من وحي الثوره الحسينيه

By zohair22

166 1 0

More

من وحي الثوره الحسينيه

166 1 0
By zohair22

<P dir=rtl class=1>من وحي الثورة الحسينيّة</P>

<P dir=rtl class=a0>بقلم</P>

<P dir=rtl class=a0>العلامة السيد هاشم معروف الحسني ( رحمه الله )</P>

<P dir=rtl align=center><B>نُسخة مصححة من إعداد و ترتيب</B></P>

<P dir=rtl class=a0>مركز الإشعاع الإسلامي للدراسات والبحوث الإسلامية</P>

<P dir=rtl class=a0>http://www.islam4u.com</P>

<P dir=rtl><B> </B></P>

<P dir=rtl><B> </B></P>

<P dir=rtl><B> </B></P>

<P dir=rtl><B> </B></P>

<P dir=rtl><B> </B></P>

<P dir=rtl><B>من وحي الثورة الحسينية</B></P>

<P dir=rtl>يعرض هذا الكتاب صوراً عن مواقف الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> من الحاكمين قبل ثورته و أهداف الثورة بعد أن وجد لها المناخ المناسب ، كما يقدم صوراً عن بطولات العقيلة زينب بنت علي و العلويين و الطالبيين و عن حياة العقيلة منذ طفولتها حتى فارقت الدنيا و عن مرقدها و المآتم الحسينية و المراحل التي مرت بها و مواقف الحاكمين منها معتمداً أوثق المصادر و أقربها من المنطق و الواقع لإبراز هذه الجوانب من سيرة أهل البيت على واقعها ، و أرجو أن أكون قد وفقت لذلك .</P>

<P dir=rtl align=right><B>هاشم معروف الحسني</B></P>

<P dir=rtl><B> </B></P>

<P dir=rtl><B> </B></P>

<P dir=rtl><B> </B></P>

<P dir=rtl><B> </B></P>

<P dir=rtl><B> </B></P>

<P dir=rtl><B> </B></P>

<P dir=rtl><B> </B></P>

<P dir=rtl><B> </B></P>

<P dir=rtl><B> </B></P>

<P dir=rtl><B> </B></P>

<P dir=rtl><B> </B></P>

<P dir=rtl><B> </B></P>

<P dir=rtl><B> </B></P>

<P dir=rtl><B> </B></P>

<P dir=rtl><B>المقدمة :</B></P>

<P dir=rtl align=center>بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيِم</P>

<P dir=rtl>و الصلاة و السلام على محمد و آله و الأئمة الهداة المهديين و رحمته و بركاته .</P>

<P dir=rtl>و بعد فإن المتتبع في بطون الأسفار و المصادر يجد الكثير من الأبطال و عظماء الرجال الذين دفعهم دينهم و إيمانهم إلى الجهر بكلمة الحق و الدعوة إلى العدالة باقتحام ميادين الجهاد و الثورة على الظلم هنا و هناك لينالوا شرف الدفاع عن عقيدتهم و المعذبين في الأرض من جور الطغاة و فراعنة العصور و لو أدى ذلك إلى استشهادهم و التضحية بكل ما يملكون و لقد سجل التاريخ عشرات الثورات و الإنتفاضات لأولئك الأبطال المجاهدين و تحدث عن انتصاراتهم و منجزاتهم و لكنه لم يحدث عن ثورة في تاريخ الشعوب و الأمم عاشت كما عاشت ثورة الحسين و كان لها من الضجة في عالمها و ما بعده في كل زمان و مكان ما كان لثورة الحسين ، و أعطت و قدمت للإنسان المسلم و غيره من المنجزات و القيم و المثل العليا ما اعطته و قدمته ثورة الحسين و لا تزال حية تعكس تفاعل الأمة مع التاريخ في تحرك و عطاء مستمر في حاضر المسلمين كما كانت في ماضيهم الغابر و أغنت بعطائها و أفكارها و أهدافها النبيلة تاريخ الإسلام كما كشفت زيف أدعيائه و المتخذين منه ستاراً يخفون وراءه ما يضمرونه من شرك و شر و سوء لدعاته المخلصين ، و لم يكن ذاك إلا لأنها لم تكن لعصر دون عصر و لا لفئة من الناس دون فئة كما لم تكن وليدة ظروف طارئة أو تحركات سياسية محدودة الآثار و الدوافع و بعيدة عن أحاسيس الأمة و انفعالاتها ، بل كانت النور الساطع للمسلمين في جميع تحركاتهم الهادفة لإتمام المسيرة بالإسلام إلى الهدف الأسمى و الغاية القصوى التي ارسل محمد بن عبد الله رسول الرحمة و الكرامة و الحرية من أجلها ، و كانت المرآة الصافية للحاضر الذي كانت تعيشه الأمة و لواقعها الذي كانت ترسف في أغلاله و الحقيقة الدائمة التي تتصل بالتكوين الدائم لعقل الإنسان و قلبه و مجتمعه و تلبي جميع حاجاته و طموحاته .</P>

<P dir=rtl>انها الثورة الوحيدة من بين تلك الثورات و الإنتفاضات التي عبأت الإنسان المسلم و غيره منذ حدوثها و دفعت به في الطريق الدامي الطويل طريق النضال و التحرير من الإستغلال و الإستعباد و التسلط و أسهمت و لا تزال تسهم بدور هام في تكوين الشخصية الثقافية و الإجتماعية و السياسية بعد أن كان المسلمون يوم ذاك يفقدون حريتهم و روحهم النضالية و حتى و جودهم بفعل سياسة الحاكمين الأمويين ، و قدمت مع ذلك للأمة نماذج من القيادات و الاتباع ترسم لها مواقعها في مواجهة الأحداث و المواقف التي تعترض طريقها في مسيرتها نحو المستقبل الأفضل و المجتمع الافضل ، و استمرت تلك القيادات في مسيرتها بالرغم مما كان يعترضها من انتكاسات تعرقل مسيرتها و أحيانا إلى الفشل الذي كان من نتائج تشدد تلك الانظمة في اجراءات القمع و الإرهاب لترسيخ انظمتهم التي فرضوها على المجتمع من جميع نواحيه ، و مع كل ما مرّت به تلك القيادات خلال مسيرتها التاريخية من مراحل الصراع و الجهاد تعرض فيها الشيعة لألوان من الأذى و العدوان ، فقد كان لها مواقف مشهورة و بطولات رائعة كانت ثورة الحسين تمدها بالعزيمة و الثبات و تدفع بهم إلى الأمام و استمرت تلك الثورات التي كانت روح كربلاء تسيرها يتلو بعضها بعضاً في مواجهة تلك الدولة الجائرة حتى أنهكتها و قضت عليها و حلت محلها دولة أخرى قامت بسواعد الشيعة التي كانت تمثلها الثورة الحسينية و تسيرهم ، و لكنها مثلث اسوأ الأدوار التي كانت تمثلها الدولة الأموية ، فكانت الثورات و الإنتفاضات تتلو الواحدة الأخرى بقيادة العلويين و غيرهم إلى غير ذلك من الإنتفاضات التي لا يخلو منها عصر من العصور و لا زمان و مكان ، و لكن البعض من تلك الثورات لم يكتب لها و لا لقادتها الخلود إلا لفترات محدودة من الزمن لأنها كانت وليدة ظروف محدودة أو انفعالات عاطفية أو مصالح مخصوصة إلى غير ذلك من الدوافع و كان عمرها محدودا بعمر محتواها و طواها التاريخ كما طوى غيرها من الأحداث .</P>

<P dir=rtl>ان ثورة الحسين كانت الوهج الساطع الذي اضاء المسالك لمن أراد المسيرة بالإسلام في طريقها الصحيح و المرآة الصافية للتخلص من الحاضر الذي كانت تعيشه الأمة و من واقعها الذي كانت ترسف في أغلاله ، و من أجل ذلك فقد دخلت في أعماقهم جيلاً بعد جيل و ستبقى خالدة خلود قادتها تستمد بقاءها و خلودها من اخلاص قادتها و تفانيهم في سبيل الإسلام و المثل العليا ما دام التاريخ .</P>

<P dir=rtl>و كنت قد تحدثت عن ثورة الحسين و دوافعها بشكل أقرب إلى الإيجاز منه إلى التبسيط في كتابي الإنتفاضات الشيعية في العصر الأموي و عرضت فيه صوراً عن مواقف العقيلة الكبرى زينب بنت علي و فاطمة في كربلاء و الكوفة و قصر الخضراء في مجلس يزيد بن ميسون ، و بعد تلزيم الكتاب إلى الناشر و تقديمه إلى المطبعة وجدت رغبة ملحة من بعض الشباب المؤمن في اصدار كتاب مستقل حول أهداف الثورة الحسينية و مراحلها و حياة العقيلة و مراحلها من طفولتها إلى آخر مرحلة منها و مرقدها الذي لا يزال مجهولا و مرددا بين المدينة و ضاحية الشام و محلة الفسطاط من القاهرة و عن المآتم الحسينية و المراحل التي مرت بها خلال تلك العصور التي تلت مصرع الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> لتكون في متناول الجميع على حد تعبير أولئك الشباب .</P>

<P dir=rtl>بعد تردد دام وقتاً ليس بالقصير و بعد الالحاح لتحقيق هذه الأمنية وضعت هذا الكتاب و افتتحته بفصل عن الثورة الحسينية و أهدافها استخلصت قسماً من ذلك الفصل مما عرضته في كتابي الإنتفاضات الشيعية و أضفت إليه ما انتهيت إليه في هذه الدراسة و عرضت أبرز الجوانب من حياة العقلية منذ طفولتها و ما قيل حول مرقدها كما تعرضت للمآتم الحسينية و مراحلها و مواقف الحاكمين منها الموالين و المخالفين و قد جرني البحث عن مراقد الأئمة و الأولياء إلى الوقوف قليلاً مع أولئك الحاقدين على الشيعة من شيوخ الوهابيين و غيرهم و أرجو أن أكون قد وفّقت لكشف بعض الحقائق التي لا يزال يكتنفها الغموض و لتلبية رغبات الشباب و بقية القراء و منه سبحانه أستمد العون و التوفيق و أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم و أن لا يحرمني من شفاعة الحسين و أبيه و جده أنه قريب مجيب .</P>

<P dir=rtl align=right><B>هاشم معروف الحسني</B></P>

<P dir=rtl><B> </B></P>

<P dir=rtl><B> </B></P>

<P dir=rtl><B> </B></P>

<P dir=rtl><B> </B></P>

<P dir=rtl><B> </B></P>

<P dir=rtl><B> </B></P>

<P dir=rtl><B> </B></P>

<P dir=rtl><B> </B></P>

<P dir=rtl><B> </B></P>

<P dir=rtl><B> </B></P>

<P dir=rtl><B> </B></P>

<P dir=rtl><B> </B></P>

<P dir=rtl><B> </B></P>

<P dir=rtl><B> </B></P>

<P dir=rtl><B>موقف الحسين </B><B>( عليه السَّلام )</B><B> من معاوية و تحركاته</B></P>

<P dir=rtl>لقد اتخذ معاوية و غيره من الحاكمين الأمويين من الإسلام طلاء خفيفاً يسترون به نزعاتهم الجاهلية التي كانوا يعملون لإحيائها و تحوير الإسلام إلى مؤسسة تخدم مصالحهم و أهوائهم و كان المجتمع الإسلامي يتململ تحت وطأة الظلم و الاضطهاد الذي عبرت عنه مواقف حجر عن عدي و عمرو بن الحمق الخزاعي و أصحابهما الذين قاوموا ظلم معاوية و أنصاره ، و لكن تلك المقاومة لم تأخذ مداها و لم تضع حداً لتصرفات الحاكمين و جورهم بل سرعان ما كانت تهمد أو تموت في مهدها عندما يلاحق أولئك الجزارون طلائعها بقتلهم أو زجهم في السجون و المعتقلات بدون أن يحرك المجتمع ساكنا ، و إذا تحرك انسان أغدقوا عليه الأموال و أغروه بالوعود كما حدث لمالك بن هبيرة السكوني الذي غضب لمصرع حجر بن عدي و أصحابه و راح يستعد للثورة و لما علم بتحركه معاوية ارسل إليه معاوية مائة ألف درهم فأخذها و طابت نفسه .</P>

<P dir=rtl>لقد عاصر الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> جميع تلك التحركات التي قام بها الأمويون والحاقدون على الإسلام و مبادئه الإنسانية العادلة ، لقد عاصرها منذ أن نشئت مع أبيه و أخيه و أصحابهما الكرام ، و ها هو بعد إستشهاد أخيه بجنود العسل التي أعدها معاوية لكل من كان يخشى منه على دولته و أمويته ، يقف وحيداً في وجه معاوية و أجهزة حكمه الإرهابي ، و يرى بعينيه أولئك الصفوة بقية السيف من شيعة أبيه و أخيه يساقون أفواجا إلى الجلادين و الجزارين في مرج عذراء و قصر الخضراء ، و يرى منهج معاوية و حواشيه الذي اعتمدوه للوصول بالأمة إلى هذا المصير الكالح و كيف يطاردون و يضطهدون العشرات و المئات من المسلمين عندما ينكرون ظلماً و عد و أنا على القيم و المقدسات و كرامة الإنسان .</P>

<P dir=rtl>لقد عاصر مع أبيه و أخيه جميع تحركاتهم المعادية للإسلام و بقي وحيداً في ساحة الصراع مع معاوية و أجهزة حكمه الإرهابي المستبد الذي أراد للأمة أن تتحول عن أهدافها و للإسلام أن ينحرف عن مسيرته و رآهم كيف يحورون الإسلام و يزوّرون مبادئه الإنسانية التي جاء بها محمد بن عبد الله رحمة للعالمين ، و رأى حملة التخدير على حساب الدين و الكذب على رسول الله و كيف يبيع المسلم نفسه و حياته و حريته و كرامته بحفنة من الدراهم للحاكمين الظالمين و يرضى بحياته على ما فيها من نكد و قسوة و حرمان .</P>

<P dir=rtl>لقد رأى كل ذلك و كان القلق يستبد به و الألم يحز نفسه و قلبه لمصير الرسالة و الإنسانية في ظل هذا التحول الخطير الذي كان الأمويون يعملون على تعميقه و إستئصال الشخصية الإسلامية ليطمئن الحاكمون ان تصرفاتهم لن تثير أي استنكار لدى الجماهير و يختفي من ضمائرهم الشعور بالإثم الذي يدفع المسلم إلى الثورة على الظلم و الظالمين .</P>

<P dir=rtl>لقد استخدم الأمويون لإستئصال الروح الإسلامية و الشخصية الإسلامية بالإضافة إلى الأموال و جميع وسائل الإرهاب ، مدرسة الرواة والمحدثين والقصاصين و على رأس هذه المدرسة أبو هريرة و كعب الاحبار و سمرة بن جندب و غيرهم ممن استخدموهم لصنع الأحاديث و أفرزت مصانعهم أل و أنا من الأحاديث نسبت إلى النبي<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>افتراء و بهتاناً ، و من ابرزها و أرضاها لمعاوية و الحزب الأموي ما كان يتضمن القدح في علي و آل علي .</P>

<P dir=rtl>لقد بذل معاوية ما يعادل نصف المليون من الدراهم لسمرة بن جندب ليروي له عن الرسول ان الآية : و من الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا و إذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث و النسل نزلت في علي بن أبي طالب ، و أن الآية : و من الناس من يشتري نفسه ابتغاء مرضات الله نزلت في قاتله عبد الرحمن بن ملجم فروى له ما أراد ، إلى كثير من أمثال ذلك حتى أصبح تسخير المحدثين لهذه الغاية من السنن المتبعة عند من جاء بعده من الأمويين و العباسيين .</P>

<P dir=rtl>فقد جاء عن هشام بن الحكم انه طلب من شهاب الزهري أو غيره من الرواة ان يروي له عن الرسول أن الآية و الذي تولى كبره له عذاب أليم نزلت في علي بن أبي طالب فروى له ما أراد و عندما أوعز الحاكمون لأنصارهم بتدوين الحديث دونوا جميع هذه الأنواع من المخترعات و لم يأذنوا لهم بتدوين ما جاء عن النبي في فضله ، فقد جاء في المجلد الثاني من ضحى الإسلام لأحمد امين ان خالد بن عبد الله القسري طلب من الزهري ان يكتب سيرة النبي ، فقال له الزهري : ان سيرة النبي يمر بها الكثير من سيرة علي و مواقفه الخالدة في خدمة الإسلام فما أصنع بهذا النوع من المرويات ؟ فلم يأذن له بتدوين شيء يشير إلى فضل علي و تمجيده إلا إذا تضمن قدحا أو ذما .</P>

<P dir=rtl>و من تلك الألوان التي افرزتها تلك المدرسة ما يرجع إلى تمجيد بني أمية و بلاد الشام و ما إلى ذلك مما يتعلق بعثمان بن عفان و معاوية بن هند و اعطائهما صفات القديسين كالذي رواه أبو هريرة عن النبي <B>( صلى الله عليه و آله )</B> أنه قال : ان الله ائتمن على وصيه ثلاثة انا و جبرائيل و معاوية ، و أنه قال : إذا لقيتم بعدي اختلافاً فعليكم بالأمين عثمان بن عفان .</P>

<P dir=rtl>و من تلك المرويات ما يرجع إلى تخدير المسلمين عن الثورة و التحرك ضد الحاكمين مهماً بالغوا في الجور و الظلم و أن مقاومتهم لإستبدالهم بغيرهم حتى و لو كان البديل من أعدل الناس و أحرصهم على مصالح المسلمين و على مسيرة الإسلام لا يقرها الإسلام .</P>

<P dir=rtl>فمن ذلك ما رواه أصحاب الصحاح عن النبي<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>انه كان يقول: من رأى من اميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه فان من فارق الجماعة شبرا و مات مات ميتة جاهلية ، و أنه كان يقول : ستكون بعدي هنات و هنات فمن اراد أن يفرق أمر هذه الأمة و هي جمع فاضربوه بالسيف كائنا من كان و من خرج على إمام زمانه فاقتلوه ، إلى غير ذلك مما رواه البخاري في صحيحه و غيره من محدثي السنة في مجاميعهم .</P>

<P dir=rtl>و إلى جانب ما انتجته مصانع أبي هريرة و غيره من تلك العصابة اخترع الحاكمون لونا آخر من ألوان التضليل الديني و هو تأسيس الفرق الدينية التي تقدم للجماهير تفسيرات للدين تخدم تسلط الحاكمين و تبرر جورهم و ظلمهم كفرقتي المرجئة و المجبرة اللتين ظهرتا في عهد معاوية و ساعد على دعمهما و انتشارهما حتى اصبحتا من أوفر المذاهب حظا لدى الحاكمين و فراعنة العصور ، هذا بالإضافة إلى عدالة الصحابة التي لا تقل خطراً عن فكرتي الإرجاء و الجبر و التي تجعله و اباه و المروانيين الاوزاغ من الكذبة و المجرمين في صفوف الصلحاء و لا تسمح لا حد أن ينالهم بسوء .</P>

<P dir=rtl>لقد رافق أبو عبد الله كل ذلك و كان يتلوى و يتألم للمصير السيء الذي ينتظر الإسلام من معاوية و غيره من القردة الذين سينزون على منبر الرسول و يستخدمون الإسلام لجاهليتهم الأولى ، و كانت مبررات الثورة على الحكم الأموي موفورة في عهد معاوية و الحسين يدركها و يعرفها و أحيانا كان يعبر عنها في المجالس و المجتمعات و المناسبات و يصارح بها معاوية في الرسائل التي كان يوجهها إليه بين الحين و الأخر .</P>

<P dir=rtl>و جاء في بعض اجوبة رسائله إليه : و هيهات هيهات يا معاوية لقد فضح الصبح الدجى و بهرت الشمس أنوار السراج لقد فضلت حتى افرطت و استأثرت حتى اجحفت و منعت حتى بخلت و صبرت حتى جاوزت ولم تبذل لذي حق حقه بنصيب حتى أخذ الشيطان منك حظة الاوفر و نصيبه الأكبر .</P>

<P dir=rtl>و في رسالة ثانية وجهها إليه جاء فيها : أولست المدعي لزياد بن سمية المولود على فراش عبيد من ثقيف و زعمت انه إبن ابيك و رسول الله يقول : الولد للفراش و للعاهر الحجر فتركت سنة رسول الله و اتبعت أهواءك بغير هدى من الله ، و لم تكتف بذلك حتى سلطته على المسلمين يقطع أيديهم وأرجلهم و يسمل عيونهم و يصلبهم على جذوع النخل حتى كأنك لست من هذه الأمة و ليسوا منك .</P>

<P dir=rtl>أولست يا معاوية صاحب الحضرميين الذين كتب فيهما إبن سمية انهما على دين علي <B>( عليه السَّلام )</B> فكتبت إليه ان يقتل كل من كان على دين علي فقتلهم و مثَّل فيهم بأمرك و دين علي هو دين إبن عمه الذي كان يضربك و يضرب عليه آباءك و به جلست مجلسك الذي أنت عليه ، و قلت فيما قلت : انظر لنفسك و لأمة جدك و لدينك أن تشق عصا هذه الأمة و أن تردهم إلى فتنة ، و أني يا معاوية لا أعلم فتنة أعظم على هذه الأمة من ولايتك عليها و لا أعظم نظرا لنفسي و لديني و لأمة جدي من ان أجاهدك .</P>

<P dir=rtl>و كان معاوية يتمنى عليه ان يخفف من أسلوبه معه و يتوسل لذلك و بالشدة حينا و باللين و المغريات حيناً آخر و بخاصة عندما عزم على البيعة لولده من بعده ، لأن سكوته يؤمن له انقياد الامة و يمكنه من ممارسة سياسته بدون خشية و لكن الشدة لم تكن لتحد من نشاطه و لا المغريات لتخدعه عما يؤمن به و يعمل من أجله لأن دوره الرسالي يفرض عليه ان لا يسكت و لا يهادن و أن يثور راجياً ان تهز ثورته ضمير الأمة التي انحنت و خضعت لجبروت السلطة زمنا طويلاً ، و لأن المجتمع الذي خضع طويلاً لجبروت الأمويين و انحنى لكبريائهم لم يعد يصلحه الكلام و لا بد له من شيء جديد يهزه و يحركه .</P>

<P dir=rtl>هذا الواقع الكالح الذي كانت تتخبط فيه الأمة وضع الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> وجهاً لوجه امام دوره التاريخي و رسالته النضالية و فرض عليه أن يثور من أجل وكامة الأمة و انقاذ شريعة جده من اعدائها الألداء عندما يجد ان ثورته ستعطي ثمارها المرجوة و أن شهادته ستقضّ مضاجع الظالمين و الطغاة المستبدين و تبقى المثل الغني بالعطاء لكل ثائر على الظلم و الجور و الطغيان في شرق الأرض و غربها .</P>

<P dir=rtl><B>لماذا حارب الحسين يزيداً و لم يحارب معاوية ؟</B></P>

<P dir=rtl>و السؤال الذي يراود الأذهان في المقام و يفرض نفسه هو ان الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> لقد عاصر معاوية مع أبيه و أخيه و عاصره بعد أخيه كما ذكرنا نحواً من عشر سنوات و كان وحده مهوى الافئدة و محط آمال المعذبين و المشردين و المضطهدين و لم يترك معاوية خلال تلك المدة من حكمه باباً من أبواب الظلم الا و انطلق منه و لا منفذا للتسلط على الناس إلا و أطل منه فقتل آلاف الصلحاء و عذب و شرد و اضطهد مئات الالوف بلا جرم ارتكبوه و لا بيعة نقضوها ، و كان ذنبهم الأول و الأخير هو ولائهم لعلي و آل علي و كان القدوة لجميع من جاء بعده من الأمويين في جورهم و استهتارهم بالقيم و المقدسات و تحوير الإسلام إلى الشكل الذي يحقق أحلام أبي جهل و أبي سفيان و غيرهما من طواغيت القرشيين و الأمويين ، و لم يكن ولده إبن ميسون إلا صنيعة من صنائعه و سيئة من سيآته ، فلماذا و الحالة هذه قعد عن الثورة المسلحة في عهد معاوية مع وجود جميع مبرراتها و اكتفى بالثورة الإعلامية في حين ان المبررات التي دفعته على الثورة على يزيد كانت امتدادا لتلك التي كان يمارسها معاوية من قبله .</P>

<P dir=rtl>هذا التساؤل يبدو و لأول نظرة سليما و مقبولاً و لكنه بعد التدقيق و متابعة الأحداث التي كان المسلمون يعانون منها و واقع معاوية بن هند و الوسائل التي كان يستعملها لتغطية جرائمه لم يعد لهذا التساؤل ما يبرره ذلك لأن الواقع المرير الذي فرض على الإمام أبي محمد الحسن بن علي <B>( عليه السَّلام )</B> ان يصالح معاوية و يتنازل له عن السلطة الزمنية فرض على الحسين ان لا يتحرك عسكريا في عهد معاوية و أن يفرض على شيعته و أصحابه الخلود إلى السكينة و انتظار الوقت المناسب ، لأن الحسن لو حارب معاوية في تلك الظروف المشحونة بالفتن و المتناقضات مع تخاذل جيشه و تشتيت أهوائهم و آرائهم ، و مع شراء معاوية لأكثر قادتهم و رؤسائهم بالأموال و الوعود المغرية بالإضافة إلى ما كان يملكه من وسائل التضليل و الإعلام التي كان يستخدمها لتضليل الرأي العام ، لو حارب الحسن في تلك الظروف فكل الدلائل تشير إلى أن الحرب ستكلفه نفسه و نفس أخيه الحسين و إستئصال المخلصين من أتباعه و شيعته و لا ينتج منها سوى قائمة جديدة من الشهداء تضاف إلى القوائم التي دفنت في مرج عذراء و دمشق و الكوفة و غيرها من مقابر الشهداء الأبرار .</P>

<P dir=rtl>و بلا شك فان الإمام أبا محمد الحسن لم يكن يتهيب الشهادة لو كانت تخدم المصلحة العامة و تعدُّ المجتمع الإسلامي إعداداً سليما للثورة و التضحية بكل شيء في سبيل المبدأ و العقيدة كما فعلت ثورة الحسين في حينها التي قدمت للإنسان المسلم نمطاً جديداً من الثوار لا يستسلم للضغوط مهما بلغ حجمها و لا يسام على انسانيته و دينه و مبدأه مهماً كانت التضحيات ، و لم يكن الحسين أقل إدراكاً لواقع المجتمع العراقي من أخيه الحسن ، فقد رأى من خيانته و تخاذله و استسلامه للضغوط مثل ما رأى اخوه و أبوه من قبله لذلك كله فقد آثر التريث لبينما تتوفر لشهادته ان تعطي النتائج التي تخدم الإسلام و تبعث اليقظة و الروح النضالية في نفوس المسلمين و راح يعمل على تهيئة المجتمع الإسلامي للثورة و تعبئته لها بدل ان يحمل على القيام بثورة ستكون فاشلة في عهد معاوية و تكون نتائجها لغير صالحه .</P>

<P dir=rtl>لقد مضى على ذلك في حياة أخيه و بعد وفاته ففي حياته حينما جاءته وفود الكوفة تطلب منه ان يثور على معاوية بعد أن يئسوا من استجابة أخيه ، قال لهم : لقد صدق أخي أبو محمد فليكن كل رجل منكم حلسا من احلاس بيته ما دام معاوية حيا كما جاء في الأخبار الطوال للديمري ، و بعد أخيه كتبوا إليه و وفدوا عليه يسألونه القدوم عليهم و مناهضة معاوية فأصر على موقفه الأول و قال لهم : أما أخي فأرجو أن يكون قد وفقه الله و سدده فيما فعل و أمام انا فليس من رأيي أن تتحركوا في عهد معاوية فالصقوا بالأرض و أكمنوا في البيوت و احترسوا من الظنة و التهمة ما دام معاوية حياً ، إلى كثير من مواقفه التي تؤكد بأنه كان يرى أن الثورة على معاوية لا تخدم مصلحة الإسلام و المسلمين و أن الخلود إلى السكينة و الإبتعاد عن كل ما يثير الشبهات و ضغائن الأمويين عليه و على شيعته و أنصاره في حياة معاوية أجدى و أنفع لهم و للمصلحة العامة و في الوقت ذاته كان كما ذكرنا يعمل لإعداد المجتمع و تعبئته بانتظار اليوم الذي يطمئن فيه بأن شهادته ستعطي النتائج المرجوة .</P>

<P dir=rtl>و بالفعل لقد اتسعت المعارضة في عهده و ظهرت عليها بوادر التغير و الميل إلى العنف و الشدة و بخاصة بعد أن جعل ولاية عهده لولده الخليع المستهتر ، فكان لكل حدث من أحداث معاوية صدى مدويا في أوساط المدينة و خارجها حيث الإمام الحسين الرجل الذي اتجهت إليه الأنظار من كل حدب و صوب و هو ما حدا بالأمويين إلى التحسس بهذا الواقع و التخوف من نتائجه . فكتب مروان بن الحكم إلى معاوية يحذره من التغاضي عن الحسين و أنصاره و جاء في كتابه إليه : ان رجالا من أهل العراق و وجوه الحجاز يختلفون إلى الحسين بن علي و أني لا آمن و ثوبه بين لحظة و أخرى ، و قد بلغني استعداده لذلك فاكتب الي برأيك في أمره ، و لم يكن معاوية في غفلة عن ذلك و كان قد أعد لكل أمر عدته بوسائله التي كان يهيمن بها على الجماهير المسلمة ، و الحسين يعرف ذلك و يعرف بأن ثورته لو كانت في ذلك الظرف ستنجلي عن استشهاده ، و ال إستشهاد بنظره لا وزن له و لا قيمة إذا لم يترك على دروب الناس و في قلوبهم وهجا ساطعا تسير الأجيال على ضوئه في ثورتها على الظلم و الطغيان في كل أرض و زمان .</P>

<P dir=rtl>و كان معاوية يدرك و يعي بما للحسين من منزلة في القلوب و بأن ثورته عليه ستزجه في أجواء تعكر عليه بهاء انتصاراته التي احرزها في معركة صفين و في صلحه مع الإمام الحسن بن علي <B>( عليه السَّلام )</B> ، و لو قدر لها ان تحدث بوم ذاك فسوف يعمل بكل ما لديه من الوسائل ليتخلص منه قبل استفحالها و قبل ان يكون لها ذلك الصدى المفزع في الأوساط الإسلامية و لو بواسطة جنود العسل التي كان يتباهى بها و يستعملها للفتك بأخصامه السياسيين حينما كان يحس بخطرهم على دولته و أمويته و لو تعذر عليه ذلك فسوف يمارس جميع أشكال الإحتيال و التضليل و المراوغة حتى لا يكون لشهادة الحسين ذلك الوهج الساطع الذي ينفذ إلى الأعماق و يحرك الضمائر و القلوب للثورة على دولته و أعوانها ، و لكي يبقى أثرها محدوداً لا يتجاوز قلوب أهله و محبيه و شيعته إلى حين ثم يطوي النسيان ذكراه كما يطوي جميع الذكريات و الأحداث .</P>

<P dir=rtl>و لعل ذلك هو الذي اضطر الحسين إلى التريث و عدم مواجهة معاوية بالحرب و دعوة أصحابه و شيعته الذين كانوا يراسلونه و يتوافدون عليه بين الحين و الآخر إلى أن يلتصقوا بالأرض و يكمنوا في بيوتهم و يحترسوا من كل ما يشير حولهم الظنون و الشبهات ما دام معاوية حياً .</P>

<P dir=rtl>و كما كان يعرف معاوية و أساليبه كان يعرف أن خليفته الجديد محدود في تفكيره ينساق مع عواطفه و شهواته و تلبية رغباته إلى أبعد الحدود بارتكاب المحارم و الآثام و التحلل من التقاليد الإسلامية و يندفع مع نزقه فيما يعترضه من الصعاب من غير تقدير لما وراءها من المخاطر ، و من أجل ذلك وقف من بيعته ذلك الموقف و اعتبرها من أخطر الأحداث على مصير الأمة و مقدراتها ، و لم يجد بدا من مقاومتها و هو يعلم بأن وراء مقاومته الشهادة و أن شهادته ستؤدي دورها الكامل و تصنع الإنتفاضة تلو الأخرى ، حتى النصر ، و لم يكن باستطاعة يزيد مواجهتها بالأساليب التي اعتاد ابوه تغطية جرائمه بها ، لأنه كما وصفه البلاذري في أنساب الأشراف من أبعد الناس عن الحذر و الحيطة و التروي صغير العقل متهوراً سطحي التفكير لا يهم بشيء إلا ركبه ، و من كان بهذه الصفات لا بد و أن يواجه الأحداث بالأسلوب الذي يتفق مع شخصيته ، و هو ما حدث في النهاية بالنسبة إليها وإلى غيرها من المشاكل التي واجهته خلال السنين الخمس التي حكم فيها بعد أبيه .</P>

<P dir=rtl><B>موقف الحسين من بيعة يزيد بن ميسون</B></P>

<P dir=rtl>لقد كان الحسين الوارث الوحيد لتلك الثورة التي فجرها جده الرسول الأعظم على الجاهلية الرعناء و العنصرية و الوثنية لإنقاذ المستضعفين في الأرض من الظلم و التسلط و الإستعباد و واصلها أبوه و أخوه من قبله ، و كان دوره القيادي للسير بها على خطا جده و أبيه سنة ستين للهجرة حيث الأمة كانت بانتظار من ينهض بأعبائها و يكون الحارس الأمين المسؤول عنها بها أن أخذت دعائمها تنهار و تتقوض تحت ضربات بني أمية و أعوانهم ، و جميع معطياتها التي انطلقت قبل خمسين عاماً أو أكثر قد صادرها الأمويون و أعوانهم و الكتاب الكريم رفع على حرابهم وحراب جلاديهم ، و الفكر العقائدي الذي جاء به الإسلام ليبني العقول و القلوب خضع لتوجيه السلطات الحاكمة ، و سيوف المجاهدين انتقلت إلى الجلاوزة و الجلادين للتنكيل بالصلحاء و الإبرياء ، و الصدقات و الغنائم التي كانت تصل إلى مسجد الرسول و تذهب منه إلى بيوت الفقراء و المساكين أصبحت تنتقل إلى قصر الخضراء لشراء الضمائر و تخدير المعارضين للسلطة الحاكمية و جيل الثورة الثاني بين من تعرض للإبادة الجماعية في مرج عذراء و قصر الخضراء و بين من سيطرات عليهم مبادئ الردة و المرجئة و المجبرة و المتصوفة فأقعدتهم عن التحرك و افقدتهم القدرة على النضال و غرست في نفوسهم و قلوبهم بذور الإستسلام للواقع المرير الذي كانت تتخبط فيه الأمة من جور الأمويين و امعانهم في تزوير السنة و تحريف مبادئ الإسلام و تعاليمه لصالح جاهليتهم التي حاربت محمداً أكثر من عشرين عاماً .</P>

<P dir=rtl>و من هنا كان دور الحسين الوريث الوحيد لثورة جده و أبيه على الشرك و الوثنية و العنصرية شاقاً و عسيراً لأنه لم يرث معها جيشاً و لا سلاحاً و لا مالا و لا أي قوة جبهوية أو مجموعة منظمة غير نفسه وحفنة من بنيه و إخوته ، لم يكن يملك غير ذلك و يملك في الوقت ذاته القدرة على الإنزواء للعبادة و مكانه من الجنة مضمون ، و لكنه لم يكن من طينة أولئك الذين اختاروا العبادة طريقاً إلى الجنة بدلاً عن الجهاد و التضحيات ، لأنه يدرك ان الطريق الأكمل إلى الله هو طريق الحق و طريق الحق هو الجهاد و النضال و الإلتزام بمبادئ الثورة الإسلامية و تعليمها ، و إذا جاز على غيره من صلحاء المسلمين ان ينزوي في المساجد للعبادة و يتخلى عن النضال و الجهاد فلا يجوز ذلك على الحسين وارث الرسول و علي <B>( عليهم السَّلام )</B> بأن يتخلى عن وعيه النظالي و يلجأ إلى زوايا المعابد تاركاً للجاهلية الجديدة المتمثلة في حكم يزيد أن تستفحل في بطشها بقيم الحق و العدل و كرامة الإنسان فلم يبق امامه إلا الثورة و بدونها لا يكون سبطاً للرسول و ابنا لعلي <B>( عليه السَّلام )</B> و وارثاً لهما و قدره ان يكون شهيداً و ابنا لأكرم الشهداء و أبا لآلاف الشهداء ، و أن يكون المثل الأعلى لجميع الأحرار الذين يناضلون من أجل الحق و العدل و المستضعفين في الأرض من الرجال و النساء .</P>

<P dir=rtl>لقد حاول معاوية أن يفرض بيعة ولده يزيد على الحسين فلم يتهيأ له ذلك و لا سكوته عنه و هو أدنى ما كان يرجوه معاوية و يتمناه ، و استمر الحسين على موقفه من تلك البيعة التي فرضها معاوية على المسلمين بالسلاح و المال و التشهير بمعاوية و أحداثه و تحريض المسلمين على تلك البيعة الغادرة ، و مات معاوية سنة ستين من الهجرة و الحسين على موقفه المتصلب منها ، كما امتنع جماعة من البيعة تاسياً بالحسين <B>( عليه السَّلام )</B> .</P>

<P dir=rtl>و كما ذكرنا من قبل فان يزيد بن ميسون لم يكن كأبيه في حزمه و احتياطه للمشاكل و الأحداث و التستر بالدين ليسدل ذلك الستار الشفاف على جرائمه و تصرفاته كما كان يفعل ابوه من قبله ، و لما انتقلت السلطة إليه كان من الأولويات عنده ان يلزم الحسين و من تخلف معه من وجوه الصحابة ببيعته فكتب إلى الوليد بن عقبة حاكم المدينة يوم ذاك كتاباً يأمره فيه أن يأخذ البيعة من الحسين و عبد الله بن عمر و إبن الزبير و لا يسمح لهم بالتاخير و لو لحظة واحدة ، و عندما استلم الكتاب استدعي الحسين إليه ليلاً ، و عندما دخل الحسين عليه اخبره بموت معاوية و قرأ عليه كتاب يزيد إليه فاراد الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> ان يتخلص منه بدون استعمال العنف ، فقال له : مثلي لا يبايع سراً فإذا خرجت غداً إلى الناس و دعوتهم لها أرجو أن يكون أمرنا واحداً ، و كان الوليد يتمنى أن لا تضطره الأمور إلى التورط مع الحسين بما يسيء إليه فاقتنع بجوابه ، و لكن مروان بن الحكم أبت له أمويته الحاقدة أن يخرج الحسين من مجلس الوالي معززاً مكرماً كما دخل فحاول أن يستفزه و يشحنه عليه فقال له : لأن فارقك الحسين الساعة و لم يبايع لا قدرت منه على مثلها حتى تكثر القتل بينك و بينه و لكن احبسه فان أبى و لم يبايع فاضرب عنقه .</P>

<P dir=rtl>و هنا لم يعد أمام الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> في مقابل هذا التحدي الصارخ إلا أن يعلن عن موقفه من يزيد و حكومته و عن تصميمه على الثورة مهما كانت التضحيات و قد أصبح وجها لوجه أمام دوره التاريخي الذي يتحتم عليه أن يصنعه فوثب عند ذلك ليعلن عما ينطوي عليه بكل ما في الصراحة من معنى فقال له : ويلي عليك يا إبن الزرقاء أنت تأمر بضرب عنقي كذبت و لؤمت ، ثم اقبل على الوليد و قال : أيها الأمير انا أهل بيت النبوة و معدن الرسالة و مختلف الملائكة بنا فتح الله و بنا ختم و يزيد فاسق فأجر شارب المخمور و قاتل للنفوس المحترمة و مستحل لجميع الحرمات و مثلي لا يبايع مثله .</P>

<P dir=rtl>و جاء في مثير الأحزان لإبن نما ان الوليد بتحريض من مروان رد على الحسين بأسلوب يتسم بالحجة و الغلظة فهجم من كان مع الحسين من إخوته و مواليه و بيدهم الخناجر و أخرجوه من المنزل ، فقال له مروان : لقد عصيتني و الله لا يمكنك من مثلها ابداً ، فرد عليه الوليد بقوله كما جاء في رواية الطبري : ويح غيرك يا مروان لقد اخترت لي ما فيه هلاك ديني أقتل حسيناً ان قال لا أبايع يزيداً و الله أن امرءا يحاسب بدم الحسين لخفيف الميزان يوم القيامة لا ينظر الله إليه و لا يزكيه و له عذاب اليم .</P>

<P dir=rtl>و اضاف إلى ذلك إبن عساكر في تاريخه ان أسماء بنت عبد الرحمن بن الحارث زوجة الوليد انكرت عليه ما جرى منه مع الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> فأجابها بأنه كان هو البادئ بالشتم والسب ، فقالت له : أتسبه و تسب أباه أن سبك ، فقال لها لا أعود لذلك ابداً .</P>

<P dir=rtl>لقد اعلن الحسين ثورته على يزيد و دولته بتلك الكلمات التي وجهها إلى الوليد بن عقبة المكلف بتوطيد حكمه في الحجاز و في مدينة الرسول بالذات و لم يكن الوالي يحسب أن الحسين سيعلنها في مجلسه بتلك الصراحة و في المجلس من هم أشد عداء لمحمد و آل محمد و رسالة محمد من يزيد و أبيه .</P>

<P dir=rtl>ان فيه الوزغ و إبن الوزغ طريد رسول الله الذي لا يستطيع ان يزيح عن قلبه و نفسه تلك العقد الدفينة التي خلفتها معاركهم مع الإسلام و انتصاراته التي ارغمتهم على التظاهر به مرغمين و ما تلا ذلك من ابعادهم عن المدينة إلى مكان مقفر من بلاد الطائف و تحريض المسلمين على مقاطعتهم رداً على أيذائهم للنبي و تجسسهم عليه و هو في بيته مع أهله و نسائه .</P>

<P dir=rtl>هذا الموقف و ما تلاه من المواقف الأخرى التي كان من جملتها موقفه مع مروان بن الحكم و هو ينصحه ان يبايع ليزيد بن معاوية فرد عليه بقوله : و على الإسلام السلام إذا ابتليت الأمة براع مثل يزيد بن معاوية ، و قوله ان الخلافة محرمة على آل أبي سفيان ، كل هذه المواقف الحسينية تشكل إعلاناً صريحاً لتصميمه على الثورة و مناهضة الحكم الأموي بقيادة يزيد بن معاوية مهما بلغ حجم التضحيات في سبيلها ، و قد بلغت مواقفه هذه يزيداً بأقصى حدود السرعة بواسطة الأمويين الذين كانوا يفاوضونه و يراقبون جميع تحركاته و تصرفاته و يحصون عليه حتى أنفاسه .</P>

<P dir=rtl>لقد بلغت مواقف الحسين يزيداً بكل أبعادها و مضاعفاتها فأفقدته وعيه و اندفع مع نزقه و مضى يعمل للتخلص من الحسين قبل أن يخرج من مدينة جده و يستفحل خطره فدس جماعة من جلاديه لقتله في المدينة قبل مغادرتها إلى العراق أو إي بلد آخر كما تؤكد ذلك أكثر المصادر ، و لعل ذلك هو ما حداً بالحسين إلى مغادرة المدينة إلى مكة مع بنيه و إخوته و أسرته ليفوت على يزيد بن ميسون و حفيد هند آكلة الأكباد ما كان يخطط له من اجهاض ثورته و هي لا تزال في مراحلها الأولى . و قد اختار الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> لنفسه مكة و هو في طريقه إلى الشهادة على تراب كربلاء ليضع المسلمين حيث يجتمعون فيها في ذلك الفصل من جميع مناطق الحجاز امام الواقع المرير الذي ينتظرهم في ذلك العهد المظلم ، و يضع بين أيديهم ما يحدق بالاسلام من دولة أبي سفيان العدو الأكبر لمحمد و رسالته و ماعزم عليه من الثورة و التضحية لإنقاذ شريعة جده من أولئك المردة أحفاد أبي سفيان و الحكم بن العاص طريد رسول الله حتى و لو كلفه ذلك حياته و حياة بنيه و جميع أسرته ، و فيها اجتمع بتلك الوفود و من بقي من أنصر جده و وضعهم تجاه مسؤولياتهم و استعرض جميع أحداث معاوية و مواقفه المعادية للإسلام و ما ينتظرهم من خليفته المستهتر الخليع و دعاهم إلى نصرته و جهاد الظالمين ، و مضى في طريقه إلى الهدف الأسمى و الغاية القصوى و هو يتمثل بقول القائل :</P>

<P dir=rtl align=center>ان كان دين محمد لم يستقم * إلا بقتلي يا سيوف خذيني</P>

<P dir=rtl>تاركاً وراءه آراء المشيرين و الناصحين الذين لم تتسع آفاقهم لأهداف ثورته و ما سيكون لها من الآثار السخية بالعطاء على مدى التاريخ .</P>

<P dir=rtl><B>سنة إحدى و ستين</B></P>

<P dir=rtl>لقد كانت سنة إحدى و ستين مسرحاً لصراع عنيف بين ارادتين و وقف التاريخ مذهولاً بين تلك الإرادتين ارادة الخير و إرادة الشر تمثلت الأولى في شخصية عظيمة خرجت من بيت علي و فاطمة أضفت عليها القداسة هالة من الإشعاع كأنه اشعاع الفجر المنبلج في كبد الظلام ، و تمثلت الثانية ارادة الشر في رجل أقل ما يقال فيه انه كان ربيب الشرك و الجاهلية و حفيداً لأبي سفيان و زوجته هند آكلة الأكباد .</P>

<P dir=rtl>و الأول هو الإمام الحسين سبط الرسول الأعظم و شبل علي بن أبي طالب <B>( عليه السَّلام )</B> ذلك الإمام العظيم و البطل الخالد .</P>

<P dir=rtl>لقد كان الحسين فرعاً لشجرة التوحيد الممتدة جذورها الطيبة الزكية لهاشم سيد العرب في زمانه و يزيد شوكة من حسك نابت في تربة سبخة من أرض موات أنبتت اخبث شجرة كان بنو أمية من نتاجها ، و لقد عكست واقعة الطف الدامية التي شهدت مأساتها أرض كربلاء أثر كلا الجانبين بل أثر تلك الإرادتين الإرادة الخيرة الهادفة للإصلاح و إستئصال الشرك و الوثنية تلك الإرادة المتمثلة في الحسين و صحبه ، و الإرادة الثانية الشريرة الهادفة للفساد و سفك الدماء و استعباد الصلحاء و الأحرار و اعادة الجاهلية بكل أشكالها و معالمها كما كان يمثلها حفيد أبي سفيان و آكلة الأكباد .</P>

<P dir=rtl>لقد وقف الحسين وقفته العظيمة التي حيرت العقول بما فيها من معاني البطولات و التضحيات التي لم يحدث التاريخ بمثلها في سبيل العقيدة و المبدأ و حرية الإنسان و كرامته فرداً أمام جولة جبارة تخضع لنفوذ ملك ظالم جبار يحتل الصدارة في قائمة الطغاة و السفاحين و المجرمين في كل أرض و زمان .</P>

<P dir=rtl>لقد وقف الحسين وقفته الخالدة التي كانت و لا تزال مصدراً من أوفر المصادر حظاً بكل معاني الخير و الفضيلة و المثل العليا رافضاً الخنوع و الاستكانة لحكم ذلك الذئب الكاسر المتمثل في هيكل انسان يسميه الناس يزيداً ، و قدم دمه و دماء ذويه و إخوته و أنصاره قرباناً لله و للدين ليبقى حياً ما دامت الإنسانية تحتضن الأجيال على مدى العصور و بقي الحسين خالداً خلود الدهر بدفاعه عن كرامة الإنسان و حريته و عقيدته و بمواقفه التي أعلن فيها ان كرامة الإنسان فوق ميول الحاكمين و لا سبيل لأحد عليها .</P>

<P dir=rtl>و ذهب يزيد و من على شاكلته من الحاكمين في متاهات الفناء ، و التاريخ تتبعهم لعنات الأجيال إلى قيام يوم الدين .</P>

<P dir=rtl align=center>عش في زمانك ما استطعت نبيلا * و اترك حديثك للرواة جميلا</P>

<P dir=rtl align=center>و لعزك استرخص حياتك انه * اغلى و إلا غادرتك ذليلاً</P>

<P dir=rtl align=center>تعطي الحياة قيادها لك كلما * صيرتها للمكرمات ذلولا</P>

<P dir=rtl align=center>العز مقياس الحياة و ضلَّ مَن * قد عدَّ مقياس الحياة الطولا</P>

<P dir=rtl align=center>قل كيف عاش و لا تقل كم عاش من * جعل الحياة إلى عُلاه سبيلا</P>

<P dir=rtl align=center>لا غرو ان طوت المنية ماجدا * كثرت محاسنه و عاش قليلا</P>

<P dir=rtl align=center>قتلوك للدنيا و لكن لم تدم * لبني أمية بعد قتلك جيلا</P>

<P dir=rtl><B>بين هجرة الرسول و هجرة الحسين</B></P>

<P dir=rtl>هجرتان من أجل الإسلام و رسالة الإسلام ، الأولى منهما كانت فراراً من الموت الذي استهدف رسالة محمد بشخصه ، و قد نفذها الرسول الأعظم بأمر من ربه ليتابع رسالته وينقذها من مشركي مكة وجبابرة قريش كأبي سفيان و أمثاله والثانية قام بها سبطه الحسين بن علي <B>( عليه السَّلام )</B> و لكنها كانت للشهادة بعد أن ادرك ان الأخطار المحدقة برسالة جده لا يمكن تفاديها و تجاوزها إلا بشهادة .</P>

<P dir=rtl>لقد هاجر رسول الله من مكة إلى يثرب لأجل رسالته بعد أن تآمرت قريش على قتله لتتخلص منها ، لأن بقاءها و انتشارها مرهون بحياته ، و بعد أن وجدت ان جميع وسائل العنف التي استعملتها معه على إختلاف اصنافها و أنواعها خلال ثلاثة عشر عاماً لم تغير من موقفه شيئاً كما لم تجدها جميع الاغراءات و العروض السخية ، و كان رده الأخير على عروض أبي سفيان و أبي جهل و مغرياتهما ، و الله لو وضعتم الشمس في يميني و القمر في شمالي ما تركت هذا الأمر أو أموت دونه .</P>

