[ اللهمّ إنك عفوٌ تحبُّ العفوَ فاعفُ عنّا ] ❤
سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر🌼
***
(الفصل العاشر)
كان الطقس بارد بعض الشيء و النسيم الهادئ الذي راح يراقص خصلات شعرها يبعث السكينة فيها .. كانت تتطلع الي الافق البعيد و هي تراقب غروب الشمس فهذه اخر مرة ستراه من هنا ، غداً ما ان تنتهي جلسة نقل الطاقة حتي تغادر اركيديا الي غير رجعة .. لقد سأمت من نظرات الكراهية التي توجه لها و لسايروس و الأسواء هناك من يسعى لإيذائه و المؤامرات التي لا تنتهي ... احست بأحد يدخل الي الشرفة .
دهشت قليلاً حين وجدت انه الملك كارلاين لكنها اخفت دهشتها بوجه جامد و انحنت باحترام مبادرة بالقول:- شكراً لك ياجلالة الملك علي حسن الضيافة سنغادر اركيديا غداً ما ان تنتهي اخر جلسة و سنعود لوطننا .
- الم تفكري ان اركيديا هي وطن سايروس ..؟ .
رغم انها تفاجأت قليلاً لكنها اجابة بحزم:- ان الوطن حيث تكون العائلة ، حيث المنزل و الاشخاص الذين يحبونه و يثقون به.
غمغم كارلاين بانزعاج:- انتِ تصدقين براءة سايروس لأنكِ تحبينه ، عليكِ وضع مشاعرك جانباً لرؤية الحقيقة .
قاطعته ايلير بصوت واثق:- و انتَ الم تكن تحب ابنك كفايتاً لتصدقه ..؟ .
لم تنتظر ايلير لتسمع اجابة سؤالها بل استأذنت لتغادر الشرفة بينما بقي كارلاين صمتاً متطلعاً ببقايا الشفق التي بدأت تتلاشي.
سارت عدت خطوات قبل ان تتوقف و تشد علي طرف فستانها ... عضت على شفتيها مترددة لثواني لكنها التفتت لتقول بحدة:- أتعرف امراً سايروس ليس بحاجة ليطلب العفو منك على ذنب لم يقترفه و ليس بحاجة لأي شيء منك ، ان حياته في هالين مثالية و نحن نعيش بسعادة و صدقني لو لم يرد سايروس العودة لتسليم قوة جوهرة اركيديا فلن تكون هناك قوة قد تجبره على ذلك ولو كان ابي او كامل مملكة هالين ... ان ثلث جيش هالين تحت امرتي و اللورد كريس ايفانز مستعد لتنفيذ كل ما اريده و صدقني لأجل زوجي و ابنائي لا امانع بشن حرب و تدمير مملكة اركيديا و حتي هالين .
- انا اقدر انكِ منفعلة الان و لن اخذ ما قلته علي محمل الجد .
صرخت في وجهه بعصبية و تكافح لكي لا تظهر الدموع التي تجمعت في عينيها:- انا لا اريد تقديرك او تعاطفك كل ما اريده ان تتوقف عن التسبب بالألم لسايروس و توجيه كلمات جارحة له.
- لماذا عاد الي اركيديا اذاً ...؟ .
اخفضت ايلير رأسه بشيء من خيبة الامل:- ليراك ... و ربما ليري هل مازالت ذات الاب القاسي الذي صدق الجميع و كذب ابنه الذي من لحمه و دمه و صدقني سايروس لا يريد شيء منك سوى ألا تكرهه .
هي تكره الاعتراف بذلك لكن سايروس لازال يحمل بعض الحنين لهذا المكان و لا زال يحترم والده و لا يمكنها ان تبقى مكتوفة الايدي و هي تراه حزيناً متخبطاً بين مشاعره التي يحاول ألا يظهرها لكي لا يقلقها ... رسمت ابتسامة خفيفة و هي تكمل:- ان سايروس شخص رائع و انا احبه كثيراً ، طول هذا الاسبوع كنت اسمع افتراءات الجميع عنه حول انه تزوجني لأجل ان يصل لعرش هالين لكني اوكد لك انهم مخطئون سايروس لم يسعي يوماً للسلطة او الثروة لو كان كذلك لطلب مني ألا اتنازل على عرش هالين بعد تنازل لي نيكولاي عنه لكنه لا يهتم بشيء سوء بي و الصغيران و اوكد لك انه مستعد ليتنازل عن كل ما حققه في هالين لأجلنا ... سايروس يحبني لذاتي كفتاة ثرثارة و مزعجة و مندفعة في بعض الاحيان ... قبل ان اقابله الشيء الوحيد الذي كنت اراه في عيون الرجال هو اني فرصة ذهبية يجب اقتناصها لكن نظرة سايروس لي مختلفة ان عيناه تحملان حباً صادقاً و الاعجاب بي و بشخصيتي و لم يكن يتردد يوماً في معاتبتي او معارضتي ان اخطأت و لم يكن كالأخرين الذين يهزون رؤوسهم موافقين على كل ما افعله .
