قلعة هاول

By Abby_sama

30.9K 1.5K 2.2K

"لذا، اجذبني لأسفَـل، خُذنـي بعيداً.. حان وقتُ الدين المُستحق، عليّ أن أدفع.. علي مُواجهـة ما أستحقه.. حان ال... More

المُقدّمـة.
[ 1 ] أحمَـرُ شِفـاه.
[ 2 ] قَـالبُ حَـلوى.
[ 3 ] رمَـادي بَاهِـت.
[ 4 ] تَهـديد أَسـود.
[ 5 ] ملهَـى ليـلي.
[ 6 ] عِـقدُ مِلـكيّـة.
[ 8 ] عَشـاءٌ هـادِيء.
[ 9 ] صَبـاحٌ بَـارِد.
[ 10 ] لَـيلةٌ سـيئة. [ M ]
[ 11 ] إستِنـجاد.
[ 12 ] مِن خلفِ الباب.
[ 13 ] المُحاولةُ الأولى. [ M ]

[ 7 ] الرّحـيلُ الأوّل.

1.8K 118 133
By Abby_sama




- كُنتَ الأمـانَ و الخوف في الآنِ ذاتِـه.








٭٭٭٭٭



لم أشعر بتوترٍ كهذا في حياتِي من قَبل، لقد أوصلنِي هيكتور إلى بنايتي، هو أصرّ على ذلك، و وجدتُ هذا نبلاً شديداً منه في الحقيقة، لكن لا أستطيع منع نَفسي ببعضِ الأحيان من الشّك أنه ربما فعل هذا ليعرف عنوان مسكَني. أعلم أنه عليه ألا أصدر أية أحكام نحو الأشخاص، بالأخصِ من الشخص الوحيد الّذي سأندم علام سأفعله بهِ لاحقاً، إلا أني ببساطةٍ لا أستطيع منع نفسي.

هو تركَ لي المساحة لأخذِ ما أرغب بأخذه مَعي، و أخبرني أنه سيمرّ علي بالغدِ في السادسةِ مساءاً، بنفسِ المكان. لوّحت له حينما خرجتُ من السيّارة بإبتسامةٍ صغيرة، لم يحطّ الظّلام بعد، و وجدتها فُرصةً للذهابِ إلى والدتي. حيث أنّي لن أرآها منذ أسبوع، و لن أرآها حتى شهرٍ قادم، شعرتُ بأنّه يتوجب علي ذلك.

كان عليّ الصعود للشقةِ كي أبدل ثِيابي هذه، و أمسح مَساحيق تجميلي. الأمر الذي لطالما بَدا مرهقاً بالنسبة لي، بالأخص و أنَا لم أعد أشعر بالراحةِ دون ثيابي هذه و تبرجي. أعتقد أني اصبحتُ معتاداً عليهم أكثر مما توقعت، لا أتخيّل قضاء وقتي دونهم حتى إن كنتُ بالمنزل.

استقللتُ سيّارة أجرة كالعَادة نحو منزلي، ربما عليّ التوقف عن مُناداته بمنزل، إنه بالكَاد غرفة واحدة، مع مطبخٍ و حمام. خرجتُ من السيّارة بكيس الطّعام، و طلبتُ من السائِق إنتظاري ريثما أعود، حيث أنّي لن أتأخر.

أخرجتُ المفتاح من جيبي، و فتحتُ الباب ثم دَخلت. توجهتُ نحو الغرفة بإبتسامةٍ هادئة :
« أنا بالمنزلِ ماما، أحضرتُ لك بعض الطّعام. »

قمتُ بإشعال الشّمعة بالقّداحة التي جوارها، رُغم أن الظلام لم يحلّ كليّاً بعد. جلستُ جوارها على الأريكة، و وضعتُ رأسي على حجرها مغمض العينين، استمتع بهذا الشّعور الذي سأفتقده لشهرٍ كامل.

« علي قتلُ شخصٍ ما. »

قلتُها بصوتٍ منخفض، ثم نظرتُ لها :
« إنهم يهددوني بِك، ماما. عليّ فعلُ هذا لأجلك، أنتِ لا يمكنكِ العودة لذلك المَكان مُجدداً، صحيح..؟ »

كنتُ أتمنى البقاء أَكثر لوداعها بشكلٍ لائق، لكن سائق سيارة الأجرة ينتظرني خارجاً، أخشى أن ينزَعج، و بالتّالي سيرحل و يتركني. قبّلت جبينها بعمق، على أيةِ حال، أعتقد أنّي سأعود لهنا قريباً مجدداً، حيث أنني و هيكتور متفقان على فكرة خروجي من القَلعة حينما لا يكون موجوداً.