<P dir=rtl>و عادت قريش بعد جميع تلك المراحل التي مرت بها معه تخطط من جديد للقضاء على رسالته لاسيما بعد أن أحست بأن يثرب ستكون من أعظم معاقلها و ستنطلق منها إلى جميع انحاء الحجاز و إلى العالم بأسره ، فاجتمع قادتها في مكان يعرف بدار الندوة و راحوا يتبادلون الآراء للتخلص منه فاقترح بعضهم ان يضعوه في إحدى البيوت مكبلاً بالحديد بعيداً عن أعين الناس و مجالسهم إلى أن يأتيه الموت ، كما اقترح آخرون ان يطرد من مكة حتى لا يتحملوا مسؤولية قتله ، و اتفقوا اخيراً على ان يباشروا قتله على ان تشترك فيه جميع القبائل المكية و يتولى ذلك من كل قبيلة فتى من أشد فتيانها و اتفقوا على الزمان و المكان الذي يتم فيه التنفيذ و قد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في الآية :</P>

<P dir=rtl>{ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أو يَقْتُلُوكَ أو يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ }<B><B>[1]</B></B> .</P>

<P dir=rtl>و الذي تعنيه الآية ان الله قد فوت عليهم هذا التخطيط و أخبر رسوله بما كان من أمرهم ، و أمره بالخروج من مكة ليلاً و أن يأمر عليا في المبيت على فراشه قبيل خروجه .</P>

<P dir=rtl>و حينما عرض الأمر على علي <B>( عليه السَّلام )</B> لم يتردد لحظة واحدة في التضحية بنفسه في سبيله و قال له : أو تسلم أنت يا رسول الله ان فديتك بنفسي ، فرد عليه النبي<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>بقوله : بذلك وعدني ربي ، فطابت نفسه عند ذلك و تبدد ما كان يساوره من خوف و قلق على النبي ، و تقدم إلى فراشه مطمئن النفس رابط الجأش ثابت الفؤاد و اتشح ببرده الحضرمي الذي اعتاد ان يتشح به في نومه .</P>

<P dir=rtl>و تمت الهجرة في جوف الليل من مكة إلى الغار و منها إلى يثرب في السادس من ربيع الأول ، و اعتمد المسلمون تلك الهجرة في تواريخهم منذ عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب على أثر خصومة بين اثنين في دين يدعي أحدهما استحقاقه في شهر شعبان بموجب سند بيده ، و سأل الخليفة الدائن أي شعبان هذا أشعبان هذه السنة أو التي بعدها ؟ و لما لم يطمئن لأحد منهما جمع المسلمين في المسجد ليعتمد لهم تاريخاً ، و المسلمون يوم ذاك لم يكن لهم تاريخ خاص ، فكان بعضهم يؤرخ بعام الفيل و بعضهم بحرب الفجار و أكثرهم كانوا يعتمدون تواريخ الدول المجاورة لشبه الجزيرة العربية ، و اختلفت آراء الصحابة في الزمان الذين يعتمدونه في تواريخهم و كادوا ان يتفرقوا بدون ان ينتهوا إلى نتيجة حاسمة لولا ان عليا أقبل عليهم بالمعهود من رأيه السديد و قال : نؤرخ بهجرة الرسول من مكة إلى المدينة فأعجب إبن الخطاب برأيه و هتف قائلا : لا ابقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن ، و اقترن رأيه هذا بأعجاب الحضور و تقديرهم لأن هجرة الرسول كانت المنطلق لانتصار الإسلام على الشرك و الوثنية و حدثا تاريخياً لعله من أبرز الأحداث في تاريخ الدعوة ، و استمر المسلمون على ذلك في تواريخهم و لم يحدث التاريخ عنهم بأنهم اعتبروا شهر المحرم بداية لسنتهم الهجرية ، و لعل ذلك لم يحدث إلا بعد مقتل الحسين و بعد ان أصبحت الأيام الأولى من شهر المحرم أيام حزن عند أهل البيت و شيعتهم فجعلها الأمويون بداية للسنة الهجرية و عيداً من أعيادهم ، و لا يزال المسلمون عند مواقفهم من تلك الأيام الأولى من ذلك الشهر ، فالشيعة يحتفلون بذكرى الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> و يرددون تلك المأساة في مجالسهم و مجتمعاتهم بما تحمله و تنطوي عليه من الإخلاص للعقيدة و المبدأ و التضحيات الجسام في سبيل الحق و المستضعفين و كرامة الإنسان ، و غيرهم من مسلمي السنة يحتفلون به كبقية الأعياد و يتباهون بمظاهر الفرح و الزينة و أنواع الأطعمة .</P>

<P dir=rtl>و مهما يكن فلقد كانت الهجرة من مكة إلى المدينة في السادس من ربيع الأول بعد مرور ثلاثة عشر عاماً على ولادة الإسلام ، و في اليوم الثاني عشر منه كان النبي في المدينة بين أنصاره الجدد الذين احتضنوه و أخلصوا لرسالته و أنقذه الله من تلك المؤامرة الدنيئة التي استهدفت حياته و رسالته و حاك خيوطها شيخ الأمويين يوم ذاك أبو سفيان بن حرب ، و سلم محمد لرسالته التي ارغمت أبا سفيان و غيره من مشركي مكة بعد سنوات قليلة من تلك الهجرة على الانضواء تحت لوائها بقلوبهم المشركة الحاقدة يتململون بين أقدام طريدهم بالأمس يستجدون عفوه و رأفته أذلاء صاغرين .</P>

<P dir=rtl>و أبت نفسه الكبيرة التي اتسعت لتعاليم السماء و رسالة الإسلام إلا أن تتسع لأبي سفيان و حتى لزوجته هند آكلة الأكباد و غيرها من المشركين و المشركات و أعلن العفو العام حينما دخل مكة فاتحا منتصرا متجاهلاً جميع سيآتهم بكلماته الخالدة التي لا تزال سمة خزي و عار ما دام التاريخ : اذهبوا فأتنم الطلقاء ، و أعطى لأبي سفيان العدو الأكبر للإسلام ما لم يعطه لأحد من المشركين .</P>

<P dir=rtl>و هل غيّر هذا الموقف العظيم الذي لا يمكن ان يصدر من أي انسان مهما كان نوعه ، هل غيّر من نفس أبي سفيان و روحه شيئاً ، و هل ادرك ان موقفا كهذا لا يصدر الا عن انسان تسيره ارادة السماء ؟ ان النفوس الحقودة اللئيمة لا علاج لها إلا بالإستئصال و الرسول العظيم يعلم ذلك و يعلم أن ما صنعه مع البيت الأموي لا يغير من طبيعته و لكن مصلحة الإسلام يوم ذاك فرضت عليه ان يعالجهم بهذا الأسلوب و يستعمل معهم العفو و الرحمة بدلاً من معاملتهم بما يستحقون .</P>

<P dir=rtl>و بقي الحزب الأموي بقيادة أبي سفيان يتحين الفرص و يستغل المناسبات و حينما انتقلت الخلافة إلى سليل بيته عثمان بن عفان أحس بنشوة تملأ نفسه الحاقدة و ذهب يقوده غلامه لينفس عما تراكم في نفسه من أحقاد على الإسلام و دعاته ، إلى قبر الحمزة ليركله برجله و يقول : قم يا أبا عمارة ان الذي تجالدنا عليه لقد أصبح تحت أقدامنا .</P>

<P dir=rtl>و خلال سنوات معدودات من حكمهم استطاعوا ان يحققوا لهذا البيت أكثر أمانيه و اتجهوا يعملون لوثنيتهم و جاهليتهم حتى لا يبقى لرسالة محمد ناطق على منبر أو محراب و ليصبح أئمة المساجد و القراء و الرواة أبواقا للسلطة الحاكمة و القبضة الأموية الجديدة التي تعمل للسلطة و الجاهلية باسم الإسلام أداة لغسل الادمغة من عقائده و حشوها بمبادئ الردة و الوثنية ، وظلوا يعملون بهذا الاتجاه الوثني حتى انقلبت القيم و سحقت التعاليم و ذهبت رياح الجاهلية بجهود المخلصين و جاءت بكنوز الذهب للمنافقين ، و أصبح التوحيد ستاراً للشرك و الإسلام لا يعني سوى الإستسلام للحاكمين ، و السنة قاعدة للسلطة ، و الحديث عرضة للوضع و التزوير و التحريف و الألسن قطعت أو اشتريت بأموال الفقراء و المساكين .</P>

<P dir=rtl>اما أصحاب السابقة و الجهاد فقد تقاضوا الثمن ولايات و امارات ، و اعتزل فريق للعباد و فريق ساوموا على سكوتهم عن الظلم و الجور حتى لا يواجهون النفي و الموت في صحراء الربذة و مرج عذراء و قصر الخضراء ، و عادت الجاهلية الجديدة أثقل ظلا و أشد ظلمة و وحشية و العدو الجديد أشد دهاء و أكثر نضجا و ذكاء .</P>

<P dir=rtl>و فجأة سطع ضوء في الظلام و من بين ركام الإسلام المتداعي و أضاءت للملأ ملامح امل جديد في دياجي ذلك الظلام المطبق و بدأ للعالم انسان يخط على التراب بدمه ، ألا و اني لا أرى الموت إلا سعادة و الحياة مع الظالمين إلا برما .</P>

<P dir=rtl>انه الحسين بن علي و فاطمة سبط ذلك الرسول الذي هاجر من مكة ليثرب قبل ستين عاماً لأجل رسالته و انقاذها من الشرك و الوثنية و مرة ثانية و في ظروف لعلها اسوأ على الإنسانية و الرسالة من الظروف التي خرج فيها جده من قبل لإنقاذ البشرية مما كانت تعانيه من عسف و جور و استغلال خرج من بيت محمد و علي البيت الذي وسع التاريخ كله فكان أكبر منه خرج غاضباً مصمما على الموت كأن في صدره اعصارا هو في طريقه إلى الانطلاق . خرج لأجل الرسالة التي هاجر لأجلها جده الرسول الأعظم من قبل يتلفت من حوله وحيداً أعزل يرى الرسالة و آمال الفقراء و المستضعفين تساق إلى قصر الخضراء في دمشق لا يملك سلاحا غير الشهادة التي يراها زينة للرجال كما تكون القلادة زينة للفتاة و هاجر للحصول عليها على هدى و بصيرة و شبحها ماثل نصب عينيه يتطلع إلى تربة كربلاء مع ركبه بصبر و صمود و هو يقول : خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة أفلا ترون إلى الحق لا يعمل به و إلى الباطل لا يتناهي عنه ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقاً .</P>

<P dir=rtl>لقد هاجر من مدينة جده إلى مكة و منها إلى العراق بعد أن رأى رسالة الإسلام تتعرض للانهيار و مصير الإنسان يوم ذاك اسوأ من مصير انسان الجاهلية نافضاً يديه من الحياة لا يملك في مقابل عدوه سوى سلاح الشهادة و في كل مرحلة كان يقطعها و هو يحث السير إليها كان يشير إلى أنصاره الذين رافقوه في تلك الرحلة ليموتوا معه و إلى أهل بيته الذين هم كل ما يملكه من الحياة إلى هؤلاء جميعاً كان يشير و يكشف لهم عن معاني الشهادة و أهدافها و معطياتها و يشهد العالم بأسره بأنه قد أدى للإنسانية كل ما يقدر عليه .</P>

<P dir=rtl>لقد كان سيد الشهداء يدرك و يعي اهمية الرسالة الملقاة على عاتقه و يعلم بأن التاريخ ينتظر شهادته و انها ستكون ضمانا لحياة أمة و اساسا لبناء عقيدة و هتكا لاقنعة الخداع و الظلم و القسوة و أداته لسحق القيم و محوها من الأذهان و انقاذا لرسالة الله من أيدي الشياطين و الجلادين ، و هذا هو الذي كان يعنيه بقوله لأخيه محمد بن الحنفية و هو يلح عليه و يتململ بين يديه باكيا حزينا ليرجع إلى حرم جده : لقد شاء الله ان يراني قتيلا و شاء ان يرى حرمي و عيالي سبايا .</P>

<P dir=rtl>لقد اعطى الحسين للعالم كله بشهادته دروساً مليئة بالحياة غنية بالقيم و روعة الجمال و أصبح هو و من معه من طفله إلى إخوته و أنصاره و غلمانه القدوة الغنية بمعطياتها للعالم في كل زمان و مكان يعلمون الأبطال كيف يموتون في مملكة الجلادين الذين ذهبت ضحية سيوفهم آمال أجيال من الشباب و تلوَّت تحت سياطهم جنوب النساء و أبادوا و أجاعوا و استعبدوا رجالاً و نساءً و مؤذنين و معلمين و محدثين .</P>

<P dir=rtl>لقد ترك الحسين و إخوته و أصحابه و حتى غلمانه دروساً سخية بالعطاء و القيم حافلة بالعبر و المثل التي تنير العقول و تبعث في النفوس و القلوب قوة الإيمان بالمثل العليا و المبادئ السامية التي دعا إليها و ضحى بكل ما يملك من أجلها و لا تزال الأجيال تستلهم منها كل معاني الخير و النبل و الفضيلة و سيبقى الحسين و أنصاره مثلا كريما لكل ثائر على الظلم و الجور و الطغيان إلى حيث يشاء الله .</P>

<P dir=rtl>لقد هاجر من مدينة جده إلى أرض الشهادة و الخلود ليقدم دمه الزكي و دماء إخوته و أنصاره الخالدين ثمنا لإحياء شريعة جده الرسول الأعظم و انقاذها من مخالب الكفر والانحراف ، و لكي يضع حداً لسياسة البطش و التنكيل و اراقة الدماء و ليعلن بصوته المدوي الذي لا يزال صداه يقضُّ مضاجع الظالمين ان الإسلام فوق ميول الحاكمين و أن المثل و القيم فوق مستوى مطامعهم الرخيصة و أن الحرية و الكرامة من حقوق الإنسان في حياته و لا سلطان للحكام و الطغاة عليها .</P>

<P dir=rtl>أجل ان رسالة الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> كانت و لا تزال امتدادا لرسالة جده و جهاده امتدادا لجهاد جده و أبيه أمير المؤمنين بطل الإسلام الخالد الذي قام الإسلام و انتشر بسيفه و جهاده .</P>

<P dir=rtl>و كما خيبت هجرة الرسول مساعي المتآمرين على قتله بخروجه من مكة إلى يثرب بعد أن بات على فراشه بطل الإسلام الخالد ليدرأ عنه خطر الأعداء و يفديه بنفسه من مؤامرة أبي سفيان و حزبه كذلك خيبت شهدة سبطه الثائر العظيم آمال أمية و أمانيها و مما يطمح إليه حفيدها يزيد بن معاوية من تحطيم الإسلام و عودة الجاهلية و الاصنام آلهة آبائه و أجداده و سجلت انتصاراً حطم أولئك الجبابرة الطغاة و دولتهم الجائرة العاتية التي قابلها الحسين و قضى عليها بشهادته و دمه الزكي الطاهر بالرجال و العتاد و الأموال .</P>

<P dir=rtl align=center>و لرب نصر عاد بشر هزيمة * تركت بيوت الظالمين طلولا</P>

<P dir=rtl>لقد قاتل مع الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> اثنان و سبعون شخصاً من إخوته و أبنائه و أنصاره الأبطال الذين امتحن الله قلوبهم بالإيمان فقاتلوا دفاعاً عن الحق و العقيدة و رسالة الإسلام و أرخصوا حياتهم لإعلاء كلمة الله في الأرض و كانوا مع قلة عددهم و كثرة الحشود التي اجتمعت لقتالهم يكرون على تلك الحشود بقلوبهم العامرة بالتقوى و نفوسهم المطمئنة إلى المصير الذي أعده الله للمجاهدين في سبيله فيفرون من بين أيدهم فرار المعزا إذا شدت عليها الذئاب ، و رحم الله السيد حيدر الحلي القائل :</P>

<P dir=rtl align=center>جاءوا بسبعين ألف سل بقيتهم * هل قابلونا و قد جئنا بسبعين</P>

<P dir=rtl>لقد ترك لنا الحسين و جدّ الحسين و الأئمة من ذرية الحسين من اقوالهم و سيرتهم و سلوكهم و جهادهم مدرسة غنية بكل ما نحتاجه في الحرب و السلم و الشدة و الرخاء و الفقر و الغنى و كل نواحي الحياة فما اولانا و نحن ندعي الإسلام و التشيع لهم ان نرجع إلى سيرتهم و نسير على خطاهم و نصنع من ميراث أمتنا و قادتنا خير أمة اخرجت للناس .</P>

<P dir=rtl>و لو نظرنا و مع الاسف الشديد إلى مبادئ التشيع التي تجسد الإسلام بكل فصوله و خطوطه و قارنّا بينها و بين ما نحن عليه من تخاذل و تراجع و اذلال و انحراف عن الإسلام و مبادئه و قيمه وجدنا انفسنا من ابعد الناس عن علي و بنيه و عن الحسين بالذات الذي نحتفل في كل عام بذكراه و نبكيه و نردد بألسنتنا يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيماً ، و أنا لا اشك بأن الحسين لو وجد في زماننا هذا لصنع من القدس و جنوب لبنان كربلاء ثانية و سوف لا يناصره ممن يدعون الإسلام و التشيع و من يتباكون على القدس و الجنوب و يتاجرون بهما في البيانات و الخطب و على صفحات الجرائد أكثر من العدد الذي ناصره في كربلاء الأولى .</P>

<P dir=rtl>ان بكاء الباكين و تباكيهم على الحسين و على القدس و الجنوب لم يكن إلا لأنه يلتقي مع مصالحهم أو لبعض الحالات الطبيعية التي تسيطر على الإنسان أحيانا ، فهل هؤلاء مع الحسين و مبادئه و مع القدس القبلة الأولى للمسلمين و فلسطين التي اغتصبتها و شردت اهاليها قوى الشر و العدوان ، و مع جنوب لبنان الذي عبثت فيه الأهواء و الاطماع و مزقته إلى احزاب و شيع لا تحصى حتى و لو تعارض ذلك مع مصالحهم و أهوائهم ، فعشرات الشواهد و الأرقام تؤكد ان مصالحنا و أهوائنا إذا تعارضت مع الحسين و جميع القيم و مع القدس و الجنوب و جميع المظلومين و المعذبين لم نعد نتعرف على الحسين و لا على مبادئه و قيمه و لا على القدس و الجنوب و لا على المظلومين و المعذبين و لو خرج من يحمل مبادئ الحسين في زماننا هذا لحاربناه كما حاربه أولئك بالأمس و لقطعنا رأسه و رؤوس من يناصره و أهديناها لمن يحمل روح يزيد و إبن زياد و ما اكثرهم في زماننا هذا .</P>

<P dir=rtl>لقد بكى عمر بن سعد على الحسين في كربلاء و سالت دموعه على لحيته عندما رآه يجود بنفسه و الدماء تنزف من جسده و في نفس الوقت أمر أصحابه بقتله و قال لهم : انزلوا إليه و أريحوه . و الإنسان في الغالب قد يتأثر و ينفعل من غير قصد و اختيار كما يتنفس و يتألم و يفرح و يحزن و سرعان ما يتغير و كأنه انسان آخر ، و بذلك نستطيع ان نفسر بكاء أكثر الباكين على الحسين من المحبين و المجرمين القساة و هم يستمعون إلى حديث كربلاء و ما حل بها من الفجائع على أهل البيت عليهم السلام .</P>

<P dir=rtl>و جاء عن بعض العلويات انها قالت : حين استشهد أخي الحسين هجم العدو على خيامنا للسلب و النهب و دخل خيمتي رجل ازرق العينين فأخذ ما في الخيمة و نظر إلى زين العابدين و هو على نطع و كان مريضاً فجذبه من تحته و رماه إلى الأرض و التفت الي و أخذ القناع عن رأسي و قرطين كانا في أذني و جعل يعالجهما و يبكي حتى انتزعهما ، فقلت له : تسلبني و أنت تبكي ؟ فقال : ابكي لمصابكم أهل البيت .</P>

<P dir=rtl>و بلا شك فان الكثيرين من الذين يبكون لمصاب أهل البيت و ما حل بهم في كربلاء يحملون روح هذا المجرم ازرق العينين ، و لو تسنى لهم ان يسلبوا الحوراء أو غيرها خمارها إذا اقتضت مصلحتهم ذلك لا يقصرون و لا يتورعون ، و أي فرق بين ازرق العينين الذي اقتحم خيام الحسين و أخذ النطع من تحت الإمام السجاد و انتزع القرطين من أذني الحوراء و بين من يدعون التشيع و الإسلام في زماننا هذا و يعتدون على أموال الناس و حقوق الناس و كرامتهم غير مكترثين بالأديان و لا بالأخلاق و الأعراف التي لا تقر الاساءة لأحد من الناس .</P>

<P dir=rtl>ان هؤلاء لا فرق بينهم و بين عمر بن سعد و أزرق العينين و لو وجدت العقيلة الحوراء في زماننا هذا لا يتورعون عن انتزاع قرطها و لا عن قتل أخيها و أبيها إذا اقتضت مصلحتهم ذلك ، و في الوقت ذاته يتأثرون و ينفعلون و قد يبكون عندما يستمعون إلى حديث كربلاء و ما فعله ازرق العينين .</P>

<P dir=rtl>و سلام الله على الحسين و أنصاره شيوخاً و شبانا الذين لا تزال ذكراهم حية تثير الأسى و الشجن في نفوس المحبين و حتى في نفوس الكثيرين في زماننا هذا من أمثال إبن سعد و أزرق العينين ، و لكن ذلك الأسى سرعان ما يتبخر و لا يعلق من تلك الذكرى و أهدافها السامية في النفوس و العقول إلا صوراً لا تتجاوز عالمها و محيطها ثم تتبخر و كأنها لم تكن .</P>

<P dir=rtl>و أعود لأكرر بأن المسلمين لو استغلوا ذكراك يا أبا عبد الله و تضحياتك الجسام في سبيل الإسلام و خير الإنسانية ، و استغلوا مولد الرسول و سيرته العطرة الغنية بمعطياتها الذي يحتفلون به في هذه الأيام من كل عام من على منابرهم و بالهتاف و التصفيق في شوارعهم لبضع ساعات ثم يعودون مسرعين إلى نوادي القمار و الخمور و البغاء و خدمة أعداء الإسلام بأموالهم و جميع طاقاتهم ، لو استغلوا ذكرى سيد الشهداء و مولد الرسول<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>لمرضاة الله و رسوله و لصالح الإسلام و المسلمين و بث الوعي و رص الصفوف في مقابل الغزاة من أعداء الإسلام و المسلمين لا لاشاعة الجهل و التفريق و الاتجار بالدين و عواطف الناس لكانوا من افضل الأمم و أقواها في مشرق الدنيا و مغربها و سلام الله على الحسين الذي لم يحدث عن مثله التاريخ :</P>

<P dir=rtl align=center>فيا أيها الوتر في الخالدين * فذا إلى الان لم يشفع</P>

<P dir=rtl align=center>و يا واصلا من نشيد الخلود * ختام القصيدة بالمطلع</P>

<P dir=rtl align=center>و يا بن التي لم يقع مثلها * كمثلك حملاً و لم ترضع</P>

<P dir=rtl align=center>تعاليت من مفزع للحتوف * و بورك قبرك من مفزع</P>

<P dir=rtl align=center>تمر الدهور فمن يسجد * على جانبيه و من يركع</P>

<P dir=rtl>و رحم الله من قال في وصفه :</P>

<P dir=rtl align=center>اضمير غيب الله كيف لك الفنا * نفذت وراء حجابه المخزون</P>

<P dir=rtl align=center>و تصك جبهتك السيوف و انها * لولا عينيك لم تكن ليمين</P>

<P dir=rtl align=center>ما كنت حين صرعت مضعوف القوى * فأقول لم ترفد بنصر معين</P>

<P dir=rtl align=center>اما و شيبتك الخضيبة انها * لا يركل الية و يمين</P>

<P dir=rtl align=center>لو كنت تستام الحياة لارخصت * منها لك الأقدار كل ثمين</P>

<P dir=rtl align=center>أو شئت محو عداك حتى لا يرى * منهم على الغبراء شخص قطين</P>

<P dir=rtl align=center>لاخذت افاق البلاد عليهم * و شحنت قطريها بجيش منون</P>

<P dir=rtl align=center>حتى إذا لم تبق نافخ حزمة * منهم بكل مفاوز و حصون</P>

<P dir=rtl align=center>لكن دعتك لبذل نفسك عصبة * حان انتشار ضلالها المدفون</P>

<P dir=rtl align=center>فرأيت ان لقاء ربك باذلا * للنفس افضل من بقاء ضنين</P>

<P dir=rtl><B>ما أروع يومك يا أبا الشهداء</B></P>

<P dir=rtl>شموخ مع التاريخ و صمود مع الأجيال يتجلى بكل وضوح في أفق الحياة الواسع و مع سير الزمن السرمدي لا يطويه دوران الأيام و لا تنسيه الدهور و الأعوام يجدد الآلام و يثير الأحزان و الاشجان بالرغم من مرور المئات من الأعوام ذلك هو يومك الخالد يا أبا عبد الله الذي ضربت فيه أمثالا بلغت اقصى حدود السمو في التضحية و الفداء و أوضحت المعالم البارزة للسبل التي يجب ان تكون منهجاً لعبور العقبات الصعاب في هذه الحياة فما أروع هذا الخلود و ما أسمى معانيه لو برزت بوضوح حقائقها و رسمت دقائق خطوط اهدافها لترفع المشع الوهاج للاجيال المتعاقبة و تلتهم ثمرات تلك المآثر السامية و تستلهم منها الصبر و العقيدة لتحقيق الاهداف التي دعا إليها الإسلام و كافح من أجلها دعاته الوفياء لتطهير الأرض المقدسة من دنس الظالمين و الغاصبين .</P>

<P dir=rtl>ما أروع يومك يا أبا عبد الله و يا أبا الشهداء ذلك اليوم الذي وقفت فيه تخاطب انصارك و أهل بيتك قائلا : اما بعد فقد نزل بنا من الأمر ما قد علمتم و أن الدنيا قد تغيرت و تنكرت و أدبر معروفها و لم يبق منها إلا صبابة كصبابة الاناء و خسيس عيش كالمرعى الوبيل ألا ترون إلى الحق لا يعمل به و إلى الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقا فاني لا أرى الموت إلا سعادة و الحياة مع الظالمين إلا برما .</P>

<P dir=rtl>فكانت التضحية و كان الداء الذي ادمى القلوب و مزقها و كان النصر حليفه فلقد استقامت بشهادتك يا أبا عبد الله أركان الإسلام و تبين الرشد من الغي و ظلت كلمة لا إلا الله محمد رسول الله التي حاربها الحزب الأموي مدوية في الفضاء خالدة في أجوائه خلود يومك .</P>

<P dir=rtl>لقد اراد لها يزيد بن ميسون الفناء بقتلك و أراد الله لكونها البقاء فبقيت و بقيت مع التاريخ تستنير الأجيال بذكراك و يستلهم منها المخلصون سبل الثورة على الظلم و الطغيان و بقي ذكر أولئك الطغاة عارا تتبرأ منه الاحفاد و الأجيال و تتبعهم اللعنات ما دام التاريخ .</P>

<P dir=rtl>فما أصبرك يا أبا عبد الله و ما أروع يومك حينما وقفت في أرض المعركة وحيداً لا ناصر لك و لا معين تتلفت يمينا و شمالا فلا ترى سوى اصحابك و بنيك و اخوتك صرعى على ثرى الطف المديد و الأعداء تحيط بك من كل نواحيك تحدق في خيامك الخالية إلا من النساء و الأطفال و الصراخ يتعالى من هنا و هناك و أنت تتلوى لهول ذلك المشهد و تلك الحشود الهائلة و قد شهرت أسنة رماحها في وجهك فتغمض عينيك من هول ذلك المنظر و مما حل ببيت الرسالة و أحفاد الرسول فلا تجد من يأويهم و يكفلهم من بعدك .</P>

<P dir=rtl>ثم تتلفت إلى أنصارك فلا ترى سوى الجثث المبعثرة من حولك فما أهوله من منظر و ما ارزأها من مصيبة لم يحدث التاريخ بمثلها و مع كل ذلك فلم تلن لأولئك الطغاة و مضيت في ثورتك على الباطل ثورة الإيمان بكل معانيه و أبعاده على الكفر بكل اباطيله تقول : و الله لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل و لا أقر لكم اقرار العبيد و بقيت خالداً خلود الدهر .</P>

<P dir=rtl>لقد تمخضت مواقف الحسين بن علي <B>( عليه السَّلام )</B> يوم عاشوراء ذلك اليوم التاريخي من خلال ما ارتسم فيها من البطولات و الصمود امام تلك الجحافل العاتية عن جلائل المعاني السامية و تجلت من سطورها الدامية روائع من صفحات الإيمان الثابت و العقيدة المخلصة و طفقت تحمل في مشاعلها نزعة الانعتاق من ربقة الإستغلال و الإستعباد و اندفعت تخط للإجيال أبعاد الكفاح الثوري و ترسم للعصور سمات للصمود و الثبات و تدفع بالمناضلين المكافحين إلى تعلقهم بما يرسمونه من تخطيط لمعتقداتهم الفكرية و ما ينتهجونه من تحديد لمنطلقاتهم النضالية في المسار النضالي و ما يحددونه من مواقف جريئة امام تحديات الحاكمين و استغلالهم لخيرات الشعوب و أرزاق العباد .</P>

<P dir=rtl>ان المسار الثوري الذي حفلت به ثورة الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> لقد عزز الكثير من طموح الشعوب المستغلة من أجل انهاض هذه الشعوب و ايقاد فتيل الثورة للاطاحة بالنظم المستبدة و ايجاد المجتمعات السليمة التي تحقق للشعوب حريتها و كرامتها و طموحاتها في التخلص من الإستغلال و تطوير الحياة و ما يضمن لتلك الشعوب أمنها و رفاهيتها .</P>

<P dir=rtl>ان ثورة الحسين تركت في دروب الأحرار المجاهدين والصامدين علامات مضيئة تنير مسالك الكفاح و تمهد الطريق الذي يمكن كل ثائر إذا اعتمد في الدرجة الأولى على نزعة السخاء بالأرواح و بذل الأنفس من أجل العقيدة الثابتة و من أجل مواقع الصمود للوصول إلى النصر .</P>

<P dir=rtl>ان طرح الحسين الخالد لهذا السخاء العظيم بتقديمه نفسه و ذويه و صحبه و استشهادهم إلى جانبه مكن هذه الثورة من الديمومة و البقاء لتكون المنار لكل الثائرين الصامدين عبر مسيرات الإنتفاضات الشعبية التي تحدث هنا و هناك و مكَّن لها الانتصار إذا اقترنت بالنزاهة و الإخلاص و بمثل ذلك السخاء الذي قدمه الحسين و أنصاره من أجل الإنسان و كرامته . لقد انتصر الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> باستشهاده انتصاراً لم يسجل التاريخ انتصاراً اوسع منه و لا فتحا كان ارضى لله منه ، و كان واثقاً من هذا الانتصار و من هذا الفتح كما كان واثقاً من هزيمته عسكرياً كما يبدو ذلك من كتابه الذي كتبه إلى الهاشميين و هو في طريقه إلى العراق فقد قال فيه : اما بعد فانه من لحق بي استشهد و من تخلف لم يبلغ الفتح.</P>

<P dir=rtl>و كان ذكرنا فالفتح الذي يعنيه الحسين من كتابه إلى الهاشميين هو ما احدثته ثورته من النقمة العامة على الأمويين و ما رافقها من الإنتفاضات التي اطاحت بدولتهم .</P>

<P dir=rtl><B>لقد شاء الله ان يراهُن سبايا</B></P>

<P dir=rtl>لقد كان محمد بن الحنفية شقيق الحسين في طليعة أولئك الذين حاولوا مع الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> ان لا يستجيب لأهل العراق و أن يبقى بعيداً عنهم و قد ذكره مع من ذكروه بمواقفهم مع أبيه و أخيه و كان قد اشار عليه ان يذهب إلى اليمن أو بعض نواحي البر و لا يذهب إلى الكوفة فوعده الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> ان ينظر في الأمر و في مطلع الفجر من تلك الليلة اخبر إبن الحنفية ان الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> قد تهيأ للخروج مع إخوته و بني عمومته و نسائه إلى العراق فأقبل عليه و قد اشرف موكبه على التحرك فأخذ بزمام ناقته و هو يبكي و قال له : ألم تعدني النظر فيما سألتك فما حداك على الخروج عاجلا ؟ فرد عليه الحسين قائلا : لقد جاءني رسول الله بعد ما فارقتك و قال لي : لقد شاء الله ان يراك قتيلاً فاسترجع إبن الحنفية و قال : إذا كان الأمر كما تقول ، فما معنى حملك للنساء و أنت تخرج لهذه الغاية ، فقال له : لقد شاء الله ان يراهن سبايا .</P>

<P dir=rtl>بهذا الجواب القصير و بهاتين الكلمتين بما لهما من المدلول الواسع و بدون مواربة أو تمويه اجاب الحسين أخاه محمد بن الحنفية و عيناه تنهمر بالدموع و الالم يحز في قلبه و نفسه ، و كما قال أبو عبد الله <B>( عليه السَّلام )</B> لقد شاء الله ان يراهن سبايا كما شاء ان يراه قتيلا موزع الاشلاء هو و من معه من اسرته و أصحابه على ثرى الطف ، لأن سبيهن بعده من بلد إلى بلد لم يكن أقل أثراً على تلك الدولة الجائرة و على تلك الأسرة التي تكيد للإسلام من شهادته ان لم يكن أشد وقعاً على نفوس المسلمين من استشهاده .</P>

<P dir=rtl>لقد كان لسبي النساء و الأطفال و الطواف بهن من بلد إلى بلد أثراً من اسوأ الآثار على الأمويين و دولتهم و كان الجزء المتمم للغاية التي ارادها الحسين من نهضته فلقد أثار الأحزان و الأشجان في نفوس المسلمين و كشف اسرار الأمويين و واقعهم السيىء للقاصي و الداني و أظهر قبائحهم و مخازيهم للعالم و الجاهل و أوضح للمسلمين في كل مكان و زمان ان الأمويين من ألد أعداء الإسلام يبطنون الكفر و الالحاد و يتظاهرون بالإسلام رياء و دجلا و نفاقاً . و في الوقت ذاته فلقد كان سبيهم من جملة الوسائل لنشر الدعوة إلى العلويين و مبدأ التشيع لأهل البيت و لعن من شايع و تابع و بايع على قتل الحسين ، و قد أشارت إلى ذلك العقيلة الكبرى في قولها ليزيد بن ميسون في مجلسه بقصر الخضراء : فوالله ما فريت إلا جلدك و ما حززت إلا لحمك .</P>

<P dir=rtl>لقد حملهم معه و هو على يقين بأن الأمويين سيطوفون بهم في البلدان إلى أن يصلوا بهن إلى عاصمتهم الشام و سيراهم كل انسان مكشفات الوجوه و في أيديهم الاغلال و السلاسل و أكثر الناس سيقابلون ذلك بالنقمة على الأمويين و الأسف و الحزن لآل بيت نبيهم الذي بعث رحمة للعالمين .</P>

<P dir=rtl>و جاء في كتاب المنتخب ان عبيد الله بن زياد دعا شمر بن ذي الجوشن و شبث بن ربعي و عمرو بن الحجاج و ضمَّ إليهم ألف فارس و أمرهم بايصال السبايا و الرؤوس إلى الشام .</P>

<P dir=rtl>و يدعي أبو مخنف انهم مروا بهم بمدينة تكريت و كان اغلب أهلها من النصارى فلما اقتربوا منها و أرادوا دخولها اجتمع القسيسون و الرهبان في الكنائس و ضربوا النواقيس حزنا على الحسين و قالوا : انا نبرأ من قوم قتلوا إبن بنت نبيهم فلم يجرأوا على دخول البلدة و باتوا ليلتهم خارجها في البرية .</P>

<P dir=rtl>و هكذا كانوا يقابلون بالجفاء و الاعراض و التوبيخ كلما مروا بدير من الاديرة أو بلد من بلاد النصارى ، و حينما دخلوا مدينة لينيما و كانت عامرة يومذاك تظاهر أهلها رجالاً و نساء و شيباً و شبانا و هتفوا بالصلاة و السلام على الحسين و جده و أبيه و لعن الأمويين و أشياعهم و أتباعهم و أخرجوهم من المدينة و تعالى الصراخ من كل جانب ، و أرادوا الدخول إلى جهينة من بلاد سورياً فتجمع أهلها لقتالهم فعدلوا عنها و استقبلتهم معرة النعمان بالترحاب بلدة المعري الذي يقول :</P>

<P dir=rtl align=center>أليس قريشكم قتلت حسيناً * و صار على خلافتكم يزيد</P>

<P dir=rtl>و قال : و على الافق من دماء الشهيدين علي و نجله شاهدان .</P>

<P dir=rtl>و حينما اشرفوا على مدينة كفرطاب أغلق أهلها الأبواب في وجوههم فطلبوا منهم الماء ليشربوا فقالوا لهم : و الله لا نسقيكم قطرة من الماء بعد أن منعتم الحسين و أصحابه منه ، و اشتبكوا مع أهالي حمص و كان أهلها يهتفون قائلين : اكفراً بعد ايمان و ضلالا بعد هدي ، و رشقوهم بالحجارة فقتلوا منهم 26 فارساً ولم تستقبلهم سوى مدينة بعلبك كما جاء في الدمعة الساكبة فدقت الطبول و قدموا لهم الطعام و الشراب .</P>

<P dir=rtl>و جاء عن سبط بن الجوزي عن جده انه كان يقول : ليس العجب ان يقتل إبن زياد حسينا و انما العجب كل العجب ان يضرب يزيد ثناياه بالقضيب و يحمل نساءه سبايا على أعقاب الجمال .</P>

<P dir=rtl>قد رأى الناس في السبايا من الفجيعة أكثر مما رأوه في قتل الحسين و هذا ما اراده الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> من الخروج بالنساء و الصبيان ، و لو لم يخرج بهن لما حصل السبي الذي ساهم مساهمة فعالة في الهدف الذي أراده الحسين من نهضته و هو انهيار تلك الدولة الجائرة .</P>

<P dir=rtl>و لو افترضنا ان السيدة الكبرى زينب بنت علي و فاطمة بقيت في المدينة و قتل أخوها في كربلاء فما عساها تصنع و أي عمل تستطيعه غير البكاء و النحيب و اقامة العزاء ؟ و هل كان يتسنى لها الدخول على إبن زياد لتقول له بحضور حشد من الناس : الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد وطهرنا من الرجس تطهيراً انما يفتضح الفاسق و يكذب الفاجر و هو غيرنا ثكلتك امك يا إبن مرجانة ، و هل كان بامكانها ان تدخل مجلس يزيد في قصر الخضراء و هو مزهو بملكه و سلطانه و تلقي تلك الخطب التي اعلنت فيها فسقه و فجوره و لعنت فيها آبائه و أجداده و قالت له فيما قالت : أمن العدل يا إبن الطلقاء تخديرك اماءك و حرائرك وسوقك بنات رسول الله من بلد إلى بلد ، و لئن جرت عليّ الدواهي مخاطبتك اني لاستصغر قدرك و أستعظم تقريعك ، إلى غير ذلك من كلماتها التي كانت تنهال عليه كالصواعق و غيرت اتجاه الرأي العام نحوه و نحو بيته مما اضطره لأن يتنصل من تلك الجريمة و يلعن إبن زياد و يحاول ان يحمله مسؤوليتها بعد أن بلغته آثار تلك المأساة في المدن و القرى التي مرَّ بها موكب السبايا و اللعنات التي كانت تنهال عليه و على أهل بيته ، و بعد ان رأى الوجوه تغيرت عليه حين وقفت في مجلسه ذلك الموقف التاريخي الذي لا يزال حديث الأجيال بعد أن رأى ذلك و سمع ما احدثه موكب السبايا في نفوس الناس و قلوبهم و بخاصة بعد أن عرف الناس في عاصمته و خارجها ان هذا الموكب لآل الرسول و بناته جعل يتنصل من تلك الجريمة و يحمل أوزارها لابن زياد و معاونيه . لقد كان باستطاعة يزيد و معاونيه لو لم يتعرض لأسر النساء و الأطفال و سبيهن من بلد إلى بلد ان يموه على الناس و يقول لهم لقد نازعني الحسين ملكي و قاتلني فقتلته ، و لكنه بعد أن صنع مع النساء و الأطفال ما صنع من الاسر و السبي و الامتهان ضاقت عليه الحجج و الذرائع و لم يعد امامه إلا ان يتنصل منها و يضع مسؤوليتها على غيره حيث لا يجديه التنصل و لا تستره الاعذار و قد أيقن بعدها الكثير من الناس بأنه كان في عمله هذا مسيرا لامويته الحاقدة على بيت محمد و رسالته ، و لو انه ترك النساء و الأطفال بعد تلك المجزرة و شأنهم و لم يعاملهم بتلك المعاملة التي لم يعامل المسلمون بها أسرى المشركين و نسائهم لم يكن لجريمته كل ذلك الصدى الذي هز العالم الإسلامي بكل فئاته و طبقاته .</P>

<P dir=rtl>لقد كان الحسين يرى من وراء الغيب بأن شهادته وحدها لا تعطي النتائج المطلوبة و لا تحقق له جميع اهدافه ما لم تقترن بسبي النساء و الأطفال و الطواف بهن من بلد إلى بلد ليتاح لشقيقته العقيلة ان تؤدي دورها و رسالتها فقال لاخيه إبن الحنفية و هو يتململ بين يديه باكياً حزيناً : لقد شاء الله ان يراني قتيلاً و أن يرى نسائي و أطفالي سبايا و كان على أمية و حفيدها يزيد بن ميسون لو كانت تملك ذرة من الوفاء و الشرف ان تعود إلى الوراء قليلاً لترى ما فعله جد زينب و الحسين و بقية العلويين و العلويات مع أبي سفيان و زوجته هند بنت عتبة التي مثلت بعمه الحمزة و أكلت من كبده و كيف عاملهما بالعفو و الصفح و جعل لهما ما لم يجعله لاحد من مشركي مكة و طواغيتها ، و رحم الله بعض الشعراء الذي ذهب يعاتب الأمويين بقوله :</P>

<P dir=rtl align=center>و عليك خزي يا أمية دائم * يبقى كما في النار دام بقاك</P>

<P dir=rtl align=center>فلقد حملت من الآثام جهالة * ما عنه ضاق لمن دعاك دعاك</P>

<P dir=rtl align=center>هلا صفحت عن الحسين و رهطه * صفح الوصي أبيه عن أباك</P>

<P dir=rtl align=center>و عففت يوم الطف عفة جده الـ * مبعوث يوم الفتح عن طلقاك</P>

<P dir=rtl align=center>أفهل يد سلبت اماءك مثلما * سلبت كريمات الطفوف يداك</P>

<P dir=rtl align=center>ام هل برزن بفتح مكة حسرا * كنسائه يوم الطفوف نساك</P>

<P dir=rtl>و رحم الله القائل في وصف السبايا :</P>

<P dir=rtl align=center>و زاكية لم تلق في النوح مسعدا * سوى انها بالسوط يزجرها زجر</P>

<P dir=rtl align=center>و مذعورة اضحت و خفاق قلبها * تكاد شظاياه يطير بها الذعر</P>

<P dir=rtl align=center>و مذهولة من دهشة الخيل ابرزت * عشية لا كهف لديها و لا خدر</P>

<P dir=rtl align=center>تجاذبها أيدي العدو خمارها * فتستر بالأيدي إذا أعوز الستر</P>

<P dir=rtl align=center>سرت تتراماها العداة سوافرات * يروح بها مصر و يغدو بها مصر</P>

<P dir=rtl align=center>تطوف بها الأعداء في كل مهمة * فيجذبها قفر و يقذفها قفر</P>

<P dir=rtl><B>بطولات الشباب في كربلا</B></P>

<P dir=rtl>إذا كانت مطامح الشباب عيشا رغيدا و مستقبلا سعيدا حافلا بكل ألوان النعيم كما نشاهد و نرى فشباب كربلاء كانت كل امانيهم و مطامحهم صموداً في الأهوال و صبراً في البأساء و استشهاداً بحد السيوف ، و لم يكن لتلك الفتوة الغضة و الصبا الريان ان تهتم أو تفكر بما أعد لها من غضارة الدنيا و ما ينتظرها من صفو الحياة و لهوها و متعها بل كان كل همهم التطلع إلى أي سبيل من سبل الشهادة يعبرون و أي موقف من مواقف البطولات يقفون .</P>

<P dir=rtl>هناك و على مشارف العراق و في الطريق إلى كربلاء كان الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> يسير على رأس قافلة الشباب الأبطال متحديا أقوى سلطة و أبشع طغيان و أسوأ من عرفه التاريخ من الحاكمين متحديا كل ذلك بسبعين من الرجال و الشباب ليحطم بهذا العدد القليل قوى الشر و الطغيان و معاقل البغي و العدوان و ليعلم أبناء آدم كيف يموتون في سبيل العزة و الكرامة .</P>

<P dir=rtl>كان يسير أبو عبد الله على رأس تلك القافلة ممن اصطفاهم الله إلى الشهادة التي لم يجد وسيلة غيرها تحفظ لشريعة جده مما كان يخططه لها الحزب الأموي الحاكم الذي سخر جميع طاقات الامة و إمكانياتها و فئاتها للقضاء عليها.</P>

<P dir=rtl>كان يسير إلى الشهادة و من حوله عشرون شابا أو أكثر من بنيه و إخوته و أبناء أخيه الحسن السبط <B>( عليه السَّلام )</B> و أبناء أخته بطلة كربلاء و شريكته في الجهاد و التضحيات و أحفاد عمه عقيل بن أبي طالب و ما اسرع ان كبّر قائلا : الله أكبر ، و لم يكن الموقف موقف تكبير فلا بد و أن يكون تكبيرة لأمر ما أو لهم من همومه أراد ان يستنجد عليه بالله سبحانه و إذا كان للتكبير روعته مهما كانت دوافعه و أسبابه فما أحسب أن تكبيراً في تلك الساعة كان له من الروعة ما كان لتكبير الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> و هو منطلق في تلك الصحراء المديدة إلى الهدف الأسمى و الغاية العليا تحت سماء العراق الصافية . على رأس ذلك الركب كبّر الحسين فكانت تكبيرة لم يعرف التاريخ تكبيراً أكثر منها دويا ، تكبيرة اقتحمت تلك البيداء و مضت من صعيد إلى صعيد تهز النفوس و تثير الضمائر الحية و تحض على الظالمين و العابثين بتراث محمد و رسالته .</P>

<P dir=rtl>و ما كان لعلي الأكبر إبن العشرين الذي كان يسير إلى جنب أبيه إلا ان يسأل أباه لِمَ كبّرت يا أبتاه ؟ فقال له : لقد خفقت خفقة فعنّ لي هاتف و هو يقول : القوم يسيرون و المنايا تسير في اثرهم فعلمت ان نفوسنا نعيت الينا .</P>

<P dir=rtl>لقد كان جواب الحسين لولده موجزا و بكلمة واحدة لا مواربة فيها و لا تمويه انه الموت ينتظرنا على الطريق و سوف نموت و لا نستسلم للطغاة و لا نهادن الجور و التسلط على عباد الله و المستضعفين في الأرض ، مع انه لا سبيل لنا إلى استنهاض ثورة عارمة تدك عروش أولئك الطغاة بقوتها المادية تنتصر عليهم بقوة السلاح و كثرة الرجال .</P>

<P dir=rtl>ان سبيلنا الوحيد هو بين أيدينا و رهن ارادتنا و هو ان نكون وحدنا الثورة و من غير المعقول ان نتغلب بهؤلاء السبعين على ألوفهم ونهزم بهم سبعين الفا من رجالهم و لكن باستطاعتنا ان نقلب الدنيا على رؤوسهم إذا ضحينا و قتلنا في سبيل الإسلام و رسالته .</P>

<P dir=rtl>و كان الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> و هو يلقي كلماته هذه على ولده علي الأكبر إبن العشرين و أشبه الناس بجده الرسول الأمين خَلقا و خُلقا يريد ان يسمع رأي ولده الأكبر و لم ينتظر الإمام طويلاً حتى سمع جواب الشاب الذي بادره بقوله : يا أبتاه لا أراك الله سوءً أولسنا على الحق ، هذا هو القول الفصل عند علي بن أبي طالب و أبنائه شيوخاً و شباباً و القرار الأول و الأخير انهم يسعون إلى الحق و يعملون من أجله و يحاربون الباطل و حيث يكون الحق فهو هدفهم و غايتهم مهما كلفهم ذلك من جهود و تضحيات .</P>

<P dir=rtl>أولسنا على الحق يا أبتاه ؟ هكذا كان جواب الأكبر إبن العشرين لابيه ، و كان رد الحسين عليه السلام : بلى و الذي إليه مرجع العباد ، و ردَّ عليه ولده بقوله : اذن لا نبالي بالموت ما دمنا نموت محقين .</P>

<P dir=rtl>ان الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> لم يكن ينتظر من ولده غير هذا الجواب و لكنه لم يتمالك إلا ان يزهو بمثل هذه الروح التي يحملها شاب في مطلع شبابه فرد عليه قائلا : جزاك الله من ولد خير ما جزى ولداً عن والده .</P>

<P dir=rtl>ان علي الأكبر بكلماته هذه لم يكن يعبر عن نفسه و روحه خاصة بل كان يتكلم باسم الشباب العشرين من أحفاد أبي طالب و كان يعلن قرارهم الأخير الذي هاجروا من المدينة لاجله و كان في طليعة أولئك الشباب العشرين العباس بن علي اكبرهم سنا و كان الحسين يحبه حب الأخ لأخيه و الوالد لولده الوحيد و للعباس من المؤهلات و الصفات الفاضلة ما جعله محببا لكل عارفيه ، و كما تكلم الأكبر باسم الطالبيين جميعاً فقد تكلم العباس باسمهم بمناسبة أخرى و بنفس الروح و العزيمة و الاستهانة بالحياة التي كان يحملها الأكبر و ذلك عندما عرض عليه إبن ذي الجوشن الأمان لاتصال أمه أم البنين بنسبه فردَّ عليه العباس بعد أن أمره الحسين بالرد عليه قائلا : لعنك الله و لعن امامك أتؤمننا و إبن رسول الله لا أمان له ، و لقد كرروا تصميمهم على التضحية في سبيل الحق الذي يمثله الحسين مرة أخرى و ذلك عندما جمع الحسين أنصاره و أهل بيته و أذن لهم بالإنصراف و قال : ان القوم لا يريدون غيري و قد اذنت لكم بالإنصراف في ظلمة هذا الليل فاتخذوه جملاً و ليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ، و كان أول المتكلمين باسمهم جميعاً العباس بن علي فقال : و لِمَ نفعل ذلك ؟ لنبقى بعدك ؟ يا أبا عبد الله لا أراني الله ذلك ابدا ، و تتابعوا جميعاً على الكلام بنفس الروح و اللغة التي تكلم بها العباس .</P>