تنهد كارلاين بصوت مسموع و لم يستطع ان ينكر ان كلماتها اثرت به و زعزعت الفكرة التي كان قد كونها عن سايروس و جعلته يفكر في حقيقة شخصيته و طبيعتها لكن للأسف ليست لديه فكرة واضحة عن ذلك و هذا ما يجعله يلوم نفسه ففي الماضي لم يكن مقرباً من سايروس و كل ما كان يعرف عن طفولة و مراهقة ابنه هي نتائج الدروس التي كان يختارها له و لم يفكر يوماً بأن يسأل سايروس عما يريده و بالمقابل لم يعترض سايروس يوماً عما يختاره له و كان يبذل كل جهده كي لا يخيب ظنه.
لم يشعر كارلاين بأنه قصر يوماً في حق ابنائه مثلما شعر في هذه اللحظة و قد كان يعزي نفسه ان اسبابه لتقصيره مقنعه فهو ملك تسري في عروقه دماء ملكية عريقة و قد كان يضع اركيديا و شعبها دائماً اولاً و لا يمكنه انكار ان كونه اب كان بالمرتبة الثانية لديه و للأسف لم تختلف معاملته لابنه الاخر لكن إيروس لديه الملكة ادوريا لتهتم بجميع شؤونه على عكس سايروس الذي لم يجد احد بجانبه يتفهمه و يرشده و يوجهه .
لم يستطع إلا ان يعترف باستسلام:- لا يمكنني ان انكر اني اخطأت و قصرت كثيراُ في حق سايروس و لو كان هناك فرصة لإصلاح علاقتي بابني فساستغلها .
تنهدت ايلير براحة قبل ان تقول بجدية:- جيد اني استطعت التأثير بك فهناك العديد من الاشياء التي تحدث من خلف ظهرك و يجب ان تعلم بها قبل فوات الاوان .
***
استرخي كارلاين في كرسيه و هو يراقب بعيون شاردة اللسنة اللهب في المدفئة ... لا يمكنه ان ينكر انه يصدق جزء مما سمعه من ايلير قبل ساعات و ان بدا ما قالته ضرب من المستحيل لكن لا مصلحة لها باختلاق الاكاذيب فغداً ستغادر هي و سايروس الي هالين و ليس لديهما اي اهتمام باركيديا و الشيء الوحيد الذي لديهم قد يثير طمع اي احد هي جوهرة اركيديا لكن سايروس تنازل عن قوتها ببساطة كأنها لا قيمة لها .
قاطع افكاره دخول الملكة و لتقوم بتحية سريعة و تنظم اليه و تجلس على الأريكة المجاورة لتقوم الخادمة بتقديم القهوة لهما و تستأذن للخروج ... استمر الصمت بينهما لبعض الوقت قبل ان تبادر ادوريا بالسؤال:- تبدو مهوم ..! ما الذي يشغل بالك ..؟ .
اخذ كارلاين رشفة من فنجان قهوته قبل ان ينظر ينظر بطرف عينه اليها و يجيب بهدوء:- ساقوم بدعوة سايروس ليعود مرة أخرى الي اركيديا ارغب في رؤية حفيدي.
ظهر بعض الانزعاج على وجه ادوريا:- هل تفكر ان تسامح سايروس ...؟ ان جريمته كبيرة و لا تغتفر و ان كنت تفكر في رؤية احفادك ان إيروس في السن المناسبة للزواج ، لقد كنت افكر في بعض الفتيات المناسبات له ، ان الانسة كلارا ابنة الدوق فابيان مناسبة و ايضاً هناك الانسة روزالي ابنة الكونت ميلر و ايميليا ابنة الماركيز فينسنت جميعهن يملكن الجمال و ينتمين لعائلات نبيلة لهن تاريخ مشرف .
