خلال الشهر المنقضي لم يكن هناك أي شيء جدير بالذكر سوى حصول جيسونغ على عمل في شركة تصنيع للمجوهرات بعد تدخلات وعلاقات والده الذي فضل البقاء في واشنطن مع زوجته وإبنته الصغرى.
هيونجين كان يعيش في روتينٍ قاتل، يذهب إلى العمل ظهرًا، ويعود في السابعة مساءً، ثم يقضي بعض الوقت مع مي وون التي إنشغلت في الآونة الأخيرة بسبب إختباراتها، ويتحدث مع رفاقه عبر الهاتف فقط.
أما جيسونغ فإنشغل بعمله وكان يلاقي جميع رفاقه كثيرًا، وهو حتى الأن لا يعلم أن تشان كان إحدى الأشخاص الذين آذوا هيونجين أثناء تغيبه عن المدرسة بصمته وتجاهله للظلم الذي تعرض له في المرحلة الإبتدائية والمتوسطة.
لا لقاء أخر حصل بينهما، جيسونغ يتهرب وهيونجين يتجاهل، بالرغم من حديثهم الحاد الذي غلبه التحدي والتنافس في أول لقاء طبيعي بينهما إلا أن الإثنين لم يرغبا برؤية بعضهما مجددًا، ليس في هذه الفترة على الأقل.
مساء أحد الأيام إلتقى تشانقبين بهيونجين في مطعمٍ إعتادا الذهاب إليه ليتحدثا بعد أن أخبره الأخر بأنه قد يملك فرصة في الإبتعاث إلى مدينة أوساكا اليابانية.
تخللت بعض الأحاديث صمتهما أثناء تناولهما للطعام، وعندما إنتهيا قرر هيونجين ترك لسانه ليردف ما يرغب به.
" ألن تخبرني لماذا أنت متوتر هكذا ؟ هل هناك خطبٌ ما ؟ "
بشكٍ أمال رأسه لليمين فقهقه تشانقبين متوترًا قبل أن يجمع كفيه معًا فوق الطاولة.
تحمحم عدة مراتٍ وغير جلسته كمحاولةٍ لتخفيف الضغط الواقع على عاتقه في هذه اللحظة
" بلى سأخبرك، لكن أتمنى ألا تغضب وفكر بتأنٍ "
إنعقدا حاجبا هيونجين بعدما إستشعر جدية الأمر واومأ برأسه دون قول شيء.
حكى له تشانقبين كل شيء، سبب رحيل جيسونغ إلى واشنطن وما عاناه هناك، أصابته الصدمة عندما علِم بأن تشانقبين هو إبن خال جيسونغ وقد طلب منه الإهتمام به ومراقبته منذ محاولته في الإنتحار.
تشانقبين كان من تودد إلى هيونجين أولًا، من تحدث معه أولًا ومن صادقه أولًا، تشانقبين كان الأول للحياة الجديدة التي عاشها في مدينةٍ أخرى وبلا جيسونغ أو والدته.
وقع ذلك كان قويًا، لكن هيونجين حاول التماسك وصب غضبه وحزنه على قبضته المسكينة والتي تستقر فوق فخذيه.
أحنى رأسه قليلًا أثناء سماعه لبقية حديث تشانقبين الذي كان عن لقاء جيسونغ بتشان في واشنطن والصداقة التي نمت بينهما حتى أن جيسونغ قد تشجع للعودة إلى كوريا بعد رؤيته.
" لماذا تخبرني بذلك الآن ؟ هل لأن حاجة إبن خالتك لك قد إنتهت ؟ وأنا الذي إعتبرتك صديقًا حقيقيًا "
ساخرًا قد نطق ونظراته ترتكز على كأس الماء أمامه، إحمرت عينيه لكنه أبى وأقسم ألا يذرف الدموع من أجل الماضي مجددًا.
" لم أنوي أي شيء ! في بداية الأمر فعلت ذلك كمعروف لكن صدقني بعدما عرفتك أدركت أنني حصلت على الصديق الذي لن يعوضه شيء "
إندفع تشانقبين مفصحًا عما بداخله وفي ذاته كان مصرٌ بأنه لن يخسر هيونجين مهما كان الثمن.
