[ اللهمّ إنك عفوٌ تحبُّ العفوَ فاعفُ عنّا ] ❤
سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر 🌼
***
تابع الفصل السابق
(الفصل التاسع)
لم يستطع اخفاء شعور الضيق الذي يختلج صدره ، شيء ما يقول له ان وجوده هنا خطأ ، لقد اصبح فارس لأجل ان يقاتل الوحوش المختلفة و ليس ليحضر حفلات التكريم في قصر الملك ، لقد امتنع عن حضور حفلات كهذه طول سنوات و دائماً يضع حجج واهية اما الان فقد رفض آيزاكل كل حججه و السبب انه سيكون من بين من سيتم تكريمهم رغم انه لا يريد ذلك فقد كان كل ما يتمناه ان يغادر من هنا بسرعة .
نقل عينيه بين الاشخاص الذين حوله لم يرد الاختلاط بطبقة النبلاء مرة اخرى في حياته ، انه يفضل ان يكون في ساحة حرب او يقاتل اشرس الوحوش علي التواجد هنا وسط اشخاص كهؤلاء لا يهمهم سوى المظاهر و مصالحهم ، لقد كانوا حوله دائماً في الماضي لكن حين احتاج لمن يقف بجانبه لم يجد احداً لذلك يكره هذه الفئة .
- ما بك تبدو كشخص يحتضر ..! .
التفت الي نيكولاي الذي اتى باتجاهه ليوجه اليه نظرة متوسلة ففعلا ربطة العنق تخنقه و لم يفهم السبب الذي جعله يلبس بدلة رسمية انه يشعر بنفسه كالأحمق فيها علي عكس صديقه الذي يبدو متألقاً و قد اعترف ان البدلات الرسمية فعلا تناسب نيكولاي فهو يبدو كأحد هؤلاء النبلاء .
هز نيكولاي راسه بخفة لتتحرك خصلات شعره الاشقر و تزيده تألقاً قبل ان يقول بابتسامة:- استرخي و استمتع من يدري قد تجد فتاة جميلة تحضي بوقت ممتع معها .
زم سايروس شفتيه بعبوس و تذكر حينها السبب الذي جعله يرفض صداقة نيكولاي بالبداية ، انه يمر كثير بمثل لحظات الندم هذه كثيراً علي اتخاذ اصدقاء مرة اخرى .
خلال دقائق بدأ الحدث الرئيسي ، عزفت الفرقة الموسيقية موسيقى افتتاحية لتفتح ابواب القاعة و يتقدم الملك بخطوات واثقة على السجادة الحمراء و يستقر على كرسي عرشه.
صدم سايروس و لم يستطع ان يصدق عيناه و هو يرى الرجل الذي عرفه منذ ثلاث سنوات و قد كان يعده كالعم بالنسبة له ... ظل متسمراً مكانه قبل ان تمتد يد نيكولاي لتجعله يخفض رأسه كبقية الحضور .. كان عقله مشغولاً بمحاولة ايجاد تفسير منطقي ، ما ان جلس الملك علي عرشه حتي التفت سايروس الي آيزاكل و الغضب يشع من عينيه رغم انه حاول الحفاظ علي جمود ملامح وجه و هو يصر علي اسنانه بحقد هامساً:- لما لم تخبرني بحق الجحيم ..؟ .
نظر اليه آيزاكل بطرف عين قبل ان يعود لتأمل اجواء الاحتفال معلقاً بملل:- اخبرك بماذا ..؟! .
نظرات سايروس الغاضبة جعلت آيزاكل يهز كتفيه بلا مبالاة ليكمل حين لاحظ نظرات من امامه:- كنت اظنك تعرف .
هتف سايروس في وجهه بحنق:- انا لا اعرف شيء عن هالين سوى ما اخبرتني به انت .
رمش آيزاكل عدة مرات و هو ينظر اليه مستغرباً كأنه استوعب هذا الشيء لتوه ليتمتم بينه و بينه نفسه انه عليه حل هذه المشكلة قريباً .. لكنه انتبه كباقي الحضور حالما بدأ الملك خطبته:- حضوري الاعزاء يسعدني قبولكم دعوتي للاحتفال بتكريم فرساننا الشجعان الذين قاتلوا ببسالة لأجل مملكة هالين و لأجل سلامة و امان سكانها .
من ان انهي فرانز كلماته حتي اخذ يستدعى الفرسان لتكريمهم ... ابتلع سايروس ريقه ما ان نودي على اسمه ليتقدم بخطوات مترددة حاول قدر الامكان جعلها ثابتة ، كان بإمكانه سماع خفقات قلبه ، جثى علي احدى ركبتيه امام الملك الذي تقدم و ناوله احد الفرسان سيف اسود مزخرف بنقوش جميلة ليقول فرانز بصوت جمهوري:- سايروس بلاك انا اعلنك فارساً من الدرجة الاولي و قائداً في الجيش ، امنحك هذا السيف فارجوا ان تقبله مني .
اخفض سايروس رأسه و قد احس يثقل السيف الذي وضع بين يديه ليقول:- لا اعرف كيف اشكرك جلالة الملك انه لشرف كبير لي .
وضع فرانز يده علي كتفه هامساً بصوت لم يسمعه غيرهما:- لطالما امنت بقدراتك انا اثق انك ستكون قائداً عظيماً .
ابتسامة الملك الحانية جعلته مشتتاً لا يدرى كيف عاد الي مكانه للوقوف بجانب آيزاكل و نيكولاي ، لم يكن عقله للان يستوعب ما حصل ، كان الامر اشبه بالحلم ، لم يكن يتوقع انه سيصبح فارس من الدرجة الاولي او ان يتم الاعتراف به في هالين بأكملها .
اخذ نيكولاي السيف من بين يديه و هو يصفر بأعجاب قائلاً:- انه مذهل .