ظلت عينا كارلاين شاردة في فنجان قهوته :- و هل تظنين انه سيكون سعيد بزواج سياسي مدبر .
رفعت ادوريا راسها بثقة و هي تجيب:- بالتأكيد ، نحن ادري بمصلحته و إيروس لن يعترض على اي قرار نتخذه لأجل مستقبله.
تنهد كارلاين بضيق ربما في الماضي كان لديه نفس رايها لكن هذا الاسبوع قلب افكاره بالكامل و جعله يغير وجهة نظره حول الكثير من الاشياء كلما فكر في زواج إيروس تمر بذهنه صورة سايروس و هو يرقص بسعادة مع ايلير في الحفل و هذا ما يجعله يعقد العزم على عدم التدخل في الامر و يجب ان تكون الكلمة الاولى و الاخيرة لإيروس فاخر ما يريده كارلاين هو ان يكون سبب في تعاسة ابنه فمن حقه ان يقع بالحب و يكون سعيداً كسايروس فهذا اقل ما يفعله اي اب ان يتمني السعادة لأبنائه دون اي شروط.
غير كارلاين دفة الحديث سألاً:- ما هو رايك بايلير ..؟.
اخذت ادوريا بعض الوقت لتفكير قبل ان تجيب:- انها فتاة لطيفة و ذات شخصية طيبة لكن براي انها مخدوعة تماماً بسايروس .
عادت عينا كارلاين للشرود في نيران المدفئة و هو يهمس بغموض:- ايلير ليس كما تبدو و لن يستطيع اي احد خداعها فحتي ان تقرب سايروس من والدها لأجل الزواج منها إلا ان هذا لا يكفي فهي تتمتع بدعم كبير من اللورد كريس ايفانز و هو شخص خطير لا يخضع لأي سلطه او قانون و لا يمكن لكل مملكة اركيديا و حتي هالين الوقوف في وجهه و معارضته لكنه شخص متقلب و مزاجي لا يمكن التنبؤ بأفعاله و من المدهش انه شجع على زواج سايروس بايلير .
لم يبدو ان ادوريا اكترثت بهذه المعلومات فقد اكملت شرب قهوتها بهدوء.
***
صباح اليوم الاخير لسايروس و ايلير في اركيديا بدأ ككل الايام التي سبقته باجتماعهم مع الملك و الملكة و إيروس للفطور ثم يتفرق كل منهم لشؤونه الخاصة بمن فيهم الملك كارلاين و سايروس اللذان يتمان روتينهما اليومي بالقيام بعملية نقل قوة جوهرة اركيديا.
قطرات عرق متفرقة توزعت علي جبينه لكنه زم شفتيه محاولاً اخفاء توتره مطمئناً نفسه انها الجلسة الاخيرة لكن هناك خطب ما ، لقد تم اعلامه انها ستكون اصعب من سابقاتها و مع ذلك انه لا يشعر بأنه بخير ، نقل عينيه في وجوه من حوله ، حراس الجوهرة يقومون بذات الطقوس بينما ارتسم جمود غريب علي ملامح والده و هناك نظرات غريبة في عينيه مما زاد ارتباكه خلال دقائق تسارعت انفاسه حتي اصبح صدره يعلو و يهبط باضطراب فكر ان ينهى الامر عند هذا الحد لكنه ظل يذكر نفسه انها جلسة نقل القوة الاخيرة ، سوف ينتهي الامر قريباً هذا ما كان يردده لداخله .
انقبض قلبه بالألم مما دفعه للضغط علي صدره قبل ان تظلم الدنيا في عينيه و يسقط علي الارض ... تراجع الملك كارلاين خطوة للخلف و بدأ انه افاق من حالة الشرود التي كان فيها ليتأمل وجوه الموجدين فجميعهم يتطلعون اليه بترقب و لم يجرؤ احد منهم علي الاقتراب من سايروس او التأكد انه بخير .
***
هدوء و سكينة غلفت أرجاء تلك الغرفة الواسعة بينما انسابت اشعه الشمس بخفوت مخترقه نسيج الستائر متسلله للداخل باستحياء و هي تقترب من ذلك السرير الذي يتوسط الغرفة .. فتح عينيه ببطء ، لم يستغرب التعب الذي يشعر به فهذا ما يحدث بعد كل عملية نقل للطاقة، ظل ينظر للسقف محاولاً تذكر ما الذي حدث تحديداً ..؟ .
