محاولات لقتل إمرأة لا تُقتل

By Bovardia_66

1.3M 40K 8.5K

- عن قصة واقــعـيـة. حرب شرسة بين قبيلتين، دام صراعها لأكثر من خمسون عاماً حتّى شُبهت بحرب الأوس والخزرج، تم... More

نبذة عن الرواية
المحاولة الثانية
المحاولة الثالـثة
المحاولة الرابـعة
المحاولة الخامـسة
المحاولة السـادسة
المحاولة السابـعة
المحاولة الثامـنة
المحاولة التاسـعة
المحاولة العاشـرة
المحاولة الحادية عشـر
المحاولة الثانية عشر
المحاولة الثالـثة عشر
المحاولة الرابـعة عشر
المحاولة الخامـسة عشر
المحاولة الســادسة عشـر
المحاولة السابــعة عشـر
المحاولة الثامـنة عشـر
المحاولة التاسـعة عشـر
المحاولة العشريــن
المحاولـة الواحد والعشريـن
المحاولة الثـانية والعشريـن
المحاولـة الثالـثة والعشريـن
المحاولـة الرابـعة والعشريـن
المحاولـة الخامـسة والعشريــن
المحاولـة الســادسة والعشـرين
موعد
المحاولـة الســابـعـة والعشـرين
المحاولـة الثــامنة والعشــرين
المحاولـة التاسعــة والعشــرين
الـمـحـاولـة الثلاثيـــن
الـمـحـاولـة الواحــدة والثلاثيــن
المحاولـة الثانيـــة والثلاثـيـن
الـمـحـاولـة الـثالـثة والثلاثـيـن
الـمـحـاولـة الرابـعـة والثلاثـيـن
الـمـحـاولـة الخامـسـة والثـلاثـيـن
الـمـحـاولـة السادســة والثلاثـيـن
الـمـحـاولـة السـابـعـة والثـلاثـيـن
الـمـحـاولـة الـثامــنة والثـلاثـيـن

المحاولة الأولى

112K 1.8K 400
By Bovardia_66

بقلم بوفارديا_66
أتمنى لكم قراءة ممتعة

✖️حرق الأحداث يعرضك للحظر
✖️ تنبيه الرواية لا تناسب أصحاب القلوب الضعيفة

* * * * * * * * * * * * * * * * * * * *

كان عياش يجلس في أحد البارات وبجانبه أحد أصدقاءه، ينظر لكأس الخمر ويقول بشرود.
:- هل تعرف، أنا أكره النساء، إنني أقرف من قربهن.

ضحك صديقه صوته مخموراً خاملاً وبطيء.
:- هذا واضح، واضح جداً، كل يوم مع امرأة، سيكون الأمر مقرفاً لو كنتُ مكانك.

بدأ عياش يضحك بهستيرية غريبة ، وأخذ الكأس يتجرعه دفعة واحدة وقال لصديقه هامساً وهو يضرب الكأس على الطاولة.
:- أريد الذهاب، ومعاشرة امرأة حد الغرق.

هز صديقه رأسه بلا اهتمام، هذا عياش، عياش الفاسق الذي لا يردعه شيء،. الذي جرب كل المحرمات، والغارق بالذنوب حد أنه يقول دائماً.

( أنا وإبليس سنحتسي الكثير من كؤوس الخمر سوياً في قعر جهنم ، فوقتنا معاً... سيكون أبدياً... وخالداً)

قال صديقه قبل ذهاب عياش.
:- إسمع، الزعيم أخبرني أن تذهب إليه في الصباح، لديه مهمة لك.

شتم عياش قائلاً.
:- زعيمك يحتاج عامود طويل جداً وأضعه عليه كما كان يفعل دراكولا،. وأشاهده يتخوزق ببطء، ببطء شديد.

بدأ صديقه يسعل من شدّة الضحك الذي أصابه بينما عياش يخرج من باب الحانة مترنحاً، ولم يقود سيارته حتّى لا يأخذ مخالفة، بل مشى في طريق الحانة الى المدينة، كانت الساعة قد وصلت للثالثة صباحاً، في المساءات المظلمة، كان يمشي مترنحاً، بلا حياة وبلا وجهة، ما الذي لديه في هذهِ الحياة!؟... لا شيء .

لا شيء يهمه ، لأنه بالحقيقة هو لا يملك شيء، مقطوع من كل شيء ، الجميع لا يريده، حتّى والدته التي زنت به رمته في القمامة، وإنه لا يشعر بالإمتنان للرجل الذي انتشله من صندوق القمامة، بل يمقته بشدة،. ليته تركه هناك،. يتعفّن بين الأوساخ ويموت.

لما عاش هذهِ الحياة السيئة والحقيرة، ورفع هاتفه متصلاً على امرأته الأخيرة وقال لها بصوت كالهذيان.
:- إفتحي الباب، أنا أمام منزلكِ.

دقيقتين ثمّ فُتح الباب ، كان يتكأ بجسده المترنح على طرف الباب، قابلته، تقف وابتسامة على ثغرها ، طويلة رفيعة بشعر أسود طويل كليل أسود، سمراء رائعة.

دخل مترنحاً وكاد يسقط لولا أنها أمسكته محتضنة جسده، وبكتفيه العريضين حاول ان يتعدل بينما روائح الخمر تفوح من جسده كان ثقيلاً وهي تحاول مساعدته .

أغلقت الباب وسحبته إليها وخلعت له ملابسه وأخذته إلى الحمام، بينما هو يغني بثمالة ويديه تخلع ملابسها.
:- كوني امرأةً خطرة .... كوني القوة ... كوني النمرة...
لفي حولي... حولييي، كي أتحسس دفئ الجلد وعطر البشرة..
كوني الوجع الرائع إنييي أنزف حباً إذ أتوجع .

عندما استيقظ في الصباح كان الصداع يفتك برأسه،. بينما هاتفه لا يتوقف عن الرنين، ومن فوق جسد المرأة التي تنام قربه، مد يده وسحب الهاتف،. وعينيه تضيق بينما يقرأ إسم زعيمه.

شتمه بقذارة قبل أن يرد على الهاتف، وأغمض عينيه وأبعد الهاتف عندما وصله صوته يزعق ككلب لا يتوقف عن النباح.
:- أنا أتصل منذُ الصباح يا لعين،. لماذا لا ترد على الهاتف!! .

:- ماذا تريد؟!.

:- تعال، اليوم لدينا مهمة نقل إلى الحدود، هيّا لا تطيل ...

رمى الهاتف وما زال ذلك الكلب ينبح بلا توقف وسحب امرأته من خصرها ووضعها أسفله، وفتحت عيناها بصعوبة قائلة بتذمر.
:- عياش أعطني بضع دقائق أخرى، فقط قليلاً.

لم يرد عليها، بينما يعبث بها كما يحلو له، وعيناه كل عدّة دقائق تذهب للساعة التي بجانب السرير،. الزعيم اللعين كان قد بدأ يضيق الخناق عليه، وهو، كثيراً ما بدأ يفكر في ترك العمل معه، لكنه حاول ذات مرّة وقد هدد عياش تهديد ثقيل،. قائلاً أنه قد كبّره على يده،. أنه هو من اهتم فيه، ويريد الإستفادة من ذلك الصنيع وأيما استفادة.

