-اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك
.
-إن الجمال ﻻ يصنع الحب ، بل الحب هو الذي يصنع الجمال !
تولستوي
...
أسندت جسد ذاك الغريب على كتفها ثم أخذته بجانب جذع الشجرة المجاورة ليتكئ عليها بثقله ويستريح قليلا، ورغم أنه ساعدها فهي لم تقلل من حذرها، فلازال شخصا غريبا عنها.
-من تكون؟
كررت سؤالها بتقطيبة لينظر صوبها ويبتسم بجانبية قائلا
-لم تتعرف علي! حسنا سأريك من أنا
بدأ جسده بالتحول لجسد أصغر حتى صار يبدو مراهقا في مثل عمرها، و هنا اتسعت مقلتاها وشهقت غير مستوعبة بينما تتأتئ.
-ن-نواه!
هز رأسه بالموافقة ثم عاد لشكله الأصلي مردفا من بين أنفاسه المضطربة جراء آلمه
-اسمي الحقيقي جاك، جاك استيفان
ازدادت العقدة بين حاجبيها بينما تحلل كلامه سرعان ما هتفت مستوعبة
-استيفان؟ أليس هذا لقب أندرياس أيضا؟
أومأ لها مؤيدا وفسر معتصرا كتفه
-نحن أبناء عم لكن بيننا بعض العداوة لنقل أنها بسببي أنا
لم تعلم بما تجيبه، إذا كان الأمر كذلك فهو أيضا مصاص دماء، لكن ذلك ليس بالشيء الجلي الآن كل ما يشغلها حالته الصحية المزرية، فجسده كله خدوش عميقة، والأشد عمقا هو الجرح على كتفه، وإذا تكلم أكثر سينزف دما أكثر.
مزقت جزءا من قميصها و ضغطت على جرحه بينما توبخه بهدوء
-كف عن الكلام سنتحدث فيما بعد
نفى برأسه وما إن فتح ثغره ليتابع قاطعه صوت صارم من خلفهما
-آيلا!
التفتت بسرعة ما إن علمت من صاحب الصوت من تم هتفت براحة
-أندرياس! هذا أنت
نقل هو نظره لجاك الذي يعتصر كتفه المصاب ثم أعاد ناظريه صوبها متمتما بهدوء مريب
-هنري ينتظرك عند الطريق سيوصلك إلى المنزل أنا لازال لدي ما أقوم به
نظرت هي ناحية جاك بقلق، حسب ما قاله فبينهما عدواة أو شيء كهذا، أي أن بقاءهما بمفردهما قد يسبب كارثة، ورغم ذلك هي انصاعت لمطلبه ونفذته لكنها لم تتجه للطريق بل اختبأت خلف إحدى الأشجار لتعلم ما سيحدث بينهما.
انحنى أندرياس صوبه بملامح غير مقروءة ثم تمتم
-دعني أرى إصابتك
اتسعت مقلتاها بعد سماعها لما قال فهذا آخر ما توقعت، خيالها لم يصور سوى الأشياء الدموية، وذلك راجع لما قرأته عن مصاصي الدماء.
لم تمر ثوان حتى رد جاك عليه بنوع من السخرية
-أنت أفضل ممثل التقيته يا رجل تستحق الأوسكار فعلا، كنت تعلم أني ذاته بن عمك العزيز ولم تظهر ذلك!
دور الآخر عيناه بضجر ولم يجبه بينما تابع جاك
-وأمر فقدانك لذاكرتك أيضا كذبة صح؟ أنت لازلت تذكر بايكسي ولازلت تذكر خيانة هنري لك معها
تكتف أندري بتفاجئ مصطنع و ظل صامتا سامحا له بإتمام كلامه، وحين أيقن جاك أنه لن يحدثه بهذا الموضوع هو غيره إلى آخر بقوله
-اسمعني جيدا لم أنقذ آيلا حبا فيك بل....
تنهد حانقا بينما يتحاشى النظر له ولمعة غريبة في بؤبؤيه ليستوعب أندرياس مقصده، قضم شفته بغيظ وضغط على قبضته ليردف من بين أسنانه
-بل اسمعني أنت، تعاونك مع الروجز وإفسادك لحفل التتويج ومحاولتك تسميمي كلها أشياء لا تهمني، لكن أن تضع أعينك على فتاتي!
