لست وحيدا 2 _ماذا اكون ؟

By YoumiruSan

43.8K 4.4K 7K

يريد تقبل العالم كما هو يريد ان يعيش مع الجميع بشدة تلك اللحظات التي رسمت بعقله جعلته ملحا ليتعلم اكثر .. لك... More

*المقدمة*
*لما انت تحديدا*
*لنحل القصة بمباراة*
~المستقبل~
*أين أنت*
*استسلامنا اسوأ من الفشل*
*نحن بداية هذا التغيير*
*لم يتغير شيء*
*ماذا اكون*
*اشاعات*
*أريد منافستك*
*المستقبل*
*خسارتك .. حماقة*
*أفضل أخ*
*امل ستبقى معنا*
*أنا خائف*
*أنا متوحد؟!*
*عيون اخي زرقاء*
*الإعتذار لايكفي*
*لمَ لمْ يقبل*
*ضياء غير الكثير*
*أخيرا رد على كلامه*
*لم أملك شيئا غيره*
*لا افهمك*
*لقد وعدناك*
~المستقبل~
*الدعوة*
*لست بهذه ابطيبة*
*الحقيقة*
*سأدون ذلك دائما*
*كل ما فيك يكون اخي*
*صاحب المئة*
*أرجوك لا تقبل*
*اسئلتكم*
*أنه قرارك*
~المستقبل~
*أفتقده*
*لستَ صغيره*
*اياد*
*خلف القضبان*
*كنت وصيتها*
*سأنقذك دائما*
*من الضحية*
*لاتضع فرصتك*
*يوم غريب*
~المستقبل~
*المدرسة الأولى*
*نهاية الذكريات*
~المستقبل~
*انتصرنا .. امي*
~المستقبل~
*فصل خاص*
*بأحد الأيام*

~النهاية~

1.1K 97 291
By YoumiruSan

7290 كلمة لاجل انتظاركم ...

لنكملكانت نهاية الأسبوع اختلطت الكثير من مشاعرهم فيها لكن تجاوزوا الأمر سريعا فكل همهم محصور بنهاد وبين ذلك محاولات ضياء للوقوف أتت بثمارها ليستطيع التجول بالغرفة مستندا على بهاء وجرحه يتماثل للشفاء

بلحظة ما طرق بابه ليظهر شخص لم يتوقع قدومه، ذلك الشاب ولاء دخل غرفته مرتبكا :"مرحبا كيف حالكما؟"

وقف بهاء مرحبا به رغم أنه نسي قصته تماما أما الآخر لم يجد مكانا ليخفي وجهه فيه فقد تجنبه لاسابيع والآن يأتي لزيارته وقبل حتى أن يجلس مكانه اخفض ضياء رأسه ببعض الحرج :"حقا آسف .. وشكرا لما فعلت يومها .. لم أكن منتبها .. آسف"

رد ولاء بضحكة :"لا عليك لقد شرحوا لي ماحدث .. المهم أنك بخير الآن"

شعر ضياء ببعض الراحة بعد أن أخبره بهاء عن رؤيته بالاقامة والسؤال عن حاله :"حسنا شكرا"

قدم ولاء كيس فواكه لبهاء :"لا اعرف ما يمكنه أكله ففكرت بالفاكهة"

بهاء ببعض التوتر فيكفي ما أحضر الآخرون فلحد الآن لا يمكن لضياء أكل الفاكهة بعد :"اتعبت نفسك .. على العموم شكرا"

رغم أنه لم يفهم كلامه رد :"لا تعب بذلك"

تساءل قليلا عن ما حدث معهما بالمشفى ومرضه الذي تجاوزه ليحاولا اخيرا الوصول للمهم

ضياء:"ما احوال الجامعة لقد فوت الكثير ومازال علي الغياب هذا الأسبوع"

أخبره عن بعض الوظائف التي أنجزوها بالأيام الماضية وبعض الدروس لينهي كلامه :"دفاتري وأوراقي .. إن احتجتها أخبرني"

فضحك بهاء بينهما فحتى الآن لم يفتحا موضوع مذكرة التخرج :"تم تقسيم فوجك لثنائيات من أجل التخرج وبقيتما وحدكما .. إذا"

ابتسم بهاء لاخيه فالآخر قد وافق من قبل بل لا خيار لهما غير بعض :"وجدت شريكك"

التفت ضياء للآخر :"إن لم يوجد ازعاج بالأمر .."
ولاء بضحكة :"أنا موافق .. عد بسرعة للجامعة لنجد موضوعا مناسبا"

بذلك تبادلا أرقام هواتفهما ليتواصلا وبعد وقت انتهت زيارته ليتفاءل ضياء :"متى أعود للجامعة .. اه حقا لم اعبث بهاتفي منذ اسيقظت"

وماذا قد يفعل به وبهاء ملازم له منذ استيقظ فأجابه :"ربما بعد اسبوعين ... ونعم لم تصلني رسائل من أحد من وقت طويل"

ضحك ضياء ليفتح المحادثة بينهما فتوقفت ضحكته مباشرة مع رسائل بهاء

*لا أريد رسائلاً بل أنت هذا كل ما كنت أريده والآن

* أرجوك عد بسرعة لقد سقطت .. بل لا تريد التوقف

حرك عينه للارجاء متوترا فقد شعر بكمية الحزن الذي أصاب اخاه يومها ثم رفعهما لبهاء مشيرا لجانبه :"تعال اجلس هنا"

وحين فعل استند ضياء على كتفه ليضم يد بهاء بين يدي :"إذا بكيت دون أن اضمك ولحد الآن لا استطيع .. لطالما كنت تقف معي بغرف المستشفيات وهذه المرة فعلت أكثر من مجرد وقوف .. شكرا اخي"

اسند بهاء رأسه لرأس ضياء بضحكة : "اخي .. افتقدت هذه الكلمة منك وقتها .. لكن لا أحتاج شكرك"

التفت لابتسامة بهاء ولو كانا صغيرين لقبله وعانقه كثيرا

فحدق بهاء به بدوره :"وقت دوائك وتنظيف الجرح"

ابتعد ضياء بضجر :"مجددا ااه"

حل صباح جديد ومع نشاط ضياء جعله بهاء يخرج مستندا عليه من غرفته ليستنشق هواء نقيا بالحديقة دون رائحة الادوية والمعقمات وهذا قبل موعد غذائه

كانت حديقة زاهية بشتى أنواع الزهور بما أنه فصل الربيع والخضرة تلفهما من كل جانب تمشيا حولها وحين اقتربا من مقعد يبعد عنهما بضعة خطوات وقفت لتبعد خصلات شعرها الأمامية لخلفها مبتسمة براحة : "مرحبا"

رد بهاء بسعادة مرحبا بها أما الآخر ارتبك ومازاد وضعه توترا، بهاء الذي أسرع به للمقعد وفور جلس ربت على كتفه :"انتهت مهمتي بما أن طبيبتك هنا الآن .. أنا ذاهب"

اخفض ضياء رأس ليخفي وجهه ليهمس مع نفسه :"يتغير كل شيء إلا احراجه"

وفوقها سمعه يقول بسعادة لها :"امل اهتمي به"

«سيجلطني لا محالة .. كيف احدثها بعدما حدث»

لكنها أتت لتزوره رغم ما حدث ضحكت بخفة لتجلس بالمقعد تاركة بعض الفراغ بينهما :"كيف حالك اليوم؟"

لم يجد ما يفعل فهذا هو بهاء كما يعرفه عدل من جلسته ليبتسم :"بخير .. احسن بكثير وأنت؟"

_بخير أيضا .. ليس عندي حصص صباحية اليوم فقررت أن آتي .. لم ازعجك صحيح؟

عن أي ازعاج تتحدث عنه وسعادته لا توصف من يوم قبلت نفى ذلك بضحكة ليأخذ نفسا عميقا ليفتح أي موضوع كان :"سعيد لمجيئك .. صراحة بهاء اصبح مزعجا هذه الأيام"

فضحكت :"لا تقل ذلك أو تريده أن ينتحر"

_لا تقلقي لن يتركني من مجرد كلمة
_أمزح .. أصلا لا شيء تغير وهو يهتم بصحتك وحسب فتحمل .. اه حقا

أخذت كيسا كانت تحمله معها لتضعه بينهما لتبرز علب الطعام داخله

ببعض الارتباك قالت :"هذا ما استطعت صنعه بالاقامة .. غداء لبهاء وحساء خضار لك .. آسفة لايمكنك أكل شيء آخر حاليا .. كما أني هرست بعض الفواكه بهذه الطريقة ستتمكن من أكلها .."

فواصلت كلامه عن ما يجب فعله وما لايجب ليتوتر ضياء كليا ويوقفها : "حسنا شكرا لكن تكفيني نصائح بهاء .. أو أنكم تثبثون لي أن كل الاطباء هكذا"

ضحكت امل ببعض السخرية :"تقول هذا وكلمة طبيب ملتصقة بك أيضا"

تم قصفه بنجاح لكن :"لا نستعمل الأدوية وابركم بمجالي .. علم النفس شيء غير ملموس .. علاج دون ألم جسدي فلحد الآن مفاصلي تؤلم"

امل :"ولمَ لم تعالج نفسك إذا؟"

صمت دون رد ليقول بعد ثوان :"ليس وكأنكم بلا فائدة لكن يكفيني قصف بهاء"

فضحكت ليتبعها بذلك وبهاء يبتسم لمنظرهما من بعيد ابتسامة كسرت بعد لحظات متذكرا بعض الأشياء :"أما أنا .."

