واكتملت [الجزء الخامس من سلسل...

By EmanOmarWrites

1.8K 32 2

يلزمها أكثرمن حبه.. من حمايته .. واحتضانه لطفولتها الضائعة.. فهو لم يكن مثل أبيها .. ولن يكون ..لكن لابد له م... More

المقدمة
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
إعلان هااااااااااااااااام
إعلاااااااااااااااااااااااان هاااااااااااااااااااااام

الفصل الخامس

162 3 0
By EmanOmarWrites

االخامس

رسالتي الأخيرة

سأظل

مفاخر .. مهاجر

خلف سراباً يضنيني

يعلق عمري وسنيني

بقيد حنين واهن يشقيني

أسير آسيراً للعشق والهوى

فلكل زمان مجنونه

ولعهد الحب مفتونه

مسلوب الإرادة عن وطني ويقيني

بعشق درب الهوى

خلف عشق لن يشفيني

على لسان أشرف

إيمان عمر

الفصل الخامس

الحنين المستبد بها للأيام الخالية من ظله جعل كل مما يحيط بها عنوان أصيل للملل.. آه يا فريدة هل جعل وجوده الحنين يستيقظ داخل قلبك ..أم تخشين الفضح .. تخشي النظرات التي قد تصبح كلاماً مشفراً قد تستطيع فتياتها فك الشفرات الخاصة به .. لو قرر العودة خاصة لم تمنحه فرصة للمعرفة عنها.. أو للمعلومات عنه..الحنين يركض نحو قلبها مقتحماً بسرعة بلا إستئذان .. يجوب في عقلها الشارد .. ينبش عن ذكرى قديمة قدم أوجاعها..

دلفت عليها امرأة سمراء الشعر ذات جسد عارم التفاصيل لكنه ممشوق .. منحوت كتمثال مرمري.. تتمايل بطريقة من أعتاد الإغراء.. بدت لها في صورة جيدة نوعاً ما .. لكن كلامها خالف الصورة فقد أخبرها حوارها أنها ليست على هذا القدر من الأهمية .. خاصة عندما بدأت تفرقع العلكة داخل فمها بطريقة وجدتها مستفزة :" أنت فريدة عبد السلام زوجة الأستاذ جميل المعداوي؟!".

صرخت بها بعد لحظات صامتة كانت قد تخطت حد حلمها المهذب عندما دلفت تلك السيدة خطوات داخل استقبال منزلها تدور حولها تناظرها من أعلى لأسفل بطريقة شعرت معها بالإهانة :" نعم هي .. من أنتِ ؟!!.. وماذا تريدين ؟!!".

تحركت داخل ثوبها الضيق الذي يحتضن كل منحنياتها ويبرزها بوضع من تريد إظهاره هكذا .. تحت أنظار البشر جميعهم.. اقتربت من فريدة تمد اصبعيها السبابة والإبهام تمسك بخصلة من شعرها تجذبها بعيداً تمررها بين إصبعيها بإختبار نعومة :" أنا هنا من أجلك أنت ِ!!.. صدقاً أنت سيدة .. هانم كما ذكروا عنك؟!!.. لكنك لا رائحة لكِ حقاً.. كما قالوا عنك أيضاً".

اندفعت فريدة للخلف بعيداً عن مرمى يدها لا تريد أن تمسها حتى فقد بغضتها من أول وهلة .. القصة لها صارت سخيفة :" من هؤلاء؟!!.. لو لم تذكري هويتك ؟!!.. أخرجي من منزلي".

رفعت السيدة الغربية كفها تحرك أصابعها بتلويحة غريبة .. ثم ذكرت لها :" أشرف عز الدين حكى لي عنك ذات يوم .. ذات يوم جعلني أعتقد أن الله رضي عني بوجوده .. وقتها فقط علمت معنى أن أكون محترمة .. يوم تزوجني وعاد بي لمنزله .. لكن وقتها لم يكن مدرك ما يفعل .. كان ميت ويبحث عن قبر يدفن فيه نفسه .. كنت القبر الذي أختاره لنفسه .. فقير أكثر من فقري .. وحتى قلبه تسكنه أخرى .. لكن اليوم حضرت لك أعلن انتصاري عليكي .. هزمتك كما هزمتيني ".

يد حطت على كتفها جعلتها تجفل بشكل شديد حضر بشكل صرخة مكتومة .. مما جعل صوت رؤى يجفل بالدعاء لها :" بسم الله .. ماذا يا أمي ؟!!".

تسارع تنفسها جعل هيئتها غريبة نوعاً ما.. نظرت لصغيرتها تستفسر بتقرير :" ممكن نخرج الآن ؟!!.. لقد أصبحت أفضل".

ابتسم وجهاً بشوشاً أخر :" خالتي .. الصباح سيراكِ الطبيب ويوقع لك أمر الخروج ".

حركت رأسها رفضاً:" أنا هنا غير مرتاحة يا ضياء .. في منزلي ستكون حالتي أفضل .. لا أريد البقاء للصباح هنا ..".

حدق بها أربع أعين في دهشة .. بينما رؤى تقبض على قطعة التفاح التي كانت قد اقتربت من أمها أصلاً لتطعمها إياها.. وضياء في إنتظار استفسار لهذا الإصرار المرتجف البادي عليها .. عادت تستطرد :" الراحة في المنزل .. حتى لو وقعت الخروج على مسئوليتي ".

جعل هذا ضياء يتحدث :" دعينا نرى ما علينا فعله ".

خرج من الغرفة نحو الإستقبال الخاص بالطابق يستفسر .. ثم عمل على إتصاله بمنال التى أجابت بلهفة :" نعم يا ضياء .. أحدث شيء؟!!".