قاد سيّارته إلى المقرّ الرئيسي لتجمّع العصابة، وعندما دخل إلى المبنى، وجد القادة هناك جميعهم، وكانوا يتحدّثون عن عملية اليوم وطريقة نقل البضائع ومحاولة إدخالها من الحدود .

قال الزعيم.
:- جاء عياش ،. هو الذي سيعطينا طريقة إدخالهم من الحدود.

كان عياش ذكي جداً ومخادع جداً، ويستطيع خداع أي شخص بسهولة،. ويفعل ذلك بزعيمه في كثير من المرات،. كان يخدعه في بعض الشحنات ويسرق من أموالهم، ولم يعرف بهذا أي شخص،. ولهذا كان الزعيم كثيراً ما يأخذه معه ، يعطيه الكثير،. من الثقة، من المال، من القوّة، من الدعم.

وجلس هناك، بين الزعماء والقادة، بين أصحاب المناصب والفاسدين،. والذين يأخذون مناصب عليا في الحكومة،. وأخذ عياش القلم وبدأ يرسم ويشرح لهم، وقال كيف يوزعونها على شحنات كثيرة وبضاعة بكمية قليلة، وكيف ينفذون من تفتيش الحاجز عند الحدود.

ابتسم فادي، والذي يكون زعيمه ومن ربّاه، وربّت على كتف عياش برضا قائلاً بضحكة وهو ينظر إليه بفخر أمام من حوله.
:- هذا ابني الذي ربّيته على يديّ.

خرج من هناك، وبدأ في توزيع بضاعة الممنوعات على شاحنات النقل الكبيرة، وكان يضعها بأماكن لا تخطر على عقل بشري، وذهب معهم بأحدى شاحنات النقل، ومرّوا من دوما وذهبوا باتجاه سرغايا وهناك كان عليهم أن يعبروا الحدود.

وفي منتصف الليل كان يستطيع أن يجعلهم يعبروا،. إنه يجعلهم يطفئون أضواء الشاحنات ويمشون ببطء وهو يمشي أمامهم بضوء ليزر خفيف، كان يحفظ الطريق عن ظهر قلب ، مئات المرّات التي أخذ بها الشاحنات والممنوعات يعبر بهم الحدود.

بعد عدّة أيام كان عياش قد عاد من تلك المهمة،. وكل مرّة يعود من مهمّة تكون على الحدود يكون متعباً حد الهلاك، فيعود لمنزله وينام لعدة أيام مستريحاً، وعندما عاد من سفره،. دخل لمنزله، رمى نفسه على السرير وترك النوم يأخذه.

كانت الكوابيس مؤخراً لا تتركه وشأنه، يركض ويركض هرباً من شبح أسود، ويضل يركض في الحلم،. وفي النهاية يمسكه الشبح الأسود بين يديه ويبتلعه،. فيستيقظ مفزوعاً يرتجف وجسده بأكمله يتعرّق، وعندما يجد أنه في غرفته، يهدأ جسده وقلبه يبطئ بدقاته.

في الصباح الباكر كان يعدّ لنفسه القهوة،. يرتدي سرواله فقط، شعره مبعثر ولحيته نامية، فأخذ كوب قهوته ونظر لهاتفه الذي لم يتوقف عن الرنين،. كانت إحدى ضحاياه من النساء،. إنه بالفعل يكتب إسم رقمها على هاتفه ( الضحية العاشرة)، فتح الإتصال وقال وهو يفتح مكبر الصوت ويضع الهاتف على الطاولة.
:- أهلاً بالحبيبة.

أتاه صوتها مرتعشاً وخجولاً،. بينما تقول بحياء.
:- لقد افتقدتك، أردت الإطمئنان عليك.

:- ااااه يا جميلتي، كيف أتحمل هذا الإهتمام، قلبي لم يعد يتسع فرط الجمال.

والمسكينة كادت تذوب من كلماته العابثة،. الساحرة والمخادعة، بينما هذه المراهقة والتي لم تعرف الحب يوماً،. كانت تسمع إطراءاته وبعض جرائته ووقاحته على أنها حبّاً.

:- أريد رؤيتكِ، لماذا ما تزالين تتمنَّعينَ لقائي!؟.

قالت ورجفة الحياء تلازم نبرتها.
:- لا أعرف، أظن أننا يجب أن نتمهل.

:- اليوم سأعزمكِ على مطعم قريب، ولن أقبل برفضك مطلقًا.

تنهدت كان يعرف كيف يسحبها،. كيف يلتفَّ حول ضحاياه،. بنعومة، بسلاسة، وبكلامه المعسول، ثمّ ببطء يقبض عليهم بين براثنه.

ذهب في سيّارته، كان وسيم جداً وذلك ما كان يجعله يصطاد ضحاياه بسهولة، طول فارع وأكتاف عريضة، شعره الأشقر المسرّح، وعيناه الملونة، بينما سيّارته من أحدث السيارات، ويرتدي ملابسه من ماركات شهيرة.

أوقف السيّارة بالقرب من الحرم الجامعي، وجلس في سيّارته يراقب الفتاة التي كانت تخرج من الحرم تمشي بخطواتها السريعة، المطر كان خفيفاً لكنه بلل شعرها الأسود القصير، اقتربت منه وفتحت باب السيّارة سريعاً واغلقته بعد دخولها.

كانت ترتجف، وتحاول إخفاء ذلك وهي تبتسم في وجهه،. مدّ يده ليمسك يدها فسحبتها على الفور قائلة بارتجاف.
:- اعتقد أنني يجب أن أعود للحرم.

أوقف السيارة في محاولة لتخفيف رهبتها، ونظر إليها وهو يقول بنبرة معسولة.
:- إنني لم أشبع من وجودك،. على الأقل دعيني آخذك للمطعم ولن نتأخر، أعدكِ بذلك.

وشاهدها تجاهد في منع ارتجافها بينما يمد يده ويمسك بيدها ويتحسس عليها بنعومة، وكانت هي قد بدأت بشرتها تتحول للون القرمزي من الخجل.

:- انتِ جميلة جداً، أنا محظوظ بكِ.

وكان طوال طريقهم إلى المطعم يتغنّى لها بالكلمات والغزل الجريئ الذي يقتبسه من ابيات نزار قبّاني، وهي ... تلك المسكينة كان قلبها يكاد يخرج من صدرها من الحب الذي تشعر فيه، إنها تجرب الحب للمرة الأولى،. صغيرة على الحب ولا تعرف كيف يكون الحب.

وصلوا إلى المطعم، وأخذها إلى زاوية بعيدة وطلب من النادل ما يردون، اتسعت عيون الفتاة عندما قدمه رفعها يتحسس ساقها من أسفل الطاولة، ورددت بتلعثم.
:- عياش ... أرجوك ... يكفي.

