أَنْفَاقُ النِّفَاق

By rwiirz

403 53 80

«الإنقياد تدريجيًا نحو نفق النفاق.» |مكتملة| More

#إطلاقة_واحدة.

403 53 80
By rwiirz

بسم الله الرحمن الرحيم.

قراءة ممتعة.

--

اللحظة الأثمن في كل عائلة، هي لحظة الولادة، حين يخرج مولودهم الأَول ويُستقبل بالحنان، هكذا ولدت طفلة نقية، يملؤها الجمال، أعطيت اسمًا تقليديًّا كما البقية، فما كانت سوى (صفاء).

تنعم (صفاء) بالحب والكثير من السكاكر، عام تلو عام، تكبرُ (صفاء) وتزداد جمالًا وبهاء، تبدو حياتها وكأنّها مزينة بالأزهار الناعمة وروائحها العبقة.

نشأت (صفاء) في عالم ملون سعيد، إلّا أن لوالدها رأيًا آخر، حيث قرر وضع صبغته الخاصة بوعده الأول المُخلَف، حينئذٍ أصبحت (صفاء ذات النُطفة)، أي بنطفة سوداء داخل عالمها، تحاول فِهم كيف لوالدها أن يخلف وعده، لكنها سرعان ما فهمت أنها عادة بشرية مقيتة، يفعلها الجميع، فتموت (صفاء ذات النطفة) وتخرج لنا (صفاء السوداء).

ما تزال ترى العالم بعينين مشعتين وغرام طفلة، تدخل المدرسة فتجد أن العالم أوسع من حلوى جدتها ووعود أبيها، تستكشف ملمس الكذب أول مرة، كان طريًّا، كالحلوى التي تجلبها عمتها في زياراتها النادرة، وهنا تظنُ أن على الكذب أن يكون نادرًا خفيفًا غير مؤذٍ.

أُزيل شعورها عن الكذب الخيِّر، حين احتمت زميلتها بدرع الكذب وألقت تُهمة لم ترتدها (صفاء السوداء) فعوقِبت على إثرها.
حينئذٍ أصبح اسمها الجديد (براءة) فعالمها أسود مُخدّش بالأكاذيب والوعود منتهية الصلاحية، لكن داخلها ما زال جيدًا، وما زالت تكافح ليتغلب العمق على السطح.

في موقف عائلي سيئ، تُشير أصابع الإتهام إلى (براءة)، أخرجت سلاح الكذب سريعًا، ووجهت الأصابع إلى أخيها، مع حجة قوية مزيفة؛ عوقب بدلًا منها.
وقتئذٍ لم تصبح (براءة ذات النطفة) وإنما أصبحت (سطحية) فهي الآن كباقي البشر، مستعدة للكذب لصالحها، ولفعل ما تشاء دون النظر في المبادئ الأخلاقية.

أدركت (سطحية) أن الكذب أداة متعددة الاستخدامات، يمكنك استعماله كدرع للاحتماء، أو ربما سلاح للمواجهة، لكن المواقف أنارت بصيرتها فعلمت أنه سلاح ذو حدين، ولا يعمل أحدهما دون الآخر، فإن كذبة واحدة تخرج منك تضرُ غيرك، وتحفرُ عميقًا في جوفك، فتصبح فارغًا مُشبعًا بهواء الكذب.

لدى (سطحية) ماضٍ منمق مع إخلاف الوعود، فقد كبرت جيدًا معه، لكن هذا لم يغير فيها كثيرًا، فهي ترى أنه شيء عادي يمكن تطبيقه بسهولة كبيرة دون الشعور بالذنب.

إخلاف الوعد لا يملك نقطة نهائية عند حجج النسيان والانشغال، بل يكبرُ فتصبح هذه الحجج مهترئة وصدئة من كثرة الاستعمال، ويتحول إلى إدمان شنيع للوعود، فيسير المرء يُلقي كلماته ويوكل ذاته بمهمات يعرف جيدًا أنه سيفتح درج الأعذار الرثّة لأجلها.

كانت أولى طعناتها حين خاصمتها صديقتها المقربة، وانتهى الأمر بأن نشرت أسرار (سطحية) على العلن، يتبعها سُخرية منها.
لا تعلمنا المدارس إمكانية التعلم من أخطاء الآخرين أو التأقلم مع واقع مرير، لذا فكل إنسان هو تربية نفسه، وحصيلة طريقة فهمه الدروس وجمعها.

شخصية (سطحية) كاسمها تمامًا، لا ترى أن الحل الأمثل لفجور الأصدقاء هو أن نبحث عن وسيلة لإصلاح الخطأ، فإن لم نجد، فليس علينا التنفيس عن مشاعرنا في أمور مفيدة؛ بل ترى أن نطبق الفعل السيئ نفسه كانتقام غير مباشر، ويبدو أن لا صلة له بالانتقام حتى، وهي طريقة أكثر من سطحية، أو ربما نسميها عُمق السطحية، هكذا لقنت (سطحية) ذاتها دروسًا من الحياة.