تحدث مطمئناً :" ليس هناك من شيء.. سوى أن خالتي تريد مغادرة المشفى الآن ".

تتحدث بصوت مرتفع فيراقبها عصام مستفهماً.. مستدركاً:" هل سأل الطبيب؟!!".

كررت نفس السؤال بصوت مرتفع نحو محادثها في الهاتف.. وجدته يعلن :" الطبيب ترك لهم في المشفى بالفعل أمر الخروج حتى تخرج في الصباح .. كان متفائلاً.. لأن خالتي لم يرتفع ضغطها منذ أفاقت ".

تحدثت بإهتمام :" نحن وصلنا للمشفى .. سأمر على الطبيب هنا لأعلم رأيه ".

أغلقا المحادثة .. وعاد للغرفة يواجه القلق في عين فريدة .. كم تمنى أن يمنحها الهدوء فيما قد طالبته بحفظه .. استدرك أمكانية هذا :" خالتي ظلي هنا حتى تتعافي .. وغداً سوف أذهب للجمعية لأعلمهم أنكِ في وضع إرهاق ولست مكتفية بالعمل ".

رفضت هذا الوضع .. ، وبدأت تزيح أغطيتها بالفعل .. هاتفة :" دعهم يحرروني من قيد الأنابيب هذا ".

لحظات فارقة لديها .. تدرك أن وجود أشرف هنا أمامها هو فتح لكل الماضي .. بما فيه الضعيف .. تحركت رؤى تقبض على كف أمها.. تمنعها نزع الكانيولا هاتفة :" سوف ننزعها عنك .. لكن دعينا نستدعي الممرضة ".

عاد ضياء ينطلق نحو استقبال المناوبة الليلية التي تحركت نحو الغرفة .. بينما منال تتحرك نحو الغرفة في ذات الوقت .. اعلنت من أول خطوة تخطوها للداخل :" معي قرار المغادرة .. هيا يا أمي سوف ترتاحين في منزلك من الليلة ".

إرتياح أم فرار .. الحقيقة هي تفر من تكرار اللقاء .. تعلم بعد فوات الآوان أن أشرف سيعود مراراً لينكأ الجرح القديم .. وهي لم تعد تملك القدرة على الحرب والمجادلة .. كفاها تحملت فاتورة الماضي كله ..

بعد قليل**

كانت في سيارة رؤى في المقعد الأمامي جوار صغيرتها تقود بها .. تميل بخدها على المقعد .. تعود الذكريات تهاجم عقلها بغير رحمة ..

استدارت نحو السيدة الغريبة :" أشرف هو الذي قال لك أني .. أني الكلام عن الرائحة ؟!!.. ".

رياح النكران في وجهها تعصف بعينيها ولم تهدأ حتى حركت السيدة رأسها نفياً.. كانت تمنحها صك حرية لقلبها من أفكار سوداء بدأت تغتال ماضيها الراسخ داخل روحها .. رغم كل شيء كانت تدرك أن أشرف هو رجل محترم .. عيناه كانت لها حب .. نعم عيناه لم تكن تبغضها ..

عاد السواد المهين لكرامتها يكتسي ملامحها عندما نظرت لها السيدة الغريبة نظرة هازئة تبثها إنتصار غريب .. سرعان ما قيدتها بالإحتقار في صوتها :" أنه زوجي هو الذي ذكر قصة الرائحة هذه ".

دهشة حاقت بقلب فريدة واتسعت عيناها لدرجة انكمش جبينها وتقلص فصار خطاً رفيعاً.. هتفت بدهشة مستمرة :" وما شآن زوجك بي !!.. لا أعتقد أن زوجك يقصدني أنا ؟!!".

طوحت السيدة الغريبة كفها للخلف باستخفاف منتقم .. جعل فريدة تقبض على قلبها براحتها تسكنه مكانه.. فلم تؤثر ضمتها على نبضاته التي ضاعت بغتة عندما أنصتت لصوت أقتلع الإحترام للرجل من قلبها .. وفتت روحها في عدم آمان تعيش فيه بالفعل :" أظن أن ورقة طلاقك لم تصلك بعد .. عامة أعرفك على نفسي .. أنا زوجة جميل المعداوي الجديدة ..أنا لا أتزوج على ضرة .. أنا تلك الراقصة التي منعتيه عني ولكنه عاد لي .. لانتقم منك .. أخذته منك .. كما أخذتي مني أشرف ".

صرخت فيها :" أنتِ كاذبة .. جميل .. لا .. لا".

كاد جسدها يسقط من هول الضربة .. حتى لو لم تكن له عاطفة .. هو زوجها كيف يطعنها بهذا الشكل .. همهمت :" لقد أقسم .. أن لا يعود للخيانة ".

ضجت بالضحك لدرجة القهقة الهستيرية المقيتة :" مخطئة .. من آمنت للرجال وكأنها آمنت للماء أن يظل في الغربال ".

جلست فريدة في تراخي شديد .. وجع في قلبها شمل كل نبضة تمر في أي شريان في جسدها .. الألم يضرب رأسها .. والرفض للخيانة يأكلها .. غمغمت باعتراض :" هو خان .. وأنتِ مما فهمته خنتي .. اذهبي من هنا فأنا لم أخن جميل يوماً.. يكفيني أني لم أخن ".

هتفت الأخرى في غضب عارم :" أنتِ خنتي .. خنتي نفسك .. جعلتينا جميعاً خونة ".

