PART 4
الدماء القرمزية تغطي جسد ساكرفيس و كل
ما يحيط به وسط دهشة الجميع ، بالأخص كيلبر
ينظر مذهولاً مذعوراً من الذي حصل أمام ناظره
ليس فقط اندهاشه بقتل والده لأخته بل أيضاً
انتحار والده مباشرة بعد ما فعله لـ سيا
كل التفاصيل التي حصلت بمدة قصيرة تماماً ، قد
لا يتقبلها الأنسان بكل سنوات عمره التي يعيشها
احتجاز عائلته ، تعذيب وانتهاك حرمة اخته ، اذلاله
قتل والده لأخته ، انتحار والده ، خسارته اثنان من
اعز الناس على قلبه بثواني معدودة وهو يشاهد
يخفض كيلبر رأسه للأسفل وتعتليه ملامح البرود
و التعبير المتشابك الغير واضح ، ربما تعبير ملامح
وجهه التي تعكس شعوره تمر بحالة إرهاق شديد
حتى مشاعر الأنسان يتم إستهلاكها و إرهاقها اذا
ما مرت بعدة صدمات متتالية و مطبات وعوائق
ناهيك عن إنتهاك حدود المشاعر بدهسها بكل بساطة
وبشتى الطرق المختلفة التي ستقتلها بيوم من الأيام
او هل يمكن أن نسميه تقبل الروح للقدر و المصير ؟
نعم ربما تقبل القدر أمر محتوم ، لكن اختيارك لقدرك
هو من يحدد طريقة تقبلك لمصيرك المرسوم بيدك
لأول مرة كيلبر يشعر بأنه يرغب بالموت ، لأنه تقبل
قدره الذي يمر به حالياً معلناً الأستسلام التام لما
سيحصل معه بالوقت القادم ، معه ومع من يحب
يضحك شارل ويصفق بهدوء قائلاً : بكل صراحة
لم اتوقع ابداً ان يكون الطبيب ساكرفيس ممتع
ويمتلك عزيمة قوية لدرجة قتله ابنته ونفسه بعيداً
عن التعذيب ، يستحق أن لا يموت على يدي وكذلك
لقد قدم عرض مثير للأهتمام وراق لي
هممم لكن ، بما أنه قلل علي الدمى التي اقطعها
بغرض التسلية سيدفع ولديه المتبقين الثمن لذلك
سأقطعهم لدرجة أنك سترقد بسلام يا ساكرفيس
يمشي نحو كيلبر مبتسماً ويقف أمامه قائلاً :
انظر الي ايها الوغد المتعجرف ، ما بالك تحني
رأسك للأسفل كالمتزوجة الخجولة من زوجها
يسحب شارل رأس كيلبر من شعره ليصبح مقابل له
شارل : اووه ما هذا ، نظرات باردة ، حزينة ، يائسة
غير غاضبة ، لا مبالية ومن الأمل خالية
اين ذهب غضبك و كرهك الذي كنت تعكسه بتلك
النظرات الغبية يا هذا ، هممم هذا يشعرني بأني لن
اكون راضي من نهاية كهذه ، تباً ذهبت المتعة ولهذا
سأعذبك بأسرع وقت ممكن ؛ يقولها ويضحك
يترك رأس كيلبر ويمشي الى سرير تعذيب سيا قائلاً : احملوا جثة تلك الغبية لأضع أخيها مكانها وأيضاً خذوا الطبيب الأحمق معها وارموهم بأقرب قمامة تجدوها هنا
كلا لا داعي للبحث فهذا الحي عديم الفائدة الذي يغطيه عامة الناس كله قمامة اذا نويت التحدث بواقعية
يذهب إلى أدوات التعذيب التي لديه بينما يبدأ
اتباعه بفتح قيود سيا المغطاة بالدماء قائلاً :
اتعلم يا كيلبر ما هو الغباء في هذا العالم ؟
في الغالب لا تعلم وان كنت تعلم فستجيب بشكل
ساذج مثل غالبية البشر الحمقى في كل الأرجاء
ولهذا سأجيبك انا بدل عن نفسك واوفر الوقت
البشر في الكون لديهم قاعدة تسمى بـ ( الخير )
ويسمون من يعيش بقواعد الخير ( انسان صالح )
لتكون انسان صالح عليك ان لا تقتل ، لا تسرق
لا تكذب ، لا تخدع ، لا تفرق ، لا تظلم ، وما شابه
هذا من تراهات تشعرني بالضحك والغثيان
هذه كلمات يخدع بها البشر بعضهم محاولة منهم
للتقليل من معاناة الذين يعيشون في عجز جسدي
او نفسي او مالي او مكانة او مواساة للضعفاء
بحسب هذه الأكاذيب يجب ان يتساوى القوي مع
الضعيف والغني مع الفقير والنبلاء مع عامة الشعب
هه يا لها من قاعدة عديمة الأنصاف و عديمة النفع
على اي اساس سأقارن النبيل الذي تعلم وكبر في
ظروف جعلته اشبه بواحد من الأمراء ؟ وعلى اي
اساس سأقارن الذي يمتلك المال والمكانة الأجتماعية
مع الذين يصارعون حتى مغيب الشمس لتوفير كمية
من الطعام بالكاد تكفي كعشاء او لليوم الثاني بالكثير
ولماذا سأقارن الأقوياء الذين يهزمون اي شخص
يقف بطريقهم ويحصلون على هدفهم بسهولة مع
الضعفاء الذين يعجزون عن حماية انفسهم واحبائهم
برأيي هذا هو الظلم الحقيقي الذي يجب ان يُأخذ
به كقاعدة ، حتى العلم الذي قد يؤدي لرفع قيمة
تافه من عامة الناس لمكان معين بالمجتمع كطبيب
او معلم او مهندس وما شابه ، ان عدنا للواقع فهم
بالنهاية تعلموا بأماكن رخيصة ومعلمين متدنين
بالتالي التفوق في اماكن كهذه لا يعني اي شيء
لهذا قاعدة الخير والأنسان الصالح هي مجرد وهم ،
القوي يجب ان يسحق الضعيف ، البقاء لمن له
القوة والمكانة والمال والعائلة العريقة ، والموت
للضعفاء وعامة الناس ومن لا يلبي أوامر اسيادهم .
