جُثة في الحَقْل .

By reachil0

10.9K 1.5K 1.1K

عملي كمُحقق ورؤيتي للجُثث كُلّ يوم لم يقتل الطفل الذي يعيش بِداخلي، فأنا رُغم كُلّ ما واجهت، لا زِلتُ قادِرًا... More

جريمة في ليلةٍ ماطِرة|١|.
ما يقبع داخِل الاسطبل|٢|.
منزلٌ كالجحيم|٣|.
سرّ كاترين|٤|.
الشخص الذي ابتلع السلاح|٥|.
أسرارٌ دفينة|٦|.

لكُلّ لحظةٍ مُعتمة جانبٌ مُشرق|٧|.

1.2K 229 268
By reachil0


"عِندما رأيتهُ بِذلك المنظر لم أستطع تجاهله، على الرُغم من محاولاتي العاثِرة في ألا أنشغل بِه، أنا قرّرتُ الذهاب لمساعدتِه، كُنت أخدع نفسي طيلة الوقت بأنّي أقُوم بذلك من أجل إيميلي، لأنها إن رأتهُ بذلك المنظر ستكون حزينة، ولكن الحقيقة المُرة عكس ذلك .. أنا لم أستطع التخلّص من تلك المشاعر اللعينة تِجاهه" حالما نبَست بذلك تمرّدت تِلك الدموع من محاجرها أخيرًا وكأنّما سحابًا رُكاميًّا فاض ماطِرًا.

يُمكنني التنبؤ بِما حدث بعد ذلك، لم تكُن في نيّتي جعل كاترين تُكمل حديثها عمّا جرى نظرًا لأنّها كانت تبكي بحرقة، خشيتُ أن تُصاب بتِلك النوبة مُجددًا.

أحضرت السيدة بيرين كأسًا من الماء وعُلبة دواءٍ غريبة لم أرَها من قبل .. أخذت كاترين حبة من الدواء وتلاها كأس المياه ذاك .. نظرت لي السيدة بيرين بعد مُلاحظتها للفضُول يتملّك وجهي.

"لا تقلق! إنهُ دواء مُهدّئ للأعصاب اعتادت كاترين أخذهُ لتفادي إصابتها بمثل نوبات الهلع تِلك، لكن ومع ما حدث بالأمس قد نسيتُ إعطائها جرعةً في الصباح" قالت وهيَ تُغلق غِطاء العُلبة وتتجهُ بعدها إلى المطبخ.

نبَست كاترين بعد استعادتها رباطة جأشها "لا بأس، أنا بخيرٍ الأن..." تنفّست بِعُمق وتابعت "أحضرتهُ إلى منزله بِصعوبة، بعد مناوشات خُضناها على الطريق... عِندما وصلنَا كُنت على وشك الخرُوج، لكنُه أوصد الباب فجأةً وبدأ يتفوّه بأمُورٍ أُخرى أصابتني بالجُنون" قامت باحتضان ذراعيها وتدثير نفسها، أصابتها رعشة طفيفة خارِجة عن سيطرتها.

"هل فعل لكِ شيئًا حينها؟" سألتُها بارتيابٍ لتُجيبني بإيماءةٍ فقط، على الأرجح أنهَا أرخت دِفاعها آنذاك وتشارل كان ثملًا لذا .. ما حدث بعدها نستطيع تخيّله.

تابعت كاترين إخبارنَا بتفاصيل القصّة .. ذكرت لنَا خروج إيميلي من المشفى بعد أسبوعين وأن الأمُور بالنسبة لكليهما عادت لِمجراها، أمّا بالنسبة لها الوضع كان مُختلفًا.

هيَ اختفت عن الأنظار ما يُقارب شهر ونصف، كانت نادمة على ما حدث تِلك الليلة ولم تستطع النظَر إلى وجه إيميلي .. لذا كانت تُفضّل الإختفاء.

وقبل أسبوعين من الأن وعندما اكتشفت أنها حبلى قرّرت التحدّث إلى تشارل بِما أنهُ مسؤول هوَ أيضًا عن ذلك .. وبالطبع تشارل أنكر الأمر في بادئِه فهوَ لا يتذكر تفاصيل أحداث تِلك الليلة كما يدّعي.