- استيقظت اخيراً .
اعتدل جالساً ما ان سمع صوتاً بجانبه ليتفاجأ بوجود والده يجلس علي كرسي قريب و يمسك كتاباً يقرئه لكن تضاعفت دهشته حين ادرك انه في غرفة الملك الشخصية وحدهما ، تزاحمت الاسئلة في راسه و لم يكن يفهم ما الذي يجري ..؟! او كيف وصل الي هنا ..؟ تكرم كارلاين بالتفسير حين رأى الحيرة علي وجه ابنه:- لقد فقدت الوعى بعد عملية نقل الطاقة فامرت ان يحضروك الي هنا .
لماذا..؟! هذا ما ظل سايروس يتسأل بشأنه ، لما لم ينقلوه الي غرفته او يتركه حيث كان ، فـلم يعد له فائدة تذكر و لا شيء يدفع الملك للاهتمام به بعد ان اخذ قوة جوهرة اركيديا ... ينتابه بعض القلق فهذه الجلسة لم تكن كمثيلتها ففي المرات السابقة هو من كان يخرج قوة الجوهرة من جسده اما هذه المرة فقد كانت الجوهرة هي من تمتص القوة منه و ايضا لقد كان يرى نظرة غريبة في عيني والده ، نظرة غامضة لم يستطع تفسيرها ، لم تكن حقداً او كراهية لكنه فضل ان يبقي تساؤلاته هذه بعيداً فقد انتهي كل شيء و سيغادر اركيديا الي غير رجعة مع ايلير كما اتفقا ما ان تنتهي الجلسة .
- شكرا جلالة الملك اسمح لي بالمغادرة الان .
وقف كارلاين و سار الي مجموعة من الأرائك الموجودة في زاوية الغرفة ليجلس علي احدها و يمسك ابريق الشاي الموضوع علي الطاولة قائلاً:- لا ، سنشرب الشاي معاً .
راقبه سايروس و هو يقوم بسكب الشاي في فنجانين ليظل ينظر اليه بتعجب و لم يستطع منع نفسه من التساؤل الي ماذا يهدف الملك من احضاره الي هنا ..؟ أيسعي لقتله او لتوريطه بتهمة جديدة ..؟! ام هي مؤامرة ما ..! اعصابه المتعبة لا يمكنها تحمل المزيد لما يتلاعب به والده الان ، نهض من السرير ليسير و يقف حيث يجلس والده الذي انتهي من سكب الشاي و التقط احد الفنجانين و بقي يحدق به لثواني قبل ان تتقابل عيناه مع عيني والده الذي كانت نظراته كأنها تتحداه .. شد على الفنجان الشاي الذي بيده قبل ان يشربه بسرعه و دفعة واحدة ليعلق كارلاين بهدوء:- تصرف شجاع لكنه احمق .
حاول سايروس ان يحافظ علي انفعال صوته:- هذا يكفي ان كنت تريد قتلي فافعل ذلك مباشرتاً لكن دع ايلير و اليوت بعيدين عن كل مشاكلي .
امسك كارلاين بفنجانه و ظل يرتشف ما فيه علي مهل بينما كان سايروس يبدو كمن يغلي الدم في عروقه يراقب والده الذي ما ان انتهي حتي ظل ينظر للأمام بشرود قائلاً:- لا تغادر اركيديا هذه الليلة .
لم يجد وقتاً ليعترض او يستفسر بل تجمد في مكانه حين وقف والده مقترباً منه ليضمه هامساً:- انا اسف يابني سامحني .
لم يستطع سايروس مبادلته العناق فقط خمدت النار التي كانت بداخله ليظل واقفاً مكانه كلوح جليدي و ما ان ابتعد الملك عنه حتي تراجع عدت خطوات ليخرج من الغرفة و هو يسير مسرعاً في الاروقة الفارغة قبل ان يتوقف مستنداً علي الجدار محاولاً تنظيم انفاسه ، لم يكن يهتم الي اين تقوده قدماه فقط اراد الابتعاد عن والده ، عن مشاعره التي ستدمره ان اكتشف ان ما حدث مجرد خدعه .