قاطع تأمله اخذ آيزاكل السيف منه قائلاً بجدية:- لا تغتر بنفسك مازالت طفلاً مدللاً.
تذمر نيكولاي باستياء:- لا تكن مفسداً للفرحة انه حدث عظيم ان يكرم بعد نجاحه في مهمته الاخيرة بشكل مبهر رغم انها كانت مهمة مملة لقد انضممت للجيش لأشارك في المعارك و الوح بسيفي في وجه كل من يقف امامي و ليس لأصبح مبعوث سلام .
اعادة كلماته سايروس الي ارض الواقع متذكرا مهمته تلك كان قد نجح في وضع خطة محكمة و حماية احدى القرى من هجوم مجموعة من العمالقة بدون اي خسائر و استطاع عقد هدنة مع زعيم العمالقة ضمن انهم لن يهاجموا تلك القرية مرة اخرى .. قال بهدوء:- ما كنت لأنجح لولا توجهات آيزاكل هو من علمني كل ما اعرفه .
بدأ عزف الموسيقى ليندمج الجميع مع اجواء الاحتفال ليجيد سايروس نفسه وحيد مرة اخرى ، آيزاكل يتحدث مع الحراس احياناً و مع مجموعة من قادة الجيش و الفرسان و نيكولاي ينتقل كل فترة لرقص مع فتاة مختلفة .
- لما تراقب الباب كأنك تنتظر فرصة للهرب ..؟! .
اجفل سايروس لينتبه متأخراً للفتاة التي تقف بجانبه ، لثواني احس انه تشتت و تاه في فيروز بحر عينيها لكنه سريعاً ما استعاد انتباهه و قطب حاجبيه متعجباً من حديثها معه فجأة فأجابها بهدوء:- لست كذلك انا فقط لا احب حضور مثل هذه الحفلات .
رسمت الفتاة ابتسامة كبيرة و هي تمد اليه يدها بجرأة قائلة:- جيد وجدت شخصاً يكرهها مثلي لكن لا بأس في حضورها من حين لأخر ، أتشاركني الرقص ..؟ .
تأملها باستغراب انها جميلة تصغره بعام او اثنان بفستان راقي بلون السماء كلون عينيها اما شعرها فهو كخيوط الفضة اللمعة ، يمكنها طلب مراقصة اي من الحضور و سيسعد الكثيرين بتلبية طلبها فلما هو بالذات ..؟! كان يفكر بالرفض القاطع لفكرة الرقص في الحفلة لكنه اعتبر ذلك غير لائق و قد يحرجها فوافق .
التقط يدها ليسيرا معاً الي ساحة الرقص عرفت الفتاة عن نفسها:- اسمي ايلير .
- و انا سايروس بلاك .
ابتسمت الفتاة برقة و هي تقول:- اعرف لقد رايتك مرات كثيرة في مدرج القتال انت قوى .
منحها ابتسامة مجاملة فلم يكن يعرف عن اي شيء يتحدث معها لكنها لم تبدو انها تواجه اي مشكلة فقد فتحت مواضيع كثيرة .. الابتسامة الوحيدة الصادقة التي رسمها علي وجهه هي حين انتهت الموسيقى معلنة نهاية الرقص .
- عذراً انستي اريد البحث عن صديقي .
حاول الحفاظ علي عدم اهتزاز ابتسامته و هو يكذب عليها فهو فعلاً لا يريد البحث عن نيكولاي لكنه فقط يريد الابتعاد قليلاً فلا يضمن ان يحسن التعامل معها ان استمر حوراهما اكثر فكل خبرته مع الفتيات النبيلات تلخص في مجاملات سطحية بسيطة لكن خطته تدمرت حين قاطعه صوت نيكولاي من الخلف:- لم اعرف انك تجيد الرقص .
انضم اليهما نيكولاي ليظل سايروس يلعنه في سره و بالطبع سيجيده فهو امير سابق و قد كانت دروس الرقص من اول الاشياء ضمن قائمة الامور التي يجب ان يتعلمها .
تشبثت ايلير بذراع سايروس موجهة نظرات نارية للواقف امامهما لتقول بانزعاج:- انه رفيقي ابتعد من هنا .
تسأل في نفسه ، متي اصبح رفيقها لقد رقصا و تبادلا الحديث لوقت قصير فقط ، رفع نيكولاي يديه باستسلام قائلاً بمرح:- هو لك خذيه .
رفع سايروس احد حاجبيه فقد تم التخلي عنه لفتاة دون اخذ اذنه حتي ليعود نيكولاي ليقول:- ارى انك تعرفت علي ابنة عمي .
اخذ ينقل نظراته بينهما مدهوشاً قبل ان يسأل:- هي ابنة عمك..! انت لديك عم ..؟! .
هو كان يدرك ان سؤاله غبي لكنه تفجأ و قد برر نيكولاي الامر ببساطة:- بالتأكيد لما لا يكون لدي .
تلعثم سايروس قليلاً قبل ان يجيب:- انا اقصد انك لم تحدثني عن عائلتك ابداً .
ارتسم التعجب علي وجه نيكولاي:- انت تعرف عمي فرانز فقد كان يزور مقر الفيلق احياناً و قد تعرفت علي ابنة عمة عمى قبل قليل من المؤسف ان ابي و امي ليسا هنا لأعرفك اليهما .
اخذ عقله يستحضر صورة العم فرانز ليشير اليهما و هو يحاول ترتيب افكاره ليقول بصوت مهزوز:- انتم عائلة واحدة.
هز نيكولاي كتفيه كأن هذا اكثر شيء عادي و لا يستحق اي اهتمام:- الم يخبرك احد فالأمر ليس سراً .
العم فرانز الذي كان يتعامل معه بكل بساطة منذ ثلاث سنوات هو ملك هالين و الفتاة التي كان يرقص معها و يتذمر في داخله من ثرثرتها هي ابنته و اميرة هالين و شريكه المجنون في التدريب هو امير و ابن اخ الملك ، انه يحتاج للجلوس لا يمكنه تحمل كل هذه الصدمات في يوم واحد ، هو لا يستطيع مناداة نيكولاي بسمو الامير و ان يحترم ذلك الاحمق حتي في حياته الثانية.