خرجتُ من المنزل، عائداً لسيّارة الأجرة. الجزءُ الأصعب في كل هذا سيكون ودَاع كاسبر، الّذي سينتقل بكلِ الأحوال، مما يعني ذهابي للقلعة لن يشكّل أي فارق، فلو بقيتُ فأنا لن أرآه أيضاً. السؤال هنا.. هل سيتقبّل وداعي بعد آخر ما حدث بيننا أمس..؟

حينما عدتُ للشّقة، كان وقت العَشاء، لكنّي لم أكن بمزاجٍ جيّد لتناوله، قد أكتفي بقطعة فواكه لاحقاً. بحثتُ عن كاسبر، لا بد من كونِه عاد، بالعادةِ هو يقوم بإنتظاري على أريكةِ غرفة المعيشة، لكن اليوم أنا لا أرآه هنا.

طرقتُ باب غرفته المُغلقة، ثم فتحت الباب. وجدته يقوم بترتيبِ ثيابهِ و أغراضهِ الشخصية في حقيبةٍ سوداء، هو سيرحلُ فعلاً إذاً. على الرغمِ من كوننا بالكادِ نتقابل في اليَوم، إلا أن كلينا ترك أثراً عميقاً في بعضنا البَعض. بمعنى.. لا أتخيّل أن أفتح باب الشقة و لا أجده في استقبَالي كالعادة.

« سترحلُ إذاً..؟ »

توقّف عن ترتيبِ ثيابه، ثم نَظر لي :
« أجل. »

تابع قائلاً بنبرةٍ غير مهتمة :
« بتُّ أرآك كثيراً بشكلكَ الحقيقي، هل يعني هذا أنّك تخطط لترك عملكَ قريباً..؟ »

الرحمة..! نحن لا نستطيع خَوض نقاشٍ واحد طبيعي دون أن يُقحم عملي فيه.

إبتسمتُ ببرود :
« أولاً، حبي للملابسِ النّسائية و مساحيق التّجميل لا شأن له بِعملي، لقد كنتُ هكذا من قَبله. ثانياً.. و هذا أهم طبعاً، لما لا تقحم قضيباً كبيراً في فمك اللعين هذا كي يخرسك للأبد..؟ »

احتدّ صوتي بالسؤال الأخِير، و هو نظر لي بُذهولٍ و عدمِ تصديق. إنها المرّة الأولى تقريباً التي أفقد فيها سيطرتي، لكن الأمر قَد زاد عن حدّه، يقوم بربطِ كل شيءٍ بعملي كما لو أنّ هذا شأنه.

شعرتُ بالتوتر حينما اقتَرب منّي، و سألني بصوتٍ مظلم :
« ماذا قلتَ لتوك..؟ »

أعلم أنّ كاسبر رجلٌ لا يفضّل الشتائم أبداً كوني بالكادِ أسمعه يشتم، و أعتقد أن الوضع سيكون أكثر سوءاً لو قام شخصٌ ما بشتمه، بالأخص.. لو بدا هذا الشخص مِثلي.

هسهستُ أمام وجهه :
« قُلتُ، لما لا تُقحم قضيباً كبيراً في فمك اللعين كي تَخرس للأبد و تتوقف عن حشرِ مؤخرتكَ بشؤوني..؟ »

أعلمُ أني أجبن من مواجهتِه، و لم أعتد على التّصرف معه بتلك الطريقة. لم أرغب في أن يكون يومنا الأخير شجاراً قد يمنعنا من توديع بعضنا كَما يجب، و لا أنكر خوفي من ردةِ فعل كاسبر لأني أعلم جيداً لا أحد يستطيع التنبؤ بأفعاله.

مال نحو أُذني هامساً :
« في الحقيقةِ يا عزيزي، أنا من أستطيع إقحام قضيبي بفمكِ، و أجعلك تخدمني بشكلٍ مثالي، ثم سأرمي نقودي أمامك على الأرض لتلتقطها. لأنّ هذا هو أنت، هذه حياتكَ أنت مارسيل، و ليست حياتي.