***
كان يسير بخطوات بطيئة في أروقة القصر شارداً ، يفكر بالكثير من الامور ، الافكار تأخذه هنا و هناك و الأسواء ان مشاعره مبعثرة و الان لم يعد متأكداً ان كان والده يكرهه او لا ..؟ و لماذا طلب منه ألا يغادر اركيديا هذه الليلة ..؟ في النهاية قرر ان يبتعد عن التفكير في هذا الموضوع .
وصل الي الحديقة الزجاجية ، اخذ يبحث بعينيه عن ايلير لقد توقع ان يجدها هنا حين لم يجدها بالغرفة لكنه كان مخطئ ، تسأل اين يمكن ان تكون ..؟! فلم تخبره انها تريد الخروج و المحير انها اختفت بعد ان علمت انه فقد الوعى بعد عملية نقل الطاقة ، شعور سيء يراوده فايلير التي يعرفها من المستحيل ان تتركه في تلك الحالة ... باغته هجوم ثلاثة فرسان و قيدوا يديه و اجبروه علي ان يجثو علي ركبتيه .. اخذ ينقل عينيه مدهوشاً و محاولاً فهم ما يجري ..؟! .
اجابه احد الجنود عن تساؤلاته قائلاً:- سايروس بلاك انت مقبوض عليك بتهمة قتل ملك اركيديا .
كادت عيناه تخرجان من مكنهما من هول الصدمة و ظل يكذب ما سمعه فهذا مستحيل لقد رأى والده منذ اقل من ساعه فكيف مات ...؟! و الأسواء كيف يتهم بقتله ..؟! ازدادت صدمته و هو يتخيل السيناريو المستقبلي لما سيحدث مما جعله ينتفض قائلاً بسرعة:- انها خدعة من المستحيل ان اقتله .
- اخذت الكثير من الوقت لتفهم الامر .
ظهرة الملكة ادوريا من بين الشجيرات و هي ترسم ابتسامة خبيثة جعلته يوقن ان لها دخلاً بالأمر ليهتف مدهوشاً:- انتِ ..! .
اطلقت ضحكة ساخرة علي تعابيره لتتمتم بعدها باستياء مصطنع:- لم اكن اريد قتله لكنه احمق لقد بدأ يضعف و لم يعد قاسياً ، كان سيطلب منك ان تبقي اكثر و ان يقابل حفيده .
صرخ سايروس بغضب:- ألهذا خططي لقتله .
- يمكنك ان تلوم نفسك لقد كانت غلطتك لو لم تعد لما حدث اي من هذا ، لقد بذلت مع اللورد بينجمن و اللورد هاملت الكثير من الجهد لتخلص منك في الماضي اما الان سيكونان خير دعم لإيروس حين سيستلم عرش اركيديا .
لاحت له صورة شقيقه في ذهنه قبل ينفى:- لا يمكن ان يكون إيروس متورطاً في هذا ، سأكشف جميع مخططاتكِ امام الجميع سأخبرهم انكِ من قتل ابي .
- إيروس لا يحتاج ان يعرف كل شيء يكفيه اني ورائه ارتب له الامور لمصلحته ثم من تظن ان إيروس و كامل المملكة سيصدقون ، الملكة او اخر شخص كان مع الملك قبل موته و لا ننسي سمعتك السيئة في اركيديا و ايضاً ربما حان الوقت ليكتشف الجميع موت كل من شهد ضدك في محاكمتك ... في الواقع كان لابد من التخلص منهم فلا تعرف متي سيفتح احد الحمقى فمه لذلك كان لابد من اسكاتهم لابد .
عض علي شفتيه بقهر معترفاً انه مكروه بما يكفي في ارجاء اركيديا لكنه لا يهمه ان يثبت برئته سوى لشقيقه لكن ذلك سيكون اشبه بالمستحيل فـإيروس سيصدق والدته و لن يستمع اليه حتي و بالتأكيد سيحقد علي قاتل والده و لن يكون له هم سوى الانتقام .
اخفض راسه لقد تلقي الكثير من الصدمات مرة واحدة ، هي السبب بنفيه و تبرا والده منه و طرده من منزله و وطنه و خيانة الجميع له هل سيسمح لها بأن تدمر حياته مرة ثانية ..؟ لكن ان قتلها لان فستثبت عليه كل التهم السابقة ، ما الذي سيفعله ..؟ .
قاطعت ادوريا افكاره و هي تقول:- لا تقلق بشأن فتاتك الحمقاء سأتولى امرها ايضاً .