أخبرتهُ كاترين أنها ستُفشي الأمر للجميع، رُغم ما سيحُلّ بها من مصائب، كانت تُفضّل كشف حقيقة هذا الرجل قبل فوات الأوان، لكنّهُ قام بتهديدها وحاول إجبارها على إجهاض هذا الطفل، وبالطبع ما حدث بعد هذا الصراع هوَ جُثة إيميلي التي وُجِدت مُلقاةً وسط هذا الحقل بلا رحمة.

"لابُدّ أن إيميلي سمعت ما دار بينكما أنتِ وتشارل، وحين أرادت منعهُ من إيذائك وهبت نفسها لتكون ضحيةً بدلًا عنكِ" نطق برنارد باستنتاجهِ وقد أحاطت غمامة الحُزن كيان الجميع.

بالنسبة إلى آثار الحبل التي وجدناها مُسبقًا على الضحية، فلا شكّ أنهُ دار صِراعٌ بينهما .. رُبما اعتقد تشارل في بادئ الأمر أنهُ استطاع إيقافها عبر ذلك الحبل فقط .. وأثناء تسلّلهِ ليغدر بكاترين فوجئ بمهاجمة إيميلي له، وعِندها حدثت الكارثة.

بهذا نكون قد انتهينا من إغلاق الثغرات الأخيرة لهذه القضية.

———

نشرت الشمس خيوطها الذهبيّة المُشعّة لِتُعلن بذلك قدوم يومٍ جديد، تفرد العصافير الصغيرة أجنحتها للتحليق في هذه السماء الشاسِعة، وأمّا السنابل تتراقص بخفّة مع نسيمُ هذا الصبَاحٌ اللطيف.

كان الفريق قد انتهى من رفع الأدلّة كافةً، بِما في ذلك الأدلّة الموجودة داخل البئر، كانت عائلة أورهان تهمّ بالرحيل .. فقد جهّزت السيدة بيرين حقائبهم سلفًا وبدأ جان بترتيبها داخل السيارة.

بينما كان برنارد يقوم بعملهِ مع الفريق والانتهاء من كافّة الإجراءات التي أمقتها، قرّرتُ قضاء الوقت الأخير لي في هذا الحقل في السير بين السنابل ومراقبة شروق الشمس.

بينمَا كُنت شارد الذّهن أُصفّي أفكاري، تسلّل صوت وقع أقدامٍ من خلفي، التفتُ لأرى مَن القادم وإذا بِها كاترين تسير ببطئ وتردّد وتنظر لي بتمعّن من خلف شعرها الذي يُشكّل ستارًا على عينيها.

"اه كاترين!! تعالي بِجانبي" قُلت لأبعث لها بعض الاطمئنان، فقد كانت الليلة السابقة مليئة بالتّوتر والقلق .. تقدّمت بِحذر حتى أصبحت بِجانبي وعِندما صار الصمت سيّد الموقف قُلت لأُبدّدهُ بتساؤل "أهُناك مشكلة؟".

أجابت وهيَ تُمعن النظَر نحوَ الشمس المُختبئة خلف الغيُوم "في الحقيقة .. أشعر باليأس" حدّقتُ مطولًا نحو مُقلتيها اللامعتين وملامح وجهها المدفونة خلف شعرها.

"لا أعلم كيف هوَ شعور إيميلي تِجاهي عندما علمت بالأمر، أنا فقط .. وددتُ لو باستطاعتي الاعتذار لها، أنا أشعُر أني فتاةٌ سيئة .. لا أعلم كيف يجدر بي الاستمرار الأن" أردفت بنبرةٍ تخلّلها اليأس والندم، هذه المشاعر السوداوية التي تجتاحها .. ستقود بِها إلى الهلاك لا محالة.

لستُ ماهِرًا في تقديم النصائح، ولكنّي رغبتُ بانتشال هذه الفتاة من هذا المُستنقع القاتم قبل فوات الأوان وقُلت بعد وهلة "حسنًا يا كاترين، الشيء الوحيد الذي أودّ قولَهُ لكِ هوَ .. رُبما حان الوقت لتفتحي عينيك على الحيَاة".

نظرت لي هذه المرّة بِعُمق.