_وأنت ماذا هاا

صدر رد من خلفه تبعه جر لطرف قميصه جهة ذراعه ليضحك بهاء :"اصيل توقف"

وحين ابتعد عنهما رد اصيل :"إما ابقى معهما أو ابتعد كليا .. النظر من بعيد ممنوع"

لم يرد بهاء بشيء ليضحك اصيل :"ربما اعتدت الأكل معك هيا للمطعم"

هز بهاء برأسه موافقا ليتجها هناك وكل ما طلبه بهاء كأس ماء ليحدق اصيل به :"هل من شيء يزعجك؟"

نفى ذلك ليصر اصيل عليه ليأتيه سؤال اعتاده :"اصيل متى ستتزوج؟"

_حتى أنت تسأل ااه يكفيني الموظفون بالعمل

ضحك بهاء ليرد :"تملك شقة وسيارة عملك جيد .. ماذا تنتظر؟"

كان خلف كلام بهاء اسئلة أخرى ليفهمها اصيل :"هل تحاول ايجاد عذر آخر لك!"

حاول بهاء تغيير الموضوع لكنه استسلم في النهاية تحت اصرار اصيل ليقول بابتسامة منكسرة :"أي عذر .. أنا لست مثلكم منذ البداية"

_بعد كل ماوصلت له .. صدقا هذا ليس وقت التشاؤم .. بقيت خطوات قليلة فقط
_رغم قلتها فقد طالت

قال ذلك محدقا بكف يده ليضع اصيل كأس الماء به ويتفاجأ الآخر محاولا امساكه قبل أن يقع

"أيا ما كان اعتقادك فهو صحيح في كلتا الحالتين .. قرأ هشام هذا بأحد كتبه"

قالها اصيل ثم حدق بجدية بعيون بهاء : "إياك أن تقلل من شأن نفسك"

تلك الجملة هزت ما بداخله ليكمل اصيل بابتسامة :"ضياء سيحدثك بشكل أفضل فأخبره بهذا لاحقا"

ابتسم بهاء وببساطة لاينوي اخباره واحباطه بخوفه

مضت بعض الدقائق لينتهي اصيل من طعامه ويجبر بهاء على الأكل معه ثم عادا ادراجهما عند ضياء

دخل اصيل حديثهما مباشرة :"هيا اسرع بالعودة .. غرفتك تنتظر"

ضياء :"ما دخلك أنت؟"

التفت لبهاء ليسمع رأيه فرد بضحكة سخيفة :"يجب أن تستريح الآن"

أمل بابتسامة :"جيد .. حان موعد حصصي أساسا .. أراكم لاحقا"

التفت لها ضياء :"انتبهي لطريقك"

استدارت مودعة لهم فضحك اصيل بسخرية فور مغادرته للمكان : "اححم .."

حدق به ضياء قبل أن يكمل :"ولا كلمة .. ساعدني لاصعد للغرفة واصمت"

وحين وصلوا للغرفة فتحا علب الطعام من أجل غداء ضياء الذي حان وقته لكن فتحا العلبة المخصصة لبهاء أولا كما قالت ليبدو الطعام لذيذا خصوصا بعيني ضياء الذي اشتاق للطعام العادي وطبعا ليس السبب الوحيد فهذه أول مرة سيتناول طعامها

اقفل اصيل علبة الطعام وابتعد بها : "وتجيد الطبخ .. محظوظ لكن ليس الآن فهو ممنوع عليك .. بهاء تعال .. فقد اشتقنا لطعام منزلي"

قصد اغاضت ضياء الذي التفت لبهاء لكنه وافق رأي اصيل ليتذوقاه :"فعلا طعمه جيد"

تجاهلهما ضياء ليفتح علبته وما كان فيها مجرد حساء خضر قد ملَّ منه فعلا ومع ذلك تناوله :"حتى هذا جيد لكن استمتعا لن اسمح لكما بتذوقه مجددا"

اصيل :"سنزورك بالمستقبل القريب ولن نتوقف عن الأكل حتى نمل"
ضياء :"سأطردكما من باب المنزل من قال سأسمح بدخولكما"

بهاء ببعض الدهشة وقد ترك ملعقته : "حقا؟!"

فواصل ضياء بجدية مصطنعة :"كما قلت لن اسمح بدخولك اصيل"

حدق بهاء بهما وقد دخلا تحدي تحديق بينهما ليضحك :"انتهت المعركة دعونا نأكل بهدوء .. أو لحظة"

حمل هاتفه ببساطة قائلا ما سيكتب : "بعد اسبوعين .. لاتنسي حصة ضياء من طبخك"

وقبل أن يرسل هجم ضياء عليه متناسيا ألمه :"اااحمق لا تفعل"

حاول أخذ الهاتف لكنه كان قد ارسلها حقا ليحرج ضياء :"لن احدثكما مجددا حمقى"

وصلت رسالة لبهاء ليحاول ضياء تفقدها لكن اصيل أخذ الهاتف ليلعبوا معك : "كان يتدلل علينا ها هو واقف وحده"

ضياء بانزعاج :"توقفا"

وبعد معاناة طويلة وجد أن كل ما كتبت

*حاضر*
.............

انتهى الأسبوع ليعود ضياء لمنزله حيث كانت المفاجأة تنتظره بغرفته لحظة فتحها

_أهلا بعودتك

لم تكن عائلة بهاء أو عائلته التي عادت قبل أيام بل مجموعة صغار أكبرهم بعمر الخمس سنوات مع ولدين بعمر الرابعة عشرة ليبتسم ضياء لهم :"صغاري وصديقي هنا .. هذه افكارك اليس كذلك إياد"

فور أنهى جملته تقدم ناحيته الفتى الاشقر بهدوء ليضمه برفق والجيد أنه أقصر بكثير فلم يصل لجرح صدره رغم ذلك التفت ضياء لبهاء ليوافق بابتسامة ويبادله العناق

إياد :"ضياء .. سعيد لاستيقاظك .. كنت انتظرك"

تقدم الفتى الآخر ليضمه أيضا :"وفادي أيضا سعيد"

وبذلك هجم الأصغر سننا وكل ما يرددونه : "وأنا وأنا .."

قد بلغت سعادته السماء بتصرفاتهم فقد كانوا ينتظرون عودته لذلك المركز كثيرا وفوقها قال إياد بعد أن هدأوا قليلا : "الطبيب قال .. تخرج ..بسرعة نحن .. ننتظرك هناك"

ابتسم ضياء له :"نعم تبقى بضعة أشهر فقط ولن أفارقكم مجددا"

بذلك هتف الجميع بسعادة، إياد تمكن من دخول المدرسة رغم تأخره سنتين عن أقرانه فقد عانى صعوبات كثيرة في الكلام، صعوبات مازالت تلازمه لحد الآن لكن ماعوض ذلك فادي الذي امتلك ظروفا مشابهة ليدرسا معا ويكملا الطريق معا تحت مساعدة ضياء وبهاء في تدريسهما وتعليمهما الرد على الحمقى الذين يستمتعون بالتنمر على هذه الفئة ليساعدا بعض بتلك المدرسة

بعدها وقفت فتاتان متماثلتان صغيرتان بوقت واحد لتقدما زهرتين جميلتين لضياء فقالتا معا :"احضرتها .. لك"

فابتسم ضياء لهما بدهشة وهو جالس على سريره :"حقا!"

تقدمت الأولى قليلا :"خذ .. أنا أولا"
فأبعدتها التانية :"لا أنا أولا"
فردت الأولى :"لكن زهرتي أجمل"
فعاندت الأخرى أكثر :"لا .. لا زهرتي أجمل"

فقام الصراع لتدفع احداهما الأخرى ويلتف الصغار حولهما وكل شخص بالجهة التي تناسبه قد كانا توءمين مشاغبين كثيرا وعنادهما لا ينتهي قامت الفوضى بينهم ليرتبك إياد فخطته أفسدت بهذه الطريقة فحاول فك شجارهم ليزيد الطين بلة فكلاهما صرخا باكيا

كتم ضياء ضحكاته ليتنهد ويقف بمرح يصفق ليصمتوا وينتبهوا له :"ألمْ تأتوا لزيارتي؟ .. لم تسألون كيف قضيت أيامي بالمشفى .. حزنت"

تظاهر بالألم وهو يشد على صدره : "هذا الجرح يؤلم كلما صرختم"

اقفلت الفتاتان فمهما ليصمت الآخرون تماما فكلهم يحبونه ولا يتمنون ألمه وعبارة ~حزنت~ كان يستعملها للاطفال الذين لا يفهمون مشاعر الآخرين فيخبرهم شعوره مباشرة فأصبحت كلمة معتادة عنده

فواصل كلامه مشيرا لبهاء :"هل تعرفون من يكون؟"

رد الجميع باسم بهاء لينفي ضياء ذلك بيديه :"لاااا .. بل تغير تماما لشخص آخر عندما كنت بالمشفى"

اصابتهم دهشة طفيفة ليحاولوا فهم كلامه :"كيف؟"

اقترب عند بهاء جعله يجلس ثم القاه على سرير ليكون هو المريض وضياء الطبيب :"أولا جعل من نفسه طبيبي وأنا لم أفارق الفراش"

غير صوته قليلا ليقول بجدية محدقا ببهاء :"ثم اصبح يتأمر علي .. يجب أن تتناول طعامك .. أن تنام جيد .. قف لتسير .. يجب تنظيف الجرحوقت دوائك  .. لا تأكل هذا ولا تفعل ذلك  .. مع تلك الابر التي كانت تؤلمني قليلا"

حدق جميعهم ناحية بهاء بغضب فنزل ضياء عندهم :"لكنه كان يهتم بصحتي كثيرا جدا ولو لم يكن هناك ما كنت لأرى وجوهكم بهذه السرعة"

حاولوا التصديق أنه لم يفعل شيئا شريرا بضياء ليبتسم لهم :"وأنا بخير بسببه اتعرفون لماذا فعل ذلك!"