<P dir=rtl>و في اليوم العاشر من المحرم اليوم الحاسم الرهيب كان الشباب أحفاد أبي طالب يتسابقون إلى الموت بأرواحهم الطيبة السخية بالبذل و الفداء في سبيل الحسين ، و كما كان الأكبر يتكلم باسمهم و يعبر عما في نفوسهم و ضمائرهم فقد كان أول شهيد من أولئك الشباب الأبطال و حينما اقبل على المعركة قال :</P>

<P dir=rtl align=center>انا علي بن الحسين بن علي * نحن و بيت الله أولى بالنبي</P>

<P dir=rtl>و الله لا يحكم فينا إبن الدعي</P>

<P dir=rtl>و تناولته السيوف و الرماح بعد أن فتك بهم فتكا ذريعاً و قتل نحوا من مائتين من فرسانهم و أبطالهم الاشداء و أدى للبطولة حقها و للشهادة كرامتها و تتابع الطالبيون من بعده شاباً بعد شاب دفاعا عن الحق و العقيدة و كرامة الإنسان و مبادئ الإسلام مطمئنين بالمصير الذي أعد لهم و النصر المبين .</P>

<P dir=rtl>عشرون شاباً من نسل أبي طالب و أحفاد محمد بن عبد الله رفضوا الذل و الهوان و مشوا إلى الموت بأنوف شامخة و رؤوس مرفوعة عالية لحماية الإسلام من الوثنية و الجاهلية الرعناء التي حمل لوائها يزيد بن ميسون بعد أبيه معاوية و جده أبي سفيان عدو الإسلام الأكبر الذي ارغمه الإسلام على الإستسلام عام الفتح و وقف بين يدي محمد بن عبد الله ذليلاً يستجديه العفو و الصفح . مشوا إلى الموت يرددون مقالة جدهم أبي طالب و هو يخاطب أبا سفيان و حزبه يوم كانوا يطاردون النبي في مكة ويسومونه كل أنواع العسف و الجور و يساومون أبا طالب ليتخلى عنه و هو يقول لهم :</P>

<P dir=rtl align=center>كذبتم و بيت الله نخلِّي محمداً * و لما نطاعن دونه و نناضل</P>

<P dir=rtl align=center>و ننصره حتى نصرع حوله * نذهل عن ابنائنا و الحلائل</P>

<P dir=rtl>ان أبا طالب حينما أنشد هذين البيتين لم يقصد بهما نفسه و لا جيله من الهاشميين و الطالبيين بل كان يقصد بهما كل هاشمي من نسله و يناشد كل جيل من أحفاده ان يضحي بنفسه و بكل ما لديه عندما يرى رسالة محمد معرضة للتحريف و التزوير و الإستغلال كان يخاطبهم من وراء الغيب أينما وجدوا ليكونوا حماة لرسالة محمد و نهجه ، و هكذا كان فلقد نفذوا جميع وصاياه و ناضلوا و ضحوا بأنفسهم من أجلها حتى استشهدوا حول الحسين تاركين للعالم و للتاريخ صوراً ناصعة من الوفاء و دروساً غنية بالعطاء و المثل العليا تستلهم منها الأجيال كل معاني الخير و النبل و الفضيلة .</P>

<P dir=rtl>لقد نفذ احفاد أبي طالب كل وصاياه و وقفوا في وجه أولئك الجلادين و الفراعنة أحفاد أبي سفيان يناضلون و يدافعون عن رسالة محمد و تعاليم محمد بنفس الروح و العزيمة التي كان جدهما أبا طالب يدافع ويناضل بهما و يقول لابن أخيه :</P>

<P dir=rtl align=center>والله لن يصلوا اليك بجمعهم * حتى اوسد في التراب دفينا</P>

<P dir=rtl align=center>و لقد علمت بأن دين محمد * من خير أديان البرية دينا</P>

<P dir=rtl>ان أبا طالب الذي وقف إلى جانب الدعوة ودافع وناضل عنها و عن صاحبها بكل ما لديه من مال و جاه و قوة منذ أن بزغ فجرها و لم يتنازل عن مواقفه منها بالرغم من مغريات قريش و جبروتها و في الوقت ذاته كان يعلن بكل مناسبة بأن دين محمد من خير أديان البرية و يأمر بنيه ذويه بالسير على خطا باعثها و حاميها و إعتناق الإسلام ، ان أبا طالب صاحب هذه المواقف الكريمة الخالدة لقد مات كافرا و في ضحضاح من نار عند اخواننا أهل السنة و معاوية و أبا سفيان اللذين لم يفارقا الأصنام و لم يتنازلا عن وثنيتهما لحظة واحدة كما تؤكد ذلك مواقفهما من الإسلام و حماة الإسلام في عشرات المناسبات ، ماتا مسلمين مؤمنين و من عدول الصحابة . و عشرات الشواهد تدل على ان أبا طالب سلام الله عليه لا ذنب له عند الأمويين و رواتهم و محدثيهم إلا انه والد الإمام علي بن أبي طالب الذي ضعضع كبريائهم و داس عنصريتهم و وثنيتهم بقدميه في بدر و أحد و الأحزاب ، و فضح مخططاتهم في سيرته و سلوكه و سياسته ، و لو استطاعوا ان يلصقوا به الشرك لم يقصروا ، و مع ذلك فقد وضع لهم أبو هريرة و إبن جندب و كعب الأحبار و الزبيريون و إبن شهاب الزهري عشرات الأحاديث في ذمه و تجريحه و لعنوه على منابرهم نحواً من مائة عام و لكنهم كانوا بما اقترفوه في حقه كأنهم يأخذون بضبعه إلى السماء و كأنهم كانوا ينشرون جيف الحمير فيما وضعوه من الأحاديث في فضل بعض الصحابة و الأمويين على حد تعبير الشعبي و عبد الله بن عروة لولديهما .</P>

<P dir=rtl>و مهما كان الحال فستبقى مواقف أنصار الحسين و شباب كربلاء بالذات في سبيل الحق و المبدأ و العقيدة مثلا كريماً لكل ثائر على الظلم و الجور و الطغيان إلى حيث يشاء الله و سلام الله عليهم و على جدهم أبي طالب حين ولدوا و حين استشهدوا و حين يبعثون مع الأنبياء و الصديقين و شهداء بدر و أحد و رحمته و بركاته .</P>

<P dir=rtl>و نتمنى على شبابنا الذين ينشدون التحرر من الإستغلال و الإستعباد و تسلّط الحاكمين ان يرجعوا إلى تعاليم الإسلام و سيرة أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم من وثنية الأمويين و عنصريتهم و من كل ما هو غريب عن الإسلام و بعيد عنه و نتمنى عليهم ان يرجعوا ايضاً إلى مدرسة كربلاء ليقتدوا بشبابها الذين كانوا ثورة عارمة على الظلم و التسلط و الإستغلال و إستعباد الإنسان لأخيه الإنسان و سيجدون فيها و في الإسلام ما يغنيهم عن تلك المبادئ المستوردة من هنا و هناك و التي تنطوي على اسوأ أنواع التسلط و إستعباد الشعوب باسم الحرية و العدالة و الديمقراطية و ما إلى ذلك من الشعارات البراقة الجوفاء التي يتاجرون فيها لتضليل الشعوب و البريئين من الناس و منه سبحانه نستمد لهم الهداية و الوعي السليم ليدركوا ما تنطوي عليه تلك المبادئ من تضليل و هدم للقيم و الأخلاق و إستغلال للضعفاء انه قريب مجيب .</P>

<P dir=rtl>لقد اوصى الحسين أهل بيته بالصبر بعد ما استشهد جميع أصحابه و لم يبق معه إلا أولئك الشباب من ولده و ولد علي و جعفر و عقيل و الحسن السبط فاجتمعوا يودع بعضهم بعضاً و هم في مطلع شبابهم كالأسود الضواري و اثبت من الجبال الرواسي :</P>

<P dir=rtl align=center>كرام بأرض الفاخرية عرسوا * فطابت بهم أرجاء تلك المنازل</P>

<P dir=rtl align=center>اقاموا بها كالمزن فاخضر عودها * و أعشب من اكنافها كل ماحل</P>

<P dir=rtl align=center>زهت ارضها من شر كل شمردل * طويل نجاد السيف جلو الشمائل</P>

<P dir=rtl align=center>كأن لعزرائيل قد قال سيفه * لك السلم موفوراً و يوم الكفاح لي</P>

<P dir=rtl align=center>حموا بالظبي دين النبي و طاعنوا * ثباتا و خاضت جردهم بالجحافل</P>

<P dir=rtl align=center>و لما دنت اجالهم رحبوا بها * كأن لهم بالموت بلغة آمل</P>

<P dir=rtl align=center>عطاشي بجنب النهر و الماء حولهم * يباح إلى الوراد عذب المناهل</P>

<P dir=rtl align=center>فلم تفجع الأيام من قبل يومهم * بأكرم مقتولاً لالأم قاتل</P>

<P dir=rtl>و رحم الله من قال في وصفهم :</P>

<P dir=rtl align=center>هم القوم من عليا لوي بن غالب * بهم تكشف الجلى و يستدفع الضر</P>

<P dir=rtl align=center>يحيون هندي السيوف بأوجه * تهلل من لئلاء طلقها البشير</P>

<P dir=rtl align=center>يلفون احاد الالوف بمثلها * إذا حل من معقود راياتها نشر</P>

<P dir=rtl align=center>بيوم به وجه المنون مقطب * وحد المواضي باسم الثغر يفتر</P>

<P dir=rtl align=center>إذا اسود يوم النقع اشرقن بالبها * لهم اوجه و الشموس الوانها صفر</P>

<P dir=rtl align=center>و ما وقفوا في الحرب إلا ليعبروا * إلى الموت و الخطي من دونه جسر</P>

<P dir=rtl align=center>يكرون و الأبطال نكسا تقاعست * من الخوف و الأساد شيمتها الكر</P>

<P dir=rtl align=center>إلى ان ثووا تحت العجاج بمعرك * هو الحشر لا بل دون موقفه الحشر</P>

<P dir=rtl align=center>و ماتوا كراما تشهد الحرب انهم * اباة إذا الوى بهم حادث نكر</P>

<P dir=rtl align=center>إبا حسن شكوي اليك و انها * لواعج أشجان يجيش بها الصدر</P>

<P dir=rtl align=center>أتدري بما لاقت من الكرب و البلا * و ما واجهت بالطف ابناؤك إبن اؤك الغر</P>

<P dir=rtl align=center>أعزيك فيهم انهم وردوا الردى * بأفئدة ما بل غلتها قطر</P>

<P dir=rtl align=center>فكم نكأت منكم أمية قرحة * إلى الحشر لا يأتي على جرحها السبر</P>

<P dir=rtl align=center>فمن صبية قد أرضعتها أمية * ضروع المنايا و الدماء لها در</P>

<P dir=rtl align=center>فها هي صرعى و السهام عواطف * حنوا عليها و الرمال لها حجر</P>

<P dir=rtl align=center>و زاكية لم تلق في النوح مسعداً * سوى انها بالسوط يزجرها زجر</P>

<P dir=rtl align=center>و مذهولة من دهشة الخيل ابرزت * عشية لا كهف لديها و لا خدر</P>

<P dir=rtl align=center>تجاذبها أيدي العدو خمارها * فتستر بالأيدي إذا اعوز الستر</P>

<P dir=rtl align=center>سرت تتراماها العداة سوافراً * يروح بها مصر و يغدوا بها مصر</P>

<P dir=rtl align=center>تطوف بها الأعداء في كل مهمه * فيجذبها قفر و يقذفها قفر</P>

<P dir=rtl><B>بطلة كربلاء زينب بنت علي </B><B>( عليه السَّلام )</B></P>

<P dir=rtl>لقد تحدث الناس عن البطولات و الأبطال من النساء و الرجال المعروفين بالجرأة و الشجاعة و مقارعة الفرسان في المعارك التي كانت المرأة تقف فيها إلى جانب الرجل و تؤدي دورها الكامل بنفس الروح و العزيمة التي كان الأبطال يخوضون المعارك فيها ، و بلا شك فان أهل البيت <B>( عليهم السَّلام )</B> يأتون في الطليعة بين أبطال التاريخ ، و أن زينب إبنة علي و فاطمة تأتي في الطليعة بعد أبيها و إخوتها كما يشهد لها تاريخها الحافل بكل أنواع الطهر و الفضيلة و الجرأة و الصبر في الشدائد .</P>

<P dir=rtl>و ليس بغريب على تلك الذات العملاقة التي التقت فيها الأنوار الثلاثة : نور محمد و علي و فاطمة و من تلك الأنوار تكونت شخصيتها ان تجسد بمواقفها خصائص النبوة و الإمامة و أمها الزهراء التي امتازت بفضلها على نساء العالمين .</P>

<P dir=rtl>ان اللسان ليعجز و أن اللغة على سعة مفرداتها لتضيق عن وصفها و عن التعبير عما ينطوي عليه الإنسان من الشعور نحو المرأة الكبيرة و القدوة العظيمة إبنة علي و الزهراء التي عز نظيرها بين نساء العرب و المسلمين بعد أمها البتول سيدة نساء التي ابتسمت للموت حين بشرها به الرسول الأمين في الساعات الاخيرة من حياته و قال لها : أنت أول أهل بيتي لحوقا بي .</P>

<P dir=rtl>ان الالمام بحياة بطلة كربلاء في عهود الطفولة و الصبا و الأمومة و كيف نشأت طفلة و شابة برعاية أمها الزهراء و أبيها الوصي و في بيت زوج كريم من كرام أحفاد أبي طالب ، و بعد ان أصبحت أما لأسرة غذتها بتعاليم الإسلام و أخلاق أمها و أبيها يضطرنا إلى التطويل الذي يعرض القارىء للملل في الغالب ، و في الوقت ذاته فان الحديث عن بطولاتها التي لا تزال حديث الأجيال و التي تجلت في رحلتها مع أخيها تاركة بيتها تحث الخطا خلفه في رحلته إلى الشهادة لتعلم الرجال و النساء كيف يموتون في مملكة الجلادين يضع بين يدي القراء صورة كريمة عن ذلك الغرس الطيب و عن مراحل نموه حتى بلغ إلى هذا المستوى من النضوج و القدرة على الثبات والصمود في وجه تلك الأحداث التي لا يقوى على تحملها أحد من الناس .</P>

<P dir=rtl>ونمهما كان الحال فلعلنا بعد هذا الفصل نتوقف لإعطاء فكرة كافية عن ذلك الغرس الطيب و كيف نما و تكامل نموه حتى بلغ أشده و نهض بأعباء المسؤولية العظمى و أدى دوره الكامل عندما وقعت تلك المأساة الكبرى التي حلت بالعلويين و الطالبيين رجالاً و نساء على تراب كربلاء ، و كيف استطاعت ان تتحمل تلك الصدمة و تقوم بدورها الكامل بالحكمة و الصبر الجميل ذلك الدور الذي يمثل أسمى درجات البطولة و أغناها بالقيم و المثل العليا ، لعلنا بعد هذه اللمحات عن مواقفها في كربلاء نتحدث في فصل مستقل عن مراحل حياتها التي أهلتها لتلك المواقف التي لا تزال حديث الأجيال .</P>

<P dir=rtl>لقد ثبتت في ذلك الموقف كالطود الشامخ تاركة على تراب كربلاء آثار مسيرتها و مواقفها بين تلك الضحايا التي لا تزال حديث الأجيال و مثلاً كريما لكل ثائر على الظالم و الجور و للمرأة التي تعترضها الخطوب و الشدائد خلال مسيرتها في هذه الحياة .</P>

<P dir=rtl>لقد كان عويل النساء و صراخ الصبية و ضجيج المنطقة كلها بالبكاء و النياحة كفيلا بأن يهد أقوى الأعصاب و يخرس أفصح الالسنة و الخطباء و يقعد بأكبر الرجال و لو لم يكن يتصل بتلك الضحايا بنسب أو سبب ، فكيف بمن رأى ما حل بأهله و بنيه و إخوته و أبناء إخوته و عمومته و أحس بثقل المسؤولية و جسامتها ، و لكن إبنة علي ذلك الطود الأشم الذي كان أثبت من الجبال الرواسي في الشدائد كانت تجسد مواقف أبيها في كل موقف تتزلزل فيه أقدام الأبطال و بقيت ليلة العاشر من المحرم ساهرة العين تجول بين خيام إخوتها و أصحابهم و تنتقل من خيمة إلى خيمة و هم يستعدون لمقابلة ثلاثين ألف مقاتل قد اجتمعوا لقتال أخيها وبنيه و أنصاره و رأت أخاها العباس جالساً بين إخوته و أحفاد أبي طالب و هو يقول لهم : إذا كان الصباح علينا أن نتقدم للمعركة قبل أن يتقدم إليها الأنصار لأن الحمل الثقيل لا ينهض به إلا أهله .</P>

<P dir=rtl>و في طريقها إلى خيام الأنصار سمعت حبيب بن مظاهر يوصيهم بأن يتقدموا إلى المعركة حتى لا يرون هاشمياً مضرجاً بدمه ، و سمعت الأنصار يقولون : ستجدنا كما تريد و تحسب يا إبن مظاهر ، فانطلقت نحو خيمة أخيها الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> و هي تبتسم و قد غمرها السرور و طفا منه على وجهها اثر رد عليه لمحة من بهائه و صفائه و مضت تريد أخاها الحسين لتخبره بما رأت و سمعت من إخوتها و الأنصار و ما هي إلا خطوات حتى رأته مقبلاً فابتسمت له و تلقاها مُرحِّباً و قال لها : منذ أن خرجنا من المدينة ما رأيتك مبتسمة و لا ضاحكة فما الذي رأيت ، فقصت عليه ما سمعته من الهاشميين و أنصارهم و ظلت العقيلة ليلتها تلك ساهرة العين تنتقل من خيمة إلى خيمة و من خباء إلى خباء بين النساء و الأطفال و أخواتها حتى إذا أقبلت ضحوة النهار و سقط أكثر أنصار أخيها و من معه من بنيه و إخوته و أبناء عمه على ثرى الطف ، و رجع الحسين للوداع الأخير و زينب على جانبه كالمذهولة قال لها : مهلا أخيَّة لاتشقي علي جيبا و لا تخمشي علي وجها و لا تشمتي بنا الأعداء ، و أوصاها بالنساء و الأطفال ، فقالت له : طب نفسا وقر عينا فإنك ستجدني كما تحب إن شاء الله .</P>

<P dir=rtl>و لما سقط عن جواده صريعا أسرعت على مصرعه و صاحت تستغيث بجدها و أبيها و أوشكت الصرخة ان تنطلق من حشاها اللاهب عندما رأت رأسه مفصولا عن بدنه و السيوف و السهام قد عبثت بجسمه وقلبه و رأت إخوتها و بنيها و أبناء عمومتها من حوله كالأضاحي و معها قافلة من النساء و الأطفال و أمامها صفوف الأعداء تملأ صحراء كربلاء فرفعت يديها في تلك اللحظات الحاسمة نحو السماء لتند عن فمها عبقة من فيض النبوة و الخلود تناجي ربها و تتضرع إليه قائلة : اللهم تقبل منا هذا القربان .</P>

<P dir=rtl>و هكذا كان على العقيلة ان تنفذ وصية أخيها و تثبت في وجه تلك الأهوال و أن تحمل قلبا كقلب أبيها في غمار جولاته و تقف كالطود الشامخ في وجه أولئك الذين وقفوا إلى جانب يزيد بن ميسون و جلاّديه الممعنين في إنتهاك الحرمات و المقدسات و الذين باعوا ضمائرهم لأولئك الطغاة الجناة بأبخس الأثمان .</P>

<P dir=rtl>و يقطع الحادي الطريق من كربلاء إلى الكوفة و السبايا على أقتاب الجمال تتقدمهم رؤوس سبعين من الأنصار و عشرين من أحفاد أبي طالب بينهم رأس الحسين سيد شباب أهل الجنة ، و ما ان أطل موكب السبايا و الرؤوس و دنت طلائعه من مداخل الكوفة حتى ازدحم الناس في الطرقات و من على المشارف و النساء على سطوح المنازل و لم يكن نبأ مصرع الحسين قد انتشر في جميع أوساط الكوفيين و أشرفت إمرأة من على سطح بيتها فرأت نساء كالعاريات لولا أسمال من الثياب تقنعن بها فظنت المرأة إنهن من سبايا الروم أو الديلم و أرادت ان تستوثق لنفسها من الظن فطالما كانت ترى مواكب من سبايا الروم و الترك تمر بالكوفة لم تر مثل ما رأت على هذا الموكب من الحزن و اللوعة ، و لم تر قبل اليوم أسرى مع تلك المواكب من الصبيان يشدون بالحبال على أقتاب الجمال كما رأت في هذا الموكب فأدنت المرأة رأسها من إحدى السبايا و قالت لها : من أي الأسارى أنتن ؟ فردت عليها و الألم يقطع أحشاءها : نحن أسارى آل بيت محمد رسول الله .</P>

<P dir=rtl>و ما كادت المرأة تسمع قولها حتى خرجت مولولة معولة و كادت ان تسقط من على سطحها من هول الصدمة و التفتت إلى النساء اللواتي على سطوحهن و قالت : إنهن نساء أهل البيت ، فتعالى الصياح عند ذلك من كل جانب حتى ارتجت الكوفة بأهلها و لفَّت نواحيها صرخات متتالية كأنها العواصف في أرجائها و التفت النسوة بالموكب يقذفن عليه الارز و المقانع ليتسترن بها بنات علي و فاطمة عن أعين الناس و غصت الطرقات بالنساء و الرجال يبكون و يندبون فالتفتت إبنة علي و فاطمة إليهم ببصرها النافذ و قالت:</P>

<P dir=rtl>يا أهل الكوفة يا أهل الغدر و الختل و المكر أتبكون فلا رقأت الدمعة و لا هدأت الرنة انما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثاً و هل فيكم إلا الصلف و ملق الاماء و غمز الأعداء ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم ان سخط الله عليكم و في العذاب أنتم خالدون فابكوا كثيراً و اضحكوا قليلاً فلقد ذهبتم بعارها و شنارها بعد أن قتلتم سليل خاتم النبوة و معدن الرسالة و سيد شباب أهل الجنة .</P>

<P dir=rtl>و يسير الموكب متخطياً تلك الحشود من الرجال و النساء إلى قصر الإمارة ليضمها مجلس إبن مرجانة فتجلس متنكرة مطرقة يحف بها موكب النسوة في ذلك المجلس الذميم و هو ينظر إليها ببسمة الشامت المنتصر و يسأل من هذه المتنكرة فلا ترد عليه احتقاراً و ازدراءً لشأنه ، و أعاد السؤال ثانيا و ثالثاً فأجابته بعض امائها : هذه زينب إبنة علي ، فانطلق عند ذلك بكلمات تنم عن لؤمة و حقده و خسته قائلا : الحمد لله الذي فضحكم و أكذب أحدوثتكم ، فردت عليه غير هيابة لسلطانه و لا لجبروته ، قائلة : الحمد لله الذي اكرمنا بنبيه و طهرنا من الرجس انما يفتضح الفاسق و يكذب الفاجر و هو غيرنا ثكلتك امك يا بن مرجانة .</P>

<P dir=rtl>فقال لها و قد استبد به الحقد و الغضب : كيف رأيت صنع الله بأخيك و أهل بيتك ؟ قالت : ما رأيت إلا جميلاً ، أولئك قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم و سيجمع الله بينك و بينهم و تختصمون عنده و ستعلم لمن الفلج ثكلتك امك يا بن مرجانة .</P>

<P dir=rtl>و يأبى له حقده و صلفه الا ان يتناول قضيباً كان إلى جانبه ليضربها به ، و لكن عمرو بن حريث أحد جلاوزته نظر إلى الوجوه قد تغيرت على إبن مرجانة و ايقن ان عملاً من هذا النوع سيلهب المشاعر لاسيما و أن النفوس قد أصبحت مشحونة بالحقد و الكراهية و مهيأة للإنفجار بين الحين و الآخر لما حل بالحسين و بنيه و أصحابه فحال بين إبن مرجانة و ما اراد فرمى القضيب من يده و عاد يخاطبها بلغة الشامت الحاقد و يقول لها : لقد شفى الله قلبي من طاغيتك الحسين و العتاة المردة من أهل بيتك ، فبكت عند ذلك و قالت : لعمري لقد قتلت كهلي و قطعت فرعي و اجتثثت اصلي فان يكن في ذلك شفاؤك فقد اشتفيت .</P>

<P dir=rtl>ثم يأتيه البريد بكتاب يزيد يأمره ان يحمل السبايا و الرؤوس و الأطفال إلى قصر الخضراء في دمشق عاصمة الجلادين ، و يسير الحداة بموكب السبايا إلى حيث إبن ميسون في اعتساف و ارهاق في الليل و النهار ليقطع موكب الرؤوس و السبايا مسافة ثلاثين يوما في عشرة أيام ، و يضم العقيلة مجلس يزيد و رأس الحسين بن علي و الزهراء بين يديه ينكت ثناياه بمخصرته و يتمثل بقول القائل :</P>

<P dir=rtl align=center>ليت اشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل</P>

<P dir=rtl align=center>لأهلوا و استهلوا فرحاً * ثم قالوا يا يزيد لا تشل</P>

<P dir=rtl align=center>لعبت هاشم بالملك فلا * خبر جاء و لا وحي نزل</P>

<P dir=rtl align=center>لست من خندف ان لم أنتقم * من بني أحمد ما كان فعل</P>

<P dir=rtl>و كان على زينب و قد رأته بتلك الحالة فرحا مسروراً يتمثل بهذه الأبيات التي تعبر عن حقده و تعصبه لجاهلية جده و أبيه و وثنيتهما و يعبث بثنايا أبي عبد الله الحسين بمخصرته ان تتكلم بين تلك الحشود المجتمعة في مجلسه لتحرق دنيا سروره و فرحه بكلماتها التي كانت أشد وقعا عليه من الصواعق أمام الكثيرين ممن كانوا يجهلون مكانة الأسرى و لا يعرفون عنهم شيئا في جو تلك الأحداث و افتتحت كلامها بعد حمد الله بقولها : أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض و آفاق السماء و أصبحنا نساق كما تساق الأسارى أن بنا على الله ه و أنا و بك عليه كرامة ، و مضت في حديثها و أبصار تلك الحشود المحيطة بيزيد شاخصة إليها تذكرهم بمنطق أبيها و مواقفه بين المعسكرين في صفين حينما كان يخاطب معاوية و حزبه و يناشدهم الرجوع عن غيهم و ضلالهم إلى حظيرة الإسلام و عدالته السمحاء .</P>

<P dir=rtl>و مضت تقول : أمن العدل يا إبن الطلقاء تخديرك اماءك و حرائرك ، و سوقك بنات رسول الله سبايا قد هتكت ستورهن و أبديت وجوههن تحدو اليهن الأعداء من بلد إلى بلد و يستشرفهن أهل المناهل و المعاقل يتصفح وجوههن القريب و البعيد و الدني و الشريف و تتمنى حضور آباءك قائلا :</P>

<P dir=rtl align=center>ليت اشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل</P>

<P dir=rtl align=center>لأهلوا و استهلوا فرحا * ثم قالوا يا يزيد لا تشل</P>

<P dir=rtl>منحنيا على ثنايا أبي عبد الله سيد شباب أهل الجنة تنكتها بمخصرتك و سَتَرِدَنَّ وشيكا موردهم و توَدَّن أنك شللت و بكمت و لم تكن قلت ما قلت و فعلت ما فعلت ، و مضت في خطابها توجه إليه اسوأ أنواع التحقير و التقريع حتى سيطرت على المجلس بمنطقها و أسلوبها الرائع ، و راح الناس يتهامسون و يتلاومون و بكى بعضهم لهول المصاب و جسامته .</P>

<P dir=rtl>و استطردت العقيلة تقول : و لئن جرت علي الدواهي مخاطبتك اني لأستصغر قدرك و أستعظم توبيخك ، ألا فالعجب العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء .</P>

<P dir=rtl>لقد دخلت زينب إبنة علي و فاطمة إلى عاصمة الجلادين برسالتها رافعة صوتها إلى كل من لهم عهد مع أهل هذا البيت و كل من آمنوا برسالة محمد في عصر و جيل و أرض و وراءها قافلة من الأسرى و صفوف العداء من أمامها تملأ الافق و تسد طريقها و كانت مسؤوليتها التاريخية الكبرى هي إكمال الرسالة و اتمام المسيرة و لسانا لمن قطعت ألسنتهم سيوف الجلادين و دخلت مدينة الجريمة عاصمة القهر و البطش و التنكيل بالابرياء و هناك رفعت صوتها المدوي في أعماق التاريخ لتقول لابن ميسون مستخفة به بكل ما في الإستخفاف و الإحتقار من معنى .</P>

<P dir=rtl><B>و لئن جرت على الدواهي مخاطبتك اني لاستصغر قدرك</B></P>

<P dir=rtl>انها الدواهي التي لا تترك للإنسان رأيا و لا اختياراً و تسيطر على كل مشاعره و أحاسيسه هي التي فرضت عليّ ان أخاطبك يا بن ميسون و يا ربيب الشرك و الوثنية و لولا تلك الدواهي الجسام لما خاطبتك و لا يمكن لذكرك ان يمر في خاطري و لو بما هو فيك ما صلف و خسة و نزق و وحشية . هذا الذي تعنيه بطلة كربلاء بقولها لذلك الجبار الأحمق الذي تمنى حضور أشياخه من أمية و مشركي مكة ليشاهدوا رأس الحسين بين يديه و ليشاطروه الفرح و السرور و هو ينكت ثناياه بمخصرته ، هذا الذي كانت تعنيه من قولها و لئن جرت على الدواهي مخاطبتك و حضور مجلسك .</P>

<P dir=rtl>ان مأساة العقيلة إبنة علي و الزهراء تشكل الشطر الثاني من مأساة أخيها الحسين فمن صبر لا يطيقه أحد من الناس إلى رعاية تلك القافلة من السبايا و الأيتام و نضال دون البقية الباقية من آل الرسول و احتجاج و خطب و استنكار لسحق القيم و كرامة الإنسان و محو الرسالة من الأذهان و متابعة المسيرة التي قام بها أخوها الحسين و بهذا و ذاك لقد ألبت المسلمين على الطغاة و الظالمين و ضعضعت كبرياء الحاكمين المستبدين و خلدت ذكرى تلك المعركة التي اقلقت آل أمية و غيرهم من الظلمة و فراعنة العصور و خطت هي و إخوتها بأحرف من النور الوهاج الذي يبدد ظلمات الليل البهيم على تراب كربلاء و في كل موقف وقفوه مع أولئك الجبابرة و الجلادين .</P>

<P dir=rtl><B>ان دولة الباطل ساعة و دولة الحق إلى قيام الساعة</B></P>

<P dir=rtl>لقد شاركت أخاها الحسين في جميع مواقفه من الظالمين و رجعت من كربلاء حاملة لرسالة أبيها و أخيها لتبلغها للأجيال من الرجال و النساء من الأجيال في كل أرض و زمان بالرغم من ضجيج الجلادين و وعيدهم و كانت القدوة التي تعلم الأجيال من سيرتها و بطولاتها معاني الرجولة . و تعلِّم النساء كيف يتخلصن من فتن الاغراءات الخبيثة التي تلد من حولهن و من دهاليز الحضارة الجديدة التي تقتحم العصور بمفاتنها و مغرياتها لتستل منها اخلاقها و معتقداتها و أعرافها .</P>

<P dir=rtl>فأين من زينب و أخوات زينب نساءنا و بناتنا الضائعات في تلك المتاهات ايمانا و عزيمة و صبراً في الشدائد و الأهوال و تمسكا بالقيم و تعاليم الإسلام و الأخلاق الكريمة الفاضلة .</P>

<P dir=rtl>و أين من الحسين و أنصاره من يدعون التشيع للحسين و أبيه و أبنائه ، و قد باعوا انفسهم لمن يحملون روح يزيد و معاوية بأبخس الأثمان كما باعها أسلافهم لمعاوية و أمثال معاوية من الحاكمين و الجلادين من قبل .</P>

<P dir=rtl>ان الأحداث الجسام التي اعترضت حياة العقيلة إبنة علي و الزهراء في معركة كربلاء و ما تلاها من المواقف ألفتت إليها الأنظار و جعلتها في طليعة الأبطال و من شركاء الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> في جميع مواقفه من أولئك الطغاة ، فتحدث عنها المؤرخون و أصحاب السير في مجاميعهم و الكتاب المحدثون في مؤلفاتهم ، و أشاد الخطباء بفضلها و مواقفها من على المنابر و نظم الكثير من الشعراء القصائد الرنانة في وصف احزانها و أشجانها و صبرها و ثباتها و نذكر على سبيل المثال ما جاء في وصف حالتها من قصيدة لأحد شعراء الطف السيد محمد حسين الكشوان رحمه الله يقول فيها :</P>

<P dir=rtl align=center>أهوت على جسم الحسين و قلبها * المصدوع كاد يذوب من حسراتها</P>

<P dir=rtl align=center>وقعت عليه تشم موضع نحره * و عيونها تنهل في عبراتها</P>

<P dir=rtl align=center>ترتاع من ضرب السياط فتنثني * تدعو سرايا قومها و حماتها</P>

<P dir=rtl align=center>اين الحفاظ و هذه أشلاؤكم * بقيت ثلاثاً في هجير فلاتها</P>

<P dir=rtl align=center>اين الحفاظ و هذه فتياتكم * حملت على الأقتاب بين عداتها</P>

<P dir=rtl align=center>و مخدرات من عقائل أحمد * هجمت عليها الخيل في أبياتها</P>

<P dir=rtl align=center>حملت برغم الدين و هي ثواكل * عبرى تردد بالشجى زفراتها</P>

<P dir=rtl>و له من قصيدة أخرى في وصفها عندما شاهدت أخاها صريعا على ثرى الطف و قد عبثت سيوف الأعداء و رماحهم بجسمه و أعضائه :</P>

<P dir=rtl align=center>و هاتفة من جانب الخدر ثاكل * بدت و هي حسرى تلطم الخد باليد</P>

<P dir=rtl align=center>يؤلمها قرع السياط فتنثني * تحن فيشجي صوتها كل جلمد</P>

<P dir=rtl align=center>و سيقت على عجف المطايا اسيرة * يطاف بها في مشهد بعد مشهد</P>

<P dir=rtl align=center>سرت تنهاداها علوج أمية * فمن ملحدٍ تهدي إلى شر ملحدِ</P>

<P dir=rtl>و رحم الله هاشم الكعبي الذي هيمن عليه الولاء لأهل البيت و انتقل به من عالمه و دنياه إلى عالم الثواكل في كربلاء فشعر بشعورهن و أحس بأحاسيسهن حتى أصبح مثلهن ثاكلاً يندب و ينوح بعبرات تحيي الثرى و زفرات تدع الرياض همودا فقال في وصف زينب و أخواتها بعد أن إنجلت المعركة عن تلك المجزرة الرهيبة :</P>

<P dir=rtl align=center>و ثواكل في النوح تُسعد مثلها * أ رأيت ذا ثكل يكون سعيداً</P>

<P dir=rtl align=center>ناحت فلم تر مثلهن نوائحا * اذ ليس مثل فقيدهن فقيدا</P>

<P dir=rtl align=center>لا العيس تحكيها إذا حنت و لا * الورقاء تحسن عندها الترديداً</P>

<P dir=rtl align=center>ان تنع اعطت كل قلب حسرة * أو تدع صدعت الجبال الميدا</P>

<P dir=rtl align=center>عبراتها تحي الثرى لو لم تكن * زفراتها تدع الرياض همودا</P>

<P dir=rtl align=center>و غدت اسيرة خدرها إبنة فاطم * لم تلق غير اسيرها مصفودا</P>

<P dir=rtl align=center>تدعو بلهفة ثاكل لعب الأسى * بفؤاده حتى انطوى مفؤدا</P>

<P dir=rtl align=center>تخفي الشجا جلداً فان غلب الأسى * ضعفت فأبدت شجوها المكمودا</P>

<P dir=rtl align=center>نادت فقطعت القلوب بشجوها * لكنما انتظم البنيان فريدا</P>

<P dir=rtl align=center>انسان عيني يا حسين أخي * يا املي و عِقد جماني المنضودا</P>

<P dir=rtl><B>ما بعد مجزرة كربلاء</B></P>

<P dir=rtl>لقد احدثت تلك المجزرة هزة عنيفة في العالم الإسلامي لم يعرف المسلمون في تاريخهم الحافل بالأحداث أعنف منها أو مثلها و لا حادثا من الأحداث كان له من الآثار العميقة في النفوس و العقائد و الحياة السياسية و الإجتماعية و الأدبية ما كان لمجزرة كربلاء .</P>

<P dir=rtl>لقد تركت تلك المجزرة صدمة في نفوس المسلمين لم يحدث التاريخ بمثلها و ألهبت مشاعر المسلمين و لا تزال ذكراها تلهب المشاعر و تثير الأحاسيس حتى يومنا الحالي و ستبقى لها تلك الآثار ما دام التاريخ و أصبح التشيع بعدها عقيدة ممزوجة بالدماء متغلفة في النفوس بعد أن كان عقيدة هامدة تنقصها الحماس و شتان بين العقيدة الهامدة و العقيدة الممزوجة بالحماس و الدماء ، و غدت ذكرى تلك المجزرة الرهيبة الملطخة بدماء آل بيت الرسول كافية لأن تثير عاطفة الحماس و الحزن في قلوب الناس في مختلف العصور و منبعاً لكل ما يلهب النفوس و حتى للأخيلة و الاقاصيص .</P>

<P dir=rtl>و لا أحسب ان في كل ذلك شيئا من الغلو و الغرابة لأن المسلمين على ما بينهم من خلافات في النزعات و الإتجاهات يقدِّرون للحسين <B>( عليه السَّلام )</B> مكانته من الإسلام و صلاته بجده صاحب الرسالة و قد سمعوا منه الكثير الكثير مما كان يقوله فيه و في أخيه الحسين و كيف كان يعامله في مجالسه العامة و الخاصة ، و رأوه أحيانا و كأن الغيب قد تكشف له عن مصيره يبكي لحالة و لما يجري عليه ، و كانوا يبكون لبكائه ، فليس بغريب إذا ألهب مصرعه على النحو الذي وقع عليه المشاعر و أرهف الأحاسيس و أطلق الألسن و ترك في نفوس المسلمين أثراً حزينا دامياً يجمع القلوب حول هذا البيت المنكوب :</P>

<P dir=rtl align=center>و أي رزية عدلت حسينا * غداة تبينه كفا سنان</P>

<P dir=rtl>نعم ليس بغريب إذا استعظم الناس على إختلاف ميولهم و نزعاتهم هذا التنكيل الشائن بعترة الرسول الأمين <B>( صلى الله عليه و آله ) </B>و سلالته و فلذات كبده و قرة عينه و رأوا فيه كفرانا لحقه و تعريضا لغضبه و امتهانا لكرامته و قال قائلهم:</P>

<P dir=rtl align=center>ماذا تقولون اذ قال النبي لكم * ماذا فعلتم و أنتم آخر الامم</P>

<P dir=rtl align=center>بعترتي و بأهلي بعد مفتقدي * نصفٌ أسارى و نصفٌ ضرجوا بدم</P>

<P dir=rtl align=center>ما كان هذا جزائي اذ نصحت لكم * ان تخلفوني بشرٍ في ذوي رَحِم</P>

<P dir=rtl>فبهذا و أمثاله قالت النائحات في جميع العواصم و البلاد الإسلامية يندبن الحسين و من قتل معه من بنيه و إخوته و أنصاره و يبكن لمصارعهم و ما جرى لهم من حفيد هند و أبي سفيان و جلاّديه و انطلقت الألسن الشاعرة ترثيه و تصور أسف النبي<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>و هو في قبره و حزنه العميق على سبطه و احتجاجه على أمته التي لم تحفظ له حقاً و ترع له حرمة و تلقي على الأمويين مسؤلية جريمتهم و مروقهم من الدين و انتهاكهم لجميع الحرمات و المقدسات .</P>

<P dir=rtl>لقد هال الناس هذا الحادث الجلل حتى الأمويين انفسهم ، فأقضَّ المضاجع و أذهل العقول و ارتسم في الأذهان حتى أصبح الشغل الشاغل للجماهير و حديث النوادي و مسرحا خصباً للتخيلات و ادعى الناس في المدينة غيرها ان الجن كانت تنوح على الحسين و انهم سمعوا هاتفا يقول كما جاء في الطبري و إبن الاثير :</P>

<P dir=rtl align=center>ايها القاتلون جهلا حسينا * ابشروا بالعذاب و التنكيل</P>

<P dir=rtl align=center>كل أهل السماء يدعو عليكم * من نبي و ملاك و قبيل</P>

<P dir=rtl align=center>قد لُعنتم على لسان بن داود * و موسى و صاحب الإنجيل</P>

<P dir=rtl>و راحوا يتصورون لمدة شهرين أو أكثر كأن الحيطان ملطخة بالدماء ساعة تطلع الشمس حتى ترتفع كما نص على ذلك الطبري في تاريخه .</P>

<P dir=rtl>و رووا عن النوار زوجة خولي بن يزيد الاصبحي انها قالت لزوجها ليلة دخل الكوفة برأس الحسين و أدخله عليها : لقد جاء الناس بالذهب و الفضة و جئتني برأس الحسين ، و كان قد وضعه تحت اجانة في صحن الدار فقامت من فراشها غضبى و خرجت إلى الدار فرأت نوراً يسطع مثل العمود من السماء إلى الاجانة و طيوراً بيضاء تتهاوى من السماء و ترفرف حولها .</P>

<P dir=rtl>كما استغل الشعراء هذا الحادث المفجع فرووا حوله شتى الأحاديث و صاغوها بألوان شعرية دامية يصدرها قلب مكلوم ثائر حزين يدعو إلى الثورة العارمة بعنف و صرامة و يسجل تلك الأحزان العلوية بأسف و لوعة مناديا يالثارات الحسين و غلبت على الأدب الشيعي و الشعر الشيعي و بخاصة العراقي منه هذه النزعة الحزينة الباكية ، و غدوا أمام ادب تبعثه عاطفتان بارزتان عاطفة الحزن و عاطفة الغضب تصدره الأولى حزينا باكيا و تبعثه الثانية قويا ثائراً و من هذه النماذج التي حفظها لنا تاريخ تلك الفترة ما رواء الرواة عن عبد الله بن الحر الجعفي ، الذي زار المعركة بعد أيام من حدوثها و هو يتلوى اسفا ولوعة ويتمنى لو انه وفق لنصرته و ال إستشهاد بين يديه و أنشد على قبر الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> :</P>

<P dir=rtl align=center>يقول أمير غادر حق غادر * الا كنت قاتلت الحسين بن فاطمة</P>

<P dir=rtl align=center>فيا ندمي ألا اكون نصرته * الا كل نفس لا تسدد نادمة</P>

<P dir=rtl align=center>و اني لاني لم أكن من حماته * لذو حسرة ما ان تفارق لازمة</P>

<P dir=rtl align=center>سقى الله ارواح الذين تآزروا * على نصره سقيا من الغيث دائمة</P>

<P dir=rtl align=center>وقفت على أجداثهم و مجالهم * فكاد الحشى ينقض و العين ساجمة</P>

<P dir=rtl align=center>لعمري لقد كانوا مصاليت في الوغى * سراعا إلى الهيجا حماة خضارمة</P>

<P dir=rtl align=center>تأسوا على نصر إبن بنت نبيهم * بأسيافهم اساد غيل ضراغمة</P>

<P dir=rtl align=center>و ما ان رأى الراؤن افضل منهم * لدى الموت سادات و زهرا قماقمة</P>

<P dir=rtl align=center>أتقتلهم ظلما و ترجو ودادنا * فدع خطة ليست لنا بملائمة</P>

<P dir=rtl align=center>لعمري لقد راغمتمونا بقتلهم * فكم ناقم منا عليكم و ناقمة</P>

<P dir=rtl align=center>أهُمُّ مِراراً ان أسير بجحفل * إلى فئة زاغت عن الحق ظالمة</P>

<P dir=rtl align=center>فكفوا و الا زرتكم بكتائب * اشد عليكم من زحوف الديالمة</P>

<P dir=rtl>و من هؤلاء الذين أحسوا بأخطار تلك الجريمة النكراء رضي بن منقذ العبدي فقال :</P>

<P dir=rtl align=center>و لو شاء ربي ما شهدت قتالهم * و لا جعل النعماء عندي إبن جابر<B><B>[2]</B></B></P>

<P dir=rtl align=center>لقد كان ذاك اليوم عارا و سبة * تعيره الأبناء بعد المعاشر</P>

<P dir=rtl align=center>فيا ليت اني كنت من قبل قتلة * و يوم حسين كنت في رمس قابر</P>

<P dir=rtl>لقد أحس المسلمون على إختلاف ميولهم و اتجاهاتهم بالندم و الخيبة لخذلانه و عدم مناصرته ، و حتى الذين قاتلوه و قادوا المعركة ضده كانوا يبكون و يندبون مصيرهم السيء فقد جاء عن عمر بن سعد الذي قاد تلك المعركة انه كان يقول : لا تسل عن حالي فانه لم يرجع غائب عن منزله بأشر مما رجعت به فلقد قطعت القرابة القريبة و ارتكبت الأمر العظيم و حتى ان يزيداً بكى وندم على قتله و كلما ذكر الحسين كان يقول : و ما عليّ لو احتملت الأذى و أنزلت الحسين معي في داري و حكمته فيما يريد و أن كان علي وهن في سلطاني حفظاً لرسول الله و رعاية لحقه و قرابته من رسول الله لعن الله إبن مرجانة فانه اضطره و قد سأله ان يضع يده في يدي أو يلحق بثغر من الثغور حتى يتوفاه الله فلم يجبه إلى ذلك فبغضني إلى قلوب المسلمين بقتله و زرع لي في قلوبهم العداوة فأبغضني البر و الفاجر مالي و لابن مرجانة لعنه الله و غضب عليه.</P>

<P dir=rtl>و حينما علم ملك الروم بتلك المجزرة غضب لذلك و كتب إلى يزيد كتاباً جاء فيه : لقد قتلتم نبيا أو إبن نبي ظلما و عد و أنا على حد تعبير البيهقي في كتابه المجالس و الجسادي ، و قال عثمان بن زياد شقيق عبيد الله : و الله لوددت انه ليس من بني زياد رجل الا و في انفه خزامة إلى يوم القيامة و أن حسينا لم يقتل .</P>

<P dir=rtl>و إلى جانب تلك الآثار السيئة النفسية التي خلفتها تلك المجزرة الرهيبة في نفوس الجماهير المسلمة ، فلقد كان لها أعظم الاثر في تقويض الدولة الأموية و عدم الإطمئنان إليها و استغلها أعداء أهل البيت كابن الزبير و أمثاله و جعل يندد على يزيد و الأمويين و يرثي الحسين و أصحابه و يلعن اهل الكوفة لخذلانهم اياه و يزيد بن معاوية و جميع من اشترك في قتاله و يقول : أبعد الحسين نطمئن إلى هؤلاء القوم و نصدق لهم قولا ، اما و الله لقد قتلوه طويلاً بالليل قيامه كثيراً بالنهار صيامه أحق بما هم فيه منهم و أولى في الدين و الفضل .</P>

<P dir=rtl>لقد استغل إبن الزبير مصرع الحسين و راح يندبه و يتباكى عليه في حين لم يكن في العالم الإسلامي أحد أثقل عليه من الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> و لم يكن معاوية و يزيد ابنه أشد عداء للبيت العلوي من إبن الزبير و كان ذلك معروفاً لدى عامة المسلمين لأن مواقفه من أمير المؤمنين و تحريضه عليه في البصرة و سواها لا تزال ماثلة لهم و بالإضافة إلى ذلك فلقد اشترك هو و طلحة في التغرير بعائشة و أخرجاها من البيت الذي أمرها الله ان تقر فيه إلى البصرة لتقود المعركة ، و قد قال فيه و في أبيه أمير المؤمنين : ما زال الزبير منا أهل البيت حتى خرج ولده عبد الله ، و كان وجود الحسين في مكة حائلا بينه و بين الإتصال بالناس و قال له إبن عباس بعد أن يئس من اقناع الحسين بعدم التوجه إلى العراق : قرت عينك يا إبن الزبير بخروج الحسين إلى العراق .</P>

<P dir=rtl>لقد أقر الحسين عين الزبير وهيأ له بخروجه من مكة المناخ المناسب لغرس أطماعه و لم يبق على الساحة غيره فالتف حوله المكيون و غيرهم و بخاصة بعد تلك المجزرة التي ادمت قلوبهم و ألهبت مشاعرهم و أصبحوا يدركون ان الأخطار باتت تهددهم و تطاردهم من كل جانب و مكان .</P>

<P dir=rtl>لقد كان موقف إبن الزبير من مصرع الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> أشبه ما يكون بموقف معاوية من مصرع عثمان بن عفان و هما كما يبدو من تاريخهما من معدن واحد في الدجل و النفاق و الإجرام و إستعمال الدين غشاء للتضليل و التمويه عندما تدعو الحاجة ، لقد كان إبن هند يتمنى ان يقتل عثمان خلال ثورة المهاجرين و الأنصار عليه و يعمل بكل ما لديه من وسائل الإجرام من أجل ذلك ليتخذ من قتله أداة للتشنيع على علي <B>( عليه السَّلام )</B> و المطالبة بالخلافة و كان يتمنى لعائشة أن تقتل في البصرة ليشنع بقتلها على أمير المؤمنين كما صارحها بذلك خلال زيارته للمدينة بعد أن تم له الإستيلاء على السلطة .</P>

