طريق الانتقام ( الجزء الأول )

By MiriamLovy

126K 4.1K 2.1K

] ملاحظة : السرد قديم يحتاج تعديلا [ وسيم، غني، غامض و فوق كل هذا. بارد. بارد لدرجة تجعله يجمد قلب اي كائن... More

تقديم
إهداء.
1_اعلان الرحلة.
2_ أين أنت يا سندريلا ؟
3_ اقلاع العودة.
4_ لن أنسى.
5_اللقاء.
6_ لازلت احبك.
7_هاته شروطي.
9_ الموناليزا !
10_ أنا محاميها.
11_ اتصلت بك.
12_كل همه.
13_بداية اضطرابات الرحلة.
14_ أسميتك المتعجرف
15_لا تلمسها.
16_ عمري خريف.
17_ إلى أين؟
18_حياة المرأة موت
19_ عطرك سوسنة.
20_كلمات متقاطعة.
21_أنت حرة.
22_ لغة العيون.
23_ اسمها هبة.
24_مبروك.
الرباط
25_مكان سري
26_أخبرك سري.
27_لكل امراة قفطانها
28_ عشق سري
29_ أنا حامل.
30_ الهبوط
31_ أحتاج وقتا.
32_ اصطدام الوصول
33_أين هي؟
34_ إياك أن تنسى
_35_ ألم من الماضي.
الفصل الأخير
. إهداء النهاية.
الجزء الثاني

8_لا أثق بك.

2.5K 127 80
By MiriamLovy

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ على نَبِيِّنَا مُحمَّد صلى الله عليه و سلم.
______________________________


- من الآن فصاعدا ستتم مرافقتكم أينما ذهبتم. رمى السيد غالي فجأة بالجانب الآخر لطاولة الفطور.

مقاطعا بذلك الصمت الثقيل المخيم بالمكان.

- كيف هذا ؟ كانت هبة أول من فتح ابواب السؤال.

- لا يمكنني المخاطرة بكِ بعد الذي حصل ذلك اليوم. يستطيع ذلك الرجل الخروج أمامك بأي لحظة وإيذاءك. أجابها عمها الغالي كما لو ان الأمر كان بديهيا ولا يحتاج تفسيرا حتى.

- عمي أنا...

- حين عدتِ. قاطعها عمها بقسوة وهو يقلص عينيه اتجاهها. "كنتِ تدرين أن عودتك لن تكون بشروطك أنت."

ذبلت عبارة هبة وانزلقت كلماتها الواحدة تلو الأخرى بحلقها قبل ان تختفي.

نعم كانت تعلم...

ولهذا بالضبط لا تستطيع أن تعطي رأيها بأي شيئ حقا...

حتى حين يتعلق الامر بحياتها الشخصية.

- حسنا... وما دخلي أنا بكل هذا يا أبي؟ انفعلت أمل جوارها "إن كان زوجها يلاحقها ما دخلي أنا بذلك ؟! "

- دخلك أنك أختها.

- ثم ماذا؟ أسيقوم ذلك المريض بخطفني؟ هو يريدها هي ! وأنا لن...

- انتهى الموضوع ! رمى السيد غالي بقوة وهو ينهض من الطاولة منهيا كل نقاش قبل أن يدير ظهره لهم ويذهب في خطوات سريعة غاضبة.

لم يكن السيد الغالي يحب أن تتم معارضة قراراته، لم يكن يحب أن تتم مناقشتها حتى... وأمل كانت الخبيرة بذلك والآن انضمت هبة...

حبا بالله لم أصبح كل شيئ يخرج عن السيطرة بهذا المنزل !؟

تنهد أمين بثقل وهو يضع فنجان قهوته الفارغ على الطاولة ثم ينهض بدوره من دون ان يقول أي شيئ لأي أحد... لم يبدو عليه الاهتمام بهذا الموضوع... لا... طبعا لا ! هم أمين كان شيئا آخر مختلفا كليا عن كل ما يناقشونه حول تلك الطاولة.

وقد اوضحه لهبة بتلك الليلة.

ما همه حقا ان تكون حياة هبة بخطر؟ ان يكون زوجها المجنون والنرجسي يلاحقها؟

لا يهمه...

لانها إن اختفت تعود حياته لسابق عهدها، ولا يعود هناك من سيشاركه بأي اسهم أو ثروة !