"يُستحسن أن تتركي الماضي ورائكِ، يجب أن تمضي قُدمًا نحوَ مُستقبلٍ أفضل لكِ ولِطفلك، التفكير في الماضي لن يُغير شيئًا، هوَ فقط يقوم بجرّك نحوَ الأسفل، عيشي حياة مُشرقة فأنتِ أيضًا إنسان، وتستحقين تِلك السّعادة".

لمعت عينيها بريقًا وأثارت بذلك الدموع لتتمرّد، رُبما استطاعت كلماتي مُلامسة قلبها الذي كانت الأقفال موصِدةً عليه.

"أنا .. لم يُخبرني أحدٌ بمِثل هذا الكلام من قبل، لا أعرف ماذا أقُول" نبَست وفي قسمات وجهها ملامح لم أستطع تفسيرها.

"وأيضًا يجدر بكِ التوقف عن الشُرب، فذلك يضرّ بطفلك أولًا، ولا تنسي أنكِ جميلة يا كاترين، لِذا حرّري ملامحك ودعي وجهك يُشرق بالبهجة" أكملتُ ما توارد على عقلي من كلمات وما شعرتُ أنها بِحاجةٍ إلى سماعه.

"محقق رايزل... شكرًا لك... أنتَ بطلي" أنهت هذه الجُملة بابتسامةٍ أزهرت باللُطف، ربّتُ على كتفها وبادلتها الابتسامة ذاتها، كلماتها لي جعلتني أُحلّق من السّعادة، أيها الخاسر برنارد لقد سرقتُ الأضواء مِنك مُجددًا.

مسحت ما فاض من محاجرها قبل قليل وقالت "ولكن رُبما من السهل عليكَ قول مِثل هذا الكلام، فأنت في نهاية الأمر بطل العدالة" نظرتُ لهَا مُعقّفًا حاجباي بتساؤل وقُلت بِدوري "ماذا تقصدين بِبطل العدالة؟ أنا كُنت لِصًّا مشهورًا في السابق!".

تسلّقت معالم الدهشة قسمات وجهها وسألت بتلعثم من هول الصدمة "ماذا- كيف!!!" أجبتها لأخمد الفضُول لديها "قبل خمسة عشر سنة كُنت لصًا يهابني جميع سُكان واشنطن، أُراهن حتى أني كُنت أظهر في أحلامهم" قهقهتُ قليلًا وأنا أتذكر تِلك الأيّام... كيف مرّت بهذه السرعة!.

لا تزَال كاترين متفاجئة لتسأل بارتياب "يا سيّد .. أنتَ!! كم عمرك بالضبط؟" أثار سؤالها دهشتي وقهقهتُ مُحرجًا قليلًا.

أجبتُ وأنا أعبث بأنفي "أصبح عُمري أربعونَ عامًا في الشهر الماضي" فتحت فاهها وكأنّ إجابتي أصابتها بالذهول وتمتمت "أتُمازحني!!".

كان وقتًا قصيرًا الذي قضيتهُ برفقة كاترين، هذه الفتاة الذابلة أتمنى أن تستعيد إشراقتها من جديد، وأن تحصل من هذا الطفل على الحُب الذي أفقدها لون الحياة.

غادرتُ مع برنارد بعد وقتٍ قصير وقد كانت الابتسامة لا تُفارق شفتاي مِمّا أثار ذلك فضول برنارد عن سبب ابتسامتي البلهاء التي أستمرّ في إظهارِها.

كان يُلقي علي نظرةً بين حينٍ وأخر، ويُعيد تقليب صفحات الملف بين يديه، وعندما ضاق ذرعًا بي نبَس على مضض والفضول يلتهمه "مالأمر!! تبتسم كالمُهرّج مُنذ مغادرتنا من هُنَاك؟" ألقيتُ نظرةً عليهِ وتذكرت ما قالتهُ لي كاترين -مُحقق رايزل... أنتَ بطلي- ازدادت ابتسامتي توسّعًا وضحكت بحرارة والسرور يتطاير من حولي، تبًا أشعر بالسعادة وبالخجل في الآن نفسه.