ابتسمت فريدة في هذا اللقاء الغريب :" أذهبي .. من خان قلبه ليس خائن .. الخائن من ترك فراش طاهر وراح يسقط في فراش الراقصات .. مبارك عليك .. سأجمع له كل أغراضه.. اعلميه أن ليس هناك من داع أن يأتي ليأخذها من هنا .. وينسى هذا المنزل كلياً .. فهو منزل أبي .. منزلي ".

وضعت رؤى أصابعها على وجنة أمها مما جعلها تجفل على الصدمة الحسية .. تلاها صوت رؤى :" ماما .. لماذا هذه الدموع ؟!!.. هل تتذكري غضبي وطريقتي ؟!!.. أنا آسفة".

اخذت فريدة يد صغيرتها ومحت البلل على وجنتيها بهدوء .. تمحو مع قبلتها على راحة صغيرتها كل ألمها :" لا يا رؤى .. تذكرت أشياء جلبت لي الدموع .. لم أتذكر خلافي معك .. طالما عدت لضياء ".

ابتسمت رؤى ومالت نحو ظاهر يد أمها تقبلها بقوة .. ثم همست :" لقد وصلنا لمنزلنا يا غالية ".

نظرت للمنزل .. تتذكر أباها الذي قد أصر على الإنتقال لهذا المنزل .. مدعياً أنه يريد أن يكون المنزل في مستوى زوجها المادي .. :" لنترك منزل أبي القديم .. ونبتاع منزل لنا يليق بك .. ويكافيء منزلك الزوجي فخامة ".

فليأتي لينظر منزلها الزوجي الذي اضاعه زوجها .. فاضطرت لبيع أثاث منزله والبقاء مع الزوج الخائن هنا في حصن أبيها ..

عاشت تحمي الخيانة كاملة ..

***********

" أبي ما بك يا سيد أشرف ؟!!.. منذ عدنا وأنت صامت على غير عادتك ".

نظر إليها بلهفة مجيباً بنفي وكأنه ينفي عنه جريمة :" لا ..لا.. ليس بي شيئاً".

غمغمت صغيرته بقطبة جبين تثق أنه لن يدركها :" لا .. بك شيء.. وشيء كبير أيضاً".

انصت لها في معرفة لما تتفوه به ، فعلا السواد وجهه .. ثم هم أن يقف يريد الإنفراد بنفسه ..لولا أنها شرعت تقبض على أصابعه ترفض هذا الفرار :" بابا .. لا تبتعد أريد ان أقص عليك أشياء كثيرة .. ثم أنت لم تقص لي قصة الأستاذ جميل .. هل فعلاً وجدتها أسرته .. وهل بالفعل لديه دين في عنقك .. لا أظنها الحقيقة".

سدد لها نظرة قاتمة .. غامضة بصمت مطبق وعقله يدور في فلك فريدة التي هدمت اليوم أسوار ضخمة كان قد أقامها حول قلبه.. وقتها كانت تحبه.. كما فهم بالفعل .. لكن السر هل سيذهب به إلى قبره ..أم سيخرج للعلن في إحتفال .. نعم إحتفال .. الحب يستحق الإحتفاء به بإحتفال ..

عادت صغيرته تهتف في دهشة :" أنت اليوم حالك غريب جداً.. لكني أحتاج لشرح ما حدث معي ........

ظلت تتحدث بكل ما حدث للرجل الشاب .. منتهية بعبارات مبهمة :" الغريب أني .. أن لدي شعور تجاهه".

حدق فيها باستفسار خائف.. فعدلت من كلامها حتى تفهمه ما يدور بخلدها :"أقصد هناك شعور بأن هناك شيء ضخم أو مبهم خلف الحادث الخاص به ".

رفع راحته يمسد كفها .. دوماً لها الأولوية عنده .. غمم مستفسراً:" القصة كلها في لديك شعور تجاهه يا أمينة ..أنا ربيتك يا ابنتي على الصراحة وتحديد نفسك ".

اتسعت ابتسامتها تجادله بحجتها:" أنا احادثك عن جريمة وأنت تحادثني عن مشاعري .. بابا لا تخشى علي شيئاً.. لو كان هناك شيء سأبلغك به .. كما عودتني معك يا أفضل أب في مصر ".

وضعت راسها على صدره .. فأحتضنها وربت على كتفها .. ثم صار يمسد شعرها :" نعم يا أمينة يجب عليك التدقيق في اختيارك حتى لا تخسري ذاتك .. الخيار الخاطيء يجلب خسارة الذات ".

دفعها بخفة لتستقيم مما يدل على أن القادم كلام هام.. فبدأ يتحدث :" بالنسبة للرجل هل لكِ أن تجلبي لي صورته ربما استطيع التعرف عليه.. وكذلك سوف أمنحك عدة مواقع للغائبين ربما تستطيعين الوصول لذويه كحالة إنسانية بحتة ".

اندفعت نحوه تقبله من وجنتيه ..

هتف بها :" انتظري حتى نحصل على نتيجة .. ثم هناك أمر أريد محادثتك به".

تراجعت للخلف تنتظر ما سيجود به .. همهم بتؤدة هو الوحيد الذي يدرك ماهيتها :" منزل جدك عز الدين قررت بيعه ".

اندفع صوتها في دهشة أكبر من أي شيء :" ألم تكن رافض بيعه كلياً؟!!".

لم تدرك دواخل نفسه عندما رفض بيعه .. ظنت أنه يحتاج إليه ليجتر ذكريات أمها فيه .. لكن بعد معرفتها الحقيقة أزدادت حيرتها بشكل أقوى فلا يمكن أن يجتر ذكريات الخيانة إلا لو كان يهوى تعذيب ذاته أو أنه كان قد وصل لعشق من هذا النوع الذي تقص عنه الروايات .. عاد يتحدث وداخله يدرك أنه كان يتركه حتى يعثر على فريدة من خلال زياراته للمكان :" لم يعد هناك من حاجة إليه".