- لم يمر سوى أسبوعين ونصف على عودتك. فإذا بك تغيرين كل شيء مجددا ! أنت تخربين نظامي يا هبة ! انفعلت امل بوجهها.

ازاحت هبة عينيها من المكان الذي قد خرج من أمين توا لتوقعها على ابنة عمها. كانت تبدو غاضبة ومستاءة منها...

سيتم تقسيد حريتها أكثر مما هي مقيدة.

وهذا الامر طبعا لم يكن بمريح لأحد وخاصة لأمل التي لم تطلب شيئا من كل هذا.

- الأمر لن يطول، أعدك أنني سأ...

- أنت ستجعلين رفقائي يسخرون مني ! قاطعتها أمل وهي تضرب بكفها الطاولة "افعلي كل ما يجب فعله ليغير والدي رأيه يا هبة، أنا لا أريد من أي أحد أن يراقبني ! اتفهمين ؟! لا أريد !"

تعثرت هبة بإجاباتها وهي تنظر الى إبنة عمها وهي تخرج من الصالة بخطى مسرعة يصدر عنها صوت كعب عال صاخب وساخط.

- سيدة زينب ! السيدة فوزية تتصل بك. قالت فاطمة وهي تدخل للصالون مرافقة بالهاتف لتمده لزوجة عمها. اومأت السيدة زينب برأسها فقط قبل أن تنهض بدورها في صمت ومن دون أن ترمي أي نظرة نحو هبة...

من دون أن تعلق أيضا.

- مرحبا فوزية! كيف حالك؟

لم يعد هناك غير هبة بتلك القاعة الآن.

انصرفوا جميعا لمشاغلهم تاركين إياها خلفهم محملة بكل أصابع الإتهام، يريدون حلولا لكل شيئ، ويظنون حلولهم مع هبة ! لو أن هبة تمتلك بجعبتها مفاتيح الحلول جمعاء، أما كانت وجدت حلا لمشكلتها أولا !؟

- أأفرغ لك كأس شاي آخر يا ابنتي؟ سمعت هبة فاطمة تسألها بلطف.

- لا، شكرا. لقد انتهيت.

- لكنك لم تأكلي شيئا. لا يزال صحنك مملوءا.

- لست جائعة. قالت فقط قبل أن تنهض من مكانها وتخرج من هناك بخطوات مترددة، تسلك الممرات الطويلة وتنزل الدرج قبل ان تقترب من سيارتها...

عقدت حاجبيها.

كان هناك رجل طويل جوار بوابة السائق، أسمر ذو عينين سوداوين وشعر أسود مجعد ونظرة حادة جدية...

تخاف هبة من أن ينفجر طقمه الأسود تحت عضلاته الضخمة البارزة والمبالغ فيها، لم كل هاته العضلات وهل يفني الرجل وقته بالقاعات الرياضية أم ماذا؟

كان وجهه الدائري خاليا من كل لحية وجبهته معقودة في جدية وعبوس..

رائع ! شخص آخر عابس...

يبدو ان الأشخاص المبتسمين في انقراض ملحوظ...

- لابد... ابتدأت هبة سؤالها، وسرعان ما قاطعها الرجل بفتحه باب السيارة لها، لكن ليس مكان السائق بل الراكب خلفه.

- أجل إنه أنا. اعلن فقط وهو يدعوها لان تصعد السيارة وألا تطيل البقاء خارجا...

كان الرجل يبدو مستعجلا بتصرفاته كما لو ان هبة كانت رئيسة احدى البلدان المعروفة بتوترها السياسي ويخاف عليها من أن يتم اغتيالها.

تنهدت بثقل...

يبدو أن يومها سيكون طويلا...

- عميلي مستعد لتقديم 150 مليون دولار. أعلن هارون وهو يمرر الوثيقة للرجل الجالس بالجانب الآخر من المكتب.

- بخيل أم يائس يا سيد أعمار؟ سأله محامي الخصم وهو يرفع الوثيقة بوجهه وابتسامة جانبية متكبرة ترتسم على شفتيه.

ابتسامة سيمحيها هارون بعد قليل.

فقط انتظر قليلا...

- لسوء حظك أنا لا أنتمي لأي منهما.

- لقد تضاءلت حصة عميلك في السوق خلال الربعين الماضيين. هو بحاجة إلى هذا الاندماج أكثر منا.