تهرب آيزاكل و هو يتأمل النقوش التي علي السقف مصفراً بأعجاب متجاهلاً نظرات سايروس النارية اتجاهه لكنه سريعاً ما اخفض رأسه مفكراً انه يجب ان يبدأ بالابتعاد عنهم تدريجاً و ما افضل طريقة لذلك سوى مهام الجنود لقد فكر بجدية ان يبحث عن عمل في احدى الحصون البعيدة و هكذا سيستطيع ان ينساهم و يعيش بقية حياته بهدوء دون ان يخاف من تقاطع ماضيه مع حاضره ثم كيف لشخص مثله ان يكون بينهم.
جلس آيزاكل على الكرسي المقابل له ليقول:- لما تبدو بعيداً عن الواقع هكذا.
رمقه سايروس ببرود فهو اختار هذه الطاولة البعيدة لأجل ان ينفرد بنفسه و يصفى افكاره ليعود آيزاكل ليكمل:- لما اشعر ان نظراتك تغيرت حول فرانز و نيكولاي..؟! .
اشاح سايروس بوجهه بعيداً فلو كان يعلم بهويتهما لما تجرأ على التقرب منهما منذ البداية ... همس بصوت خافت:- هل لي ان اسأل لماذا انقذتماني حين نفيت من اركيديا ..؟ كان بإمكانكما تركي في الغابة لم اكن سأصمد اكثر من يوم واحد على الاغلب .
- انت لا تفكر اننا فعلنا ذلك لأجل مصلحة ما اليس كذلك..؟ .
اخفض سايروس رأسه و قد ارتسمت ابتسامة حزينة علي شفتيه:- انا اثق انكما لم تفعلا ذلك من اجل مصلحة ما او لأجل الاستفادة مني للتفاوض مع اركيديا فقد كنت مجرد طفلاً مدلل عديم الفائدة منفى من وطنه .
اخذ آيزاكل يرمقه بملل قبل ان يكتف يديه و يأخذ هذا الموضوع بجدية:- بالنسبة لفرانز فهو يكره ان يرى حياة احدهم تهدر بتلك الطريقة و لطالما امن ان قبول شخص للموت فقط لان هناك من يريده ميتاً هو اكثر الاشياء حماقة لذلك قام بمساعدتك اما انا فلم اكن اعير الامر اهمية كبيرة في السابق لكن بعد منازلتي لك و عدم استسلامك امامي رغم ضعفك اعترف ان ذلك اثار اعجابي و وافقت فرانز ان موت كان ليكون هدراً اما الان فانت تعد تلميذي فأن تجرأت علي الاستسلام للموت ببساطة فسأرسلك للجحيم افهمت ..؟ .
ابتلع ريقه بتوتر فلم يبدو على آيزاكل المزاح بشأن تهديده لكن ليس عليه القلق فقد تجاوز حالة اليأس التي كان فيها و هو نفسه لا يريد ان يسمح بأن يسهل موته لأي احد ان كان عليه القتال فسيقاتل بكل قوته للنهاية.
انتهت اجواء الاحتفال ليفاجئه آيزاكل بقوله انهما سيبقيان في القصر لبعض الوقت لأجل بعض الاعمال ، لم يدري سايروس ما شأنه ليبقي معه و لما لم يسمح له بالعودة الي مقر الفيلق او يرسل لأحدى المهمات فلا يجب ان يبقي ملتصقاً به لكن لا يمكنه ابداً ان يربح نقاشاً مع آيزاكل فاستسلام للأمر الواقع .
***
تضايق سايروس من آيزاكل الذي يزعجه منذ الصباح الباكر و يسحبه من يده دون يعطيه فرصة ليستفسر الي اين يقوده ..؟!.
توقفا امام باب ابيض كبير و قبل ان يسأل عن شيء ، فتح آيزاكل الباب علي مصرعيه و هو يقول:- ما رايك ..؟! .
نظراته وحدها حملت الاجابة ، تأمل سايروس ارجاء المكتبة بانبهار ، رفوف الكتب اللانهائية على الجدران الطاولات الطويلة و الكراسي الموزعة بالأرجاء سمحاً لنفسه بالتجول في ذلك المكان الذي يخطف الانفاس ... ابتسم ايزاكل برضي علي رد فعله ليكمل:- يمكنك تمضيت الوقت هنا و قراءة ما تشاء طول فترة بقائنا و ستجد هنا كل شيء عن هالين و غيرها .
هز سايروس راسه و هو يبتسم بسعادة ليمضي ايام لا يدري كم عددها في المكتبة حتي انه حين يكون هناك ينسي كل شيء الراحة او الطعام او التدريب ، انشغل عقله فقط بقراءة تاريخ هالين و اساطيرها و عن الجغرافيا و الكائنات الحية كل الكتب التي وصلت اليها يداه قام بقراءتها .
كان منغمساً بقراءة الكتاب الذي امامه لدرجة انه لم يشعر باقتراب احد منه و اجفل حين لامست يد فرانز كتفه ليقف باحترام و هو يقول:- اعذرني سيدي لقلة انتباهي ، لقد قال آيزاكل انه يمكنني الاطلاع علي بعض الكتب اسف لأني لم اخذ الاذن من جلالتك اولاً .
جلس فرانز علي كرسي قريب و هو يقول:- لابأس انا من كان يجب ان اصدر صوتاً ثم لما كل هذه الرسمية يافتي ..؟! مازالت ذات الشخص الذي تعرفت عليه في البداية .