باشرت في الانتقام عديم الصلة، لتكسر قلوب غيرها، وتحطم ما استطاعت تحطيمه، فلم تعد (سطحية) بعد؛ وإنما (مفسدة). وهنا نلاحظ الفارق الواضح بين المُفسد والفاسد، فالأول يحمل في طياته شرًّا كبيرًا يسعى لنشره ولتدمير محيطه به، أما الآخر فهو الشر عينُه.

زاد عُمر (مُفسدة) ودخلت الجامعة مرةً أولى، قابلت أشخاصًا مختلفين عن طفولتها، تحاول التأقلم معهم، فتجد مصطلحًا جديدًا وأسلوبًا فخمًا هدفه هدم الأحلام وتشويه ما تبقى من قلب سليم...
«غدر المعاهدات» إحساس الأحرف ولفظها كان جميلًا مستساغًا في أفواهم وأنماط حياتهم.
يكمن هذا الأسلوب في وضع عهد مع عدم إخلافه، وإنما تدميره عن بكرة أبيه.

فيبدأ الأمر ببساطة بأن يُكلفها فريقها بجزء من المشروع، وتتغيب أو تحذفه أو لا تحضر المشروع كاملًا معها.
لكنه لا يقف عند حد خفيف كهذا، ينمو معها كل يوم، فتعطي وعودًا وتوقع معاهدات بيُمناها، في حين تكسرها باليسرى.

عند هذه النقطة تغيرت (مفسدة) تمامًا، فلم تعد فاعلًا للفساد، ولا حتى فاسدة في حد ذاتها، وإنما انطلقت إلى النفاق، فسُميت (منافقة) وغاصت عميقًا داخل أحد أنفاق النفاق.

لكل شخص نفق النفاق خاصته، لكن لا يجرؤ الجميع على استخدامه، لأن الجميع يعلم مسبقًا مساوئه التي تغلب محاسنه، أما من يدخله فهم بعض من يملكون يدًا صلبةً تتحمل جروحًا قذرة لا يشفيها طول الدهر.
النفق يبدو مُزهرًا ومليئًا بالورود ذات الروائح العبقة في بدايته، لكنها ذات أشواك مؤلمة، في بادئ الأمر لن تجرح أشواكها اليد عميقًا، ولن تفعل مع المُهدى إليه، لكن كلما تعمق المرء وولج نفقَ نفاقه فسيجد حديقةً من الورود البهية، والأشواك الذي يطول أغصانه وقد تكون الزهرة شوكية في الأصل.

حين تقدم زهرة محملة بالأشواك لا يشعر مقدمها بألم عميق لأن جروحه مسبقة الإيجاد، أما عند المهدى إليه، فلا يتضح أثر شوكها إلا بعد مدة من الزمن.

حديقة نفق النفاق لا يحتاج زهرها إلى السُقيا، فهو يثمر كلما قُطف منه.

هكذا عاشت (صفاء) منطلقةً من وعد صغير مُخلف وكذبة بيضاء، واكتمل بفجور المخاصمة، وغدر المعاهدة، حتى سُميت بصفتها الأبرز (منافقة)، تحمل باقة زهر النفاق، وتتوغل في أنفاق النفاق.

انتهى.

--

رجعت بعمل جديد متواضع وأخيرًا..

رأيكم؟

شكرًا لقرائتكم، وأتمنى أنه أعجبكم، دمتم بحب❤️

بدأ: ١٣/نوفمبر
انتهى: ١٧/ديسمبر.
بس الحقيقة أن كتابته لم تأخذ أكثر من ٤ أيام، الباقي تنقيح الخ..

نلقاكم في عمل آخر.❤️

Continue Reading

You'll Also Like

3.8K 439 11
كان يبتلع كل شيءٍ أمامه ، حتى الضوء والصوت ولم يسلم منه الزمن أيضا . وقف ذلك الفتى أمام الهلاك مستسلما للقدر وقال في نفسه : " حتى لو هربت إلى آخر ال...
406K 631 1
روايةٌ تتحدث عن حياة فتاة قد فقدت اهلها اثر حادث مؤسف، حادثٌ لم يتسبب بفقدان هذه الفتاة لاهلها فقط، بل كان كفيل ب تدمير حياتها، ولكن كان لهذه الفتا...
3K 330 10
قالت لِنبقَ، فلم تبقَ، ثم لم ابقَ بلاها. {مكتملة} #قصة_نظيفة #هدف_سامي
9.1K 1.1K 13
أن تدفع ثمن جُرْم لم ترتكبه حكاية تنسج بأحرف من وجع وحبر من دماء ودموع تريد أن تقرأ؟ امنح قلبك بعض القوة إذن! ________________________________ فائ...