PART 5
في الساعة الثامنة صباحاً تستيقظ الفتاة التي جلبت
كيلبر إلى منزلها في المساء ، وتتنهد ثم تقف لتفتح
ستائر نافذة غرفتها في الطابق السفلي ، ثم تغير
ملابس النوم وتخرج من الغرفة ...
تمشي مبتسمة نحو المطبخ وتبدأ بتحضير الفطور
بعد إنهائه تضعه على المائدة و هي تغني ثم تمشي
نحو الطابق العلوي لتوقظ كيلبر الذي تركته بالأعلى
تقف أمام الباب وتطرقه قائلة : هيا ايها الفتى لقد
أتى الصباح وحان وقت الفطور لا تكن كسول
تطرق الباب مرة تلو الأخرى بدون استجابة منه
فتقول : هل نومه ثقيل ؟ ام كان متعب ليلة البارحة
سأدخل عليه لأوقضه من النوم لنفطر معاً ، هكذا افضل .. تقول هذا ثم تفتح الباب فتنظر بأنذهال
لأن الغرفة خالية ؛ اين ذهب ؟ : تقولها متسائلة ثم
تمشي لترى رسالة فوق السرير ، تحملها وتقرأ
نص الرسالة
شكراً لكِ على مساعدتي ليلة البارحة
انا علي العودة لمنزلي وحيي
نزلت للطابق السفلي ورأيت صورة تخرجك
كان اسمك مكتوب أسفلها يا ( نايا )
سعدت بالتعرف عليكي ، إلى اللقاء
KILBER
اسمك كيلبر ها ، ههه يا لك من غريب أطوار : تقولها
نايا مبتسمة ثم تنزل للأسفل و تتناول الفطور
اثناء هذا كيلبر يمشي نحو منزله فيرى سيارات إسعاف و سيارة شرطة أمام منزله المحترق تماماً
ينظر بذهول ويركض نحوهم ، يمسك بيد شرطي
قائلاً : ماذا حدث هنا يا سيدي ؟
الشرطي مجيباً : حدث حادث مؤسف و بشع هنا
وجدنا مرأة محترقة داخل المنزل وبعد التحريات
فجر البارحة ظهر انها سيدة المنزل واسمها ماري
المؤسف اكثر من هذا هو أننا وجدنا عائلتها محترقة
بالكامل في مبنى مهجور قرب الغابة ، لم يبقى أحد
يزداد انذهال كيلبر الذي أدرك موت والدته هنا و
موت الجميع هناك فتنهمر دموعه قائلاً : ليس
الجميع هناك نقص شخص اليس كذلك ؟
الشرطي : نقص ! كلا ابداً ، بعد تحليل الملامح في
وجه الضحايا وجدنا الأب و الأبنة الكبيرة و ابنهم
الأوسط و الأبنة الصغيرة ، لا يوجد اي نقص
ك..ك..كيف هذا يا حضرة الشرطي !!! ما الذي تقوله ؛
يقولها كيلبر مصدوماً لما سمعه متسائلاً كيف الجميع
وهو على قيد الحياة ، يمشي نحو نافذة السيارة
وينظر إلى وجهه ثم يبدأ بلمسه للتأكد من أنه حي
ولا يرى منام او تخيلات قائلاً : هل انا حي ؟ ه..هل
هذا معقول !!! ك..كيف انا ميت وحي بوقت واحد
يمشي كيلبر مبتعداً بحالة يرثى لها وبمظهر مشابه
لشخص مجنون لديه مشكلة بعقله ...
قد يرى الأنسان تخيلات من وقت لآخر واحلام
لكن يحصل و ان يعيش بواقع مطابق للحلم
عدم تقبله لبعض التفاصيل وحوادث القدر يجعل
منه شخص يعيش في دوامة ومتاهة بلا مخرج
الواقع هو مرآة تعكس الأحلام و الأحلام حقيقة
تطبق عندما يسعى الأنسان لتحقيقها ...