<P dir=rtl>اما إبن الزبير فلم يكن شيء من الدنيا أحب إليه من خروج الحسين من مكة إلى العراق و من المصير الذي انتهى إليه و كان يرغبه في الخروج إلى العراق و الاستجابة لطلب أهل الكوفة بأسلوب مليء بالمكر و الدهاء و حينما بلغه نبأ مقتله و وجد المسلمين على ما بينهم من خلاف في الاتجاهات يتململون لما جرى عليه و يندبونه و يلعنون أمية و أشياعها طابت نفسه و اطمأن لمصيره و راح يتباكى على الحسين و يردد فضله و ما جرى عليه في مجالسه و اجتماعاته و يندد بالأمويين و جرائمهم تجاوباً مع شعور الجماهير و رغباتهم دجلاً و نفاقا ليعبر من وراء ذلك إلى السلطة التي كان يتمناها و استطاع بهذا الأسلوب الماكر ان يستحوذ على العدد الأكبر من مسلمي الحجاز الذين كانوا يبحثون عن بديل للأمويين و أصبح الناس يقولون ، كما جاء في رواية الطبري : ليس لها بعد الحسين غير إبن الزبير و تمت له البيعة في الحجاز بسبب ما جرى للحسين و بنيه و إخوته و أسرته من قتل و تمثيل و سبي و امتهان لعترة الرسول و كرامته و توالت الإنتفاضات في مختلف انحاء العالم الإسلامي ضد الأمويين و أنصارهم و شعار الثائرين فيما بينهم من خلاف في الاتجاهات يا لثارات الحسين .</P>

<P dir=rtl>ولم تخمد ثورة في مكان إلا لتقوم ثورة أخرى في مكان آخر بسواعد الشيعة و شعارهم الوحيد يا لثارات الحسين .</P>

<P dir=rtl>لقد كانت تلك المجزرة ذا حدين استفاد منها أعداء الحسين كابن الزبير الذي استغلها في الحجاز للتشهير بيزيد و الأمويين و جعل يتباكى و يتظاهر بالحزن على الحسين و أصحابه حتى اجتمع الناس عليه و التفوا حوله ، كما ايقظت شيعة الحسين و جعلتهم يشعرون بأخطائهم و تقصيرهم و تخاذلهم عنه و عن أبيه و أخيه و انضمت إليهم جميع العناصر المناوئة للأمويين من الموالي و غيرهم و اتفقوا جميعاً على صيحة واحدة تستر وراءها اغراضهم المختلفة يا لثارات الحسين ، فكان لهذه الصيحة الصدى الواسع في جميع الأوساط الإسلامية الذي اقلق الظالمين و زعزع عروشهم و قوض دعائم دولتهم في المشرق العربي و أصبحوا لعنة على لسان الأجيال إلى قيام يوم الدين وباء الحسين وحده بالفخر الذي لا فخر مثله في تاريخ بني الإنسان و حسبه انه وحده في هذه الدنيا الشهيد بن الشهيد و أب للمئات من الشهداء و القدوة لكل ثائر على الظلم و الظالمين و فراعنة العصور في كل مكان و زمان .</P>

<P dir=rtl><B>لمحات عن حياة العقيلة قبل معركة كربلا</B></P>

<P dir=rtl>بعد هذه اللمحات عن مواقفها من معركة كربلاء و ما تلاها من الأحداث الجسام التي صمدت فيها العقيلة كالطود الشامخ وضعضعت كبرياء أولئك الجلادين و قلبت الدنيا على رؤوسهم ، و قبل الحديث عن مرقدها أرى من الوفاء لحقها العظيم عليّ و على كل من آمن برسالة جدها و أبيها و أخويها التي كانت تجسدها في جميع مواقفها من الطغاة و الحاكمين ان نشير و لو بصورة موجزة عن المراحل التي مرت بها في صباها و شبابها و أمومتها تلك المراحل التي أهلتها و أعدتها لأن تكون في عداد العظماء من أبطال التاريخ و من طلائعهم بعد أبيها و إخوتها .</P>

<P dir=rtl>لقد كانت ولادتها في مطلع جمادي الأولى من السنة الخامسة لهجرة جدها من مكة إلى المدينة كما جاء في بعض المرويات ، و جاء في بعضها ان ولادتها كانت في مطلع شعبان من السنة السادسة بعد أخويها الحسن و الحسين <B>( عليهما السَّلام )</B> ، و لما ولدت جاءت بها أمها الزهراء إلى أبيها و قالت له : سمِّها يا أبا الحسن ، فقال : ما كنت لأسبق جدها رسول الله في تسميتها و كان غائباً عن المدينة يومذاك ، و لما رجع من سفره سأله أمير المؤمنين عن اسمها ، فقال ـ على حد تعبير الراوي ـ : ما كنت لأسبق خالقها في اسمها ، فهبط عليه الأمين جبرائيل و قال له : ان الله قد اختار لها اسم زينب ، و أخبره كما يدعي الراوي بما يجري عليها من المصائب فبكى النبي<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>و قال : من بكى لمصاب هذه كان كمن بكى لمصاب أخويها الحسن و الحسين .</P>

<P dir=rtl>و كانت تكنى كما يدعي الشيخ فرج القطيفي في كتابه المرقد الزينبي بأم كلثوم و أم الحسن ، و تلقب بالصديقة الصغرى و عقيلة بني هاشم على لسان جماعة و على لسان آخرين عقيلة الطالبيين إلى غير ذلك من الصفات الفاضلة التي تغلب على الإسم أحيانا .</P>

<P dir=rtl>لقد ولدت الحوراء زينب في بيت لا شيء فيه من متع الدنيا و لهوها و زخرفها و رأت النور في ذلك البيت الطاهر الذي ضم أباها سيد الوصيين و أمها سيدة نساء العالمين و أخويها ريحاتني رسول رب العالمين .</P>

<P dir=rtl>ولدت في بيت كان النبي لا يشغله عنه شاغل و لا ينساه في ليله و نهاره و كلَّما دخله يقبّل من فيه من أحفاده و يشمهما و يبتسم لهما و ينعم فيه بالسكينة و الإطمئنان ، في ذلك البيت ولدت الحوراء و رضعت من ثدي الطهر و الفضيلة بضعة الرسول الأعظم و درجت مع اخويها سيدي شباب أهل الجنة و أخذت العلم عن أبيها باب مدينة العلم و رأت جدها الرسول ممثلا في أمها فاطمة بجميع صفاته و مزاياه ، و حينما فقدت أمها في السنة السادسة من عمرها قالت : يا أبتاه يا رسول الله الان فقدناك فقداً لا لقاء بعده ، و هي تعني بذلك انها بفقد أمها التي كانت تجسد أباها قد فقدت جدها ايضاً .</P>

<P dir=rtl>لقد انعكست صفات الزهراء سيدة نساء العالمين و مزاياها في نفس إبنتها عقيلة بني هاشم و ظهرت واضحة جلية في زهدها و عبادتها وصبرها في الشدائد ، و قال من تحدث عنها من الرواة : انها لم تدخر شيئاً من يومها لغدها و تمضي عامة لياليها بالتهجد و تلاوة القرآن ، و حتى في ليلة الحادي عشر من المحرم و هي تتلوى من آلام تلك المجزرة الرهيبة و إخوتها صرعى مجزرين كالأضاحي لم تدع صلاة الليل و تلاوة القرآن ، و قد تحدثنا عن صبرها و شجاعتها و بعض مواقفها الخالدة التي كانت و لا تزال من أغنى المواقف البطولية بالقيم و المثل العليا في تاريخ الأبطال .</P>

<P dir=rtl>لقد بقيت زينب إبنة علي مع أمها ست سنوات و في هذه المرحلة من طفولتها كانت ترى أمها الزهراء تقوم للصلاة و العبادة حتى ينقضي الشطر الأكبر من الليل وتبيت طاوية و تطعم ما عندها الأيتام و المساكين و تلبس الثياب الخلقة البالية و تكسو الفقراء جديد الملابس ، و رآها سلمان الفارسي مرة فبكى و قال : ان قيصر و كسرى بناتهما في السندس و الحرير و إبنة محمد رسول الله في تلك الثياب البالية .</P>

<P dir=rtl>و بلا شك في ان تلك الصور التي كانت تشاهدها العقيلة و هي في هذا السن من طفولتها قد انعكست في نفسها و رافقتها حتى النفس الأخير من حياتها لأن مشاهدات الأطفال و ما يحيط بها في المراحل الأولى من حياتهم و ما يمر عليهم في سن الطفولة تترك آثاراً في نفوسهم ترافقهم في الغالب ما داموا بين الأحياء .</P>

<P dir=rtl>و يؤكد علماء النفس ان الطفل في السنة الثالثة من عمره تبدأ مرحلة التوافق بينه و بين بيئته و مرحلة التمييز بين الألفاظ و المعاني ، و أن نموه العقلي في هذه المرحلة يتجه به إلى كشف ما يحيط به مما يرى و يسمع و هذا الكشف يترك آثاراً تعمل عملها في نفس الطفل ترافقه إلى آخر يوم من حياته .</P>

<P dir=rtl>هذا بالإضافة إلى أن السيدة زينب سلام الله عليها بعد وفاة أمها الزهراء عاشت برعاية أبيها أمير المؤمنين الذي كان يجسد جدها الرسول من جميع نواحيه بين أخويها الحسن و الحسين <B>( عليهما السَّلام )</B> و تولت حضانتهم امرأة من كرام النساء و أفاضلهن و هي أمامة بنت زينب بنت رسول الله و كان قد تزوجها أمير المؤمنين <B>( عليه السَّلام )</B> بعد وفاة الصديقة الزهراء <B>( عليها السَّلام )</B> بوصية منها ، و جاء في وصيتها له كما ترويها جميع الآثار ، و أوصيك يا إبن العم ان تتزوج بعد وفاتي من امامة إبنة اختي فانها ستكون لولدي مثلي ، و بالفعل فلقد كانت امامة كما كانت ترجوه منها خالتها من ناحية عطفها و رعايتها لأولادها بالإضافة إلى ما كانوا ينعمون به من رعاية أبيهم الذي كان يلقنهم من اسرار الكون وغوامضه ، وظلت العقيلة في رعاية ذلك البيت الكريم بيت النبوة و الإمامة إلى أن تجاوزت سن الطفولة إلى مطلع الصبا والشباب ، و نساء المسلمين يومذاك كان من عادتهن ان يخرجن ليلا لزيارة قبر النبي و أداء فريضة العشاء إلى جواره كما كان يفعل الرجال ثم يرجعن إلى بيوتهن و ملامح السرور و البهجة بادية على وجوههن و أرادت العقيلة ان تخرج لزيارة قبر جدها و الصلاة إلى جواره كما يفعل النساء ، و لكن والدها لم يشأ لها ان تخرج كما يخرج غيرها من النساء و المسجد مملوء بالزائرين و المصلين من الرجال فكان يخرج معها بعد أن يعود الزائرون إلى بيوتهم و يخرج الحسن و الحسين عن يمينها و شمالها و يتقدمهم هو ليخمد ضوء القناديل إذا وجد في مرقد جدها أحد من الرجال ، و ذات ليلة أرادت ان تخرج في أول الليل مع الزائرات اللواتي كن يخرجن لأداء الصلاة فخرج يتقدمها ليخفت ضوء المصابيح ، و فجأة أحس المصلُّون من الرجال و النساء ان ضوء المصابيح أخذ يخفت واحداً بعد واحد خفوتا ظاهراً و على عجل و ظل يضيق و يضعف حتى شمل المسجد كله ضوء مختنق و لم تبق من الضوء الا ومضات ضئيلة توشك ان تنطفىء فيعم الظلام المسجد و الحرم من كل جوانبهما فتطلعت العيون الأشعث بن قيس الكندي كما جاء في بعض المرويات ، ففي بعض الأيام الغاضبة لتتعرف من هو الذي أضعف تلك المصابيح واحداً بعد واحد ولم يترك منها سوى ومضات ضئيلة لا تجديهم شيئاً ، و لما عرفوه تركوه يفعل ما يشاء لأنه لا يفعل غير الصواب ، و راحت العيون تتطلع لتعرف الأسباب التي حملته على ذلك فرأت أشباحاً ثلاثة قد تقدمت نحو قبر النبي<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>و ما ان وصلوا إليه حتى وقفوا إلى جانبه لفترة طويلة في خشوع و تضرع ثم رجع الثلاثة عن القبر الشريف يمسحون دموعهم و انصرفوا باتجاه باب الحرم راجعين إلى بيت أبيهم الكريم ، و تقدم أمير المؤمنين <B>( عليه السَّلام )</B> نحو المصابيح يفك خناقها و يعلي أضوائها ، و كان الثلاثة الذين تقدموا نحو الحرم في ستر ذلك الضوء الخامد أولاده الحسن و الحسين و بينهما ابنته زينب أرادت ان تزور قبر جدها في الوقت الذي يجتمع فيه الزائرون فتقدمها ليخمد الضياء و مضت إليه بين أخويها حتى لا يرى شخصها أحد من الناس .</P>

<P dir=rtl>و بقيت العقيلة في ذلك البيت الكريم في رعاية أبيها و أخويها و خالتها أمامة و زوجة أبيها أسماء بنت عميس التي لم تكن بأقل عطفا و حنوا على أولاد فاطمة من امهما و التي احتضنتها لتكون زوجة لولدها عبد الله بن جعفر بعد سنوات قليلات .</P>

<P dir=rtl><B>زواجها من عبد الله بن جعفر</B></P>

<P dir=rtl>لما بلغت الحوراء مبلغ الزواج و تخطت عهد الطفولة طلبها الكثيرون من الاشراف و كان الإمام يردهم برفق و لين لأنه كان كما يبدو قد صمم على زواجها من إبن أخيه عبد الله بن جعفر الطيار ، كما كان النبي يرد خاطبي أمها الزهراء ليزوجها من إبن عمه أول القوم اسلاما و أكثرهم جهاداً و تضحية في سبيله بأمر من الله سبحانه . و كان ممن خطب الحوراء الأشعث بن قيس الكندي كما جاء في بعض المرويات ، ففي بعض الأيام و الإمام <B>( عليه السَّلام )</B> جالس في داره دخل عليه رجل بَيِّن الطول عليه مسحة من الجمال و مظهر من مظاهر العنف و البطش ، و كان قد صار على أبواب الكهولة وبدأ يخطو نحو الكبر ، فوقع نظره على فتاة قد اضاء صباها و لمعت محاسنها ، و هي تدرج بين يدي أبيها ، و حينما رأته الفتاة قد دخل على حين غفلة أسرعت إلى غرفة في الدار عجلى تتعثر في أذيالها لاسيما و قد رأته ينظر إليها و تكاد نظراته تستبق خطواتها خطواتها المسرعة ، و كان قد ملأ عينيه منها قبل أن تغيب عنه و أعجب بحسنها و شمائلها ، و أحسن ما رأت عيناه من الخفرات الحسان .</P>

<P dir=rtl>و كان الرجل في خمول و ضعة في أوساط المسلمين ، و إلى جانب ذلك فاتكا شجاعا جميلا ، و هو أخمل حسباً و أوضع نسبا إذا قيس حسبه و نسبه بالقرشيين فضلا عن أهل هذا البيت الذين بلغوا القمة في كل ما يتفاضل فيه الناس من كل نواحيهم ، و لكن الذي جرأه على الحديث مع أمير المؤمنين بأمر من هذا النوع ان الخليفة الأول إبن أبي قحافة كان قد تلطف به و زوجه من أخته أم فروة فجرأته هذه المصاهرة على التطلع إلى بنات الأنبياء و الأوصياء . و ما كادت الحوراء زينب تصل إلى داخل البيت بتلك السرعة الخاطفة حتى قال الأشعث لعلي <B>( عليه السَّلام )</B> : من هذه الفتاة يا أبا الحسن ، فرد عليه قائلا : انها ابنتي زينب إبنة الزهراء ، فقال له : زوجنيها يا أبا الحسن ، فاستخف به أمير المؤمنين <B>( عليه السَّلام )</B> و قال له : لقد غرَّك إبن أبي قحافة بنفسك اذ زوجك أخته أم فروة و أصبحت لا تنظر لنفسك الا من زاوية هذه المصاهرة ، ناسيا اصلك و نسبك و مكانك الوضيعة في نفوس العرب و المسلمين ، و أصبحت تطمع بالفواطم و العواتك من بنات هاشم و عبد المطلب<B><B>[3]</B></B> .</P>

<P dir=rtl>و قد حمله الصلف و الغرور على ان يرُدَّ على أمير المؤمنين بقوله : لقد زوجتم من هو أخمل مني حسباً وأوضع مني نسباً و هو المقداد بن عمر المعروف بالمقداد الأسود ، فردَّ عليه أمير المؤمنين قائلا : ذاك رسول الله<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>قد فعله و هو أعلم بما فعل و لئن عدت إلى مثلها لأسوأنك .</P>

<P dir=rtl>لقد كان الأشعث فظا غليظاً ثقيلاً على أكثر المسلمين لغلظته و جفوته و جرأته على الحق و كان من المتآمرين على أمير المؤمنين بعد أن تولى الخلافة و يعمل لمصلحة معاوية و قد لعنه علي <B>( عليه السَّلام )</B> أكثر من مرة و زجره و حاول ان يضع حدا لتجاوزاته و مؤامراته و أخيراً اشترك في قتله مع عبد الرحمن بن ملجم و جماعة ممن سخرهم معاوية لذلك كما و أن ابنته جعدة قد حققت لمعاوية ما كان يتمناه و يعمل من أجله فدست السم إلى الحسن بن علي <B>( عليه السَّلام )</B> بعد أن اغراها معاوية بالمال و وعدها بأن يزوجها ولده الخليع يزيد بن ميسون ، و اشترك ولده قيس بن الأشعث في جميع الجرائم التي إرتكبها معاوية و ولده يزيد مع العلويين و شيعتهم .</P>

<P dir=rtl>لقد بقيت العقيلة في بيت أبيها و الخُطَّاب يتوافدون عليه من هنا و هناك ، و كان يردهم و كأنه كان قد صمم على أمر ينتظر الوقت المناسب لتنفيذه لا سيما و قد سمع النبي<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>يقول و هو ينظر إلى أولاد علي و جعفر قبل أن يتجاوزوا سن الطفولة بناتنا لبنينا و بنونا لبناتنا كما جاء في بعض المرويات عنه .</P>

<P dir=rtl>و إذا لم يكن النبي<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>جدا لأولاد جعفر فانه لهم بمنزلة الأب و الجد و هو وليهم و لا شيء أحب إلى الجد من إقتران أحفاده بعضهم ببعض لأنه يعتبر ذلك تأكيداً لنسله و امتدادا لنوع من أنواع و جوده ، و لا بد و أن يكون عليا <B>( عليه السَّلام )</B> الذي كان في كل مراحل حياته يقتدي بأقوال الرسول و أفعاله قد سمع من الرسول هذه المقالة و أعتبرها تأكيداً لما كان يضمره نحو اطفال أخيه جعفر شهيد مؤتة و بطل الإسلام الخالد و كان كفيلهم و ولي أمرهم بد إستشهاد أخيه ، فنفذها كما أراد رسول الله<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>و ردَّ جميع الخطاب الذين كانوا يتوافدون عليه من هنا و هناك للحصول على شرف المصاهرة الذين يحصلون عليه بزواجهم من إبنة علي و الزهراء ، و لا أحسب ان أحداً كان أقرب إلى قلب علي <B>( عليه السَّلام )</B> بعد أولاده من أولاد أخيه جعفر بن أبي طالب و على رأسهم عبد الله بن جعفر و كانوا في عداد أولاده و نشأوا في بيته و بخاصة بعد أن تزوج من أمهم أسماء بنت عميس بعد إستشهاد زوجها جعفر الطيار و وفاة أبي بكر عنها .</P>

<P dir=rtl>و قبل ان نتابع الحديث عن زينب و زوجها عبد الله في بيتهما الجديد كزوجين كريمين من أكرم ما عرفه بيت أبي طالب بعد بيت أبيها و إخوتها ، أرى من الوفاء لبيت أبي طالب الذي كان له الفضل الأكبر على الإسلام و المسلمين كما تؤكد جميع الشواهد التي مر بها الإسلام و رسول الإسلام في مراحله الأولى انه لولا بيت أبي طالب لكان مصير محمد و رسالته كمصير زكريا و يحيى و غيرها من الأنبياء الذين كانوا يتعرضون للقتل و المصادرة من بني إسرائيل قبل أن تنتشر رسالاتهم ، و قديما قال الجاحدون لنبوة شعيب كما حكى الله عنهم في كتابه : و لولا رهطك لرجمناك .</P>

<P dir=rtl>لقد وقف أبو طالب و زوجته فاطمة بنت أسد و أولادهم إلى جانبه منذ إعلان الدعوة و أعلن أبو طالب بأنه سيمنع عنه كل من تحدثه نفسه بالأساءة إليه ، و النيل منه ، كما أوقفت زوجته فاطمة بنت أسد نفسها لخدمته في اليوم الذي مات فيه جده عبد المطلب ، و كانت كما وصفها هو صلى الله عليه و آله تفضله على أولادها في المأكل و الملبس و في كل شيء و ظل يذكرها و يترحم عليها حتى النفس الأخير من حياته ، و سبق ولداها علي و جعفر جميع المسلمين إلى الإسلام و الإيمان برسالة محمد فكان أولهم علي بعد خديجة الكبرى ، و مرَّ أبو طالب و علي يصلي وحده إلى جانب محمد<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>فقال لولده جعفر : صل جناح إبن عمك فأسلم بعد أخيه علي بأمر من أبيه و ظلَّ أبو طالب في حياته بعد مبعث النبي<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>يدافع و يناضل عن رسالة محمد بكل طاقاته و إمكانياته و يقول :</P>

<P dir=rtl align=center>و لقد علمت بأن دين محمد * من خير أديان البرية دينا</P>

<P dir=rtl>و مع ذلك فان رواة السنة و محدثيهم الذين كانوا و لا يزالون يجترون مرويات أذناب الأمويين و صنائعهم الذين سخروهم للكذب و الإفتراء على الإسلام و حماة الإسلام و دعاته المخلصين هؤلاء يدعون بأن أبا طالب مات كافرا برسالة محمد و أبا سفيان بن حرب العدو اللدود للإسلام و لكل من آمن به و جاهد في سبيله مات مؤمناً في حين انه كان في أكثر مواقفه لا يتحاشى المجاهرة بشركه و وثنيته ، و قد ذكرنا سابقا ان أبا طالب لو لم يكن أبا لعلي عليه السلام لكان من الصديقين و من خيار المسلمين .</P>

<P dir=rtl><B> </B></P>

<P dir=rtl><B>لمحات عن إسلام جعفر الطيار و هجرته و وفاته</B></P>

<P dir=rtl>و أعود لأكرر انه قبل الحديث عن زواجهما أرى من الوفاء لهذا البيت الكريم ان اشير و لو بايجاز لجعفر الطيار ثالث المسلمين و والد عبد الله بن جعفر الذي اختار له النبي عقيلة بني هاشم لتكون زوجة له كما ذكرنا .</P>

<P dir=rtl>لقد كان جعفر الطيار أكبر من علي <B>( عليه السَّلام )</B> بعشر سنين كما يدعي أكثر المؤرخين و لم يسبقه أحد إلى الإسلام سوى خديجة الكبرى و علي و كان هو ثالث المسلمين و المصلين و قد ذكرنا ان أباه رأى عليا يصلي عن يمين النبي فقال لولده جعفر : صل جناح إبن عمك و مضى أمد غير قصير و ليس في مكة من يعبد الله سبحانه سوى محمد و علي و خديجة بنت خويلد و جعفر بن أبي طالب فكان النبي يتقدمهم للصلاة في أوقاتها و علي عن يمينه و جعفر عن يساره و خديجة من خلفه ، و كان جعفر يشبه النبي في خلقه و خلقه كما وصفه النبي بذلك كما كان يكنيه أبا المساكين .</P>

<P dir=rtl>و جاء عن أبي هريرة انه كان يقول : لقد كنت اسأل الرجل من أصحاب رسول الله<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>عن الآية من القرآن و أنا أعلم بها منه و لكني كنت أسأله ليطعمني شيئا ، و كنت ان سألت جعفر بن أبي طالب لم يجبني حتى يذهب بي إلى بيته فيطعمني ثم يجيبني .</P>

<P dir=rtl>و جاء في الحديث عن رسول الله<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>انه قال : لقد اختارني الله في ثلاثة من أهل بيتي انا سيدهم لقد اختارني و عليا و جعفر و الحمزة بن عبد المطلب ، و في المجلد الأول من الإستيعاب ، خلال حديثه عن جعفر بن أبي طالب ان النبي<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>قال : دخلت الجنة البارحة فإذا جعفر يطير مع الملائكة .</P>

<P dir=rtl>لقد كان جعفر بن أبي طالب من المهاجرين الأولين إلى الحبشة حين وسعت قريش حلقة الاضطهاد على المسلمين في مكة و كان خروجه بايعاز من النبي<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>فخرج هو و زوجته و جماعة من المسلمين المستضعفين من مكة فراراً بدينهم و ولدت له فيها عبد الله وعونا ومحمداً ، ولقي المسلمون من النجاشي ملك الحبشة من الرعاية و كرم الضيافة و الإحسان ما أثار غضب قريش وتخوفها من هذه الظاهرة التي ستكون بداية لتحول جديد في تاريخ العلاقات بينهم و بين الأحباش الذين كانوا على ارتباط معهم في مختلف مرافق الحياة ، وبقاء المسلمين إلى جوارهم سيضاعف من هذا التحول و ربما يؤدي إلى توتر الأجواء بينهما و بالتالي إلى القطيعة بين البلدين المتجاورين ، و قد تصبح الحبشة مقرا لعدد كبير من المسلمين و منطلقا لدعوتهم التي تساندها دولة لا طاقة لهم على مقابلتها ، هذه الإحتمالات كلها أصبحت تراود القرشيين بعد أن بلغتهم حفاوة الأحباش بالمسلمين فراحوا يعملون بكل ما لديهم من الوسائل لايجاد فجوة بين الطرفين و إعادة العلاقات بينهما إلى سابق عهدها و إخراج المسلمين من بلادهم ، فجمعوا مبلغاً من الأموال ليشتروا بها أنفس الهدايا و أثمنها للملك و بطارقته ، و بعثوا بالهدايا مع عمرو بن العاص و عمارة بن الوليد شقيق خالد بن الوليد ، و كتبوا إلى النجاشي يحذرونه من المسلمين و يطلبون منه ان يردهم إلى مكة ، و كان إبن العاص حديث عهد بالزواج من إحدى المكيات الفاتنات في جمالهن فلم يستطع فراقها فمضت معه في تلك الرحلة و في الطريق كانت تتحدث إلى عمارة و يتغازلان و كان فتى مديد القامة جميلا بهي الطلعة فتعلقت به وتعلق بها و أخيراً هجرت فراش زوجها و ارتمت في فراشه ، و عبثا حاول إبن العاص ان يضع حدا لشذوذها و بالتالي بقيت بينهما يشتركان بالاستمتاع بها<B><B>[4]</B></B> .</P>

<P dir=rtl>و سبقت أنباء هذه الفضيحة إلى المهاجرين و النجاشي ، و حاول عمارة و إبن العاص ان يشحنا النجاشي و بطارقته على الإسلام و المسلمين ، و باءت جهودهما بالفشل الذريع بعد أن تولى جعفر بن أبي طالب الحديث مع النجاشي و بطارقته وحدثهم عن إبن عمه محمد و رسالته و قرأ عليهم بعض الآيات من القرآن و من سورة مريم ، كما ذكر المؤلفون في سيرة الرسول<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>و رجع<B> </B>الوفد فاشلا إلى قريش يتعثر بأذيال الخيبة و بقي النجاشي على كره و إحسانه إلى المهاجرين ، كما بقي جعفر بن أبي طالب و من معه في الحبشة إلى السنة السابعة من هجرة الرسول<B> ( صلى الله عليه و آله )</B> و فيها رجع إلى المدينة ، و النبي <B>( صلى الله عليه و آله ) </B>كان قد اتجه لحرب اليهود في خيبر واستولى عليها بعد أن اقتحم أمير المؤمنين حصونهم وجندل أبطالهم وفرسانهم و في اليوم الذي رجع فيه النبي إلى المدينة دخلها جعفر بمن معه من المسلمين فقام إليه النبي<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>وقبله ما بين عينيه و قال : ما ادري بأيهما أشد فرحا بقدوم جعفر أو بفتح خيبر و قال له : أنت أشبه الناس بخَلقي و خُلقي و قد خلقتَ من الطينة التي خلقتُ منها ، كما جاء في ذخائر العقبى للمحب الطبري و غيره من مجاميع الحديث .</P>

<P dir=rtl>و أعطاه و زوجته أسماء من غنائم خيبر مثل ما اعطى غيره من المسلمين الذين اشتركوا في فتحها ، و بقي مع النبي بعد رجوعه إلى المدينة أشهرا معدودات و بدخول السنة الثامنة للهجرة بعث رسول الله<B> ( صلى الله عليه و آله )</B> أحد<B> </B>أصحابه و هو الحارث بن عمير بكتاب إلى ملك بصري من أرض الشام ، فلما بلغ الرسول مؤتة تعرض له شرحبيل الغساني أحد ولاة الروم و قتله و لم يقتل غيره ممن كان يبعثهم رسول الله<B> ( صلى الله عليه و آله ) إلى </B>الملوك و الأمراء ، فاشتد ذلك على النبي<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>وجهز جيشاً من ثلاثة آلاف مقاتل بقيادة جعفر بن أبي طالب وعين اثنين غيره للقيادة على التوالي فيما لو قتل جعفر وهما زيد بن حارثة و عبد الله بن رواحه ، و انطلق الجيش إلى مشارف الشام يجد في سيره و حينما بلغت أخباره ملك الروم أوعز إلى جيوشه بأن ترابط على الحدود بين بلاد الشام و الحجاز و حشد عليها أكثر من مائة ألف مقاتل ، و كانت المعركة الحاسمة على الحدود في مؤتة فأخذ الراية جعفر و تقدم بمن معه من المسلمين و حمل على تلك الحشود التس ملأت الصحراء بعددها و عتادها فانهزموا بين يديه و ظلَّ يطاردهم حتى قطعت يمينه و شماله و خَرَّ صريعاً .</P>

<P dir=rtl>و جاء في بعض المرويات انه لما اشتد القتال ، نزل عن فرسه و عقرها فكان كما قيل أول من عقر فرسه في الإسلام و مضى يقاتل راجلا و يقول :</P>

<P dir=rtl align=center>يا حبذا الجنة و اقترابها * طيبة و بارد شرابها</P>

<P dir=rtl align=center>و الروم روم قد دنا عذابها * كافرة بعيدة انسابها</P>

<P dir=rtl align=center>علي اذ لاقيتها خرابها</P>

<P dir=rtl>و بعد ان استشهد وجدوا في مقدم جسده أكثر من تسعين ضربة و طعنة و جزع من في المدينة لقتله و بكاه المسلمون و بخاصة أهله و ذووه ، فلما رأى ذلك رسول الله<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>قال : لا تبكوا على أخي بعد اليوم ، ان له جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة فسمي ذا الجناحين و الطيار .</P>

<P dir=rtl>و جاء عن عبد الله بن جعفر ان قال : لقد دخل علينا رسول الله بعد موت أبي و قال : لا تبكوا على أخي بعد اليوم و دعا بالحلاق فحلق رؤوسنا و قال : اما محمد فشبيه عمنا أبي طالب ، و أما عبد الله فشبيه خَلقي و خُلقي ، ثم أخذ بيدي و قال : الله احفظ جعفرا في أهله و بارك لعبد الله في صفقة يمينه ، و لما ذكرت امي يتمنا قال لها : لا تخافي عليهم انا وليهم في الدنيا و الآخرة<B><B>[5]</B></B> .</P>

<P dir=rtl>و ظل أيتام جعفر في رعاية رسول الله<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>و عمهما علي بن أبي طالب و حضانة أمهم أسماء بنت عميس ، و كانت إمرأة كريمة شريفة ذات رأي حازم و معرفة و تجربة و حجة ، بيان على حد تعبير عبد العزيز سيد الأهل في كتابه زينب بنت علي لا تصبر على مذلة و لا تبيت على ضيم هاجرت في كتابه زينب بنت علي لا تصبر على مذلة و لا تبيت على ضيم هاجرت في سبيل الله هجرتين اولاهما مع المسلمين الاولين و زوجها إلى الحبشة ، و ثانيتهما إلى المدينة مع زوجها جعفر الطيار فأكرمها رسول الله و علمها دعاء تدعو به في الشدائد ، و قال لها : إذا نزل بك كرب فقولي الله الله ربي لا اشرك به ، فلم يصبها كرب بعد ذلك الا أزاحته عنها بدعاء رسول الله كما جاء عنها .</P>

<P dir=rtl>و حدث بعد أن رجعت مع زوجها إلى المدينة ان رآها عمر بن الخطاب فقال لها : يا حبشية سبقناكم بالهجرة . و لعله كان يريد ان يتباهى عليها في هجرته مع الرسول و صحبته له أو ممازحا لها كما يدعي بعض الرواة ، و ما كاد عمر ينتهي من حديثه حتى انبرت له قائلة : لعمري لقد كنتم مع رسول الله يطعم جائعكم و يعلم جاهلكم و كنا البعداء عنه نتحمل الأهوال و الشدائد حرصا على ديننا ، و أضافت إلى ذلك : و الله لأتين رسول الله و أذكرنّ له مقالتك يا إبن الخطاب .</P>

<P dir=rtl>و مضت مسرعة إلى النبي و قالت : يا رسول الله ان رجالا من اصحابك يتفاخرون علينا و يتباهون و يزعمون اننا لم نكن من المهاجرين الاولين ، فرد عليها الرسول قائلا : بل لكم هجرتان هاجرتم إلى الحبشة و نحن في مكة و هاجرتم إلى المدينة كما هاجرنا و لا فضل لأحد عليكم .</P>

<P dir=rtl>لقد تزوجت بعد مصرع زوجها من أبي بكر فأولدها محمد بن بكر و خلال تلك المدة القصيرة التي قضتها معه لم تكن تفارق اولادها و لا بيت فاطمة الزهراء و قد روت الحديث عنها و حينما توفيت الزهراء <B>( عليها السَّلام )</B> تولت غسلها و تكفينها ، و بعد وفاة زوجها أبي بكر تزوج منها و ضمها أمير المؤمنين إلى عياله مع ولدها محمد بن أبي بكر ، و كان طفلا في الرابعة من عمره و بقيت في بيته هي و أولادها ، و أولدها ولداً اسماه يحيى كما جاء في المجلد الأول من حياة الحيوان<B><B>[6]</B></B> .</P>

<P dir=rtl>و بقي عبد الله منذ طفولته إلى أن شب و ترعرع هو و إخوته إلى جانب عمه أمير المؤمنين مع أولاده يتلقى منه العلم و المعرفة و يغذيه بأخلاق الإسلام و تعاليم الإسلام حتى أصبح من كرام المسلمين و أعلامهم ، و كان كما يصفه المؤرخون أسخى رجل بين المسلمين في عصره . و كان هو و زينب في سن متقاربة فلما بلغاً سن الشباب و راح الطلاب يتوافدون على بيت علي <B>( عليه السَّلام )</B> يطمعون في مصاهرته لم يجد لابنته كفأ غير إبن أخيه عبد الله فزوجه منها ، و لكن هذا الزواج لم يفرق بين زينب و أبيها و إخوتها ، و بلغ من تعلق الإمام <B>( عليه السَّلام )</B> بابنته و ابنة أخيه ان بقيا معه يراعهما و يتفقدهما كما كانا قبل الزواج و حينما تولى أمور المسلمين و انتقل من المدينة إلى الكوفة انتقلا معه و وقف عبد الله إلى جانب عمه في جميع مواقفه النضالية قبل خلافته و بعدها من الناكثين و القاسطين و المارقين .</P>

<P dir=rtl>و ما كادت زينب تنتقل إلى بيتها الجديد المتواضع في اثاثه و معيشته حتى أصبح المال يتدفق عليه ، و لكنه كان يهب و يعطي عطاء من لا يخشى الفقر و لا يدخر شيئاً من يومه لغده و أصبح الجود و السخاء من أشهر صفاته و ألقابه و سماه الناس بحر الجود ، و حدث الرواة ان جماعة كانوا يتحدثون عن كرام المسلمين و أجوادهم ، فادعى جماعة ان أجودهم عبد الله بن جعفر فطلب منهم الباقون دليلاً على ذلك ، فجاءه أحدهم و هو على راحلته يريد ضيعة له خارج المدينة فتعلق بركابه و قال له : انا من أبناء السبيل و لا املك شيئاً ، فأخرج عبد الله رجله من الركاب و نزل عن راحلته و قال له : ضع رجلك في الركاب و استوي على الناقة وخذ ما في الحقيبة ، و إياك ان تخدع عن السيف فانه من سيوف علي بن أبي طالب ثم ترك الرجل و رجع ماشيا إلى بيته في المدينة ، و لما وضع الرجل رجله في الركاب واستوى على الناقة ومد يده إلى الحقيبة وجدها مملوءة بمطارف الخز و فيها بالإضافة إلى ذلك أربعة آلاف دينار ، و كان سيف علي <B>( عليه السَّلام )</B> أنفس من المطارف وأجل من الدنانير على حد تعبير الراوي و لما رأى القوم صنيعه قالوا : صدق من سماه بحر الجود<B><B>[7]</B></B> .</P>

<P dir=rtl>و بلغت شهرته في الأوساط الإسلامية حدا ضاقت بها نفوس أعداء الطالبيين و قلوبهم الحاقدة و لم تعد تتسع لمديحه و ثناء الجماهير عليه فراحوا يحاولون تزييف سخائه و تسميته سرفاً لا يقره الإسلام .</P>

<P dir=rtl>فقد حدث الرواة عن الشعبي ان عبد الله بن جعفر الطيار دخل على معاوية وعنده ولده يزيد بن ميسون ، فجعل يزيد يعرض بعبد الله في كلامه ويتهمه بالاسراف والتبذير ، فقال عبد الله ليزيد : اني لأرفع نفسي عن جوابك ، و لو قالها صاحب السرير لأجبته ، فقال معاوية : كأنك تظن انك أشرف منه يا عبد الله ، فقال عبد الله : أي و الله و منك و من ابيك و جدك يا معاوية ، فرد عليه معاوية بقوله : ما كانت أحسب ان أحداً في عصر حرب بن أمية جدي أشرف منه ، فقال عبد الله : بلى و الله ان أشرف منه من اكفاء عليه اناءه و أجاره بردائه ، فقال : صدقت يا أبا جعفر<B><B>[8]</B></B>.</P>

<P dir=rtl>و كان يقول : كما جاء عنه : ان الله قد عودني ان يتفضل علي ، و عودته ان أتفضل على عباده ، و أضاف : ان يقطع عني إذا قطعت عن عباده<B><B>[9]</B></B>.</P>

<P dir=rtl>و قد تحدث المؤرخون و أكثروا عن كرمه و سخائه و ايثاره الأيتام و المساكين و أبناء السبيل على نفسه و ولده ، و لقد رأته العقيلة يصنع كل ذلك فلم تعارضه في شيء من عطائه و سخائه بل كانت تشاركه أحيانا و تشجعه على البذل و العطاء و ظلت العقيلة وفية لزوجها ساهرة على راحته و تربية اولادها و في الوقت ذاته على صلة دائمة بأخويها الحسن و الحسين و بقية إخوتها و تحملت من المحن و المصائب ما لا يقوى على حمله أحد من الناس و ثبتت لجميع تلك الأهوال و تحملت مرارتها و آلامها و بصبر و شجاعة قل نظيرهما في تاريخ الأبطال و عظماء العالم ، و قد نحدث المؤرخون و الكتاب القدامى و المحدثون عن مواقفها و بطولاتها في معركة الطف و ما تلاها من الأحداث في الكوفة و الشام و عن تحدياتها لأولئك الطغاة و الجلادين التي زعزعت فيها عروشهم و ضعضعت كبرياءهم و أصبحوا لعنة على لسان الأجيال إلى أن تقوم الساعة ، و لم يتحدثوا عن حياتها مع زوجها عبد الله لأنها في تلك الفترة من تاريخها كانت منصرفة لبيتها و أولادها و اعدادهم الاعداد السليم كما كان ابوها يعدها و يعد إخوتها و قد اكتفت بذكر الله و عبادته و التضرع إليه في ليلتها و نهارها و الإستفادة من مدرسة أمها و أبيها و أخويها الحسن و الحسين عن ذكر الناس و القيل و القال و الاشتراك في الفتن و الاحداث .</P>

<P dir=rtl>و قد اعتاد المؤرخون و الكتاب ان يتحدثوا عن المرأة من خلال نزعاتها و اشتراكها في الفتن و أحداث عصرها و ركوبها الحمال و البغال في ساحات الحروب و المعارك و عما ترويه من الاحاديث المكذوبة عن النبي<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>كالتي كانت تنسبها بعض زوجاته إليه زورا و افتراء كما يتحدثون احيانها عن ربات البيوت من خلال مظاهر البذخ و الترف و عدد الجواري و العبيد و مجالس الغناء و الشراب اما البيوت التي تكون لله و في سبيل الله و التهجد و العبادة و للعلم و التعليم و الارشاد فلا يعنيهم من امرها شيئاً .</P>

<P dir=rtl>لقد كان بيت العقيلة من تلك البيوت التي وصفها بعض الشعراء بقوله :</P>

<P dir=rtl align=center>منازل كانت للرشاد و للتقى * و للصوم و التطهير و الصلوات</P>

<P dir=rtl>و وصفها أبو فراس الحمداني في قصيدته التي يعدد فيها فضائل العلويين و مساوئ الأمويين و العباسيين بقوله و هو يخاطب العباسيين :</P>

<P dir=rtl align=center>تنشي التلاوة في ابياتهم سحرا * و في بيوتكم الاوتار و النغم</P>

<P dir=rtl align=center>ما في ديارهم للخمر معتصر * و لا بيوتهم للسوء معتصم</P>

<P dir=rtl align=center>و لا تبيت لهم خنثى تنادمهم * و لا يرى لهم قرد له حشم</P>

<P dir=rtl align=center>الركن والبيت و الاستار منزلهم * و زمزم و الصفا و الخيف و الحرم</P>

<P dir=rtl>لقد روى عنها أعيان الصحابة و كان عبد الله بن العباس عندما يروي عنها يقول : حدثتني زينب إبنة علي <B>( عليه السَّلام )</B> ، و ولد لعبدالله من زوجته زينب أربعة ذكورا و أنثى واحدة و هم علي و محمد و عباس و عون و أم كلثوم و كان قد خطبها معاوية لولده يزيد بن ميسون و حاول بكل وسائله و مغرياته اتمام هذه الصفقة ، و لكن خالها الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> كان له بالمرصاد فزوجها من إبن عمها القاسم بن محمد بن جعفر<B><B>[10]</B></B> و قتل محمد و عون مع الحسين في كربلاء و قدمتهما العقيلة لينالا شرف الشهادة مع أخيها فبرز عون و هو يقول كما تروي كتب المقاتل :</P>

<P dir=rtl align=center>ان تنكروني فأنا إبن جعفر * شهيد صدق في الجنان ازهر</P>

<P dir=rtl align=center>يطير فيها بجناح اخضر * كفى بهذا شرفاً في المحشر</P>

<P dir=rtl>و مضى يقاتل حتى قتل ثلاثة فوارس و ثمانية عشر رجلا ثم تكاثروا عليه و قتلوه و برز بعده اخوه محمد بن عبد الله و هو يقول :</P>

<P dir=rtl align=center>اشكو إلى الله من العدوان * فعال قوم في الردى عميان</P>

<P dir=rtl align=center>قد بدلوا معالم القرآن * و محكم التنزيل و التبيان</P>

<P dir=rtl>و قتل من أهل الكوفة عشرة من فرسانهم ثم حملوا عليه و قتلوه و كان الذي تولى قتله إبن نهشل التميمي كما ذكر أرباب المقاتل و لم يحدث التاريخ و لا أرباب المقاتل ان العقيلة زينب ندبت و لديها أو تعلقت بهما كما كانت الأمهات يصنعن حين خروج أولادهن و مصرعهم بل كان الحسين شاغلها الوحيد الذي أنساها كل شيء و هان عليها مصابها بهما لانهما قتلا في سبيله ، و حتى ان زوجها عبد الله والدهما كان يقول بعد أن بلغته اخبار تلك المجزرة و ما جرى لولديه : لقد هون علي مصابهما انهما قتلا مع أخي و إبن عمي مواسين له صابرين معه و إذا لم أكن قد واسيته بيدي فلقد واسيته بولدي . ودخل عليه أحد غلمانه يبكيهما و يقول : ماذا لقينا من الحسين بن علي ، فغضب عبد الله و خذفه بنعله و قال له : يا إبن اللخناء اللحسين تقول هذا ، و الله لو شهدته لما فارقته حتى أقتل دونه و أفديه بنفسي .</P>

<P dir=rtl>و السؤال الذي قد يعترض هو انه لماذا لم يخرج مع الحسين كما خرجت معه زوجته و أكثر الطالبيين و من هو أولى من عبد الله بذلك ، و قد اعتذر عنه جماعة بأعذار لا تعدو ان تكون من نوع الحدس و التخمين ، و الذي اراه ان عبد الله بن جعفر لم يتخلف عن الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> الا برأيه و قد أمره بالبقاء في المدينة لأسباب تفرضها المصلحة كما أمر أخاه محمد بن الحنفية بذلك ، و لم يحدث التاريخ عن عبد الله بأنه كان يعصي للحسن و الحسين امرا أو يخالفهما في شيء ، و قد ذكرنا ان معاوية حينما خطب ابنته لولده يزيد ترك امرها إلى الحسين بالرغم من العروض السخية التي عرضها عليه معاوية ، كما ترك أمر زوجته زينب من حيث خروجها معه إليه و إليها و هو الذي أمر ولديه بالخروج معه و كان مغتبطاً باستشهادهما معه و مواساتهما له ، و أن سيرته و مواقفه بعد الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> لأصدق شاهد على ايمانه و إخلاصه في ولائه لعمه و أبناء عمه و لدينه و عقيدته .</P>

<P dir=rtl><B>افتراءات الأمويين عليه</B></P>

<P dir=rtl>و جاء في العيون و المجالس للبيهقي ان عبد الله بن عباس و عمرو بن العاص كانا في مجلس معاوية فتعرض عمرو بن العاص لعبدالله بن جعفر و نال منه ، فقال له إبن عباس رحمه الله : ان عبد الله ليس كما تذكر يا إبن العاص ، و لكنه لله ذكورا و لنعمائه شكوراً و عن الخني زجوراً جواد كريم و سيد حليم لا يدعى لدعي و لا يدنو لدني كمن اختصم فيه من قريش شرارها و غلب عليه جزارها فأصبح آلامها حسبا و أدناها نسباً ، و مضى يقول : و ليت شعري بأي قدم تتعرض للرجال و بأي حسب تبارز عند النضال ، أبنفسك و أنت الوغد الزنيم أم بمن تنتمي إليه من أهل السفه و الطيش و الدناءة في قريش لا بشرف في الجاهلية اشتهروا و لا بقديم في الإسلام ذكروا و كان إبن عباس في قوله هذا يعرض بابن العاص لأنه كان متهما في نسبه كما تؤكد ذلك أكثر المصادر التي تعرضت لتاريخه .</P>

<P dir=rtl>أما ما جاء في بعض المجاميع عنه من أنه في الشطر الأخير من حياته كان مولعا بالقيان و الغناء و اللهو و الفساد و ما إلى ذلك من الافتراءات فهو من وضع الأمويين الذين سخَّروا بعض الرواة و القصاصين للنيل من مقام أمير المؤمنين <B>( عليه السَّلام )</B> و من يتصل به بنسب قريب أو بعيد و عبد الله بن جعفر هو بمنزلة أولاده و الابن المفضل عنده من أولاد أخيه جعفر و زوج ابنته عقيلة بني هاشم و كان من أبرز الطالبيين بعد أولاد عمه أمير المؤمنين <B>( عليه السَّلام )</B> في أكثر صفاته و مواهبه .</P>

<P dir=rtl>لقد شق على معاوية و حزبه ان يبرز حفيد أبي طالب على أقرانه من أبناء المهاجرين و الأنصار بفضله و عبادته و جوده و كرمه و أن يسميه الناس بحر الجود و يتحدثون عنه في نواديهم و مجالسهم بأكرم الصفات و المزايا و لا يذكرون أحداً من أحفاد أمية وفتيانهم الا بما هم عليه من ممارسة الفجور و الفساد و الغناء و انتهاك الحرمات فسخر رواته و قصاصيه لينسبوا إليه ممارسة الغناء و الفساد و التلهي بالجواري و الراقصات ، حتى لا يبقى الفساد و الفجور من محتكرات أبنائهم و أحفادهم و وقفا على قصورهم و منتجعاتهم و ليصرف الأنظار عما شاع و ذاع عن ولده الخليع الفاجر و ليس ذلك بغريب على إبن هند و سليل أمية فلقد كان يعمل بكل ما لديه و بدون حياء و خشية هو و من سخَّرهم من الرواة و القصاصين و يفتري على علي و ولده الحسن سبط الرسول فوضعوا له عشرات الأحاديث التي تسيء إليهما و ترفع من شأنه و شأن اسرته ، و يبذل الأموال بلا حساب في هذا السبيل ، و كان بذلك كأنه يأخذ بضبعيهما إلى السماء ، و كانوا بما رووه له في اسرته و ذويه كأنما ينشرون جيف الحمير على حد تعبير الشعبي و عبد الله بن عروة بن الزبير .</P>

<P dir=rtl>لقد حاول ان يضع من شأن الحسن السبط فسخرهم لأن يقولوا ان عليا <B>( عليه السَّلام )</B> كان إذا مرَّ على حشد من النساء يقول لهن : من منكن تحب ان تكون زوجة لأمير المؤمنين فيقلن له : كلنا مطلقات ولدك الحسن ، و أن الحسن <B>( عليه السَّلام )</B> تزوج بأكثر من مائتين و خمسين إمرأة إلى غير ذلك من مفترياته ، و لم يعد غريبا عليه إذا سخر أذنابه ليلصقوا بحفيد أبي طالب عبد الله بن جعفر و بحر الجود كما كان يصفه الناس ، انه كان منصرفا إلى القيان و الغلمان و الجواري الراقصات ليستر بذلك اسراف ولده و أسرته أحفاد أمية بالفجور و المنكرات .</P>