اومأ هارون برأسه وهو يلعب بقلمه الازرق بهدوء.

- صحيح أن حصة عملائنا في السوق قد شهدت أيامًا أفضل... لكن أليس هذا بالضبط هو ما يجعل الاندماج منطقيًا؟ سيحصل عميلك على إمكانية الوصول إلى التكنولوجيا المبتكرة لعملائنا، وسيمكنهم هذا من السيطرة معا على السوق. هو فوز مربح للجانبين يا سيد أستير.

- أقدر هذا التفاؤل. عدل الرجل نظاراته بشيئ من التفكير. "ولكن من حيث أقف... 150 مليون دولار تقلل من قيمة براءات الإختراع المملوكة لعملائنا."

- لا اظن ذلك. أعلن هارون بابتسامة جانبية خفيفة.

- براءات الاختراع وحدها تساوي أكثر من نصف عرضك ! انفعل الرجل بالجانب الآخر وهو يضع الوثيقة على الطاولة ليستدير نحو هارون بكلية.

- لا تكون براءات الاختراع ذات قيمة إلا إذا كان بإمكانك تحقيق الدخل منها. أخرج هارون وثيقة ثانية قبل أن يدفعها نحو الرجل الجالس بالجانب الآخر. "وفي الوقت الحالي، البنية التحتية لعميلك ليست مجهزة للقيام بذلك بفعالية. لا يشمل عرضنا الأموال النقدية وحسب، بل يشمل أيضًا قدرات التكامل واختراق السوق التي ستجعل براءات الاختراع هذه مربحة."

ضغط الرجل على فكيه وهو يقلص عينيه تجاه هارون بشيئ من الانزعاج والغيظ.

- فلنكف عن هذا الهراء لثانية... أعلن الرجل وهو يضع لكمته المغلقة على مكتب هارون. "من يتفاوض معك يخرج دائما خاسرا من المعادلة. وأنا أرفض ان أخسر أمامك."

- بعض الخسارات ترفع من قيمة أصحابها يا سيد استير...

والخسارة امام هارون اعمار واحدة منها...

هو لن يكون اول من يحني رقبته أمام هارون لكنه وبكل تأكيد سيكون واحدا ممن نالوا شرف مجابهته والوقوف أمامه، وهذا بحد ذاته مدعاة للتفاخر.

لأن قليلا للغاية من استطاعوا مجابهة هارون وجها لوجه.

- تستطيع وضع خسارتك أمامي على سيرتك الذاتية وتسطر تحتها سطرين.

- لن أضعها لأنني سأكون أول من سيفوز عليك.

- حقا؟ رفع هارون حاجبه بضجر نحوه. "اعطني ما لديك اذا."

- 330 مليون دولار. ولن أرضى بأقل لأن هذا الرقم هو ما يعكس القيمة الحقيقية لما نضعه على الطاولة.

- حسنا. دعني أكون سخيا معك. وأنا لست سخيا بالعادة يا سيد أستير. 175 مليون دولار، مع بند يتعلق بالأرباح على أساس الأداء. إذا حققت التكنولوجيا الخاصة بعميلك إنجازات معينة، فستحصل على 25 مليون دولار إضافية على مدار العامين المقبلين.

- أأنت تمزح ؟! نهض الرجل من مكانه بغضب وهو يرمق هارون بنظرة قاتلة. "أنت تريد من عميلنا أن يُبتلع بالكامل ويفقد هويته ! "

- لم أرد أن أقوم بهذا... لكنك يا سيد استير رجل عنيد. أخبره هارون في تنهد وهو يفتح الملف من جديد ليخرج ورقة أخيرة ويمدها له.

- ما هذا؟

- أتظن حقا ان عميلك وشركاته والتكنولوجيا الخاصته ستظل كما هي إن عرف الجميع أن المنتوج الرئيسي قد تم استيحاءه من منتوج صيني صنعته شركة مبتدئة؟ شحب وجه السيد استير بعدة درجات وهو يقرأ ما على الوثيقة من أدلة. "السرقة ليست بشيئ جيد يا سيد أستير. "

استقام الرجل الجالس أمامه بطريقة دفاعية قبل أن يضع الورقة على سطح المكتب من جديد.