هزوا برؤسهم فهم لا يعرفون ليخبرهم : "لأنه اخي وسيبقى كذلك مهما فعل .. حتى لو كان مزعجا أحيانا لكن فعل ذلك لمصلحتي فلم أعارض لقد كان طبيب رائعا جدا"

فشكر الجميع بهاء ليجلس مكانه ضاحكا، حمل ضياء الزهرتين من الأرض ووضعهما خلف أذن الفتاتين ليربت على رأسيهما :"كلاهما جميلتين جدا مثلكما تماما .. أنا وبهاء لا نتشاجر إطلاقا ولانكما اختين ستكونين مثلنا اليس كذلك"

فهزا برأسيهما مبتسمتين لبعض : "وجودكما هنا معهم أسعدني كثيرا وهذا يكفيني"

وذلك اسعدهم أيضا وبعد وقت دعتهم والدة ضياء للغداء جميعا ليلتفوا حول ضياء رغم أنه مازال لا يستطيع أكل كل شيء وحين وصل وقت عودتهم لمنازلهم تم طرد بهاء أيضا من قبل ريم التي وقفت بوجهه :"أخذته مايكفي اسرع لمنزلك حان دوري الآن"

لم يمتلك مجالا ليرفض فاستسلم ليخبرها عن مواعيد دوائه وما يجب أكله ومتى فذهب لمنزله بعدها

سارت ريم مع اخيها لغرفته وجعلته ينام ليستريح وحين حل المساء كان طعامه جاهزا كما أوصاها بهاء لتأخذه له وتجعله يتناوله كامل

أخيرا حان وقت إيصال الخبر ليفقد ضياء صبره :"ما عدت اتحمل أكثر"

اصابتها دهشة عارمة فلم تتوقع ذلك لترد :"تقصد صديقك صاحب المكتبة!"

ضياء بسعادة :"كيف غاب هذا عن بالي حتى أنت تحبين قراءة الكتب أحيانا .. أما هشام فمهووس بها منذ صغره .. أنت تعرفين قصة عائلته فلا داعي لشرحها كما أنني لا أظنها مشكلة فالعم وزوجته طيبين جدا وسيسعدان بعلاقة كهذه لكن قبل كل هذا ريم لا تملكين شخص محددا ببالك صدقا إن كان موجودا فأخبرين لن يحدث شيء دون رضاكِ ولا داعي للخوف"

هزت برأسها نافية بخفة لتجيبه :"لا"

ضياء :"إذا ما رأيك بهشام؟"

ببعض الخجل :"ما رأيك أنت؟"

لامس خذها ليجعلها تنظر بعينيه :"ألم أخبرك أن تبتعدي عن كل الأشياء السيئة ويوما ما ستبتسم الحياة بوجهك لتعيش سعيدة مع عائلتك"

فهزت رأسها موافقة ليضيف مبتسما : "أظن أن هشام سيكون أفضل ابتسامة بحياتك .. بالنسبة لي هو شخص أكثر من جيد بكثير .. كما أنه نتيجة مذهلة لصبرك .. سيكون عندك كل الوقت لتعرفيه أكثر فلا تقلقي"

اخفضت عينيها لتوافق مبتسمة : "حسنا .. كما تريد"

فضمها له قليلا :"لا تخبري بهاء أني ضممتك لكني سعيد جدا"

ضحكت ليقبل رأسها وهي بين ذراعيه :"شكرا لم تخيبي ظني بك أبدا .. شكرا صغيرتي لكن حين يزعجك شخص ما اخبريني أولا .. لابأس بحرق الجامعة على رؤوسهم"

ابتعدت ببعض الخجل تضحك متذكرة صغرهما والحروب التي قامة من أجلها فلم تعرف ما تقول

ضياء :"ريم مهما حدث مستقبلا سيبقى اخوك بجانبك دائما حتى لو كان هشام معك"

ريم :"حسنا"

فأخذ يدها لينزل الدرج ببطء ويحاول النداء على والدته وحين اقتربت :"امي ربما محامية العائلة ستسبقني"

اختبأت خلفه مع ظهور والدها التي كانت تعجب كثيرا بقصصه من المحكمة لتدخل كلية الحقوق وتكون محامية بالمستقبل القريب

حاولت اسكاته دون جدوى فهو واصل ضاحكا : "هشام سيتقدم لخطبتها ما رأيكما؟"

تفاجآ قليلا ليفكرا بالموضوع ومن منظرها يبدو أنها قبلت فلم يجدا مانعا لذلك فغزت السعادة ذلك المنزل

لم يمضي وقت طويل ليتصل ضياء باصيل وأول ما قاله :"أتمنى أن لا يشبه اولاد اختي عمهم"

ضحك بسعادة ليرد :"المشكلة العظمى لو كانوا كخالهم لكن المهم أنها وافقت"

تناقشا ببعض المزاح عن مستقبل عائلاتهما بعد هذا الارتباط ثم ختما الحديث متمنين السعادة لهما

وبذلك اتجه اصيل لغرفة اخيه فهو من احضر بهاء وضياء للمنزل فقرر البقاء بمدينته بعض الوقت

طرق الباب ليطلب هشام دخوله وحين فعل اتجه ليعانقه مباشرة ويوصه بجدية : "هشام كن والدا جيدا ولا تجعل عائلتك تحتاج أحد غيرك .. لقد قبلت"
............

مضت بعض الأيام ليتمكن ضياء من السير بشكل جيد ووقت أن يعود للجامعة فقد فوت الكثير جدا عليه وعلى بهاء

اجتمعا بتلك الغرفة الصغيرة مجددا بعد غياب طويل فنظف بهاء المكان جيدا دون أن يسمح للآخر بالمساعدة فجلس مكانه يحدق به وحسب وحين انتهى استلقى ليستريح بعض الوقت

صمت غريب لف المكان وكأن لذلك الصمت صوتا يقول

~يجب أن تخبرني ما تخفي الآن~

لم يكن صعبا على كلاهما فهم ذلك ليقف ضياء مكانه ويتجه للدرج المخصص لاغراضه، أخرج ظرفا من بين دفاتره فتحه وأعطى الورقة لبهاء وجلس بجانبه :"آسف هذا ما كنت أخفيه"

اندهش بهاء فأين وجد ورقة أخرى من رسائل لؤي ليخفيها ضياء عنه ارتبك كليا قبل أن يمسكها :"هذه!؟"

ضياء:"نعم إنها منه .. كانت بغلاف الألبوم .. لم أجد وقتا مناسبا أكثر من الآن لتقرأها"

مع تلك الكلمات فهم أنها مرت سنوات كثيرة منذ وجدها وتبقى المشكلة التي  أخافته لدرجة أنه لم يقوى على فتحها ليرفع عيونه المرتجفة لاخيه :"وماذا كتب فيها؟"

ضياء :"اقرأ .. أنا معك"

أخذ نفسا عميقا ليهدأ ثم قرأ كلمات لؤي وهو بعمر الثامنة عشرة

لؤي :"لحد هذه اللحظة أتمنى أن لا يقرأها بهاء أبدا وإن حدث .. فسامحني اخي"

لم تتغير الورقة كثيرا فبعض الكلمات تبدو أن الدموع انهمرت عليها وقت كتبت ليتوتر بهاء :"لماذا يعتذر؟!"

_آسف

حتى ضياء يعتذر فماذا كان يحدث مع لؤي حين كتبها وفهم كل شيء؟

...... لؤي

لم أستطع اخبارك ولا أظنني اقوى على ذلك .. لذلك آسف جدا اخي ..

سأترك الأمر لضياء ربما بطريقة ما سيكون أقرب لك سيعرفك أكثر .. سيجد طريقة ما ليخبرك مكاني ..

أعتقد أنه يوما ما .. بهاء سيذهب لطبيب ما وسيكشف كل شيء فكتبت هذه الكلمات له .. اختر انسب وقت لتخبره .. وإن وجد ضياء فترك كل شيء له وأهم شيء لا أحد من والدي أريده أن يعرف أيضا ..