هتفت بصدمة :" ومتى كان له حاجة .. نحن هنا منذ زمن طويل .. كنت صغيرة كما ذكرت لي .. تركنا منزلنا القديم خلفنا كما حكيت لي .. ماذا هنالك ؟!!".

وقف يغادر المكان بشكل نهائي هذه المرة :" لا شيء.. سيجلب سعر مميز ".

نظرت لظهره المهموم الساقط بين كتفيه بإنحناءة تدركها ..

أخذت هاتفها تتصل على أستاذها ورئيس القسم الذي يهتم بكل تفصيلة في حياة مرضاه ، ويتواصل مع تلاميذه بحنو الأب ورعايته :" ما الجديد أمينة .. ألم أودعك منذ قليل؟!!".

ابتسمت هامسة :" نعم استاذي ..أريد فقط استشارتك في الحالة ذات الذاكرة المؤقتة ".

تحدث يبلغها واجبها :" أختاري له أسم يا أمينة .. عادة يساعد هذا في استعادة الذاكرة .. اشعريه باهميته وقيمته الإنسانية ليعود معك لواقعه".

سألته مستفسرة :" اليوم اكملنا المحضر والشرطة ذكرت أنها ستضع صورته ضمن النشرة الدورية للمفقودين ربما يتعرف عليه أحد .. فهل لي من إقتراح وضع أعلان له في المواقع التي تهتم بهذا الشيء ، فيتم نشر صور فيها وهكذا نجد مساعدة أكبر وأوسع إنتشاراً.. ربما".

ضج الطبيب بالضحك .. ثم صمت مستطرداً بعد لمحة زمنية :" يا أمينة ..أنت ابنتي .. اعتز بزمالتك .. دعيني انبهك الحوادث مثل هذه تكون من أجل إخفاء اشياء .. هناك من حاول قتل هذا الشاب حتى يخفي شيء أو ينتقم لشيء.. ".

انتفضت أمينة بقلق :" اتقصد أن لا انشر صوره في مواقع التواصل الإجتماعي ؟!!".

عقب بجدية لا يخلو منها صوته دوماً:" لا يا أمينة .. لا أظن أن هناك من سيبحث عنه في هذه المواقع .. وربما لا يجد من يبحث عنه وإلا كنا وجدنا أحدهم يبحث عنه في الأسبوع الماضي .. أنا فقط أشعر باهتمامك المبالغ فيه .. وإلا ما كنتِ اتصلتي بي في هذه الساعة ".

نظرت للساعة الجدارية القديمة في دهشة لتسقط في واقع الصدمة .. تحملق في الساعة مستدركة مدى جنونها .. كيف لها أن تتصل بعد منتصف الليل بأحد اساتذتها مهما كان .. غمغمت في إرتباك :" اعتذر منك استاذي لم أنظر للساعة .. أعتذر منك ".

ادرك كم إحراجها فهتف فيها خشية أن تغلق :" أنتظري أمينة .. تستطيعين وضع صورته في المواقع التي ذكرتيها ربما يشاهده أحد من ذويه ".

انتهت من المكالمة .. وبدأت في رفع صوره عبر حسابها الشخصي في الفيس بوك .. في عدد من المواقع الإنسانية التي هي عضو فيها تتعامل مع الحالات الإنسانية عن قرب .. تتعلم منها الكثيرفي مجال عملها ..

وللآن لا تتخيل كيف لم تنتبه لإتصالها في هذا الوقت الذي يأوي جميع الإطباء فيه لفراشهم طالباً للراحة مالم تكن لديه مناوبة ليلية..

************

في الداخل**

يكاد لا يصدق ما تفوهت به .. الخذلان عقابه الخذلان .. هو الذي خذلها .. لقد ذهب إليها .. عاد يعتلى الماضي بكل ما فيه من أوجاع .. حالما غادرته .. تجر قدميها في انهزام .. انسحاق .. دلفت عليه أمه تنهره :" لماذا تركت حلمك يا أشرف يفر من بين أصابعك ؟؟!!.. ".

غمغم بحزنه الأصيل في صوته :" مازال الطريق طويل يا أمي .. وفريدة لابد لها من فرصة أفضل ستجدها مع من يملك ".

صدح صوتها يقطع عليه طريق الخزي :" المرأة مثل فريدة لا يهمها المال .. يهمها فقط الحب .. طالما حضرت إليك هي تحبك ".

دلف لغرفته يقيس جميع مايملك .. وجده خاسر بالمقابل لجميل الوحيد الغني يملك مصنع ومعرض للسيارات .. لكنه أعاد الرهان على فريدة .. لو لم تكن تحبه وتختاره ما قدمت هنا في منزله تعلن له عن ذاك المتقدم .. انتصب واقفاً خلف نافذته ينتظر أبيها هابطاً للصلاة حيث يمكنه أن يلاقيه ككل يوم .. تأخر الرجل عن المغرب لأول مرة فلم يهبط .. انتظره للعشاء حتى هبط أخيراً خرج بلهفة يلحق به يطالب بحقه فيها .. يطالب بالحب داخل قلبها ليعانق حب اكتنزه داخل قلبه.. لتكون المحصلة دمار شامل .. وقف أبيها يردعه عن مواصلة الوصل :"لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه .. لم يكن عليك الإقدام على هذه الخطوة .. أنت تستغل جيرتنا وحبي لك بشكل سيء".

هتاف لاذع المرارة خرج منه مصوباً تجاه من يحرمه الحياة :" أنا أم جميل الذي استغل وجوده هنا عندي لينتقي أجمل ما في شارعنا .. هو الذي استغل.. استغلني ".

