الأسير العظيم
أخذ مسلم أسيرة إلى القصر ... كان ما يزال يشعر بالإعياء و التعب و العطش رأى مسلم في باب القصر جرة مليئة بالماء .
فقال : - اسقون من هذا الماء فقال الشرطي :
- لن أسقيك حتى قطرة واحدة فقال مسلم :
- ما أقساك و أفظك !
جلس مسلم و أسند ظهره إلى جدار القصر . فتح باب القصر و أدخل مسلم علی ابن زیاد . فقال الحارس المسلم :
- سلم على الأمير .
أجاب مسلم : - إنه ليس أميراً.
أطلق ابن زياد ضحكة شيطانية و صاح :
- سواء سلمت أو لم تسلم فسوف أقتلك .
قال مسلم بشجاعة :
- إن تقتلي فلقد قتل من هو شر منك من هو خير مني .
قال ابن زیاد بنفاق :
- لقد خرجت على إمامك ، و شققت عصا المسلمين ، و أثرت الفتنة أجاب مسلم بثبات :
- كذبت إنما شق عصا المسلمين معاوية و ابنه يزيد ، و أثار الفتنة أبوك ...
و أنا أرجو أن يرزقني الله الشهادة على يدي شر الخلق .
أراد مسلم أن يوصي لأنه سوف يقتل بعد قليل نظر إلى الجالسين فلم يعرف سوى عمر بن سعد فقال له :
- إن بيني و بينك قربة ، و أريد أن أوصيك ببعض الأمور
لكن عمر بن سعد كان جبانا ، فرفض أن يقوم مع مسلم و أراد ابن زياد أن يعرف وصية مسلم فأمر بن عمر بن سعد أن و ينهض مع مسلم ..
و أخذ مسلم عمر بن سعد إلى زاوية في صالة القصر ، و كان ابن ا و زیاد يراقبهما .
قال مسلم :
- أتقبل وصيتي ؟
- نعم .
قال مسلم :
- إن علي في الكوفة دينا يبلغ ستمئة درهم ، فبع سيفي و در عي و سد منهما الدين ..
- و ماذا بعد ؟
- أن تدفن جثماني .
- و ماذا بعد ؟
- لقد كتبت إلى سيدي الحسين رسالة و أخبرته بوفاء أهل الكوفة ، فاكتب إليه أنهم غدروا ... فلا يأتي إلى الكوفة .
جاء عمر بن سعد و أفشى كل ما قاله مسلم إلى ابن زیاد .
التفت ابن زیاد إلى مسلم و قال مرة أخرى :
- لقد فرقت بين الناس .
قال مسلم :
- كلا ! ... و لكن أهل الكوفة كتبوا إلينا أن أباك زياد قتل الأخيار ، و سفك الدماء ، و عمل فيهم أعمال کسری و قیصر .
فجئنا لنأمر بالعدل نو ندعو إلى الحكم القرآن .
قال ابن زیاد :
- إننا نحكم بالعدل .
قال مسلم :
- إن الله ليعلم أنك غير صادق .
إنك لتقتل الناس على العداوة و سوء الظن .
تعجب الحاضرون من شجاعة مسلم و جرأته . صاح ابن زیاد و راح يشتم علي و عقيلا و الحسين .
فقال مسلم بشجاعة : - أنت و أبوك أحق بالشتم .
صاح ابن زیاد بالحراس :
- خذوه إلى سطح القصر و اقتلوه ، و ارموا جسده من فوق القصر .
و واجه مسلم الموت بشجاعة صعد مسلم لم القصر ، و هو يتمتم :
- لا إله إلا الله ... سبحان الله ... الله اكبر .
كانت السماء صافية ... كان القصر يشرف على سوق الكوفة تجمع الناس ينظرون إلى مسلم دون شعور بالحياء .
رفع مسلم عينيه إلى السماء الزرقاء و قال :
- اللهم احكم بيننا و بين قوم غرونا و خذلونا و كذبونا .
ثم التفت إلى جهة المدينة المنورة و هتف :
- السلام على الحسين .
و تقدم الجلاد ، و أهوى بالسيف على رأس لم يركع إلا الله الواحد و القهار .
ورمی جسده من فوق القصر .
أصدر ابن زياد أمر بقتل هانی بن عروة ، فأخرج إلى السوق في و مكان يباع فيه الغنم كان هاني مكتوف فصاح يستنجد بقبيلته مدحج :
- و امذحجاه !
و أين مني مذحج ؟
و لكن أحدا لم يستجب لندائه .ط و هكذا لقي هانئ مصرعه على ا أيدي الجلادين .
كان ابن زیاد مجرماً قاسي القلب .
لم يكتف بقتل مسلم و هانئ ، و إنما أصدر أوامره بسحبهما من أرجلهما بالحبال في الأسواق ، ثم صلبهما منكوسين .
و أرسل رأسي الشهيدين العظيمين إلى دمشق ، حيث يحكم الطاغية يزيد بن معاوية ؛ و فرح يزيد و أرسل رسالة إلى
ابن زياد :
... إنه قد بلغي أن الحسين بن علي قد توجه نحو العراق فضع المناظر و المسالح و احترس على الظنّ و خذ على التهمة ... "