مجرد فكرة أن امي قد تموت ندما على ما حدث يلغي كل تفاؤلي

لا اعرف كيف سأكتب .. اخبرتكما من قبل عن التوحد و الفتى الذي وجدت أن تصرفاته تشبه بهاء قليلا فكنت اتبعه لبعض الوقت ووالدته معه

كان يذهب لأحد المراكز التي لم انتبه لها من قبل .. هناك عرفت معنى التوحد والفئة التي ينتمي لها بهاء .. تقبلت الأمر بشكل عادي فأنا أعرف أن بهاء مختلف عن البقية .. كل ما فهمته من طبيب ذلك الفتى أنه يحتاج الكثير من الاعتناء .. الكثير جدا

لكني فعلت ذلك فعلا بهاء أفضل بكثير مما كان عليه في صغره .. أما ذلك الفتى كان أقل مني بسنتين ربما لكن تصرفات بهاء الذي كان بالثامنة أفضل منه بكثير لم أفهم الأمر بشكل جيد ولم أترك القصة فحاولت ايجاد شيء يفيدني .. كالكتب مثلا لكن أين أجد نوع الكتاب المناسب

كنت اتسلل لذلك المركز خلسة دون أن يلاحظوني واستمع لاخبارهم ومشاكلهم حتى كشفني الطبيب وبدل معاقبتي عاملني بلطف واراد أن يفهم ما أفعله

لم أخبره عنك بل قلت أنهم جذبوا انتباهي وأريد مساعدتهم صدق قصتي وجعلني أجلس بينهم ليشرح لي موضوع التوحد هذا

استفدت كثيرا منه وتحسن تعاملي معك أكثر ولاحبك أكثر فأكثر فلست الوحيد الذي هكذا بدوت كشخص طبيعي جدا كلما فكرت بهم لارتاح

بقيت ازورهم من حين لآخر حتى أحببت ذلك المجال معهم وكان امتحان تخرجي من الثانوية يقترب لأفكر بدخول الجامعة مع هذا التخصص لأساعد الجميع مثلك

أعطاني الطبيب بعض الكتب وكانت مثالية جدا لاسطر تحت كل ما يخصك فدهشت من كثرت المعلومات هناك لأجد أن التوحد عالم أوسع بكثير مما كنت أتخيل .. بقيت اقرأ واقرأ ليهديني الطبيب تلك الكتب عندما تقرر رحيلنا للعاصمة بسبب عمل أبي واخبرني عن الجامعة هناك ونصحني بدخولها وذلك ما فعلته

وبعد سنة من دراستي بالجامعة وبحثي وتحسنك خصوصا بالدراسة فقد تفوقت لدرجة أن المدرسة الأولى بالبلاد دعتك لتدرس بها فرفعت رؤوسنا للسماء فخرا يومها

لكن من جهة أخرى من كان يصدق أن شخص متوحدا سيصل لذلك لم تكن تهتم لمجال واحد بل تفوقت بكل شيء ولا تقل أن هذا بفضلي لأنك درست بجد حقا لتحقق ذلك

ذكاؤك لم يكن فطريا لو قارناه بمتوحد من النوع العبقري .. فأنت كنت تتعب كثيرا لتصل لهدف وضعته برأسك .. أعرف أنك كنت تريد اسعادي لا أكثر

حينها وقفت بنقطة مهمة .. لماذا بهاء هكذا؟ لم ولد هكذا؟ هل كان ذلك خطأ؟ أو من أين يأتي التوحد ليصيب الأشخاص؟

جعلته بحثي لأشهر لادخل أدق التفاصيل استنادا على كتب الجامعة لاتوسع بالموضوع أكثر فجمعت ما يقوله الخبراء لاقارنه بوضع بهاء

والديَّ لمْ يتجاوزا الاربعين حين ولدت يعني ليس الكبر من فعل بك هذا .. ولادتك كانت طبيعية جدا ولم يحدث شيء سيئ وقتها .. صحتك كانت جيدة جدا يوم خرجت للعالم وكنت تنمو بشكل طبيعي كرضيع

حتى أمي لم تكن تتناول أي ادوية قبل ولادتك يعني لم يصبك أي خطر قبلها

تحدثت مع والديَّ طويلا لاعرف تاريخ عائلتيهما ولا أحد عانى من شيء يشبه ما اصابك غيرك لم يكن الأمر وراثيا رغم

لم تكن تهتم للكثير من الأشياء لاقول أن هذا راجع لقنوات التلفاز وما الى ذلك فقد عشت طفولتك رفقة ضياء وأنا لم ابتعد لحظة عنك رغم عنادك وابعادنا لم يخبرنا أي طبيب عن أي مشكلة بتحاليل دمك وانت رضيع

فكرت مطولا ولم أترك كتابا أو أي معلومة تفوتني لاعيد الخطة من البداية فكتبت مشاكل بهاء وما تحسن منه

تعامله مع الآخرين سيء جدا وكان أسوأ من ما هو عليه الآن يعني سيتحسن مع الوقت

مشاكل في حاستي السمع واللمس واحساسه بالحرارة وعلمته ما ينفع

مشاعره غير مفهومة لكن على الأقل يحب عائلته كما يقول يمكنه أن يحب حين يعامل بصدق .. وأعرف أنه سيتجاوز هذا يوما ما حين يقبل الآخرين به

فقبل أن يحبك بهاء يجب أن تحبه حقا هكذا هو ثقته بالعلاقات ضعيفة

يخاف من بعض الأشياء لكن مجرد وقوفي معه ينسيه فيها .. في لحظة ما بدى لي بهاء طبيعيا أكثر من المعتاد لو قلنا أن شخصيته هكذا فمادخل هذا بالتوحد ..

بهاء فقط شخص هادئ يكره الفوضى فأين المشكلة في نظامه وهدوئه دون ثرثة بلا فائدة وماذا لو ذاكرته قوية نوعا ما وحسب

حسنا كان بصغره سيئا جدا لكنه تعلم وهو بخير الآن لكن أولئك الأشخاص من المركز تجاوز الخمسة عشر ومازالوا على حالهم أحدهم لا يتحدث إطلاقا والأخر تائه بعيدا والاسوأ حواسهم مضطربة جدا فمجرد ضوء يجعلهم هائجين يصرخون وربما يؤذون من حولهم لكن بهاء يجلس مكانه مرتجفا لا أكثر

لمَ لم يتعلموا مثله؟ لم لم يتحسنوا مثله؟ لست خارقا لافعل ذلك أنا فقط أحبه يستحيل أن لا تحبهم امهاتهم وهم مدركون لوضعهم بل يتعبون لأجلهم

لم يكن توحدا بل شيء ابسط قليلا فبهاء بعيد جدا عنهم مختلف عنهم أيضا فما به؟ سؤال اعدته كثيرا لابحث في طفولته مجددا والجيد أني كتبتها بذلك الألبوم

حملته لأقرأ ما كتبته من قبل وكل مرة كنت أضيف رسالة ثم توقفت فلم أعد أجد ما أكتب .. بهاء تحسن كثيرا بآخر سنتين

ومع ثاني ورقة سقطت دموعي متذكرا ذلك اليوم الذي لم أبالي به لدرجة أن أكتب بضعة اسطر حوله فقط .. خفت أن أخبرك عنه حتى لا تفقد ثقتك بي لكن كان ذلك الاحتمال الوحيد المتبقي

حين اسقطتك على رأسك وأنت رضيع ...

.....................

توقف بهاء عن القراءة ليغلق الورقة وعينيه بقوة مرتجفا : "ليس بسببه .. ذلك لم يحدث بسببه .. ليس لؤي"

هذا ما جعل ضياء يبكي في صغره وهو يقرأ هذه الورقة يحاول تصديق ما مكتوب أما الآن حمل وجهه نفس تعبير الألم ليأخذ يده لكتف بهاء :"أرجوك أكمل"

ماذا سيكمل فاخوه سيعتذر كثيرا بعدها ويحاول جعل بهاء يسامحه وذلك ما كان مكتوبا

لؤي :"آسف اخي .. كل ذلك بسببي .. أنا السبب لم استطع حتى التأكد من ذلك لكن مكان الجرح برأسك هو ما جعل حواسك بذلك السوء .. جرحٌ لم انتبه له منذ سنوات فقد ظننته شفي .. لكني السبب .. أنا من فعل بك ذلك من البداية وجعلك تعيش كل تلك المعاناة .. حدث ضرر بدماغك يومها .. سامح.."

نهض مكانه ليلقي بتلك الورقة أرضا : "ليس صحيحا .. أنت لم تتأكد"

تشوشت كل أفكاره ليمسك رأس فضغط قراءة كلماته كان شديدا ليؤلمه وأملٌ واحد قربه

التفت لضياء بعيون دامعة والآخر لامس يده يحاول معرفة ما أصابه وكأنه لا يعرف أن خبر كهذا سيكون صادما لحياته بعد كل تلك السنوات التي امضاها بذلك المركز يتعالج من مشاكله

خرجت تلك الكلمات المرتجفة من شفتيه بصعوة :"قل أن ذلك خاطئ .. ماقال لؤي خاطئ .. اليس كذلك"

لكن ماحدث أن ضياء حاول انزال يده مخفضا رأسه :"بهاء .. آسف .."