بمعنى أوضح، أنتَ هنا العاهر عديم القِيمة، و كل أؤلئك اللذين يلهثون خلفك، يعجبهم فيك جَسدك و شكلك فقط. إن تغيّر هذا، و أستطيع تشويه وجهك الجميل حالاً بالمناسبة، ستجدهم جميعاً يديرون ظهورهم بعدما يبصقون على وجهِك الذي سيصبح قبيحاً بفضلي.

لا أحد يفتقدك، هم فقط يَفتقدون جسدك. هل تستطيع رؤية لأي حدٍ أنت فاشل، و كل ما سيتم إفتقاده فيك هو جسدك الخارجي و حسب..؟

الجميع يرآك كعاهرٍ محب للمال، بمعنى أدق.. أنت لست إنساناً عزيزي، أنت فقط مجردُ أداة للإستخدام الشخصي، سرعان ما ستتلف بأحدى الأيام.

ببساطة، أنتَ لا شيء. »

كنتُ أعلم أن كاسبر يستخدم دوماً الكلمات لإيذائي، هو ليس مضطراً للصراخ حتى كي يتأكد من أنه نجح بهذا، يستطيع معرفة كل شيءٍ من خلال تعابير وجهي التي لا أستطيع التحكم بها.

لم يكن هناك دَاعي للغضب، أو إظهار أن كلماته جَرحتني؛ لأن كل حرف قاله حقيقة، و مثلما تقبّلت ذاتي من قبل، كان علي تقبل كلماته أيضاً. ما يجعلني بوضعٍ صعب هو عدم مَعرفتي كيف سأجيبه، بيد لي أنه لا يرغب بإجابة على الإطلاق.

هذا اللحظة الّتي علي قول فيها وداعاً له.

رفعتُ رأسي لأنظر له، إبتسمتُ بهدوء و قمتُ بمعانقته بقوة. قلتُ بصوتٍ منخفض :
« اعتني بنفسكَ و اقضي وقتاً جيداً عزيزي، سأفتقدك كثيراً. »

ابتعدتُ عنه و طبعتُ قبلة على فكّه :
« يمكنك مُراسلتي و الإتصال بي إن احتجتَ أي شيء. أتمنى رؤيتك قريباً حقاً و بخير. »

لم يغب عنّي تفاجؤه، أعني.. بدوتُ كأبلهٍ للتو. حيث أنني أهنته، و استمعتُ لإهاناته في المُقابل، و الآن أتصرف كما لو أنني أودّع حبيباً لي.

أنا لا أحب التّفكير كثيراً في كلمات الآخرين أو ما يعتقدونه حَولي، لقد أخذت كفايتي بالفعلِ حينما كنتُ مراهقاً، و اكتشفتُ أن ما يعتقدونه لن يغيّر و لو قليلاً في حقيقتي، و ما أنَا عليه، و ما أعتقده عنّي.

لم أنتظر ردّه، لأنّي توجهت لغرفتِي كي أعد حقيبتي أيضاً، و أضع جميع ما قد أحتَاجه. بيتر لويس راسلني أثناءَ ذلك، ليتأكد من أن خطته أو - خطتنا - كما يُطلق عليها، تسير على ما يُرامٍ للآن. لأي حدٍ ورّطتُ نفسي..؟ و هل هُناك أي أملٍ و لو ضئيل في الخروج من كلِ هذا بقطعةٍ واحدة..؟

لم أنم هذه الليلة أيضاً، كنتُ قلق بشأن كل ما سيحدث. هل أنا مُستعدٌ حقاً للذهاب..؟ ماذا عن هيكتور..؟ كيف سأقوم بأذيته بعدما وثق بِي..؟ الكثير من الأسئلة راودتني، و لم أستطع إجابة أياً منها. كل ما استطعت فعله هو مراقبة كاسبَر الّذي حمل حقيبته و خرج من الشّقة دون أن يلقي نظرة أخيرة عليّ، كان هذا جارحاً.

لم أجد ما أفعله طوال اليوم، و حينما أقول لم أجد.. يعني حقاً قضيت كل وقتي أحدّق في سقف غرفتي و حَسب، أبذل ما بوسعي كَي أتوقف عن التفكير.