يحل المساء فوق حي ( كيكوف ) و كيلبر يسير
بين شوارع الحي بلا ادراك منه لوجهته القادمة
او المكان الذي هو حالياً به او الوقت
لا منزل لا عائلة لا مستقبل لا طموح لا هدف ....
عندما يكون الأنسان فاقد لكل هذه الأشياء يكون
قد خسر نفسه بالواقع لأن تلك هي ما تدفع الشخص
للأستمرار بالحياة و الصراع مع القدر حتى الموت
في هذه الأثناء يبدأ الثلج بالنزول ويشتد نسيم
الهواء البارد قوة على كيلبر الذي يستمر بالمشي و
هو يضم يديه مرتجفاً من البرد ، دون نسيان الجوع
و العطش الشديد الذان خيما عليه طيلة اليوم
ينظر يميناً و يساراً فلا يرى اي احد في الأرجاء
ومصابيح المنازل منيرة بالضوء مع دخان المداخن
فيتلو هذا المنظر ابتسامة متعبة من كيلبر قائلاً :
بالتأكيد الآن الناس يشعرون بالأمان و الراحة ياله
من احساس رائع كفيل بجعلي ابتسم ، حسناً هذه
هي اول مرة اعرف شعور المتسولين الذين لا يملكون
شيء غير أجسادهم التي يعصف بها الأرهاق ...
يجلس على أحد ارصفة الطريق ليأخذ قسطاً من
الراحة مع استمرار جسده بالأرتجاف جراء البرد
القارس ويقول بداخله : ههه هل علي ان اشعر
بسعادة لكوني على قيد الحياة ؟؟ هذا هو الذي
يعد اسوأ من الموت نفسه ، ان تخدع نفسك بالحياة
ولماذا اتعب نفسي أساساً اظن ان علي الموت حتماً
يجلس شاب بعمر 16 سنة بجانبه مقاطعاً لحديثه
مع نفسه قائلاً : مساء الخير يا صاح كيف حالك ؟
ينظر كيلبر له متعجباً فيراه مبتسماً وعلى وجهه
ملامح التعب و الأرهاق ، بملابس متسخة و ممزقة
وحذاء يغطيه الطين من الجانبين والأعلى ، لكن
الذي ثار تسائل كيلبر اكثر نحو هذا الفتى هي تلك
الأبتسامة التي وجدها كيلبر خارجة من اعماق قلب
هذا الفتى النحيل المجهول الذي قاطع تفكيره
كيلبر : من مظهر ملابسك و وجهك يبدو انك اتيت
من مكان بعيد بلا طعام أو شراب لمدة من الزمن
وعلى الأرجح انت بالكاد قادر على المشي و الكلام
لكن الذي لم افهمه هو التالي ، ما خطب ابتسامتك ؟
تبتسم بصدق وكأن كل شيء حولك بخير ...
يضحك الفتى بهدوء قائلاً : يا لك من فتى ذكي و
شديد الملاحظة ، ادركت اني مشرد لعدة ايام بلا
اي طعام أو شراب ، بالواقع انا اجوب الشوارع من
مدة تناهز الـ 4 اشهر .. اعيش على بقايا الطعام و
بقايا الماء لكن لم اضع شيء بفمي من يوم ونصف
هذا يعد سيء بالواقع خاصة مع اعتبار اني مريض
ولدي فتحة بالقلب للأسف واحتاج العلاج كذلك
ناهيك عن الرعاية و الطعام الجيد
لكن بالنسبة لأبتسامتي لقد اذهلتني بمعرفتك انها
صادقة وليست مزيفة بغرض فتح حوار ودي معك
انك بالفعل مميز ، يكمل جملته ويضحك وهو يربت
على كتف كيلبر ممازحاً ثم يبعد يده قائلاً :
حسناً لا بد انك الآن بعد شرحي لوضعي تقول ما
خطب هذا الفتى يبتسم رغم ذلك ، انه الأمل بالحياة
ينظر كيلبر بدهشة أثناء قوله هذا ويستمع لبقية
كلامه بأهتمام ؛ الأمل بالحياة هو سبب وجود الحياة
اذ ينبع الأمل من خلال طموحك وهدفك و رغباتك و
طريقة تقبلك للحياة ، البعض يحلم بأن يكون طبيب
او مهندس او عالم او قاتل او شرطي والكثير من
هذه الأمنيات و الطموحات التي تعتبر هدفك للحياة
من دون هذه الأهداف لا يمكنك الأستمرار لهذا انا
اجد لنفسي دائماً شيء اعتبره هدف اعيش من اجله
يستمر كيلبر بنظرات الأهتمام نحو كلمات هذا الفتى
فيقطع انبهاره قائلاً : حسناً هل يمكنني سؤالك ؟
الفتى ( مبتسماً ) : اوووه هذا يسعدني اسأل ما
اردت يا صاح السهرة بأولها ، هيا هيا لا تتردد
كيلبر : كلامك بخصوص هدف الأنسان ورغبته في
محله ولكن ماذا لو فقدت الأهداف التي لديك و
لم يبقى اي معنى لوضعك اهداف مهمة تعيش من
أجلها او ترغب في تحقيقها مستقبلاً ؟!!
