في لحظة ظهر شخص غريب امام عينيه اختطف طفله و اختفى كما لو كان ضبابا
اتسعت مقلتا رافايال و هو متصنم مكانه لم يعد قادرا على الشعور بوجود زين في المكان
زيركو كان اسرع منه عندما استعاد وعيه من الصدمة و صرخ
_" من يكون هذا الشخص ؟ رافايال ... "
عاد للواقع و جال ببصره في المكان كالمجنون
_" زين ... زين ... اين انت ؟"
في لمح البصر قفز من مكانه و اختفى كذلك ليتقفى اثره ... اخذ يركض بجنون هنا و هناك يحاول التقاط و لو قدر قليل من طاقة ذلك الشخص الذي اختطف طفله
انقبض قلبه في صدره من الخوف عندما لم يجد له اثر و صرخ بكل قوته
_" زيييين "
......
في تلك الأثناء خارج اسوار المدينة العالية ، في عمق الغابة و بين الاشجار الكثيفة ، ظهرت صورة ظلية لشخص ما
قفز بخفة على الأرض عندما شعر انه ابتعد بالقدر الكافي ، و من اسفل رداءه اخرج زين ليقف قبالته مباشرة و بسرعة قبل أن ينفعل الطفل تحدث
_" يجب أن تعلم أن حالة الأمير ليست على ما يرام ، و هو يتمنى رؤيتك ، ما انا سوى رسول يرغب في تحقيق امنيته ارجوك فلتعذرني لاخذك بهذا الشكل المفاجئ ... لا يجب أن يعلم احد حول حالته الجسدية ، ارجوك تقبل الامر "
فكر زين بعض الوقت ثم قال
_" حسنا خذني لأبي "
فابتسم لوي ثم احتضنه بين يديه مجددا و اختفى من مكانه
لم يحتج كثيرا من الوقت في رحلته بسبب سرعته الخارقة ، ليجد نفسه اخيرا امام بوابة قلعته و هناك واصل طريقه سيرا على الاقدام و زين يسير معه بينما يتأمل كل شيء من حوله بعينين فضوليتين ففي النهاية هو لا يزال طفلا صغيرا
فتح الباب ليلتفت مباشرة نحوه بعينين متأهبتين ، ليرى رجلا بشعر ابيض لامع يرحب بهما و على وجهه ابتسامة لطيفة ، جعلته يبدو ودودا للغاية في نظر زين
و من يراه لن يصدق مطلقا أن هذا الرجل هو زليان صاحب النظرات الحادة و التي تخيف اعداءه
_" مرحبا بك في قصر عائلة بانيتي ايها الوريث "
ثم وضع يدا على صدره و قدم تحية عميقة لزين مما جعله يتفاجئ للغاية
وريث ؟
هو لم يفهم للآن ما عناه و لكنه فقط فكر بقلق و اراد فقط رؤية والده ليقول
_" اين ابي ؟"
_" انه ينتظرك في الأعلى "
فقاده الى داخل القصر و قد بدى فخما و فاخرا للغاية ، كان ذا طابع كلاسيكي و كأن الأسرة التي تقطن هنا من عصور قديمة للغاية
صعدوا السلالم المؤدية للطابق الاول ثم ساروا في ممر طويل و فارغ الا من بعض التحف و اللوحات المعلقة على الجدران ، كانت نبضات قلبه الصغير تنبض بشدة بينما يرى ذلك الممر يقود في النهاية الى باب مميز ، شعر و كأن الشخص الذي يبحث عنه سيكون خلف ذلك الباب لهذا لم يستطع السيطرة على النبضات المجنونة في صدره
و اخيرا خطواتهم توقفت امام الباب ، نظر زليان نحو زين بعينين عميقتين و هتف بصوت لين
_" انه يحتاج اليك "
لم يترك له الوقت ليفهم ما قاله ، فقد دفع الباب و قال
_" تفضل"
تحركت قدماه الصغيرتان لاشعوريا و دخلت الى تلك الغرفة ليغلق الباب خلفه
لم يعره اي اهتمام و نظر فقط في تلك الغرفة الفخمة ، كانت كبيرة للغاية و جميلة ، تابع التجوال بنظره فيها الى ان رآى اخيرا احدهم يجلس على كرسي مقابل الشرفة المفتوحة و التي تسمح بمرور نسمات تلك الليلة الهادئة
كان الصمت الحلو يغلف الاجواء ، مع نور القمر الذي تسلل بحياء على وجه ذلك الشخص تعرف عليه زين تماما ، كان هو الشخص الذي بحث عنه و اراد لقاءه ، لقد كان هو
تقدم منه بخطوات بطيئه سرعان ما تحولت الى سريعة و وقف قبالته و لكن بدل وجه شخص نشط قوي كالذي تعود رؤيته ، رآى وجها شاحبا باهتا و شفتين سوداوين كالهالة الغامقة التي تحيط عينيه ، بدت جثة هامدة جالسة على الكرسي و لو انه لم يرى صدره يعلو و يهبط برتابة لصدق انها مجرد جثة
لمجرد رؤيته على تلك الحال ، و دون وعي سقطت قطرات مياه دافئا على طول خديه ، اخبره لوي انه كان مريضا و لكنه لم يتوقع مطلقا أن يكون مريضا لهذا الحد ، لم يستطع منع نفسه من رمي جسده الصغير في احضان الآخر و يناديه
_" أبي ... "
تحركت جفون الآخر ببطء شديد كأنه لم يشعر بوجوده الا عندما صار في أحضانه ، فتح عينيه ذات اللون الباهت و همس
_" زين "
رفع الصغير رأسه و بوجه مليء بالدموع نظر إلى وجه والده ثم عاد يحتظنه مجددا
_" أنا هنا "
لم يستطع منع نفسه من البكاء و تمسك بقوة في ثياب زينون ، الذي جاهد و كافح حتى يستطيع رفع يديه و يضعها على رأس صغيره
......