<P dir=rtl>و على ذلك مضى من جاء بعده من الأمويين فحيث كانت قصورهم تعج بالغلمان و الندماء و الراقصات ، و كانت بناتهم و نساؤهم يمارسن الفجور و الرقص و الغناء إلى جانب الرجال و الغلمان سخروا القصاصين و الكذبة من الرواة لينسبوا إلى سكينة بنت الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> شقيقة الامام زين العابدين انها كانت تجتمع إلى المغنين و المغنيات و الشعراء و المخنثين و تبادلهم الشعر و الغناء و عندما يستبد بها الطرب أو الاعجاب بشعر أحدهم تمد لهم يدها لينتزعوا الحلي من سواعدها ، و ما إلى ذلك من المنكرات ليستروا بذلك مفاسدهم و فجورهم و استهتارهم نساء و رجلا بالإسلام و تعاليمه و قيمه و آدابه .</P>

<P dir=rtl><B>لمحات عن المصائب التي اعترضت حياة زينب منذ طفولتها</B></P>

<P dir=rtl>لقد شاءت الأقدار و الصدف ان تتعرض الحوراء زينب بنت علي و فاطمة لتلك الأحداث الجسام منذ طفولتها حتى النفس الأخير من حياتها و أصبحت حياتها محفوفة بسلسلة من الآلام منذ البداية و حتى النهاية .</P>

<P dir=rtl>صحيح ان كل الناس لا تخلو حياته من الهموم و المتاعب و الآلام من غير فرق بين عامة الناس و بين ذوي الجاه و السلطان و الثراء ، و قديما قيل : إذا انصفك الدهر فيوم لك و يوم عليك ، و من الذي استطاع في حياته ان ينجو من البلاء و النكبات و أن يحقق جميع رغباته و ما يطمح إليه في حياته ، و لم يبتلى اما بنفسه أو بعزيز من أعزائه و أبنائه أو بأشخاص من خارج اسرته ينغصون عليه حياته .</P>

<P dir=rtl>و لكن من غير المألوف ان يكون الإنسان مستهدفاً للمحن و الأرزاء و المصائب منذ طفولته و حتى آخر لحظة من حياته و أن يعيش في خضم الأحداث و المصائب و الأرزاء كما عاشت عقيلة الهاشميين التي احاطت بها الشدائد و النوائب من كل جهاتها و توالت عليها الواحدة تلو الأخرى حتى و كأنها و إياها على ميعاد و أصبحت تعرف بأم المصائب أكثر مما تعرف باسمها .</P>

<P dir=rtl>فقد شاهدت جدها المصطفى و هو يصارع الموت و أمها و أبوها و خيار الصحابة يتلوون بين يديه مذهولين عن كل شيء إلا عن شخصه الكريم و مصير الإسلام من بعده ، و شاهدت وفاته و انتقاله إلى الرفيق الأعلى و فجيعة المسلمين به و بخاصة أبيها و أمها ، و سمعت أباها أمير المؤمنين يقول يومذاك : لقد نزل بي من وفاة رسول الله<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>ما لم أكن أظن الجبال لو حملته عنوة كانت تنهض به ، و رأيت الناس من أهل بيتي ما بين جازع لا يملكن جزعه و لا يضبط نفسه و لا يقوى على حمل ما نزل وحلَّ به ، و بين من أذهب الجزع صبره و أذهل عقله و حال بينه و بين الفهم و الافهام و القول و الإسماع. </P>

<P dir=rtl>و ليس ذلك بغريب و لا مستهجن إذا أصيب أهل البيت بذلك و أكثر منه فان تأثير المصائب و الاحداث انما يكون حسب جسامتها و ما يرافقها و يحدث بعدها على ذوي الفقيد و على مجتمعه ، و أهل البيت <B>( عليهم السَّلام )</B> من أعرف الناس بمقام النبي و أكثرهم انصهارا بمبادئه و رسالته و بما قدمه للبشرية في كل عصر و زمان و يدركون الأخطار التي ستحيط بالرسالة و بهم ممن لم يخالط الإسلام قلوبهم و ممن كانوا ينتظرون وفاته بفارغ الصبر .</P>

<P dir=rtl>هذا بالإضافة إلى انه كان قد حدث أهل بيته بكل ما سيجري عليهم من بعده و كرره على مسامعهم أكثر من مرة تصريحاً و تلويحاً ، و حتى ساعة وفاته كان ينظر إليهم و يبكى و قال لمن سأله عن بكائه : ابكي لذريتي و ما يصنعه معهم شرار أمتي من بعدي .</P>

<P dir=rtl>لقد شاهدت زينب كل ذلك و كانت تتلوى وتتألم إلى جانب أمها و أبيها ، و شاهدت محنة أمها الزهراء و بكائها المتواصل على أبيها في بيت الأحزان ، و دخول القوم إلى بيتها و انتهاك حرمتها و اغتصاب حقها و ارثها و إسقاط جنينها ، و هي تستغيث و تناشد القوم ان يراعوا وصية رسول الله<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>فيها و في أهل بيته فلا تغاث ، هذا و بلا شك فان العقيلة يومذاك كانت تتلوى و تصرخ إلى جانب أمها و تكاد صرختها تخرج من حشاها اللاهب الذي يقطعه الأسى و الألم ، و بعد أيام معدودات من مواقف القوم و إسقاط جنينها من آثار تلك الصدمة شاهدت أمها جثة هامدة على المغتسل تجهزها أسماء بن عميس و جاريتها فضة إلى مقرها الأخير بجوار أبيها الذي بشَّرها بالموت السريع و قال ها : أنت أول بيتي لحوقاً بي فابتسمت للموت السريع الذي لا يبتسم له إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً ، و رأت أباها و هو يبكيها و يندبها بقوله : قل يا رسول الله عن صفيتك صبري و رقَّ عن سيدة النساء تجلدي ، لقد استرجعت الوديعة و أخذت الرهينة و ستنبئك بتضافر أمتك على هضمها فاحفها السؤال و استخبرها الحال ، اما حزني فسرمد و أما ليلي فمسهد ، إلى آخر ما جاء عنه في وداعها و هي تتلوى لفقد أمها و ما حل بأبيها .</P>

<P dir=rtl>و ظلت تتجرع آلام تلك الأحداث طيلة حياتها و شاهدت بعد أن أصبحت زوجة و أماً لاسرة من أحفاد جدها أبي طالب مصرع أبيها أمير المؤمنين و آثار تلك الضربة الغادرة بسيف البغي و العدوان في رأسه و سريان السم في جسده الشريف و دموعه تتحدر على خديه و هو يقلب طرفه بالنظر إليها تارة و إلى أخويها الحسن و الحسين أخرى و يتلوى لما سيجري عليهم من بعده من مردة الأمويين و طواغيتهم .</P>

<P dir=rtl>و شاهدت أخاها الحسن السبط أصفر اللون يجود بنفسه و يلفظ كبده<B><B>[11]</B></B> قطعاً من آثار السم الذي دسه إليه إبن هند و كان من في البيت قد وضعوا طشتا بين يديه و هو يقذف كبده فيه ، و لما أحس بدخولها عليه كالمذهولة أمرهم باخراج الطشت من امامه اشفاقا عليها ، و حينما حمل المسلمون نعشه لمواراته إلى جانب مرقد جده كما كان يتمنى رأت عائشة المسماة بأم المؤمنين على بغلة و حولها طواغيت بني أمية و هي تصيح بأعلى صوتها : و الله لا يدفن الحسن مع جده أو تجز هذه مشيرة إلى ناصيتها و تقول لمن كان محيطا بنعشه من الهاشميين : يا بني هاشم لا تدخلوا بيتي من لا احب ، و هي لا تملك من البيت غير الثمن من التسع و رأت أخاها الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> حينما واراه في قبره يبكيه بلوعة و أسف و يقول :</P>

<P dir=rtl align=center>سأبكيك ما ناحت حمامة ايكة * و ما اخضر في دوح الحجاز قضيب</P>

<P dir=rtl align=center>أ أدهن رأسي أم تطيب مجالسي * و خدك معفور و أنت سليب</P>

<P dir=rtl align=center>غريب و أكناف الحجاز تحوطه * ألا كل من تحت التراب غريب</P>

<P dir=rtl align=center>فلا يفرح الباقي ببعد الذي مضى * فكل فتى للموت فيه نصيب</P>

<P dir=rtl align=center>بكائي طويل و الدموع غزيرة * و أنت بعيد و المزار قريب</P>

<P dir=rtl align=center>و ليس حريباً من أصيب بماله * و لكن من وارى أخاه حريب</P>

<P dir=rtl>و كانت العقيلة شريكته في كل ما كان يعانيه لفقد أخيه و ما رافق ذلك من أحداث تلت وفاته و استمرت طيلة حياتها في سلسلة من المصائب و الأحزان بين الحين و الآخر طيلة تلك الأعوام حتى كانت مصيبتها الكبرى بأخوتها و سراة قومها على صعيد كربلاء و اشتركت بأكثر فصولها ، و لم يبق غيرها لتلك القافلة من النساء و الأيتام و الأسرى بعد تلك المجزرة الرهيبة و خلال مسيرتها من كربلاء إلى الكوفة و منها إلى الشام عاصمة الجلادين .</P>

<P dir=rtl>هكذا كانت حياة السيدة زينب من حين طفولتها إلى الشطر الأخير من حياتها حياة مشبعة بالأحزان متخمة بالمصائب و الآلام و بعد هذه الإشارة الموجزة إلى جميع مراحل حياتها يحق لنا ان نتساءل عن مواقفها من تلك الأحداث ، هل أصيبت بما تصاب به النساء و حتى الرجال من الإضطراب ، و هل هيمنت عليها العاطفة العمياء التي لا يبقى معها اثر لعقل و دين و خرجت عن حدود الاحتشام و الاتزان كما يخرج عامة الناس في مثل هذه الحالات و الأحداث الجسام . لقد كانت إبنة محمد و علي و فاطمة و أخت الحسنين و حفيدة أبي طالب أثبت من الجبال الرواسي و أقوى من جميع تلك الأحداث و الخطوب التي لا يقوى على مواجهتها أحد من الناس ، لقد وقفت في مجلس إبن زياد في الكوفة متحدية لسلطانه و جبروته تنقضُّ عليه كالصاعقة غير هيابة لوعيده و لا لسياط جلاديه ، كما وقفت نفس الموقف في مجلس بن ميسون و أثارت عليه الرأي العام الإسلامي بحجتها و منطقها مما جعله يتباكى على الحسين و يكيل الشتائم لابن مرجانة كما ذكرنا .</P>

<P dir=rtl>لقد تحولت تلك المحن و المصائب بكاملها إلى عقل و صبر و ثقة بالله ، و كشفت كل نازلة نزلت بها عن أسمى معاني الكمال و الجلال في نفسها و عقلها و عن أسمى درجات الايمان و الصبر الجميل و لم يكن اعتصامها بالله و ثقتها به الا صورة صادقة لاعتصام جدها و أبيها وثقتهما به في أحلك الساعات و أشد الازمات ، و أي شيء أدل على ذلك من قيامها بين يدي الله سبحانه للصلاة ليلة الحادي عشر من المحرم و أخيها الحسين و بنيها و إخوتها و أبناء عمومتها و أصحاب أخيها جثث على ثرى الطف تسفى عليهم الرياح ، و من حولها عشرات النساء و الأطفال في صياح و عويل يملأ صحراء كربلاء و جيش إبن زياد و إبن سعد يحيط بها من كل جانب .</P>

<P dir=rtl>ان صلاتها في تلك الليلة و في ذلك الجو الذي يذهل فيه الإنسان عن نفسه مهما بلغ من رباطة الجأش و قوة الارادة كصلاة جدها رسول الله<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>في المسجد الحرام في مطلع الدعوة و المشركون يومذاك على شراستهم يحيطون به من كل جانب و مكان يرشقونه بالحجارة و بما أعدوه لإهانته من الأوساخ و النافيات و يتوعدونه بكل أنواع الاساءة ، و كصلاة أبيها أمير المؤمنين في وسط المعركة في صفين و القتلى تتساقط عن يمينه و شماله . و معاوية يحرِّض جيشه على مواصلة القتال و اغتياله بكل الوسائل و كصلاة أخيها سيد الشهداء في وسط المعركة يوم العاشر من المحرم و سهام أهل الكوفة تنهال عليه من كل جانب و مكان . و أن لم يكن لها الا قولها حين مروا بموكب السبايا في طريقهم على مصارع القتلى و رأت أخاها الحسين و بنيها و إخوتها و أبناء عمومتها و أنصارهم أشلاء مبعثرة هنا و هناك ان لم يكن لها إلا قولها حين نظرت إلى تلك الاشلاء اللهم تقبل منها هذا القربان يكفها لأن تكون فوق مستوى الإنسان مهما بلغ من العلم و المعرفة و الصبر و قوة الإيمان .</P>

<P dir=rtl>و خلال حديثي عن ثورة الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> لقد عرضت بعض الجوانب من مواقف العقيلة في كربلاء خلال المعركة و بعدها و في الكوفة مع أهالي الكوفة الذي خرجوا يبكون و يندبون الحسين و من قتل معه ، و مع إبن مرجانة في قصر الخضراء حينما رأت الابتسامة تملأ شدقيه و رأس أخيها سيد الشهداء بين يديه ينكت ثناياه بمخصرته و يتمنى حضور أشياخه الذين صرعهم علي بن أبي طالب والد الحسين في معركة بدر إلى غير ذلك من مواقفها الكريمة التي ضربت فيها أروع الأمثلة في البطولات و الشمم و المثل العليا ، و بينت بمواقفها للعالم في كل عصر وجيل ان المرأة المسلمة باستطاعتها ان تزعزع عروش الطغاة و فراعنة العصور و أن تقلب الدنيا على رؤوسهم كما فعلت إبنة علي و الزهراء.</P>

<P dir=rtl><B>مرقد العقيلة زينب بنت علي </B><B>( عليه السَّلام )</B></P>

<P dir=rtl>و أرى بعد هذا العرض السريع للمراحل التي مرت بها العقيلة في بيت أبيها و زوجها و مع أخيها في رحلته إلى الشهادة ان أتحدث و لو بأقصى ما يمكن من الإيجاز عن مرقدها الذي ادعته الأقطار الثلاثة : المدينة المنورة في الحجاز ، و محلّة الفسطاط من القاهرة في مصر ، و محلة الغوطة في القرب من دمشق الشام ، لها مرقدان حتى يومنا هذا في القاهرة و دمشق الشام تقصدها مئات الالوف كل عام من المسلمين لزيارتها و التبرك بمرقدها و التوسل إلى الله بجدها المصطفى و أبيها المرتضى و أمها الزهراء لقضاء حوائجهم ، اما قبرها في المدينة فلقد كان في البقيع إلى جانب غيره من قبور أهل البيت و صلحاء المسلمين من صحابة الرسول و غيرهم ، و لما انتقلت السلطة إلى الوهابيين و حكموا الحجاز هدموا قبور أهل البيت و غيرهم من المسلمين و حاولوا هدم قبر النبي<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>بحجة ان بناء القبور و زيارتها من أنواع الشرك بالله لولا الضجة العالمية من جميع المسلمين في جميع انحاء العالم التي اعترضت تصميمهم على هدمه .</P>

<P dir=rtl>انهم يرون زيارة البناء الذي يضم رفات الأنبياء و الصديقين و الائمة الطاهرين شركا و الحادا ، اما القصور التي تجمع بين جدرانها آلاف الجواري و الراقصات و مئات الاطنان من الخمور فلا تتنافى مع الإسلام و لا مع تعاليمه و مقدساته عند أدعياء الإسلام و حكام العصور ، ان تقديس المسلمين لقبر النبي<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>و قبور الأئمة الطاهرين و زيارتهم الذي ضحوا بأنفسهم و بكل ما يملكون في سبيل الإسلام و مقدساته و من أجل الإنسان و كرامته التي داسها الأمويون و فراعنة العصور بأقدامهم ، ليست الا احتجاجا صارخاً على الباطل و أهله و تعبيراً صادقاً عن الإخلاص للحق و النقمة على الجور و صواعق تنهال على رؤوس الطغاة و الظالمين في كل زمان و مكان .</P>

<P dir=rtl><B>مع الوهابيين بمناسبة الحديث عن مرقد العقيلة</B></P>

<P dir=rtl>بهذه المناسبة و قبل الخوض في تفاصيل ما قيل حول مرقدها و نظرا لأن الوهابيين يرون تشييد قبور الأولياء و زيارتها من أنواع الشرك و لا يزالون يواصلون حملاتهم المسعورة على الشيعة رأيت نفسي مدفوعا إلى هذه الوقفة القصيرة معهم لأعود بعدها إلى مواصلة الحديث عن مرقدها الذي تضاربت الآراء حوله ، لأن السكوت الذي التزمناه عن أولئك المسعورين حرصا منا على وحدة الصف لم يضع حدا لعدوانهم بل زادهم امعانا في البغي و العدوان و التعامل مع الشيعة بأسوأ من معاملتهم لغير المسلمين كما سنقدم بعض الأرقام على ذلك .</P>

<P dir=rtl>ان حماة الحرمين يحافظون على معابد السنة و مقابرهم و يبذلون لتشييدها و ترميمها الملايين من الدولارات و نحن نبارك عملهم هذا لو كانوا لا يميزون بين مسجد و مسجد و لا بين مقبرة و مقبرة و لكنهم و مع الأسف الشديد لا يبذلون قرشاً واحداً على مساجد الشيعة و معابدهم و يتتبعون قبور صلحائهم و أوليائهم بالهدم والتخريب و يدعون بأن تشييد قبور الأنبياء و الأئمة من ذرية الرسول كفر و شرك بالله مع العلم بأن الشيعة انما يحترمون قبور الأنبياء و الأئمة باعتبارها رمزا لمن حلَّ بها من أولئك الذين ضحوا بأنفسهم و بكل ما يملكون في سبيل الله و الإسلام والمستضعفين في الأرض و كانوا ثورة على الشرك و الظلم و العدوان و من أجل الإنسان و كرامة الإنسان .</P>

<P dir=rtl>ولم يكتف الوهابيون بذلك بل يعاملون الشيعة بأسوأ مما يعاملون به الكفار و المشركين بالله كما ذكرنا فلا يقبلون شهادة الشيعي على غيره مهما بلغ من الدين و التقوى و يقبلون شهادة السني و البدوي عليه و لو خرجا من نوادي القمار و موائد الخمور و من بين أحضان البغايا و المومسات في حين ان الشيعة يقبلون شهادة البدوي و القروي و النجدي على الشيعي و غيره إذا كان الشاهد عادلا ملتزما بفعل ما أمر الله به و ترك ما نهى عنه ، هذا مع العلم بأن الحنابلة الذين يعمل الوهابيون بفقههم لا يقبلون شهادة البدوي على القروي و يقبلها الوهابيون إذا كان البدوي نجديا و القروي من خارج نجد<B><B>[12]</B></B> .</P>

<P dir=rtl>ان الوهابيين يفرقون بين الشيعي و غيره في أكثر الأحكام الشرعية و يحاربون جميع الآثار الشيعية و يبذلون ملايين الدولارات للدس و الكذب على الشيعة و أئمة الشيعة الذين بذلوا حياتهم و جميع ما يملكون في سبيل الإسلام و المسلمين و لم يفرقوا بين فئة و فئة و لا فريق و فريق ما دام الجميع يشهدون لله بالوحدانية و لمحمد بالنبوة و الرسالة .</P>

<P dir=rtl>انهم يتعاملون مع الشيعة بنفس الروح التي كان يتعامل بها معهم الأمويون و العباسيون و يراقبون جميع تحركاتهم و تصرفاتهم حتى و كأنهم من ألد أعداء العرب و الإسلام و لم يأخذوا بأي أثر من آثار أهل البيت التي تجسد إسلام محمد بن عبد الله و يمنعون جميع الكتب الشيعية القديم منها و الحديث من الدخول للبلاد التي يحكمونها في شبه الجزيرة العربية و يحظرون على بائعي الكتب استيراد جميع المؤلفات الشيعية التي تتحدث عن الدين و الأخلاق الإسلامية و الأدب و الفلسفة و التاريخ و ما إلى ذلك من المواضيع الإسلامية مع العلم بأن أصحاب تلك المؤلفات يحملون روحا إسلامية صادقة تدافع و تناضل عن كل من ينتسب إلى الإسلام حتى و لو لم يكن شيعيا ، و لا يتعرضون في مؤلفاتهم للعائلة الحاكمة و لا لسياستهم و سيرتهم و إسرافهم في اللهو و المنكرات كما تتحدث عنهم الصحف و وكالات الأنباء العالمية و الأجنبية و لا ذنب للشيعة الا انهم يوالون أهل بيت نبيهم محمد بن عبد الله<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>الذين أمر الله بمودتهم كما جاء في الآية لا اسألكم عليه أجرا الا المودة في القربى و أكدته عشرات النصوص التي روتها مجاميع الحديث السنية و صحاحهم .</P>

<P dir=rtl>انهم يمنعون الكتب الشيعية و مؤلفات الشيعة القديم منها و الجديد من الدخول لبلادهم و يعاقبون من يستوردها و يقتنيها و يقتنون و يستوردون كتب الفسوق و الفجور و الخلاعة والمستشرقين من أعداء الإسلام و الكتب التي تُعلِّم الناس الفوضى و الفساد و الكفر و الإلحاد ، و التي تعود بالحياة مئات السنين و الأعوام إلى الوراء ، و يحاربون الكتب التي تدعو إلى الإسلام و تدافع عنه و تحث على العمل بكتاب الله و سنة نبيه رسول الرحمة و الحرية و الكرامة .</P>

<P dir=rtl>ان شيوخ الوهابية في أواخر القرن العشرين يحكمون بعدم صحة زواج السنية من الشيعي الموالي لعلي و آل بيت نبيهم محمد بن عبد الله رسول الرحمة و العدالة و المحبة كما يحكمون بعدم صحة زواجها من المشركين .</P>

<P dir=rtl>فقد جاء في جريدة الجزيرة السعودية عدد 3105 تاريخ 14 شباط سنة 1981 ـ 10 ربيع الثاني 1401 جاء فيها سؤال موجه إلى أحد شيوخ الوهابية من شخص يدعى حسين حاجي في الرياض يسأل فيه ما حكم زواج السنية من الشيعي . و يقول الشيخ الوهابي في جوابه كما جاء في الجريدة المذكورة : لا يجوز زواج السنية من الشيعي و لا يقبل هذا الزواج و يفسخ إذا حصل و يعاقب من يفعل ذلك لأن أهل السنة و الجماعة طريقهم معروف في القول و العمل و الإعتقاد و الشيعة طريقهم معروف و لا مقاربة بينهما لا في الأصول و لا في الفروع .</P>

<P dir=rtl>بهذه الصلافة و الوقاحة و الجرأة على الله و رسوله يتكلم أحد شيوخ الوهابية و يحكم بفساد عقد النكاح إذا وقع بين سنية مسلمة و شيعي مسلم و بفسخه و معاقبة من يفعل ذلك ، و ينطلق شيخ الوهابيين لجوابه هذا و هو في أواخر القرن العشرين من ان الشيعة لا يلتقون و لو من بعيد مع أهل السنة لا في أصول الإسلام و لا في فروعه .</P>

<P dir=rtl>و هذا الجواب و إن كان من نوع اللغو و الهذيان و لا يستحق غير السخرية ، و لكني أرى لزاما علي ان أقول لهذا الشيخ و لغيره من شيوخ السوء الحاقدين على أهل البيت و شيعتهم و الذين يتكلمون بلغه الأمويين و إبن تيمية و محمد بن عبد الوهاب ، ان أصول الإسلام عند الشيعة هي توحيد الله الواحد الأحد و عدله و نبوة محمد بن عبد الله و المعاد ، و فروع الإسلام هي الصلاة و الصيام و الحج و الزكاة و جهاد الكافرين و الظالمين المستهترين بأحكام الله و حقوق الناس و كرامتهم و هذه الأصول و الفروع يجب الالتزام بها على كل بالغ عاقل قولا و عملا و الشيعة يعتقدون بأنهم يلتقون مع إخوانهم أهل السنة في أصول هذه المبادئ و الإعتراف بها و على أساس ذلك فهم يزوجون أهل السنة من بناتهم و يتزوجون بنات أهل السنة .</P>

<P dir=rtl>و إذا كان المذهب الوهابي الذي قيل عنه في جميع الأوساط السنية بأنه بدعة و لا يزال هذا الوصف شائعا عنه بين أهل السنة إلى جانب قولهم بأنه لا يمت إلى الإسلام بسبب ، إذا كان المذهب الوهابي لا يعترف بهذه الفروع و الأصول أو ببعضها فلا مقاربة بين الشيعة و الوهابية كما يدعي فضيلة الشيخ الوهابي ، و الشيعة بناء لذلك لا بد و أن يلتزموا بأنه لا يصح زواج الشيعية من الوهابي و إذا وقع بينهما زواج يفسخ الزواج و يعاقب من يفعل ذلك ، و يجب أن يعلم فضيلة الشيخ الوهابي الذي يكفر الشيعة لأنهم يوالون أهل البيت <B>( عليهم السَّلام )</B> انه لولا المليارات التي تتدفق على البلاد الإسلامية من السعودية لكان المذهب الوهابي بدعة بنظر أكثر علماء السنة و مفكريهم ، و قد سبق لعلماء السنة قبل أن يظهر البترول في تلك البلاد و في عهد إبراهيم باشا بالذات الذي ملك بلادهم و دخل عاصمتهم الدرعية أن حكموا على المذهب الوهابي بذلك و على اساسه قتل إبراهيم باشا نحوا من خمسمائة من علمائهم و فقهائهم .</P>

<P dir=rtl>فقد جاء في كتاب إبراهيم باشا للمستشرق ( بيير كربيس ) ص 40 طبعة سنة 1937 جاء فيه انه لما تغلب إبراهيم باشا على السعوديين و ملك بلادهم و دخل عاصمتهم الدرعية و خضع له جميع أمراء البيت السعودي استدعى رجال الدين و الفقهاء السعوديين و كان عددهم خمسمائة و قال لهم : لقد احضرت معي من القاهرة جماعة من أكابر العلماء السنيين أريد أن تجتمعوا بهم و تبحثوا أسباب الخلاف المستحكم بين عقائدكم و عقائد أهل السنة من المسلمين ، فاجتمع الفريقان نزولا عند أمره و ظلَّ خطباؤهم ثلاثة أيام كاملة يتناقشون في الفروق الدقيقة بين المذهبين و إبراهيم باشا معهم يستمع لأقوال الفريقين و لما لم يتوصلوا إلى نتيجة حاسمة أقفل باب الجدل وتوجه بالسؤال إلى كبير مشايخ الوهابيين و قال له :</P>

<P dir=rtl>هل تؤمن بأن الله واحد و أن الدين الصحيح هو دينكم وحده فقال له الشيخ : اني أؤمن بذلك ، فقال له إبراهيم باشا : ما رأيك في الجنة ايها الخنزير و ما عرضها ـ على حد تعبير المؤلف ـ ، فقال له الشيخ : عرضها كعرض السموات و الأرض أعدت للمتقين ، و هنا قال له الباشا : إذا كان عرضها كعرض السموات و الأرض و أنت و أصحابك تظللكم شجرة واحدة من شجراتها فلمن تكون المساحة الباقية و لماذا جعلها الله بتلك السعة إذا كنتم وحدكم من أهلها كما تدعون ، فأفحم الشيخ و بان عليه الفشل و الإنكسار فأمر إبراهيم باشا جنوده بقتلهم عن آخرهم فلم تمض سوى دقائق معدودة حتى كان مسجد الدرعية مقبرة لجميع أولئك الفقهاء<B><B>[13]</B></B> .</P>

<P dir=rtl>إن ما فعله إبراهيم باشا بفتوى فقهاء السنة لا يقره المذهب الشيعي و لا يُكفِّر فقهاء الشيعة أحداً من أهل القبلة سواء في ذلك الوهابيين و غيرهم ما لم ينكروا أصلاً من أصول الإسلام و فرعا من فروعه أو يعلن ارتداده عن الإسلام و إن كان الشيخ الوهابي و غيره من شيوخ السوء يعتبرون الشيعة كغيرهم من المشركين و الكافرين كما يقتضيه حكمهم بعدم جواز تزويجهم من السنيات .</P>

<P dir=rtl>و يجب ان يعلم شيوخ الوهابية بأن الشيعة يؤمنون بالله الواحد الأحد الذي لا شبيه له و لا ولد و بنبوة محمد بن عبد الله و بكل ما جاء به من عند الله و يعتبرون الصلاة و الصيام و الزكاة و جهاد الكافرين و المفسدين في الأرض و الظالمين من أركان الإسلام و من أنكر شيئاً من ذلك فهو بحكم الكافرين و المشركين عندهم و يفرضون على الرجال و النساء ان يتعلموا أصول دينهم و فروعه كما يُكفِّرون القائلين بالتجسيم و التشبيه و الحلول و الإتحاد من فرق المسلمين كما يجب ان يعلم شيوخ الوهابية ان الخلافات الواقعة بين السنة و الشيعة في الأصول و الفروع ليست بأكثر و لا اسوأ من الخلافات الواقعة بين الفرق السنية العقائدية و المذهبية و أن الخلاف بين السنة و الوهابيين قد بلغ اقصى حدوده و من أجل ذلك فقد عدهم أهل السنة من أصحاب البدع و أباد فقهائَهم إبراهيم باشا بفتوى علماء السنة كما ذكرنا و لكن ذلك قد كان قبل ظهور البترول في بلادهم .</P>

<P dir=rtl>و مع ان الشيعة لم يقفوا في يوم من الأيام من الوهابيين موقف أهل السنة منهم فالشيعة قد كانوا و لا يزالون مستهدفين لحملاتهم المسعورة و تدرِّس حكومة الوهابيين في مدارسها الرسمية كتب المستأجرين الذين يزوّرون التاريخ و يفترون على أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس كما نصت على ذلك الآية الكريمة ، و الذين جعلهم النبي كسفينة نوح لا ينجو الا من تمسك بهم كما روت ذلك أكثر مجاميع الحديث السنية ، و في السنة الماضية اصدرت وزارة الأوقاف كتابا للجبهان أسماه تبديد الظلام و تنبيه النيام و وزعته مجانا في البلاد الإسلامية مشحونا بالكذب و الإفتراء على الشيعة و أئمة الشيعة و السباب و الشتائم لعلمائهم و مؤلفيهم و بلغت به الوقاحة و الصلف ان تناول فيه امام المسلمين و الاستاذ الأكبر لقادة فقهاء المذاهب الإسلامية الاربعة كما يعترف بذلك أهل السنة في مؤلفاتهم جعفر بن محمد الصادق <B>( عليه السَّلام )</B> و وصفه بالماسونية و انه هو الذي وضع أصولها ، و قد أهدي اليَّ الكتاب فرفضت قبوله و أفتيت بحرمة اقتنائه و قراءته لأنه من كتب الضلال التي يجب اتلافها و وضعها في بيوت الخلاء و مع النفايات .</P>

<P dir=rtl>و يجب ان يعلم الوهابيون و أسيادهم ان الطاقات العلمية و الفكرية و الأدبية الموجودة عند الشيعة و علمائهم و مفكريهم ليست موفورة لدى أحد من علماء الوهابيين و غيرهم و باستطاعة الشيعة ان يردوا الصاع أكثر من صاعين و الكيل أكثر من مثليه و أن يثبتوا للجبهان و غيره من شيوخ الوهابية المبتدعة المسعورين الذين لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه ان الشيعة هم المسلمون الذين كانوا و لا يزالون متمسكين و عاملين باسلام محمد بن عبد الله<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>كما انزل عليه من خالق الأرض و السماء و غيرهم شذ عن الإسلام و انحرف عنه قولاً و عملا و فكرا و لكنهم لا ينزلون إلى مستوى الجبهان و أمثاله من حلفاء الشيطان الحاقدين على أهل البيت و شيعتهم لأن ذلك لا يخدم مصلحة الإسلام و لا يستفيد منه سوى اعداؤه و ستبقى مصلحة الإسلام العليا هدفهم الأول و الأخير كما عودهم على ذلك أئمتهم <B>( عليهم السَّلام )</B> و سلام الله و تحياته على سيد المسلمين و امامهم أمير المؤمنين الذي كان يتجاهل كل حقوقه و يتنكر لجميع مصالحه عندما يرى الخطر محدقا بالإسلام و يقول : و الله لأسالمن ما سلمت أمور المسلمين و لم يكن جور إلا علي خاصة .</P>

<P dir=rtl> و أنا نناشد المسؤولين في المملكة السعودية ان يراقبوا تصرفات شيوخهم و أحكامهم الجائرة و دائرة الأوقاف التي تبذل الملايين على طباعة كتب المسعورين و الحاقدين على الإسلام و حماته و علمائه كالجبهان و أمثاله الذين يسيئون في كتبهم و أحكامهم و أجوبتهم على ما يوجه إليهم من الأسئلة إلى أئمة المسلمين و علماء المسلمين و يعملون على تمزيق شمل الامة و تبديد وحدتها و قوتها و طاقاتها التي تجب ان تستغل لصد هجمات الأعداء في الشرق و الغرب و تحرير القدس أولى القبلتين من أيدي الغزاة الغاصبين ، و المسلمون في أيامهم هذه في أمس الحاجة إلى المخلصين العالمين لجمع الكلمة و توحيد الصفوف و نبذ الخلافات الطائفية و المذهبية التي لا تخدم غير إسرائيل و أعوانها من أعداء العرب و الإسلام .</P>

<P dir=rtl>كما نتمنى على علماء المسلمين في مصر و غيرها من الأقطار الإسلامية ان لا يقفوا موقف المتفرج من تلك التحديات و الاستفزازات التي تصدر من شيوخ الوهابيين بين الحين و الآخر لأخوان لهم في الدين لا لشيء الا لأنهم يدينون بالولاء و المحبة لأهل بيت رسول الرحمة و المحبة و الكرامة و أن ينصحوا أولئك الشيوخ و حكامهم عن التحرش و التحديات السافرة المتواصلة للطائفة الشيعية التي تشكل أكبر مجموعة في العالم الإسلامي ، و أن يصرفوا طاقاتهم المادية و العلمية لرد هجمات العدو المشترك في الشرق و الغرب و صنيعته الجاثم على حدودهم و الطامع الأول بخيرات بلادهم و حسب تقديري ان نداء واحدا يوجهه شيخ الأزهر لحكام السعودية بهذا الخصوص سيكون أجدى وأنفع من كتاب يصدره أحد الشيعة لرد تلك الهجمات المسعورة .</P>

<P dir=rtl>و مهما كان الحال فلقد جرني الحديث عن موقف الوهابيين من قبور الأئمة و الأولياء إلى هذه الصورة الموجزة عن حملات الوهابيين على الشيعة و التي ما زالت تتصاعد بين الحين و الآخر مكتفياً بهذا المقدار اليسير من الحوار الهادىء من الوهابيين لأعود إلى الحديث عن مرقد العقيلة و موقف الشيعة من زيارة القبور و لأقول لهؤلاء ان الصخور و الاحجار ليست الهدف و الغاية ، و لو كانت هي المقصودة لذاتها لكان في الجبال الشامخات و الصخور العاليات غنى عن مشقة السفر و الترحال إلى مراقد الأئمة و الأولياء ان المقصود بالذات من الزيارة تخليد ما قدمه صاحب القبر من المثل العليا و التضحيات الجسام في سبيل الحق و الواجب و العقيدة و المستضعفين في الأرض من بني الإنسان .</P>

<P dir=rtl>اما الاحجار فليس لها الا شرف الانتساب لصاحب القبر كالاحجار التي بني منها البيت الحرام و مسجد الرسول و سائر المعابد و كجلد القرآن الكريم<B><B>[14]</B></B> .</P>

<P dir=rtl>و قد جرت عادة الأمم و الدول في زماننا هذا على الإحتفاظ ببيوت عظمائها و قبورها و احاطتها بهالة من التقديس و التعظيم حتى و لو عرض للبيع اي شيء ينتسب للعظماء لبذل اتباعه في سبيله اغلى الأثمان ، و ما ذاك الا لشرف الانتساب إليه .</P>

<P dir=rtl>و حدَّث المؤرخون انه حين أدخل رأس الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> على يزيد بن معاوية كان في مجالس الشراب فوضعوا الرأس بين يديه ، فدخل عليه رسول ملك الروم في ذلك الوقت فأنكر عليه أشد الانكار حينما علم ان الرأس للحسين إبن بنت نبيهم ، و قال ليزيد : هل سمعت يا يزيد بكنية الحافر ؟ قال : و ما هي ؟ قال : عندنا مكان يقال بأن الحمار الذي كان يركبه عيسى بن مريم مر به فبنينا كنيسة في ذلك المكان سميناها كنيسة الحافر نسبة إلى حافر حمار عيسى ، و نحن نحج إلى المكان في كل عام و من كل قطر و ناحية و ننذر له النذور و نعظمه كما تعظمون كتبكم و مقدساتكم و أنتم تقتلون إبن نبيكم و تطوفون برأسه في البلدان ، فأشار عليه جلازوته بقتله لئلا يفضحه بعد رجوعه لبلاده فقتله و صلبه على باب قصره بعد أن قام النصراني إلى الرأس فقبله و تشهد الشهادتين .</P>

<P dir=rtl>و هذا شيء مألوف لدى جميع الأمم على إختلاف اديانهم و معتقداتهم و الكل حينما يعظمون مرقدا أو أثراً من آثار عظمائهم انما يعظمونه باعتباره رمزا لما كان يتمتع به من صفات و مواهب و ما قدمه لأمته و وطنه من خدمات و تضحيات و اصلاحات .</P>

<P dir=rtl>و قال العقاد في كتابه ( أبو الشهداء ) : ان حرم الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> في كربلاء يزوره المسلمون للعبرة و الذكرى ، و يزوره غيرهم للنظر و المشاهدة ، و لكن كربلاء لو أعطيت حقها من التنويه و التخليد لحق لها ان تصبح مزارا لكل آدمي يعرف لبني نوعه نصيباً من القداسة و حظا من الفضيلة ، لأننا لا نذكر بقعة من بقاع هذه الأرض يقترن اسمها بجملة من الفضائل و المناقب أسمى و ألزم لنوع الإنسان من تلك التي اقترنت باسم الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> بعد مصرعه فيها ، و لولا الحسين و شقيقته زينب شريكته في الجهاد و التضحيات و بقية الأئمة لم تكن تلك القباب الشامخة التي أصبحت رمزا للحق و العدالة و الفضيلة و مقصدا لمئات الالوف من المسلمين في كل عام شيئاً مذكوراً .</P>

<P dir=rtl>و مهما كان الحال فمرقد العقيلة زينب بنت علي و فاطمة مردد بنظر العلماء و الباحثين بين المدينة المنورة و الشام و مصر ، و كما ذكرنا ان مرقدها في المدينة لم يعد له وجود كغيره من مراقد الأئمة و أعلام الصحابة و التابعين ، لأن بناء المراقد و تعظيم من حل فيها على حد الشرك بالله بنظر حماة الحرمين ، اما المرقدين المنسوبين إليها في الشام و مصر فلا يزالان كعبة الوفاد في كل عام على مرور الشهور و الأيام تقصدهما مئات الألوف للزيارة و التوسل بها و بأبيها و جدها لقضاء حوائجهم ، و لا أحسب ان الذين يتوافدون على زيارة أبيها و أخيها في كربلاء و النجف أكثر ممن يتوافدون على المرقدين المنسوبين إليها في الشام و القاهرة ، و جاء في جريدة الاهرام تاريخ 23 ـ 6 ـ 1972 مقال للإستاذ فتحي رضوان وزير الثقافة يومذاك يصف فيه الوافدين على حي السيدة زينب جاء فيه :</P>

<P dir=rtl>ان مسجد السيدة زينب تشد إليه الرحال و كأنه الكعبة أكثر مما تشد الرحال إلى المسجد الحسيني ، فالألوف الذين يقصدون هذا المسجد من فقراء الريف و الحضر من النساء و الرجال و المرضى و أصحاب الحاجات من المغلوب على أمرهم و الذين سدت في وجوههم الأبواب و تحطمت الآمال كانوا قد اطلقوا على صاحبة الضريح أسماء تدخل إلى قلوبهم العزاء و تبعث فيهم الرجاء و كانوا يهتفون حول قبرها : يا أم العواجز ويا أم هاشم و يا إبنة محمد و الزهراء ، و مضى يقول : و لَكم رأيت رجالا و نساء في مقتبل العمر و في خريف الحياة قد وضعوا أيديهم على شباك ضريح السيدة زينب و رائحة البخور تملأ المسجد كله و راحوا يهمسون في ذهن أم العواجز و قد تمثلت لهم بشرا يسمع و يتنفس و يمد راحتيه و يضعهما بين أيد الزائرين و القاصدين و اصوات الزائرين تتعالى يا أم العواجز و يا أم هاشم يا أخت الامام و يا بنت الإمام نظرة بحق جدك النبي .</P>

<P dir=rtl>و الآن و نحن بصدد الحديث عن مرقدها الشريف الذي تدعيه الأقطار الثلاثة و يتوافد عليه المسلمون من جميع الأقطار لا لشيء إلا لأنها وقفت إلى جانب أخيها من الطغاة و الظالمين دفاعا عن الحق و العقيدة و كرامة الإنسان و بقيت في سجل الخالدين و الخالدات لتكون القدوة الصالحة الغنية بالمثل و القيم للرجال و النساء في جميع نواحي الحياة .</P>

<P dir=rtl>لا بد لنا و نحن بصدد البحث عن مرقدها ان نقف و لو قليلاً مع أدلة الأقوال الثلاثة في محاولة كشف ما أحيط بمرقدها من غموض لا يزال محل أخذ ورد بين الباحثين .</P>

<P dir=rtl>لم يختلف أحد من المؤرخين و المحدثين بأن السيدة زينب بنت علي و فاطمة تركت بيتها و زوجها و رافقت أخاها الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> في رحلته إلى الشهادة التي لم يجد وسيلة غيرها لإنقاذ شريعة جده مما كان يخططه لها الحزب الأموي الحاكم من تحريف و تشويه و أدت دورها خلال مواقفها في كربلاء و الكوفة و مجلس بن ميسون في قصر الخضراء ، تلك المواقف التي جعلتها في طليعة الخالدين و الخالدات من أبناء آدم و حواء ، كما لم يختلفوا في انها رجعت من الشام على رأس تلك القافلة من السبايا و الأسرى إلى مدينة جدها عاصمة الإسلام الأولى في الحجاز ، و أن مسؤوليتها التاريخية كانت هي اثارة الرأي العام الإسلامي على حكومة يزيد و جلاّديه و إستطاعت خلال أشهر معدودات ان تلهب المشاعر و تقلب الدنيا على رؤوس الحاكمين حتى أصبحت المدينة التي كان الحاكمون يحسبون لها ألف حساب و حساب بكل فئاتها الموالية لأهل البيت و غيرها تكيل اللعنات لأمية و أحفادها و ترى ان من أقدس واجباتها مناهضة الحكم الأموي و إعلان موقفها المعادي منه مهما كلفها ذلك من تضحيات ، كل ذلك لم يختلف فيه أحد من الباحثين و المؤرخين ، أما خروجها من المدينة بعد أن دخلت إليها حاملة لرسالة أخيها إلى الشام مع زوجها بسبب المجاعة التي اجتاحت المدينة سنة 67 للهجرة أو 74 كما جاء في رواية ثانية إلى قرية كان يملكها في الغوطة من ضواحي الشام و عند وصولها إلى مشارف الشام عاودتها تلك الذكريات الاليمة المريرة و خيم عليها جو من الحزن و الألم تسبب لها بمرض كانت به نهاية حياتها و دفنت في تلك الضيعة حيث مرقدها الان ، كما يدعي القائلون بأن المرقد الحالي لقد ضم رفاتها و هو لها لا لغيرها من الزينبيات العلويات اللواتي يحملن هذا الإسم فليس في التاريخ ما يبعث على الإطمئنان بصحته .</P>

<P dir=rtl>و ممن ذهب إلى ذلك من الذين كتبوا على مرقدها المازندارني في الجزء الثاني من معالي السبطين و السيد حسن الصدر و صاحب الخيرات الحسان و السيد هبة الدين الشهرستاني عن ناسخ التواريخ لمؤلفه لسان الملك ، كما جاء في كتاب المرقد الزينبي للشيخ عمران القطيفي .</P>

<P dir=rtl>و الظاهر اتفاق جميع القائلين بأن المرقد الموجود في ضواحي الشام هو مرقدها على ان رجوعها إلى الشام كان بسبب المجاعة التي اصابت أهل المدينة و أن زوجها عبد الله بن جعفر انتقل بها سنة 65 أو 74 إلى ضيعته بغوطة دمشق و توفيت بها في النصف من رجب ذلك العام .</P>

<P dir=rtl>لقد اختلف القائلون بأنها توفيت في ضواحي الشام و في صاحيتها حيث المرقد الموجود الآن دفنت في تاريخ وفاتها بين 65 و74 واتفقوا على ان المجاعة التي اصابت أهل المدينة هي التي فرضت على زوجها الرحيل بها إلى ذلك المكان ، في حين ان المجاعة التي تفرض على شخص كعبد الله بن جعفر كان واسع الثراء وكثير العطاء و يعرف ببحر الجود و تضطره على ان يرحل بزوجته و أولاده إلى غوطة دمشق لا بد و أن يكون لها اثرها البالغ بالنسبة لعامة الناس و أن تفتك بالطبقات الكادحة الفقيرة ، و حدث من هذا النوع يصيب مدينة الرسول في تلك الفترة من التاريخ لا يتجاهله التاريخ و لا الذين كانوا يسجلون أحداث العالم الإسلامي صغيرها و كبيرها ، مع العلم ان المؤرخين لإحداث 65 و74 لم يتعرض أحد منهم لحدث من هذا النوع و على تقدير صحة ذلك فلا بد و أن تكون المجاعة التي شردت بحر الجود و عقيلته الحوراء إبنة علي و فاطمة قد اصابت بقية العلويين و العلويات و تلك القافلة من النساء و الأطفال التي كانت ترعاها و تحرسها عقيلة آل أبي طالب ، فإلى اين ذهب العلويون بنسائهم و أطفالهم و على رأسهم الإمام علي بن الحسين زين العابدين <B>( عليه السَّلام )</B> الذي لم يفارق المدينة و بها كانت وفاته .</P>

<P dir=rtl>ان التاريخ لم يتعرض لشيء من هذا النوع ، و هل يجوز على بحر الجود و عقيلته ان يتركا العلويين و الطالبيين و أبناء الحسن و الحسين يتجرعون مرارة الجوع و يفرا منها إلى عاصمة الجلادين دمشق التي سيقت إليها بالامس القريب إبنة علي و الزهراء على رأس تلك القافلة من الأسرى و الرؤوس التي كانت يتقدمها رأس الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> و كانت تتمنى الموت في كل مرحلة كان الحداة يسيرون بها و تفضله على ان تتعرض لأولئك الشامتين من أعداء جدها و أبيها ، فهل يجوز عليها مع ذلك كله و على إبن عمها بحر الجود ان يتركوا العلويين و نساءهم و أطفالهم يقاسون آلام الجوع و مرارته و يذهبا إلى عاصمة معاوية لينعما بطيبات العيش و مُتع الحياة ، لو جاز ذلك على أب المساكين كما كان يسميه أهل المدينة لا يجوز على من وهبت حياتها لخدمة أخيها و عائلته و رعايتها بعد مصرعه كما اوصاها بذلك .</P>

<P dir=rtl>ان الذين رووا أسطورة خروج عبد الله من المدينة إلى قريته بضواحيها مع زوجته عقيلة الطالبيين كلهم من متأخري المؤلفين و من غير المعروفين ببعد النظر و تحري الحقائق ، و لم يسندوها إلى أحد المؤرخين القدامى و لا إلى أحد الرواة الذين كانوا يتتبعون أحداث تلك الفترة من تاريخ المسلمين .</P>

<P dir=rtl>هذا بالإضافة إلى أن سنة خمس و ستين كانت سنة صراع على الخلافة بين الأمويين انفسهم في بلاد الشام و كان قد تغلب على دمشق الشام الضحاك بن قيس بعد أن اتفق الأمويون على خلافة مروان وخالد بن يزيد من بعده و من بعدهما عمرو بن سعيد بن العاص و بعد ان اتفق رأي الأمويين على التوجه إلى دمشق و كان الضحاك قد تغلب عليها و وقعت بينهم معارك طاحنة في مرج راهط و كان مع الضحاك جماعة من أهالي دمشق و فتيانهم الاشداء و أمده النعمان بن بشير عامل حمص بشرحبيل إبن ذي الكلاع في أهل حمص و زفر بن الحارث الكلابي بقيس بن طريف إبن حسان الهلالي و انتهت المعركة لصالح مروان بن الحكم و الأمويين<B><B>[15]</B></B> ، و من المستبعد و البلاد الإسلامية تموج بالفتن بسبب الصراع على الحكم و المعارك بين مروان بن الحكم و معارضيه في ضواحي دمشق و على ابوابها ان يرحل بزوجته و أولاده إلى قريته الواقعة في ضواح دمشق كما يدعي القائلون بذلك .</P>

<P dir=rtl>اما القول بأنها هاجرت مع زوجها إلى غوطة دمشق هربا من المجاعة سنة 74 هجرية فهو ابعد عن الواقع من القول الأول ذلك لأن المسعودي في المجلد الثاني من مروجه يقول ان عبد الله بن جعفر توفي و له من العمر سبع و ستون سنة ، و يدعي عبد العزيز سيد الأهل ان عبد الله بن جعفر كان له من العمر عشر سنوات عند وفاة النبي<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>عن الجزء الثاني من معالي السبطي و لازم ذلك ان ولادته كانت في الحبشة كما هو مؤكد ، إما في السنة التي هاجر فيها النبي<B> ( صلى الله عليه و آله ) إلى </B>المدينة أو قبلها و هو أكبر أولاد جعفر الطيار و يروي الرواة عنه انه قال : لقد دخل علينا رسول الله<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>بعد موت أبي وقال: لا تبكوا على أخي بعد اليوم و دعا بالحلاق فحلق رؤوسنا ، و لابد و أن يكون في السادسة أو السابعة يومذاك على ابعد التقادير فلم يعد مجال للقول بأنه هاجر إلى ضيعته في ضواحي الشام سنة 74 لأن وفاته تكون قبل هذا التاريخ بسبع سنوات تقريباً إذا لم يكن قد عاش أكثر من سبع و ستين عاماً كما يدعي ذلك المسعودي و غيره .</P>