- أنت مخطئ. سرعة انكاره لم تكن تساعد قضيته حقا. لا يزال أمامه الكثير ليسيطر على انفعالاته ومشاعره، ليكون محترفا ومخضرما... ليكون مهددا. "التكنولوجيا التي يستخدمها عميلنا أصلية ومبتكرة. ولا صحة لادعاءاتك بشأن السرقة."

أومأ هارون برأسه بشيئ من الضجر وهو يرمق الرجل الأربعيني الجالس أمامه بثقة.

- لقد رأيت الدليل يا سيد أستير. أشار هارون للورقة بقلمه الأزرق. "أوجه التشابه ملفتة للنظر بطريقة لا يمكن تجاهلها."

- هي مصادفة لا أكثر. أعلن الرجل بنبرة متقطعة، يدري السيد استير أن واجهته قد رابت بالفعل أمام هارون وبأنه الآن يحاول الاختباء حول بقايا الخراب وحسب لينقذ نفسه.

- طبعا. أعلن هارون بهدوء. "لابد وأن الأمر صدفة... " استمر بنبرة تمزج سخرية وشبه تعاطف. "ان فكرنا بالأمر، فإن بعض التيكنولوجيا تتشابه بالفعل... ولهذا كنت سخيا معك سيد أستير." أعاده هارون لموضوعمها الأساسي. "175 مليون دولار، وسأضيف... هيكلة عملية الدمج لضمان احتفاظ عميلك بعلامته التجارية واستقلاليته التشغيلية لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات." كتب هارون على ورقة قبل أن يمررها للرجل الجالس بالجانب الآخر. "أيضا... إن اردت رأيي." وكلاهما يدري أن رأي هارون لم يكن بمجرد رأي "تواصل مع تلك الشركة المبتدئة لتحل أي نزاعات مستقبلية قد تخلقها لكم بسبب تلك التشابهات."

- أنت تعقد هنا صفقة صعبة للغاية يا سيد اعمار. اعلن الرجل وهو يخفف من ربطة عنقه ويقرأ ما كتبه هارون على الورقة بوجه محمر ومتشنج.

- لو لم تكن كذلك، لما حظيت بشرف الجلوس على ذلك الكرسي، يا سيد أستير.

تغير هذا المكان كثيرا منذ آخر مرة أتت فيها هبة إليه، تمت توسعته، اضافة طابق ثان له و تغيير هندسته الداخلية كليا...

مسحوا هويته التقليدية القديمة.

بمفهوم آخر...

لقد قاموا بعصرنته، مضيفين عازف بيانو كلاسيكي و طاولات زجاجية بدل الخشبية التي تواجدت هنا قبلا، تغيرت ألوانه كما تغيرت التواريخ و الأوجه لكن شيئا واحدا هنا لم يتغير...

المنظر الذي تطل عليه تلك الشرفة الكبيرة وسر مجيئ هبة إلى هناك.

واحدة من أجمل اللوحات الطبيعية التي يهديها الخالق سبحانه و تعالى لنا عند نهاية كل يوم، غروب شمس حزين يختفي خلف بحر أثقله البشر بأسرارهم و قواريهم الملئى برسالات يعرفون أنها لن تحط يوما بأي مكان...

تنهدت بثقل قبل أن ترفع رأسها للسماء و تغمض عينيها في تعب... تترك اشعة الشمس تقع على بشرتها و تداعبها في دفئ مطمئن...

ثم تعيد فتحها بشيئ من الإنزعاج...

لتوقعهما على الرجل الجالس بالطاولة المقابلة لها و الذي كان يراقبها بجدية مثيرة للشبهات ! يخلق بجسده الضخم ذاك جدارا يعكر عليها صفو هاته اللحظة. قليل الكلام هو لدرجة أن هبة لم تسمع منه هذا اليوم سوى ثلاث كلمات متكررة:

بعد جملته المريبة "إنه أنا"

"لا" و "نعم" و "حسنا".

مستقيم بجلوسه كعمود كهربائي حديدي على وشك أن يكهرب المقهى بكل رواده ! لا يشرب شيئا و لا يتناول شيئا !

يراقبها فقط !

حتى بعد انفصالهما استطاع آدم ان يجعل حياتها صعبة العيش ! ملأ الرجل لياليها بكوابيسه، أيامها بالخوف منه و لحظاتها الهادئة النادرة... بالمراقبة الثقيلة على القلب !

