أشِقّاء

By lood999

76.5K 7.3K 2.6K

في حُجرةٍ ضيقة... إضاءتها خافِتة... فتحَت الكتاب وبدأت بقراءة القصة لطفلها... كانت تقرؤها له دومًا... فتعل... More

١) يُحكى أنه كـان وحيدًا.
٢) الليلــةُ الماطِـرة.
٣) سِجــن.
٤) غَــرق.
٥) بصيـص أمـل.
٦) تِلـك الفتـاة.
٧) الرحيــل.
٨) ذكريات حلمٍ قديم.
٩) حــديقةٌ وفتـاة.
١٠) مَحَلُّ الأقمشـة.
١١) ماهــر.
١٢) تجاوز المُهلـة.
١٣) دمـوعٌ ومطر.
١٤) الأخُ الكبير.
١٥) صـديق.
١٦) أشبـاح.
١٧) الصـراحة.
١٨) آباء.
١٩) غضـب.
٢٠) وداع.
٢١) اِختفـاء.
٢٢) مُمتن.
٢٣) بقايـا.
٢٤) نَبـش.
٢٥) عِـش.
٢٦) المُفكـرة.
٢٧) الحياةُ المسلوبـة.
٢٨) أروى.
٢٩) أطـلال.
٣٠) لِقـاء.
٣١) مُفاوضات.
٣٢) إنقــاذ.
فصل إضافي|فَجْــر: كل الطرقِ تؤدي إليك.
فصل إضافي ٢|ندى: لن أنساك أبدًا.
فصل إضافي ٣|سأعـود.
فصل إضافي ٤|لأنك ولِـدت.

٣٣) إحيــاء|الخاتمـة.

1.6K 179 157
By lood999


..
..

مضت مُسرِعةً على أرضية الممر الرخامية، مبتعدةً عن أخوَيها اللذَين غفلا عنها لثوانٍ فقط، وانطلقت ضاربةً الأرض بيديها المنبسطتين وركبتيها ذاهبةً للوجهة التي قادها قلبها الصغير إليها، وجهةٌ لا تنتمي لغيرها.

قادها حبوُها المتواصل لباب البيت، وجلست أمامه مثل جروٍ صغيرٍ ينتظرُ قدومَ صاحِبِه.

في الجهة الأخرى من الباب، ترجل من سيارته وحمل حقيبته التي رافقت سفره في رحلة العمل، وخطا بهوادةٍ على الأرض المعشوشبة، قطع الدرب الفاصل بين باب الحديقة ودَرج المدخل بخطى طويلةٍ بطيئة؛ ليصل بسرعة.. ودون جلبة.

وضع حقيبته أرضًا وفتح الباب ليدخل، وفوجئ بها أمامه، حبيبتُه، نبضُ فؤاده، ونورُ عينيه، رفعت هامتها إليه، واصطبغ بياض وجهها حُمرةً فرحًا بعودته، انحنى إليها ورفعها عن الأرض الباردة، حملها لدفء حضنه، الذي يفيض حبًا لا يُخمده شيء، حوّطت رقبته بذراعيها الصغيرتين،  ومسح بيده على شعرها البني القصير، فَجْـر، طفلته، أميرته، من أشرقت بمقدمها حياته، ستبلغ قريبًا عامها الأول، رفعها عاليًا وتردد في البيت صدى ضحكاتها العذبة، يُحبها.. يُحبها.. يُحبها، منذ أول مرةٍ رأتها عيناه فيها،  منذ مغادرتها جسد أمها، وكأنما غادرت ذلك الجسد لتنقاد إلى قلبه، وكأنها لم تولد في هذه الحياة إلا لأجله.

جاء أخوها الأكبر، مُتتبِّعًا صوت ضحكها بعد أن جابَ البيت بحثًا عنها، مدّ يديه إلى من يحمل أخته قائلًا:

"إليَّ بها".

"كانت هُنا وحدها".

"ربما انسَلَّت من عندنا حين أحسّت بقدومك".