عينيه الخضراء نظرت إليها بتحديق جريئ وفج، وابعد قدمه عن لمسها، وعينيه تنتقل إليها، وكان قد تعمّد ذلك،. فهي سيصبح تركيزها معدوماً من الخجل والحياء، وتبدأ تشيح بنظرها عن نظراته الجريئة.

واستغل ذلك وهو يضع حبوب مخدر في كوب العصير الذي أمامه ، ثمّ مد يده إليها يلمس خدّها قائلاً وهو يغمز بعينه.
:- لا تشيحي جمالك البهي عنّي.

وحين أبعد يده دفع كأس عصيرها وانسكب على الطاولة، واجفلت الفتاة وهي تقف في مكانها، قال جلال وهو يرفع المناديل ويضعها فوق العصير المنسكب.
:- إجلسي، إجلسي.

عندما جلست قال.
:- اعتذر أنني سكبت عصيرك، خذي كأس العصير الخاص بي.

:- لا لا،. حقّاً ليس هناك داعٍ.

أصرّ قائلاً.
:- خذي الكأس، أنا لا أحب العصير.

وضعه أمامها، وجلس يتحدث معها ويسألها عن نفسها، ومن يُسأل عن نفسه فهو بالتأكيد لا يتوقف عن الحديث، وكانت ترتشف من العصير وتتحدّث، وهو عينيه كل عدّة دقاذق تذهب للكأس وعندما كادت تنهيه، قال لها وهو ينهض.
:- هل نعود؟.

:- نعم بالطبع ... هيا نذهب.

وقفت وأخذت حقيبتها وذهبت معه خارجين من المطعم،. واتجه معها إلى سيّارته، وعندما قاد سيّارته لم يأخذ عليها الدواء إلى هذهِ اللحظة، فخشي أن يعيدها وتكتشف خداعه حين تشعر بتأثير الدواء، فأوقف سيارته بمنتصف الطريق وقال لها وهو ينظر إليها عاقداً حاجبيه.
:- أظن أن السيّارة قد تعطلت.

نظرت لساعتها وتقلصت ملامحها بضيق.
:- لا تقل هذا،. سيعرفون بغيابي في الحرم وقد يتحدّثون لوالدي عن خروجي في هذا الوقت.

:- سأحاول تصليحها بأسرع وقت، أظن أن المحرك قد سخُن.

خرج من السيّارة وفتح صندوق السيّارة الأمامي، وبدأ يعبث لبعض الوقت في معدّاتها، وخمس دقائق مرّت، في هذا الطريق الخالي، بينما الشمس قد بدأت تغرب، وأغلق الصندوق وعاد للسيّارة، فوجدها تنظر إليه بعيون مرتخية تكاد تغمضهم،. بينما تقول بلسان ثقيل.
:- عياش أعدني للحرم، أشعر بالتعب.

:- بالتأكيد حبيبتي الصغيرة.

مشى ببطء وأخذها حيثُ المكان الذي دائماً يأخذه إليه ضحاياه، وهي كانت لا تشعر بنفسها،. فقط لم تغب عن الوعي بعد،. تحاول الصمود إلى اللحظة الأخيرة.

وصل إلى المبنى النائي بعض الشيء عن المدينة، ووقفت سيّارته أمام البوابة الضخمة وهنا كانت الفتاة قد فقدت الوعي بالفعل، فنزل من السيّارة وحملها بين ذراعيه ودخل بها إلى المبنى، واستقبله أحد الحرّاس وراح يفتح له المخزن، فوضعها بداخله، وكان ذلك المكان عازل للصوت وحتّى لو أتي أحد لهذا المبنى لا يمكنه إيجاد المخزن بسهولة.

وضعها في المخزن وأخبر الحارس أن يضع لها صينية طعام، وهو خرج من المكان مغلقاً الباب خلفه، بلا ضمير،. أو أدنى شعور بالتأنيب.

وجد فادي في غرفة الجلوس، عيونه غائرة وملامحه ذابلة ويبدو منتشياً، من الواضح أنه تجرع الكثير من الممنوعات، جلس عياش أمامه بينما يقول فادي بضحكة.
:- هذا هو ابني، احسنت فعلاً، لكَ منّي مكافئة كبيرة.

****************

يحدّثوني عن ملذّات الحياة، فأذهب إليها، ثمّ لا أشعر بها، وأعود مرّةً أخرى وأبحث، اركض وراء ملذات الحياة، ركض الوحوش في البرّية، وحين أصل أحسبها كبحر لُجّي، وأحسبهُ من ظمأي ماء،. ثم إذا جئت إليه لم اجده شيئاً،. هذا ما أراه في ملذّات الحياة.

لم ينظ خلفه حين خرج من المبنى بعدما ترك تلك الفتاة في المخزن ، ذهب إلى منزله كل ما أرده هو الغرق في البيت ولا يخرج من المكان حتّى يتخلص من ذلك الشعور.

عندما دخل إلى المنزل، نظر علي الفور إلى باب الشرفة، والذي كان موربا، عرف أن تلك المرأة دخلت مجدداً إلى المنزل، يجب أن اتخلص منها قبل أن تتمرد أكثر، وتحاول الدخول إلى عالمه، إنه لم يسمح لأحد على الإطلاق بالدخول لعالمه،. لا أحد يعرفه حق المعرفة، كان نكرة كما يصف نفسه، إنه لا يملك حتّى سجلاً في البلاد بإسمه.

مجهول تماماً، بقدر ما كان ذلك مؤلماً، لكنه مريح لحد كبير، أن لا ينتمي الإنسان،. إلى مكان قد ينفر منه أو يتحسر على وجوده فيه دون اختيار منه، اليس هذا ما يقوله درويش في شعره، انت حر ومنسي في خيالك، فلا أحد يهين مزاجك الصافي، ولا أحد يحملق في ثيابك، ويقول ايضا، ليس لاسمك او لوجهك ها هنا عمل ضروري، تكون كما تكون، فلا صديق ولا عدو يراقب ذكرياتك.

دخل إلى غرفته، ولم يكن له مِزاج البحث عن تلك المرأة، جلس في الزاوية

***************************

كانت حوافر الخيل كأنها تقدح النيران لشدّتها وصلابتها، خيل أشقر اللون، بشعره الحريري يتطاير مع حدوه حيثُ يسابق الريح بسرعته، بينما صاحبته كانت ملثمة بوشاح أسود لا يُظهر إلا عيناها، عيون شامية بامتياز، قبائلية بكل صلابتها، تمسك لجام الخيل بين يديها وتدفعها لتسرع أكثر في ذلك السباق،. بينها وبين أختها التي كانت هي الأخرى تمطي جواداً مرقّعاً بلون بني ووجه أبيض، قالت اختها وهي تحاول اللحاق بها .
:- الخيل والليل والبيداء تعرفني...
والسيف والرمحُ والقرطاس والقلم.

فردت ضاحكة.
:- قالها المتنبي ولم يرفع سيفاً في حياته، كفّي عن اقوال بلا أفعال...