لم يكمل جملته ليبعد يده بغضب منه :"بعد كل ذلك الوقت تقول أنه بلا فائدة الآن"

حاول الاقتراب ليضمه عله يخفف عنه لكن بهاء يريد جوابا قبل كل شيء فكاد يدفعه بعيدا ليتوقف بآخر لحظة متذكرا الجرح بصدره

قبض يديه بالهواء وكل ما قاله :"ليس خطأك بل خطأه"

نزلت دموعه بعد تلك الكلمات ليستدير خلفه خارجا من تلك الغرفة

لم يمنعه ضياء بل انخفض أرضا ليحمل تلك الورقة :"هذا ما كنا نخافه .. لؤي أنا حقا أفهمك"

حمل مفتاح الغرفة من فوق الطاولة وأقفل الباب، خرج خلفه لينزل الدرج ببطء متجها لمكان محدد

اقترب ناحية مبنى الرياضة الذي اعتادا الجلوس بسطحه بعيدا عن الجميع لكن وقف عند الباب :"وأنت من تقول لا تسرع بالدرج ولا تصعد إلا للضرورة .. بل حجزتني بغرفتي عندما كنا بالمنزل"

تذمر قليلا وقبل أن يصعد أول درجة : "لكنك تعرف!!"

تنهد والتف حول الصالة بدل صعود الدرج ليجده بأحد زواياها جاسا وحده مستندا للجدار محدقا بالأرض صامتا وربما ينتظره

لطالما كانت أماكن هروبه واضحة لضياء لكن أن يغيرها قليلا من أجل صحته رغم الوضع الذي هو فيه جعل ضياء يبتسم ويهدأ ليجمع أفكاره

اقترب منه فعادت التصرفات القديمة ليقول بهاء بانزعاج :"ابتعد"

لكن ضياء جلس بجانبه وكأن الآخر لم يقل شيئا فزاد انزعاج بهاء :"أريد البقاء وحدي"

فالتفت ضياء له مبتسما :"وحدي تعني كلانا منذ زمن طويل .. إنه دوري لاقرأ صحيح"

ابعد بهاء وجهه عنه :"لا أريد سماع شيء منكما"

بل يريد، يريد بشدة أن يكمل كلماته فقرأ ضياء متجاهلا كلامه

لؤي :"أنا من فعل بك ذلك منذ البداية .. حدث ضرر بدماغك يومها .. سامحني .."

بهاء :"اصمت"

لؤي :"لم نأخذك لأي طبيب تجاوزنا الأمر لحظة توقفت عن البكاء .."

فرد بهاء بصوت خافت :"قلت لا أريد.."

لكن ضياء واصل قراءته جالسا بجانبه

.......... لؤي

لو كان ذلك صحيحا حقا فوالديَّ لن يحتملا خطأ كهذا

وفوقها عاندتهما كالغبي حتى أقنعتهما بعدم أخذك لطبيب مختص لاعتني بك بنفسي .. ليس خطأهما بل أنا

أنا من اوقعتك .. لن تصدق مقدار ندمي ففعلا أنا مدرك لما سيحدث بعد هذا فقد بحثت كثيرا حول الموضوع

لا توجد عملية يمكنها أن تفيدك .. ربما خوفك من الجميع وتعاملك معهم سيتغير لو تعلمت لكن المشكلة الأكبر متى ستلمس الآخرين دون أن تخاف؟

...........

اوقف بهاء كلامه مجيبا :"اربعة وعشرون سنة ولم أفعل ذلك بعد"

فواصل ضياء قراءته قبل أن يقول أي شيء

لؤي :"كل ما أخاف منه مستقبلك فكيف ستشكل عائلتك بذلك الخوف"

بهاء :"لم يحدث ذلك حتى الآن .. مازلت خائفا"

لؤي :"لكن صدقني ستتجازه .. وستعيش سعيدا فقط اصر على ما تريد"

بهاء :"لم اعد أريد .. لم يعد ذلك ممكننا .. ربما انت لا تعرف لكني درست الكثير عن الدماغ واعرف معنى وجود ضرر به"

لؤي :"أما أنا لا أريدك أن تستسلم ستتعرف على نفسك أكثر وستجد حلا أفضل بكثير .. كما أن ضياء بجانبك على الأقل أشعر أنه معك الآن"

بهاء :"نعم هو بجانبي ولا أعرف بما سينفع ذلك .. أنا من ربما سيشكل تلك العائلة وليس هو"

لؤي :"وسيفعل شيئا ما لأجلك أنا أثق بكما وهذا جعلني استريح قليلا فلا تقلق عليَّ أنا بخير مادمت قربي كما الآن .. في النهاية كنت اقبلك في نومك دائما دون أن تلاحظ فلا داعي لتفكر بأن حبي لأخي يمكن أن يتغير يوما ما .. سأحبك دائما فسامح اخاك الاحمق"

بذلك انتهت الورقة ليرد بهاء :"لست غاضبا لأنك فعلت ذلك لا داعي حتى لتعتذر فلم تقصده بل لأنك لم تخبرني وأخفيت ذلك .. فهو كان بلا فائدة طول الوقت .. لا شيء سيتغير"

ضياء :"ولهذا بالذات لم نخبرك .. كنت لتتوقف يومها دون أن تتقدم خطوة للأمام .. بهاء لن يدخل تحديا خاسرا لكن عندما يوجد امل ولو صغير بفوزه فسيفاجئك .. اليس كذلك؟"

بهاء :"أنت تعرف بالكاد يمكنني لمس اصدقائنا للحظات رغم كل تلك السنوات بيننا حتى اصيل الذي أعتبره أقرب منهم لا استطيع ضمه .. لن يحدث ذلك بين عشية وضحاها كما لم يحدث طوال العشر سنوات الماضية"

نهض ضياء ليقابله جاثيا على ركبتيه مبتسما :"ماذا عن أمي .. ألم تضمها شوقا بعد غياب أول شهر قضيناه في اقامتنا هذه .. صحيح أني كنت معك يومها لككنا ضممنا والدتك معا ثم والدتي دون أن يلاحظ أحد بل وقبلتنا يومها .. أتذكر؟"

بهاء :"وكيف أنسى ذلك؟"

لامس ضياء وجه الآخر بيد ليكمل :"منذ تلك اللحظة بهاء لم يخف من والدتي .. بل حدث العكس فأصبحت تضمك كثيرا كلما عدنا لتعوضا السنوات الماضية"

هز بهاء برأسه ليجعل ضياء وجهه بين يديه ليبقي تركيزه بعينيه :"وأنا ألم أضمك كثيرا دون أن تشعر؟ ومع مرور الوقت أصبحت تحب ذلك"

أخذ بهاء يديه ليدي ضياء يحاول انزالهما : "ذلك مختلف عنكما هي مثل امي تماما وأنت اخي لكن.."

شد ضياء على يديه محاولا تغيير كلامه : "بلا لكن فذلك حدث حقا وقد تجاوزت الكثير من مشاكلك .. ألم تكن تخاف بأول سنة لنا بالجامعة تقديم مشاريعك ليس لأنك لا تثق بما درست بل كنت تخاف من الوقوف أمام الجميع"

قاطعه بهاء ليكمل قصته :"يومها بقيت تراسلني وتشجعني قبل أن اصعد وبقيت تفعل ذلك وكأنك تراني .. استرحت كثيرا وقدمت بشكل أفضل"

ضياء :"ومع الوقت لم تعد بحاجة لرسائلي فلم يعد ذلك يخيفك .. اصبحت تقف مع أساتذتك وتتناقش مع رفاق فوجك دون حاجة لي .. بهاء فعل ذلك بنفسه حتى أنك شكلت بعض الأصدقاء بجامعتك وعلاقتك جيدة معهم"

للحظات نسيَّ ذلك وها هو ضياء يذكره مع ذلك مازالت المشكلة موجودة ليبعد يدي ضياء عنه :"مازال ذلك مختلفا"

نظر ليديه بعدم رضى :"مازلت اخاف .. اربعة وعشرون سنة .. شاب مثلي يخاف ذلك فمن ستقبل بهذا؟"

حمل عيونه المرتجفة لضياء ليخبره فقد تحمل ذلك وحده لوقت طويل :"لست مثلكم .. أنا لست مثلك .. وبكلام لؤي أنا لن أكون مثلك"

شيء واحد فقط يقصده بكلامه ليستغرب ضياء ما فهمه :"أتقصد علاقتي بامل؟"

احرج بهاء قليلا ليخفض رأسه :"أنا لا أغار منك لا تفكر بذلك .. بل سعيد لك لكن .. لكن تلك العائلة الكبيرة لن يتحقق حلمنا بتشكيلها"

فضحك ضياء ضحكة خفيفة :"ألم اخبرك يوما ما لن تحتاجني فقط انتهى عنادك أخيرا .. اعترف مازلت تحب علاقتنا"

وبدل قول ما يريد رد بهاء ببعض الانزعاج امتزج بالحزن :"قبل اربعة أشهر كنت جالسا بالحجرة أراجع بعض أوراقي وحدي .."

تفاجأ ضياء من كلامه فقرر الصمت والاصغاء لقصته

بهاء :"أتت فتاة من فوجي وأرادت أن أشرح لها بعض الأشياء وفعلت ببساطة وحين انتهيت"

ابتلع ريقه متوترا :"شكرتني بقبلة!"

اتسعت عينا ضياء بدهشة :"أين؟"

فأشار لخده ليأخذ ضياء نفسا عميقا فأكمل بهاء :"واضافت الكلام المعتاد من قبلهن لكن أنا .."