قصف جبهة صوب لقلبه بقذائف حارقة من كلمات باردة اخترقت صدره:" أنت لم تكن لها حارس .. وهو لم يختطفها منك .. نعم انتقاها لانها أجمل زهرة في المكان .. كما انتقيتها أنت ".

صدح صوته فاراً من داخل قلبه المكبل بحبها :"أنا أحق بها ..".

صدح صوت وليها في المقابل يقاطع امتداد العبارات أمامه:" لماذا لأنك جارنا؟!!".

حدق فيه بعينا فقدتا الحياة :" لا .. لأنني أحبها ".

ضغط بكلتا يديه على حراجه الثخينة عندما عقب بكلمات من رصاص:" لو كنت تحبها كنت تركتها مع شخص كجميل .. رجل ميسور .. على خلق .. لا تفوته صلاة .. ابنتي تحتاج شخص غير محمل بمسئوليات .. لن يستطيع منحها إلا فتات من رزقه ، وبعض دقائق من وقته".

صار أخويه وأمه هما حبل مشنقته الذي تدلى من السماء ليقتله بلمحة ..

لمحة ظلام جعلت ظلام روحه ينطلق تجاه أبيها :" ربما أنا فقير ولدى مسئوليات .. ربما الفتات من طعام هي ما تغنيها .. ودقائق معي هي ما تحتاج إليه فريدة ويشعرها بالإكتفاء ".

حدق الرجل باستهانة للكلمات ثم عقب :" كلها كلمات ماذا تستطيع منحها سوى الكلمات يا أشرف .. جميل سيوفر لها ما ألمسه بيدي .. ليس طامع فيما لديها من بعدي ".

لا يصدق ماذا كان سيفعل معه أبيها وهو يدركه ويعرفه خير المعرفة .. كيف تلمس أمانها لدى حضن المال .. غمغم مستدعياً معلوماته الأخيرة الطاعنة :" نعم .. لديك الحق المال سيدفيء قلبها عندما يغيب زوجها في سكره الدائم .. جميل لن يسندها بل سيأتي عليها وعلى مالديها .. انانيته ستجعله دوماً ينظر إليها على انها طامعة فيه .. للآسف هذه نظرة الأثرياء ".

انتفض قلب الرجل غضباً:" لم أكن أتوقعك نذلاً بهذه الطريقة .. تدعي على رجل بشيء ليس فيه حتى تفوز أنت .. لما صادقته عندما علمت أخلاقه ".

أطرق أشرف للأرض ثم رفع هامته باعتزاز وصوته يخدش قلب الرجل :" لم تكن لدي أخت أخشى عليها منه كلنا رجال ".

مستدركاً أنه من اضاع فريدة من يديه .. نعم عندما صرح لسكير اناني الطبع بأنه يحب لذا يحفظ نفسه من أجل حبيبته وحدها .. هكذا كان يأتي منزله مستعمراً غرفته كمحتل لئيم التخطيط .. عندها صرخ عقله :" كان يخطط لنيلها .. جمالها .. اخلاقها .. وهدوئها كل شيء جعلها مطمع .. لكنه هو من جعل الصياد ينظر إليها .. ويضع الشباك في طريقها ..

غادر مهموم القلب يسقط ظهره كعجوز تجاوز المائة عام من هموم وأمراض يعاني منها ..

بعد يوم واحد.. كان جميل يدلف لمنزله يشاحنه :" لماذا يا أشرف ؟!!.. كنت ارجو منك المباركة لتستمر علاقتنا ".

ضج أشرف بالضحك محللاً:" يبدو العم قد صارحك بما أعلمته له .. لتفيق بهذا الوقت الباكر حتى تواجهني .. دعني اشم أنفاسك الحقيرة فأعلم كم كأس تجرعت!!".

دفعه جميل عنه صارخاً:" لماذا تقف عثرة في درب توبتي .. فريدة هي توبتي .. ستكون هي بوصلتي التي أهتدي عن طريقها للمسجد وميقاتي الذي يدلني على موضع سجودي ".

انحسر وجع أشرف داخل الكلمات الناصحة :" رب البيت هو الراع .. ستزهد توبتك طالما لم تكن التوبة لله خالصة .. ستحطم بوصلتك وتكسر عقـارب ميقاتك لأنك ستكشف مع الأيام ".

صدح صوته كاسراً لأوهام جميل :" ثم بيتك بنيته على أساس منزلي كيف تتوقع له أن يصمد ".

هدده وقتها :" لو لم يصمد سأعود لأنتقم منك يا أشرف .. وقتها سأعلم أنك السبب في انهيار جدرانه وسقفه ".

خرج من فتحة الباب المفتوح .. غادر حيث لم يعد له وجود بالجوار فلم يعد يراه أعوام .. وكذلك فعل أبيها ما يريحه فقد نقل مسكنه حيث لا أرض يدركها ، ولا عنوان يعلمه .. كم تمنى رؤيتها في ثوب زفافها .. فقط ليسجل هذه اللحظة في قلبه .. ضاعته في الوجود اللامتناهي ..

ضاع هو أيضاً في مسئولياته .. عمله في أحد المطاعم ملحق بأحد الفنادق الكبرى ..جعله يجيد عمله كساق في مجاله .. يقدم الطلبات لمن يريد .. يرى فتاة دائماً تخرج من الملهى المجاور أو تدلف إليه ..