وحين فازت بذلك السباق كما تجري العادة قالت بافتخار.
:- حصاتي كان دلال المنايا، فخاض غبارها وشرى وباعَ، وسيفي كان للهيجا طبيباً، يداوي رأس من يشكو الصداعَ، انا سوارُ التي خُبّرتَ عنها ، وقد عايَنتَني فدعِ السماعَ، لو أرسلتُ رمحي مع جبان، لكان من هيبتي يلقى السباعا، ملئتُ الأرض خوفاً من حسامي،. وخصمي لم يجد فيها اتساعَ.

ضحكت اختها بصوت عالي، وهي تردد.
:- تلاعبي بشعر عنترة على هواكِ يا سوار.

عندما عادتا إلى المنزل،. وقد كان الصباح باكراً،. وكما هي العادة تذهب مع أختها في جريهما بالخيل، بعد صلاة الفجر بساعة، ثم تعودان وتستلم أختها مهمة رعاية الخيل،. وهي تعود لإعداد الإفطار.

كانت في ساحة البيت تسقي الزرعات، الطقس دافئ جداً، ونسيم الهواء كان يحرك وشاحها الحريري الأسود وشعرها أسفله يتطاير، ونظرت خلفها عندما دخلت السيارة البيضاء من البوابة الحديدية إلى المرأب الخاص بالسيّارات.

ابتسمت حين دخل أخيها وقال لها بينما يمشي حيث تقف،. يرتدي ثوب أبيض وقد عاد لتوه من صلاة الجمعة.
:- وين أمي؟.

:- في المجلس ، عندها نساء القرية .

:- تجهزوا أنتِ والبنات، سآخذكن إلى منزل عمّي محمود.

نظرت له من فوق كتفها وعلى شفتيها ابتسامة واسعة بينما ملابسها قد تبللت من سقاية الورود والزرع.
:- نذهب إلى عمك محمود ام تقصد إبنة عمك محمود؟.

وتراقصن حاجبيها تضحك أمام خجل أخيها الذي قل وهو يلكز كتفها بقبضته.
:- كفي عن هذا الكلام يا فتاة.

بعد قليل،. تركت خرطوم الماء وعادت إلى الداخل لتغير ملابسها المبلولة، وجدت أختها تجلس على السرير، والكتاب فوق رأسها، بينما شعرها المتناثر يتدلى من السرير ويلمس الأرض،. فاقتربت منها وسحبت شعرها فانتفضت اختها وفتحت عينيها على أوسعها وقالت بحنق وغيظ.
:- سوار!!، لقد قفز قلبي لخارج صدري من الرعبة.

:- حبيبتي من يكون لديه امتحانات بكالوريا، لا يغمض عينيه أبداً.

واستدارت، ثم قالت قبل الخروج.
:- معاوية سيأخذنا بعد قليل لبيت عمّي، تجهزي.

ثم عادت تسأل وهي عند الباب.
:- اين جمان؟.

قالت وجد وهي ترفع شعرها وتربطه.
:- كانت تستحم، لقد عادت لتوها من الإسطبل.

خرجت وذهبت إلى غرفتها، ثمّ بشكل سريع خلعت ملابسها المبللة وبدلتها بأخرى،. وحاولت بشتى الطرق لجم شعرها أسفل الحجاب،. كان صعب جداً، وكثيراً ما حاولت قصه، لكن والدتها لا تريد ذلك.

بعد العصر، ركبوا مع معاوية، والدتها جلست بجانبه، بينما هي واخواتها يجلسن في الخلف ، قالت وجد.
:- معاوية ضع لنا أغنية.

عيونه نظرت إليها من خلال المرآة، وأعطاها نظرة جعلتها تصمت وهو يقول.
:- حديث جديد هذا انسة وجد.

زمت شفتيها حانقة من هذا التشدد الذي لديه،. وعادت تنظر من النافذة حيث الأراضي الزراعية الواسعة، وقد أخذ الربيع ينشر ألوانه البهية على مدينتهم وريفها، والقرية التي يسكنونها كانت مليئة بالبساتين والأراضي الزراعية، عائلتهم المكونة من ثلاث فتيات، ومعاوية الذكر الوحيد والكبير في العائلة، هم لا يختلطون بأحد، إلا بعمهم محمود.

الذي إهتم بهم بعد وفاة والدهم منذُ اثنا عشر عاماً، حيث كان معاوية طالبة في الثانوية ما يزال في السادسة عشر، مات والدهم وهم صغار، وترك خلفه عائلته، واطفاله الذين كانوا كلهم صغارا وزوجته ماريّا، كانت لا تزال في التاسعة والعشرين حينها واصبحت أرملة شيخ القبيلة.

وصلوا إلى منزل عمّهم، الذي استقبلهم كعادته، وذهب مع معاوية إلى المجلس،. بينما الفتيات ذهبن إلى الداخل، كان منزل عمهم واسع جدا ويحيطه بالكامل شجر السرو بطوله الشاسع يغطي أسوار المنزل ويستر المكان بالكامل.

كانت سوار في المطبخ، تعد الشاي لعمها ومن في المجلس،. بينما ليلى تضع التمر والقهوة العربية، قالت لسوار.
:- كيف حاله؟.

التفتت سوار واتكأت على رخام المطبخ خلفها ونظرت لبنت عمها التي كانت تحدق في دلة القهوة بينما تطبخ بها القهوة،. وجهها اكتسته حمرة الحياء وكأنها ندمت على الفور لما نطقته لتوها.

قالت سوار.
:- بخير .

ثم عادت تقول وابتسامة ماكرة على شفتيها.
:- أظنه سيتحدث اليوم مع عمّي محمود بشأنكِ.

اتسعت عيون ليلى ووضعت يدها على فمها تمنع نفسها من الصراخ بفرحتها العارمة، ولم تشعر بدموعها تغرق عيناها فاستدارت عن ابنة عمّها وخرجت من المكان تاركة سوار تحدق خلفها مبتسمة.

الحب الطاهر، حين يكون نقياً، يكون جميل جداً، كان معاوية يريد ابنة عمه ليلى منذُ كانت صغيرة ، واليوم وقد انهت ليلى دراستها بتفوق، وبدأت تدرس الشريعة الإسلامية في أحد جامعات درعا ، أتى على الفور إلى عمه،. رغم أن الجميع لم يكن يتحدث بهذا الأمر،. لكن كان شيء مسلم به،. ليلى من نصيب معاوية ومعاوية من نصيب ليلى.

خرجت سوار من المطبخ، فدخل ابن عمها وعلى الفور استدار متعذرا وهو يقول.
:- جئتُ لآخذ القهوة وبقيّة الضيافة.

:- تفضل يا ابن العم.

تركت المكان له وعادت إلى غرفة المجلس ، كانت زوجة عمّها ووالدتها تجلسان في جهة وتتسامران بأحاديث هامسة، توقعت سوار على الفور ماكان يدور بينهما، بينما وجد كانت تتحدث مع ليلى عن الدراسة ويتناصحان بأفضل المراكز في الدروس الخصوصية، ابنة عمها سوسن على هاتفها منهمكة ولا تدري ماذا يدور حولها، أمّا جمان، فكانت تجلس صامتة في مكانها وتبدو شاردة الذهن.

