_ الفصل الثالث_
استيقظت في اليوم التالي بنشاط و خرجت من غرفتها مبتسمة و قبل أن تدخل إلى المطبخ لتناول الفطور سمعت صوتاً رجولياً جذاب يضحك مع أخويها ، عادت أدراجها إلى غرفتها و أرتدت حجابها قبل أن تعود إلى المطبخ و هي تدعي في سرها أن يكون هو .
' القلب دليل المؤمن ' هكذا علقت في رأسها و هي تراه يجلس جنب أخويها يتناولان الفطور و على قدمه يجلس ابنه الصغير بهدوء و وداعة أو هكذا ظنت !
_ صباح الخير . أدت التحية بصوتها الناعم الخجول.
_ صباح النور . الورد . العسل . إختلف الرد من الموجودين .
جلست جنب خالتها التي كانت تجلس في الجهة المقابلة لعلي ، و على وجنتيها إحمرار طفيف من الخجل ، حبها يشاركها فطورها الأول في منزلها الجديد .
_ آسف لم أتعرف عليك جيداً بالأمس، فقد حضرت متأخراً من العمل و الوقت لم يسمح لي للجلوس.
' يا الله إنه يكلمني ' كعادتها تسرح بخيالها مع إبتسامتها البلهاء ،
_ ههههههه ، كالأمس تبسمت ولم تقولي شيئاً .
_ آسفة ، ما زلت متوترة من وضعي الجديد.
_ لا تعتذري ، لك الحق في ذلك ، وضعك مختلف عما عشتيه ، أنت مراهقة و مشاعرك مضطربة فما بالك بأن تكوني في حياة جديدة.
_ لست مراهقة . أجابت بصوت طفولي حانق.
_ اهدئي فرح . أجابها والدها بصوت حاد.
_ لا عليك دكتور ، حسناً لست مراهقة لكنك في عمر حساس .
صمتت و لم تعرف ماذا تجيب .
بعد إنتهاء الفطور ذهبت فرح برفقة أمها إلى السوق ، رافقتهم جارتهم ماريا التي تعرفت عليها فرح في المصعد فهي أيضاً متوجهة إلى السوق .
_ أكره الذهاب إلى المول . إعترضت فرح . أحب الأسواق المفتوحة ، أن تمشي في الشارع و المحل التجاري الذي يعجبنا ندخل إليه .
_ حسنا" عزيزتي كما تريدين .
قضت فرح أيامها التالية بهدوء ، لم ترى علي ولم تسمع عنه أي شيء .
واليوم هو أول يوم عمل لها ، فقد قررت أن تعمل ممرضة في المشفى التي يعمل فيها والدها ، إنه مشفى كبير خاص ولوالدها مكانة كبيرة فيه .
اندمجت سريعاً في عملها و أحبت الطاقم الطبي هناك و أصبحت حياتها مقتصرة على روتين العمل و البيت ..
بعد مرور ثلاثة أشهر .
هاهي ترتدي فستانها الأبيض البسيط و حجابها الناعم و تنظر في المرآة تتأمل وجهها الشاحب الذي أخفته تحت أدوات التجميل .
_ فرح ، هيا حبيبتي سنتأخر على خالتك ، علينا الوصول إلى صالة الحفل قبل الضيوف .
_ قادمة أمي .
' حسناً هل توقعتم أن أكون عروساً ، لا اليوم ليس عرسي بل عزائي ، اليوم هو يوم موتي في الحياة ' .
وصلت إلى قاعة الحفل المزينة بأفخم الورود البيضاء و الخمرية ، جلست عند أول طاولة وصلت إليها ، فيما كانت أمها و خالتها يستقبلون الضيوف ، لقد كان هناك صالتان ، صالة للنساء و صالة للرجال ، و بعد إستقبال الضيوف بدأت الموسيقى الهادئة تنساب من المذياع و على أنغامها تدخل العروس برفقة صديقاتها ، و جلست عند الكراسي المخصصة للعروسين و على وجهها إمارات الخجل و التوتر . و بعد إتمام مراسم كتب الكتاب ، دخل العريس و كان مبتسماً إبتسامته الجذابة وسلم على عروسه ماسكاً يدها مقبلاً إياها على جبهتها ، و بعد أن ألبسها خاتم الخطوبة بدأت الزغاريد و الأهازيج الفرحة تصدر من أفواه الحضور .
لم تعد تقوى على مشاهدتهم معاً ، غادرت القاعة من بابها الخلفي و دموعها تشق طريقها على وجهها الناعم ، مذ عرفت بأمر خطوبته وهذه الدموع رفيقة ليلها و نهارها ، مذ علمت أن علي ابنة خالتها قد وجد عروساً له لم تهنأ بأيامها ، كان سعيدا و هو يخبرها عن عروسه لكنها لم تستطع الإبتسام في وجهه كعادتها و لم تستطع المباركة له ودخلت سريعاً إلى غرفتها تأنب قلبها على حبه .