في أحد الأيام رآها تختلف مع أحدهم كان يريد الجلوس معها في زاوية مظلمة .. صفعته وحاولت الخروج .. لا يعلم ما الذي جعله ينتفض متحولاً عن مكانه ينقذها مما هي فيه .. لا ملابسها الضيقة تلائمه ولا كشف ساقيها في هذا الجورب الكريستالي تنتمي إليه .. اخذها من بين يدي الرجل فيجعلها خلفه .. يصدح الرجل فيه :" أنت لا تعرف من أنا ولا من أبي ؟!!".

هتف به وهو يلكمه في انفه :" ما اعلمه أنك لص تريد نيل خطيبتي المنتظرة لي ".

وضع الصيغة القانونية السهلة الصعبة في نفس الوقت .. جعل الرجل يعتذر منه .. بينما هو اخذها للخارج .. دار الحديث عنها وكيف وصلت لهنا ..حديث مطول انهى معه الليل كاملاً.. بينما هو يريد منها شيء واحد كما يفعل كل رجل يلتقي امرأة وحيدة تحولت نواياه .. لكنها كانت أكثر حنكة :" ليس بدون زواج ".

لا يصدق الكلمة التي خرجت من فيه :" نتزوج .. هيا".

كانت ليلة التحولات الجسيمة .. قرر إنقاذ روح من محرقة الملاهي .. فجلب لنفسه الشقاء ..أول متاعبه كان صرفه من عمله بعد تقديم المشرف على عمله تقرير جعله لا يتحلى بتحمل المسئولية .. حمله جميع الأثام القديمة ..

ثانيها غضب أمه عليه واخذها مستقراً في غرفتها بعيداً عن زوجة بلا أخلاق كما شاهدتها .. قرر العودة للعمل بمؤهلاته الجامعية .. تاركاً خلفه العمل الذي كان يدر عليه ربحاً يفوق الوظيفة الروتينية مهندس زراعي في وزارة الزراعة .. عاماً واحداً لم تتحمله .. تجلس في غرفته في انتظاره تمج دخان سيجارتها .. دلف محملاً ببعض الأكياس وضعها على الأرض في الغرفة الضيقة التي لم يبدل أثاثها .. لم يضف في حياته سوى هذا المهد لصغيرته التي بدلت حياته فجعلته يبتهج بسعادة لمجرد رؤيتها تبتسم .. نظرت إليه باشمئزاز :" هذه الأشياء التي طلبتها أمك هذا الصباح ..أليس كذلك ؟!!".

تشير لرضيعتها الغافية في فراش صغير مستكملة الشجار الذي بات يومي :" كنت أحضرت لأبنتك كما تحضر لأخويك .. ألم ينتهيا من الدراسة .. لمتى ستظل تنفق عليهما ؟!!.. ثم أمك لمتى ستظل تتجنبني طوال اليوم ؟!!.. لقد أدركت أني حضرت رغماً عنها لبيت العز .. للقصر .. ".

ينصت بلا رد يحتل لسانه .. فقط ينظر للصغيرة الغافية عن أوجاع الدنيا .. سوى أنه قد جلب لها أم ستكون مصدر وجع ينتظرها العمر كله .. صمته الدائم وخروجها الغير مسئول جعل حدة الفراق تزداد بينهما .. بالنهاية فارق أخوته بالسفر لبناء المستقبل وأمه ماتت قهراً عليه .. وانتصار خذلته بالخيانة .. ربما لم تكن خيانتها جسدية ..عندما اختلقت عذراً لخلاف كبير حتى طلقها بناء عن طلبها .. غادرت ولم يبحث عنها .. والغريب في الذكر صارت زوجة لجميل المعداوي .. وقتها حاول الوصول إليها أو لجميل .. فقد علم أنهما خانا وانتقما منه بهذا التجمع .. لم يتوصل إليهما حتى مات جميل .. وكبرت هي فصارت أسم على ملهى ليلي مشهور .. وعف هو عن هذه المدارك نهائياً.. لم تعد تشرف المكان الذي تكون فيه .. فكان لابد له من نسيانها من أجل صغيرته ..

افاق من شروده على كلام فريدة اليوم .. لماذا أدعت التجاهل .. أفقط لتؤلمه أم أن هناك اشياء أخرى .. أشياء يجهلها ..

نظر لشريط حياته الفار أمام عينيه .. يلاحق الليالي التي تعد محطات في حياته .. ادرك حب فريدة وتركها في ليلة .. تزوج انتصار في ليلة .. تركها في ليلة .. وهذه الليلة عاد يعلم أين فريدة .. مستدركاً أنها ستغادر أكيد ..

أخذ هاتفه يتصل بالمشفى .. فيعلم بالفعل أن فكرته صائبة :" لقد غادرت منذ ساعتين ".

فيتحدث للرجل الذي لولا معرفته به ما كان أعلمه شيئاً:" أتصدق أنها أرملة صديق لي .. فقدت أخباره منذ زمن .. هل استطيع معرفة عنوانهم لأزور بناته".

يكاد يحلق من السعادة بهذا العنوان .. كطفل صغير بملابس العيد .. وضع العنوان الذي كتبه داخل هاتفه .. احتضن الهاتف وكأنه يحتضن الحياة من جديد ..

*********

فجراً

أفاق يبحث بجنون عنها وكيف لا وهي الثابت الوحيد في هذا الكون الشاسع .. الوحيدة التي يطمئن إليها :" أين الطبيبة الصغيرة ".

ابتسمت الممرضة الليلية :" تقصد الدكتورة أمينة ".

حرك رأسه بابتسامة سخيفة من وضعه تحولت لضجيج صاخب :" لا أعرف أهي ذاتها أم أخرى تحمل ذات الأسم ".