كان هناك صفات كثيرة مشتركة بين سوار وجمان، الصلابة والقوّة، وحب الخيل، اقتربت سوار وجلست على احد الفرشات، فقد كان المجلس ذو طابع عربي، بجلساته المريحة، وسألت أختها وهي تميل إليها قليلاً بجسدها.
:- تبدين على غير طبيعتكِ، ماذا يحدث معكِ؟.

اخبرتها بتمتمة خافتة.
:- حين نعود سأخبركِ بالأمر.

وبينما كانت هي واختها تتحدثان، ارتفعت الطرقات على الباب الخشبي الكبير للمجلس، واستقامت سوسن تضع الوشاح جيداً على رأسها وفتحت الباب، كان جواد يقف هناك يعطي ظهره للباب وهو يقول.
:- ليلى تعالي إلى المجلس، أبي يريدكِ هناك، هيا.

ليلى بدأت ترتعش من الخجل،. واستقامت من مكانها، وقد تعثّرت بعبائتها وهي تخطو، وراحت ترفع الوشاح عن كتفيها وتغطي رأسها به، ومشت مع أخيها إلى مجلس الرجال، باب المجلس خارجي ويكون بجانب الباب الداخلي لبقية المنزل، فخرجت مع جواد وفتح باب المجلس ووقف عنده قائلاً.
:- هيّا أدخلي.

نظرت إليه، فطمأنها قائلا ويده تدفع ظهرها فقد أبت ان تتحرك.
:- هيا أخيتي، هناك من ينتظر قدومكِ.

وتضرج خديها بلون قاني من الخجل، بحكم العادات السائدة، وعدم الإختلاط بتاتاً بين الرجال والنساء، كان الحياء يُحكم بحكمه على كل فتيات القرية، فدخلت ليلى،. ويدها تتشبث بثوب أخيها، فقال ساخراً.
:- على مهلك، ستمزقين ثوبي.

وضربت خاصرته وقرصته بقوة لأنه رفع صوته بحيث سمع من في المجلس بما قال، فأخذ جواد يكتم ألم قرصتها وكأنها دبور نحل، وهو يتمتم بسخط كلمات غاضبة لا يسمعها أحد.

:- تعالي يا ابنتي ... اقتربي.

اقتربت ليلى وجلس حيثُ أشار والدها، وبدأ يتحدث عن معاوية الذي لم ينظر إليها أبداً طوال الجلسة، كأن والدها يحدثها عن غريب، هذا معاوية يا أبي!، معاوية الذي حملني حين كنتُ في المهدِ صغيرة، معاوية الذي يأخذني على الخيل، معاوية الذي كثيرا ما نمت في أحضانه بصغري، هل تريد أن تعلّمني عنه !.

:- ابن عمّكِ يريدكِ زوجة له، هل توافقين؟.

:- نعم يا أبي ، انا موافقة .

وانزلت عيونها عنه، وطلب منها والدها الخروج بعدما بارك لها ولمعاوية، وخرجت ليلى من المكان قلبها يكاد يخرج من صدرها من الفرحة التي تحملها، وعادت وأقدامها لا تكاد تحملها، ودخلت إلى المجلس بأنفاس متسارعة، وجميع من في الغرفة نظروا إليها، وسألتها والدتها مبتسمة.
:- ماذا أراد والدكِ؟.

ازداد تخضب وجهها، من النظرات الكثيرة نحوها، فقالت بصوت يرتجف بأوتاره من الخجل.
:- تقدم لي معاوية بالزواج وأبي وافق .

انطلقت الزغاريد من أم جواد وأم معاوية، حتّى ملئت المجلس بأكمله، ورحن يهنّئن ليلى، وكان الجميع سعيداً بهذهِ المناسبة، ليس شيئاً عادياً بالنسبة لها ولمعاوية، حب الطفولة، كان صادقاً.

وتم الإتفاق بعد اسبوع سيتم عقد القران والإشهار بهذا الزواج أمام الجميع، حسب العادات والتقاليد الموجودة، كانت هذهِ العائلات محافظة جداً، ولهذا لا يشيدون الأفراح بأشياء كبيرة، وكان معاوية ابن شيخ القبيلة، ووالده شيخ القبيلة ترك خلفه ورثته الضخمة لعائلته، و عمهم محمود قد ساعدهم في إدارة ما تُرك لهم من ورث، الأراضي الكثيرة، والمجمعات في وسط المدينة، داخل حوران كان والد معاوية معروف جداً ويأتي إليه الناس من أماكن بعيدة ليكون واسطة في الصلح بين القبائل والعائلات.

ورغم ذلك، لم يستطع ابا معاوية أن يحل الخلاف بين قبيلته قبيلة بني صخر، وقبيلة أحد اجداده، قبيلة بني خالد.

الصراع الذي كان بين القبيلتين امتد حتّى هذهِ اللحظة لثلاثون عام،. حتّى أنه شُبه بصراع قبيلتي الأوس والخزرج، وكلما حدثت مشكلة واشعلت فتيلة الحرب من جديد قيل تقاتلت الأوس والخزرج، وراح ضحية هذا الصراح بين القبائل مئات الأنفس البريئة، فهل هناك أحد يحل ما بين بني صخر وبني خالد ، كما حل رسول الله عليه الصلاة والسلام بين الأوس والخزرج؟!.

عندما عادوا وذهب كل منهم لغرفته، تسللت جمان إلى غرفة أختها سوار، وحين فتحت الباب قابلتها الظلمة إلا من ضوء صغير بجانب السرير يتيح لسوار قراءة القرآن، سألت جمان من عند الباب.
:- هل يمكنني الدخول؟.

:- تعالي ... تعالي.

دخلت وأغلقت الباب خلفها بحرص شديد حتى لا تستيقظ والدتها، ومشت إلى سرير اختها، كانت ترتدي كنزة وبنطال خفيفين وشعرها الأسود الطويل يتدلى حول خصرها وهي تقفز جالسة بجانب اختها التي أغلقت المصحف ونظرت إليها قائلة على الفور حين شاهدت التعبير الحذر في وجه اختها.
:- هيّا، حدثيني،. ما الذي يحدث معكِ؟.

:- عديني أن يكون ما أقوله سراً بيننا .

تزمت فمها وقالت بشيء من الريبة.
:- جمان، قولي ما عندكِ،. ولا تخيفيني .

زفرت أنفاسها وعضت على فمها تستذكر وتستجلب الكلمات أمام سوار، حتّى لا يخونها التعبير،. فسوار مجنونة لا يردعها أحد.
:- هل تذكري قبل يومين حين كنتِ مريضة وذهبتُ وحدي في الصباح بالخيل؟.

:- حصل قبل يومين،. هل أنا سمكة لأنسى؟!.

دفعت كتفها بسخط.
:- لا إله إلا الله، لستُ في مزاج لسخافتكِ.

:- تكلمي تكلمي.

