اللهُ علَيْهِمْ خَيْراتِ الدُّنْيا، وَكثِير مِنْ هؤُلاءِ النَّاسُ لَا يُرَحِّبُّونَ ولا يكَلَّمُون إلَّا أَمثَالَهُمْ وَأنَا لسْتُ مِنْهُمْ. فَبَقَيْتُ في الْمَكَانِ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ دُونَ أَنْ أتَحَرَّكَ مِتْرًا.

وَنِمْتُ يوْما آخَر ورَأيتُكَ، يا رُوحَ القَلْبِ وَنُورَ الحَياةِ، في نفْسِ المَكَانِ معَ هَيئةٍ مُخْتَلفَةٍ، شديدَ الحياءِ، كثيرَ التواضعِ. رأيْتكَ جَالسًا وحْدَكَ أمَامَ النَّاسِ وهمْ يَسْتَمعونَ وَينْصِتُونَ لَكَ. في يَمِينكَ نورٌ وَفي يسَارِكَ نورٌ، والنَّاسُ ذَكَرُهمْ وَأُنْثَاهمْ، صَغِيرُهُمْ وَكَبِيرُهمْ، قَوِيُّهمْ وَحتَّى ضَعِيفهُمْ، كلٌّ يَسْتمعُ إلَيكَ بهَيْئةٍ تجتذبُ الإِهْتِمَامَ. كلٌّ يَسْتَمِعُ لَكَ كأنكَ كُنْتَ تُحَدِّثهُمْ عنْ نفْسِهِمْ وَعَنْ رَبِّهِمْ بِإِشَارَاتٍ وَاضِحَةٍ، وتحدِّثُهمْ عَن الدنْيا وتجْعلُهمْ يفهمُونَه كما لمْ يَكنْ يَفعَلُه أحَدٌ في زمَانهِمْ. فقُلْتُ في نفْسِي وَأَنَا في الْحلْمِ دائِمًا : وَلِمَ لَا أدْنُ كَمَا فعَلَهُ جَمِيعُ النَّاسِ وأسْتَمِعُ، لَعَلِّي سَوْفَ أَسْمَعُ مَا يَسُرُّ لِي ، فَفَعَلتُ. وَيا للْعَجَبِ ! 

فَشَرَعْتُ أرَى نَفْسِي بأكْمَلِهَا فِيمَا كُنْتَ تقُولُهُ كأنَّكَ كنْتَ مَبْعُوثًا إلَيَّ وَحْدِي. وَفي لَحْظةٍ، أشَرْتَ إِلَيَّ وقُلتَ لِي : ألمْ تعْلمْ أَنَّ الغَيمَ ينْجَلي حَتْمًا، وَالشَّمْسَ في جَوْفِ الظَّلَامِ سَتَنْتَصِرُ ؟ كُنْ واثقا منْ نفْسِكَ بِلَا أَيِّ وجَلٍ، وَلَا تَقُلْ هَذَا مُحَالٌ أوْ ذاكٌ دَرْبٌ منْ خَيالٍ، وكُنْ ثَابِتًا وَكُنْ رَاسِخًا  مِثْلَ الْجِبَالِ ... وادْعُوا اللهَّ أَنْ يُعِينَكَ دَائِمًا. فَإِنَّكَ مؤْمِنٌ وَقَدرُ الإِنْسَانِ عَالٍ عِنْدَ اللهِ.

You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: Dec 29, 2020 ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

السيد، شيخ أحمد تجاني المكتوم ! Where stories live. Discover now