حينما أتى وقت الغَداء، اكتفيتُ بحباتِ فواكه و فنجانُ شاي، ما حدث ليلة أمسٍ كان كفيلاً بفقدِ شهيتي. عدتُ لفراشي مرةً أخرى، أحاول النوم لبعضِ الوقت، سيكون يومي طويلاً جداً لاحقاً، و علي أن أستعد لهذا جيداً.

استيقظتُ على صوتِ طرقاتٍ هادئة، جعلني هذا أنزعجُ لبعض الوقت، بالأخصِ و أنا لم آخذ كفايتي من النومِ بعد. لا أحد، و أنا أعني لا أحد.. قد يأتي لهنا. خمنت أنّه كاسبر، قد نسي بطريقةٍ ما مفاتيحه، و عاد ليأخذها بعد كل هذا الوقت.

لماذا لا تُحرك مؤخرتكَ اللعينة لتعرف من يكون بَدلاً من تكهناتكَ السخيفة..؟ - نفسي الدّخليّة - تسآئلت، مما جعلني أزفرُ بقوّة. بشكلٍ عفوي نظرت لساعةِ الحائط، و قد كنتُ مصدوماً أنها تجاوزت السادِسة و النصف. اللعنة..!

خرجتُ من غرفتي بخطواتٍ سريعة لأفتح البَاب، و كنتُ مصدوماً حينما رأيتُ هيكتور. أنا متأكد أنني لم أخبره برقمِ الشقة، و رؤيته الآن تربكني جداً، أشعر بأني عاري دون ثيابي المُعتادة و مساحيق تجميلي. هو يرآني للمرةِ الأولى بشكلي الطّبيعي، و لم أكن متأكداً من أنه سيتعرّف علي.

« مارسِيل..؟ »

هو تعرّف علي..!

إبتسمَ بخفة حينما لاحظ تعابير الصدمة :
« عيناك، إنهما مميزتان جداً لدرجة تجعلني أستطيع التّعرف عليك حتى لو بدّلت جلدك. »

كلماته المَجازية مُعبرة فعلاً. تحدث.. إنه الوقت الذي عليك التّحدث فيه و اللعنة..!

فتحتُ الباب أكثر له قائلاً بصوتٍ مبحوحٍ ناعس :
« تفضّل رجاءاً، أنا فقط لم أتوقع حضورك، و لم أتوقّع أن أغط في النَوم بشكلٍ مفاجيء. آسف لأني جعلتك تنتظر طويلاً. »

هز رأسه بسالبيّة :
« لا تعتذر رجاءاً، أنا أيضاً لم آتِ بالموعدِ المُحدد. قمت بسؤال موظف الإستقبالِ عنك، و أخبرني برقمِ شقتك، أعتذر لو قام هذا بإزعاجك. »

أوه..! هكذا إذاً.

« لا بأس، لقد تفاجئت.. هذا كل ما فِي الأمر. تفضل أرجوك ريثما أرتدي ثيابي، لقد جهزتُ حقيبتي ليلة أمس بالفعل. »

سيكون من غير اللائِق عدم إعداد أي شيءٍ لأجله، كمشروبٍ أو ما شابه، بالأخص و أنا قد أتأخر لبعضِ الوقت. توجهت للمطبخ لأخرج عُلبة العصير، و أسكبها في كأسٍ مع إضافة بعض النّبيذ.

عدتُ إليه و وضعتُ المشروب أمامه بإبتسامةٍ هادئة، قام بمبادلتها. كدت أرحل لولا استوقفني صوته :
« بالمُناسبة، أنت أجملُ بكثيرٍ مما توقعت. »

إنه من اللطيفِ أن تجد شخصاً يرآك جميلاً في جميعِ حَالاتك :
« شكراً لك. »

لم أكن واثقاً عن أي جمالٍ يتحدث، فالهالات السوداء أسفل عيناي لم تُعجبني يوماً، و تلك الشَامة الصّغيرة الّتي على جَبهتي. لكني أتفهم أن كل شخصٍ يرى الجمال بطريقةٍ مختلفة، لذا.. لم أحاول الإعتراض.