تلك الكلمات التي تخرج من فم شارل كانت تعكس
التفكير الذي تربى عليه والقناعة التي كبر بظلها .
ربما غالبية الأغنياء و ذوو المكانة العالية و العريقة
ينظرون لبقية الناس بهذه الطريقة ، وربما أيضاً
غالبية عامة الناس ينظرون لتفكيرهم بهذه الطريقة
يقترب شارل من كيلبر ويبدأ بفك وثاقه ، بهذه اللحظة يخرج صوت اشعار رسالة من هاتف احد اتباع شارل وينظر لها ثم يقول مقاطعاً : سيدي علينا الخروج من هنا بأسرع وقت ممكن ....
ما هذا الذي تتفوه به ايها الأحمق ؛ يرد شارل بغضب
ويجيب التابع : لقد وصلتك رسالة للتو من المحافظ ...
شارل : و ماذا قال فيها ، تعال الي لأرى الرسالة .
يمشي التابع الى عند شارل ويعطيه الهاتف فينظر
نص الرسالة
عليك الخروج من عندك بسرعة يا شارل
وصلني للتو خبر بأن الشرطة ستتوجه لمكانك
انهي امر من هناك واخفي كل الأدلة .
شارل بأنزعاج : تباً ماذا تفعل الشرطة هنا ، يجب
ان نخرج ونمسح اثرنا . المشكلة هي اننا احدثنا
فوضى كبيرة في المكان وعلينا التنظيف بسرعة
التابع الذي جلب الهاتف مقاطعاً : اذا سمحت سيدي
ارى ان افضل حل هو ان نحرق المكان بمن فيه
هكذا لن يبقى اي اثر لما حصل هنا وبشكل سريع
حسناً هذه فكرة جيدة ، هيا تجمعوا واحرقوا المكان
ليبدأ الحريق من ناحية الطبيب والفتاة ولينتهي
بالمتعجرف كيلبر و أخته الصغيرة المقيدين هنا :
يقولها شارل ناظراً لـ كيلبر بأبتسامة سعيدة ساخرة
يبدأ اتباع شارل بوضع الوقود من بداية المستودع
وصولاً إلى السرير الذي عليه سيا ، يحمل شارل
اثناء هذا وقود ويرمي فوق ساكرفيس ثم يقول :
هذا لكي يحترق حضرة الطبيب بشكل جيد ولطيف
والآن يجب أن نودعك يا كيلبر إلى أن اراك بالجحيم
يعطيه احد اتباعه علبة كبريت فيخرج عود كبريت
و يشعله ثم يرميه على مقربة من سرير تعذيب سيا
ثم يخرج مع اتباعه للخارج ويغلقون باب المستودع
بهذه الأثناء تبدأ النيران بالأقتراب من سيا وسط
انظار كيلبر الباردة لأبيه و اخته الكبيرة قائلاً بداخله:
هه يبدو ان هذه هي النهاية ، لكن لا بأس انا اشعر
بالراحة نوعاً ما سأذهب الى جانب ابي واختي و
بوقت واحد مع اختي الصغيرة ، لا اريد تخيل حياة
من دون أحدهم لأنها ستكون بلا اي معنى ...
لكن مهلاً اين امي ؟ هل ما زالت بالخارج !