حقا...

ألم يتعلم مراقبة زبنائه بطريقة أقل... ريبة ؟

أخذت الجريدة الموضوعة فوق الطاولة قبل أن تفتحها و تبحث عن الصفحة التي تبتغيها بتركيز ينسيها كل ما يوجد حولها، تشرد فيها لعدة ثوان قبل ان تمسكها بقلمها الأسود مستعدة لتدشينها.

- يا لها من مفاجئة. سمعت صوتا رجاليا عميقا يقول لها من فوقها.

رفعت هبة رأسها نحو الغريب بسرعة لتجده ينظر اليها بحدة وغموض أربكاها.

كان بالثلاثينات...

ببداياتها حتى تكون أكثر تحديدا، ذو بشرة عسلية و ملامح عربية حادة، بكتفين عريضين يدلان على بنية جسمانية رياضية و بطول فارع مؤلم للرقبة، شعره الحريري بني اللون مصفف بعناية على الجانب و فكه الحاد مغطى بلحية قصيرة مهذبة.

يرتدي بدلة رسمية ذات لون أزرق غامق يتناسب مع ربطة عنقه وينعكس بفخامة على قميصه الأبيض الناصع.

كان أنيقا وحسن المظهر، متعاليا بوقفته هذا لا شك فيه أيضا ! يقف على رأسها بعبارة باردة لم يسبق لهبة أن صادفتها عند أي أحد ! ينبعث منه الخطر بوضوح في دعوة لعدم العبث معه.

لم تجبه.

أشاحت بنظرها نحو سائقها الحارس لتتفقده، إلا أن المفاجأة الحقيقية كانت عدم ايجاده.

اين اختفى ؟!

- سيعود بعد قليل. أعلن الغريب بنبرة هادئة مريبة.

- ما الذي قلته له ؟!

هي من لم تستطع جعله يفارقها ولو لثانية واحدة طيلة اليوم ! كيف استطاع هذا الرجل جعله يبتعد عنها لأمتار في ثوان؟

فتح الرجل زر سترته قبل أن يجلس على الكرسي المقابل لها من دون أي استئذان وكأنه يمتلك المكان بكل من فيه.

- سرا.

- أأسرارك تجعل سامعيها يختفون؟

- أغلبهم.

الهي هذا ما كان ينقصها ! ان يتسلط عليها هذا الرجل من العدم بعد كل الذي عاشته اليوم !

اشاحت بوجهها نحو جريدتها في تنهد خافت، تاركة له حرية التدقيق في تفاصيلها.

كانت ترتدي طقما أسودا ذو تصميم مغربي عصري يزيد بشرتها الناعمة بياضا، لعينيها الكبيرتين سحر لا يشترك به أحد معها، شعرها الفحمي الطويل منسدل بكثافة على ظهرها كثوب من الليل، عنقها رفيع و طويل في حين ان رموشها ملتوية تلامس جفونها عند كل رمشة في تحية راقصة خالدة... لم تكن المجوهرات التي تزين جسدها بالصارخة و لا بالكثيرة، بضع أشياء بسيطة يكاد المرء أن لا يلاحظها.

يدقق بتفاصيلها...

و مهما دقق لا يجد سبيلا لفك الحبكة التي تدور حولها لوحتها، لا يجد تفسيرا مقنعا للسبب الذي يجعلها تبدو مختلفة، بها شي لا يستطيع هارون أن يتجاهله، شيء لا يستطيع أن يفكه و لا حتى أن يمنع نفسه من الخوض فيه.

- من النادر رؤية امرأة تقرأ الجريدة.

- من النادر أن أتحدث مع شركاء عمي خارج الشركة. اردفت ببرود قبل أن تطوي الجريدة و تضعها هي و القلم الذي كانت تحمله على الطاولة "مالذي تريده مني يا سيد... "

لحظة ما كان اسمه مجددا؟

- لا تتذكرين اسمي. رمى من بين أسنانه بما بدا لهبة الغيظ.

حسنا...

هي ذلك اليوم لم تكن حقا مركزة بأي شيئ وهو حين قدم لها نفسه، قدمها كما لو أنه سيفصل رأسها عن جسدها...

تتذكر هبة طريقة تقديمه لنفسه أكثر من أي شيئ حدث ذلك اليوم.