" هل جميع من حولي كذلك أيضًا؟ الجميع تربطهم علاقة ما بجيسونغ؟ يالها من حياةٍ مثالية قُدِمت لي من كرمه "
مازالت عينا هيونجين ترتكز على ذلك الكأس الممتلئ بالماء، أمسكه أخيرًا وسكب ربع مافيه ثم نمت إبتسامةٌ جانبية.
" عندما رحلت والدتي إعتقدتُ أني قد أموت من شدة الحزن، وعندما رحل جيسونغ شعرت أنني لن أقدر على البقاء حيًا، لكن خمن ماذا ؟ "
سكب المياه في الطبق حتى تبقى القليل في نهاية الكأس ليكمل
" بهذا المقدار من القوة، بهذا الضعف وبلا سندٍ قد صمدت، وها أنا بخير حالٍ الآن، سأكون كذلك دونكم أيضًا "
إلتقط تشانقبين الكأس من هيونجين وسكب فوق المياه المتبقية بعضًا من عصيره ثم حرك الكأس ليندمجا
" أتعتقد أنك تستطيع التفرقة بين المياه الغازية والعذبة عندما تكون معصوب العينين ومسدود الإذنين دون التذوق ؟ "
" ما فائدة التذوق إن كان الماء مالحًا في النهاية... "
تمتم هيونجين ورمش عدة مرات مجددًا يخفي دموع خيبته
" بالرغم من كل شيء لقد إستمتعت كثيرًا برفقتك، أتمنى لك حظًا جيدًا في حياتك. وداعًا "
قبل أن يستدير هيونجين ليغادر تفاجأ بالأقصر يسحبه في عناقٍ محكم، همس له بـ ' كن بخير ' قبل أن يترك قبلة صغيرة على رأسه بالكاد شعر هيونجين بها.
إبتعد تشانقبين بعدها وعاد فورًا ليجلس على كرسيه مشتتًا نظراته للطريق خارج المطعم.
لم يستطع هيونجين الإبتسام أبدًا، فتلك الغصة اللعينة في قلبه أبت عتقه وترفض الرحيل وفك أسره، التفكير بالأمر جعله يشعر بضيقٍ شديد حتى واجه صعوبة في التنفس.
كان يجلس في محطة إنتظار الحافلات واضعًا سماعات إذنه في رأسه، وكأن كل شيء يخبره بالبكاء فجميع الأغاني العشوائية التي شغلها كانت حزينة وعاطفية.
بالكاد تماسك حتى وصل إلى شقته، وفور أن دخلها وقع بجانب الباب وإرتفع صوت بكاءه ونحيبه، إنتهت علاقته بثاني أقرب صديقٍ حصل عليه في حياته... ذلك ليس هينًا.
" هيونجين ! "
قال جيسونغ بصدمة بعدما وصله صوت فتح الباب ثم البكاء عندما كان يعد له شطيرة في المطبخ فأتى مسرعًا ليتفاجأ بهيونجين يسند جسده المرتجف على الجدار ووجهه ممتلئ بالدموع.
" أنا أكره ذلك وأكرهك، إنه يؤلمني بشدة، يؤلم حتى الموت "
شهقات هيونجين العميقة لم تساعده على الحديث جيدًا فوصل ذلك لجيسونغ كالتراهات التي لم يفهم منها شيء.
تقدم جيسونغ إلى جانبه ودون أي تردد قد تجاهل كل ما حصل بينهما من قبل، أقدم على إحتضانه بقوة وترك كفه تمسح على رأس الأخر الذي أرخى جبينه على كتفه تاركًا دموعه تعبر على قميصه.
" لا بأس، كل مرٍ سيمُر "
ولم يعلم جيسونغ أنه زاد الأمر سوءًا بحديثه سوى عندما إرتفع بكاء الأخر كالطفل الذي سُرِقت حلواه.
••••••••••••••••••
إنتهى
شكرًا للقراءة ♡♡
ك : 190718
ن : 190802