ابتسم مروان، ومَدّ ابنته إلى أخيها، لكنها تشبثت به، تأبى تركه، يكفيها غيابه عنها طوال شهر، ورغم صغرها وتشتت ذاكرتها لم ينسَ قلبُها مالِكَه.

"لا بأسَ صغيرتي، أمهليني دقائق وأعود".

قال لها بحنان، نظرت لعينيه بسوداويها النجلاوَين، تتحرى صدقَ كلامه فيهما، فلم تجد إلا ما أرادت، وكيف يتركها طويلًا؟ وقلبه اِلتاعَ شوقًا إليها.

انقادت مستسلمةً لأخيها الذي حملها بحذرٍ وحرص، كان يهوى تقليد مروان في كل ما يفعله مع فجر، طريقته في حملها، وملاعبتها، وإطعامها، وتدليلها.

حُسام، ابن أمه البكر، اعتاد مناداة زوجها باسمه دون تكلُّف، فمنذ أن أعطاه مروان الصلاحية بذلك لم يُغير عادته، حُسام، لا يعترف إلا بأبٍ واحد، ولكن هذا لم يُقلل من احترامه واقتدائه بالرجل الواقف أمامه، لولا أنه مروان، لعارض أشد المعارضة أن يقتحم حياتهم رجلٌ غريب.

جاء االشقيق الأصغر وفوجئ حين رأى زوج أمه قد عاد من سفره، اندفع نحوه هاتفًا:

"عُدتَ يا أبي!".

اِعتاد مهند مناداته بذلك، عَدّه أبًا له منذ اقتران اسمه باسم أمه، الأب الحنون الذي يستمع لمطالبه وتذمراته التي لا تنتهي، الرجل الذي أهداه الحلوى في أول لقاءٍ به، بات على استعداد لأن يُهديه نجومَ السماءِ إن أراد.

كل واحدٍ منهما أحبه على طريقته الخاصة، فمروان كان القدوة لمن فقدَ قدوته، وكان الحنون المعطاء لمن ابتغاه، حلّ محلّ ما فقداه، بل أزيَد مما فقداه.

رفع حُسام نظره عن أخته إلى أبيها، ولمحةٌ فقط كَفَتهُ ليفهم ما يجول في خلَده، قال:

"إنها في مكانها المعتاد".

ابتسم لهذا الصبي الذي يفهمه دون أن يتكلم،
أودَع صغيرتَهُ عندهما بلا خوفٍ عليها؛ فهو مُدركٌ أنهما أحوَطُ عليها من نفسَيهما، كيف لا؟  وهو من علمهما ذلك دون تلقين.

سارت قدماه للوجهة التي تحفظهما جيدًا، فتح باب الحديقة الخلفية وأغلقه خلفه بهدوءٍ شديد، وأنظاره مشغولةٌ بتأمل تلك الواقفة أمام أحواض الياسَمين، بفستانٍ  أسود كشف عن ساقيها ورسم معالم جسدها الغضّ، خطا بأطراف قدميه على العشب الرطب، وحين تبقت بينه وبينها خطوتين، استدارت، وارتد شعرها الطويل للوراء ليستقر على وشاح الكشمير البنفسجي الذي يغطي كتفيها، ترقرقت عينيها وقطعت المسافة المتبقية بينهما واحتضنته هامسةً بصوتٍ مُرتعش:

"عزيزي! ".

بادلها العناق وأصابعه تتخلل خُصلات شعرها الحُـر الذي هام فيه عشقًا من سنين، أجابها بالهمس ذاته:

"كل عامٍ وحبيبتي بخير".

سبقته خطوةً إلى عتبة الثلاثين، مضى على زواجهما عامَين، والذي كان حجر الأساس لحياةٍ جديدة، بدأها الاثنان معًا، وعاشا كطائرَي كناري في قفصٍ مُرَصَّعٍ بالحب، الذي ورّثه له والديه، أزهرا مثلما أزهرت الياسَمينات الذابلة، فاجأها بتلك الأحواض كهديةٍ لزواجهما، وارتباطهما، الذي سيعيشان آملين أن لا يفضّه شيء.