استشاط غضباً ما ان سمع كلماتها .. هاج و هو يحاول الافلات منهم صارخاً:- لا تفكري في ايذاء ايلير و إلا ستندمين .
اطلقت ادوريا ضحكة قصيرة و هي تخرج زجاجة صغيرة تحتوي علي سائل احمر شفاف قائلة:- اطمئن فانا لا افكر بإيذائها ، اخر ما يحتاجه إيروس حين يسلم الحكم هو نشوب حرب و هنا يأتي دورك، هذا سم قوى سيجعلك تدخل في غيبوبة لن تفيق منها إلا بترياق نادر امتلكه و انا متأكدة انها ستوافق علي الصفقة التي سأقدمها لها بأن تأخذك و الترياق خارج اركيديا و سأضمن ألا يكون هناك اي تحالف بين المملكتين .
تجاهل سايروس كلماتها لتتسع عيناه لثواني حين هبت رياح خفيفة حركت خصلات شعره لتهدأ ملامحه و يقول بابتسامة واثقة:- لن تفلتي بفعلتكِ سياتي وقت و تكتشف فيه كل خدعك و مؤامراتك .
ازدادت ابتسامة الملكة الخبيثة و هي تقترب منه محاولة جعله يشرب السم قائلة:- سنرى بشأن ذلك .
- كريس الان .
صرخ سايروس ليتحرك ظله متشكلاً علي هيئة رجل و يقف امامه رافعاً الملكة من عنقها بينما يمسك بيده الاخرى معصمها حتي سقطت زجاجة السم اما سايروس فقد استغل مفاجأة الفرسان بما حدث ليباغتهم و يتحرر .
خلال ثواني كان المكان يعج بالفرسان الذين يشهرون اسلحتهم و رغم ذهول الملكة مما حدث إلا انها تحدثت بصعوبة:- ايها الحراس اقبضوا عليه انه يحاول قتلي .
لكن الفرسان لم يتحركوا بل افسحوا الطريق ليظهر الملك كارلاين و بجانبه تقف ايلير و إيروس و خلفهم مجلس اللوردات رغم نقص عدد اعضائه ليقول كارلاين:- لقد انتهي الامر و قد انكشفت كل مؤامراتكِ و تم القبض على كل اتباعكِ و من ساعدوكِ.
كان وجه إيروس باهتاً لا يصدق ما سمعه ، والدته حاولت قتل والده و هي السبب في ما اصاب شقيقه و كل المصائب التي حدثت ، كيف استطاعت ان تفعل ذلك ..؟ والداته الحنونة المحبة فعلت كل هذا لأجل السلطة و لأجل ان توصله الي عرش اركيديا ... لقد كان عقله ينكر قبل قلبه و اراد ان يصدق ان كل ما قالته هي مجرد اكاذيب لكن بلا فائدة فقد اعترفت بنفسها و الأسواء انها كانت تريد قتل والده و اتهام سايروس الذي كانت السبب في طرده من اركيديا سابقاً دون اي ذنب... و رغم كل ما فعلته إلا أنه لم يستطع ان يمنع الشعور بالقلق الذي ينتابه و هو يراها تكاد تختنق بيد ذلك الرجل الغريب ، لقد كان يعاني صراع في داخله بين لومها و الغضب منها و بين انها امه و لحسن الحظ تدخل والده:- ياحراس القوا القبض عليها .
تقدم الحراس عدة خطوات و كادوا ينفذون الامر لكن الرجل الذي يقبض على عنق الملكة لم يبدو انه سيفلتها او سيسلمها لهم و الهالة المظلمة المحيطة به بعثت البرودة و القشعريرة في اجسادهم .
دقق كارلاين في وجه الغريب فهذا الرجل الذي يبدو في منتصف الثلاثينات بشعره الاسود و عينان رماديتان اعادتا اليه ذكريات قديمة مما جعل الصدمة ترتسم على ملامحه و لكنه سريعاً ما تجاوز تلك الحالة ليهتف بعصبية:- كيف يتجرأ امثالك على القدوم الي اركيديا ..؟ .
قام كريس برمي الملكة على الارض امامه و قد ارتسمت ابتسامة باردة علي ثغره و هو يقول:- و هل تظن ان احداً يمتلك الحق في املاء الاوامر علي او اني انتظر الاذن منك.
رغم ان الاغلب الموجودين شحبت وجوهم من الصدمة فهذا الشخص يتحدى الملك بكل جرأة ... هدأت ملامح كارلاين ليقول:- انت كما سمعت عنك شيطان هالين و فارسها الاسود.