ادركت السخرية في صوته من حالته التي صار الجميع يعرفها جيداً لتكمل في روية :" هي الدكتورة أمينة .. ليس لدينا غيرها تحمل هذا الأسم .. وهي الصغيرة التي تتكفل بمساعدتك ".هتف وكأنه يبحث عن تسلية :" أحكي لي عنها ".

ابتسمت بود غريب .. كأنها تعلمها حق المعرفة :"إن أمينة متخصصة بالمواضيع الإجتماعية، تعشق الناس و قلبها الطيب يجعلها تصر على المثابرة.. أنا واثقة أنها ستظل معك حتى تجعلك تتذكر نفسك ".

قطب جبينه مطالباً:" لا .. أحتاج معرفة كل شيء عنها .. تبدو ..".

ثم صمت مطبق الشفاة .. استطردت ما يقصده :" تبدو تعرفها من أعوام .. هي هكذا مع الجميع تصادقهم في لحظات ولا تمنحهم لحظة يطلبون منها شيئاً... بل تبادر تقدم ، وتقدم للجميع ".

بدا مهتماً بها بشكل ملحوظ .. فسحبت مقعد تتحدث إليه :" بما أنك الوحيد المتيقظ .. والباقي من المناوبة بضع ساعات سأغفو حتما لو لم أشغل عقلي بشيء .. سوف أحادثك عنها ".

افتر ثغره عن إبتسامة جعلته يبدو أكثر وسامة .. جعلتها تتحدث براحة أكثر :" الطبيبة أمينة هي فتاة وحيدة والدها المهندس أشرف عز الدين .. أبيها صاحب مكتب استيراد وتصدير .. يصدر الفاكهة والخضر التي يزرعها بنفسه في عزبته الخاصة .. كان قد اشترى أرض في الطريق الصحرواي استمر أعوام يصلح فيها حتى منحته خيرها .. عاد للقاهرة من أجل ابنته عندما أصبحت في الجامعة .. صار يراعي أرضه من بعيد من أجل البقاء مع ابنه .. لا يتركها وحدها لحظة .. أتعرف أمس بعد أن قررت الطبيبة المكوث في المشفى في مناوبة استثنائية .. تراجعت في أخر لحظة .. كانت تظنه قد غادر بعد أن حضر ليقلها رغم أنها تقطن قريباً من المشفى .. لكنه ظل يجوب المشفى .. وحسناً فعل فقد تراجعت لتجده متواجد اقلها معه .. أكاد اتصوره لا يتركها .. بل كان سيفضل المكوث في ممرات المشفى حتى يرعاها بوجوده ".

ضربة قوية طرقت رأسه مما جعله يمسد جبينه .. نظر نحوها بشيء من ألم .. هاتفاً فيها بأول صورة طرقت عقله:" هو مقعد ..أليس كذلك ؟!!".

طوحت يدها للخلف رفضاً:" هل تشكو من صداع .. لماذا تمسد جبينك .. لا ليس مقعد .. أبيها في وافر صحته ".

وقفت تمنحه قرص مسكن فحالته واضحة للعيان .. ثم عادت تتحدث :" الأستاذ أشرف عز الدين يتحلى بالصحة يبدو أن وفاة أمها المبكرة جعلته يحافظ على صحته ".

ضجت بالضحك على نفسها .. الفكاهة تطرق قاع عقله فيبتسم مثلها في عدوى .. صوت جرس أحدى الغرف جعلها تخطو للخارج بلا تقديم أعذار ..

ظل يستفسر .. لماذا كذبت أمينة علي أن كانت قد رتبت المكوث في المشفى .. ولماذا بدلت رأيها ..

بدأ عقله يشعر بالخدر مستجيباً للقرص المسكن .. يسبح في عالم بلا هوية .. بلا أي مشاعر ..

******************

في الصباح الباكر **

لحظات محملة باللقاء .. تحرك ظل فوق رأسه في هذا الوقت .. فتح نصف عينه .. وجد رجلاً يرتدي بذة سوداء .. هيئته لم تكن مريحة له .. تقدمه خلسه نحو زجاجة المحلول الملحي المعلقة في فراشه .. ثم اخرج من جيب سترته محقن دفع به داخل المحلول .. شعر بالخطر وقتها ولكنه لم يتحرك .. فالدخول مع هذا الرجل في معركة .. ستجعل لحظاته في الكون معدودة .. ضخامة الرجل تؤكد هذا ..

مد يده يخنق الأنبوب البلاستيكي الرفيع حتى لا يتسرب لجسده أي محلول .. أطمئن الرجل أن مهمته تمت في سلام .. فرفع إبهامه لأعلى .. ادرك مع الرجل الشاب أنه محاصر .. فلم يجد بدا من الإستمرار على هذه الطريقة المدعية الثبات في نعاسه..

خرج الرجل تاركاً الغرفة تسبح في الظلام .. مد الشاب يده نحو مفتاح الأنبوب فحركه حتى أغلقه كلياً.. وظل يفكر في كيفية التصرف .. لو علم هذا الرجل أنه لم يمت فغالباً هذا المحلول به مادة قاتلة .. عقله صار يدور بشكل غريب .. يجب تحليل هذا المحلول .. وفوراً.. لكن في من يثق حتى يخرج له شكوكه .. بل من سيصدقه أصلاً..

دلفت الممرضة في هذه اللحظة .. تتحدث بهدوء .. تتثأب :" هيا استاذ .. خد علاجك ".

جلس وأخذه منها .. وضعه في فمه ثم دفعه تحت لسانه .. ابتلع بعدها قليل من الماء .. ومنحها الكوب ثم اخذ القرص من فمه ألقاه أرضاً مستغلاً حركتها للمغادرة .. تتحرك للخارج فيسألها :" هل كان هناك مناوبة مرور .. وهل هناك وصفة علاجية من حقن لي .. من قليل".