لا يزال برنارد يُحدّق بي بريبة، على الأرجح يظنّ بأن صديقهُ العزيز قد جُنّ جنونه، لا بأس بذلك... أُفضّل الاحتفاظ بما حدث هذا الصبَاح لنفسي.

أكملنَا طريق العودة باتجاه مركز الشرطة، سيقوم برنارد بإكمال عملهِ والتحقيق مع تشارل، أمّا أنا سأستغلّ انشغال برنارد عني وأنعم ببعض الهُدوء والراحة في المنزل، فلا أدري متى سيأتي برنارد مُجددًا وفي جُعبتهِ قضايا جديدة.

طلبتُ من السائق أن يُنزلني بِمنتصف الطريق، كان المنزل يبعُد عني بمسافة كيلو متر واحد، كُنت أُفضّل المشي وحيدًا تحت الأشجار على جانب الرصيف.

رائحة الرغيف والقهوة تُداعب أنفي، بالتفكير بالأمر أنا أتضوّر جوعًا، لم أتناول شيئًا بعد وجبة العشاء ليلة البارحة .. ذهبتُ باتجاه المقهى الذي يقع في زاوية الشارع، كان صغيرًا مُقارنةً بتِلك المقاهي التي تقع في قلب واشنطن، لا بأس بتجربة مكانٍ جديد، على الرُغم من كونهِ قريبٌ من منزلي، لكنّي لم أحظى بِفرصةٍ للذهاب إليه من قبل.

جلستُ على إحدى الطاوِلات الصغيرة أمام المقهى وبِجانبي أصيصٌ لأزهار تبّاع الشمس، طلبتُ بعض القهوة مع الحليب بالإضافة إلى شرائح من رغيف القمح.

حسنًا .. حتى وإن كنتُ مُحققًا، ذلك لم يكُن عائًقا لي في الحصُول على بعض الهُدوء وعيش حياة عاديّة، بمِا أني لا زِلتُ قادِرًا على الاستمتاع بتنَاول وجبة الإفطار، سأظلّ موقِنًا دائمًا أن الحياة لا تزَال بخير.

____________

الفصل الأخير| انتهى.

مرحبًا يا رِفاق ؛-؛

شكرًا لقرائتكم 🧡.

غالِبًا سأقُوم بكتابة روايات أُخرى تخصّ المُحقق رايزل، إحداها سأكتب عن ماضيه وعن بداية العلاقة بينه وبين برنارد، وشخصيات جديدة أنوي الكتابة عنها -في روايات أُخرى بالطبع ^^-

عمومًا شاركوني برأيكم عن الرواية.

انطباعكم عن الشخصيات، أفضل شخصية واسوأ شخصية من وجهة نظركم :/

وأخيرًا لِمَن يُريد قراءة روايات أُخرى للمُحقق رايزل، يجدر بكم الاحتفاظ بهذا الكتاب في مكتباتكم لكي أقوم بالتنوية هُنَا عِندما أنشر رواية جديدة له 🖤.

في أمان الله، كُل الحُب 🌻.

Continue Reading

You'll Also Like

1.1M 84.4K 37
بعدَ إستعارِ الحربِ بينَ المخلوقاتِ الخارقة أصبحَ كلُ الإهتمامِ مُنصباً حول الأرضِ التي ستنالُ شرفَ إستضافةِ الستيفانوس (تاجُ الآلهة) بينها ، و قد و...
66.7K 9.9K 13
توقفت لوهلة، ألتقط أنفاسي المتقطعة، لـ أمسح جبيني المتعرق، فـ يأتي ذلك الفتى ويقدم لي زجاجة من ماء. هل من الغريب أن أقع في الحب بسبب ذلك؟ -نشرت بـ تا...
29.4M 1.7M 55
حياةٌ اعيشها يسودها البرود النظرات تحاوطني أواجهُها بـ صمود نظراتٌ مُترفة .. أعينٌ هائمة ، عاشقة ، مُستغلة ، عازفة ! معاشٌ فاخر ، صوتٌ جاهِـر اذاق...
13.8K 1.1K 4
أخمدت روح الأمل لديها، ذلك جعل الحياة تعتقد أنها ميتة. لذا، لم تعطها فرصًا. فباتت هي و الموت، ورقةً واحدة. أول عمل جدي لي.