إنتهيتُ بعد نصفِ ساعةٍ تقريباً، و خرجتُ من غرفتي بعدمَا ألقيتُ عليها نظرة وداعٍ أخيرة. وقف هيكتور عندما رآني، و قررتُ ترك كأس العصيرِ مكانه على الطَاولة، حتى أتذكر كُل هذا مرة أخرى حينما أعود بعد شَهر. أو على الأرجحِ سيأتي كاسبر قبلي و سيهتم به، رُبما.

« أنا مُستعد. »

اقتَرب منّي، و التقط الحَقيبة ليحملها بدلاً عنّي :
« تبدو فاتناً للغاية، مارسيل. »

إبتسمتُ كعلامةِ شُكر. أنت تعني.. أبدو كأفعى ملمسها ناعم لكنّ بالنهاية سأبثُ السُم في جسدِ والدك. لا أعلم كيف سأستطيع تخطّي كل هذه المَشاعر، إنها كثيرة للغَاية، و تجعلني على مَشارفِ الجنون.

صعدتُ معه إلى السيّارة، و حينما بدأ في القيادَة رغبتُ أن أسأل كم من الوقتِ حتى نصل، لكنّي لم أرغب في أن أبدو كشخصٍ متعجّل أو ما شَابه.

كسر الصّمت بكلماتِه :
« أفترضُ أنك لم تتناول عشاءك بَعد، صحيح..؟ لِذا.. ستشاركنا العشاء أنا و والدي، سأعرفكَ عليه. لقد طلبتُ من مارڤن الطهو لأجلك، سيكون العشاء أفضل ما ستتذوقه بحياتكَ بعد طهو والدي. »

لقد ذَكر كلمة والدي“ مرتين للآن، و في كل مرة يخفقُ قلبي بشكلٍ مزعج. والده الّذي سأقوم بِقتله، لا يمكنني التفكير في شيءٍ سوى هذا، و أخشى أن تفضحني تعابيري. السّم يكفي ثلاث مرّات فقط، مما يعني أنني لا أملك الكثير من الفُرص، و سيتوجب علي الإسراع في تنفيذ العمَلية.

سألتُ بهدوء :
« والدك يُحب الطّهو..؟ »

أومأ رأسه، و عيناه على الطَريق :
« أجل، إنه طاهٍ بارع. كلانا نُحب الطهو، لكنّي لن أصل يوماً لمهاراتِه. »

أرخيتُ رأسي على زجاجِ النافذة :
« أنا أيضاً أحبُ الطهو، لكنّي لم أكن أجدُ الوقت بسببِ عملي. »

نظر لي للحظة، ثُم إبتسم :
« سأحبُ تذوق طهوكَ يوماً ما، و أنا أثق أن والدي سيحب هذا أيضاً. يملك حاسة تذوق شديدة الحَساسية، و هو أبداً لا يُجامل. يمكنك الطهو لأجلنا يوماً و لنَرى بشأنِ مهاراتك. »

اللعنَة، لماذا يتصرّف بنوايا حَسنة لهذه الدّرجة..! لو يعلم أنّي المسئول عن قتلِ والده، و أول شيءٍ سأفعله هو وضع السّم بصحنه، لم يكن ليعرض عليّ شيء كهذا أبداً. و على العكسِ تماماً.. قد يقوم هو بقتلي.

إبتسمتُ بزيف :
« بكلِ تأكيد. »

لا أذكر مَتى تحديداً غفوت، فقد كَانت السيّارة دافئة جداً ذات رآئحة زاكية. لكني انتفضتُ تقريباً حينما سمعت أصوات نُباح كلاب، الكَثير منها في الوَاقع، و هيكتور بدأ يهديء من سُرعته حَتى توقف. هل وصَلنا..؟

ارتَجفتُ بتلقائياً حينما فُتحت بوّابة ضَخمة، ثُم ممرٌ طَويل، مع نباح الكلاب الّذي يتعالى. كنت خائفاً جداً، لن يكون من المُمتع الإستيقاظ على صوت نُباح هيستيري مكون من عشرةِ كلابٍ على الأقل. شعرتُ بهيكتور يمسحُ على فخذي مُبتسماً.

« لا تَخف، إنهم لُطفاء. ستحبهم مع مرورِ الوقت. »

أوقف سيّارته أمام بَوابة أُخرى، كان كُل شيءٍ مظلمٌ تقريباً، عدا من أضواء و مصابيح خَفيفة. رأيتُ الكلاب من النّافذة، و التي كانت ضَخمة بشكلٍ لا يُصدق. هل هم ذِئاب..؟ أشكالهم لا تبدو كأشكالِ الكلاب.