- هارون أعمار. كرر بنبرة شبه ظلامة وهو يرمقها جانبيا بنظرة قاتلة "تذكريه"

اللعنة ! هذا اقل ما تستطيع ان تفعله له... ان تتذكر اسمه اللعين بعد كل ما جعلته يمر به.

- حسنا يا سيد أعمار... أخبرني أي ريح غريبة حطت بك بجانبي؟

- الفضول.

- الفضول صفة سيئة.

- وهو أقل صفاتي سوءا إن أردت معرفة كل شيء.

رفعت حاجبها في شبه اهتمام...

نعم شبه اهتمام !

لأنه لا اسمه، لا حياته ولا صفاته كانت تهمها بشيئ.

إن كانت هبة هنا فلأنها ارادت ان تخط بدايتها الجديدة على انفراد و بعيدا عن كل شيئ، لأنها ودت أن تستعيد شيئا من عاداتها القديمة التي أجبرت على ان تتخلى عنها حين تزوجت آدم، أن تتواصل مع ذاتها الأصلية المدفونة تحت ركام تلك العلاقة السامة...

أن تتذكرها.

ان تتذكر كيف كانت هبة قبل كل هاته الفوضى.

لكن لا... لديها زوج مهووس يلاحقها، حارس شخصي ملتصق بها وشريك عم فضولي نحوها.

- و ما هي صفاتك السيئة الأخرى يا سيد أعمار؟ اقتحام خصوصيات النساء بالمقاهي ؟

- لأكون صادقا معك، أنت أولى تجاربي بالمجال.

- يا لي من محظوظة إذا !

- لا أدري إن كنا نستطيع أن نسميه حظا.

لربما لعنة كان أنسب لوضعها.

- أما عن جواب سؤالك... فدعيني أقول العناد والنجاح بكل شيئ.

- أجوبتك يا سيد أعمار ترسم خط الرحلة تلقائيا، فأجدني فجأة بمحطة الغرور. سخرت بنبرة لم تتعب نفسها اخفاءها.

- سعيد أنك تستمتعين برحلتك الاستكشافية. نصيحة... لا تنزلي من القطار تلك المحطة لا تستقبل المسافرين.

سعيد !

اية سعادة هي تلك التي يظهرها على ملامحه الجليدية؟ لا يظهر الرجل شيئا أبدا ! تنبعث منه هالة ثقيلة تضغط على صدر هبة وتوترها غصبا عنها.

- أأعود ادراجي لسابقتها أم أستمر بالتقدم ؟

- عودي لسابقتها تكونين أأمن.

- للنجاح و العناد اذا... بالمناسبة... لم أكن أعرف أن النجاح صفة سيئة.

- هو كذلك حين نتعود عليه ولا نقبل غيره.

- لكل شيئ أول مرة وأظن مرتك الأولى بالفشل لم تحل بعد فقط.

ابتسم... شبه ابتسامة، شيئا أشبه بسخرية صامتة من عدم معرفتها به.

- أنا رجل لا يخسر. آخذ ما أريده عندما أريده دائما وهذا شيئ لن يتغير.

علقت هبة بكلماته لثوان طوال... متعثرة باجابتها... و هل هناك اجابة مناسبة لقول كقوله ؟ لا يوجد و لهذا استسلمت... استنشقت الهواء على دفعات وهي تعيد خصلاتها إلى الوراء قبل أن تتوقف فجأة حين شمت عطره... بعطره شيء مألوف لا تعرف هبة ما هو... تفكر، تفكر ولا تجده.

تعرفه...

يبدو الأمر لها كما لو أنها تعرفه...

- أسبق أن التقينا من قبل ؟

- بقاعة الإجتماعات قبل أربعة أيام.

من يظنها ؟ غبية أم مصابة بمرض فقدان الذاكرة ؟

- قبل هذا. أسبق لنا أن التقينا قبل هذا ؟

اسقط نظرته الخضراء على أساورها في غموض قبل أن يشيح بنظره للبحر بشيئ من اللامبالاة. أم تراه كان ينظر إلى ذراعها؟ لم سينظر إلى ذراعها؟

- يتحدثون عني بالمجلات الاقتصادية كثيرا بالآونة الاخيرة.

أيعقل غرور كهذا ؟! أيظن الجميع مهتمون بالشخصيات الاقتصادية؟ أن هبة تمتلك وقتا لقراءة مجلات تتحدث عنه؟ بالكاد تجد المرأة وقتا وخاطرا لفتح جريدة... فما باله بقراءتها !