:- المهم،. حين ذهبت بالخيل، عند تقاطع حقل التفاح وقف في طريقي رجل، كان هو الآخر على حصانه، فسألني إن كنتُ أستطيع مسابقته،. حسناً انا لم أرد على كلامه اقسم بالله، لكن حين استدرت وعدت جرى بحصانه أمامي وقال "يا خاسرة" ولم اتمالك نفسي فرحتُ أسابقه، وقد تغلبتُ عليه.

كانت عيون سوار غاضبة ومشتعلة تحدجها ولكنها آثرت السكون حتّى تنتهي أختها من الحديث،. وإلا إن انفجرت الآن،. ستخاف جمان ولن تخبرها عن المصائب التي يعلم الله بها وما يكون خلفها.

:- أخبرني أنه ينتظرني يوم السبت لأتسابق معه.

هزت سوار رأسها، وسألتها بعيون ضيقة.
:- هل عرف من أنتِ؟.

:- لا،. كنتُ ملثمة.

زفرت سوار وعادت تسأل.
:- في عينيكِ حديث،. قولي ماذا حصل أيضاً؟.

:- حسناً،. صدقيني هذا ما حصل،. لكن الرجل هذا أنا أعرفه.

سألت سوار باستفسار.
:- من هو؟.

:- إنه جبّار، ابن الحداد عبد الوهاب.

شهقت سوار وتداركت نفسها وهي تضع يدها على فمها، قبل أن تقول من بين أسنانها بغيظ وغضب.
:- أيتها الغبية تعرفين من هو وبقيتي مكانكِ!!، اقسم بالله لو عرف معاوية، ان جبّار صلابة وقوة قبيلة بني خالد، هل أنتِ متأكدة أنه لم يعرفكِ؟، لا تكذبي علي!.

:- اقسم لكِ أنه لم يعرفني.

هزت سوار رأسها ونظرت أمامها بتفكير وقال بعد ذلك وهي تعاود النظر لأختها.
:- غدا سأخرج مع دابق حيثُ المكان الذي أخبركِ به ذلك الرجل.

كادت جمان تبكي وهي تقول بحرقة .
:- ليتني لم أخبركِ، هل تريدين توريطنا!!، قلتُ لكِ الرجل لم يتعرض لي على الإطلاق، والله وبالله وتالله، هل صدقتي!!!.

:- سأذهب غداً بحصانكِ، وهيا عودي لغرفتكِ ولا تتحدثي أمام أي مخلوق بهذا الكلام،. هيا الى النوم.

زففرت جمان بغيظ وغضب، قبل أن تخرج من غرفة اختها حانقة وساخطة،. يا اللهي ليتها لم تتحدث أمام سوار،. حتّى لو لم يتعرف عليها جبّار،. لكن إن ذهبت سوار سيعرف حتماً، شراسة سوار معروفة بالقبيلة، كانوا يقولون شيخ القبيلة ترك ابنته تصطاد ذئباً برمحها وبالفعل سوار قد فعلت ذلك.

**************

في الصباح الباكر، الجميع خرجوا من غرفهم، معاوية خرج للمسجد والوالدة ام معاوية هي وبناتها الثلاثة صلوا في غرفة الجلوس،. وبينما والدتهم تذهب إلى المطبخ مع جمان لإعداد الفطور ،. و ذهبت وجد لتدرس لإمتحانات الثانوية التي اقتربت،. ارتدت سوار ملابسها وعباءتها ووضعت اللثام على وجهها وخرجت للإسطبل،. وأخذت حصان أختها دابق،. وامتطته خارجة من أسوار المنزل الضخمة إلى الأرض الزراعية خلفهم والتي كانت كلها ملك للعائلة.

لقد أخبر جمان أنه سيكون في السابعة هناك ينتظر للسباق،. فمشت سوار بالخيل، الذي عرف أن سوار لم تكن صاحبته، فلم يتكيف معها كما يفعل حصانها بارق، وبالفعل حين وصلت للمكان الذي أخبرتها به جمان، كان جبّار هناك،. إن الساعة لم تكن قد أصبحت السابعة حتّى، متحمس للغاية ابن بني خالد، لكن سوار كانت بالمرصاد لما يحاول أن يتجبّر به.

لم تصل إليه، بقيت بعيدة خمسون متراً واستدارت بالحصان،. ورفعت ذراعها ثمّ دفعتها وأشارت للطريق بعنى أن السباق قد بدأ، وهو رجل خبير بسباقات الخيول لا يمكن ان يغفل عن الاشارة.

فانطلق بخيله يسابق الريح وقال بضحكة خيلاء لم تغفل عنها سوار.
:- في المرة الماضية اعطيتكِ فرصة، لكن هذهِ المرّة أعذريني يا كحيلة العينين.

وبالفعل رغم خبرتها الكبيرة قد سبقها ذلك العنجهي المتفاخر، ووصل قبلها ووقف بحصانه أمامها يراقب قدومها وابتسم.
:- شكراً لأنكِ لم تخيبي ظني وجئتِ.

ردت سوار.
:- لا يهمني إن كنتُ سأخيب ظنك أو لا، جبّار ابن الحداد.

ضحك وعاد ينظر إليها.
:- صوتكِ يداوي جروح قلبي العليلة.

وهنا رفعت سوار القوس ووضعت به أحد سهامها فارتفع حاجبه،. وقال مبتسما.
:- كل السهام وان تزامن وقعها، اخف وقعاً من سهم عيناكِ، فقتيلها يرتاح منها مرّةً، وقتيل عينكِ حيٌّ ميتُ الإدراكِ.

انطلق الرمح من قوسها ولأنها دقيقة جدا جدا، حرصت على موقع إطلاقه،. فخدش جانب وجهه ومرّ مرور الكرام ليسقط على بعد اربعون متراً، رفع يده ولمس جانب وجهه ونظر إلى الدماء التي لطخت أصابعه.

:- فتاة، ما هذهِ الشراسة!؟.

قالت.
:- إذا عدتَ مرةً ثانية ،. سيصيب السهم قلبك.

ومشت سوار فقال من خلفها بصوته الجهوري.
:- حسناً، آنسة سوار.

اتسعت عيونها من خلف اللثام، ونظرت من فوق كتفها إلى الخلف حيثُ ما يزال يقف، ورد على تساؤلها الصامت.
:- ابنة الشيخ جبران، كيف لا يلاحظها أحد.

:- إذا احذر من ابنة الشيخ جبران يا ابن الحداد، قد لا يكون صيدي القادم ذئباً، وقبل أن تنظر لأعراض الناس وتتغزل،. اذهب لأختك خديجة واعطها عطفاً لئلا تطلبه من الآخرين.

هنا احترقت عيون جبار بصمته المطبق بل لم يجرؤ على سؤالها كيف عرفت عن اخته،. لكنها ابنة جبران،. ويعرف حق المعرفة من هي سوار،. فاستدار بحصانه وعاد أدراجه،. نزلت سوار من فوق دابق،. واخذت السهم وأعادته لمكانه بينما تعود مع حصان اختها سيراً على الأقدام،. فلم يكن المكان بعيداً.