بينما في تلك الأثناء ، بينما كان زليان و لوي يغادران ذلك الممر الذي يؤدي لجناح زينون تقدم كبير الخدم ، انحنى باحترام للاثنين ثم قال
_" يقول الخدم أن هنالك شخصا ما امام بوابة القصر "
تغيرت تعابير الاثنين ليسأل لوي
_" من يكون ؟ هل هو من رجال سوارين ؟"
فأجابه الخادم
_" انه رافايال سيدي "
علت الصدمة ملامحهما للحظة قبل أن ينظر لوي لزليان الذي غرق في التفكير
_" كيف علم بالمكان ؟ هل يمتلك قدرة تقفي الاثر ؟ و لكنني اخفيتها بشكل مثالي "
فكر زليان بعض الوقت ثم قال
_" هو ايضا يمتلك قوة مقترضة من زينون ، لن استغرب مطلقا أن يكون قد تقفى اثرك الى هنا "
سرعان ما عادت ملامحه الى الهدوء ثم وجه امره للخادم
_" اسمحوا له بالدخول "
فنزل السلالم و معه لوي الذي لم يتعب نفسه في الاختباء .
و امام باب القصر كان رافايال يقف يحدق فيهما بعينين حادتين قويتين .
سرعان ما قال زليان محافظا على ملامح الهدوء
_" لقد سمعت الكثير عنك و لكنك تخطيت توقعاتي ايها الشاب انا معجب بارادتك "
_" لما اخذتم زين بهذا الشكل ؟"
سأله رافايال دون أن يعطي اي بال لما قاله زليان
فرد زليان
_" لقد اراد والده رؤيته و لم تكن هنالك اي طريقة غير هذه ، ارجو أن لا نكون قد افزعناك "
_" أن كان زينون يرغب في رؤيته فليأتي و يطلبه بنفسه لما يرسل شخصا غريبا ليقتحم البيت و يأخذ الطفل ب .... "
كان يتحدث و ملامحه تصير حادة اكثر فاكثر
ليقاطعه زليان فجأة
_" زينون يحتضر "
توقفت الكلمات عن الخروج من بين شفتيه و اختفى صوته تماما
لم يهتم زليان برد فعله و تابع
_" لقد تمنى رؤية زين و لم نجد طريقة لاحضاره سرا الى هنا الا بهذه الطريقة ... انهما في الأعلى ، متأكد من انك ايضا ترغب في رؤيته "
و ابتعد فجأة عن الطريق و كذلك فعل لوي ليتركو له المجال لصعود السلالم
_" انها آخر غرفة في الممر الأيمن "
حدد زليان اكثر
فتقدم رافايال بخطوات حذرة ، و تخطاهما نحو الممر ، صحيح انه لا يستطيع الشعور بزين عندما يختبأ و لكن قلبه ينبض بقوة و يخبره أن زين في ذلك الاتجاه ، و اما زينون فان الوجود في حد ذاته منعدم
وقف امام باب الغرفة و رفع يده بكثير من التردد و لم يستطع الا أن يدفعه و يدخل...
يتبع
ارجو أن الفصل قد نال اعجابكم
لا تحرموني من تعليقاتكم الحلوة و آرائكم عنه و لا تنسو الفوت بعد الانتهاء و شكرا ❤️❤️❤️