- لابد وأنه وهم الديجا فو.

في ظروف أخرى... كان هارون سيجد عدم تذكره أمرا جارحا لكبريائه و غير مقبول بتاتا، لكنه اليوم يجده في صالحه و مناسبا تماما له، لتتعب نفسها بايجاد التفسير الملائم لظنونها و للوضع. لم يكن هارون ليعارضه أو يعلق عليه.

من حسن حظها انها لا تتذكره ! من سوء حظها ان القدر قد وضعها بطريقه مجددا !

- ما سبب مجيئك إلى هنا ؟

شردت للحظات طوال بغروب الشمس قبل أن تجيبه.

- لأزرع بقلبي أملا، لكنني أخاف أن تقتله إن أنت بقيت هنا.

ضحك بخفة.

ضحكة جعلت أكثر من إمرأة تتنهد اعجابا حولهما، لم يكن رجلا يمر من دون أن تتم ملاحظته، كان هذا واضحا ! و معرفتها بهذا كان يزيد من نفور هبة و غضبها نحوه.

- لقبت بالعديد من الألقاب، لكن هاته أول مرة ألقب فيها بقاتل آمال.

رفعت كتفيها.

- هذا لأن لا أحد يلقب بقاتل آمال علنا.

- لكنك تفعلين.

نعم تفعل...

لأنها افنت عمرها بغرس بذر الآمال بأعماق الإنتظار، بالاعتناء بها قبل أن تستقبل براعمها وتراها تتفتح امامها، واعية بأن إزهارها لم يكن في الحقيقة سوى العد العكسي لموتها.

والآمال كلأزهار...

تموت وهي بقمة جمالها وحياتها، تاركة خلفها ظلالا من الحسرة فوق رؤوسنا واحمالا ثقيلة على قلوبنا مهمن كان قاتلها...

- يقول المثل الماوري أدر وجهك للشمس تجد ظلك خلف ظهرك. كان عليهم أن يركزوا على الغروب، فنحن حين ندير وجوهنا للغروب نترك أكثر من ظلنا خلفنا...

نترك هزائمنا.

خيباتنا.

- غروبها لحظة خلدها السابقون و سيتحدث عنها اللاحقون. سحر هاته اللحظة يتجلى بعيني من ينظر إليها و بثقل ذلك الظل الذي يريدون تركه وراءهم.

لم تزح نظرها عن الغروب.

كانت ضائعة به وكأن لها معه اسرارا كثيرة لم تروى بعد. تتحدث بلغة مشفرة و تنظر للأشياء و الأشخاص نظرة عميقة بها شيئ من الرهبة.

تثير هاته المرأة فضوله أكثر من اللازم، تجعله يطرح أسئلة لا يجب عليه أن يطرحها !

- إن رآنا أحد ما هنا... سيساء فهمنا.

كونه قريبا من عمها و شريكا له لا يمنحه رخصة تجاوز المحظورات معها، يدري هو أنهم ليسوا بعائلة متفتحة لذلك الحد و أنهم عائلة محافظة تقليدية لا تحبذ هذا النوع من اللقاءات عديمة المعنى.

- اَلِأن المنظر رومانسي ؟

سخريته الواضحة منها جعلتها تستدير نحوه بعنف.

- أشك أن رجلا مثلك يفهم بالرومانسية.

اجاباته المتعالية، نظراته القاسية الشرسة و عبارة وجهه الباردة كانت أكثر من كافية لتفهم هبة أي نوع من الرجال هو ! كان من النوع الذي يكسر القلوب ولا يهديها ورودا، النوع الذي لا يمت للتواضع بصلة و الذي لا يرى ابعد من شخصه.... و من يدري... فقد يكون من النوع الكاذب النرجسي العنيف أيضا، يصعب جدا معرفة الوجه الحقيقي للرجال بايامنا الحالية....

- صحيح.

قاطعهم رنين هاتفها الحاد... تنهدت بثقل وهي تمد يدها نحوه لتغلقه. لم تنظر إلى شاشته ولم تتفقد هوية المتصل أيضا و شيء ما كان يخبره بأن السبب لم يكن راجعا لصحبته الممتعة التي لم تكن تود أن تفلت أي شيئ منها ! رمت نظرة أخيرة بها شيئ من الخيبة و الحزن للغروب المقابل لهما قبل أن تنهض من مكانها.