كانت تجتمع بعض نساء القرية عند والدتها في كثير من الأوقات، يأتين إلى زوجة الشيخ، ولم يتلاشى هذا اللقب رغم مرور خمسة عشر عاماً على وفاة زوجها الشيخ جبران.

عندما وصلت سوار إلى المنزل، وجدت جمان بالقرب من الإسطبل، تحوص في المكان كدجاجة على وشك وضع بيضتها، لا تستطيع الجلوس في مكانها، وحين سمعت صهيل دابق التفتت على الفور واقتربت من اختها قائلة.
:- احترقت أعصابي وأنا أنتظر، ماذا حصل؟.

:- اعطيته تحذير بسيط، إذا عاد مرة ثانية سيذهب إلى الشيخ جبران وينام جواره.

لطمت جمان على فمها ورددت بذعر.
:- هل عرف من أنتِ؟! .

:- وإن يكن، لا يهمني.

عادتا إلى الداخل، وكانت أمهما تجلس في المجلس مع بعض نساء القرية، فنادت الخادمة على سوار وقالت لها.
:- سيدتي، الأم سلطانة تنادي عليكِ.

كانت سوار قد غيرت ملابسها ألى أخرى، ترتدي ثوب خفيف من الساتان الناعم بلونه الأحمر الذي لاق على بشرتها، وشعرها المجدل يتدلى أسفل خاصرتها وكأن لا نهاية له، بينما عيونها التي كانت مزيجاً من العسل الأصفر والأخضر، أحاطهما الكحل وجعل منهما يسلبان الألباب، ووضعت فوق رأسها الوشاح عندما نادت عليها الخادمة وخرجت من المكان.

طرقت على باب المجلس ثمّ دخلت إلى الداخل، هناك خمسة نساء في الداخل، وإحداهن كانت زوجة عمها خليل، صافحت كل منهن بينما تمد يدها بشكل سريع، وعادت تجلس بجانب أمها السلطانة، ولقب السلطانة كان والدها الشيخ جبران يلقب زوجته بالسلطانة، من شدّة الحب الذي كان بينهما، أما في الحقيقة فكان أسمها ماريّا، ونادراً ما يقال هذا الاسم، السلطانة هو اسمها المعروف فيمن حولهم، زوجة الشيخ جبران، شيخ قبيلة بني صخر.

:- ابنتي سوار، خالتكِ حليمة، جاءت لرؤيتكِ، يريد ابنها عبدالرحمن القواسمة التقدم لخطبتكِ.

انتظرت سوار بينما الخادمة تقدم القهوة العربية للضيوف ، وتضع صواني الحلويات على طاولة الضيافة، وقالت تنظر للمرأة المدعوّة حليمة.
:- لي الشرف خالة حليمة، لكنني في الوقت الحالي أكمل دراسات عليا.

:- وابني ليست لديه مشكلة في ذلك.

المشكلة هي ابنك يا عزيزتي، لكن سوار ابتسمت وهي تعاود القول.
:- في الحقيقة، أنا لا أفكر بالزواج في الوقت الحالي .

بان الإنزعاج على وجه الموأة لكنها آثرت السكوت ولم تصر أكثر من ذلك، كأن في داخلها تقول، من تنتظرين ايتها النرجسية!!، وبالفعل عبدالرحمن القواسمة كان رجل بحق، له صيته في البلاد، وكان صديق لمعاوية أخيها، مرّة واحدة رآها، كانت تعيد بارق إلى الإسطبل بعد الجولة الصباحية، وتتحدث مع الخادمة عن ترتيبات حفل تخرج جمان من الجامعة، وخرج معاوية من المجلس مع عبدالرحمن القواسمة.

سميّة ابنة الخادمة التي لديهم، كانت بعمر العشرين، ابنة السيدة فاطمة، نظرت إلى عبدالرحمن وبقيت تحدق به كمن وقع في سحره، وسوار ضربت كتفها وهي تقول موبخة.
:- " وليغضضن من أبصارهن " أكلتي الرجل بعيناكِ.

استحت سميّة وعادت تعتذر وهي تمشي مع سوار لداخل المنزل، وتلك هي المرة الوحيدة التي رآها فيها، ولم تظن أنه رآها إلّا الآن، حين تذكرت الموقف، كان قبل شهرين فقط.

* * * * * * * * * * * * * * *

" وضعوني في إناء وقالوا لا تسلم، وأنا لستُ بماء، أنا من طين السماء "

حقن المخدر كانت متناثرة حوله، بينما يحدق في سقف الغرفة بصمت، وسجارته يتصاعد دخانها بينما هي أسيرة أصابعه، وتلك المرأة السمراء البهية نائمة على سريره والشرشف لا يغطي الكثير من جسدها المرمري اللامع، كان يهذي بصوت خميل ولسان ثقيل قائلاً.
:- عينااااكي..... عيناااااكي، الدمع الأسود فوقهما يتساقط انغاام بياااني، عيناكي وتبغي وكحولي والكأس العاشر...... أعماااني .

صوت خالد الشيخ وهو يغني تلك الكلمات يرتفع من هاتفه الملقى بجانبه ، حاول ان يستقيم من مكانه ولم يستطع، فقد اختل توازنه وسقط على الأرض، تأثير المخدرات كانت تسيطر عليه .

يريد النوم، يريد أن يغمض عينيه ولكن يأبى عقله هذهِ الرغبة، اللعين لا يتوقف عن التفكير المهلك، خرج من الغرفة يرتدي سروال قصير فقط، عاري الصدر وبشعره المبعثر ولحيته النامية، دخل المطبخ وشرب كأس من الماء، ونظر إلى الدرج المليء بأقراص المسكنات، بروفين ريفانين سيتامول بنادول والكثير، كان يريد الأخذ منها عل هذا الألم يهدأ قليلاً لكن مضاعفات حقن المخدر مع حبوب المسكن تدخله في حالة إغماء مستمر .

عاد للغرفة، كانت تلك السمراء قد استيقظت على صوت الباب الذي أغلق خلفه، ومشى حافي القدمين إلى السرير، وقال بصوت جاف وهو يتمدد.
:- إذهبي لغرفة أخرى.

:- انتهت حاجتك سيد عيّاش !.

امسك بها وقبضتيه حول رقبتها بينما وجهه القريب أخافها بشدة وعيونه من المخدر بدأت تحمر بشدّة.
:- جنوني سيبدأ بعد قليل، ولا أظن أنكِ ستحتملينه، وبالذات مع الهيروين، صدقيني ستخرجين ميتة من الغرفة.

:- هيا إلى الخارج.

وبينما يراها تبدأ في ارتداء ملابسها، راح يدندن مع صوت الهاتف.
:- وأنا إنسان مفقودٌ، لا أعرفُ في الأرضِ مكاني، ضيعني دربي، ضيعني اسمي، اااه ضيعني عنوانييي، تاريخي مالي تاريخٌ، إني نسيااان النسيان
جرحٌ بملامح إنسانِ .

وحين أغلقت باب الغرفة خلفها أجفلت أمام الصوت الذي أتى من الداخل ، كأنه يعاني من مشكلة نفسية ، وكانت ترتعش بينما ترتدي بقية ملابسها، والصوت يرتفع أكثر، إوه يحطم المكان، ويردد بشكل هستيري.
:- أتركونيييي ، أتركونيييي .