جلست على مقعد في حديقة صغيرة خلف قاعة الخطبة، تشهق و تبكي قلبها المكسور و فجأة وجدت يداً تطبطب على كتفها و تناولها منديلاً ، رفعت رأسها متفاجئة فوجدت شاباً أمامها ، لم تستطع كشف ملامحه بسبب دموعها المتحجرة في عينيها .
_ شكرا . أجابت بتوتر و صوت مبحوح .
_ هل تتزوجيني ؟
تفاجئت من طلبه ' هل هو مجنون ، أيطلب الزواج من فتاة أول مرة يراها ، إنه حقاً مجنون ' .
تمسكت بفستانها وركضت هرباً من هذا المجنون .
_ انتبهي ، صرخ بها بعد أن كادت تقع .
لم ترد عليه خوفاً منه و رعباً و دخلت القاعة جالسة بهدوء جنب والدتها و خافقها يخفق بسرعة مذهولاً من ما حدث .
دخلت سريعاً إلى غرفتها فور عودتها من حفل الخطوبة ، لم تخطىء يوماً حين اعتبرت الأبيض فألاً سيئاً ، فها هو يومها ينتهي بكارثة .
بعد عدة أيام ، خرجت برفقة اخويها علاء و محمود للغداء و الذهاب إلى السينما ، ارتدت ثوباً أسود فهي متفائلة ، دائماً ما كانت تتفائل عندما تخرج برفقة أخويها فهم بلسم كل جروحها ، متفاهمان معها ، حنونان ، يسمعانها و يفهمانها .
وصلت إلى السينما ، إختارت فيلماً كوميدياً فهي تكره الرومانسية الزائفة و ليست بحاجة لأن تستذكر أن حبها قد أصبح لغيرها .
_ محمود ، ما هذه المفاجئة يا صديقي ، لم أرك منذ زمن .
لحظة ، لا بد من أنها تتوهم ، إنه ذات الصوت الذي طلبها أمس للزواج ، رفعت عينيها إليه ، تأملته إنه هو حقاً يشبه ذاك الشخص كثيراً ، إنه شاب عادي ، أسمر طويل ، جسمه رياضي ، جماله عادي أقل من جمال علي ، ' حمقاء ، إلى متى ستظلين تقارنين كل شاب ترينه به ، لقد أصبح لغيرك عليك أن تفهمي ، هل غمزني ، هل نظر إلي و غمزني خلسة عن محمود الذي ما زال ممسكاً بيده في سلام ، ما هذا الوقح الذي لا يحترم أصدقائه ' .
احمر و جهها غضبا منه و من أخيها الذي أصر عليه الدخول برفقتهم إلى السينما .
كان الفيلم مضحكاً بعض الشيء ، لقد ضحكت على أغلب المشاهد فيه ، فيما لم تراه يضحك أبداً كأنه يشاهد فيلم درامي ممل .
إمتقع وجهها عندما اكتشفت أنها كانت تراقبه عن كل مشهد ، لقد كان وجهه باردا لطيلة الساعتين لم تنتج عنه حركة واحدة .
عادت إلى المنزل بعدما رفضت تناول العشاء بالخارج متحججة بالتعب و فور وصولها إلى سريرها بعدما أبدلت ثيابها ، أخذها النوم و هي تتساءل ' لقد رأيته مرتين بشخصيتين مختلفتين و بالأبيض و الأسود ، فهل يا ترى هو ملاك أم شيطان ؟! '
______________________________________
استيقظت على صوت جرس الباب ، تناولت هاتفها لترى الساعة وجدتها السابعة صباحاً ، لفت نظرها رسالة من رقم غريب ، فتحتها " صباحك اسمك " .
_ فرح ، تعالي قليلاً .
خرجت فرح من غرفتها حاملة هاتفها ملبية نداء أبيها .
_ نعم أبي .
_ عزيزتي اجلسي قليلاً .
جلست فرح بقرب والدها تفكر بالرسالة الغريبة التي و صلتها .
_ اسمعي ابنتي ، أنت فتاة مهذبة و عاقلة ، لم أشأ أن أتخذ تصرف لا يليق بإبنتي قبل أن أتشاور معك ، لقد جاءتنا اليوم باقة من الورد الأحمر مرسلة إليكِ ، إذا كان هناك من أحد في حياتك فليتقدم لك ، فليدخل البيت من بابه ، غير ذلك فليس مقبولاً .
_ صدقني أبي لا أعرف أحداً ، و أنا أيضاً لا أحب هذه التصرفات المتصابية السخيفة .
_ حسناً ابنتي ، لكن انتبهي لنفسك ، فأنت أصبحت عروساً .
خجلت فرح من حديث والدها و استئذنت بالرحيل إلى غرفتها و هناك أرسلت لصاحب الرقم الغريب ' إعلم أن حركاتك الرخيصة مثلك لا تجدي معي نفعاً فمن يريدني يعرف باب البيت من أين '، ثم أرسلتها و دخلت إلى حمام غرفتها علّ حماماً بارداً يخفف حرارة الموقف .
خرجت من حمامها تدندن ألحاناً شاذة ، رغم أنها تعي أن صوتها لا يطاق إلاّ أنها راضية بنفسها كما هي ، قنوعة .