ضيق الملك عينيه قبل ان يكمل:- او كما هو معروف لدى الممالك الاخرى بلورد الظلام و قاتل الامير دميتري.
لوى كريس شفتيه قبل ان يلتفت الي سايروس قائلاً:- يبدو ان سمعتي ليس اقل سوءاً من سمعتك هنا لكن لا يهم .
لم ينتظر كريس رداً بل عاد لينظر الي الامام و تحديداً للملكة التي لاتزال على الارض و يرفع يده و هو يبتسم بشر:- منجل الظلام اجب ندائي.
ضربت صاعقة سوداء المكان محطمة السقف الزجاجي و تشكل منجل اسود في يد كريس و انتشرت برودة غير طبيعية في المكان و رغم تحطم السقف إلا ان اشعت الشمس قد حجبتها الغيوم السوداء التي تشكلت فوق رؤوس الموجودين الذين ارتسم الذعر و التوتر على ملامحهم خصوصاً من لم يكونوا يعرفون او سمعوا باللورد كريس ايفانز من قبل.
قاطع كل هذا صوت سايروس الهادي:- هذا يكفي لقد انتهي عملنا هنا و لا حاجة لنتدخل في امور مملكة اركيديا.
عادت الاجواء لطبيعتها و اختفي المنجل من يد كريس الذي وجه نظرة عميقة الي سايروس قبل ان يهز كتفيه بلا مبالاة و يتحول دخان اسود و يختفي في الارجاء.
سار سايروس باتجاه الباب دون ان ينظر الي احد.
- سايروس انتظر.
استوقفه صوت والده لكنه مع ذلك لم يلتفت اليه بل وجه كلامه الي ايلير:- لم يعد لدنيا سبب للبقاء هنا .
في ظل الفوضى التي حدثت لم يجرؤ احد على قول شيء و بدأ الحراس بتنفيذ اوامر ملكهم ... اما ايلير فقد لحقت بسايروس الذي خرج من الحديقة بصمت و قد كانت تواجه صعوبة في محاولة مجاراة سرعة خطواته و هي تناديه:- سايروس .
توقف المعني و هو يخفض راسه و كادت ان تتحدث لكنه سبقها قائلاً:- استدعى سورن و سفيريا سنغادر اركيديا الان .
لم يعطها اي الوقت لتناقشه فقد عاد ليكمل سيره لتبقي هي مكانها حائرة غير قادرة علي فهم ما الذي يزعجه او ما الذي يفكر فيه ..؟! ألن ينفذ اوامر الملك حين طلب منهما عدم المغادرة او يودع احد على الأقل .
في النهاية نفذت ما طلبه منها و من الجيد ان سورن و سفيريا لم يكونا بموقع بعيد عن اركيديا .
استقبلت التنينين في ساحة القصر لتبقي تنظر بعينيها بالأرجاء باحثه عن سايروس فلم تره منذ ان طلب استدعاء التنانين و لم يخبرها اين سيذهب ؟! انتابها القلق علي حاله فهو لم يبدو سعيداً باكتشاف الحقيقة و ظهور برئته .
خلال دقائق ظهر سايروس متقدماً باتجاهها بصمت ، راقبته و هو يمتطي تنينه و ظل ينظر للأمام دون ان يلتفت اليها فتوقعت انه ينتظرها لتمتطي سفيريا لكنها اسرعت بالركوب خلفه و احاطت ذراعيها حوله متمسكتاً به ، لم يقل سايروس اي كلمة بل حلق بتنينه في الارجاء قبل ان ينطلق باتجاه هالين و تتبعهما سفيريا و ثلاثة ضلال تطير خلفهم اعطت ايلير نظرة اخيرة حزينة الي اركيديا لتفكر انه يمكنه الابتعاد و الهرب من العالم اجمع إلا منها هي .
لم تستطع تفسير ملامح وجهه و لم تجرؤ علي قول اي كلمة طول الطريق و تسألت لما لم يودع والده او شقيقه ..؟! و هل من الجيد ان يرحل هكذا بصمت ...؟! و الاهم من هذا كله هل هو بخير ..؟! .
***
السلام عليكم
اتمني يكون الفصل عجبكم
فقد اقترب الجزء الأول من نهايته
لا تنسوا التصويت بـ⭐
° في امان الله °