ارتجف قليلا وواصل :"ارتجف جسدي كليا لأقف مكاني مرعوبا .. كان ذلك مقرفا لدرجة أني لم أعد أراها أمامي وهي تبتسم بسعادة وحين لاحظت حالتي حاولت لمسي مجددا فأبعدتها لأهرب من تلك الحجرة .. كما كان يحدث في صغرنا .. ذهبت للحمام لأفرغ كل ما في بطني .. كان يحدث ذلك لمجرد رؤيتهم لكن تجربة أن أكون مكانهم جعل الوضع أسوأ بكثير"

انتاب ضياء قلق كبير بعد هذا فكلاهما ظن الأمر تغير فبهاء لم يعد يخاف رؤيتهم والأسوأ أنه لم يكن معه بل لم يعرف بهذا من قبل :"وماذا فعلت بعدها؟"

بهاء :"ليس أنا بل أمل من فعلت"

ضياء :"امل! كيف؟"

بهاء :"نحن نلتقي أحيانا لتطمئن على حالك وأوصل لك أخبارها .. بذلك اليوم أتت لتسأل عن حالك فوجدتني بالرواق لتتبعني وتلك الفتاة معها لم يحدثا بعض لكن انتظرا خروجي من الحمام وكأني لم أراهما أسرعت لأحد الحجرات لأجلس وحدي أحاول أن اهدأ فاقتربت امل عندي في حين بقيت الفتاة تراقب من بعيد وبعد وقت انتبهت لوجودها لتسأل عن حالي فقد رأت ما حدث وسؤال واحد بقي بعقلي ماذا ستقول تلك الفتاة بعد ما رأت مني؟ .. فطلبت من امل اخبارها بما يحدث لي إذا لمسني شخص ما"

ضياء بتوتر :"وماذا كان ردها؟"

ابتسم بهاء وكأن جواب سؤاله واضح : "اعتذرت وابتعدت وكل ما قالته أني يمكنن طلب مساعدتها إذا احتجت ذلك .. لم تخبرني امل بل سمعت حديثهما فقد كانا قربي .. هذا ما سيحدث لا معنى لكلامهن إذا عرفن الحقيقة .. تمنيت حقا لو تخبر الجميع لاتخلص منهن لكنها لم تفعل .. ليس لطفا بل ربما أشفقت على حالي لا أكثر"

ضياء :"هاا لا تقل هذا"

بهاء :"مع قصة حمايتي لأمل اضيفت هذه لينسجوا قصة مواعدتنا فقد بقيت معي ذلك اليوم حتى عدت لطبيعتي أعرف أنها تهتم بي لكنها تفعل كل ذلك لأجلك جوابها لم يتغير منذ كنا صغارا .. امل حقا تحبك ليس لأي سبب أنها تحبك فقط"

دون أي سبب هذا نوع الحب الذي يريده ربما وقتها سيقبل بتجاوز حدوده هذا كل ما فهمه ضياء :"وهل أنت الخاسر حين لم تقبل بك؟"

بهاء :"ماذا؟"

ضياء :"لا تكن أحمقا .. بعد عامين ستكون طبيبا جراحيا كما لم يفعل أحد بحينا أو عائلاتنا أنت فخر والديك منذ زمن طويل فلا أحد حافظ على تفوقه بالجامعة مثلك .. كما أني لست الشخص الوحيد الذي يرى الشاب الوسيم الذي يقابلني صاحب العيون الزرقاء المذهلة"

ضحك بهاء مخفضا رأسه ووقت ذلك العناق الذي طال انتظاره قد حان، تناسا عمرهما ليضم اخاه لصدره مربتا على شعره :"حمقاء من لا تقبل باخي اللطيف جدا جدا اصلا لا تحتاج لمس الجميع لتعيش مادمت استطيع ضمك .. قد عرفت نصف الحقيقة وحسب .. فلا أحد يمكن أن يتخيل وجود شخص مثلك على الأرض"

رفع بهاء يديه ليتشبت بقميص ضياء من الخلف :"أنت تبالغ"

ضياء :"ليس صحيحا .. من كان يدافع عني لسنوات حتى لا أتشاجر ويؤلمني قلبي؟"

بهاء :"أنا"

ضياء :"ومن وقف لساعات ينتظر بالمستشفيات كلام الاطباء؟ .. من رافقني طول الطريق واعتنى بامي في غيابي؟"

بهاء :"أنا"

ضياء :"ومن تجاوز الكثير ليصل هنا؟ لن يستسلم الآن! كل هذا لأجل وعد صعب جدا قطعته قبل عشر سنوات فتحملته دون أن تتدمر يوما .. بهاء إذا وعد فلن يخيب ظنك أبدا .. في جوهر العلاقات هذا أكثر شيء مهم وأنت تملكه .. بهاء أوفى شخص قابلته بحياتي وإذا أحبك فلن تعيش شعور أجمل من ذلك"

بهاء :"امم"

ضياء :"أنت أكثر من يعرف أن المظاهر والوجوه المصطنعة منتشرة بكل مكان .. لكن بما أن امل موجود فتوجد الكثيرات مثلها هل تفهم الآن لمَ اسعدتني فكرة أن تتواعدا فلو اختفيت بقاءك مع امل سيشعرني بالراحة على كلاكما"

ابتعد بهاء ببعض الحزن :"لا .. لست أنا"

ضحك ضياء ليضم عنقه فلا يريد الابتعاد عنه :"ليس لأنك تحبني فقط بل لأن حبك صادق حقا .. صدقني شخصية بهاء أروع بكثير مما تتصور فلا تقلل من شأنك .. لو عرفن هذه الحقيقة وقتها أنا من سيغار لأنهن سيحاولن أخذك مني"

عانقه بهاء بدوره والكثير من مزاجه تحسن :"لا تقل هذا أحمق"

ضياء :"أنا أضفت صفات لزوجة اخي .. يجب أن تكون هادئة ولطييفة جدا واهم شيء يجب أن تحب اخي كثيرا كثيرا جدا لتعرف قيمته وتقدره .. ولن أقبل بأقل من قيمة حبي لك .. ستتفهمك وتنتظرك لتشكلا عائلتكما يكفيك لمس عائلتك وحسب لست بحاجة للبقية"

ابتعد ضياء قليلا ليمسك يدي بهاء كما كانا في الصغر ليرسم تلك الخطوات القليلة التي مازالت تنتظرهما :"تبقت سنتين على تخرجك .. بهذا الوقت سأكون تخرجت سأبحث عن عمل هنا وأعمل أي شيء آخر أما أنت اريهم جميعا اخي الخارق .. اتذكر تلك المئة التي اخذتها لأجلي أريدها أن تعاد وقتها لن يقف شيء بوجهك .. تفوق كما لم يفعل أحد قبلك"

بهاء :"لكن .."

ضياء بضحكة لامس وجهه :"أنا هنا لن تحتاج والدك لأن اخاك صيصرف عليك ويبقى معك كن صغيري لسنتين وبعدها سنجد من تناسبك تماما .. لا تقلق سيسير كل شيء كما نريد حين نتفاءل هيا ابتسم" 

فهز رأسه مبتسما فعاد ضياء ليعانقه ضاحكا :"كيف اسمح لشخص آخر أن يرى هذه الابتسامة؟"

فرد بهاء :"شكرا ضياء"

ربت ضياء على ضهره بتفاؤل :"حسنا سأتفق مع امل لن نتزوج حتى تجد فتاتك وبعد سنتين سنحتفل بزواج كلانا وإن لم تجدها فستكون سبب بعدم زواجي من امل"

بهاء :"هااا لا تفعل هذا"

ضياء :"انتهى الأمر لقد قررت لا دخل لي بشيء آخر"

بهاء بضحكة :"مازلت احمقا"

ابتعد الآخر لينهض سريعا ويمد يده لبهاء وجعله ينهض ليتقدم للأمام مع كلماته : "امسك يدي .. انهض .. تقدم"

رفع يديهما بالهواء ليضيف :"سنكمل للنهاية معا لن نستسلم الآن"

لم ينتظر جواب بهاء بل لف ذراعه حول عنقة ليشده له مقبلا خده :"هذا تعويض عن ما فعلت تلك الحمقاء .. أتعرف اشتقت لأخي كثيرا"

رد بهاء بضحكة :"لكني معك طول الوقت"

ضياء :"لم اطلب رأيك"
بهاء بابتسامة :"حسنا اريد فحوص دماغي القديمة وسنجري فحصا آخر .. لحد الآن لم تخبرني ما قال الطبيب"

رد ضياء ولم يبعد ذراعه بعد :"هذه خطوة جيدة .. كان الضرر يتحسن لكن ببطء شديد سترى كل شيء بنفسك لن أخفي شيئا أعدك"

................