<P dir=rtl>و مهما كان الحال فالقول بأن المرقد الزينبي الموجود في ضاحية دمشق الذي يقصده مئات الألوف من المسلمين في كل عام للزيارة و التبرك و يبذلون في سبيله الملايين من النقود هو لزينب الكبرى عقيلة الهاشميين لا يعتمد على دليل مقبول و لا يؤيده المنطق و لا الدراسة بحال من الأحوال بل هو لاحدى العلويات بلا شك في ذلك ، و سيبقى تعيينها غامضاً لعدم توفر الادلة على هذا الأمر ، و لا يمنع ذلك من زيارة العقيلة في ذلك المكان ما دام يرمز الزائر يقصدها بالذات . و ما دامت الأعمال مرهونة بالنوايا .</P>

<P dir=rtl><B>المرقد الزيني في مصر</B></P>

<P dir=rtl>بعد استقصاء أدلة القائلين بأن السيدة زينب توفيت في مصر و دفنت فيها في المرقد المنسوب لها بعد استقصاء تلك الادلة يبدو للمتتبع و لأول نظرة انها أسلم و أقرب إلى المنطق من أدلة القائلين بأنها خرجت مع زوجها إلى ضاحية من ضواحي الشام فرارا من المجاعة و توفيت فيها كما تشير إلى ذلك رواية القائلين بأن مرقدها في محلة الفسطاط من القاهرة .</P>

<P dir=rtl>لقد اعتمد القائلون بأنها توفيت في مصر و دفنت فيها على رواية إبن عساكر في تاريخه الكبير و إبن طولون في كتابه الزينبيات ، و يدعي أنصار هذا الرأي انها بعد رجوعها من السبي مع عائلة الحسين و عائلات القتلى من آل أبي طالب و الأنصار كانت لا تدع البكاء و النحيب و الحديث بما جرى للحسين و من معه و تحاول اثارة الرأي العام على الأمويين و أنصارهم و إستطاعت خلال أشهر معدودات ان تشحن النفوس بالحقد و الكراهية ليزيد و أسرته و أصبحت المدينة كالبركان المهيأ للإنفجار بين لحظة و أخرى فكتب عمر بن سعيد الأشدق إلى يزيد يخبره بتأزم الموقف و بمواقف العقيلة التي ألهبت المشاعر و هيجت عليه الرأي العام فكتب إليه ـ كما جاء في ص 185 من زينب الكبرى للشيخ جعفر نقدي ، عن الطراز المذهب لعباس قلي خان ـ فكتب إليه إبن معاوية يأمره بأن يفرق بينها و بين الناس و يخرجها من الحجاز فجاءها الوالي و عرض عليها كتاب يزيد بن مسيون و طلب منها ان تخرج من الحجاز إلى حيث شاءت فرفضت طلب الوالي و أصرت على عدم خروجا من المدينة ، و قالت : لقد علم الله بما جرى علينا من القتل و السبي ، و كنا نساق كما تساق الأنعام من بلد إلى بلد على الأقتاب ، و مضت تقول : فو الله لا اخرج من مدينة جدي و أن أهرقت دماؤنا على حد تعبير الراوي ، و لما أصر الوالي على اخراجها اجتمع عليها نساء بني هاشم في محاولة لاقناعها بالخروج من المدينة ، و قالت لها زينب بنت عقيل : يا إبنة عماه لقد صدقنا الله وعده و أورثنا الأرض تتبوأ منها حيث نشاء فطيبي نفساً و قري عينا و سيجزي الله الظالمين بما جنته أيديهم ، أتريدين بعد هذا هوانا ، ارحلي إلى بلد آمن ، و اتفق الرأي على خروجها فاختارت مصر و خرج معها من العلويات كل من سكينة و فاطمة ابنتي أخيها الحسين ، و كان ذلك سنة إحدى و ستين و في شهر شعبان من تلك السنة و بعد مرور سبعة أشهر على مجزرة كربلاء و خمسة أشهر على رجوعها من السبي إلى المدينة ، و استقبلها الوالي على مصر مسلمة بن مخلد الأنصاري في جماعة معه و أنزلها داره في الحمراء كما تدعي الرواية التي وصفت رحلتها فأقامت بها أحد عشر شهراً و توفيت في النصف من رجب سنة 62 هجرية ، و دفنت بالقرب من دار الوالي و من بساتين عبد الرحمن بن عوف على حد تعبير جعفر نقدي عن النسابة العبيدلي و لم يرد في حديثه عن ملابسات رحلتها و عن سفرها ذكر لزوجها عبد الله بن جعفر و لا لأحد ممن بقي من الأحياء من اولادها و أولاد إخوتها و غيرهم من الهاشميين .</P>

<P dir=rtl>و قالت الدكتورة بنت الشاطىء في ص 137 من كتابها بطلة كربلاء في وصف رحلتها إلى مصر : لقد بزغ هلال شعبان من سنة إحدى و ستين في اللحظات التي وطأت فيها السيدة أرض النيل فاذا جموع من الناس قد احتشدت لاستقبالها و ساروا في موكبها حتى بلغوا قرية بلبيس ، فقابلتهم هناك جموع آتية من عاصمة الوادي الأمين و مسلمة بن مخلدة الأنصاري أمير مصر في وفد من أعيان البلاد و علمائها قد خرجوا لاستقبال إبنة الزهراء و أخت الإمام الشهيد ، فلما أطلت عليهم بطلعتها المشرقة بنور الإستشهاد و النبوة اجهشوا بالبكاء و النحيب ، و مضوا بركبها حتى إذا بلغوا العاصمة مضى بها مسلمة بن مخلد إلى داره فأقامت بها قرابة عام لم تر خلاله الا عابدة متبتلة ، و كانت وفاتها عشية الأحد لاربع عشرة مضين من رجب عام 62 على أصح الأقوال على حد تعبير بنت الشاطىء .</P>

<P dir=rtl>و أكثر الذين يدعون بأن المرقد الموجود في مصر هو مرقدها يدعون ان خروجها من المدينة كان بعد رجوعها من السبي إليها باشهر معدودات و في الشطر الأخير من سنة 61 بالذات و أن يزيدا اخرجها من المدينة لأن بقاءها بها كان يشكل خطرا على دولته وانها كانت تعمل لاعداء أهل المدينة و غيرهم من المسلمين للثورة ، و لم يسجلوا موقفا لزوجها و لا لأحد من اولادها و العلويين و الطالبيين من رحلتها و لم يذكروا ان أحداً منهم كان معها في منفاها .</P>

<P dir=rtl>و يبدو بعد التتبع ان القائلين بأنها توفيت في مصر و دفنت فيها أكثر من القائلين بأن المرقد الموجود في ضاحية الشام هو مرقدها و أن إبن عساكر في تاريخه الكبير و إبن طولون الدمشقي في رسالته الزينبية كانا أول من تعرض لمرقدها على هذا النحو ، و دوَّنه من بعدهما الشعراني في كتابه لواقح الأنوار و الشيخ محمد الصبان في اسعاف الراغبين ، و الشبلنجي في كتابه نور الابصار و الشبراوي في الاتحاف ، إلى غير ذلك ممن تأخر عنهما من المؤلفين ، في حين ان المؤلفين و المؤرخين القدامى الذين كانوا يتتبعون الأحداث كبيرها و صغيرها لم يتعرضوا لشيء من ذلك ، مع العلم بأن اخراجها من المدينة لو كان على النحو المذكور من المستبعد ان يتجاهله المؤرخون الذين كتبوا التاريخ و السير و لم يتجاهلوا شيئا مما حدث بين المسلمين و بخاصة ما كان منها في تلك الفترة من تاريخهم المشحون بالأحداث و الاضطرابات .</P>

<P dir=rtl>و مهما كان فالذي اراه ان حديث سفرها إلى مصر و أسبابه ليس بأسلم من جميع جهاته من حديث سفرها إلى ضواحي الشام و وفاتها بها و لا بأقرب إلى الواقع منه ذلك لأنهم لم يتعرضوا لزوجها عبد الله بن جعفر مع العلم بأنه كان حيا يرزق و من أعلام المسلمين يومذاك و لا لأحد من أولادهم و إخوتها و آل أبي طالب من هذا الحادث ، و هل يجوز على رجل كعبد الله بن جعفر الذي كان يتمتع بمكانة عالية بين أولاد المهاجرين و الأنصار ان يقف مكتوف اليدين من تسفير زوجته عقيلة آل أبي طالب و لايتدخل في انقاذها أو يسافر معها ، و إذا جاز عليه و لو من باب الافتراض فهل يجوز ذلك على إبن أخيها السجاد و هي التي كانت ترعاه و تحرسه منذ خروجها من المدينة في ركب أخيها إلى حين رجوعها إليها و قد تعرض للقتل أكثر من مرة ، و لكنها كانت تدافع عنه دفاع من لا يرى للحياة وزنا بدونه و تطلب من أولئك الجزارين ان يقتلوها قبله .</P>

<P dir=rtl>و لماذا لم يخرج معها أحد سوى فاطمة و سكينة كما تدعي الرواية و أين منها اولادها و أولاد إخوتها و أحفاد عبد المطلب و أبو طالب و الهاشميات من بنات أبي طالب .</P>

<P dir=rtl>و هل كانت وحدها تحرض الناس على الثورة بعد مجزرة كربلاء و كل الدلائل تشير إلى أن جميع مواقف العلويين و العلويات و الطالبيات كانت تلهب المشاعر و تحث الجماهير المسلمة على الثورة و الانتقام من يزيد و حزبه لمقتل الحسين .</P>

<P dir=rtl>ولم تكن مواقف الإمام علي بن الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> بأقل تأثيرا على الرأي العام من مواقف عمته العقيلة إبنة علي و الزهراء ان لم تكن أكبر تأثيراً منها .</P>

<P dir=rtl>لقد بقي لسنوات عديدة و قيل أكثر من عشرين عاماً يبكي أباه و بقية القتلى من إخوته و أبناء عمومته كلما ذكرهم ذاكر و عندما يقدم له طعامه يبله بدموع عينيه كما يدعي الرواة و المسلمون يتلوون لحاله ، و كان يدخل أحيانا سوق القصابين ، و يوصيهم بأن يسقوا الذبيحة قبل ذبحها ثم يصيح : لقد ذبح أبو عبد الله عطشانا فيجتمع عليه الناس يبكون لبكائه ، و لم تكن ثورة المدينة وليدة انفعال طائش بل كانت مننتائج مواقف الإمام السجاد و عمته العقيلة و الأحزان التي خيمت على أهل البيت ، بالإضافة إلى تحسس المسلمين بوقع تلك الجريمة التي لم يحدث التاريخ بأسوأ منها ، فلماذا لم يأمر إبن مسيون باخراج السجاد من المدينة ، و لماذا ترك لها الخيار في الذهاب إلى أي بلد شاءت ، و لم يعارض في اختيارها لمصر ، في حين ان وجودها في مصر يشكل عليه نفس الأخطار التي كان يتخوفها من بقائها في الحجاز ، لأن المصريين كانوا أقرب إلى العلويين من الحجازيين و فيها من الشيعة يومذاك أعداد كبيرة ، و الذين رووا اسطورة خروجها إلى مصر يدعون بأن المصريين تلقوها بالبكاء و العويل و النياحة كما ذكرنا .</P>

<P dir=rtl>و إذا كان حفيد هند و أبي سفيان يحاذر من بقاء زينب إبنة علي في الحجاز و يتخوف ان يتسبب بقاؤها في الثورة عليه ، فكان من المفروض ان يضعها تحت رقابته و في عاصمته أو في الربذة كما كان يفعل إبن عفان مع من يخاف منهم ، فكان يرسلهم إلى الشام ليكونوا تحت رقابة معاوية و عندما يعجز معاوية عن وضع حد لنشاطهم اما ان يضعهم في سجونه أو يردهم إلى المدينة ليحدد الخليفة مصيرهم ، و كانت الربذة و من على شاكلتها من البراري المقفرة من أوفر الناس حظا بأولئك الأحرار كما فعل خليفة المسلمين مع الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري حتى لا يرى أحداً و لا يراه أحد و بها كانت نهايته .</P>

<P dir=rtl>هذا كله بالاضافة إلى أن يزيد بن معاوية بعد تلك النقمة العارمة عليه بسبب مجزرة كربلاء كان يتظاهر بالندم و التنصل من مسؤولياتها و يحاول تغطية نتائجها المريرة بالتقرب من العلويين و الإحسان إليهم ، و قد اوصى مسلم بن عقبة عندما ارسله إلى المدينة لقمع الثورة بعدم التعرض لأحد من العلويين و الطالبيين و الإحسان إليهم و جرت بينه و بين عبد الله بن العباس رحمه الله مراسلة اوردها اليعقوبي في تاريخ و غيره بعد تلك الجريمة النكراء التي إرتكبها مع أهل البيت <B>( عليهم السَّلام )</B> لم يترك بن عباس عيبا من العيوب الا و ألصقه فيه و لا منقصة الا و وصفه فيها محتقراً له بكل ما في الإحتقار من معنى ، و مع ذلك لم يصدر منه ما يسيء إليه و لم يكن ذلك منه إلا لما تركته في نفسه تلك المجزرة الرهيبة من الخوف و القلق على مصيره و مصير اسرته و دولته بعد النقمة العامة التي شملت جميع الأوساط الإسلامية على إختلاف ميولها و اتجاهاتها .</P>

<P dir=rtl>و مهما كان الحال فان أسطورة نفي العقيلة إلى مصر و وفاتها فيها ليست بأقرب إلى الواقع من خروجها من المدينة مع زوجها إلى الشام و وفاتها فيها ان لم تكن ابعد منها .</P>

<P dir=rtl><B> </B></P>

<P dir=rtl><B>اين مرقدها إذن ؟</B></P>

<P dir=rtl>بعد هذا العرض اليسير لآراء الفريقين القائلين بأنها دفنت في ضواحي دمشق و القائلين بأنها في محلة الفسطاط من القاهرة و ما أبديناه من الملاحظات عليها التي كما أرى تثير أكثر من الشك في صحة ما يقال انها دفنت في أحد هذين القطرين ، فلم يبق أمامنا سوى القول الذي يرجح قائلوه انها دفنت في مدينة جدها الرسول<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>بعد رجوعها من السبي بأشهر معدودات أو سنوات معدودات و اثبات ذلك لا يحتاج إلى مزيد من الإستدلال و البحث بعد العلم القطعي انها رجعت إلى المدينة على رأس تلك القافلة من السبايا و الأسرى و تؤكد جميع المصادر انها بقيت في المدينة لمدة من الزمن تندب و تبكي وتتلوى هي و الهاشميين و الهاشميات على ما حل بأهلها و إخوتها و يبكي لحالها القريب و البعيد و العدو و الصديق و استمرت على ذلك حتى تاثرت المدينة بكل فئاتها بمواقفها و مواقف العلويين و أحزانهم و أصبحت بكل فئاتها كالبركان المهيأ للإنفجار بين لحظة و أخرى ، فرجوعها من الشام إلى المدينة لا يختلف فيه اثنان اما خروجها من المدينة بعد خمس سنوات على رجوعها إليها إلى ضاحية من ضواحي الشام مع زوجها و وفاتها فيها كما يدعي القائلون بأن المرقد الزينبي الموجود في تلك الضاحية هو مرقدها ، أو خروجها إلى مصر بعد أشهر معدودات من رجوعها إلى المدينة و وفاتها في مصر و في محلة الفسطاط من القاهرة فلم يخرج عن دائرة الشك أو الاحتمال لأن الادلة التي اعتمدها أنصار القولين لا تكفي لنقض اليقين السابق المتعلق بوجودها في المدينة و لا تفيد أكثر من احتمال خروجها منها و وفاتها في خارجها و ما لم يوجد لدينا دليل يفيد العلم أو الظن المعتبر شرعا يتعين الرجوع إلى إستصحاب بقائها في المدينة إلى حين العلم بوفاتها .</P>

<P dir=rtl>و هذا النوع من الإستصحاب ليس مثبتا كما تخيله بعض المؤلفين في هذا الموضوع لأن المقصود منه اثبات عدم خروجها من المدينة إلى زمان العلم بوفاتها فأحد جزئي الموضوع يثبت بالإستصحاب و الثاني و هو وفاتها بالوجدان ، و هذا غير ما يسميه الاصوليون بالأصول المثبتة و يدعون ان أدلة الإستصحاب لا تشمل هذا النوع من الأصول التعبدية لأن المقصود من الأصول المثبتة الأصل الذي يثبت امرا عاديا أو علقيا لم يكن موضوعا للآثار الشرعية ، كاستصحاب حياة زيد لهذه المدة يكون حجة شرعية لناحية الآثار الشرعية المترتبة على حياته كبقاء زوجته في عصمته و وجوب الاتفاق عليها و على أولاده و عدم انتقال امواله إلى ورثته و نحو ذلك ، أما نبات لحيته و زيادة طوله و وزنه مثلا فالاستصحاب لا يكون دليلا شرعيا بالنسبة لهذا النوع من الآثار ، و من ذلك إستصحاب بقاء زيد حيا إلى زمن يلزمه بالقياس إليه ان يكون قد بلغ التسعين من عمره فان كونه من ذوي التسعين أو المائة من اللوازم العقيلة أو العادية لبقاء زيد حيا لسنة الثمانين فيما لو كانت ولادته سنة تسعين و حصل الشك في بقائه حيا سنة ثمانين من القرن الثاني مثلا فأدلة الإستصحاب لا تشمل هذا النوع من الآثار ، و ما نحن بصدد اثباته بأصالة عدم خروجها من المدينة هو بقاؤها فيها إلى زمان القطع بوفاتها ، و يرافق القطع بوفاتها القطع بأنها لم تنقل بعد وفاتها من البلد الذي توفيت فيه إلى بلد آخر قد وقع عليه الاختيار ليكون مدفنا لها .</P>

<P dir=rtl>و ممن رجح انها دفنت بالمدينة في البقيع إلى جوار مرقد زوجها عبد الله بن جعفر عباس قلي خان في كتابه الطراز المذهب عن كتاب بحر المصائب و الشيخ ميثم البحراني كما نقل عنه الشيخ مهدي المازندراني في كتابه معالي السبطين و السيد محسن الأمين في المجلد الثالث و الثلاثين من أعيان الشيعة<B><B>[16]</B></B> .</P>

<P dir=rtl>و جاء في المرقد الزينبي للشيخ فرج القطيفي ان لجنة الأوقاف الدينية في كربلاء اوردت في كتابها اجوبة المسائل الدينية بأن للإمام علي <B>( عليه السَّلام )</B> ثلاثة من البنات كل منهن تعرف بزينب وتكنى بأم كلثوم اولاهن زينب شقيقة الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> لأمه و أبيه و هذه سقط عليها الحائط و توفيت فصلى عليها الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> و دفنها بالمدينة و الثانية زينب الوسطى و هي من فاطمة ايضا و هذه تزوجها عبد الله بن جعفر و هي التي رافقت الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> إلى كربلاء مع ولديها محمد بن عبد الله وعون بن عبد الله و هي التي كانت تدير شؤون العائلة و السبايا ، و لما عادت إلى المدينة سافرت مع زوجها إلى ضواحي الشام على اثر مجاعة اصابت أهل المدينة وتوفيت فيها فدفنها في ضيعته و إليها ينسب المرقد الزينبي الموجود هناك و تعرف بزينب الوسطى .</P>

<P dir=rtl>و الثالثة كانت تسمى بزينب الصغرى و تكنى بأم كلثوم و لكنها ليست من فاطمة الزهراء و أضافوا إلى ذلك انها كانت من أشدهن بكاء و لوعة على أخيها الحسين في كربلاء و غيرها من المواقف و بعد وقعة الحرة و استباحة المدينة كانت تقيم النياحات و المآتم على الحسين و تشنع على يزيد و جوره و هي التي نفاها عمرو بن سعيد الأشدق إلى مصر وتوفيت فيها و دفنت في المكان الذي يقدسه المصريون ويتبركون به إلى غير ذلك من الأقوال التي لا تعتمد على غير الحدث والظن الذي لا يغني عن الحق شيئا .</P>

<P dir=rtl>و لقد تعرض الشيخ المفيد في ارشاده لأخوات الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> خلال حديثه عن أولاد أمير المؤمنين و عدَّ من نباته اللواتي ولدن له من غير فاطمة زينب الصغرى ، و خلال حديثه عن أحداث كربلاء و ما رافقها من تقتيل و سلب و أسر و سبي لم يتعرض لغير زينب العقيلة شقيقة الحسين لأمه و أبيه و أسهب في الحديث عنها و تعداد مواقفها و ما تجرعته من آلام و غصص من أجل أخيها و عياله و أطفاله ، اما زينب الصغرى هذه فلم يتعرض هو و غيره من المؤلفين في مقتل الحسين لها و لم يسجلوا لها موقفها من المواقف خلال أحداث كربلاء و ما تلاها من المواقف من الكوفة و قصر الخضراء و غيرهما و جميع أحاديثهم كانت عن العقيلة الحوراء . كما و أن الذين كتبوا عن أهل البيت من أعلام الشيعة الأوائل كالكليني و الصدوق و المرتضى و الطوسي و الحلي و غيرهم من المتقدمين لم يتعرضوا لزينب العقيلة و ما جرى عليها بعد رجوعها من السبي إلى المدينة بأكثر من انها كانت لا تدع البكاء و النحيب على أخيها و من قتل معه و لا لمرقدها و مراقد غيرها من الزينبيات كما لم يتعرض لذلك أحد من المؤرخين القدامى و من مجموع ذلك تبين ان أقرب الأقوال إلى الواقع انها دفنت في المدينة و في البقيع مقبرة المسلمين الأوائل و لم تخرج من المدينة بعد رجوعها إليها من السبي مع النساء و الأطفال و إبن أخيها السجاد ، و إذا صح بأنه وجد على القبر الموجود في ضواحي الشام هذا قبر زينب الوسطى بنت علي بن أبي طالب كما يدعي الشيخ فرج القطيفي يمكن ان يكون القبر المذكور لاحدى بنات أمير المؤمنين <B>( عليه السَّلام )</B> و لكن ذلك وحده لا يبعث على الإطمئنان بهذا الأمر و لا يمنع من ان تكون الصخرة وضعت على القبر بعد ذلك بمئات السنين حينما بني القبر و شيِّد بشكله الحالي اعتمادا على الشهرة أو لأسباب أخرى . لعل أيدي الذي حكموا بلاد الشام من الشيعة ضالعة في ذلك .</P>

<P dir=rtl><B>المرقد الزينبي في القاهرة و ضاحية الشام</B></P>

<P dir=rtl>الظاهر ان هذين المرقدين كما لعله أقرب الإحتمالات و بخاصة بالنسبة إلى المرقد المصري ، ان أحدهما و هو الموجود في ضاحية الشام و في المكان الذي يعرف حاليا بقرية الست هو لزينب بنت عبد الله الأصغر بن عقيل من زوجته أم كلثوم الصغرى بنت أمير المؤمنين و من غير فاطمة الزهراء <B>( عليها السَّلام )</B><B><B>[17]</B></B>، و المرقد الزينبي الموجود في محلة الفسطاط عند قناطر السباع من القاهرة الذي يقدسه المصريون و يقصدونه من سائر الجهات و يبذلون الأموال الطائلة في سبيله تقربا إلى الله تعالى هو لزينب بنت يحيى المتوح بن الحسن الأنور بن زيد بن الحسن السبط <B>( عليه السَّلام )</B> و لأجل وضع هذا الظن موضع الإعتبار و العناية و حتى لا يكون كغيره من الأقوال العابرة حول هذا الموضوع ، لا بد من المرور ببعض الجوانب عن حياة الحسن الأنور و إبنته السيدة نفسية المعروفة عند المصريين بكريمة الدارين .</P>

<P dir=rtl>لقد ذكر جماعة من المؤلفين في أحوال أهل البيت و من بينهم المؤلف المصري توفيق أبو علم رئيس إدارة مسجد السيدة نفسية و وكيل وزارة العدل الصادر بتاريخ 1970 ، فلقد عد في كتابه المذكور كغيره من جملة أولاد الحسن زيد بن الحسن السبط و وصفه بكرم الطبع و جلالة القدر و كثرة البر و الإحسان و أن الناس كانوا يقصدونه من جميع الآفاق طمعا في بره و إحسانه و انه كان يتولى صدقات رسول الله<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>و بقيت في يده إلى أن جاء للحكم سليمان بن عبد الملك فعزله عنها و أرجعها إليه عمر بن عبد العزيز الخليفة الأموي العادل ، و مضى يقول : ان محمد بن بشير الخارجي كان من جملة الشعراء الذين مدحوه و قال فيه :</P>

<P dir=rtl align=center>اذا نزل إبن المصطفى بطن تلعة * نفى جدبها و اخضر بالنبت عودها</P>

<P dir=rtl align=center>و زيد ربيع الناس في كل شتوة * إذا اخفقت انواؤها و رعودها</P>

<P dir=rtl>و قد توفى زيد بن الحسن و له من العمر تسعون عاما و بكاه الناس و رثاه عدد من الشعراء ، و من أولاده الحسن الأنور ، و كان من علماء أهل البيت المبرزين و ولاه أبو جعفر المنصور العباسي سنة 150 هجرية امارة المدينة بعد أن عزل عنها جعفر بن سليمان و بقي على المدينة لسنة 65 فعزله عنها لوشاية عليه بأنه يساند الثوار العلويين لإعادة الخلافة إليهم و وضعه في حبسه إلى أن جاء ولده المهدي إلى الحكم فأخرجه من الحبس ، و كان معروفا بالصلاح و التقوى و البر و الإحسان و مستجاب الدعاء على حد تعبير المؤلف .</P>

<P dir=rtl>و قد تخلف الحسن الأنور كما يدعي توفيق أبو علم بتسعة ذكور و بنتين و هما نفيسة و أم كلثوم و من أولاده الذكور يحيى المتوج ، و اشتهرت نفيسة من بين أولاده بالزهد و الصلاح و المعرفة و كانت تلقب بنفيسة الدارين و نفيسة العلم و الطاهرة و العابدة ، و لما بلغت سن الزواج خطبها العلماء و الاشراف من شباب العلويين و فتيانهم ، فكان والدها يأبى عليهم و يردهم ردا جميلا ، و حينما خطبها إسحاق المؤتمن إبن الإمام جعفر بن محمد الصادق <B>( عليه السَّلام )</B> زوجها اياه و ذلك سنة 161 و كان من المعروفين بالفضل و الصلاح و الخير و من المحيطين بأحاديث أبيه و أجداده كما وصفه المقريزي في خططه و أولدها ولدين القاسم و أم كلثوم ، و من نسل القاسم السادة بنو زهرة في حلب و نواحيها<B><B>[18]</B></B> .</P>

<P dir=rtl>و رحلت السيدة نفيسة الدارين مع زوجها من المدينة إلى القاهرة و في طريقها إلى القاهرة مرَّت على دمشق الشام و زارت فيها بغوطة دمشق مقام السيدة زينب بنت أم كلثوم بنت أمير المؤمنين و أم كلثوم هذه هي المعروفة بالصغرى من بنات أمير المؤمنين و من غير فاطمة الزهراء و كانت زوجة لعبد الله الأصغر بن عقيل بن أبي طالب كما جاء في ص 286 من المجلد الثاني تاريخ الخميس و الظاهر ان زينب التي زارت قبرها نفيسة هي إبنتها لأن أم كلثوم الكبرى إبنة الزهراء كانت زوجة لعمر بن الخطاب و قد أولدها ولداً سماه زيدا و بعد وفاة إبن الخطاب عنها تزوجها محمد بن عبد الله بن جعفر و لم تنجب منه كما جاء في تاريخ الخميس<B><B>[19]</B></B> .</P>

<P dir=rtl>ثم زارت قبر عمتها فاطمة بنت الحسن بن علي <B>( عليه السَّلام )</B> و قبر فضة جارية الزهراء <B>( عليها السَّلام )</B> و قد استقبلها جمهور كبير من أهالي دمشق و علمائها مرحبين بقدومها ، و بعد دخولها دمشق بأيام قليلة رحلت منها الى القاهرة و دخلتها في شهر رمضان سنة 193 قبل أن يدخلها الشافعي بخمس سنين فاستقبلها المصريون رجالا و نساء أحسن استقبال و نزلت دارا لأحد التجار الكبار و أخيراً استقرت في البيت الذي أعد لها مع زوجها و راح الناس بمختلف فئاتهم يترددون عليها و على زوجها يأخذون عنهما العلم و الحديث و استفادوا من علمهما و إستمرَّ الناس يتدفقون عليهما و أصبحت رمزا للطهر والقداسة في تلك الديار .</P>

<P dir=rtl>ولم يكن لأخيها يحيى المتوج سوى بنت واحدة تدعى زينب و كانت قد رحلت مع أبيها إلى مصر و حينما دخلتها عمتها و غمرتها بعطفها و حنانها و علقت بها و أبت ان تتزوج من أحد بالرغم من توافد الخطاب على أبيها و لازمت عمتها و لاقت من عطف عمتها عليها و الإحسان إليها ما جعلها تتفانى في خدمتها و تسهر على حوائجها لمدة طويلة من الزمن و بخاصة بعد أن بلغت من العمر سنا أقعدها عن القيام بأكثر حوائجها .</P>

<P dir=rtl>و روى عنها أبو علم انها كانت تقول : لقد خدمت عمتي نفيسة أربعين سنة فما رأيتها نامت بليل و لا أفطرت في نهار الا في العيدين و أيام التشريق .</P>

<P dir=rtl>و مضت تقول كما جاء في ص 540 من كتاب أبو علم وكيل وزارة العدل المصرية : كانت عمتي نفيسة تحفظ القرآن و تفسيره و تقرأه و تبكي و كنت اجد عندها ما لا يخطر بخاطري و لا اعلم من يأتيها به فكنت أتعجب من ذلك فتقولي لي : يا إبنة أخي من استقام مع الله كان الكون بيده و في استطاعته.</P>

<P dir=rtl>و يدعي توفيق أبو علم في كتابه أهل البيت بأن للسيدة نفيسة عشرات الكرامات التي لا تجوز على غير الأنبياء و الصديقين و من عباده الصالحين و هي جائزة عقلا و من جملة الممكنات التي لا تستحيل على القدرة الإلهية و قد غمر الله سبحانه آل بنت نبيه بفضله و شملهم بفيوضاته حتى ظهرت على أيديهم الكرامات و تتابعت على الناس منهم البركات و النفحات من اجابة الدعوات و كشف الكربات و قضاء الحاجات ، و أضاف إلى ذلك ان علماء أهل السنة قد اتفقوا على جوازها و اختص بها الله من أحب من عباده و أوليائه و أصفيائه آل بيت نبيه الطاهرين .</P>

<P dir=rtl>و بقيت السيدة نفيسة في القاهرة نحوا من عشرين سنة و لما جاء أجلها على اثر مرض ألمّ بها احتضنتها إبنة أخيها زينب بنت يحيى و توفيت في حضنها سنة 208 و كانت قد أعدت لنفسها قبراً فدفنت فيه و راح الناس بعد ذلك يعدون قبورهم حولها تبركا بمرقدها و في سنة 544 أمر الحافظ لدين الله ببناء قبة على قبرها و لا تزال من أعظم المزارات عند المصريين ، و كان أخوها يحيى قد توفي قبلها في مصر و قبره لا يزال من المقدسات عند المصريين يتبركون به و يتوسلون إلى الله في قضاء حوائجهم ، و بعدهما توفيت زينب بنت يحيى و دفنت بجوار قبر عمرو إبن العاص ، و مضى أبو علم يقول : و كان أهل مصر يأتون لزيارة قبرها من كل فج ، و حتى ان الظاهر الخليفة الفاطمي كان يأتي لزيارتها ماشيا على قدميه و معه جمهور من الناس ، و أضاف إلى ذلك ان النيل توقف في بعض السنين عن الجريان فتوسل المصريون بقبرها إلى الله فجرى النيل على عادته ، إلى غير ذلك مما جاء في كتابه عن نفيسة الدارين و إبنة أخيها زينب .</P>

<P dir=rtl>بعد هذه اللمحات عن حياة السيدة نفيسة حفيدة الحسن السبط <B>( عليه السَّلام )</B> يمكن القول بأن المرقد المنسوب لزينب العقيلة في مصر و الذي لا يزال المصريون يقدسونه و يعظمونه هو لزينب بنت يحيى المتوج و بتعاقب العصور و الأجيال أصبح ينسب لزينب العقيلة لأنها اشتهرت من نساء العلويين الأوائل و أصبح اسمها مقرونا باسم أخيها الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> بعد معركة الطف و تحدث الكتاب و المؤلفون عن مواقفها الخالدة من تلك المجزرة و ما رافقها و الألفاظ المشتركة تنصرف في الغالب إلى أكمل الأفراد و أكثرها شيوعا ، و بلا شك فان أكمل الزينبيات و أعلاهن شأنا هي زينب العقيلة ، كما يحتمل ان يكون للفاطميين ضلع في نسبة ذلك المرقد لها و نسبة المرقد الثاني لرأس أخيها الحسين و هم الذين أشاعوا بأن الرأس كان مدفونا في عسقلان و نقلوه إلى القاهرة و راحوا يعظمون المرقدين لأسباب سياسية أو لغيرها .</P>

<P dir=rtl>أما المرقد الموجود في ضاحية الشام و في بلدة الست بالذات الذي زارته السيدة نفيسة في طريقها إلى مصر فليس لزينب الكبرى عقيلة الطالبيين و بطلة كربلاء كما هو الراجح ، و من الجائز ان يكون لزينب بنت عبد الله الأصغر بن عقيل من زوجته أم كلثوم الصغرى إبنة أمير المؤمنين <B>( عليه السَّلام )</B> من غير الزهراء و هي ليست بأم كلثوم التي تزوجها عمر بن الخطاب و أولدها ولده زيدا ، و هذه قد تزوجت بعد إبن الخطاب من محمد بن جعفر و لم تنجب منه و هي شقيقة الحسين لأمه و أبيه .</P>

<P dir=rtl>و مهما كان الحال فلا يمكن الجزم بشيء حول واقع تلك المراقد ، و أعود لأكرر ما ذكرته سابقا من ان المراقد التي يقدسها الشيعة و بقية المسلمين المعتدلين لا يقدسونها الا بصفتها رمزا لمن تنتسب إليه و تقديرا لما كان يتمتع به من القيم و المثل العليا و الجهاد و التضحيات في سبيل المبدأ و العقيدة ، لا للبناء و الأحجار المزخرفة و النفائس التي فيها ، و سواء كانت رفات ذلك الشخص صاحب تلك الفضائل في داخل ذلك المرقد أو لم تكن في واقع الأمر ، فما دام يرمز إليه فان زيارته و التوسل به إلى الله سبحانه من الأمور الراجحة و تعظيما للدين و للقيم التي كان ذلك الشخص يجسدها و يستهين بحياته من أجلها .</P>

<P dir=rtl>ان الزائر حينما يتجه إلى المسجد الذي فيه مقام رأس الحسين في القاهرة و مقام السيدة زينب في ضاحية الشام و في محلة الفسطاط من القاهرة انما يتجه بقلبه و أحاسيسه لمن ترمز إليه تلك القباب الشامخة اي لرأس الحسين و للسيدة زينب و أن لم تكن في واقع الأمر قد ضمنت رفاتهما ، و ليس بغريب على الله سبحانه إذا سبحانه إذا استجاب للموالين لأهل البيت علي و الزهراء و من تناسل منهما من الأئمة الأطهار و الصلحاء الأبرار الذين عناهم النبي<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>بقوله ، كما جاء في رواية أبي بكر بن أبي قحافة انه قال : رأيت رسول الله<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>قد خيم خيمة و هو متكىء على قوس له عربية و في الخيمة علي و فاطمة و الحسن و الحسين و هو يقول : معاشر المسلمين انا سلم لمن سالم أهل هذه الخيمة و حرب لمن حاربهم و ولي لمن والاهم لا يحبهم الا سعيد الجد طيب المولد و لا يبغضهم الا شقي الجد رديء الولادة<B><B>[20]</B></B> .</P>

<P dir=rtl>ليس بغريب إذا اجار الله من استجار بمراقدهم و استجاب لمن توسل إليه بهم في قضاء حوائجه لأنهم قد بذلوا انفسهم و كل ما يملكون في سبيل و تركوا الدنيا و متعها و نعيمها بعد أن أصبحت تحت أقدامهم من أجل اعلاء كلمة الله و خير الناس أجمعين ، و رحم الله القائل في وصفهم :</P>

<P dir=rtl align=center>هم القوم من أصفاهم الود مخلصا * تمسك في اخراه بالسبب الاقوى</P>

<P dir=rtl align=center>هم القوم فاقوا العالمين مناقباً * محاسنهم تحكى و آياتهم تروى</P>

<P dir=rtl align=center>موالاتهم فرض و حبهم هدى * و طاعتهم ودٌّ و ودُّهم تقوى</P>

<P dir=rtl><B>المآتم الحسينية</B></P>

<P dir=rtl>لقد كانت العشرة الأولى من شهر المحرم و لا تزال مأتما سنويا للأحزان و الآلام عند الشيعة منذ مجزرة كربلاء التي كان على رأس ضحاياها الحسين بن علي سبط الرسول و سيد شباب أهل الجنة في اليوم العاشر من المحرم سنة إحدى و ستين للهجرة فكان الشيعة و لا يزالون في مختلف انحاء دنيا الإسلام يجتمعون في مجالسهم و ندواتهم يرددون مواقف أهل البيت و تضحياتهم في سبيل الحق و العدالة و كرامة الإنسان التي داستها أمية بأقدامها ، و ما حل بهم من أحفاد أمية و جلاديهم من القتل و السبي و التشريد و الإستخفاف بجدهم الأعظم الذي بعثة الله رحمة للعالمين .</P>

<P dir=rtl>هذه الذكريات الغنية بالقيم و المثل العليا و التي تعلمنا كيف نعيش احرارا و كيف نموت في مملكة الجلادين سعداء منتصرين لو ادركنا أهداف تلك الثورة و أحسنَّا استغلالها هذه الذكريات قد اقترنت كما يبدو بعد الإحصاء الدقيق لتاريخها بتلك المجزرة الرهيبة التي ايقظت المسلمين على إختلاف فئاتهم و انتماءاتهم و نزعاتهم ، و أدركوا بعدها ان كرامة الإسلام و المسلمين قد أصبحت بسبب تخاذلهم تحت أقدام الأمويين و فراعنة العصور ، فاستولى عليهم الخوف و الندم لتقصيرهم في نصرته و تخاذلهم عن دعواتهم ففريق وجدوا ان التكفير عن تخاذلهم لا يكون الا بالثورة و الثأر له من أولئك الطغاة و آخرون سيطر عليهم الخوف فخلدوا إلى الهدوء ينتظرون الظروف المناسبة و لكن ذلك لم يكن ليمنعهم عن الإحتفال بذكراه كلما هلّ شهر المحرم من كل عام و استبدال جميع مظاهرهم بمظاهر الحزن و الاسف و تريد الأحداث التي رافقت تلك المجزرة من تمثيل بالضحايا و أسر و سبي و ما إلى ذلك من الجرائم التي لم يعرف المسلمون لها نظير في تاريخ المعارك و الغزوات قبل ذلك اليوم .</P>

<P dir=rtl>و مما يشير إلى أن المآتم الحسينية يقترن تاريخها بتلك المجزرة ما جاء في تاريخ العراق في ظل العهد الأموي للدكتور علي الخرطبولي ان بيعة أبي العباس السفاح بدأت في الكوفة و شاء لها القدر ان تتم لابي العباس كأول خليفة من خلفاء تلك الأسرة في عيد الشيعة الأكبر و هو يوم عاشوراء العاشر من المحرم سنة 132 و في نفس الوقت الذي كان الشيعة يحتفلون فيه بذكرى الحسين بن علي <B>( عليه السَّلام )</B><B><B>[21]</B></B> .</P>

<P dir=rtl>و معلوم ان كلمة عيد الشيعة الأكبر يوم العاشر من المحرم تشير إلى أن الشيعة كانوا معتادين من زمن بعيد على الإحتفال بذكرى الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> في ذلك اليوم من كل عام و انه كان من أعظم المناسبات التي اعتادوا فيها ان يندبوا الحسين و يبكونه و يرددون مواقفه و تضحياته من أجل الحق و المبدأ و العدالة التي تمكن كل انسان من حقه و تحفظ له كرامته و حريته .</P>

<P dir=rtl>و كما اتخذ الشيعة و أهل البيت تلك الأيام أيام حزن و أسف و بكاء على ما جرى للحسين و أسرته من قتل و أسر و سبي اتخذها غيرهم من الأعياد يتبادلون فيها التهاني و الزيارات و يتباهون بكل مظاهر الفرح و السرور في ملابسهم و ندواتهم و مآكلهم و ما إلى ذلك من مظاهر الفرح تحديا لشعور الشيعة و استخفافا بأهل بيت نبيهم الذين فرض الله ولاءهم على كل من آمن بمحمد و رسالته .</P>

<P dir=rtl>و جاء في ص 202 من البداية و النهاية لابن كثير المجلد الثامن ان النواصب من أهل الشام لقد عاكسوا الرافضة و الشيعة فكانوا في يوم عاشوراء يطبخون الحبوب و يغتسلون و يتطيبون و يلبسون افخر ثيابهم و يتخذون ذلك اليوم عيدا يصنعون فيه أنواع الاطعمة و يظهرون الفرح و السرور فرحا بقتله لأنه حاول ان يفرق كلمة المسلمين بعد اجتماعها على حد تعبيره .</P>

<P dir=rtl>و لا يزال المسلمون في أهل السنة يعتبرون أول يوم من المحرم عيدا اسلاميا يتبادلون فيه التهاني و الزيارات و يصرفون أكثر ساعاته في نوادي اللهو و الطرب و الحفلات و يسمونه بعيد الهجرة مع العلم بأن هجرة النبي من مكة إلى المدينة كانت في السادس من ربيع الأول و في الثاني عشر منه دخل المدينة و نزل ضيفاً على أبي أيوب الأنصاري .</P>

<P dir=rtl>و مهما كان الحال فلقد رافقت هذه الذكرى في أوساط الشيعة مصرع الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> و كان الأئمة يحرصون على تخليدها و استمرارها لتكون حافزا للاجيال على مقاومة الظلم و الطغيان و الإستهانة بالحياة مع الظالمين تقودهم بمعانيها السامية الخيرة للتضحية و البذل بسخاء في سبيل المبدأ و العقيدة .</P>

<P dir=rtl>لقد دخل الامام علي بن الحسين زين العابدين إلى المدينة بعد أن أطلق سراحه و سراح عماته و أخواته يزيد بن معاوية و هو يبكي أباه و أهله و إخوته و ظلَّ لفترة طويلة من الزمن يبكيهم حتى عدَّه الناس من البكائين ، و كان عندما يساله سائل عن كثرة بكائه يقول : لا تلوموني فان يعقوب النبي فقد ولدا من أولاده فبكى عليه حتى ابيضت عيناه من الحزن و هو حي في دار الدنيا ، و قد نظرت إلى عشرين رجلا من أهل بيتي على رمال كربلاء مجزرين كالأضاحي أ فترون حزنهم يذهب من قبلي .</P>

<P dir=rtl>و روى الرواة عن الإمام الصادق <B>( عليه السَّلام )</B> انه قال ما وضع بين يدي جدي علي بن الحسين طعام الا و بكى بكاء شديدا و أن أحد مواليه قال له : جعلت فداك اني أخاف عليك ان تكون من الهالكين ، فقال : انما اشكو بثتي و حزني إلى الله و أعلم من الله ما لا تعلمون اني لم اذكر مصارع بني فاطمة إلى و خنقتني العبرة .</P>

<P dir=rtl>و أحيانا كان الإمام السجاد يطلب المناسبة و يخلقها أحيانا ليحدث الناس بما جرى للحسين و أهل بيته فيذهب إلى سوق القصابين في المدينة ليسألهم عما إذا كانوا يسقون الشاة قبل ذبحها و انه ليعلم انهم يفعلون ذلك لأنه من السنن المأثورة و لكنه يريد ان يحدثهم عما جرى لابيه ليبعث في نفوسهم النقمة على الظلم و الظالمين ، فيقول لهم : لقد ذبح أبو عبد الله عطشانا كما تذبح الشاة فيجتمعون عليه و يبكون لبكائه ، و كان إذا رأى غريباً دعاه إلى بيته لضيافته ثم يقول : لقد ذبح أبو عبد الله غريباً جائعاً ، و إستمرَّ طيلة حياته حزيناً كئيباً ، و هكذا كان غيره من الأئمة يحرصون على بقاء تلك الذكرى حية في نفوس الأجيال خالدة خلود الدهر لأنها لا تنفصل بمعانيها السامية عن أهداف الإسلام العليا و مقاصده الكريمة .</P>

<P dir=rtl>و قال الإمام الصادق <B>( عليه السَّلام )</B> لجماعة من أصحابه دخلوا عليه في اليوم العاشر : أتجتمعون و تتحدثون ؟ فقالوا : نعم يا إبن رسول الله ، فقال : أتذكرون ما صنع بجدي الحسين لقد ذبح و الله كما يذبح الكبش و قتل معه عشرون شابا من أهله و بنيه و إخوته ما لهم على وجه الأرض من مثيل .</P>

<P dir=rtl>و روى عنه معاوية بن وهب و قد دخل عليه في اليوم العاشر من المحرم فرآه حزينا كاسف اللون و هو يدعو و يقول : الله يا من خصنا بالكرامة ارحم تلك الوجوه التي غيرتها الشمس و ارحم تلك الخدود التي تقلبت على قبر أبي عبد الله الحسين و ارحم تلك الصرخة التي كانت لأجله ، و مضى يقول في دعائه لزوار الحسين و الباكين عليه كما جاء في رواية إبن وهب : اللهم ارحم تلك الأنفس و الابدان حتى توفيهم على الحوض يوم العطش الأكبر ، و لما استغرب معاوية بن وهب ما رآه من بكاء الإمام و من دعواته لزوار قبر أبي عبد الله و الباكين عليه ، قال له : يا إبن وهب ان من يدعو لزوار قبر الحسين و الباكين لما اصابه في السماء أكثر ممن يدعون لهم في الأرض ، و دعاء الامام لزوار قبر الحسين يشير إلى أن الشيعة كانوا يتوافدون لزيارته من ذلك التاريخ .</P>

<P dir=rtl>و دخل جعفر بن عفان عليه فقال له : بلغني انك تقول الشعر في الحسين و تجيده فأنشدني من شعرك فيه ، ثم قام و أجلس نساءه خلف الستر فلما قرأ عليه من شعره في الحسين جعل يبكي و ارتفع الصراخ و العويل من داخل الدار حتى ازدحم الناس على باب الدار مخافة ان يكون قد حدث فيها حادث فلما وقف الناس على واقع الأمر تعالى الصراخ من كل جانب ثم قال له : لقد شهدت ملائكة الله المقربون قولك في الحسين و بكوا كما بكينا .</P>

<P dir=rtl>و كان جعفر بن عفان من شعراء أهل البيت ، و له مواقف مع إبن أبي حفصة شاعر العباسيين الذي كان يتملق إليهم بانتقاص العلويين و هجائهم و من قصائده التي كان يتملق بها للعباسيين قوله في ابيات يخاطب لها العلويين :</P>

<P dir=rtl align=center>خلو الطريق لمعشر عاداتهم * حطم المناكب كل يوم زحام</P>

<P dir=rtl align=center>ارضوا بما قسم الاله لكم به * و دعوا وراثة كل اصيد حام</P>

<P dir=rtl align=center>انى يكون و ليس ذلك بكائن * بني البنات وراثة الاعمام</P>

<P dir=rtl>فرد عليه جعفر بن عفان بقوله :</P>

<P dir=rtl align=center>لم لا يكون و أن ذاك لكائن * لبني البنات وراثة الاعمام</P>

<P dir=rtl align=center>للبنت نصف كامل من ماله * و العم متروك بغير سهام</P>

<P dir=rtl align=center>ما للطليق و للتراث و انما * صلى الطليق مخافة الصمصام<B><B>[22]</B></B></P>

<P dir=rtl>و كان الامام الرضا <B>( عليه السَّلام )</B> يجلس للعزاء في العشرة الأولى من شهر المحرم و لا يرى ضاحكا قط ، كما كانت مظاهر الحزن و الاسف تستولي على الأئمة الأطهار و أصحابهم و تبدو ظاهرة في بيوتهم و مجالسهم و يقولون لمن يحضر مجالسهم من الخاصة و العامة : قولوا متى ما ذكرتم الحسن و أصحابه : يا ليتنا كنا معك فنفوز فوزاً عظيماً ، انهم كانوا يريدون من اصحابهم و شيعتهم و جميع المسلمين ان يكونوا مع الحسين و أصحاب الحسين العاملين بمبادئ القرآن و سنن الأنبياء و المصلحين العاملين لخير الإنسان في كل زمان و مكان بأرواحهم و عزيمتهم و قلوبهم ، و بقاء هذه الذكرى خالدة خلود الإنسان و أن يشحنوا النفوس بالنقمة على الظالمين و فراعنة العصور الذين يتحكمون بكرامة الإنسان و خيرات الأرض التي اوجدها الله لأهل الأرض لا للحاكمين و الجلادين . و يريدون منهم ان يكونوا في كل زمان و مكان ثورة عارمة على من يحمل روح يزيد و جلاّديه و لا يختلف عنهما الا بالإسم و يُضحّوا بأنفسهم من أجل الحق و العدل كما ضحى الحسين و أصحابه في ثورته على يزيد زمانه ، لقد ارادوا منهم ذلك صراحة تارة و تلميحا أخرى كما يبدو ذلك من حثهم و ترغيبهم على زيارة الحسين و تحمل المشاق و أن عظمت في سبيلها لتبقى مواقفه و تضحياته ماثلة لدى الأجيال تتخذ منها دروساً في الجهاد و التضحيات في سبيل العقيدة و المبدأ .</P>

<P dir=rtl>انهم كانوا يحثون و يرغبون في زيارته في أكثر من فصل من فصول السنة لأن الزائر عندما يقف امام ضريحه الطاهر إذا كان مدركا لواقعه لابد و أن يتصور موقف الحسين وحيدا في مقابل تلك الحشود التي اجتمعت لقتاله غير هياب و لا وجل يدافع و يناضل عن شريعة جده و كرامة الإنسان بعزيمة أثبت من الجبال الرواسي كما وصفها بعض شعراء الطف بقوله :</P>

<P dir=rtl align=center>من تحتهم لو تزول الأرض لاتنصبوا * على الهوى هضبا أرسى من الهضب</P>