يرد الفتى بأبتسامته ذاتها قائلاً : هذا بسيط للغاية
ان حدثت معك ظروف قاهرة تجبرك على مسح
اهدافك و اولوياتك المهمة في الحياة ضع هدف آخر
لكن لا تجعله هدف كبير بل ليكون هدف بسيط للغاية
لأنك لا تستطيع تجاوز الواقع و اعتباره غير موجود
بل تستطيع استخدام الواقع نفسه ليكون هدفك
مثلاً انا مشرد من 4 اشهر ، لا يمكنني وضع هدف
كبير لأستمر كقولي علي ان اصبح غني فجأة او
حاكم البلاد لأعيش بسلام او لأعيد الماضي كما كان
الذي ذهب لن يعود والذي سيأتي لن يعاد لذلك جعلت
هدفي الوحيد هو أن اسعى لأيجاد مكان اؤمن به
طعام وشراب ومسكن ، من يدري ربما نذهب لكنيسة
او دار ايتام او اي مكان المهم كافي ليقيني البرد
كنت اسكن ببيت رائع جداً ولدي اخت صغيرة احبها
واعتني بها مع ابي وامي إلى ان جاء ذلك اليوم ...
Back «[قبل 4 اشهر]» Flash
في احد المنازل يجلس الفتى وهو ينظر لنعش والده
وامه واخته الذين فارقوا الحياة حزيناً
يأتي رجل ويجلس بجانبه قائلاً : لا بأس يا ابن اخي
هذا هو حال الحياة التي نعيشها ، نودع من نحب في
اوقات لا نحبها ولن نحبها مطلقاً لأنها تأخذ من يدنا
اشخاص نحبهم كثيراً ويشكلون جزء من قدرنا
الآن هيا قف يا مارت علينا توديع عائلتك بشكل
يليق بهم وليرقدوا بسلام ، يقف مارت ويمشي مع عمه للخارج ...
بعد عودتهم يجلس مارت حزيناً و مضطرباً فيجلس
عمه بجانبه ويربت على كتفه قائلاً : لا تحزن يا بني
كن قوياً عليك أن تكون هكذا لأن والدك ترك خلفه
ثروة عليك استغلالها بالشكل الصحيح ، لكن اريد
منك أن تأتي معي صباح الغد لتصنع لي توكيل في
إدارة مال والدك إلى ان تكبر وتبلغ سن الـ 18
مارت : حسناً يا عمي سأفعل هذا
يأتي الصباح ويذهب مارت مع عمه ليعطيه توكيل
بالوصاية على ورثه الذي بقى له من والده
بعد إكمال كل الأجراءات يعود كلاهما للمنزل مع
ابتسامة عريضة وكبيرة لعم مارت الذي أصبح الآن
قادراً على التصرف بمال اخيه كما يحب ويرغب
مارت : تبدو سعيداً يا عمي هل حصل شيء ؟
لا استطيع الملاحظة بسبب حزني وشرود ذهني
العم : هههه هذا صحيح ايها الأحمق المغفل ، قد
حصل منذ قليل اجمل شيء بحياتي كلها ، بفضل
غبائك استطعت امتلاك كل ثروة اخي التافه التي
عشت وانا محروم من نصفها ، محظوظ ذلك الوغد
لكن الآن ليذهب إلى الجحيم من يهتم لأمره ...