في اليوم التالي عادا للجامعة بعد غياب ثلاثة أسابيع فحاولا التركيز قدر ما يمكن ليعوضا ما فات وبين ذلك حدث أمر غريب

حيث اصطدم صدفة بفتاة ما امتلكت عيونا بنية صافية تناسقة مع شعرها القصير، برواق حجرته ابتعدت معتذرة لتتسع عينا بدهشة من العيون الزرقاء التي قابلتها وفوق ذلك ابتسم لها معتذرا رغم كتم ضحكاته لصدمتها ليكمل طريقه أما هي تنهدت براحة وعادت لطريقها أيضا

لم يعطي بهاء اهمية بالموضوع لولا فتيات فوجه الاتي سمعهمن :"مجددا عادت .. رغم أنه ليس باختصاصها لكنها التصقت بالمكان في الأيام الأخيرة"

التفت لها بهاء بحيرة ودخل حجرته بعدها ليتقدم بعض الشباب من فوجه مرحبين به دون مصافحته :"أخيرا أتيت .. لا تذهب مجددا دون قول شيء"

فتحدث آخر :"كيف حاله الآن؟ ياشباب علينا زيارته صحيح"
فضحك أحدهم :"بالطبع سنفعل فغياب بهاء يعني أنه مهم جدا عنده وهو كذلك عندنا"

بهاء بضحكة :"إنه بخير تماما شكرا على السؤال .. ومرحب بكم"

ذهبوا معا ليجلسوا أماكنهم ليوصلوا خبرا غريبا عن من كانت تتفقد أخباره خلسة وتزداد حيرته

حل المساء ليتجه لغرفته حيث ضياء يكون هناك فهو يخرج قبله دائما وأول ما قاله هو السؤال عن صحته ليتبعه ثلاث شباب من خلفه فابتسم ضياء له ليطمئنه أن الكثير تغير حقا! فقد اخبرهم من قبل عن اختلافه وتقبلوا القصة ببساطة

انتهت تلك الزيارة سريعا ليستلقي ضياء مكانه يعبث بهاتفه لكن العجيب أن بهاء جلس جواره ليستلقي بجانبه ناظرا للفراغ بجانبه

ترك ضياء هاتفة ملتفة لبهاء :"هل حدث شيء؟"
بهاء بحيرة :"لا أعرف"
ضياء :"هذا ليس جوابا .. أخبرني"
بهاء :"فتاة المكتبة .. لمَ قد تسأل عن غيابي؟"

قبل أن يندهش كليا أراد أن يفهم : "تقصد الفتاة التي اضحكك وضعها وهي تبحث عن من يساعد فاوقفتها عندك لتحل لها بعض الدروس في مكتبة الجامعة" 

هز بهاء برأسه موافق ليضيق : "اصطدمت بها صباحا قرب حجرتي ولم تتغير ملامحها كأنها تجمدت مكانها للحظات"

حتى اتفه التفاصيل كان يحكيانها لبعض حين يستريحا من الدراسة، نهض ضياء من مكانه ليقابل بهاء ويضع يده على صدره : "بماذا تشعر؟"

أبعد بهاء يد الآخر :"اجبني .. لمَ لم تأتي مباشرة كالبقية؟ كل الفوج التف حولي ليستفسر لكنها لم تحدثني بل سألت عني فقط .. لماذا؟"

ضحك ضياء لينسج خطة بعقله وباليوم التالي التقيا امل ليتركا الأمر عندها، فتعرفت عليها بدورها كانت أقل منهم بسنتين وتدرس بكلية الصيدلة ليعيد بهاء اسمها بحيرة :"رنيم!! .. ولمَ تتبعني؟"

لم تقل امل شيئا ليوقف ضياء فضوله فكيف قد تخبرها عن شيء كهذا من مجرد لقاء لكن ما حدث بعدها أن بهاء لم يرها من يومها بل حاولت تلك الفتاة تجنبهما لفترة فربما رأت امل مع بهاء

فزاد الأمر سوء :"لمَ تفعل هذا؟"

ضياء فقط توقف يضحك عليه منتقما ليوم اعترف بعلاقته مع امل لكن في النهاية ضمه ليهدأ :"سنعرف لكن اصبر"

مرت الأشهر ليصل موعد تخرج ضياء بنهاية السنة ليقدم موضوعا جيدا رفقة ولاء ختماه بالحديث عن شخص من الواقع ليحكيا قصته وذلك الشخص كان جالسا بين الحضور خلف لجنة المناقشة ليبتسم له ضياء من فوق المسرح :"قد عانى الكثير من سوء التشخيص في البداية لم يكن خطأ الاطباء وحسب بل نفسيته كانت كتومة جدا تخفي الكثير خلف هدوئها ومنه قبل أن تحاول علاج شخص ما اكسب ثقته ولا تدعها تتزعزع أبدا وقتها ستكون ناجحا بهذا المجال .. الآن حقق اخي الكثير رغم بعض المشاكل الصغيرة التي تبقت لكن أثق أنه سيتجاوزها قريبا .. حقق مالم يتصوره والديه يوم كان صغير بتصرفاته الغريبة بنظرهم ونظر المجتمع .. يمكننا دائما تجاوز الماضي مهما كان فالمهم هو ما عليه الآن .."

نظر لولاء وابتسما للحضور ليقولا معا : "انتهينا"

فوقف بهاء يصفق بسعادة لتتبعه عائلتهما وينتهي اليوم بحفل لتخرجهما ليجمعا صور ذكريات جديدة

حل الصيف ووقت عودتهما للمنزل ليجهزا للخطبة المنتظرة حين كان يقتضي الأمر ذهاب عائلة ضياء لمنزل أمل ويتقدم لها رسميا لكن العائلة كانت أكبر من والدين واخت فلم يستطع اصدقاؤه تفويت العرض

مع ذلك لم يسمح لهم بالدخول معه عند امل ليفسد عليهم المشهد فلا أحد له الحق برؤية فتاته الجميلة بفستان خطوبتها وهي ترتدي خاتمه بيدها اليسرى لتفعل ذلك له أيضا تحت نظر عائلتيهما فقط لكن كان الأمر مختلفا يوم هجموا معه ليوقع عقد قرانهما فقلبوا المكان سعادة وتركوا الزفاف لبعد سنتين حتى تنهي امل دراستها

بذلك الوقت أصبح اسمه مرتبطا بها للابد لتكون ملكه حقا الآن فقط تمكن من إيصال ماكان يريد قوله منذ سنوات هامسا قرب أذنها :"شكرا لثقتك بي .. امل أنا حقا أحبك .. سنبني حياتنا من الآن معا"

هزت رأسها موافقة ببعض الحرج فابتعد قليلا ليقبل جبينها ويضمها لصدره بعدها فلا شيء يمنع ذلك بعد الآن
.........
انقطعت اخبار تلك الآنسة رنيم طول الصيف فهم لا يعرفونها حقا لكن هناك من بقيت بباله ليتوه بعض اللحظات والأخر يكتم ضحكه

امضيا فترة خطوبتهما رفقة بهاء بالجامعة ومن جهة أخرى وجد ضياء عملا كمساعد بأحد المراكز ويزعج اصيل بشقته فذلك أفضل من البقاء وحده

في تلك الأثناء عادت المراقبة التي باتت واضحة لضياء وفي أحد أيام وقد انتصفت السنة الدراسية وجدها تجلس بعيدا تنظر لبهاء وهو يقرأ بعض كتبه كأنه مشهد طبيعي فوقف ضاحكا خلفها : "إنه اخي وليس لوحة فنية!"

احرجت مرتبكة مكانها لا تعرف ما تقول اتصل ضياء بامل فور لمحها بتلك اللحظة لتتجه نحوهما

وأول مافعله ضياء حين اقتربت امل هو امساك يدها قائلا :"إنها خطيبتي أنا وليس هو .. هذا واضح"

ابتسمت امل موافقة وما فكرا به صحيح فالفتاة ابتسمت ببعض السعادة ثم تنهدت براحة ومع ذلك لم تقل شيئا

ضياء :"ما قصتك مع بهاء؟"

أرادت فعلا أن تهرب بعيدا لكنها احرجت أكثر لتتسمر مكانها تنهد ضياء متذكرا شخصا ما يكون هو بوقت مضى ليتركهما : "لن نقول شيئا له فقط تحدثي واريحي الجميع .. امل سأكون معه حين تنتهين"

هزت برأسها ليكمل طريقه لبهاء وتلتفت بجدية ناحيتها :"إن لم تعجبكِ الطريقة اللطيفة فيمكنني تغييرها .. أرجوكِ تحدثي بهاء سيجن قريبا منك"

أخيرا نطقت متفاجئة :"لماذا؟"

فضحكت امل ليزيد توتر الفتاة :"أنا لا امزح ما به؟"
امل :"قبل أن تسألي اجيبي عن سؤالك أولا"

كانت قصتها أغرب من غريبة فلو لم يغب بهاء مع ضياء ما كان ليلاحظ مراقبتها التي بدأت من وقت طويل ولقاءها به في المكتبة كان صدفة، ويوم غاب لم تستطع كتم قلقها لتسأل زملاء فوجه

كانت تراقب من بعيد فقط ورفضه للكثير من الفتيات مهما كان شكلهن أو تخصصهن جعلها تفكر بأن عنده من يحب وبظهور امل قررت أن تبتعد وحسب فالشائعات وصلتها ورغم ذلك ضلت تراقب

بارتباك اكملت :"حتى أني انتبهت له يوم كنتِ بالحجرة معه وساعدته فظننته لن يغيرك بما أنه لا يمكنه لمس أحد رغم أنه يلمس اخاه بشكل عادي .. أربكني حديثكِ معي بعدها فلم أفهم سببه .. صدقا لا اعرف حتى ما قلته لك يومها لكن استمريتما باللقاء لابتعد عن الطريق تماما لكن.."