<P dir=rtl>هذه الخواطر التي تعترض زائر الحسين لا بد و أن تحدث في نفسه نقمة على الظلم و الظالمين و تدفعه على الصمود في الشدائد و الأهوال و تؤكد صلاته بأهل هذا البيت الذين يجسدون الإسلام فكراً و قولا و عملا ، هذا بالإضافة إلى أن الزائر يعاهد الله و رسله و ملائكته بالمضي على خطا الحسين و آبائه و أبنائه و متابعتهم في القول و العمل و مواقفهم من الظالمين حينما يقف على ضريحه و يخاطبه بقوله : و أشهد الله و ملائكته و رسله اني سلم لمن سالمكم و حرب لمن حاربكم و ولي لمن والاكم و عدو لمن عاداكم و اني بكم مؤمن و لكم تابع في ذات نفسي و شرائع ديني و خواتيم عملي في منقلبي و مثواي .</P>

<P dir=rtl>ان هذا التأكيد من الأئمة الأطهار على زيارة الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> و الترغيب المغري بها في عدد من المواسم خلال كل عام لم يصدر منهم بالنسبة لزيارة غيره من الأئمة و لا لزيارة من هو أعظم منه كجده المصطفى و أبيه المرتضى في حين ان كل واحد منهم كل يجسد الإسلام بجميع فصوله و خطوطه في اقواله و أفعاله و قد وهب حياته لله و لخير الناس اجمعين و هانت عنده الدنيا بكل ما فيها من متع و نعيم و مغريات . ان ذلك لم يكن إلا لأن شهادة الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> بما رافقها من الجرائم و الفظائع تثير الأحاسيس و تحرك الضمائر الهامدة و تحث على مقارعة الظلم و الصبر في الشدائد و الأهوال في سبيل المبدأ و العقيدة و لأجل ما رافقها من تلك الأحداث القاسية التي لم يسجل التاريخ لها نظيراً فقد اتخذها الأئمة <B>( عليهم السَّلام )</B> وسيلة لاثارة العواطف و إلهاب المشاعر و بعث الروح النضالية في نفوس الجماهير المسلمة لتكون مهيأة للثورة على الظلمة و الجبابرة في كل أرض و زمان و في الوقت ذاته فان تلك المآتم و الذكريات تكشف عن طبيعة القوى التي تناهض أهل البيت و تناصبهم العداء و مدى بعدها عن الإسلام ، و تبين في الوقت ذاته ان جوهر الصراع بينهم و بين الحاكمين ليس ذاتيا و لا مصلحيا كما جرت العادة عليه في الصراعات بين الناس بل هو من أجل الإسلام و تعاليم الإسلام و الجور الذي أصاب الناس .</P>

<P dir=rtl>لقد كان موقف الأئمة <B>( عليهم السَّلام )</B> من تلك المآتم و الحث عليها و الترغيب بها منذ قتل الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> من جملة الدوافع التي جعلت الشيعة يلتزمون بها بدون انقطاع في كل بلد حلُّوا فيه بالرغم مما كانوا يتعرضون له من الحاكمين و أعداء أهل البيت من التنديد و التنكيل و السخرية و مع كل ما قام به الحاكمون من جور و إرهاب فلم يفلحوا في كبح ذلك التيار الشيعي الجارف الذي بقي يتعاظم باستمرار مع الزمن و بقي في تصاعد مستمر حتى في عهد العباسيين الذين وصلوا إلى الحكم على حساب العلويين كما تؤكد ذلك عشرات الشواهد و مع ذلك فقد كانوا عليهم أشد من الأمويين و حاربوهم على جميع الجبهات و تعرضوا في عهودهم لأسوأ أنواع العسف و الجور و التشريد .</P>

<P dir=rtl>فلقد قال المنصور العباسي عندما عزم على قتل الإمام الصادق : قتلت من ولد فاطمة ألفا أو يزيدون و تركت إمامهم و سيدهم جعفر بن محمد كما جاء في شرح ميمية أبي فراس و الأدب في ظل التشيع<B><B>[23]</B></B> .</P>

<P dir=rtl>و ترك الخليفته المهدي ميراثا من رؤوس العلويين كان قد وضعها في غرفة من غرف قصره و دفع مفاتيحا لزوجة خليفته ريطة و أوصاها بأن لا تفتحها إلا هي و زوجها بعد وفاته فأيقنت انها مملوءة من التحف و الأموال ، و لما توفي فتحها المهدي هو و زوجته ليلا فوجدها مملوءة من رؤوس العلويين بينها رؤوس شيوخ و أطفال و شبان و في كل رأس رقعة باسمه و نسبه<B><B>[24]</B></B> .</P>

<P dir=rtl>و هو القائل لعمه عبد الصمد بن علي عندما لامه على تسرعه في القتل و العقوبات : ان بني مروان لم تبلى رممهم و آل أبي طالب لم تغمد سيوفهم و نحن بين قوم رأونا بالأمس سوقة و اليوم خلفاء و لا نستطيع ان نبسط هيبتنا الا بنسيان العفو و إستعمال العقوبة<B><B>[25]</B></B> .</P>

<P dir=rtl>لقد وصل المنصور إلى الحكم على حساب آل أبي طالب كما ذكرنا و بعد ان استتبت له الأمور قتل منهم الفا أو يزيدون و وضع السيف في رقابهم لا لشيء الا لأنه يخاف منهم على هيبته و سلطانه و الخوف وحده يبرر له ولغيره من الحاكمين قتل الملايين من البشر في كل عصر و زمان و في الوقت ذاته يتغنون بالحرية و الديمقراطية و السلام و ما إلى ذلك من الشعارات كما كان العباسيون و الامويون يتسترون بالإسلام و رسالة الإسلام و يتقربون من الوعاظ و شيوخ السوء ليصنعوا لهم المبررات و جاء في مناقب إبن شهر اشوب ان المنصور قال للإمام الصادق <B>( عليه السَّلام )</B> : لاقتلنك و لأقتلن اهلك حتى لا اُبقي على الأرض منكم قامة سوط و لقد همَّ بقتله أكثر من مرة و كان يستعين عليه بالله وحده فأنجاه الله من شره .</P>

<P dir=rtl>و يدعي عبد الجواد الكليدار آل طعمة في كتابه تاريخ كربلاء أنه أول من تجرأ على قبر الحسين و هدمه عندما رأى الشيعة يتوافدون إلى زيارته و يرددون تلك المأساة الدامية التي حلت بأهل البيت .</P>

<P dir=rtl>و جاء في مروج الذهب للمسعودي انه جلس يوما مع المسيب بن زهرة و كان من أعوانه و جلاّديه فذكر الحجاج بن يوسف ووفاءه للمروانيين في معرض التعريض والتنديد بأعوانه ففهم المسيب غايته فقال له المسيب : يا أمير المؤمنين و الله ان الحجاج لم يسبقنا إلى أمر من الأمور ، و لم يخلق الله على وجه الأرض أحداً أحب الينا من نبينا محمد بن عبد الله<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>و مع ذلك فقد أمرتنا بقتل أولاده و عترته فأطعناك و قتلناهم ، فهل كان الحجاج أنصح لبني مروان منا لك ، فسكت المنصور و لم يرد عليه .</P>

<P dir=rtl>و روى الرواة عن أساليب تعذيبه للعلويين انه كان يضع العلويين في الاسطوانات و يسمرهم في الحيطان و أحياناً يضعهم في سجن مظلم و يتركهم يموتون جوعا و يترك الموتى بين الأحياء فتقتلهم الروائح الكريهة ثم يهدم السجن على الجميع كما جاء في تاريخ اليعقوبي . و لقد فرَّ أبو القاسم الرسي بن إبراهيم بن طباطبا المعروف باسماعيل الديباج إلى بلاد السند خوفا من المنصور و قال كما جاء عنه :</P>

<P dir=rtl align=center>لم يروه ما اراق البغي من دمنا * في كل أرض فلم يقصر من الطلب</P>

<P dir=rtl align=center>و ليس يشفي غليلا في حشاه سوى * ان لا يرى فوقها ابنا لبنت نبي</P>

<P dir=rtl>و حكم المسلمين من بعده ولده المهدي بنفس الروح اللئيمة الحاقدة على العلويين و صلحاء المسلمين و خفت في عهده حدة القتل الجماعي للعلويين و شيعتهم و مطاردتهم و لكنه سخَّر جماعة من أعوانه و مرتزقته لانتحال صفة الزندقة لكل من يناوؤه من العلويين و شيعتهم ، و أصبح الاتهام بالزندقة من أيسر التهم التي تلصق بالابرياء كما جاء في التاريخ الإسلامي و الحضارة الإسلامية .</P>

<P dir=rtl>و قال عبد الرحمن بدوي : ان الاتهام بالزندقة في ذلك العصر كان يسير جنبا إلى جنب مع الانتساب إلى مذهب الرافضة و في ذلك يقول الطغرائي من جملة أبيات له :</P>

<P dir=rtl align=center>و متى تولى آل أحمد مسلم * قتلوه و وصموه بالالحاد</P>

<P dir=rtl>و لما جاء دور خليفته الهادي العباسي سلط على العلويين جلاديه و جلاوزته فألحوا في طلبهم و مطاردتهم و قطع ارزاقهم و أعطياتهم و كتب إلى سائر المقاطعات الإسلامية يهدد و يتوعد كل من يأويهم و يحسن إليهم و كانت معركة فخ التي قتل فيها أكثر من مائة و خمسين من رجال العلويين و نسائهم و أطفالهم بسبب ما لحقهم من الاضطهاد يومذاك و تولى قيادتها الحسين بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب <B>( عليه السَّلام )</B> ، و كان موسى الهادي قد استخلف على المدينة إسحاق بن عيسى فأوعز إسحاق إلى رجل من ولد عمر بن الخطاب يعرف بعبد العزيز بن عبد الله فحمل على الطالبيين و أفرط في التحامل عليهم و مضايقتهم فاجتمع على الحسين بن علي صاحب فخ جماعة من الشيعة فخرج بهم و كانت المعركة في القرب من مكة و في المكان المعروف بفخ و قتل الحسين و من معه من العلويين و شيعتهم و حملت رؤوسهم إلى موسى الهادي ، و لما بلغ العمري والي المدينة ما جرى للحسين بن علي قائد معركة فخ أمر بهدم داره و دور الطالبيين و صادر اموالهم و ممتلكاتهم .</P>

<P dir=rtl>و جاء في مقاتل الطالبيين للإصفهاني ان النبي<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>مرَّ بفخ فنزل و صلى ركعتين و قبل ان ينتهي منهما بكى و هو في صلاته فلما رآه المسلمون بكوا لبكائه و لما سألوه عن سبب بكائه قال : نزل عليّ جبريل لما صليت الركعة الأولى و قال : يا محمد ان رجلا من ولدك يقتل في هذ المكان و أجر الشهيد معه أجر شهيدي ، فبكيت لما يجري على ذريتي من بعدي<B><B>[26]</B></B> .</P>

<P dir=rtl>و لما جاء دور الرشيد الخليفة العباسي الخامس مثل أسوأ الادوار معهم و أقسم ـ كما جاء في الاغاني طبع دار الكتب بالقاهرة ـ على استئصالهم و كل من يتشيع لهم و قال : حتى مَ أصبر على آل أبي طالب و الله لأقتلنهم و أقتل شيعتهم أينما حلوا و أمر بأخراجهم من بغداد إلى المدينة و أمر واليه عليها ان يأخذ الضمانات منهم و يتعهد بعضهم ببعض و عندما ارسل الجلودي لحرب محمد بن جعفر بن محمد أمره ان يُغير على دور آل أبي طالب و يسلب ما على نسائهم من الثياب و لا يترك لكل واحدة منهن الا ثوبا واحدا يسترها .</P>

<P dir=rtl>ولم يكتف بذلك حتى هدم قبر الحسين و قطع السدرة الكبيرة التي كانت إلى جانبه لا لشيء الا لأن زوار قبر الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> كانوا يستظلون تحتها من حرارة لشمس ، و قد تولى له تنفيذ هذه المهمة موسى بن عيسى إبن موسى العباسي<B><B>[27]</B></B> .</P>

<P dir=rtl>و توج موبقاته كلها بحبس الامام موسى بن جعفر <B>( عليه السَّلام )</B> و أخيراً بقتله بالسم بواسطة جلاديه و جلاوزته و في عهده امتلأت سجونه من العلويين و شيعتهم وكل من يتهم بالتشيع لهم على حد تعبير أحمد امين في المجلد الثالث من ضحى الإسلام .</P>

<P dir=rtl>و اشتهر المتوكل بعدائه الشديد للعلويين ، فقد جاء في تاريخ إبن الاثير و هو يستعرض حوادث سنة 236 ان المتوكل العباسي كان شديد البغض و الكراهة لعلي و آل علي و إذا بلغه ان أحداً يتولى عليا و آل علي صادر أمواله و قتله و أضاف إلى ذلك انه كتب إلى واليه في مصر يأمره باخراج آل أبي طالب منها و طردهم إلى العراق و كانوا في مصر يرددون في مجالسهم ما صنعه الأمويون مع الحسين و أسرته و أصحابه و يبكون لما أصابهم فأخرجهم الوالي منها و استتر أكثر من كان فيها من شيعة أهل البيت ، كما استعمل على المدينة و مكة المكرمة عمر بن الفرج الرجحي فمنع من البر بآل أبي طالب كما منع العلويين من التعرض للناس و الاتصال بأحد ، و لم يبلغه عن أحد بر علويا الا أنهكه عقوبة و أثقله عزما فساءت حالة العلويين و اضطر نساؤهم إلى التزام بيوتهن عاريات يتبادلن القميص المرقع في الصلاة الواحدة تلو الأخرى و يجلسن عاريات على مغازلهن لكي يشترين ما يسد رمقهن من خبز الشعير بأثمان غزلهن.</P>

<P dir=rtl>لقد قضت مشيئة خليفة المسلمين العباسي في نسبه الأموي الحاقد في روحه و مشاعره ان تعتكف العلويات الطاهرات في بيوتهن عاريات يتبادلن القميص المرقع إذا حضرت اوقات الصلاة ، ثم يجلسن على مغازلهن عاريات ليشترين بأثمان غزلهن ما يسد رمقهن من الخبز ، و أن تختال نساؤهم و جواريهم الفاجرات الراقصات بالحلي و حلل الحرير و الديباج بين الغلمان و السكارى من حواشي الخليفة ، و يجلسن على موائد الطعام المؤلفة من جميع المأكولات و الخمور و أهل البيت و نساؤهم و أطفالهم يتلوون من آلام الجوع أذلاء صاغرين ، و كان يقرب إليه كل من يكره علياً أمير المؤمنين كعلي بن الجهم و أمثاله ممن كانوا يشتمون عليا <B>( عليه السَّلام )</B> ، و نظرا لأن أباه الجهم بن بدر كان من الموالين لعلي قال بعض شعراء الشيعة في علي بن الجهم :</P>

<P dir=rtl align=center>لعمرك ليس الجهم بن بدر بشاعر * و هذا علي ابنه يدعي الشعرا</P>

<P dir=rtl align=center>و لكن أبي قد كان جاراً لأمه * فلما ادعى الاشعار أوهمني امرا</P>

<P dir=rtl>يشير بهذين البيتين إلى الحديث الشائع عن النبي<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>انه قال لعلي <B>( عليه السَّلام )</B> بحضور جماعة من المهاجرين و الأنصار : يا علي لا ينغصك الا إبن حيض أو زنا .</P>

<P dir=rtl>و كان إبن السكيت من كبار العلماء و الأدباء في زمانه و قد ألزمه المتوكل بتعليم ولديه المعتز و المؤيد ، فقال له يوما : أيهما أحب اليك ابناي هذان أو الحسن و الحسين ؟ فرد عليه إبن السكيت بقوله : و الله ان قنبرا خادم الحسن و الحسين أحب الي منك و من ولديك فأوعز المتوكل إلى جلاديه من الاتراك ان يستخرجوا لسانه من قفاه ففعلوا به ذلك و مات من ساعته و كان يقول :</P>

<P dir=rtl align=center>يصاب الفتى من عثرة بلسانه * و ليس يصاب المرء من عثرة الرجل</P>

<P dir=rtl align=center>فعثرته في القول تذهب رأسه * و عثرته في الرجل تبرأ على مهل</P>

<P dir=rtl>لقد نسي رحمه الله هذين البيتين اللذين كان يرددهما و كأنه كان يعني نفسه بهما ، لقد سيطر عليه الولاء لأهل البيت و استفزه استخفاف المتوكل بهم فأبت له نفسه الكبيرة ان يتقيه و يقول ما لا يؤمن به فذهب في قافلة الشهداء و لعله كان من أفاضلهم بمقتضى قول النبي<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>أفضل الشهداء عمي الحمزة و رجل قال كلمة حق في وجه جائر فقتله .</P>

<P dir=rtl>لم يكتف المتوكل بالتنكيل بشيعة أهل البيت و مطاردتهم فأراد ان يمنعهم عن زيارة الحسين ففرض عليهم الضرائب و هددهم و توعدهم بالقتل و مصادرة اموالهم و ممتلكاتهم فلم يخضعوا لتهديده و لا لوعيده و استمرت وفود الشيعة على كربلاء في تصاعد مسترم يكمنون بالنهار و يسيرون ليلا و لما لم يجد سبيلا لاستئصال هذه الظاهرة الشيعية اتخذ قراراً بهدم القبر و ازالة معالمه ليضيع مكانه و لا يهتدون إليه ، و يأبى الله الا ان يتم نورة و لو كره المشركون .</P>

<P dir=rtl>لقد اراد معاوية من قبله ان لا يتحدث أحد فضل علي و آثاره فكتب إلى عماله في جميع المقاطعات الإسلامية برئت الذمة ممن يروي حديثا في فضل عليّ و آل علي و ممن يذكرهم بخير ، و كتب المتوكل الهاشمي و إبن عم العلويين إلى عماله برئت الذمة ممن يبر العلويين و يحسن إلى أحد منهم ، و قتل معاوية الحسن بن علي و المئات من صلحاء المسلمين لأنهم لم يعلنوا براءتهم من علي و آل علي ، و كذلك فعل المتوكل و أسلافه من أحفاد هاشم و عبد المطلب ، و قتل يزيد بن معاوية الحسن بن علي و عشرين شابا من أحفاد أبي طالب ، و قال المنصور العباسي حفيد عبد المطلب : قتلت من ولد فاطمة الفا أو يزيدون و ترك لولده المهدي غرفة من غرف قصره مملوءة برؤوسهم و مع كل رأس رقعة باسمه و نسبه ليقتدي به خليفته من بعده<B><B>[28]</B></B> و هدم المتوكل قبر أمير المؤمنين و قبر الحسين حتى لا يهتدي إليهما أحد من الشيعة و يذهب لزيارتهما ، و لكن طيب تراب القبر دل على القبر .</P>

<P dir=rtl>فكان معاوية بمحاولته الفاشلة اخفاء فضائل أمير المؤمنين كأنه يأخذ بضبعه إلى السماء على حد تعبير الشعبي و عبد الله بن عروة بن الزبير لولديهما ، و كان المتوكل بمحاولاته لاخفاء قبر الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> انه يجعله من الابراج التي تناطح السحاب و تثير أحقاد الحاكمين من حكام العصور .</P>

<P dir=rtl>و نعود بعد هذه اللمحات القصار عن مواقف العباسيين من العلويين إلى الحديث عن مرقد الحسين لنعود إلى اعطاء صورة اوسع عن جور العباسيين بعد الفراغ من هذا الفصل الذي خصصناه للمآتم الحسينية و زيارة مرقده ، و ما دمنا بصدد الحديث من المآتم الحسينية و زيارة مرقد الحسين نعود لأبي الفرج الاصفهاني لنرى ما فعله المتوكل بقبر الحسين و مع زائريه ، فقد جاء في مقاتل الطالبيين ان المتوكل الهاشمي كان شديد الوطأة على آل أبي طالب غليظاً على جماعتهم و شديد الحقد و الغيظ عليهم و كان وزيره عبيد الله بن يحيى بن خاقان يشاركه في سوء الرأي بهم فحسن له القبيح في معاملتهم و بلغ فيهم ما لم يبلغه أحد من بني العباس قبله ، و كان من سوء فعله ان حرث قبر الحسين و عفى آثاره و وضع على سائر الطرق المؤدية إليه مسلحين من جنده لا يجدون أحداً في طريقه لزيارته الا قتلوه أو انكهوه تعذيباً ، و مضى يقول : لقد حدثني أحمد بن الجعد الوشا و قد شاهد بنفسه ذلك فقال : كان السبب في كرب قبر الحسين ان بعض المغنيات كانت تبعث بجواريها إلى المتوكل قبل خلافته يغنين له إذا شرب ، فلما تولى الخلافة بعث إلى تلك المغنية فعرف انها كانت غائبة في زيارة الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> و لما بلغها خبره أسرعت في الرجوع و بعثت إليه بجارية من جواريها كان يألفها فقال لها : اين كنتم ؟ فقالت : لقد خرجت مولاتي إلى الحج و أخرجتنا معها و كان ذلك في شعبان ، فقال : و الى اين حججتم و نحن في شعبان ؟ فقالت : قصدنا قبر إبن عمك الحسين بن علي <B>( عليه السَّلام )</B> ، فاستشاط غضبا و أمر بمولاتها فوضعها في سجنه و صادر أملاكها ، و بعث برجل من أصحابه يقال له ( الديزج ) و كان يهوديا إلى مرقد الحسين و أمره بهدمه و أن يكرب محله و لا يترك له أثراً كما أمره بهدم كل ما حوله من الابنية ، فمضى لذلك و نفذ جميع ما أمره به المتوكل فهدم ما حوله من البناء و البيوت التي كان اصحابها يستقبلون الزوار فيها و كرب نحوا من مائتين جريب حوله ، فلما بلغ إلى القبر لم يتقدم لهدمه أحد ممن كانوا معه من جنود المتوكل و أنصاره فأحضر قوما من اليهود فهدموه ثم كربوه و أجروا الماء عليه و على ما حوله من الاراضي ، و أوكل أمر ملاحقة الزوار إلى جنوده و جلاوزته فكل من وجدوه متوجها لزيارته اعتقلوه و أرسلوه إليه ، و أضاف إلى ذلك الاصفهاني في مقتله ان محمد بن الحسين الاشتاني قال :</P>

<P dir=rtl>لقد بعد عهدي بالزيارة في تلك الأيام خوفا من السلطة الحاكمة ، ثم عملت على المخاطرة بنفسي فيها و ساعدني رجل من العطارين على ذلك فخرجنا زائرين نكمن النهار و نسير الليل حتى اتينا نواحي الغاضرية و خرجنا منها نصف الليل فسرنا بين مسلحتين حتى اتينا محل القبر و قد خفي علينا فجعلنا نشمه و نتحرى جهته حتى اتيناه و قد قلع الصندوق الذي كان حواليه و أحرق و أجري الماء عليه فانخسف موضع اللبن و صار كالخندق فزرناه ثم انكببنا عليه فشممنا منه رائحة ما شممت مثلها في جميع أنواع الطيب ، فقلت للعطار الذي كان معي : أي رائحة هذه ؟ فقال : لا و الله ما شممت مثلها شيئا من العطر ، فودعناه و جعلنا حول القبر علامات في عدة مواضع ، فلما قتل المتوكل اجتمعنا مع جماعة من الطالبيين و الشيعة حتى صرنا إلى القبر فأخرجنا تلك العلامات ، و أعدناه إلى ما كان عليه<B><B>[29]</B></B> .</P>

<P dir=rtl>و جاء في الامالي للشيخ الطوسي عن عبد الله بن دانية الطوري انه قال : حججت سنة 247 فلما انتهيت من اعمال الحج و رجعت إلى العراق زرت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب على حال خيفة من السلطان ، ثم توجهت إلى زيارة الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> في كربلاء فاذا مرقده قد حرث و فجر فيه الماء و أرسلت الثيران و العوامل في الأرض ، فبعيني و بصري رأيت الثيران تساق في الأرض فتنساق لهم حتى إذا وصلت القبر حادت عنه يمينا و شمالا فتضرب بالعصي الضرب الشديد فلا ينفع ذلك و لا تطأ القبر بحال ابدا فلم أتمكن من الزيارة فتوجهت إلى بغداد و أنا أقول :</P>

<P dir=rtl align=center>تالله ان كانت أمية قد أتت * قتل إبن بنت نبيها مظلوما</P>

<P dir=rtl align=center>فلقد اتاه بنو أبيه بمثله * هذا لعمرك قبره مهدوماً</P>

<P dir=rtl align=center>اسفوا على ان لا يكونوا شاركوا * في قتله فتتبعوه رميما</P>

<P dir=rtl>و قيل كما هو الشائع ان الأبيات للشاعر البسامي و يجوز ان يكون عبد الله بن دانية قد استشهد بها بعد شيوعها .</P>

<P dir=rtl>و قال الطبري في المجلد التاسع و في أحداث 236 ان عامل صاحب الشرطة نادى في الناحية التي فيها القبر من وجدناه عند قبر الحسين بعد ثلاثة أيام بعثنا به إلى المطبق ، فهرب الناس من حواليه<B><B>[30]</B></B> .</P>

<P dir=rtl>و قد أثر هذا الإرهاب إلى حد ما على نشاط تحركات الشيعة نحو زيارة مراقد الأئمة <B>( عليهم السَّلام )</B> و بخاصة زيارة الحسين ، بعد أن تعاظم أسلوب القمع و الإرهاب لبعض الوقت إلى حد حمل الامام الثاني عشر محمد بن الحسن <B>( عليه السَّلام )</B> إلى اصدار توجيه عام إلى الشيعة ينهاهم فيه عن زيارة مرقد الإمامين موسى بن جعفر و محمد الجواد في مقابر قريش و حرم الحسين في كربلاء كما جاء في أعلام الورى وغيبة الطوسي ، و لكن اساليب القمع و الإرهاب لم تدم طويلا و كان لها ردة فعل واسعة في الأوساط الشيعية فما ان أحس الشيعة بالانفراج حتى اخذوا يتوافدون على زيارة مرقد الحسين بكثافة و بصورة أشد تنوعا مما كانت عليه قبل أن يصدر الحاكمون أو أمرهم بالمنع و التنكيل بالزائرين .</P>

<P dir=rtl>و اعتقد الشيعة ان المرقد الشريف لم يتأثر ابدا بالماء و ظلَّ على حاله و الشيعة يتوافدون عليه في مواسم معدودة من كل عام ، و بعد قرن من الزمن كتب إبن حوقل عن المشهد الذي بني فوق ضريح الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> و وصفه بأنه غرفة واسعة تعلوها قبة لها باب من كل جهاتها الاربع ، و في عهد البويهيين هاجم البلدة المحيطة بضريح الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> فريق من الأعراب جاءوا من عين التمر و ضربوا المشهد و غيره من الاماكن المجاورة له فصب عليهم بنو بويه جام غضبهم و عاقبوهم بأقسى ما يكون من العقوبات و أعاد عضد الدولة بناء المرقد و ما تهدم حوله إلى ما كان عليه و بسط عليها الحماية فجعل الناس يتهافتون إلى زيارته من كل مكان .</P>

<P dir=rtl>و في ربيع الأول من سنة 407 هجرية ، 1016 ميلادية ، شب حريق في البناء فتهدمت القبة التي على المرقد و الاروقة و احترقت و أعاد بنائها الحسين بن الفضل و بنى سورا حول كربلاء ، و من ذلك الوقت تشابه تاريخ النجف و كربلاء فاحترمهما الاتراك الذين احتلوا العراق ، و زار ملك شاه سنة 479 المشهدين و وزع الصدقات و الأموال على أهالي البلدتين و نجتا من غزو المغول و توالت زيارة أمراء الشيعة و حكامهم إلى البلدتين و رعايتهما و خلال القرن السابع زار كربلاء الخان غازي أحد حكام ايران و حمل معه إلى المرقد الشريف بعض الهدايا الثمينة ، و شق ارغون من نهر الفرات إلى البلدة قناة أصبحت تعرف فيما بعد بنهر الحسينية ، كما حافظ العثمانيون على المشهدين في كربلاء و النجف و كانت الأوامر تصدر الى الولاة في بغداد بالمحافظة عليهما و العناية بهما<B><B>[31]</B></B> . و بقي مرقد الحسين و مراقد الأئمة <B>( عليهم السَّلام )</B> كعبة تتوافد إليهما الملايين في كل عام من مختلف انحاء العالم للتبرك بهما و العبادة و التوسل إلى الله سبحانه بقضاء حوائجهم بالرغم من جميع وسائل الإرهاب و القمع التي استعملها الحاكمون للتنكيل بالوافدين على مراقدهم و بقي اعداؤهم لعنة على لسان الأجيال و مراقدهم محلا لتجمع النفايات في البلاد التي دفنوا فيها .</P>

<P dir=rtl>و مهما كان الحال فلقد انفرجت الازمة التي اجتاحت الشيعة بموت المتوكل العباسي إلى حد ما و استيلاء ولده المنتصر على السلطة من بعده كما نص على ذلك إبن الاثير و غيره من المؤرخين فلقد قال في معرض حديثه عن حوادث سنة 248 ان المنتصر أمر بزيارة قبر الحسين و علي <B>( عليه السَّلام )</B> و آمن العلويين و أطلق سراحهم و ردَّ عليهم فدكاً و كان أول ما أحدثه ان عزل عن المدينة صالح بن علي الذي كان يتتبعهم بكل أنواع الأذى و الظلم و الجور و عيَّن مكانه علي بن الحسن بن إسماعيل بن العباس بن محمد ، و لما دخل عليه ليودعه و هو في طريقه إلى المدينة قال له : يا علي اني موجهك إلى لحمي و دمي و ساعدي فانظر كيف تكون للقوم و كيف تعاملني فيهم .</P>

<P dir=rtl>و استمر الشيعة أينما حلوا يحتفلون بذكرى الحسين الاليمة و يرددون ما جرى عليه و على اسرته و عائلته من القتل و السبي و التنكيل و بكل مظاهر التشيع في العشرة الأولى من المحرم و غيرها من المناسبات سواء في ذلك البلاد التي غلب عليها التشيع كالعراق أو غيرها من المقاطعات التي كان الشيعة فيها يشكلون الاقلية بالنسبة إلى غيرهم كما هو الحال في مصر يوم كانت في سلطة كافور الاخشيدي الذي كان كما يصفه بعض المؤرخين شديد التعصب على أهل البيت و شيعتهم ، و مع ذلك فقد اظهروا فيها من الصلابة و التماسك مع قلتهم بالنسبة لغيرهم ما فرض على كافور ان يصانعهم و يتغاضى عما يقومون به في كل عام من مظاهر الحزن و الجزع لما أصاب أهل البيت <B>( عليهم السَّلام )</B> .</P>

<P dir=rtl>و لم تنفرج الازمة في مصر انفراجا كاملا الا بعد أن تغلب عليها الفاطميون وحكمها المعز لدين الله الفاطمي فارتفعت معنويات الشيعة بوجودهم و هيأوا لهم جميع الاجواء المناسبة و اشتركوا معهم في احياء تلك الذكرى و بذلوا في سبيلها الأموال بسخاء لا مثيل له ، و كان ذلك منهم كما لا يبعد ردا على حملات التشكيك في نسبهم التي شنها عليهم العباسيون و ساهم فيها كبار علماء السنة يومذاك .</P>

<P dir=rtl>و قال المقريزي في خططه : كان الفاطميون في يوم عاشوراء ينحرون الابل و البقر لإطعام الناس و يكثرون النوح و البكاء و يتظاهرون بكل مظاهر الحزن و الاسف و استمروا على ذلك حتى انقرضت دولتهم و جاء عهد الايوبيين الذين مثلوا أدوار الأمويين و العباسيين مع الشيعة ، و أضاف المقريزي إلى ذلك بروايته عن إبن ذولاق في سيرة المعز لدين الله انه في يوم عاشوراء من سنة 363 انصرف خلق من الشيعة إلى قبري أم كلثوم و نفيسة و معهم جماعة من فرسان المغاربة و رجالهم بالنياحة و البكاء على الحسين و من قتل معه من اسرته و بنيه و كسروا اواني السقائين .</P>

<P dir=rtl>و في سنة 396 جرى الأمر على ما كان يجري في كل عام من تعطيل الاسواق وخروج المنشدين إلى جامع القاهرة ونزولهم مجتمعين بالنوح والبكاء والنشيد ، واستطرد المقريزي في وصف ما كان عليه حال الفاطميين من قيامهم بمناسبة ذكرى مصرع الحسين بمظاهر الحزن و الاسف حكومة وشعبا ، و مضى يقول : إذا كان يوم العاشر احتجب الخليفة عن الناس لمدة من الوقت فاذا ارتفع النهار ركب قاضي القضاة و الشهود و غيروا زيهم و مضوا إلى مشهد الحسين ، فاذا دخلوا اخذوا ينشدون الشعر في رثاء أهل البيت <B>( عليهم السَّلام )</B> إلى أن تمضي عليهم ثلاث ساعات و النشيد متواصل و بعدها يستدعيهم الخليفة إلى قصره فيدخل قاضي القضاة و الداعي و من معهما إلى باب الذهب فيجدون الدهاليز قد فرشت بالحصر فيجلس القاضي و الداعي إلى جانب الخليفة و يجلس الباقون من سائر الطبقات في الاماكن التي أعدت لهم فيقرأ القراء شيئاً من القرآن ، ثم ينشدون المراثي و يتقدمون بعد ذلك إلى المائدة لتناول الطعام المؤلف من الاجبان و الالبان و العسل و غير ذلك و بعد الفراغ يتوجه فريق من الناس و المنشدين ينوحون و يبكون في شوارع القاهرة و قد أغلقت المحلات و الحوانيت و تعطلت جميع الأعمال في ذلك النهار حتى المساء إلى غير ذلك من المظاهر التي كانت تعم المدن و القرى في جميع انحاء مصر طيلة العهد الفاطمي و ظلت هذه المظاهر تتصاعد و تشتد في مصر و غيرها من الأقطار إلى أن جاء دور الايوبيين فحاربوا هذه المظاهر و توعدوا الناس و الشيعة بأقصى العقوبات إذا استمروا عليها و استبدلوا مظاهر الحزن و الاسى بمظاهر الفرح و السرور عند دخول شهر المحرم و أصبح اليوم العاشر منه من أعظم اعيادهم يتباهون فيه بالملابس الفاخرة و أنواع الطعام و الحلوى و الاواني الجديدة و ما إلى ذلك مما يعبر عن ارتياحهم و اغتباطهم في ذلك اليوم ليرغموا بذلك أنوف الشيعة على حد تعبير المقريزي في خططه .</P>

<P dir=rtl>و في عهد البويهيين كان الشيعة و الحكام يمثلون دور الفاطميين و جاء في تاريخ أبي الفداء خلال حديثه عن أحداث 352 ان معز الدولة كان في اليوم العاشر من المحرم يأمر بتعطيل الاسواق كما يأمر الناس ان يخرجوا بالنياحة و النساء ناشرات الشعور قد شققن ثيابهن و لطمن وجوههن ، و أيد ذلك إبن كثير في بدايته و هو يتحدث عن البويهيين و ما كانوا يصنعونه في بغداد في الأيام الأولى من شهر المحرم و العاشر منه في كل عام إلى غير ذلك مما رواه الرواة و المؤرخون عن مواقف الشيعة و حكامهم من ذكرى مجزرة الطف منذ حدوثها خلال القرون التي حكم الشيعة فيها بعض المناطق الإسلامية و غيرها من القرون التي كان الحكم فيها لاعداء الشيعة كالامويين و العباسيين و الايوبيين و الاتراك ، و بالرغم من كل وسائل العنف التي مارسها الحاكمون ضد التشيع و مظاهره فقد بقيت المآتم الحسينية تقام و لم تتأثر بالاخطار و وسائل العنف من الحاكمين و أعداء أهل البيت الذين ادركوا ان المآتم الحسينية في واقعها ليست الا تعبيراً عن المعارضة لحكمهم الجائر و ادانة صريحة لتجاوزاتهم و استغلالهم لخيرات الشعوب و المستضعفين في الأرض ، و لعل هذا المحتوى للمآتم الحسينية كان من اولى الدوافع لدعوة الأئمة <B>( عليهم السَّلام )</B> على احياء هذه الذكرى و الالتزام بها مهما كانت النتائج و المضاعفات ، كما كان لتلك المآتم التي كانت تعقد هنا و هناك حتى في أشد الادوار تعقيدا و قسوة آثار واضحة في حدوث تلك الإنتفاضات الشيعية التي كانت ترفع شعارات الثورة الحسينية و تجعل منها منارا و شعار لبعث الروح النضالية و التضحية في سبيل الحق و العقيدة إلى أبعد الحدود و في الوقت ذاته فلقد كانت تلك الشعارات التي ترفع هنا و هناك كما يبدو من أقوى الدوافع على تمكين الثورة الحسينية في عقول الناس و قلوبهم سواء في ذلك ما كان منها في العصر الأموي أو العباسي ، فانتفاضات الحسينيين في العصر العباسي ردا على ما ارتكبه أولئك الطغاة من قتل و تشريد و أسر و تفنن في أساليب التعذيب ، هذه الإنتفاضات كانت روح كربلاء تحركها و تدفعها إلى المضي في المقاومة مهما كلفها ذلك من التضحيات و ما زالت الإنتفاضات التي تحدث على مرور الزمن هنا و هناك تستلهم من ثورة الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> التي لم يحدث التاريخ عن ثورة أكثر منها عطاء و تصميما .</P>

<P dir=rtl>لقد واجهت هذه الذكرى في تاريخها الطويل قمعا و اضطهادا كانا يضطرانها إلى الخمود و التستر كما شهدت انفراجات محدودة حينا و أحياناً انفراجات واسعة ، و لكن أعمال القمع و الاضطهادا لم تفلح في القضاء التام عليها بل بقيت تقام في مواعيدها و في دو من التستر حتى في العصر الأموي ، و في عصري المنصور و المتوكل اللذين يعتبران من أشد العهود قسوة و ظلما ، و كانت عندما تتوفر لها الانفراجات الواسعة تنفجر كالبركان كما حدث لها في عهود الفاطميين و البويهيين في بغداد و جهاتها و الحمدانيين في سوريا و الموصل و عندما أصبح الحكم في بلاد و جهاتها و الحمدانيين في سوريا و الموصل و عندما أصبح الحكم في بلاد الفرس و غيرها بيد الشيعة ، لأن أساليب العنف و الاضطهاد من الصعب ان تستأصل المبادئ و المعتقدات و حتى العادات بل تزيدها ترسيخا و صلابة ، و عندما تتوفر لها الظروف و المناسبات تبرز بشكل أقوى و أشد مما كانت عليه و قديما قيل : لا شيء أجدى و أنفع للأفكار و المعتقدات من محاربتها .</P>

<P dir=rtl>ان الذين يحاربون الافكار و المعتقدات يساهمون في ترسيخها و حياتها من حيث لا يريدون ، و لا شيء أدل على ذلك من مواقف الأمويين و العباسيين المسعورة بل و جميع الحاكمين من أهل البيت و فضائلهم و آثارهم ، و مع كل ما بذلوه من جهود للقضاء عليها فقد بقيت من افضل الرموز الشامخة و أقدسها و ظلوا في القمة بين عظماء التاريخ ، و ظهر من صحيح فضائلهم و آثارهم ما ملأ الخافقين و ما زالت محاسنهم تحكى و آياتهم تروى ، هذا بالإضافة إلى ما اضافه عليها المحبون مما كان أهل البيت انفسهم يحاربونه و يرونه اساءة لهم و يقولون لعن الله من قال فينا ما لم نقله في انفسنا و كانوا في مجالسهم و مجتمعاتهم يلعنون اصحاب تلك المقالات و يتبرأون منهم و من مقالاتهم ، و يقولون لمن يجتمعون إليهم من اصحابهم و غيرهم : لعن الله من قال فينا ما لم نقله في انفسنا.</P>

<P dir=rtl>لقد كان لتلك المواقف الجائرة التي وقفها الحاكمون من المآتم الحسينية و من زيارة الحسين و أبيه التي تعني فيما تعنيه الاجانة لأولئك الطواغيت و المعارضة المستترة لسياستهم الجائرة كان لها ردود فعل في الأوساط الشيعية جعلتهم يتصلبون في تمسكهم بتلك المآتم و يعتبرونها وسيلة للتنفيس عن عواطفهم الحزينة الغاضبة و الكبت النفسي الذي كان الشيعي يعانيه من ضغط الحاكمين و قسوتهم .</P>

<P dir=rtl>و مهما كان الحال فلقد مرت تلك المآتم و الذكريات منذ أن ولدت بعد مصرع الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> و حتى عشرنا الحالي بأدوار كثيرة و لم تثبت على صيغة واحدة في تلك العصور المتعاقبة ، و كان من الطبيعي ان تتطور حسب متطلبات العصر و أن تخمد و تنطلق بين الحين و الآخر حسب الظروف المحيطة بها .</P>

<P dir=rtl>لقد انطلقت بشكل لم يكن معروفا و مألوفا من قبل خلال الحكم الشيعي في مصر و بغداد و حلب و جهاتها و في فترات متعاقبة من الزمن و عادت إلى ما كانت عليه في العصر الذي سبق عصر الفاطميين بعد أن تقلص ظل حكام الشيعة في تلك المقاطعات و ظلت تقام في مواعيدها في أجواء تتسم بالسرية و التكتم كما كانت عليه في تلك العصور المظلمة . و في العصور المتأخرة تطورت بشكل أخرجها عما وجدت من أجله و عما كان الأئمة <B>( عليهم السَّلام )</B> قد رسموه لها لتبقى منطلقا و رمزا لمعارضة الحكم المستبد الظالم و أدخلت عليها بعض الزيادات التي تسيء إليها و إلى التشيع و يستغلها أعداء الشيعة للتنديد و التشويه و السخرية و هذه الزيادات لقد أدخلت عليها كما هو الراجح عن طريق الأقطار الشيعية بعد أن حكمها الشيعة و غلب على أهلها التشيع كإيران و أفغانستان و غيرهما من الأقطار التي تسربت إليها عادات الهنود القدامى كالضرب بالسلاسل الحديدية و السيوف و ما إلى ذلك من المظاهر التي لا يقرها الشرع و لا تحقق الاهداف التي كان الأئمة يحرصون عليها من تلك الذكريات .</P>

<P dir=rtl>و لا يزال هذا النوع من المظاهر الدخيلة يمارس خلال الأيام الأولى من شهر المحرم في العراق و إيران ، في حين ان الذين يضربون ظهورهم بالسلاسل الحديدية و رؤوسهم بالسيوف ليصبغوا أبدانهم بالدماء ليسوا من الملتزمين بالدين و يمارسون الكثير من المنكرات ، و قد انتقلت هذه الظاهرة الشاذة عن طريق بعض الفئات إلى بعض القرى الشيعية من جنوب لبنان في مطلع النصف الثاني من القرن الهجري المنصرم و لا تزال حتى يومنا هذا مصدر لسخرية الاجانب الذين يقصدون تلك البلدة في اليوم العاشر من المحرم و يسمونه يوم جنون الشيعة ، و بلا شك ان الأئمة <B>( عليهم السَّلام )</B> لا يرضون بهذه المظاهر و يتبرأون منها .</P>

<P dir=rtl>اما بقية القرى الشيعية من جنوب لبنان فلا تزال تحتفظ بذكرى مجزرة كربلاء في العشرة الأولى من شهر المحرم و في بعض المناسبات الطارئة بين الحين والآخر و لكن بالشكل المألوف الذي لا يتعدى قراءة أبيات في رثاء الحسين و من قتل معه لبعض شعراء الطف باسلوب يستيثير العواطف و بعض الجوانب المثيرة من السيرة الحسينية التي تلهب المشاعر و تحض على الظالمين و في اليوم العاشر يتولى أحد الحضور قراءة المصرع بكامله مع الاحتفاظ بمظاهر الحزن في الغالب .</P>

<P dir=rtl>و ستبقى تلك المآتم مع الزمن تستمد اصالتها و استمرارها من مواقف الحسين و بطولاته الخالدة التي ضرب فيها أروع الامثلة في البذل و العطاء و علم أبناء آدم كيف يعيشون احرارا و يموتون كراما في مملكة الجبابرة و فراعنة العصور لو ارادوا ان يعيشوا احرارا و يموتوا كراماً .</P>

<P dir=rtl><B>صور من جرائم العباسيين على العلويين</B></P>

<P dir=rtl>لقد كان بيت أبي طالب الوحيد من بيوت الهاشميين الذي احتضن محمداً و رسالته و وقف زعيم ذلك البيت أبو طالب في أشد الازمات التي اعترضت مسيرة الدعوة إلى جانب إبن أخيه و هو و أولاده و زوجته يحمونه من عدوان قريش و مخططاتها الهادفة إلى القضاء عليه و على رسالته و أبو طالب يردد و يقول لابن أخيه :</P>

<P dir=rtl align=center>و الله لن يصلوا اليك بجمعهم * حتى أوسد في التراب دفينا</P>

<P dir=rtl>و يلتفت إلى ولده جعفر عندما رأى محمداً يصلي و علي عن يمينه و يقول له : صل جناح إبن عمك يا بني و ذلك في الأيام الأولى لبعثته ثم يقول :</P>

<P dir=rtl align=center>و لقد علمت بأن دين محمد * من خير أديان البرية دينا</P>

<P dir=rtl>الى كثير من مواقفه و تضحياته في سبيله التي تؤكد بأنه كان من أصدق المسلمين اسلاما و وفاء لرسالة الإسلام و عملا بكل ما جاء به محمد من عند الله و كانت مصلحة الإسلام تفرض عليه ان لا يتجاهر في بعض الاعمال و الواجبات ، و ما ورد حول اسلامه في مجاميع الحديث السنية كله من صنع الأمويين كما تؤكد ذلك عشرات الشواهد ، و لا ذنب له الا انه والد الامام أمير المؤمنين <B>( عليه السَّلام )</B> كما ذكرنا ذلك أكثر من مرة .</P>

<P dir=rtl>و لم يحدث التاريخ عن موقف للعباس و لا لغيره من الهاشميين باستثناء الحمزة بن عبد المطلب في مطلع الدعوة يتسم بالحزم و الصلابة في مقابل قريش و تحدياتها لمحمد بن عبد الله<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>و ما انزلته به من الأذى و المطاردة و الاساءة ، و بعد ان استقامت الأمور للرسول الأعظم و انتشرت رسالته و خضعت لها الجزيرة العربية و انطلقت إلى ما ورائها لم يرد لغير عبد الله من العباس الذي لازم أمير المؤمنين و استفاد من علمه و أصبح بما اخذه عنه من أعلام المسلمين الاوائل و أحد المراجع الكبار فيما أشكل عليهم من المسائل ، لم يرد لغيره ذكر من تلك الأسرة يلفت الأنظار إليهم و كانوا يعتزون بقرابتهم لامير المؤمنين و أبنائه كاعتزازهم بالنبي<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>و لكنهم لم يكونوا بنظر الناس شيئاً بالقياس إلى العلويين ، و جاء عن المنصور انه كان إذا ركب محمد بن عبد الله بن الحسن يأخذ بركابه و يسوي له ثيابه على سرج فرسه و يمشي إلى جانبه جلالا و اكبارا له و حينما توالت الإنتفاضات على الأمويين بعد النقمة العارمة عليهم التي خلفتها مجزرة كربلاء و بعد الظلم الفادح الذي لحق بالمسلمين منهم و من ولاتهم في العراق و غيره من المقاطعات انضم العباسيون إلى العلويين بعد أن وجدا ان وقوفهم إلى جانب بني عمومتهم ربما يهيىء لهم الأجواء التي تفيدهم و لو بعد حين ، و اتفقوا على محمد بن عبد الله إبن الحسن المثنى و كان ممن بايعه إبراهيم و السفاح و المنصور الدوانيقي و كان المنصور أشدهم حماسا لبيعته و عقدوا اجتماعا دعوا إليه الامام الصادق <B>( عليه السَّلام )</B> لأخذ رأيه في هذه البيعة و لما حضر معهم طلبوا منه ان يبايع لمحمد الذي كان يُعرف يومذاك بذي النفس الزكية فقال لهم الامام <B>( عليه السَّلام )</B> : ان هذا الأمر لا يتم الا لهذا و ضرب بيده على كتف السفاح ثم لهذا و أشار إلى المنصور و التفت إلى عبد الله بن الحسن و قال له : ان ولديك إبراهيم و محمد سيقتلهما المنصور .</P>

<P dir=rtl>و جاء في رواية أبي الفرج الاصفهاني انه قال له : و الله ان الأمر ليس اليك و لا لولديك و انما هو لهذا و أشار إلى السفاح ثم لهذا و أشار إلى المنصور ثم لولده من بعده و لا يزال فيهم حتى يؤمروا الصبيان و يشاوروا النساء .</P>

<P dir=rtl>و مضى الاصفهاني يقول : ان عبد الله بن الحسن مثني قال للإمام : ان الله لم يطلعك على غيبه و لم تقل ذلك الا حسدا لإبنيَّ فرد عليه الإمام بقوله :</P>

<P dir=rtl>لا و الله ما حسدت ابنيك و أن هذا و أشار بيده إلى أبي جعفر المنصور يقتل ابنك على احجار الزيت ثم يقتل أخاه إبراهيم بعده بالطفوف و قوائم فرسه في الماء و قام مغضباً ، فتبعه المنصور و قال له : أتدري ما قلت يا أبا عبد الله ؟ قال : اي و الله و انه لكائن .</P>

<P dir=rtl>و كان المنصور يحث الطالبيين على النهوض بالأمر و يحرض العباسيين و العلويين على التماسك في بيعتهم و هو بذلك يحاول ان يجرهم إلى المعركة ضد الأمويين في الشطر الأخير من خلافتهم التي اوشك على الانهيار و كان هو و أسرته و على رأسهم السفاح و داود بن علي بن عبد الله و صالح بن علي و غيرهم من العباسيين يعملون في الخفاء لصالح العباسيين و يتظاهرون بالعمل لصالح العلويين لعلمهم بأن الناس لا ينقادون الا للعلويين و لا يعملون الا لحسابهم .</P>

