-لَقَد اِختَرَعنا الفَّنْ
لكَي لا نَمُوتَ مِنَ الحَقِيقَة.
-نيتشه
13/10/2013
7:30 pm
تقف امام باب الجامعة تغمض عيناها و تزفر همومها و تدخل بخطى هادءة ثابتة ، بيدها كوب ورقي من الامريكانو الساخنة .. تحاول تدفأة نفسها فالجو يصبح بارد للغاية هذه الايام .
كانت جميلة بفستانها البيج بنفس لون حذائها ذو الكعب العالي مع سترتها الطويلة باللون الاحمر الغامق و حقيبة باللون البني الفاتح .
نظرت الى ساعة يدها ترى انها تمتلك الكثير من الوقت حتى محاظرتها الاولى اليوم ، قررت الجلوس على احدى المقاعد في حديقة الجامعة مع كتابها وايضاً وضعت سماعتها في اذنها وشغلت موسيقى للموسيقار المفضل لديها "ياني" يعزف مقطوعة "زهرة الاوركيد" لتنتقل معه الى عالمها الخاص في محاولة لنسيان الواقع .
مرت نصف ساعة و هي في عالمها تقلب صفحات اهتمامها و تستمع الى آلات قلبها و تشرب كوب راحتها ، لكن حان الوقت ليقاطعها الواقع .
جلس بقربها شخص و لاحظت وجوده رغم انها لم تنظر له .. هي لا تعرف من .. تريد فقط اكمال هذه الجمله .. او هذه الصفحة .
انهت الصفحة بجملة كانت "تجاهل وتغافل .. لكن بعض الامور تستحق الاهتمام اليس كذلك ؟ "
و كأنها نصيحة قادمة من مجهول الى مجهول .. و كم هو رائع كل ما هو مجهول !
قررت اخيراً النظر الى جانبها لتراه "هو" المدعو جونغكوك .. بابتسامة مشرقة كان ينظر لها و هي تقرأ اخر سطور تلك الصفحة .
-صباح الخير .
و كالعادة هو يبادر بالتحية و الكلام .
-صباح الخير .
و هي ليست سيئة لدرجة عدم الرد .
-كيف حالك ؟
-وهل تنتظر جواباً غير "بخير" ؟
-ماذا تقصدين ؟
اغلقت الكتاب الذي بيدها ثم اردفت ..
-"كيف حالك"هو سؤال تسأله لكي تسمع اجابة واحد الا و هي "بخير" من الطرف المقابل .. و هو ليس له رد آخر و اذا رددت ب"لست بخير" سيبدأ السائل بالتطفل باشياء لا تخصه او انه ينتقدك بكونك شخص سيء !
-كل هذا التعقيد من اجل "كيف حالك"؟
-الحياة معقدة اكثر مما تضن وتحتاج الى التعقيد والتحليل.
-لكنها جملة بسيطة للغاية .
-كيف تراها بسيطة ؟ في نظري كل شيء معقد .
-هنالك اشياء بسيطة مثل الاكل و الشرب و التنفس ... و الحب !
-إذا هو تحدي ؟ .. ليكن .. الاكل معقد في كيفية استخراجه و طهيه و من ثم معقد في كيفية اكله و هضمه و دورته في الحياة .. اما الشرب فهو معقد في كيفية تنقيته و تعبئته في قوارير و كيفية توزيع الماء على اعضاء الجسم .. اما التنفس فهو معقد في تركيبه و تفاعلاته و دخوله الجسم و امتزاجه مع الماء و عمليتي الشهيق و الزفير .. اما الحب .. فهو ليس إلا تفاعلات معقدة تحدث في الدماغ .
- انتِ حقاً تفكرين كثيراً .. يمكنك النظر الى الاكل على انه غذاء .. وان الشراب تحتاجينه ليروي عطشك .. والتنفس هو فقط اوكسجين يدخل الى الرئة ويخرج ثنائي اوكسيد الكربون .. اما الحب .. فهو مشاعر بين اثنين .
-لنا نظرتان مختلفتان تماماً عن الحياة.
-لكن الاختلاف جميل .
-حسناً .. ربما اتفق معك بخصوص هذا الموضوع .
-اضن ان علينا الذهاب الان .. سوف تبدأ محاظرتنا قريباً .
-ا..اجل .
الآن جونغكوك يلاحق جاندي فعلياً .. ينتظر ان تقع في مشكلة لكي يساعدها !