ينظر مارت بأنذهال كبير بسبب الكلمات التي تخرج
من فم عمه الذي يراه حنين ومحب لأبيه ، يقطع
انذهاله قائلاً : عمي لقد ظننتك تحبني وابي ؟
يقف العم وينظر بسخرية قائلاً : حب ؟ انت !
هههه انا لا اطيقك بحجم كرهي لأخي واكثر أيضاً
لهذا هيا اغرب من بيتي انت مطرود ، اخرج بسرعة
مارت : ما الذي تقوله يا عمي !!! ا..ا..اخرج ؟؟
يصرخ العم قائلاً : قلت لك اخرج ايها الوغد ....
«[عودة للحاضر]»
مارت : هكذا انتهى بي الأمر مشرد اجوب احياء
المملكة باحثاً عن بقايا الطعام ومأوى لي ، بعد أن
ضربني طردني خارج المنزل قائلاً إن هذا ما استحق
يبعد كيلبر نظره عن مارت وينظر للطريق وهو يقول
بداخله : هه يبدو اني لست الوحيد الذي وصل حافة
العيش وسط الجحيم المدعو بالقدر ، لكن ما هذا ؟!
علي إيجاد هدف بسيط عندما افقد هدفي المهم !!
يجب أن اضع اي هدف كي اعيش حتى لو كان هذا
الهدف هو إيجاد غرفة اعيش فيها وطعام ؟؟
يقول هذه الكلمات بداخله ثم يبتسم وينظر إلى
مارت قائلاً : حسناً اظن بأنك محق ايها الفتى
سأجعل هدفي بسيط للغاية واستمر بالحياة
مارت ( ضاحكاً بسعادة ) : نعم نعم تماماً يا صاح
احسنت التفكير ، وكذلك تملك إبتسامة رائعة جداً
ومظهرك جذاب بعض الشيء ، هممم حسناً ربما
لو تحسن حالنا عليك مواعدة الفتيات
يقول هذا وهو يغمز لـ كيلبر ... يتبع كيلبر كلامه
بضحكة هادئة نابعة من داخله متناسياً ما حصل
ربما الآن وجد من يعطيه امل في الوقوف مجدداً
كان تعرفه على مارت بمثابة هدية من السماء ....
يقف مارت ويمد يده نحو كيلبر يدعوه للوقوف .
ينظر كيلبر بتعجب قائلاً : إلى اين سنذهب !
سوف نذهب لنبحث عن هدفنا الصغير ذاك يا ...؟
يبتسم كيلبر ويمد يده بدوره ليقف قائلاً : كيلبر
اسمي هو كيلبر ، سعدت بمعرفتك يا مارت
ينظرون لبعضهم مبتسمين وايديهم بأيدي بعض ...
يمشون في وسط الحي فيرى مارت أحد الحانات
على جهة اليسار ، يبتسم ويؤشر بيده نحوها قائلاً :
تلك الحانة قد نأخذ منها شيء نأكله ، دائماً اجد
بقايا طعام هنا يرموه بلا إهتمام ، انه لذيذ بالواقع
في هذه الأثناء تقف سيارة رمادية اللون أمام تلك
الحانة يترجل منها رجلين في الأمام منظرهم مريب
وينزل من الخلف رجل على وجهه بعض الكدمات
وآثار الجروح مع فتاة بعمر الـ 25 حسنة المظهر
يدخلون إلى الحانة وسط نظرات كيلبر و مارت
التسائلية نحوهم ، لكن نظرات كيلبر كانت نظرات
قلقة و لا تستبشر بخير كما هي عادته بكل مرة ....
• 1693 WORDS •