اخفض سايروس راسه حائراً فهو كان يتعامل معه بأريحة لم يتعامل بها حتي مع والده كان هناك شيء من الرسمية بينهما ... الصمت الذي طال جعل فرانز يردف:- ان لم تكتسب احترام الاخرون لأجل ذاتك فلا فائدة ان احترموك بسبب المناصب و الالقاب و انت لم تكن تقصد التقليل من احترامي حين كنت تناديني بعمي .
اندفع سايروس للقول بسرعة:- بالتأكيد سيدي .
رسم فرانز ابتسامة كبيرة:- اذاً عد لتتعامل معي كالسابق و مناداتي بعمي .
اومأ سايروس موافقاً فهو لم يكن يريد ان يكون غريباً بينهم و ان يضع حدود بينه و بين الاخرين خصوصاً هؤلاء الذين احبهم و احس انهم فعلاً يهتمون لأمره لأجل نفسه لا لمصلحة ما او لأسباب اخرى .
جلت عيني فرانز في ارجاء المكتبة قبل ان يختمها بمجموعة الكتب التي علي الطاولة ليكمل:- من الجميل ان تحب العلم فنيكولاي مثال سيء لطالب المجد اما ايلير فهي لا ترضي إلا بتعلم ما تريده ... سأتركك الان لتكمل ما تقرأه .
وقف فرانز ليخرج من المكتبة بينما همس سايروس بخفوت:- شكرا عمي .
***
فتح جزء صغير من باب المكتبة ليطل راس نيكولاي قائلاً بسعادة:- انظر من عاد ، هل اشتقت لي ..؟ .
اعطاه سايروس نظرة هادئة قبل ان يسترخي في كرسيه و يدلك عينيه مجيباً:- لقد ارتحت منك و من ثرثرتك لكني افتقدت الفيلق و المهام .
دلف نيكولاي الي داخل المكتبة ليجلس علي الكرسي المجاور لصديقه وهو يتذمر:- هذا قاسي ايها الممل ثم يمكنك ان تعتبر نفسك في اجازة .
لوى سايروس شفتيه متذمراً:- لا احتاجها ، من يأخذون اجازة هم اشخاص لديهم ما يفعلونه غير العمل اما انا فلا شيء لدي لأفعله .
تمتم نيكولاي باستياء:- هذا محبط فعلاً .
سريعاً ما انقلبت لهجته ليقول بحماسه المعتاد:- تعال للساحة اريد تحديك في المبارزة سأهزمك بكل تأكيد .
كشر سايروس وهو يقول بتحدي:- انت واهم لن تستطيع هزيمتي ابداً .
اتجه الاثنان الي ساحة القصر ليخوضا عدداً من جولات المبارزة انتهي اغلبها بفوز سايروس و عند غروب الشمس جلس الاثنان مستندان علي جدار القلعة يتأملاً زوال اخر خيوط النهار بشرود قبل ان ينطق نيكولاي:- إن ايلير معجبة بك .
امال سايروس راسه لرفيقه باستفهام كأنه لم يستوعب ما قاله ليضيف نيكولاي بسرعه و توتر:- سأتفهم الامر ان كانت هناك فتاة اخرى في حياتك و سأحاول شرح الامر لابنة عمي بهدوء .
ضرب سايروس بقبضته راس نيكولاي و هو يقول:- انا معك في الفيلق منذ ثلاثة سنوات لم اخرج إلا لتدريبات علي الحدود و لمهام قتال الوحوش عن اي فتاة اخرى تتحدث .
لا ينكر سايروس انه لاحظ نظراتها اليه خلال مدة اقامته بالقلعة و قد تبادلاً الحديث عدة مرات و للحقيقة انها فتاة لطيفة و قد اعجب بشخصيتها القوية العفوية لكنه لا يمكنه ان يصارحها بذلك و يخشي تعقد الامور بينه و بين عمه و اصدقائه ... نظر الي الامام بشرود قبل ان يضيف:- انا فقط لا اظن اني اناسبها .
رد عليه نيكولاي بثقة:- هراء انتما الاثنان مناسبان لبعضكما عليك منحها و منح نفسك فرصة فمن يدري كيف سيتطور الامر بينكما .
ارعبته ابتسامة نيكولاي التي ختم بها كلماته ، كأنه يبني امالاً علي وجود علاقة بينه و بين الاميرة ، هو فعلا ليس مستعداً لينظر للمستقبل او ان يحدد شيء لحياته و يتأخذ اي قرار رغم كل ما فعله إلا انه يشعر بطريقة ما انه لايزال مرتبط بماضيه حتي بعد ان اخبر نيكولاي بما حدث معه تفاجأ انه مزال يصر علي صداقتهما ، ان لهالين و سكانها مكانة كبيرة في قلبه و قد احبها و احب كل الاشخاص الذين حوله و وثق بهم إلا انه سيكون كاذباً لو قال انه لا يشعر بالحنين لتلك الارض التي ولد و عاش فيها سنوات طويلة مع انه يدرك ان عودته اليها مستحيلة و يلزمه معجزة ليستطيع الرجوع الي وطنه ، هناك وخز خفيف في داخله يجعله حائراً فلم يكن يدري حتي الي ماذا يريد العودة ...؟! .
- نيكولاي محق عليك ان تجرب .
التفت الاثنان بفزع ليجدا آيزاكل مستندر علي اطار النافذة التي فوقهما و يستمع لكل ما يقولانه فتذمر سايروس باستياء:- كان بإمكانك اصدر صوت ما .
ليؤيده نيكولاي:- التنصت عادة سيء .
تجاهلهما آيزاكل ليوجه حديثه الي سايروس:- اريد الحديث معك الان و اما انت يانيكولاى انصحك بالتدريب للحدث الكبير .
وقف سايروس من مكانه و هو يتأفف و يتجه لبوابة القصر حيث وجد آيزاكل يسير خلال اروقة القصر واستمر بتتبعه الي ان وصلا الي غرفة آيزاكل ليجلس الاخير خلف المكتب قائلاً:- الان اخبرني لما ترفض ان توجد علاقة بينك و بين ايلير ..؟ .