هو هكذا عندما يريد شيء يحصل عليه ! سيثبت لها انها سوف تحتاجه في اي ساعة ! ليس و كانها لم تلاحظ لكن هي تتجاهله كما تتجاهل كل شيء غير مهم بالعادة .
الوقت يمر سريعاً هذه الفترة مر ما يقارب الشهر .. والدة جاندي اختفت وعلمت من التلفاز والاخبار ان الشركة حلت مشاكلها بتزويج ابنهم الاكبر من ابنة رئيس لشركة ما .. كانت ردة فعل جاندي متوقعة جدا .. الا وهي ..
-تبرعت به اذا .. مسكين .
كان كلامها بنبرة سخرية مستفزة .. ولكن هي لم تكذب .. زواج كهذا هو من اكبر اخطاء الطبقة الراقية .
مرت ايام ... اسابيع .. وشهران .. الآن هو (1/12/2013) .
خرجت جاندي مبكراً كعادتها وقد رأت الامطار الغزيرة .. ابتسمت .. منذ فترة لم تبتسم .. لطالما احبت اجواء المطر تشعر بالانتماء .. رائحة المطر تنعشها .. تذكرت بانها قرأت معلومة في كتاب ما عن رائحة الامطار .. وايضاً ان الامطار تتفاعل مُخرِجة مادة كيميائية مسببة راحة للانسان . اخفضت نظرها وابتسمت بعد ان فكرت .. "ماذا سيكون رده اذا قلت له هذا ؟"
مؤخراً اصبحت مستمتعة بأزعاجه بأفكارها وتحليلها المبالغ به بالنسبة له .. ومهتمة في كيفية نظره للاشياء .. وايضاً قررت ان توافق على كونهما اصدقاء .. استغرق منها شهران لتحليل كل شيء والموافقة على طلب بسيط كهذا بالنسبة لاغلب الناس .
قال دوستويفسكي "ستصل يوماً للنضج الذي يجعلك ترفض التعلق بعلاقة مؤقته .. او صداقة باردة .. او جدال احمق .. او التعلق بالزائفين"
قررت اليوم اخباره بموافقتها .. كانت تمشي تحت المطر حيث قررت المشي الى الجامعة و لن تفوت طقس ممطر كهذا دون السير تحت الأمطار ..
كانت تحاول ان تحزر ردة فعله .. بأرقام .. وسوف تنتظر ردة فعله لمعرفة اي رقم سيكون الصحيح .
مرت في طريقها على مكتبة لبيع الكتب .. اعتادت القدوم لها ..
-مرت فترة منذ اشتريت فيها كتاب ..
تذكرت انها رغبت منذ فترة في كتاب قرأت اسمه على الانترنت لذلك دخلت تبحث عنه .
-هل يمكنني مساعدتك ؟ .. اوه جاندي ! لم ارك منذ فترة ..
كانت صاحبة المكتبه التي تعرفت عليها فوراً .
-مرحباً سيدة كانغ .
-لم تأتي منذ فترة .. كنت قلقة بعض الشيء .
-هذا بسبب انشغالي .. لدي الكثير لافعله .
-اذا .. ما الذي اتى بك اليوم ؟ ..
- كنت ابحث عن كتاب اتسائل ان كان موجود لديك .. اسمه "مشاعر من قهوة"*
- هممم .. اعتقد انني قرأت اسمه .. سوف ابحث عنه ..
******
جاندي
كنت امشي الى الجامعة و شارفت على الوصول ، كنت قد وضعت الكتاب الذي اشتريته في حقيبتي واشتريت كوب من الموكّا ، اشعر بالسعادة اليوم .. هل هو بسبب المطر ؟ .. ام بسبب حصولي على قسط كافي من الراحة ؟ .. ام بسبب شرائي لكتاب جديد ؟ .. ام .. بسبب اني سوف امتلك صديقاً اليوم ألا و هو جونغكوك ؟ ..
و ربما كل ما سبق ..
كنت قد اخبرت جونغكوك ان يأتي الى المقهى اليوم لانني اريد التكلم معه و كالعادة و افق على طلبي بكل سهولة و ابتسامة واسعة تقابلني .. هو بالفعل شخص لطيف جداً .. على عكسي ربما ..
اما بالنسبة لجيمين فيبدو انه تخلص من مشاعر اعجابه بي وبدأ يتقرب مني كصديق لا اكثر .
و من لا يود ان يكون صديقي و انا رائعة هكذا ؟!