لوت شفتها لأسفل في استنكار باذخ النكران :" لا .. أنا فقط المناوبة .. وغير مسموح لغيري بمنحك أي علاج ".

في هذه اللحظة أدرك أنه في خطر داهم .. غمغم متوسلاً:" لقد ذكرتي لي أن الطبيبة أمينة تقطن بالقرب من المشفى .. هل من الممكن شرح لي عنوانها .. وعنوان المشفى .. ربما يساعدني هذا على تذكر الأماكن ".

كانت تتمنى العودة للنوم مرة أخرى بسرعة .. فلم تجد بدا من التجاوب معه .. أطلقت عنوان المشفى .. وعنوان الطبيبة بالنسبة للمشفى .. فعلق بضيق :" لا أتذكر أي شيء".

غادرته ملوحة بيدها :" نام سيدي فالراحة تجلب انتعاش الذاكرة ".

وقف مكانه .. نزع الأنبوب .. سد فوهة الكانيولا بالسدادة الزرقاء الخاصة بها .. ثم جمع الأنبوب الطويل والقارورة البلاستيكية .. حملها معه.. للخارج يتحرك في المشفى النائم جميع من فيه ..

يتلمس طريقه للخارج في ملابس تخص المشفى .. لابد له من ملابس يرتديها فوق ملابس المرضى .. أخذ سروال كان في أحد السلال الكبيرة يخص أحد الأطباء وكذلك معطف لطبيب .. وخف تم وضعه أمام غرفة ما .. وهكذا غادر المكان .. قاصداً أمينة هي الوحيدة من يثق بها ..

****************

بعد ساعة بالتحديد**

طرقات على باب المهندس أشرف .. في هذا الحي الراقي .. لكن في جزء قديم صار تجارياً من الدرجة الأولى ..

هرولت أمينة من غرفتها لتصطدم بأبيها الذي خرج في الرواق ..

منعها التقدم .. تقدم هو يفتح الباب ..

وجد رجلاً غريب الهيئة .. ظل واجماً أمامه .. يتعثر في كلماته التعريف المعتادة .. :" أنا ..أنا..".

لكنه وجد الحل عندما هتف بلهفة :" الطبيبة أمينة تقطن هنا".

خرجت أمينة تجمع أطراف مئزر ثقيل على جسدها .. في دهشة :" أنت ..كيف؟!!".

ثم نظرت لأبيها :" هذا المريض الفاقد الذاكرة يا أبي ".

تحرك أشرف ليتقدم الرجل للداخل .. اغلق الباب وهو ينظر للخارج وكأنه يبحث عن تفسير أو ربما يخشى المسآلة ..

تقدم منها المريض متحدثاً:" أحدهم حاول قتلي منذ قليل".

دهشة .. صمت .. عدم تصديق .. جعلت الأب وابنته يتبادلان النظر ملياً.. ثم عقبت أمينة :" كيف أدركت هذا؟".

سؤال جعل عقله يصاب بالخرس فجأة .. كل ما استطاع الإجابة به :" خذي القارورة وحللي محتوياتها .. لقد وضعوا لي حقنة هنا ".

اجابته وهي تأخذها منه :" سوف أرى .. الآن يجب عليك تناول الطعام .. والراحة .. تفضل ".

جلس على الكنبة .. بينما تحركت هي وأبيها خلفها .. يخشى عليها ولكنه لم يتحدث الآن .. هي من تحدثت :" سوف أجعله يتناول الطعام حتى لا يفقد توازنه ".

الصمت كان هو الحل الذي اهتدى إليه .. عاد يخرج .. وجد الرجل نائماً في مكانه .. حدق في ملابسه الغريبة .. لا يعلم لماذا يشعر أنه رأه من قبل .. هذا الوجه ليس غريباً عليه .. حتى من اول وهلة جعلته أمينة يرى صورته .. يشعر أنه يعرفه ..

هذا الوجه رأة ربما في مقال أو مجلة .. ربما .. في جنازة ..

************

"لابد لي من الذهاب للعمل .. الروضة والأطفال .. هناك من أتولى رعايتهم ".

وقفت رؤى خلف باب الشقة .. تحرك رأسها برفض :" لن تذهبي يا أمي .. حقاً لا يمكنك الذهاب ".

أسقط في يدها .. لابد لها من تنفيذ وعدها لجميل .. وعد دائم لا يمكنها الفرار منه ..

انتهى الفصل

Continue Reading

You'll Also Like

10.3M 251K 55
من بعد تلك المرة الوحيدة التى جمعها القدر به اصبحت من بعدها غارقة بحبه حتى أذنيها..قامت بجمع صوره من المجلات و الجرائد محتفظة بها داخل صندوق كما لو ك...
1.3M 121K 36
في وسط دهليز معتم يولد شخصًا قاتم قوي جبارً بارد يوجد بداخل قلبهُ شرارةًُ مُنيرة هل ستصبح الشرارة نارًا تحرق الجميع أم ستبرد وتنطفئ ماذا لو تلون الأ...
1.1M 72.1K 105
" فرحات عبد الرحمن" شاب يعمل وكيل نيابة ويعاني من مرض اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع مع ارتباط وثيق باضطراب النرجسية مما يجعله ينقاد نحو كل شيء معاك...
465K 10.8K 38
لو إلتقينا في عالم آخر لوقعت.. لغرقت وتهت في حبك ولكن ولدنا هنا في عالم انتِ القاتلة وانا السجان واه من حرقة الإنتقام ولهيبها تهنا معًا في هذا الظلام...