بقى سايروس وافقاً امام المكتب للوهلة الاولي كان يشعر بالحيرة فلما لا يرى احد غير حجم الفوهة التي بينهما هي اميرة اما هو امير سابق متهم بمحاولة قتل والده و منفى من وطنه اخفض رأسه ليهمس بصوت خافت:- انت قلتها بنفس انها اميرة الفرق شاسع بيننا ثم ألا يجب علي عليها الزواج من امير او نبيل ما و عليك ان لا تنسي ماضي .
- اولاً هذه هالين بلاد السحر و هنا الامور مختلفة ثم الحب يصنع المعجزات او هذا ما سمعته و ثانيا فرانز يحبك كثيراً و يعتبرك كابنه و نحن نصدق براءتك و ثالثاً و الاهم انت تلميذي اي انك لست اقل من اي امير او نبيل قد يتقدم للأميرة ان صارحتك ايلير بمشاعرها اخبرها انت ايضاً بمشاعرك دون اي هراء عن الطبقات او ماضيك .
احس بالأحراج من الخوض في هذا الحديث فحاول تغير دفة الموضوع:- لما تتحدث كعجوز يرغب برؤية احفاده قبل ان يموت من الاولي ان تتزوج فانت قد تجاوزت الثلاثين و الي الان لم تفكر بالأمر .
رمقه آيزاكل بنظرة دفعته لتوقف و الطأطأة برأسه هامساً:- اسف .
نهض آيزاكل من علي كرسيه متجاهلاً الاعتذار و هو يقول:- سأذهب الان للقاء ايلير لدينا الكثير من التدريبات اما انت فكر فيما تكلمنا عنه .
بقى سايروس في مكانه لبعض الوقت رغم انه يعرف ما يقوله له قلبه لكن التردد مزال يلازمه و ربما يجد فرصة في الايام القادمة ليتخذ قراره فلا يعلم ان كان من الجيد ان يسمح لمشاعره بالتطور ..؟ .
***
سار سايروس في الاروقة الحجرية محاولاً تجنب الاختلاط بالحضور ، ان الحدث المهم هذا اليوم جعل المدرجات تمتلأ ، اليوم ستتم المعركة التي ستحدد الملك القادم لمملكة هالين و المرشحان لهذا المنصب هما صديقه نيكولاي و الاميرة ايلير .
عدل طريقه الي حيث خمن انه سيجد نيكولاي ليجده قرب بوابة الحلبة مستعداً و ينتظر الوقت المناسب لدخول ليبادر بالقول:- ان الاميرة ايلير تستعد منذ اسابيع و قد كان آيزاكل يتولى تدريبها طول الفترة التي كنا فيها في القصر بينما انت قضيت الوقت بالعبث هنا و هناك .
رفع نيكولاي رأسه بغرور قائلاً بثقة:- اطمئن سانهي هذه المعركة في خمس ثواني .
رفع سايروس احد حاجبيه ناظراً الي صديقه بشك مما جعل نيكولاي يطلق ضحكة مرحة و هو يقول:- لا تقلق سيسير كل شيء كما اريد .
في تلك اللحظة تسأل سايروس ما الذي يريده نيكولاي فعلا ..؟! فلطالما قال انه يريد ان يكون فارس هالين الاول و ان الرجال بنظره ولدوا ليعيشوا و يموتوا في ساحات الحرب لكن الان امامه فرصة لأجل ان يكون ملك هالين بأكملها .
- ما رايك ان نعقد رهان بيننا ان انهيت المعركة خلال خمس ثواني ستفعل ما اريده طول الاسبوع و ان فشلت سأنفذ كل ما تريده انت .
ساوره الشك في نوايا نيكولاي فلا يمكنه ابداً التنبؤ بما يريده هذا المجنون لكن فرصة كهذه لن تأتي كل يوم ، سيمضي كامل الاسبوع في المكتبة بعيداً عن ازعاج نيكولاي و إلحاحه المستمر بأن يتدربا معاً بينما انشغل عقل نيكولاي بنسج اسواء الافكار السوداوية .. تصافح الاثنان و كلا منهما يشد علي قبضة الاخر بقوة بينما تتقد العزيمة عينيهما و كلاهما يفكر بما سيطلبه من صديقه ، دق الجرس معلناً ان علي المتنافسين التوجه الي الحلبة ليتقدم نيكولاي بخطوات واثقة حاملاً سيفه حيث تقف ايلير في منتصف الحلبة بينما بقى سايروس قرب بوابة الحلبة مفضلاً ان يشاهد المعركة من هنا بدلاً من المدرجات المزدحمة .
كانت الاميرة تلبس درعاً و تحمل سيفاً هي الاخرى لكن سايروس خمن انه مجرد اجرا شكلي فسريعاً ما ستبدأ معركة القوى السحرية ، النار ضد الرياح لا يمكنه تخمين من منهما سيفوز ، لابد ان تكون معركة عنيفة و مصيرية سيتوقف عليها تحديد الملك المستقبلي لمملكة هالين .
وقف نيكولاي مقابلاً لابنة عمه في وسط الساحة ليعطي كلاهما نظرة اخيرة الي الملك الذي ما ان اعلن اشارة البداية حتي اشهر نيكولاي سيفه عالياً و غرسه في الارض و جثي علي احدى ركبتيه قائلاً:- انا نيكولاي ايزنهايم ازرال ابن الامير بيتريوس هنري ايزنهايم ازرال اعلن انسحابي و ولائي التام للملكة ايلير فرانز ايزنهايم ازرال و ان اكون فارساً تحت امرتها في السلم و الحرب و ان اكون درعها و سيفها و ان افديها و مملكة هالين بحياتي .