<P dir=rtl>و يؤيد ذلك ما روا المؤرخون عن المدائني عن سحيم بن حفص ان نفرا من بني هاشم قد اجتمعوا بالأبواء في ضواحي مكة فيهم ابراهيم الملقب بالإمام بن علي بن عبد الله و السفاح و المنصور و صالح بن علي و عبد الله بن الحسن و أبناء إبراهيم و محمد و أخو عبد الله بن الحسن لأمه محمد بن عبد الله بن عمر بن عثمان ، فقال لهم صالح بن علي : انكم القوم الذين تمتد أعين الناس إليهم و قد جمعكم الله في هذا الموضع فاجتمعوا على بيعة أحدكم و تفرقوا في الآفاق و ادعوا الناس لعل الله ان يفتح عليكم و ينصركم ، ثم وقف المنصور و قال : لأي شيء تخدعون أنفسكم و الله لقد علمتم ما الناس إلى أحد أميل اعناقا و لا أسرع اجابة منهم إلى هذا الفتى و أشار إلى محمد بن عبد الله بن الحسين ، فبايعه الجميع بما في ذلك السفاح و المنصور ، ثم تفرقوا و لم يجتمعوا إلى أن جاء دور مروان بن محمد آخر حكام الأمويين الملقب بالحمار<B><B>[32]</B></B> و في عهده اجتمعوا فبينما هم يتشاورون اذ جاء رجل إلى إبراهيم بن علي بن عبد الله فشاوره بشيء ثم قام و تبعه العباسيون فسألوا عن ذلك فاذا الرجل قد قال لإبراهيم : قد أخذت لك البيعة بخراسان ، فلما علم بذلك عبد الله بن الحسن احتشم إبراهيم و خافه و توقاه ، و كان الأمويون يعرفون نوايا العباسيين و يراقبون تصرفاتهم أكثر من العلويين في تلك الفترة ، و عندما قيل لمروان بن محمد : ان عبد الله بن الحسن يدعو لولديه محمد و إبراهيم ، قال : لست اخاف أهل هذا البيت لأنه لا حظَّ لهم في الملك انما الحظ لبني عمهم العباسيين<B><B>[33]</B></B> .</P>

<P dir=rtl>و مهما كان الحال فلقد استغل بنو العباس النقمة العامة على الأمويين و معارضة الشيعة لحكمهم و تعلق الناس بالعلويين و العمل لصالحهم فمضوا مع تلك التيارات المعادية لبني أمية ينددون بما ارتكبوه مع العلويين و يتباكون على الحسين و أسرته و يرددون ما جرى عليهم في كربلاء و الشام من يزيد و إبن زياد و أظهروا في خراسان و غيرها من المناطق التي دخلها دعاتهم انهم يعملون بدافع الثأر لابناء فاطمة و اختيار الصالح من ابنائها لقيادة الأمة .</P>

<P dir=rtl>بهذه الأقنعة و الاساليب كان أحفاد العباس بن عبد المطلب يتقنعون و من خلالها كانوا يعملون و يتحركون بعد أن ادركوا ان ليس باستطاعتهم ان يحققوا شيئاً من امانيهم و أحلامهم إلا على حساب العلويين من أبناء فاطمة ، و بالفعل فقد استجابت لهم الجماهير الإسلامية و بخاصة الشيعية منها و قاوموا و انتصروا في معاركهم مع أنصار الأمويين في خراسان التي كانت من أعظم معاقل الأمويين بقيادة نصر بن سيار .</P>

<P dir=rtl>لقد ارتفع شأن العباسيين على حساب العلويين و على اكتاف شيعتهم ثم تنكروا لهم و عاملوهم بكل أنواع العسف و الجور و القتل و التشريد حتى انسوهم جور الأمويين و جرائمهم و أصبحوا يتمنون ايامهم بكل مرارة و ألم أن تعود .</P>

<P dir=rtl>لقد كان أحفاد العباس بن عبد المطلب يتباكون على الحسين و أسرته و يرددون تلك المأساة في مجالسهم و مجتمعاتهم ليخدعوا بذلك شيعة الحسين و أبيه الذين ذاقوا الامريَّين من جور الأمويين ، كما كان يتباكى عليهم الزبيريون حيث وجدوا يومذاك ان لا سبيل إلى استقطاب المسلمين الا بذلك ، فلما أتيح لهم ان يحكموا كانوا أشد على العلويين من يزيد و أبيه .</P>

<P dir=rtl>لقد مرَّت ظروف و أحداث على العلويين بلغت اقصى حدود الشدة و القوة في عهد معاوية و ولده و غيرهما من الأمويين لم يشترك فيها أحد من أبناء العباس و أحفاده إلى جانب أبناء عمومتهم ، ففي معركة الإمام الحسن مع معاوية كان عبيد الله بن العباس الذي ولَّاه الإمام قيادة الجيش في طليعة الخونة الذين انحازوا إلى جانب معاوية لقاء مبلغ من المال كما فعل غيره من قادة العراق ، و لما جاء دور الحسين و أصبح مستهدفا ليزيد بن معاوية و فرضت عليه أحداث يزيد و أبيه من قبله معركة الطف التي ضحى فيها من أجل الإسلام و الإنسان بنفسه و أهله و أطفاله لم يشترك فيها أحد من العباسيين لا من شيوخهم و لا من شبابهم ، و قامت المعركة بسواعد الطالبيين كما لم يشتركوا في معركة زيد بن علي و لا في غيرها من معارك الموالين لأهل البيت مع أعدائهم التي كانت تحركها روح كربلاء و تمدها بالصبر و التضحية إلى ابعد الحدود .</P>

<P dir=rtl>و حينما وجدوا ان مصلحتهم تلتقي مع التباكي على الحسين و العلويين وقفوا إلى جانب العلويين و شيعتهم و تظاهروا بالدعوة إليهم و حينما وصلوا إلى الحكم لم يختلفوا عن الأمويين في شيء لا في الظلم والقسوة و لا في الفسق و الفجور و لا في شيء لا في الظلم والقسوة و لا في الفسق و الفجور و لا في الاستهتار و الزندقة ، و قديما قيل ان الغاية تبرر الواسطة فقطع الرؤوس و هدم الدور على الأحياء و زج البرياء و الصلحاء في السجون كل ذلك سهل و مألوف لدى أصحاب المطامع و الاهواء ما دام يوفر الحكم و التسلط على عباد الله ، لقد ارسل إبراهيم الملقب بالإمام إلى أبي مسلم الخراساني بأن يستعمل السيف و لا يرحم صغيراً أو كبيراً ، و كان فيما كتبه إليه كما جاء في رواية المقريزي من كتاب النزاع و التخاصم : و أن استطعت ان لا تدع في خراسان من يتكلم بالعربية فافعل و أيما غلام بلغ خمسة اشبار تتهمه فاقتله و اقتل جميع من شككت فيه ، كل ذلك لأن من كان في خراسان من العرب كانوا يميلون إلى الأمويين .</P>

<P dir=rtl>لقد اوصى إبراهيم العباسي دعاته في خراسان و نواحيها بقتل جميع من يشكون فيه و يتهمونه بموالاة الأمويين كما اوصى معاوية عماله في جميع المقاطعات الإسلامية بقتل الشيعة و كتب إليهم كتابا جاء فيه : انظروا من تتهموه بموالاة أهل البيت فنكلوا به و اهدموا داره ، ان معاوية الأموي و إبراهيم الهاشمي لم يأمرا بذلك إلا لأن مصلحتهما تقتضي ذلك و حينما تتحكم المصالح بالإنسان لم يعد يرى غيرها و يستحل كل شيء في سبيلها .</P>

<P dir=rtl>لقد حكم الفاطميون و البويهيون و غيرهم ممن كانوا ينتسبون إلى الشيعة و لم يختلفوا عن غيرهم من الحاكمين الا بطلاء خفيف من التشيع و أداء بعض الطقوس الشيعية و كانوا يمارسون كغيرهم جميع أنواع المنكرات و يستحلون كل شيء يتعارض مع مصالحهم ، و نظرا لأن الدين وحده هو الذي يسير الإنسان في الطريق الصحيح و يضع حدا لنزواته و شهواته كانت العصمة أو العدالة في الحاكم من الضرورات التي لا يجوز تجاهلها بحال من الأحوال .</P>

<P dir=rtl>و جاء في المجلد الرابع من إبن الاثير ان السفاح ارسل محمد بن حول واليا على الموصل فامتنع أهلها عن طاعته و سألوا السفاح ان يولي عليهم غيره فأرسل أخاه يحيى في اثني عشر ألف مقاتل فخافه أهل الموصل و التزموا منازلهم فنادى بالأمان ، و لما زال من نفوسهم ما يحاذرونه منه فتك بهم و قتلهم قتلا ذريعاً و اسرف في القتل حتى غاصت الأرجل في الدماء ، فلما كان الليل سمع صراخ النساء و الأطفال فأمر جلاديه بقتل النساء و الأطفال و ما بقي من الشيوخ و إستمرَّ القتل و التنكيل بالإبرياء و النساء و الأطفال ثلاثة أيام .</P>

<P dir=rtl>لقد بقي عبد الله الملقب بالسفاح اربع سنين في الحكم قضاها في تتبع فلول الأمويين و ما يشك في ولائه للبيت العباسي كأبي سلمة الخلال و أصحابه الذين كانوا يحاربون معه من الشيعة إلى جانب أبي مسلم الخراساني لصالح البيت العلوي و اشتهر بهذا اللقب لكثرة من قتله من الأمويين و غيرهم ، و لم يكن الحجاج بن يوسف مولعا بالقتل و التشفي من أخصامه أكثر من السفاح ، بل يمكن القول بأنه لم يصل إلى مستوى الخليفة الهاشمي من هذه الناحية فلقد نص المؤرخون انه استدرج من الأمويين ثمانين رجلا و أعطاهم الأمان و أمرهم بأن يحضروا لاخذ جوائزهم و عطائهم و يتناولوا معه الطعام ، فلما حضروا أمر بقتلهم ثم بسط عليهم فراشا و وضع الطعام عليه و جلس هو و أصحابه يأكلون فوقهم و هم يضطربون و يستغيثون إلى أن نزفت دماؤهم و ماتوا عن آخرهم و لما فرغ من تناول الطعام قال : ما اكلت اكلة قط أهنأ و لا اطيب من هذه الاكلة .</P>

<P dir=rtl>و مهما بالغ الأمويون في الجرائم و أسرفوا في قتل الإبرياء و الصلحاء كما هو واقعهم فالإسلام لا يقر الاقتصاص منهم بهذا النحو و لو انتهى الحكم بعد الأمويين إلى العلويين لم يبلغ بهم التشفي إلى هذه الحدود و لا أعتقد انهم كانوا يقتلون بريئاً بمجرم و لا ينسون كلمة جدهم أمير المؤمنين <B>( عليه السَّلام )</B> الذي عفا من عمرو بن العاص في صفين و عن مروان بن الحكم في البصرة و هما رأس الفتن يومذاك و سقى معاوية و جنده الماء بعد أن منعه معاوية عن أهل العراق و كادوا يموتون عطشا لا ينسون كلمته التي كان يرددها : إذا قدرت على خصمك فاجعل العفو شكرا على المقدرة و الذي كان يقول : إذا ظفرت بخصمك فليكن العفو احلى الظفرين ، و كانوا يسيرون على خطاه إذا كانوا من المعصومين حقا ، و إذا لم يكونوا منهم فلا أعتقد بأنهم سيسرفون في اراقة الدماء اسراف غيره .</P>

<P dir=rtl>و جاء في تاريخ إبن الاثير ان داود بن علي بن عبد الله لما اراد ان يقتل من كان في المدينة و مكة من الأمويين و أنصارهم جاءه عبد الله بن الحسن المثني بن الحسن السبط <B>( عليه السَّلام )</B> و قال له : يا بن العم إذا قتلت هؤلاء فيمن تباهي بالملك ؟ أما يكفيك ان يروك غاديا رائحا فيذلهم و يسوءهم فلم يقبل منه و قتلهم عن آخرهم .</P>

<P dir=rtl>لقد كانت السنوات الأربع التي حكم فيها السفاح مرحلة انتقالية بين عهدين عهد مضى و عهد أطل على العالم الإسلامي استقبله المسلمون بشوق و لهفة و بخاصة الشيعة الذي قام على أكتافهم و بني بسواعدهم راجين ان يحقق لهم عدالة الإسلام و رحمته و سماحته و لكن آمالهم قد تبددت و ظنونهم قد خابت فما ان استتبت لهم الأمور و قضوا على أخصامهم الاساسيين حتى عادوا إلى سيرتهم و سياستهم و لكن بشكل اسوأ و أفظع مما كانوا عليه .</P>

<P dir=rtl>صحيح لم يتعرض السفاح في عهده لأحد من العلويين و شيعتهم و لكن ذلك لم يكن منه شرفا و وفاءً لمن مهدوا له الأمور و أجلسوه على كرسي الحكم بل لأنه كان يتتبع فلول الأمويين و يطاردهم من مكان إلى مكان و خلال تلك المدة بالإضافة إلى الشطر الأخير من عهد الأمويين حيث كانت الدولة في طريقها إلى الانهيار وجد الإمامان الباقر و الصادق <B>( عليهما السَّلام )</B> فرصة مؤاتية لبث علوم أهل البيت و نشرها بين الناس و للوقوف في وجه تلك التيارات الغريبة التي غزت الفكر الإسلامي و مهد لها الحاكمون لإلهاء المسلمين بتلك الصراعات العقائدية عن واقعهم المرير .</P>

<P dir=rtl>لقد وقف الأئمة من أهل البيت في وجه تلك التيارات الغريبة التي غزت القلوب و الافكار بحزم و صلابة و تركوا للعالم صورا عن العقيدة الإسلامية خالية من كل ما كان يخططه لها الحاقدون من زيف و تحريف . بعد الرقابة الشديدة و التهديد بالقتل لمن كان يروي حديثا عن علي و بنيه أو ينسب لهم فضلا أو أثراً كريما ، و كان يروي حديثا عن علي و بنيه أو ينسب لهم فضلا أو أثراً كريما ، و كان علماء التابعين إذا رادوا ان يحدثوا عن علي يتحاشون التصريح باسمه فيقولون روي عن أبي زينب و جاء عن أبي حنيفة انه كان يقول : لقد كانت العلامة بيننا و بين المشايخ اذا اردنا ان ننقل عن علي <B>( عليه السَّلام )</B> ان نقول قال الشيخ حتى لا نتعرض للأذى و المطاردة و كان من آثار تلك الفترة الانتقالية التي امتدت من أواخر العهد الأموي إلى السنين الأولى من عهد المنصور شيوع الحديث و الآثار العلمية التي اغنت المكتبة العربية في مختلف العلوم و بخاصة ما كان منها في التشريع و الفلسفة و الأخلاق و التفسير و غير ذلك من أنواع المعرفة ، و قد انتشر التشيع في تلك الفترة و أحس الناس بالإنفراج و راحوا يتحدثون عن العلويين و آثارهم في كل بلد و مكان فدبَّ الخوف في نفس المنصور و أسرته فأخذوا يقربون فقهاء المذاهب و يعملون على انتشار آثارهم و اعتنقوا هم مذاهبهم للحد من انتشار التشيع و مذهب أهل البيت و اشتدت الحملات المسعورة على العلويين و بدأت الفجوة تتسع بين البيتين حتى بلغت اقصى حدودها .</P>

<P dir=rtl>قال المسعودي في مروجه و المقريزي في كتابه النزاع و التخاصم : ان المنصور جمع أبناء الحسن و أمر بجعل القيود و السلاسل في أرجلهم و أعناقهم و حملهم في محامل مكشوفة للناس و بغير وطاء كما فعل يزيد بن معاوية بأسرى كربلاء و أودعهم مكانا تحت الأرض لا يعرفون فيه الليل من النهار و لا اوقات الصلاة و عزَّ عليهم ان تفوتهم الصلاة حتى و هم في أشد الأحوال ضيقاً و حرجا فجزأوا القرآن خمسة أجزاء و كانوا يصلون عند فراغ كل واحد من حزبه ، و يقضون الحاجة الضرورية في مواضعهم فاشتدت عليهم الروائح الكريهة و تورمت أجسامهم و ماتوا من الجوع و العطش و المرض .</P>

<P dir=rtl>و جاء في المجلد الرابع من إبن الاثير ص 375 ان المنصور دعا محمد إبن عبد الله بن عثمان و كان شقيقا لعبدالله بن الحسن من امه فأمر بشق ثيابه حتى بانت عورته و ضربه مائة و خمسين سوطا فأصاب سوط منها وجهه فقال للجلاد : و يحك اكفف عن وجهي ، فسمعه المنصور فقال للجلاد : الرأس الرأس ، فضربه على رأسه ثلاثين سوطا فأصابت سياطه إحدى عينيه فسالت على وجهه . و مضى إبن الاثير يقول : و أحضر المنصور محمد بن إبراهيم بن الحسن و كان يعرف بالدبياج لجمال صورته فقال له : انه الديباج الأصغر لأقتلنك قتلة لم اقتلها أحداً ، ثم أمر به فبني عليه أسطوانة و هو حي فمات منها.</P>

<P dir=rtl>و مع كثرة الجرائم التي إرتكبها الأمويون مع العلويين و شيعتهم فلم يحدث التاريخ عن أحد منهم انه كان يعذب و يقتل بهذا النحو و نظراً لأنهم كانوا يتفنون في جرائمهم بشكل لم يسبقهم إليه أحد ، قال بعض الشعراء : و الله ما فعلت أمية فيهم معشار ما فعلت بنو العباس .</P>

<P dir=rtl>وطلب الدوانيقي القاسم بن إبراهيم طباطبا ففر منه إلى بلاد السند ، فأرسل في طلبه و هو يفر من بلد إلى بلد على قدميه حافيا و الدم يسيل منهما فقال :</P>

<P dir=rtl align=center>عسى جابر العظم الكسير بلطفه * سيرتاح للعظم الكسير فيجبر</P>

<P dir=rtl align=center>عسى الله لا تيأس من الله أنه * ييسر منه ما يعز و يعسر</P>

<P dir=rtl>و قد ذكرنا سابقا بعض جرائمه خلال حديثنا عن زيارة الشيعة لقبر الحسين و قبور الأئمة و الأولياء ، و كان هو يتباهى بجرائمه و يقول : لقد قتلت من ذرية فاطمة الفا أو يزيدون هذا بالإضافة إلى عشرات الالوف الذين أبادهم و شردهم في الآفاق ، و كان يتفنن في أساليب القتل و التعذيب بنحو لم يعرف عمن سبقه من الحاكمين كما تتفنن الدول الكبرى في عصنا الحالي باختراع وسائل الخراب و الدمار و التسلط على عباد الله و الشعوب الضعيفة وكما تتفنن دول البترول بوسائل اللهو و الطرب و الفساد و معاشرة الشقراوات اللواتي يتهافتن عليهم من كل انحاء اوربا ، و كان المنصور مع تلك الجرائم بقرابته القريبة من رسول المحبة و العفو و الرحمة كما تتباهى دول البترول بعروبتها و اسلامها و تستعمل جميع امكانياتها لمساعدة حكم العراق في حربهم لمن يسمونهم بالمجوس في حين ان إسرائيل جاثمة على رؤوسهم و قلوبهم تعلن عن أطماعها في بلادهم و خيراتها .</P>

<P dir=rtl>و بعد ان استعرض المقريزي جرائم المنصور و ما ارتكبه مع العلويين و غيرهم قال : و أين قال الجور و القسوة الشنيعة مع القرابة القريبة من رحمة النبوة ، و تالله ما هذا من الدين في شيء بل هو من باب قول الله سبحانه فهل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا في الأرض و تقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فاصمهم و أعمى أبصارهم .</P>

<P dir=rtl>هذا كله بالإضافة إلى ما كان يصنعه المنصور مع الإمام الصادق من التهديد و الوعيد بين الحين و الآخر و لكن الله سبحانه أنجاه من شره و من وعيده و تهديده و هلك المنصور و ذهب في متاهات افناء مع الجبابرة و الطغاة و بقي جعفر الصادق مع الخالدين من ذوي الرسلات إلى قيام يوم الدين .</P>

<P dir=rtl>و كان المنصور مع كل ذلك يقرب إليه العلماء و الوعاظ ليستر بذلك جرائمه ، و جاء في المجلد الأول من عقد الفريد ان المنصور كان يجلس و إلى جانبه أحد الوعاظ فتأتيه الجلاوزة و في أيديهم السيوف يضربون بها الأعناق فإذا وصلت الدماء إلى ثيابه يقول للواعظ عظني فإذا ذكره الواعظ بالله اطرق برأسه كالمنكر ، ثم يعود الجلاد لضرب الأعناق فإذا اصابت الدماء ثياب المنصور ثانية يقول للواعظ عظني .</P>

<P dir=rtl>ان المنصور و غيره من الحاكمين حينما يقرِّبون رجل الدين و الوعاظ انما يفعلون ذلك لإلهاء الناس عن جورهم و ظلمهم و استخفافهم بأوامر الله و نواهيه و حقوق عباده ، لقد كان المنصور يقول : القينا الحَبَّ إلى العلماء فالتقطوه الا ما كان من سفيان الثوري فانه أعيانا فرارا و كلمة " القينا الحَب " تكاد تكون صريحة في انه كان باتصاله بهم كالصياد الذي يلقي الحَب للطيور لتقع في شباكه .</P>

<P dir=rtl>لقد هلك المنصور مع الهالكين و لم يترك أحداً ممن بقي حيا من العلويين الا و هو خائف مشرد من جور ظلمه و ترك غرفة من غرف قصره مملوءة ممن رؤوس العلويين لولده المهدي ليسير من بعده على خطاه مع العلويين ، و بالفعل لقد مارس المهدي سياسة أبيه فيمن استطاع ان يقبض عليه ممن بقي مع الأحياء منهم و كانوا قد تفرقوا في البلدان خائفين متسترين و ظفر بعلي بن العباس بن الحسن المثنى بن الحسن السبط <B>( عليه السَّلام )</B> فأخذه و وضعه في سجنه و أخيراً دس إليه السم فتفسخ لحمه و تفشت اعظاؤه و اشتد طلبه لعيسى بن زيد بن علي بن الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> و كان كما يصفه المؤرخون من افضل الطالبيين دينا و علما و ورعا و زهدا و أشدهم بصيرة في أمره و مذهبه على حد تعبير الاصفهاني في مقاتله ففر من طريقه إلى الكوفة و اختبأ في بعض دور الشيعة و اتفق مع صاحب جمل لينقل عليه الماء لقاء أجر زهيد يسد فيه رمقه و تزوج من إمرأة فقيرة لا تعرف عن اصله و نسبه شيئا و أولدها بنتا بلغت سن الزواج و ماتت و هي لا تعرف عن أبيها شيئا ، و ظلَّ عيسى في الكوفة بزي الأعراب متنكراً يكتم نسبه عن جميع الناس و كان إذا لم يجد عملا يعتاش منه يلتقط ما يرمي به الناس من الخبز و قشور الفواكه و الخضار ليتقوت به هو و عائلته .</P>

<P dir=rtl>لقد عاش عيسى بن زيد ما بقي من حياته مشرداً ينفر من الناس كما ينفر من الوحوش الضواري و لم يعلم أحد من العلويين بمكانه سوى أخيه الحسين بن زيد و دلَّ عليه ولده يحيى فذهب إلى الكوفة متخفيا يفتش عنه حتى انتهى إليه و اجتمع به لفترة قصيرة كانت آخر عهده به .</P>

<P dir=rtl>لقد عاش إبن رسول الله و إبن عم الخليفة مشردا متنكرا ينفر من الانس كما ينفر من الوحوش الضواري لا لشيء الا لأنه كان عالما عاملا بما أمر الله و يطالب بالحق و العدل ، و عاش المخنثون و العاهرات و أهل الفسق و الفجور في دعة و أمان يوفر لهم الخليفة و أعوانه جميع الملذات و يغدق عليهم الأموال بلا حساب ، و مضى المهدي العباسي و هو يتتبع فلول العلويين ليتشفى بقتلهم و التنكيل بهم و ترك الحكم لولده موسى الملقب بالهادي و كان كما يصفه المؤرخون قاسي القلب شرس الاخلاق يتلذذ بالتنكيل بأبناء عمومته العلويين و غيرهم من الصلحاء و الأبرياء ، و في عهده كان على المدينة رجل من ولد عمر بن الخطاب يتحامل على الطالبيين و يسومهم صنوف الألوان من العذاب و يفرض عليهم الاقامة الجبرية في المدينة على ان يثبتوا وجودهم لدى السلطة الحاكمة بين الحين و الآخر و يلصق بهم التهم المشينة كالخمر و الفجور و نحو ذلك ليبرر اساءته إليهم ، و في عهده كانت معركة فخ التي قتل فيها أكثر من مائة و خمسين علويا قيادة الحسين بن علي بن الحسن كما اشرنا إلى ذلك في الفصول السابقة ، و الحسين قائد المعركة في فخ امه زينب بنت عبد الله بن الحسن بن الحسن إبن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، و قد قتل المنصور أباها و إخوتها و عمومتها و زوجها علي بن الحسن و قتل حفيد المنصور ابنها الحسين و كانت تلبس المسوح على جسدها لا تلبس بينها و بينه شيئاً حتى لحقت بالله باكية نادبة .</P>

<P dir=rtl>و ما اشبهها بالعقيلة الكبرى زينب إبنة علي <B>( عليه السَّلام )</B> فلقد اشترك معاوية في قتل أبيها و قتل أخاها الحسن بالسم و قتل ولده يزيد بن ميسون أخاها الحسين و ولداها عونا و محمدا و أخيها العباس و خمسة عشر شابا من أولاد إخوتها وبني عمومتها و ظلت تندبهم حتى ماتت كمدا و حزنا ، و قد لاقت تلك ما لا قته من أعداء رسالة جدها الأمويين و هذه لاقت ما لاقته من أبناء عمومتها الذين قامت دولتهم على حساب العلويين و رحم الله القائل :</P>

<P dir=rtl align=center>فانظر إلى حظ هذا الإسم كيف لقي * من الأواخر ما لاقى من الأول</P>

<P dir=rtl>و هلك موسى الهادي بعد مضي خمسة عشر شهراً من حكمه ليترك الحكم لاخيه هارون الرشيد الذي مثل أدوار جده المنصور مع العلويين و شيعتهم و أدوار الأمويين في الفسق و الفجور و الملاهي و نثر الملايين من الدنانير تحت أقدام الراقصات و المغنيات العاهرات ، و مع انه كان من اسوأ حكام تلك الأسرة الظالمة فقد شاع عنه انه كان من أعظم ملوك العالم شأنا و أسماهم مكانة ، و تحدث المؤرخون و الناس عن شهرته و أدواره في تشجيع العلوم و الآداب و ادارة شؤون الملك و بناء المساجد و القناطر و المستشفيات و ما إلى ذلك من المشاريع العمرانية و الاقتصادية التي تشبه الاساطير ، و ألبسته تلك الاساطير ثوبا فضفاضا من العظمة و الجلالة تركته في الأذهان من اعاظم ملوك العالم و أقواهم ، في حين انه كان كغيره من السلاطين منصرفا إلى الملذات و الشهوات و الجواري و التنكيل بالعلويين و كل من ينكر عليه جوراً و ظلما و فسادا في الأرض ، و في الوقت ذاته كان محظوظا و موفقاً بتلك الأسرة الكريمة البرامكة التي كانت تدير شؤون الدولة و تعمل ليل نهار لبنائها و ادارة شؤون البلاد ، و كانت مقدرة تلك الأسرة و نزاهتها و نزعة التشيع التي ظهرت عليها هي السبب لا نزال تلك النكبة بها و استئصالها و لا صحة لما يرويه المؤرخون عن قصة أخته العباسة و زواجها المشروط من جعفر البرمكي و حملها منه الذي اغضب الرشيد بل هو من الاساطير المفتعلة لتغطية تلك الجريمة و تبرير ما أنزله فيهم من الظلم و التنكيل ، و لعل نزعة التشيع التي ظهرت في بعض تصرفاتهم و مواقفهم من بعض العلويين كان لها الدور الأكبر في القضاء عليهم و استئصالهم .</P>

<P dir=rtl>و مهما كان الحال فلقد جاء في ثمرات الاوراق و الاغاني ان الرشيد كان منصرفا إلى الملذات و الشهوات و انه أول خليفة لعب بالصولجان و الشطرنج و النرد و كان من ذلك مصمما على القضاء على العلويين و استئصالهم على حد تعبير المؤلف .</P>

<P dir=rtl><B>ستون شهيداً</B></P>

<P dir=rtl>لقد جاء في كتاب عيون اخبار الرضا ص 109 ان حميد بن قحطبة الطائي الطوسي قال : طلبني الرشيد في بعض الليالي و قال لي فيما قال : خذ هذا السيف و امتثل ما يأمرك به الخادم فجاء بي الخادم إلى دار مغلقة ففتحها و اذا فيها ثلاثة بيوت و بئر ففتح البيت الأول و أخرج منه عشرين نفسا عليهم الشعور و الذوائب و فيهم الشيوخ و الكهول و الشبان و هم في السلاسل و الاغلال و قال لي : يقول لك أمير المؤمنين اقتل هؤلاء و كلُّهم من ولد علي و فاطمة بنت محمد<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>فقتلتهم الواحد بعد الواحد و الخادم يرمي رؤوسهم و أجسامهم في البئر ، ثم فتح البيت الثاني و إذا فيه ايضا عشرون من نسل علي و فاطمة و كان مصيرهم كمصير من تقدمهم ، ثم فتح البيت الثالث و إذا فيه عشرون من أبناء علي و فاطمة فألحقتهم بمن سبقهم و بقي منهم شيخ فقال : تباً لك يا ميشوم ، أي عذر لك يوم القيامة عند جدنا رسول الله ، فارتعشت يدي و ارتعدت مفاصلي فنظر اليَّ الخادم مغضباً و هددني فقتلت الشيخ و رمى به في البئر كما فعل بأصحابه .</P>

<P dir=rtl>و جاء في مقاتل الطالبيين عن إبراهيم بن رياح ان الرشيد حين ظفر بيحيى بن عبد الله بن الحسن بنى عليه أسطوانة و هو حي كما كان يفعل جده المنصور معهم ، و أضاف إلى ذلك مؤلف أخبار عيون الرضا : ان المنصور لما بنى الابنية ببغداد جعل يطلب العلويين طلباً شديدا و يضع من ظفر به منهم في الاسطوانات المجوفة المبنية من الجص و الآجر فظفر ذات يوم بغلام منهم حسن الوجه اسود الشعر من ولد الحسن بن علي <B>( عليه السَّلام )</B> فسلمه إلى الباني و أمره ان يجعله في جوف اسطوانة و يبني عليه و وكل من يراقبه في ذلك و حين اراد الباني ان يدخله حيا إلى الاسطوانة اخذته الرقة و الشفقة فأدخله الاسطوانة و ترك فيها فرجة صغيرة يدخل منها الهواء و قال للغلام لا بأس عليك فاني سأخرجك في جوف الليل ، و في الليل جاءه و أخرجه و قال له اتق الله في دمي و غيب وجهك فاني قد اخرجتك خوفا من ان يكون جدك خصمي يوم القيامة ، فقال له الغلام : سأفعل و لكن أريد منك ان تذهب إلى امي و تخبرها بأني قد نجوت ، فذهب الباني إلى الموضع الذي وضع له فسمع فيه البكاء و النحيب فدخله و أخبرها بنجاة ابنها .</P>

<P dir=rtl>و طلب الرشيد يحيى بن عبد الله بن الحسن و كان قد فر منه إلى الديلم و اجتمع عليه الناس و أخيراً استسلم إلى الرشيد بعد أن اعطاه الامان و العهود بأن لا يمسه بسوء و لكنه لم يف بعهوده و لا بمواثيقه و قتله بفتوى بعض الشيوخ الذين أفتوه بأن عهوده لا يجب الوفاء بها و حبس محمد بن يحيى بن عبد الله و قتله في حبسه كما ضرب الحسين إبن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر ضربا مبرحا حتى مات و دخل عليه أحد العلويين من نسل الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> فقذف هارون امه فرد عليه العلوي بالمثل فأمر جلاديه بقتله فضربوه بعمود من حديد فمات لأول ضربة و أخيراً لم يستطع ان يرى الإمام موسى بن جعفر طليقا يتابع رسالته و الشيعة يزدحمون على بابه فأرسل جلاوزته إليه و هو إلى جانب قبر جده رسول الله فأخرجوه و وضعوا سلاسل الحديد في يديه و رجليه و أرسله إلى البصرة و كان عليها عيسى بن جعفر بن المنصور فوضعه في سجنه سنة كاملة فانصرف إلى العبادة فكتب عيسى بن جعفر إلى الرشيد : اني قد اجتهدت ان أخذ عليه حجة فما قدرت على ذلك و ما وجدته خلال هذه المدة الا صائماً مصليا فان لم تستلمه خليت سبيله ، فاستدعاه الرشيد و وضعه في سجون بغداد و أخيراً دس إليه السم القاتل بواسطة السندي إبن شاهك ، إلى غير ذلك من الجرائم التي إرتكبها مع العلويين هو و غيره ممن حكم بعده من العباسيين و قد عرضت بعض الجوانب من سيرتهم مع العلويين أحياء و أمواتا بنحو لم يسبقهم إليه الأمويون من قبل خلال حديثنا عن المآتم الحسينية في الفصل السابق و يجد المتتبع لتاريخ الحاكمين في تلك العصور عشرات الشواهد على ان العباسيين كانوا أشد على أبناء عمومتهم العلويين من الأمويين و غيرهم من الحاكمين لأنهم لم يستطيعوا بسط هيبتهم الا بنسيان العفو و إستعمال العقوبة كما قال المنصور لابن عمه عبد الصمد بن علي بن عبد الله .</P>

<P dir=rtl>و من مجموع ذلك يتبين ان الإنسان مهما بلغ من المرتبة و العظمة إذا لم يكن معصوما مسيرٌ لمصالحه و أهوائه و المصالح وحدها هي التي تكيِّفه و تخلق منه بعد وجودها انسانا آخر و يتحول من حقيقته قبل الحكم و غيره من المصالح إلى حقيقة أخرى بعد أن يصبح حاكما .</P>

<P dir=rtl>لقد انحدر الأمويون و الهاشميون من اب واحد و أم واحدة و لما شب و ترعرع هاشم و نبغ من بين إخوته و بخاصة أمية صاحب الطموح استحكم الصراع و العداء بينه و بين هاشم على الزعامة و مضى يتصاعد مع الزمن و اتساع شهرة هاشم إلى أن أصبح العداء أصيلا بين الحيين ، و بعد ان ظهر محمد بن عبد الله<B> ( صلى الله عليه و آله ) </B>برسالته و دعوته اتسع العداء بين الحيين و اكتسب أبعاداً جديدة لأن الإسلام يقضي على جميع امتيازات الحزبين القرشي و الأموي ، و بلا شك لو ان قريشاً وجدت ان الإسلام لا يتعارض مع مصالحها لم تقف منه ذلك الموقف ، و لو ان عليا <B>( عليه السَّلام )</B> صاحب الحق الشرعي في الخلافة وقف من المهاجرين الذين استولوا على الخلافة بعد وفاة النبي <B>( صلى الله عليه و آله ) </B>موقفاً أشد صرامة و إستمرَّ عليه لوقفوا منه نفس الموقف الذي وقفه الحزب الأموي منه و من ولديه الحسن و الحسين و شيعتهم ، و لكنه كان مسيرا لمصلحة الإسلام و قد وجد ان مصلحة الإسلام تفرض عليه ان يهادن و يسالم و يقف إلى جانبهم لإرساء قواعده و انتشاره ، و ما كان من الأمويين معه و مع ولديه و شيعتهم لم يكن من أجل العداء المستحكم بين الحيين بل من أجل الملك و الحكم الذي يغير حقيقة الإنسان قريباً كان أو بعيداً ، و بلا شك فان البيت العباسي كان على وفاق تام مع البيت العلوي و كان يحس بأحاسيسهم و يتلوى لما أصابهم من الأمويين و الزبيريين ، و حينما تجسدت له الآمال بالوصول إلى السلطة و الحكم و انهارت دولة الأمويين و تمت البيعة للسفاح تصوروا ان خطر أبناء عمومتهم على ملكهم من أشد الأخطار و من أجل ذلك تتبعوهم بالقتل و التشريد و قتل منهم المنصور وحده الفا و يزيدون و لو كان الحسين إبن علي موجودا في عهدهم لقتلوه و أصحابه و نساءه و أطفاله و مثَّلوا بهم كما كانوا يصنعون مع الأمويين و لو حكم العلويون من أبناء الحسن و الحسين فلا أستبعد ان يصنعوا مع من يخافون منهم على حكمهم ما كان يصنعه معهم أبناء عمومتهم لأن المصالح و بخاصة ما كان منها من نوع الحكم و الزعامة هي التي تكيف الإنسان علويا كان أو أمويا و تجعل منه انسانا آخر ما لم يكن معصوما أو حائزاً على مرتبة عالية من العدالة تجعله قادراً على التحكم بميولة و أهوائه و حتى ان الزعيم الديني لا يبقى على ما كان عليه قبل الزعامة و يصبح و كأنه انسان آخر بالقياس إلى ما كان عليه قبل زعامته و من أجل ان الإنسان حينما يصل إلى الحكم و السلطة يصبح انسانا آخر مسيرا لمصالحه ، لذا كانت العصمة أو المرتبة العليا من العدالة من الضرورات الاولية التي لا بد منها في الحاكم .</P>

<P dir=rtl>و سلام الله على الامام الصادق الذي قال : و الله ما ذئبان ضاريان في زريبة غنم بأشد فتكاً في تلك الزريبة من فتك الجاه و المال في دين المسلم . و صدق من قال :</P>

<P dir=rtl align=center>و الظلم من شيم النفوس فان تجد * ذا عفة فلعلة لا يظلم</P>

<P dir=rtl><B>مصادر الكتاب</B></P>

<P dir=rtl>1.       تاريخ الطبري</P>

<P dir=rtl>2.       تاريخ إبن الاثير</P>

<P dir=rtl>3.       مروج الذهب للمسعودي</P>

<P dir=rtl>4.       تاريخ الخميس</P>

<P dir=rtl>5.       مقاتل الطالبيين للإصفهاني</P>

<P dir=rtl>6.       زينب الكبرى للشيخ رجب القطيفي</P>

<P dir=rtl>7.       عيون اخبار الرضا</P>

<P dir=rtl>8.       الشيعة و الحاكمون</P>

<P dir=rtl>9.       اهل البيت لتوفيق أبو علم</P>

<P dir=rtl>10.                        ثورة الحسين للشيخ محمد مهدي شمس الدين</P>

<P dir=rtl>11.                        بطلة كربلاء لبنت الشاطىء</P>

<P dir=rtl>12.                        تاريخ إبن كثير</P>

<P dir=rtl>13.                        تاريخ أبي الفداء</P>

<P dir=rtl>14.                        زينب بنت علي لعبد العزيز سيد الأهل</P>

<P dir=rtl>15.                        كتاب إبراهيم باشا لأحد المستشرقين</P>

<P dir=rtl>16.                        العراق في ظل العهد الأموي للخرطبولي</P>

<P dir=rtl>17.                        مقتل الحسين للسيد عبد الرزاق المقرم</P>

<P dir=rtl>18.                        تاريخ اليعقوبي طبع النجف</P>

<P dir=rtl>19.                        النزاع و التخاصم ، و الخطط للمقريزي</P>

<P dir=rtl>20.                        الكنى و الالقاب للشيخ عباس القمي</P>

<P dir=rtl align=center><B>الفهرس</B></P>

<P dir=rtl align=center><B>الموضوع</B></P>

<P dir=rtl align=center><B>الصفحة</B></P>

<P dir=rtl>المقدمة</P>

<P dir=rtl align=center> </P>

<P dir=rtl>موقف الحسين من معاوية و تحركاته</P>

<P dir=rtl align=center> </P>

<P dir=rtl>لماذا حارب الحسين يزيدا و لم يحارب معاوية</P>

<P dir=rtl align=center> </P>

<P dir=rtl>موقف الحسين من بيعة يزيد بن ميسون</P>

<P dir=rtl align=center><B> </B></P>

<P dir=rtl>سنة إحدى و ستين</P>

<P dir=rtl align=center><B> </B></P>

<P dir=rtl>بين هجرة الرسول و هجرة الحسين</P>

<P dir=rtl align=center><B> </B></P>

<P dir=rtl>ما أروع يومك يا أبا الشهداء</P>

<P dir=rtl align=center><B> </B></P>

<P dir=rtl>لقد شاء الله ان يراهن سبايا</P>

<P dir=rtl align=center><B> </B></P>

<P dir=rtl>صور من بطولات الشباب في كربلاء</P>

<P dir=rtl align=center><B> </B></P>

<P dir=rtl>بطلة كربلاء زينب بنت علي</P>

<P dir=rtl align=center><B> </B></P>

<P dir=rtl>و لئن جرت عليّ الدواهي مخاطبتك</P>

<P dir=rtl align=center><B> </B></P>

<P dir=rtl>ما بعد مجزرة كربلاء</P>

<P dir=rtl align=center><B> </B></P>

<P dir=rtl>لمحات عن حياة العقيلة قبل المعركة</P>

<P dir=rtl align=center><B> </B></P>

<P dir=rtl>زواجها من عبد الله بن جعفر</P>

<P dir=rtl align=center><B> </B></P>

<P dir=rtl>لمحات عن جعفر الطيار و هجرته و وفاته</P>

<P dir=rtl align=center><B> </B></P>

<P dir=rtl>افتراءات الأمويين على عبد الله بن جعفر</P>

<P dir=rtl align=center><B> </B></P>

<P dir=rtl>المصائب التي رافقت حياة العقيلة</P>

<P dir=rtl align=center><B> </B></P>

<P dir=rtl>مرقد العقيلة زينب بن علي</P>

<P dir=rtl align=center><B> </B></P>

<P dir=rtl>مع الوهابيين بمناسبة الحديث عن مراقد أهل البيت</P>

<P dir=rtl align=center><B> </B></P>

<P dir=rtl>تتمة الحديث عن مرقد العقيلة</P>

<P dir=rtl align=center><B> </B></P>

<P dir=rtl>المرقد الزينبي في الشام</P>

<P dir=rtl align=center><B> </B></P>

<P dir=rtl>المرقد الزينبي في مصر</P>

<P dir=rtl align=center><B> </B></P>

<P dir=rtl>اين مرقدها اذن ؟</P>

<P dir=rtl align=center><B> </B></P>

<P dir=rtl>لمحات عن نسب السيدة نفيسة و تاريخها</P>

<P dir=rtl align=center><B> </B></P>

<P dir=rtl>المآتم الحسينية و مواقف الأئمة منها</P>

<P dir=rtl align=center><B> </B></P>

<P dir=rtl>مقارنات بين العهدين الأموي و العباسي</P>

<P dir=rtl align=center><B> </B></P>

<P dir=rtl>المتوكل و مرقد الحسين و زوّاره</P>

<P dir=rtl align=center><B> </B></P>

<P dir=rtl>توافد الزوار عليه بعد هدمه</P>

<P dir=rtl align=center><B> </B></P>

<P dir=rtl>المراحل التي مرت بها المآتم الحسينية</P>

<P dir=rtl align=center><B> </B></P>

<P dir=rtl>صور من جور العباسيين على العلويين</P>

<P dir=rtl align=center><B> </B></P>

<P dir=rtl>ستون شهيدا</P>

<P dir=rtl align=center><B> </B></P>

<P dir=rtl>المصالح تسير الحاكمين</P>

<P dir=rtl align=center><B> </B></P>

<P dir=rtl>مصادر الكتاب</P>

<P dir=rtl align=center><B> </B></P>

<P dir=rtl><B> </B></P>

<BR clear=all>

<P dir=rtl class=MsoFootnoteText>[1] سورة الأنفال ( 8 ) ، الآية : 30 .</P>

<P dir=rtl class=MsoFootnoteText>[2] لقد كان كعب بن جابر أحد جنود الجيش الذي شارك في حرب الحسين <B>( عليه السَّلام )</B> ، فقالت له زوجته بعد أن رجع من المعركة اعن علي إبن فاطمة وقلت سيد القراء و كان قد قتل برير سيد القراء في الكوفة لقد اتيت عظيما من الأمر و الله لا اكلمك من رأسي كلمة ابدا ، فأجابها بأبيات يفتخر فيها بفعله وضمنها بيتاً يذكر فيه انه انقذ رضي بن منقذ من القتل حيث أعانه على قتل خصمه .</P>

<P dir=rtl class=MsoFootnoteText>[3] الفواطم جمع فاطمة و قد أصبح كالعلم على مجموعة من الهاشميات فهن فاطمة الزهراء و فاطمة بنت أسد و فاطمة بنت الحمزة وغيرهن ، كما وان العواتك جمع عاتكة و هو اسم لمجموعة من نساء الهاشميين البارزات منهن عاتكة بنت عبد المطلب عمة النبي ، و أم زينب بنت جحش التي تزوجها النبي بعد أن طلقها زيد بن حارثة .</P>

<P dir=rtl class=MsoFootnoteText>[4] محمد رسول الحرية للشرقاوي .</P>

<P dir=rtl class=MsoFootnoteText>[5] فقه السيرة للشيخ محمد غزالي ص 281 .</P>

<P dir=rtl class=MsoFootnoteText>[6] انظر زينب بنت علي لعبد العزيز سيد الأهل عن المجلد الأول من حياة الحيوان ص 228 .</P>

<P dir=rtl class=MsoFootnoteText>[7] زينب بنت علي لعبد العزيز عن ص 60 من المستجدات في فعلات الاجواد .</P>

<P dir=rtl class=MsoFootnoteText>[8] زينب الكبرى لجعفر نقدي ص 89 طبع النجف .</P>

<P dir=rtl class=MsoFootnoteText>[9] العقد الفريد لابن عبد ربه .</P>

<P dir=rtl class=MsoFootnoteText>[10] انظر ص 191 من أعيان الشيعة المجلد 33 طبعة 1950 .</P>

<P dir=rtl class=MsoFootnoteText>[11] إنما الصحيح هو : يلفظ الدم قطعاً كقطع الكبد ، و ذلك لتخثره . مركز الإشعاع الاسلامي .</P>

<P dir=rtl class=MsoFootnoteText>[12] ميزان الشعراني في باب الشهادات .</P>

<P dir=rtl class=MsoFootnoteText>[13] انظر ص 194 و195 من الشيعة و الحاكمون للشيخ محمد جواد مغنية عن كتاب إبراهيم باشا .</P>

<P dir=rtl class=MsoFootnoteText>[14] لقد حكم فقهاء المسلمين بتحريم تنجيس المساجد ارضها و حيطانها و ما فيها من الفرش و اوجبوا ازالة النجاسة عنها و قالوا بتحريم مس كتابة القرآن الكريم لغير المتوضأ ، و قال الشافعية : لا يجوز مس جلده حتى و لو انفصل عنه و لامس الخيوط المعلق بها القرآن .</P>

<P dir=rtl class=MsoFootnoteText>[15] انظر تاريخ اليعقوبي الجزء الثالث ص 3 طبع النجف .</P>

<P dir=rtl class=MsoFootnoteText>[16] انظر المرقد الزينبي للشيخ عمران القطيف ص 87 و ما بعدها .</P>

<P dir=rtl class=MsoFootnoteText>[17] لقد نص في تاريخ الخميس ص 286 من المجلد الثاني ان عبد الله الأصغر كان متزوجا من أم كلثوم الصغرى بنت أمير المؤمنين ، و جاء في أهل البيت لابي علم ان زينب الشام هي إبنة أم كلثوم كما سنتعرض لذلك خلال هذا الفضل و هي غير أم كلثوم التي تزوجها إبن الخطاب و مات عنها .</P>

<P dir=rtl class=MsoFootnoteText>[18] انظر ص 283 و284 و538 لتوفيق أبو علم .</P>

<P dir=rtl class=MsoFootnoteText>[19] انظر ص 285 و286 .</P>

<P dir=rtl class=MsoFootnoteText>[20] أهل البيت لابو علم ص 8 .</P>

<P dir=rtl class=MsoFootnoteText>[21] انظر ص 226 من تاريخ العراق عن الاخبار الطوال للدينوري .</P>

<P dir=rtl class=MsoFootnoteText>[22] انظر مقتل المقرم عن رجال الكشي و معاهد التنصيص ص 119 .</P>

<P dir=rtl class=MsoFootnoteText>[23] ص 159 من الميمية و ص 68 من الادب في ظل التشيع و تاريخ الطبري و النزاع و التخاصم للمقريزي .</P>

<P dir=rtl class=MsoFootnoteText>[24] تاريخ الخلفاء للسيوطي .</P>

<P dir=rtl class=MsoFootnoteText>[25] تاريخ الخلفاء للسيوطي .</P>

<P dir=rtl class=MsoFootnoteText>[26] انظر مقاتل الطالبيين لأبي الفرج ص 290 و ما بعدها .</P>

<P dir=rtl class=MsoFootnoteText>[27] تاريخ الشيعة للمظفر و الكنى والالقاب للشيخ عباس القمي و المناقب لابن شهر اشوب و الكامل لابن الاثير .</P>

<P dir=rtl class=MsoFootnoteText>[28] انظر الطبري و النزاع و التخاصم للمقريزي .</P>

<P dir=rtl class=MsoFootnoteText>[29] انظر مقاتل الطالبيين لابي الفرج ص 395 و396 .</P>

<P dir=rtl class=MsoFootnoteText>[30] المطبق سجن تحت الأرض لا يرى الشمس و لا الهواء غالباً و قلما ينجو أحد ممن يدخلون إليه و هي سجن المحكومين بالإعدام .</P>

<P dir=rtl class=MsoFootnoteText>[31] انظر ص 135 من كتاب الحسين و بطلة كربلاء للشيخ محمد جواد مغنية .</P>

<P dir=rtl class=MsoFootnoteText>[32] انما لقب بذلك لصبره و تحمله في تلك الظروف التي كانت من احرج ما مر على الأمويين و على غيرهم من الدول .</P>

<P dir=rtl class=MsoFootnoteText>[33] انظر المقاتل ص 176 و ما بعدها .</P>

Continue Reading

You'll Also Like

198K 1K 33
This is a mix of different animes that have smut in them
246K 7K 129
"𝑻𝒉𝒆𝒓𝒆'𝒔 𝒓𝒆𝒂𝒍𝒍𝒚 𝒏𝒐 𝒘𝒂𝒚 𝒐𝒇 𝒘𝒊𝒏𝒏𝒊𝒏𝒈 𝒊𝒇 𝒊𝒏 𝒕𝒉𝒆𝒊𝒓 𝒆𝒚𝒆𝒔 𝒚𝒐𝒖'𝒍𝒍 𝒂𝒍𝒘𝒂𝒚𝒔 𝒃𝒆 𝒂 𝒅𝒖𝒎𝒃 𝒃𝒍𝒐𝒏𝒅𝒆."
23.5K 36 10
Just a horny girl with a normal life 🙄
52.9M 376K 64
Stay connected to all things Wattpad by adding this story to your library. We will be posting announcements, updates, and much more!