لا تعودي يا امي اهربي إلى ابعد مكان قد تصلين له
لن يبقوكِ على قيد الحياة في هذا الحي العفن و
العالم القذر الذي بات مغطى بحقارة الطبقات العليا
هه اتكلم وكأنها تسمعني ، عليها الموت هي أيضاً
لن تتحمل ما حصل معنا وستعيش بعالم من الضياع
يردد كيلبر تلك الكلمات بداخله كما من يكتب رسالة
موته الأخيرة ، تقبل الموت وهو بهذا العمر .. ربما
هناك اشياء اسوء من الموت لتجعله اقل كرهاً للبعض
بهذه الأثناء النيران تصل إلى سيا فتحترق ببطء
يغلق كيلبر عينيه قائلاً : هذا يكفي ، لن احتمل المزيد
وبعد إغلاق عينيه بـ20 ثانية يسمع صوت فتح الباب
فيفتح عينيه وهو يسمع خطوات شخص تقترب منه
ويشعر بحقنة تدخل كتفه ليفقد الوعي رويداً رويداً
يفتح كيلبر عينيه ليرى السماء والنجوم تغطيها مع
نور القمر ، منظر يبعث على الراحة و السكينة
يبتسم لرؤيته هذا المنظر ويقول بداخله : اين انا ؟
بعد قوله هذا يستذكر ما حصل معهم وينهض مذهولاً
ينظر حوله ليرى نفسه وسط غابة و بقربه الأشجار
هل مت وهذا المكان هو العالم الثاني ؟ هل هي الجنة
يقولها كيلبر ؛ وهو ينظر بتعجب للمكان الموجود فيه
يقف على قدميه و يمشي وسط الغابة ناظراً حوله
محاولاً إدراك المكان بصورة صحيحة والأفكار
تتداخل برأسه الواحدة تلو الأخرى والحيرة تعتليه
يستمر بالسير وهو مجهد ماسكاً كتفه الذي يؤلمه
بسبب سقوطه من على سلم المنزل بفعل شارل
ليصل إلى الطريق العام فينظر ليرى بالجهة التي
بعد الطريق غابة أخرى فيقول : اين انا ، لم افهم
اثناء هذا تأتي سيارة من يساره فتتوقف بهدوء
جانبه وبداخلها فتاة تبلغ من العمر 30 عام
تفتح الفتاة النافذة وهي تنظر لـ كيلبر قائلة :
ما الذي تفعله بهذا المكان ايها الفتى ؟ وما حالك
هناك كدمات على وجهك و تقف بصعوبة بالغة
ينظر لها كيلبر بصمت ويستمر بالمشي متجاهلاً
كلامها ، تنظر الفتاة له وهو يسير متعجبة : ما
خطب هذا المعتوه يتجاهلني هكذا ، اود المساعدة
فقط هل افعل شيء خاطئ ؟ حسناً لن اتركه
تسير بالسيارة بجانبه ببطء وهي تنظر له قائلة :
هي ايها الفتى المعتوه ماذا يحصل معك هل تتكبر
ولا تريد المساعدة هههه انظر لشكلك تبدو كالمتسول
اوه هل طردك والدك من المنزل يا لقساوته ...
يتوقف وينظر لها بغضب قائلاً : اغربي من هنا
فترد عليه : لن اذهب ايها المتسول الأحمق هيا
اركب لأوصلك إلى مكان قريب لوجهتك ، اعدك لن
اسأل حول اي شيء فقط اركب حالك ليست بخير
يمشي كيلبر إلى باب السيارة ويركب بجانبها فتغلق
النافذة مبتسمة قائلة : افعل هذا من البداية تباً لك
لقد دخل الهواء البارد هنا بسببك ، حسناً تبدو سريع
الغضب لذلك سأكف عن ازعاجك هذا وعد
تخرج الفتاة الماء من حقيبتها وهي تقود بهدوء
تفتح الغطاء وتمد يدها لتعطيه قائلة : خذ اشرب
الماء قد يساعدك على التحسن ، يأخذ الماء ويشرب
ويمسح فمه قائلاً : هل يمكنكِ اخباري اين نحن
الفتاة : نحن الآن نسير على الشارع الرئيسي الفاصل
ما بين حي ( كيكوف ) و حي ( ايندن ) ، انا منزلي
بعد نصف ساعة من هنا في حي ( ايندن ) يساراً
يضع كيلبر الماء بجانب قدمه قائلاً : هذا يعني اني
قد خرجت من غابة حي ( كيكوف ) ، تجيبه بـ نعم
فيقول : كم المسافة من هنا حتى حي ( بيتريل )
الفتاة : تقريباً ساعة و نصف ، يبدو أنه حيك
حسناً لا توجد سيارات أجرة في هذا الوقت وأنا
لا استطيع اخذك لهناك الآن لذلك ستبقى في منزلي
الليلة وغداً اقلك إلى وجهتك ، لا اريد رفض
كيلبر والحيرة تعتليه : حسناً ليس لدي حل آخر .
تبتسم الفتاة وتسرع اكثر قائلة : هذا جيد
اثناء هذا كيلبر يتسائل بداخله قائلاً ؛ ماذا حصل
هل كنت احلم وكيف وصلت إلى هنا ؟ ماذا
يجري وكيف خرجت من هناك !! ام اني لم اخرج
وحالياً انا قد مت واعيش بعالم من الضياع ؟؟!!
يردد كيلبر هذه الكلمات وهو لا يفهم هل هو حي
ام يحلم ام هذه حياة ما بعد الموت ، سواء كما
يفكر او لا زال على قيد الحياة ، هناك حقيقة واحدة
وهي أن الحياة التي اعتاد عليها كيلبر ستتغير و
الماضي قد رحل بكل تأكيد ، رحل بِلا عودة ....
• 1606 Words •