حل صمت بين الحضور فلم يتوقع احد منهم ذلك ليقطعه تقدم ايلير و توجيهها صفعة قوية دوى صوتها في الارجاء الي وجه نيكولاي قبل ان تتجه الي الباب الاخر للحلبة خارجتاً منه بينما اشتعل الهتاف بين الجمهور السعداء بملكتهم الجديدة ... لينهض نيكولاي و يعود للبوابة التي دخل منها و هو يضحك باستمتاع و ازداد ضحكة و هو يرى سايروس الذي لازال فمه مفتوحاً من الصدمة ليعلق:- ما رايك..؟ ثلاث ثواني و نصف و لولا خطبتي العصماء لكنت انهيت النزال في وقت اقل .
اخذ سايروس يتنفس بعمق محاولاً الهاء نفسه عن رغبته العميقة بتوجيه لكمة قوية الي وجه صديقة الواقف امامه الان .
***
و لم يدهش سايروس كثيراً حين علم بأن الامر الاول لايلير كملكة مستقبلية لهالين هو جعل نيكولاي ينظف كامل الاسطبلات و الاسواء انه بسبب رهانهما الاحمق اضطر لمساعدته طول مدة عقابه و ظل يعلن صديقه و حظه الذي ورطه مع شخص كـنيكولاي.
وضع سايروس كومة القش التي كان يحملها علي الارض ليكشر بعبوس ... جلس علي الارض بجانب القش مقرراً اخذ استراحة ليبدأ بالتذمر:- متي ينتهي هذا الاسبوع ...؟ .
اتاه صوت نيكولاي الذي كان يقوم بغسل احد الخيول:- لا اصدق انك ستتخلى عني بعد تنتهي مدة رهاننا.
رمقه سايروس بسخط و هو يقول بحدة:- بل انا من لا يصدق اني جاريتك و نفذت العقوبة معك.
رفع نيكولاي رأسه ليقول بثقة:- هذه هي روح الصداقة لا يجب ان تتخلي عن اعز اصدقائك مهما حدث.
هز سايروس رأسه بخيبة و هو يفكر جدياً بالبحث عن عمل في احد الحصون او اي منطقة المهم ان تكون بعيدة عن نيكولاي لكن سريعاً ما هز رأسه بقلة حيلة فآيزاكل لن يتركه يغيب عن عينيه و كذلك الوضع بالنسبة لنيكولاي ففي راي ايزاكل فهو سيسبب مصيبة ان ترك بلا مراقبة و لكونه امير فهناك الكثير من الاطراف السياسة التي قد تستغله ... سأل سايروس بتعجب:- لما تحديت ايلير علي ولاية عرش هالين ان كنت ستنسحب حتي قبل بدء المنافسة ...؟! .
اخذ نيكولاي يحك راسه كأنه يبحث عن طريقة يشرح بها الامر ليتنهد و يقول:- لم يكن تحدي بمعني الكلمة بل سمه استعراض.
أمال سايروس راسه بعدم فهم مما جعل نيكولاي يشرح:- حتي نثبت لشعب انه لن تحصل اي خلافات بين حملة دماء ازرال مستقبلاً فقوانيننا تنص علي انه يحق لاين ممن يحمل هذه الدماء تحدي الملك او ولي العهد لأجل اخذ الحكم و من يفوز بالمنافسة سيعترف به من قبل شعب هالين لذلك حسم امرى منذ الان و تنازلت عن ولاية العهد لايلير كي لا اسمح لأي نبلاء او متعصبين بفرصة بث الفتن في المستقبل و تحريض الشعب علي اني يجب ان اكون الملك .
رسم سايروس ابتسامة خفيفة و هو يفكر ان نيكولاي يهتم لابنة عمه و لا يريد منافستها علي العرش:- لم اتوقع ان تكون تهتم بعائلتك لهذه الدرجة و تريد الحفاظ على امن هالين و استقرارها .
رمش نيكولاي بعينيه عداة مرات قبل ان يبدأ بالضحك و يقول بسخرية:- هل تمزح ، انا افكر شعب هالين و امانهم ..! كل ما اريده ان اصير فارساً و سأشارك في الحرب و اصبح بطلاً .
تقوست شفتاه بعبوس و اخذ يلعن حظه الذي ورطه مع هذا الشخص فلطالما امن سايروس ان هناك خطب ما في عقل صديقه الذي يتمني ليل نهار ان تقوم حرب ما فقط لأجل ان يشارك فيها و لحسن الحظ ان هالين مملكة مسالمة و لم تمر باي حروب او مشاكل منذ حرب التوحيد ... و للمرة الأولى ادرك سايروس نعمة تنازل نيكولاي عن العرش و كم كان شاكراً علي ان نيكولاي لم يصبح الملك فالأمر الاول لهذا المجنون لابد ان يكون التخطيط لإقامة حرب مع احدى الممالك او يخطط لاحتلال العالم .
- ما سر دماء ازرال و هل هي مهمة لتلك الدرجة..؟ .
هز نيكولاي كتفيه بلا اكتراث قبل ان يجيب:- ان ازرال هو احد اسلافنا القدماء و يقول البعض انه كان اقوى ساحر في التاريخ و هو من اسس مملكة هالين و قد كان ايضاً اول من يحمل لقب سيد التنانين و قد كان اول من روضها و عائلتي تنحدر من نسله و بطبيعة الحال نحمل دمائه لذلك يمجدنا شعب هالين و يعترفون بعائلتي كملوك.
اختفت ملامح المرح من وجه نيكولاي ليبدا بالهمس بعدت كلمات ليحط ضوء ابيض بيديه و تتحولا بعدها الي مخالب تحيط بها حراش كالتنانين ... فتح سايروس فمه بذهول مما جعل نيكولاي يفسر:- دماء ازرال تجعلنا نختلف عن بقية السحرة و تمنحنا قوة اكبر و ايضا القدرة علي القاء تعويذات لا علاقة لها بالعناصر الاساسية اما السبب الحقيقي الذي جعلني اتنازل عن عرش هالين هو ان نسبة دماء ازرال في جسدي ليست كبيرة .