فتح لي هيكتور بَاب السيّارة، و أنا كنتُ خائفاً من النّزول حتى، فهم لم يهدأوا بعد. بحق الجَحيم.. لو خرجتُ الآن قد أصبح وجبتهم القَادمة.

« أنت خائِف..؟ أتفهم هذا أليفي. لكنّهم سيعتنون بِك جيداً حينما تتعرفُ عليهم. »

هذا ليس وقتكَ بحق اللعنةِ هيكتور..! أكاد أبلل سروالي هنا، و أنت كل ما تفعل هو زِيادة الوضع سوءاً..؟ إبتعد عني و توجه ناحيتهم، أعتقد أنهم إثنا عشر، أو ربما خمسة عشر كلباً، أو ذئباً.. أيهما أقرب.

« هيه، يا أطفال. توقفوا..! أنتم تخيفون ضيفنا. »

جثى على رُكبتيه، و رأيتهم يخضعون له ببساطةٍ كحيواناتٍ أليفة، فيما يحومون حَوله، و يتمسحون بجسده مع إنتحابٍ مُنخفض. بقي يمسح على فروهم و يُداعبهم للحظات، ثُم قبّل رأس كل واحدٍ فيهم.

« لا بأس، يمكنكم الذّهاب. »

وقف من مَكانه، و توجه نحوي ليمدّ يده لي، نظرت لهم، و كانوا يجثون على قوائمهم الأربعة في أماكنٍ متفرقة، و بيد لي أنهم يشعرون بالنّعاس أو المَلل.

أمسكتُ يده بتردد، ثم أخيراً تشجعتُ لأخرج من السيّارة. أغلقها خلفي بعدما حمل حَقيبتي، و سرنا نحو البَاب الخشبي الضَخم. لم أستطع تبيان أي شَيء، فالليل قَد حل بالفِعل، و الظّلام يغطي المَكان. لكن ما أنا واثقٌ فيه أن القلعة بمنتصفٍ الغابة، و هي تبدو مخيفة جداً.

فتحَ الباب، و دعاني للدّخول أولاً. تقدمتُ بخطى بَطيئة للدّاخل، و بقيتُ واقفاً عند الرُدهة الضَخمة. هناك أضواءٌ خفيفَة منتشرة أيضاً، لكن ليس وكأني سأستطيع وصف شيء، لأن الظلام هو ما يغلب كل الأمَكان.

انتابني شعورٌ غريب، شعورٌ لا أدري ما كنهه. بشكلٍ ما.. شعرتُ أن القلعة تُشبه المَنزل. ليس الشعور الّذي ينتابني حينما أذهب الشّقة، أو حينما أذهب لماما، و لكن شُعور مختلفٌ تماماً. شعور بالإنتمَاء لهذا المكان، و هذه الجُدران. و قد كان هذا غريبٌ جداً لأني لم أدخل هذه القلعة أبداً في حَياتي.

« مارڤن. »

نَادى هيكتور بصوتٍ هاديء، و لن أتعجب من أن يسمع المَعنيّ صوته كون القَلعة غارقة في هدوءٍ تام، لو سقطت إبرة لتناقلت صَداها الجُدران.

أقبَل علينا شاب، أو رُبما أستطيع وصفه بمُراهق..؟! يبدو صغيراً جداً، يملك شعراً كثيفاً، فضي، و طويل يصل لظهره، و جزءٌ منه يغطي جانب وجهه، مع عينٍ ناعسة. هذا هو مارڤن إذاً، أتعجب لماذا لم يُخبرني بيتر بمعلومةٍ كهذه.