"آسف، لم أجد الوقت لجلب هديةٍ لك".

"مجيؤك سالمًا ينوب عن كل الهدايا".

قالت وهي تبتعد عن حضنه، الذي يسَع العالم بكامله، وتطلّعت إليه.

رنا إليها وقبَّل الشامة التي يتزين بها عنقها الخزفيّ، وشفتَيها المُكتنزتين، وطبع قبلةً أخيرةً طويلة، على جبينها، امتلأت بكل حبه وهيامه بها.

لبثا واقفين، أمام الأحواض المُزهِرة، نظرا إلى الأزهار، ثم إلى بعضهما، وضحِكا، وقد زار ذكراهما ذلك اليوم البعيد.

قالت وهي تميل عليه بدلال:

"هلَّا أحضرتَ لي واحدة؟".

"أجلبها كلها لو أردتِ".

ضحكت وهي تسمع جوابه، إن كانت ستحسد أحدًا فستحسد نفسها، على كل هذا الحب الذي تلقاه منه بعد سنينِها العِجاف..

"واحدةٌ تكفي".

أحضرها لها فتناولتها بامتنانٍ وشمّت عبيرها، وقالت:

"جاءت واحدة، وبقيَت واحدة.. ".

فهم ما عنَته، وقال باسِمًا:

"لا داعي للعجلة، تحتاج الأزهار كفايتها من الحب كي تنمو، ثم يُزرع غيرها".

ضحكَت بعذوبة، وهي تذكر كم كانت سعيدةً حين علمَت أن طفلةً تكبر في داخلها، أخبرته بذلك حينها قائلةً أنه سيكون أبًا عظيمًا لابنتها، أبًا لن تتحسّر ابنتُه لأنها وُلدت فتاة، اغرورقت عيناه بالدموع واحتضنها، تلك طريقته في إبداء تأثره،   كم تُحبه!

أحاط كتفيها بذراعه وقال وهو يقربها منه:

"نعود؟ ".

أومأت ببطء، كانت ترغب بالاختلاء به أكثر، فما إن يرجعا، لن تُفارقه فَجرُه، تتعلق به ولا تتركه إلا وقتَ نومها، ولكنها ستضحي بهذه الساعات للطفلة التي اشتاقت لأبيها.

عادا أدراجهما، وأقدامهما تدوس على العشب الأخضر، موليّان ظهرَيهما للأزهار التي تتراقص بتلاتها على أنغام المساء النديّة، والقمر يُرسل من عليائه ضياءه فيزيدها بياضًا وبريقًا وحياةً.

النــهــــــايــــة.

••••••••

تمّت ٢٦/نوڤمبر/ ٢٠٢٠

-خِتامًا-

بعد اِنتهاء الرحلة، ورُسُوِّ السفينة، أتساءل إن أعجِب الركاب بالرحلة أم لا؟ وإن كانوا سيخوضون رحلاتٍ أخرى مع ذات الربّان أم سيبحثوا عن غيره ليُبحِر بهم؟

-مساحة لمن تنصحونهم بقراءة الرواية-

-فضفضة للقراء-

أولًا وقبل كل شيء،  أشكركم جميعًا على إتمامكم قراءة هذه الرواية التي اتخذت في فصولها الأخيرة منعطفاتٍ قاسية علينا جميعًا، بقيتم رغم كل شيء مترقبين للنهاية، وآمل أن لا تكون مخيبة لآمالكم، شكرًا لمن حرص على قراءة الفصول فور نزولها وملأتني كلماته حماسةً لإكمالها، أعذروني إن كان بها أي أخطاء أو هفوات أو عطوب، فهذه تجربتي الأولى في كتابة روايةٍ وظفتُ فيها أساليب الكتابة الروائية قدر استطاعتي، وبدأتها مدفوعةً بحماسي وعواطفي وجنوني.