الشيء الذي لم اتوقعه بتاتا هو ان اكون صداقات في الجامعة .. فانا لست من النوع الاجتماعي .. واحب البقاء بمفردي غالب الوقت ، ما اسعدني و جعلني اقبل بصداقتهم هو كونهم تفهموا حبي للعزلة و احترموا رأيي بالبقاء بمفردي في الغالب .
دائماً ما افضل هذا النوع من الاشخاص .. متفهم .. و لا يجبر الاخرين على ما يروق له .
2/12/2013
8:30pm
مقهى ياكسوك
دخل جونغكوك بابتسامته المعتادة .. تلك التي تجلب لك احد انواع السعادة او الراحة .
اتجه الى طاولته المعتادة قرب زجاج واجهة المقهى .. قطرات المطر تغطي واجهة المقهى المصنوع من الزجاج .. هذا المنظر حتماً يحتاج قهوة .. او ربما كوب من الشوكلا الساخنة للذين يكرهون القهوة .
اتجهت جاندي للجلوس بجانبه و كلاهما ينظر الى الزجاج ، طلب كلاهما نفس الطلب ألا و هو كوب من الكابتشينو .
-إذاً ما هو الشيء الذي اردتي اخباري به ؟
قال جاذباً تفكيرها بعد ان وصل طلبهما.
-انه ليس بالشيء الكبير .. فقط اردت اخبارك بانني وافقت .
-على ماذا ؟
-على كوننا اصدقاء .. اعتبر نفسك محظوظاً .
قالت بثقة وهي ترتشف قهوتها بابتسامة هادئة .
-انا سعيد لكوني صديق لك ..
اردف هو الاخر بابتسامة هادئة تدل على راحته واستمتاعه بهذا الحديث ..
-لماذا ؟
-لا اعلم .. فقط نحن مختلفان .. بطريقة جذابة .
-اشعر بان الاشياء المختلفة جميلة مع بعظها وجذابة ..مثل الشحنات الكهربائية المختلفة و مثل الاقطاب المغناطيسية المختلفة .. كل ما هو مختلف يتجاذب .. و كل ما هو متشابه يتنافر .. و كانها قاعدة الكون .
-دائماً ما تقدمين وجهة نظرك بطريقة معقدة .. ربما لهذا ..
ثم صمت .. لم يكمل لكن الجملة تكمل نفسها .. "ربما لهذا احببتك ؟!"
-ربما لهذا ؟ ...
-لا شيء ..
حاولت هي ايضاً تفادي الموضوع .. ظنت انه كلام لم يقصد قوله لكن .. هذه الجملة و هذا الوضع .. و تصرفاته .. سوف يتم تحليلها بالكامل هذه الليلة قبل ان تنام .
-لدي سؤال ..
قال بعد صمت دار بينهما كانت خلاله تحلل تلك الجملة و تجرب ان تركب عليها بعض الكلمات .
-ما هو ؟
-لماذا ترفضين اعطاء رقم هاتفك لاحد ؟
-هنالك سببان .. الاول لانني مشغولة..
- و الثاني ؟ ..
-لانني اجد هذه الاشياء تهدم العلاقات في الكثير من الاحيان .
-كيف ؟
-اذا كان كلانا يملك رقم الآخر .. و انا كنت مشغولة بامر لا اريد ان يعرفه احد .. ولم اتصل بك ، سوف تنزعج بالتاكيد ظنّاً منك انني اتجاهلك .. اليس كذلك ؟
-انتِ محقة .. لكن لا اعتقد ان الجميع هكذا .
-و كيف ساعرف من هو هكذا و من هو ليس هكذا ؟ .. و ايضاً .. اذا اعطيت رقم هاتفي لشخص ليس هكذا فسوف يعطيه لمن هو هكذا ..
-وجهة نظر .. لكن بالتاكيد لن افكر بها ..
قال مازحاً .
-حتماً لن يفكر بها الكثير .. لكن يوجد القليل مثلي من يرفض اعطاء رقم هاتفه .
-هل كنت هكذا منذ البداية ؟
-كلا .. كنت اعطي رقم هاتفي لزميلاتي في الصف .. لكن كنت ارد بعد يومين او اكثر ..
-على عكسي تماماً ..
-حتماً نحن مختلفان .. لكن نفهم بعضنا .. لهذا وافقت على كونك صديق لي .
-هممم ..
اكمل كلاهما كوب قهوته ثم اتجه كلاً منهما الى ما يشغله .. هما حتماً اصبحا مقربين من بعضهما ..
●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●
"مشاعر من قهوة"* : كتاب مشاعر من قهوة كتاب خيالي لا وجود له في الحقيقة .
1584