أمسك بياقة قميصه و تابع بغضب متأجج وأعين حمراء
-هذا شيء لن أصمت عنه بتاتا، أتفهم؟
ابتسم الآخر بجانبية ساخرا ولم يرد عليه بل اكتفى بدفع يده عن ياقته بخفة مدورا عيناه و استقام متمسكا بكتفه النازف.
زفر الذي خلفه بنفاذ صبر وعلق
-إصابتك؟ ألا تريد علاجها
توقف الآخر و تجاهل سؤاله عن إصابته قائلا بهدوء
-اهتم جيدا بآيلا وإلا سأسلبها منك.
اختفى عن مرمى نظره وما إن كاد يغادر هو أيضا، لمحها تختلس النظر له من خلف الشجيرة و فور أن لاحظها هي توجهت صوبه والتوتر يلفح طلائعها.
كانت تلعب بأناملها وتغير ثقلها من قدم لأخرى محاولة البحث عن ما عليها قوله، وفي النهاية هي غمغمت متلافية النظر له.
-إذا تبين أن من كان المختل الذي لاحقني قبل سنة ونصف خلت وأيضا حارسي الشخصي مصاص دماء ها؟
لم يجبها و اكتفى بعقد يديه لصدره بانزعاج، وأعينه لازالت على اللون الأحمر دلالة على أن غضبه في ذروته الآن، زفرت بعمق ثم أردفت بانهزام مغمضة الأعين
-حسنا أعلم أني أخطأت لكن أنت أيضا فعلت ما كان عليك البقاء صامتا و كل هذا يحدث حولي لقد شعرت أني أغبى مخلوق لكوني لم أدرك بكل هذا و أنا محوره الأساسي!
أفرغت كل ما لديها دفعة واحدة لتتنفس براحة وحدقت له بعدها لترى ردة فعله، فوجدت أن أعينه عادت سوداء وابتسامة جانبية غلفت ثغره.
جذبها نحوه ضاما خصرها ببن قبضتيه ليصرح بلحن هادئ
-للصراحة أكثر ما أغضبني هو ما فعلته بشعرك
رمشت غير مستوعبة لكنه لم يعطها فرصة للحديث بل أغلق ثغرها بقبلة شغوفة، وما إن بادلته تبسم في خضم قبلتهما و دفعها ناحية تلك الشجرة بخفة معمقا القبلة.
وبمسافة ليست ببعيدة يتكئ هنري بكتفه على إحدى الأشجار يرمقهما بضجر، هو كان ينتظرهما بفارغ الصبر وهما يتبادلان القبل هنا، مذهل!
هز رأسه بابتسامة جانبية ثم عاد أدراجه سامحا للعاشقان بإتمام قبلتهما، والتي لولا أن كادت تفقدهما أنفاسهما لما قطعاها.
تمسكت بقميصه بينما تسند رأسها على صدره وتغمض عيناها براحة، لطالما ظنت أنها لن تعيش مغامرة كالدراما التي تشاهدها، ولكن الواقع صدمها بأن تحياها رفقة مصاص دماء، قصة حب من نوع خاص تماما لا نظير لها إلا في الخيال.
نظرت للخلف حتى ترى جثة قاتل والدتها لآخر مرة لكنها لم تلمح له أثر، إذ بها تجفل في وجل وأعينها المتسعة تتربص بالمكان.
لاحظ خوفها المباغت فضمها ناحيته جانبيا وأردف
-ما خطبك؟
نظرت صوبه بأعين قلقة وتمتمت
-جثة ذاك المسخ ليست هنا!
أحس ببعض القلق لاختفاء جثته هو الآخر لكنه لم يظهره لآيلا، بل سحبها بهدوء ثم نطق مطمئنا
-لا تهتم! هيا هنري سيقتلنا إذا تأخرنا أكثر
أمسك يدها وجذبها ليسيرا معا، وقبل أن يغادرا تلك البقعة أحس أندرياس بأعين تتربص بين تلك الشجيرات، أعين دموية ترمقهما بحدة شديدة وغيرة واضحة.
بادله أندرياس النظرات بذات الحدة بينما يهز رأسه بوعيد و حرك شفتاه مهسهسا
-سنلتقي يا موروي!
....
انتهى!