فعل الرجل نفس الشيئ و استقام بوقوفه بثقة و هيبة واضحتين، محولا هبة من امرأة ذات طول متوسط لقزمة أمامه، تعيد رأسها بأكمله للخلف حتى تنظر إليه.

- حارسك الشخصي لم يعد بعد.

- كل ما أحتاجه للخروج من هنا هو قدماي و هما معي و الحمد لله.

بدا و كأن شيئا ما بإجابتها قد لفت انتباهه.

- لكنهما ليسا ما تحتاجينه حتى تعيشي بسلام.

- ماذا ؟

- مخاوفك. هل الحارس الشخصي و الغروب كافيان لتركها خلفك ؟

شحب وجهها و انغلقت عبارتها في تصرف لم يقم سوى بتأكيد ظنونه. رمت له نظرة كستنائية قاتلة لم تحرك فيه شيئا مما ارادته.

ابتعدت هبة عنه خطوتين فإذا به يعدم المسافة التي قطعتها بخطوة واحدة منه، يربكها هذا الرجل ! يوترها ! يخيفها حتى !

لم تجبه.

طرحه للأسئلة لا يعني بالضرورة حصوله على الأجوبة ! و هبة لم تكن لتجيبه... أبدا !

- انظر يا سيد أعمار. علاقتك المتينة بعمي لا تعنيني بشيئ، فضولك القوي نحوي و جلوسك معي هنا من دون أي داع واضح و مهم لا يعجبني...

رفع حاجبه في غموض.

- لقد كان لقاءا مفاجئا، اتطلع وبكل صدق لأن يكون الأخير بيننا.

كانت ستذهب إلا انه قد اعترض طريقها صانعا بذلك جدارا غير قابل للتخطي بجسده، بدا عليه الانزعاج من شيئ ما أو على الأقل هذا ما تظنه هبة.

- هروبك مني لن يفيدك بشيئ وتعرفين هذا جيدا.

قوله ذاك لم يكن ليحسن من الصورة الكارثية التي تراه هبة بها !

بل العكس تماما.

لا يكتفي الرجل بتدمير أولى محاولاتها بعيش لحظات طبيعية كما الخلق، هد طمأنينتها و هدوئها، تحريم احب منظر لها على عينيها، السخرية منها بل و يتجرأ فوق كل هذا على التوغل قسرا لحياتها و خصوصياتها !

من يحسب نفسه !؟

- وهنا تخطئ يا سيد أعمار. أنا لا أهرب منك، أنا لا أثق بك.

________________________________

*: البسطيلة : نوع من المعجنات المغربية المصنوعة من العجين والمحشوة سواءا بالدجاج او السمك أو غيرها ... و هي خليط من الحلو والمالح. (الصورة أسفله)

___________________________


ما رأيكم بهذا الجزء ؟!

حوار هبة و هارون ؟

الأحداث ؟

لا تترددوا بوضع تعليقاتكم و خاصة بالتصويت !

لكم مني كل الحب !

💜💜💜

Continue Reading

You'll Also Like

428K 33.1K 59
من رحم الطفوله والصراعات خرجت امراءة غامضة هل سيوقفها الماضي الذي جعلها بهذة الشخصيه ام ستختار المستقبل المجهول؟ معا لنرى ماذا ينتضرنا في رواية...
1.6K 138 17
وكأنني إبنة دِيمتْر وانت هَاديس...جعلتني أتذوق حبّات رُمَانـكَ ..فأصبحتَ تَسحبني إليكَ كُلما ابتعدتُ.. ومهما طال الغيّابْ فــحين يأتي الرَبيـع سأعودُ...
21.7K 1.2K 16
عندما نحب نسعى دائماً لنكون أفضل مما نحن عليه، وعندها كل شئ حولنا يتحول للأفضل. عندما يكون هناك حب، هناك حياة. هناك بعض الطرق التي يجب علينا من خلاله...
771K 11.9K 31
تنبيه:الرواية لبالغين 18+ تحتوي على مشاهد مرعبة وكلام قد لا يناسب ألا فوق 18+ صعب فقدان القدره على الحب والأصعب أن تظل مؤمناً بفقدان هذه القدرة. هو...