اكمل نيكولاي بقنوط:- يمكنني ان اتدرب و اصبح اعظم ساحر نار في كامل هالين و مع ذلك لن استطيع تنفيذ تعويذة انتقال او الشفاء او غيرهما كما يقوم بها عمي ان عمي فرانز هو اكثر من يحمل قوة دماء ازرال حالياً .
اكتفى سايروس بالصمت فلم يكن يعرف ما يجب ان يقول ليواسي نيكولاي او ان كان حقاً بحاجة للمواساة فعلاً ... خلال ثواني ارتسمت ابتسامة كبيرة علي وجه نيكولاي:- طموحي اكبر من عرش هالين .
لم يدري سايروس عن اي طموح يتحدث فكل افكار نيكولاي تتوقف عند المشاركة في حرب ما و ان يصبح بطلاً او يموت في احدى المعارك هو يضحى بحياته في سبيل هالين .
***
اروقة القصر الفارغة بدت له موحشة بعد منتصف الليل ، سار سايروس بتململ و هو يتثاءب لقد كان يفكر بقضاء الليلة في المكتبة فبالكاد حصل علي بعض الوقت ليقضيه في المكتبة بعد انتهاء عمله مع نيكولاي لكن ورائه عمل بالغد ايضا و لا يمكنه التنازل علي اخذ قسط من الراحة في سريره المريح.
لافت انتباه انعكاس الضوء القادم من ستائر الشرفة المفتوحة كان يفكر بأغلاق باب الشرفة و العودة الي غرفته لكنه وقف مبهوراً و هو يرها تقف هناك كانت تبدو كالجنيات في قصص الخيال او هذا ما خيله له عقله ، شعرها الفضي عكس ضوء القمر لمعانه الاخاذ ، حبس انفاسه لكي لا يقطع هذا المشهد الساحر ... لحظات وقف شارداً يتطلع اليها قبل ان ينتبه انها التفتت اليه ليقول بسرعة:- اسف لمقاطعة سموك .
منحته ابتسامة ساحرة شتت تماسك عقله المبهور قبل ان تقول:- لما تتعامل معي برسمية على عكس ابي و الاخرين .
أخفض عينيه و احس انه مشتت و تمني ألا تستطيع قراءة ملامحه ، سمع تنهيدة صغيرة منها ، ثم رفع وجهه ليحدق بعينيها الفيروزتين الواسعتين لتتكلم بلطف:- هل تعرف متي رأيتك اول مرة ..؟ .
الصمت الذي حل جعله مرتبك فهو لا يذكر انه التقى بها قبل قدومه للقصر لكن كونها تنتظر جواباً منه جعلته يشك في صحة ذلك ، ارتباكه جعلها تيأس من انتظاره:- لقد كان ذلك في استعراض فيلق الجنود الجدد السنوي لقد رأيتك للمرة الاولى و انت تقاتل احد الوحوش لقد كنت مندهشة من قوتك و اسلوبك في القتال و قد ازدادت دهشتي حين علمت انك بشري و لست ساحر .
زمت شفتيها باستياء قبل ان تكمل:- لقد كنت بين المتفرجين لكنك كنت مشغولاً و لم تنتبه لي حتي ... احيانا اتسأل كيف يمكنك ان تكون اعمى البصر و البصيرة لهذه الدرجة و لا تلاحظ فتاة بجمالي .
حركت يديها في شعرها لتتناثر خيوط الفضة كما يحب أن يصفها لتكمل:- هذه هي المشكلة قلبك مشغول بأمور كثيرة لهذا انت لم تلحظ وجودي لابد ان يكون هذا هو التفسير الوحيد و إلا لن اسامحك.
لم يستطع ان يكبح ضحكته و هو يستمع لتذمرها و استيائها لتشاركه الضحك قائلة بمرح:- هذه هي المرة الاولي التي اراك فيها تضحك بصدق بدلاً من ابتسامة المجاملة التي تضعها على وجهك دائماً.
نسى ارتباكه ليقول:- انا اسف لقد كنت اظن ان لا شيء في حياتي يستحق الابتسام لكن يبدو اني كنت مخطئ.
- جيد اخيراً استطيع ان اقول انك جاهز لتجاوز ماضيك و سأساعدك علي ذلك و الان ما رايك ان نكون اصدقاء فقط حالياً ..؟ .
رفع المعني رأسه ليحدق بها و هي تبتسم بثقة بثت في نفسه الطمأنينة ليقول:- يسعدني ذلك و انا فعلاً اريد تجاوز الماضي ، ان انسي اركيديا و ان اتوقف في التفكير بمن هناك قبل كل قرار اتخذه في حياتي .
رسمت ايلير ابتسامة مشاكسة و هي تقول:- ما رايك بنزهة قصيرة ..؟ .
اتسعت عيناه بذهول:- الان ..؟! .
اطلقت ضحكة قصيرة:- سنتنهزه و نتحدث قليلاً فقط و اعدك ان اساعدك بالتهرب من العمل مع نيكولاي غداً ما رايك..؟.
ابتلع ريقه و هو محرج لتعود و تمد يدها اليه ... تردد قليلاً قبل ان يمسكها و خلال ثواني هبت رياح خفيفة ليرتفع الاثنان و يقفا علي سور الشرف لتلتفت ايلير و تنادي:- كريس .
خلال ثواني خرج دخان اسود من الجدار ليتشكل على هيئة رجل ببشرة شاحبة متشح بالسواد ابتدأ من شعره الي اخمس قدميه الشيء الوحيد الذي محي تلك الظلمة التي هما عيناه الفضيتان الجامدتان لتقوم ايلير بمهمة التعارف بينهما:- هذا كريس ايفانز انه احد لوردات هالين السبعة و هو المسؤول عن حماية القصر و العائلة المالكة و جميع الجنود هنا من قبيلته .