كتبت الرواية أول مرة قبل أربع سنوات، لكنها كانت متهالكةً مليئةً بالثغرات والفراغات والعيوب الكتابية، تركتها دون تعديل حتى بدأت نشرها قبل سنتين، نشرت أول ثمانية فصول كما هي باستثناء بعض التعديلات الطفيفة، انقطعت عن النشر لأنني لم أكن مقتنعةً بباقي الأحداث وتركتها دون أن تجرفني الحماسة لإعادة كتابتها، حتى لاحظتُ زيادةً في أعداد القراء وتلهفًا لقراءة البقية فلم أستطع إبقاءها دون إكمال، نسجتُ ما بقي من أحداث وعدتُ للكتابة وكلما زاد التهافت زادت حماستي حتى وصلتُ لخط النهاية، وتنفستُ الصعداء، فحمدًا لله أولًا وشكرًا لكم تاليًا.

-اِعتذار-

آسفة لو أنني خيبت آمالكم، أو حطمتها، نعم كان بمقدوري اتخاذ الطريق الأسهل والأفضل والمتوقع باجتماع الأخوين وتحقيق الحلم، ولكن هذا لم يكن المسار الذي قررتُ اتخاذه منذ شروعي بكتابة الرواية، والفصول الأولى تشهد لي بذلك، هذه قصة الأخ الأكبر، لا الأخوين، الأخ الذي فقد مصدر الحب مرة، وعاد إليه الحب متجسّدًا في أخيه، استطاع أن يعيش بفضله ولأجله، ثم فقده، لكنه استطاع رغم كل شيءٍ أن يعيش، حاملًا بين جنبَيه آماله وذكراه الدافئة، استطاع بعد كل نهايةٍ أن يبدأ، وبعد كل سقطةٍ أن يقف، والواقع زاخر بقصص تحاكي قصته، قصص من فقدوا كل شيء، لكنهم واصلوا رغم ذلك، وآخرون يئِسوا واتخذوا دروبًا ملتويةً زادتهم بؤسًا فوق بؤسهم، وأروى خير مثال على ذلك.

ما دام قلبكَ ينبضُ بالحياة..  عِش.

مروان صاحب القلب الكبير، الذي احتوى عائلةً وأيتامًا ومئات الموظفين الذين يعملون تحت إمرته، وبمقدوره احتواء العالم بأسره لو أراد، تعلم الحب في سنواته الأولى من أبَوَيه، وكما قال أبو دانة: "الطفل الذي يُسقى الحب في سنواته الأولى سيعيش مالئًا من حَوله حبًا".. وليس الحب فقط، كل ما يُغرس في الطفل سيُرافقه طيلة حياته، وهذا ما أثبتته العلوم الإنسانية، فكونوا لطفاء مع صِغاركم ❤️.

ستتجدد لقاءاتنا بإذن الله، دمتم بكل حُبٍ وود.. إلى اللقاء 💜.

Continue Reading

You'll Also Like

1.1M 90.2K 77
‏لَا السَّيفُ يَفعَلُ بِي مَا أَنتِ فَاعِلَةٌ وَلَا لِقَاءُ عَدُوِّيَ مِثلَ لُقيَاكِ لَو بَاتَ سَهمٌ مِنَ الأَعدَاءِ فِي كَبِدِي مَا نَالَ مِنَّيَ م...
51.3K 3.5K 19
هل أحسست يوماً بأنك غير مرئي ؟ هل أحسست يوماً بأن وجودك مثل عدمه ؟ هل أحسست يوماً بأنك ستعيش وحيداً وستموت وحيداً ؟
1M 66.5K 104
" فرحات عبد الرحمن" شاب يعمل وكيل نيابة ويعاني من مرض اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع مع ارتباط وثيق باضطراب النرجسية مما يجعله ينقاد نحو كل شيء معاك...
838K 24.7K 39
لقد كان بينهما إتفاق ، مجرد زواج على ورق و لهما حرية فعل ما يريدان ، و هو ما لم يتوانى في تنفيذه ، عاهرات متى أراد .. حفلات صاخبة ... سمعة سيئة و قلة...