رأيتُ تفاجؤه للحظة، قَبل أن يوجه نظره لهيكتُور :
« مرحباً بعودتك سيدي. »

سأله ڤيكتور :
« هل العَشاء جاهز..؟ »

رأيتهُ يوميء :
« أصرّ الجـ.. »

رأيته يَصمت لوهلةٍ، و أنا أثقُ أن هيكتور خلفي قَد نظر إليهِ بطريقةٍ ما كيلا يُكمل ما قَاله. مما جعله يعدّل على كلماته :
« أصرّ السيد هاول على إعدادهِ بنفسه، سأرتبُ المائدة الآن. »

تقدّم هيكتور ليقفَ بمحازاتي :
« يمكنكَ إرشاد مارسيل لُغرفتي كي يحصلَ على قسطٍ من الرّاحة، فيما سأساعد أنا وَالدي. »

أومأ رأسه، و سَحب الحقيبةَ من هيكتور و تقدّمني دون حتى أن يَطلب مني إتباعه. هذا الشاب غريبٌ جداً..! ما لعنته..؟ لماذا أشعر أنه سيكون عدواني بعض الشيء..؟

« مارڤن لا يجيد التّعامل مع الغرباء، رجاءاً أعطه فرصة ليعتاد عليك. »

أومأتُ رأسي، ليس وكأني أهتم فعلاً. أشارَ برأسه :
« الآن، الحق به كيلا تضلّ طريقك، العشاء بعد نصفِ ساعة. »

أشعرُ بغرابةٍ شديدة في هذا المَكان، بالبداية أثناء دخولي كان مُريحاً جداً، و الآن يبدو وكأن هناك خطبٌ بشأنه. تقدّمتُ بخطى سريعة لألحقَ مارڤن، الذي كان يسيرُ بخطى بطيئة. لا أعلم إن كانت هذه خطواته أم يتعمّد السير هكذا حتى ألحق بِه و لا أضل طريقى.

ربما سأحتاج الكثير من الوقتِ حتى أعتاد هذا المكان الغريب.



٭٭٭٭٭














•مَـارڤِن.
•29 عَـاماً.















All Votes And Comments For My Back Sake, Pray For Me.
:)





















هولا، بتمنى إني متأخرتش في التحديث. عموماً.. إن كان فيه شخص متابعني فيكم و عارفني و بيقرالي كل حاجة، فأكيد هيعرف إني بعاني من ضهري من الشتا اللي فات، و حرفياً من وقتها لحد دلوقتي مخفتش و لا ثانية، و شغالة على مسكن معين لكني باخده في أسوء الأحوال لما متحملش الوجع عشان بينومني.

سو.. النهاردة الألم كان شرس بشكل غير طبيعي، و المفروض كنت نشرت الفصل دا الصبح بس مقدرتش. فهطلب منكم تدعولي إني أخف معلش - رغم إني مش بآمن بالمعجزات. - لكن يمكن ربنا يهديني و أروح لزفت دكتور.

بخصوص الفصل..

أي تعليقات حوالين كلام كاسبر لمارسيل..؟

رأيكم في الشخصية الجديدة..؟

أي توقعات حوالين اللي هيحصل في القلعة..؟

الكلاب..؟ :)

و بس يعني. سو.. الفصل دا يعتبر بداية البداية في الأحداث، يعني إحنا دلوقتي لسة داخلين على البداية اللي هنبتدي بيها الأحداث، يا رب تكونوا فهمتوا. و بس يعني.. اعتنوا بنفسكم، كونوا بخير، كلوا و ناموا كويس، فكروا في أفكار لطيفة، بحبكم جداً جداً جداً، بيباي آند تشاو.💖🌸




Continue Reading

You'll Also Like

3.1M 87K 64
عجيبٌ حقاً أمرُ البداياتِ والنهاياتِ ، فكِلتاهُما في كثيرٍ من الأحيانِ قَد تبدو لنا متشابهاتٍ ، أحياناً عندما نتعرضُ لِإنتكاسةٍ رَوْحِيَةٍ نَعْتقدُ أ...
9.1K 434 26
منذ تلك اليله قلبت حياته ليله غيرت حياتهم بسبب تحدي بين اصدقائه.... ادى الى حدوث كارثه لكن لما تروق له هذه الكارثه.. كارثه جميله
516 67 3
عندما يحاول هاري الفوز بقضية وصاية ابن اخته انجل فهل سيستطيع الفوز ضد شقيق زوج اخته الذي يملك المال و السلطة الرواية خالية من اي علاقات محرمة
150K 6.4K 14
ان تكون مراهق بعمر السابعه عشر هذا يعني وقت الجنون والمتعه وفعل كل مايخطر على بالك .. صحيح !!! لكن عندما يتعلق الامر بي فاأنا أب مراهق بعمر السابعه...