وجدت رسالة جديدة من الرقم الغريب " حسناً فرحي كما تشائين ، أخبري والدك أنني سأزوركم خاطباً هذا المساء . يوسف " .
' ماذا ؟ خاطب ؟ أيعقل هذا الشيء ؟ من هذا ؟ كيف عرفني ؟ يوسف!!! من يوسف ؟ ' ، أمسكت بهاتفها تسأله عن نفسه و لكنها تراجعت في اللحظة الأخيرة ، ' لا بد من أنه هراء ، لا أعرف أحداً ثم أننا في القرن الواحد والعشرين و خطبة الصالونات هذه قد انتهت منذ زمن '. عادت تدندن بألحانها الخاصة .
مساءاً ، كانت منفردة في غرفتها تتصفح الانترنت ، عندما دخلت أمها مضطربة إلى غرفتها ،
_ فرح ، إرتدي ملابس أنيقة و تعالي إلى الصالون ، لدينا ضيوف ، لقد جاؤوا من أجلك _ إقتربت مقبلة إياها على وجنتها _ لقد كبرت إبنتي و أصبحت عروساً .
اصفر وجه فرح ، إذا هو لم يكن يمزح ، لقد جاء ، كيف ستبرر لوالدها عدم معرفته به بعدما حدث صباحاً ، ' يا الله ، ما هذا الذي أوقعت نفسي فيه ' .
إرتدت ملابسها على عجل و خرجت عازمة على طرده من منزلها ، من هو ؟ لا تعرفه ؟ .
دخلت متحفزة إلى الصالون ثم ما لبثت أن تجمدت قدماها و هي ترى علي إبن خالتها جالس مع أبيها و على وجهه إبتسامة ما زادته إلا جمالاً ، أيعقل أنه ترك خطيبته و جاء لخطبتها .
_ لقد جاءت عروستي .
إستدارت متفاجئة من هذا الحديث ، أهذا هو يوسف ، صديق أخيها محمود ، ذاك الشاب الوقح البارد .
اصطدمت العيون ببعضها ، الصدمة مقابل الحنان ، الحنق مقابل الفرح ، أيعقل أن تصل إلى مرحلة أن لا يكون من اسمها نصيب .
جلست جنب والدها ، كل ما أرادت علي يكون هذا الأحمق بديلاً عنه .
افتتح الحديث علي إبن خالتها :_ عمي ، يوسف يكون ابن عم خطيبتي ، وقد كلفني بالحديث عنه ، يوسف قد رأى فرح في حفل الخطوبة ثم بعد ذلك رآها مع محمود ، و قد لفت نظره أدبها و رقتها و قد جاءها خاطباً .
_ أهلاً و سهلاً بكم ، لكننا و برغم أنه صديق محمود لا نعلم عنه شيئاً .
_ أنا يا عمي ، أدعى يوسف ..... عمري ٢٩ سنة ، خريج هندسة، لدي شركة صغيرة ، أعيش لوحدي في فيلا بالقرب من العاصمة بعد وفاة والدي ، لدي أخت وحيدة و هي متزوجة و تعيش في الخارج مع زوجها ، لقد لفت نظري أدب فرح و رقتها لذلك أود التعرف عليها _ تابع حديثه ناظراً إلى فرح _ ولأنني لست وقحاً و أعلم باب البيت من شباكه أتيت اليوم لأطلب كريمتكم للزواج .
_ لقد أخبرت فرح صباحاً إن كان هناك أحد في حياتها فليأت من الباب إذا كان قصده شريف ، و فعلتك هذه تغفر لك سوء فهمنا الناتج عنك بسبب باقة ورد الصباح ، و نحن توكلنا على الله في أمرنا ، قبلنا بك ، طبعاً بعد فترة تعارف ، لا أعتقد أنها ستكون طويلة بعد معرفتي بعلاقتكم السرية .
بانت ألوان الطيف على وجه فرح ، لقد وافق والدها بدون أن يستشيرها معللاً أن هناك علاقة بينهما ، و لماذا ذاك المغفل لم ينفي معرفتها به ؟ ألم يعلم أنه بذلك يثبت التهمة عليها ؟ و لماذا هي خرساء هكذا ؟ لما لا تدافع عن نفسها أمامهم ؟ أمام علي ؟ ' يا لك من حمقاء يا فرح حتى و أنت في هذه الحال ، لا يهمك سوى علي ، متى سوف تتركيه لحياته و خطيبته '
_ بعد إذن حضرتك دكتور ، أريد أن أصطحب فرح للغداء غداً ، إذا لم يكن هناك من مانع .
_ حسناً يوسف ، لكن لا تطيلا المكوث خارجاً كثيراً .
بعد ذهاب الضيوف الغير مرحب بهم بتاتاً ، توجهت فرح إلى غرفتها دون أن تتحدث مع أحد ، و فور وصولها ، أمسكت بهاتفها و أرسلت له " أيها الوقح المغرور المتكبر ، سأجعل حياتك رأساً على عقب أيها المخادع " . ولكنها لم تجد رداً سوى " لا تنسي بأن ترتدي ثوباً أسوداً غدا ً فرحي " . فاستشاطت غضباً منه فوق غضبها .
* يتبع *