امل بدهشة :"تقصدين لا مشكلة عند بذلك"
رنيم :"استنتجت ذلك من تصرفاته وما حدث اثبث ذلك لي ففهمت لمَ يرفضهن دون تفكير"

امل بابتسامة :"اظنك تفهمين كل شيء إذا ما ردك .. بطريقة ما هو يريد التعرف عليك أكثر .. نوعا ما هو جدي بالقصة"

رنيم :"نوعا ما .. بطريقة ما .. ما قصدك"

قبل إقحام بهاء معها وجرحك أكثر فيمكن أن تصبح عقدة عنده قررت امل اخبارها كل الحقيقة فربما بهاء لن يتمكن من لمس أي أحد غير عائلته حاليا وهذا جعل تعابيرها تتغير قليلا والأسوء ربما مشاعره الآن ليس حبا حقا بل مجرد فضول عابر

مع صمتها شعرت امل بالغضب من المجتمع بأكمله وكأن ليس لبهاء الحق بالعيش كالجميع متذكرة اعتذار الفتاة من قبل :"لا أفهم أين المشكلة في انتظاره بعض الوقت .. مللت حقا من الشرح فلو لم يعجبك الأمر فسنوقف بهاء وحسب .. أنا ذاهب"

وقفت امل من مقعدها لتتجه نحوهما متجاهلة أمرها فلا تحتاج شفة من أحد وهما معه إلا أن تلك الفتاة أمسكت ذراعها لتوقفها بارتباك :"لم ادخل بأي علاقة من قبل .. لكنه .. أيمكن أن يقبل؟"

التفتت لها امل بابتسامة :"حتى هو لكن تقدمي بخطوة صادقة فقط وسيدهشك .. تعرفا على بعض أولا وأنا سأكون بجانبك دائما"

حاولت تلك الفتاة امساك نفسها لكنها اقتربت في النهاية لتسقط دموعها بين ذراعي امل فمن بين الجميع لم تنظر إلا لبهاء  طول حياتها لتجده هكذا :"مع ذلك لا يمكنني أن ابتعد"

فربت امل على ظهرها بسعادة :"أعرف حقا أن الأمر صعب لكن ثقي فقط أن كل شيء سيتغير للأفضل"

فقط استمرت بالبكاء تحاول تخفيف ماهو قادم ربما وقتها يمكنها الوقوف قربه وذلك ما حدث بعد أن امسكت امل يدها وجرتها خلفها جهتهما لتبتسم لهما مقدمة لها :"هذه رنيم صديقتي الجديدة"

ارتبك بهاء من وجودها أما ضياء لف ذراعه حول عنق الآخر بابتسامة :"مرحبا أنا ضياء وهذا بهاء .."

بالكاد استطاع رفع عينيه لها يحاول ايجاد ما يقول فما يحدث داخله بدى شيء مختلفا :"أهلا"

................. بهاء

لم أعرف حتى ما حدث بذلك اللقاء الغريب .. كيف وصلت هنا؟ وماذا قالت لها امل؟ .. هل تعرف كل شيء واقتربن؟ او أنها تفكر بشيء آخر؟

لم اعرف ما أقول لابقى صامة

عدت لغرفتنا لابقى على نفس الحال : "ضياء ماذا يحدث؟"
ضياء :"جد الجواب بنفسك"

بدى الأمر أصعب من أي امتحان اجتزته من قبل .. ماذا لو ملت يوما ما؟

.. لو لم تقبل في النهاية؟

.. لو انتهت القصة غدا؟

.. لو كانت مجرد خدعة وابتعدت بعدها

ماهذا الضيق بصدري .. فعليا تشوش كل تفكيري وأنا جالس بسكون مكاني لاقول بصعوبة : "ضياء .. أنا اختنق"

أسرع ضياء لي بكأس ماء لكني ضممته وحسب :"أنا خائف!"

ربت على ظهري ليعيد كلامه المعتاد

ضياء :"اخوك هنا .. وسيبقى معك .. لا شيء ستخسره .. اهدأ"

صحيح أن ذلك الخوف هدأ قليلا لكنه مازال داخلي وحين وقفنا معها مجددا بعد أيام بدت لطيفة بعض شيء .. قليلة الكلام .. محرجة كليا .. ومتوترة مثلي أما ضياء وامل كان يتحدثا براحة على الأقل يغيران الجو الصامة هكذا

مضت الأيام لنتعرف عليها أكثر واستريح أكثر ..

بدت ابتسامتها عفوية صادقة فلحد الآن لم تقل كلماتهم لم تمدح شكلي بل كأنها لا تعرف أين مركزي ومكانتي بالجامعة

فبدأ ذلك الخوف يقل شيئا فشيئا كل مرة حتى اختفى مع حلول الصيف وانتهاء الدراسة .. عدنا لمنازلنا ووجهتها كانت مختلفة كليا مدينتها بعية عنا

مر ذلك الوقت بثقل كبير لا يحتمل لم أجد ما افعل غير الذهاب عنده : "ضياء .. اخي صدري يؤلم"

رد ضياء بضحكة :"امل تقول أن رنيمك بخير لكن أخبرتني بشيء لا يصدق"

تجاهلت سخريته فالمهم ما سيقول: "ماذا؟"

اعتدل ضياء بجلسته محدقا بعيني بكل جدية:"إن لم تسرع فيوجد من سيأخذها قبلك"

كان خبر كالصاعقة ليزيد ذلك الألم فكل ماكان بيننما لحد الآن مجرد صداقة : "لكن .. أنا!! .. ضياء ماذا أفعل؟"

بعد كل ما دار داخلي مع كلمات ضياء أخذت نفسا عميقا وأخيرا عزمت أمري لأتصل بها وأبدأ الحديث مباشرة :"لا أعرف كم من الوقت قد تنتظرين .. لا أعرف حتى ما سيحدث في مستقبل القريب .. كل ما أريده أن تبقي بجانبي أكثر .. رنيم هل تقبلين الزواج بي؟"

........................

لم يكن وصوله لهذه الكلمات سهلا لتمر ثلاثة سنوات ونصف بسرعة حيث توقف به الزمن وذلك الرضيع بين ذراعيه وهو يحدق ببشرته البيضاء الصافية بالكاد استطاع كتم دموعه ليشبع من رؤيته وكل ما استطاع قوله :"ضياء هذا أبني أنا!"

فرد الطرف الآخر ضاحكا :"إبن من إذا هيا وأنا أريد رؤيته"

لكنه تجاهل كلامه كأنه لم يسمعه ليضم ابنه له وفي نفس الوقت شعر بشد بطرف سرواله جهة ركبته تبه صراخ طفولي  :"عمي .. عمي .. أنا .. أنا .. أريد أخي"

امتلكت عيون خضراء ورثتها عن والدتها وشعرا فحميا منسدلا يماثل والدها

صاحبة السنتين فقدت صبرها حقا : "أمي .. ابي .. أريد اخي"

انحنى ضياء عندها مربة على شعرها : "طبعا صغيرتي لينا .. لينتهي عمكِ أولا"

وما فعل بهاء بعدها هو أخذ الرضع متجها عند زوجته الراقدت على السرير لتبتسم بارهاق :"وها قد عاد لؤي"

اتسعت ابتسامة بهاء مع سعادته ليجلس قربها، لامس وجهها وانحنى قليلا  مقبلا جبينها : "رنيم شكرا .. اظنني أسعد شخص في العالم حليا"

التفت للرضيع الهادئ جهة ذراعه : "كن لطيفا وطيبا كلؤي .. اعتني بوالدتك واختك لينا رغم أنها أكبر منك .. اتفقنا"

التفت لأخيه بابتسامة وعلامات الغضب تغزوا وجهه علامات رسمت على وجه ابنته التي يحملها أيضا ليقولا معا :"نريد رؤيته الآن"

******* النهاية ******

وتبقى اسوأ كلمة هي النهاية لكن لكن الاسوأ لاوجود لشيء بعدها هذه المرة

لا اعرف ما ساقول الان بل هو دوركم لتتحدثوا خصوصا من يتابع بصمت

اتمنى ان تكون للرواية فائدة او مغزى احتفظتهم به لتشاركوننا به
او لن تكون ذات قيمة

بهاء ضياء 😢😢 شكرا لتعب ثلاثة سنوات قضيتها معكما .. بطريقة ما كانا ملجأ لي في الكثير من الاوقات .. ساشتاق لكما

Continue Reading

You'll Also Like

62.7K 5.3K 29
يعود ذلك الشاب بعد ثلاث سنوات من اختفائه ليكون الامل الوحيد لكشف جريمة قتل عائلة باكملها وحرق منزلهم ولكنه كان فاقدا للذاكرة يقوم احد الاطباء بتبني ع...
77.3K 7.3K 37
في حُجرةٍ ضيقة... إضاءتها خافِتة... فتحَت الكتاب وبدأت بقراءة القصة لطفلها... كانت تقرؤها له دومًا... فتعلق بها وأحبها... فسمّى شقيقه على اسم بطل...
612K 53.4K 63
«نحن المراهقون الذين دفعوا ثمن خطايا الأسبقين، نحن الآثمون من نسير نحو جهنم مع ابتسامة فخورة.» ماذا تعرف آمور لاكونا عن الحب؟ أنه مجرد اسم آخر يعبر ع...
444K 29.6K 39
شاب من عائله غنيه وكاي عائله غنيه يجب أن يكون افرادها أذكياء وسيمون ومصدر فخر لهم أحد أفراد العائله لم يكن كذلك كان فتى في ال 14 عشر ذو جسم ممتلئ و...