ثم وجهت حديثها الي كريس:- سأخرج مع سايروس قليلاً و لن نتأخر.
رغم ان عينا كريس كانت ترمقهما ببرود إلا انه قال بهدوء:- حسناً ، كما تريدين .
استعملت ايلير سحرها التحريك الهواء حولهما ليطير الاثنان و يرتفعا عن الارض ليمضيا ليلة لا تنسي معاً و في تلك الليلة بدأت صدقتهما التي تحولت إلى حب مع مرور الزمن و يختم بزواجهما و يكونا عائلة سعيدة .
و بعد مدة فاجأت ايلير الجميع بتنحيها عن ولاية عرش هالين و رفضها ان تكون الملكة بعد والدها مما جعل مملكة هالين بدون وريث للعرش بعد تنازل كل ايلير و نيكولاي عن ولاية العهد و ظل الحال هكذا الي ان ولد كل من ميردريك و اليوت .
***
خلال الصمت الذي حل استيقظ إيروس من تخيلاته لتلك القصة التي بدت له كالحكايات الخيالية لينظر الي وجه شقيقه الأكبر الذي اخذ يتأمل القمر مخمنناً ان هناك الكثير من الاحداث التي لن تكفى هذه الليلة لها و ربما ليس من حقه ان يسأله اكثر من ذلك فهو لم يفكر يوماً في شقيقه و لا يجوز ان يدعي انه يهتم لأمره بعد سنوات نسيانه له كأنه لم يوجد .
تردد إيروس قليلاً قبل ان يقترح:- لقد تأخر الوقت و ربما من الافضل ان نعود للقصر الان.
- يمكنك العودة اريد البقاء هنا لوقت اطول بعد .
اراد الاعتراض لكن تعاطف مع شقيقه فهذه هي المرة الأولى التي يزور فيها قبر والدته منذ عشر سنوات و ربما لن يستطيع القدوم مرة اخرى بعد ان ينتهي هذا الاسبوع .
- حسناً ، انتبه لنفسك .
رحل إيروس بينما استلقي سايروس على العشب ليظل يتأمل السماء وحيداً لتتجمد ملامح وجهه و يعود بذاكرته للكثير من الاشياء التي لم يذكرها ... ضيق عينيه و هو يرى انه فعل الصواب ففعلاً انتهت حياته هنا و لا حاجة الي إيروس او غيره لمعرفة ما مر به او تفاصيل حياته .
وصل الي مسامعه صوت همس يشبه فحيح الافعى في اذنه:- حكاية لطيفة ، لقد جعلتها تبدو كقصص الاطفال الخرافية ذات النهايات السعيدة .
زم سايروس شفتيه باستياء قبل ان يقول بجدية:- انا فقط ظننت انه لا داعي لذكر كل شيء.
اكمل بهمس خافت كأنه يخاطب نفسه:- اركيديا ماضي انتهي في حياتي و يجب ان اوجه كل تركيزي الي المستقبل.
- حين تهرب من شيء ما لا تنظر ابداً للخلف .
تجاهل سايروس النصيحة الموجهة اليه ليقول:- علينا بناء علاقات دبلوماسية مع اركيديا في اسرع وقت .
-اذا كانت المعلومات التي لديك صحيحة فلعلينا ألا نضيع الوقت و سابقي في اركيديا بعد ان تغادر انت و ايلير و سأكون ممثل السلام بين المملكتين ... فحين تتعقد الامور في اركيديا مستقبلاً لابد ان نجعل هالين خيارهم الاول لطلب المساعدة .
رمش سايروس بعينيه عدت مرات قبل يطلق ضحكة خافتة كأنه استوعب شيء في تلك اللحظة ليقول:- كنت اتمني ان يأتي آيزاكل او نيكولاي لأجل توثيق العلاقات مع اركيديا لكني تذكرت ان آيزاكل يعاني حساسية من البشر اما نيكولاي فسيستغل الفرصة ليحتل اركيديا فلطالما كان يحلم بأن يشارك في الحرب.
اخرج سايروس تنهيدة عميقه محاولاً ان يقنع نفسه ان ما يجري هو افضل حل فلم يعد يفهم كيف يجب ان يرتب مشاعره المتعلقة بمن حوله ، كل شيء بداخله عبارة عن فوضي لا نهاية لها ، ابتدأ من والده الذي يكرهه و رغم كل الذي فعله به إلا انه لا يستطيع ان يبادله الكراهية ، فكيف يستطيع ان يحقد علي اخر من تبقي له من والديه ..؟! و زوجة ابيه لم تكترث يوماً لوجوده و قد كان يعاملها بالمثل اما إيروس فهو حقاً لا يفهمه ابداً ساعة معه و ساعة لا يدري مع اي طرف هو و رغم ذلك لا يمكنه ان يرى له اي نوايا سيئة و قد أبدا ندماً لما حدث في لقائهما الاول و لم يفعل ذلك إلا لما سمعه عنه من الاخرين فلم يكونا كالأخوين حقاً ، لا الان و لا في صغرهما و ايضاً لا يعلم ان كان والده سيمنع اي تواصل له مع شقيقه بعد انقضاء الاسبوع و لا يعلم ان كان إيروس نفسه يريد ذلك ، ان الوضع مع عائلته هذه بات معقداً رغم انه موقن ان وجوده امر غير مرغوب به ، هل يجب عليه ان ينساهم و ينسي وطنه مجدداً و يعيش حياته كما كان من قبل ، جزء منه يتمني لو لم يحدث كل هذا ، لو لم يأتي شقيقه بحثاً عنه ، لو لم يعد لوطنه لو لم يرى والده لكانت حياته تسير بشكل جيد و لكان الان مع زوجته و ابنه بعيداً عن كل هذا بعد ان دفن ماضيه كأنه لم يوجد ابداً .
***
السلام عليكم
اتمني يكون الفصل عجبكم
و لاتنسوا التصويت ⭐
في امان الله