ونفذت بجلدها وخرجت من المكان، وكانت محظوظة للغاية، إذ أن عياش ازداد جنونه أكثر وارتفعت النيران الداخلية بجسده من جرع الهيروين، فلم يستطع البقاء في المنزل، ارتدى قميصه وأخذ سلاحه وخرج من المكان.

حين وصل إلى المقر، كان المكان هادئاً، الأضواء خافتة، و فقط الثعلب والخشّاب كانوا هناك يحرسون المكان، نزل من سيارته، في يده السلاح، مشيته مترنّحة عيونه محمرّة، وبالكاد يسيطر على نفسه .

:- اليوم الزعيم، فشل لديه صفقتين في بيع الأعضاء، اتصل عليك كثيراً للتعامل مع الأمر، لكنه لم يجدك، وأشك أنه غاضب بشكل أعمى.

قال الثعلب وهو يقترب من عياش ، ابتسم ابتسامة ساخرة ورد عليه.
:- الزعيم إذا تعسّر برازه، جاءني قائلاً، تعال وساعدني، لو أنني عاهرة تبيع جسدها لم أكن مطلوباً لهذهِ الدرجة .

وضحك الحراس بقهقهة عالية، بينما عياش دخل إلى الداخل، كان هناك معتقل أسفل الأرض، فيه بعض الأشخاص الذين يرغبون في التخلص منهم، وليكون الأمر مسلياً بالنسبة للمجرمين، كانوا ينتقون منهم انتقاءً، ثمّ يتمُّ التصفية، ونزل إلى الأسفل، وفتح أحد الزنازن ودخل، كان فيها رجل من العصابة سابقاً، لكن تم اكتشاف خيانته، ووضع هنا، وهو اكثر الناس معرفة انه سيتم تصفيته، فكان لا مبالياً .

قال عياش وهو يوقضه .
:- هيّا أيها الصعلوك استيقظ .

دفعه بقدمه فاستيقظ، وقال وهو يجلس على الكرسي.
:- جئتُ ألعب معك الغميضة ، هل تُحبها ؟.

زفر ذلك الرجل، وعاد يتجلس بينما يقول ساخراً .
:- سأحبُ أن تغمض عينيكَ إذاً ، ويمكنني التعامل مع قوادة مثلك .

ضحك ضحكة عالية مجلجلة ، وكان الجنون بدأ يلعب بعقله، المخدر يأخذ مأخذه منه، صوت خميل وثقيل وهو يقول .
:- هيّا تعال عندي .

لم يتحرك الرجل ، بقي مكانه وعلى وجهه نظرة ساخرة، فجثى عياش قربه ولكم وجهه بكل قوّة، ورد ذلك الرجل اللكمة على الفور، وتمزقت شفتي عياش بينما الدم ملئ فمه.

بدأ يمارس جنونه على ذلك الرجل، ثبّته اسفل ركبتيه وراحت يديه تلكم وتضرب بلا وعي، كل آلامه، بعد ساعة، تمدد على الأرض، أنفاسه متسارعة يلهث بقوّة، وعيونه أصبحت غائرة، فمه ممزق، وجانب عينه اصبح مزرق، وذاك الرجل كان جثة هامدة بجانبه.

صوت خطوات وصلت إلى مسامعه بينما هو في مكانه لا يتحرك ، وفادي يقول بصوته الخشن الغليظ وكأنه بلع طن من الهيليوم .
:- أنت مشكلة عويصة .

:- هل تعسّر برازك؟.

:- تحب الموت؟ .

:- بقدر حبي لك صدقني .

:- لماذا لم تأتي وتنهي بيع شحنة الأعضاء !! ، هل تعلم مقدار الخسارة التي تعرضتُ لها !؟ .

أغمض عينيه ورد بلا مبالاة .
:- أنا لستُ كلبك يا فادي ، ولا يمكنك أن تقيدني .

ضرب باب الزنزانة بكل قوته ، حتّى خلّف أثر وراء قبضته بينما يقول بعصبية شديدة والغضب يجعل من أوداجه تنتفخ .
:- أنتَ تعمل عندي ، متى ما أردتك تكون حاضراً ، أنا وحدي من أخذتك من تلك القمامة وجعلت منك رجلاً ، والآن من أجل بضعة قروش تتخلى عني وتتركني أخسر صفقة بالملايين .

:- أنا لم أجعلك تخسرها ، لقد خسرتها بغبائك ، وجودي يجعل منك ناجحاً يجب أن لا تنسى هذا ، ثمّ إنني لا أعتبر انتشالك لي من الحاوية أي فضل ، بل على العكس ، إن ما فعلته يستحق أن ادعو عليك دعوة مظلوم ، لكن لحسن حظك ، الله لن ينظر لأحد مثلي ، وإلا لسقط عليك العذاب كسفاً من السماء .

خرج الزعيم من المكان وهو غاضب جداً منه ، وتركه هناك في الزنزانة متمدداً على الأرض الباردة مهشم الوجه ، والألم خدر جنون عقله ، وتركه يغفو قليلاً.

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

كان يدخن السجائر في الشرفة ، إن فعل في الغرفة ستعمل صفارات الإنذار ، وكان والده متعمداً لفعل هذا ، في محاولاته لجعل ابنه يترك التدخين ، ولم يفعل .

وبينما هو في الشرفة كان المكان هادئاً فالساعة تخطت الواحدة بعد منتصف الليل ، نظر بتمعن إلى الظل الذي يدخل من البوابة وكان متلفحاً بالسواد ، عرف على الفور أنه سارق ، لكنه كان هادئاً ولم يفتعل ضجيجاً على الإطلاق ، كان الوقت منتصف الليل ، ولا أحد مستيقظ غير صرصار الليل الذي يصدح بصوته العالي كالصفير .

أطفأ سيجارته ودخل إلى الغرفة ، أخرج مسدسه من الدرج ونزل الدرج كل ثلاث درجات معاً ، ثمّ نظر من نافذة البهو إلى ساحة المنزل ، كان الظل الأسود يقف عند سيارته ويبدو أنه ينظر إلى داخل السيارة .

فتح الباب في هدوء شديد ، ولأول مرة بوابة المنزل الحديدية قررت التعاون معه ، وأن تُفتح دون إصدار صوت ، حين وقف خلف الظل ، كان قد وجه سلاحه على رأس السارق ، وأجفل هو كما أجفل السارق عندما اكتشف أنه امرأة .

:- من أنتِ ؟.

رفعت طرف العباءة وغطت وجهها ولم يظهر غير عينيها التي حدجته بلونها الأصفر وضوء القمر يعكس على هيئتها ، فتظهر كجنيّة في الحكايات الخيالية ، خرج صوتها .
:- أبعد سلاحك!! .

:- لا أظن أنكِ من يأمر هنا ، ماذا سرقتي؟! .

اشاحت بوجهها عنه وهي ترد .
:- لم أسرق شيء .

:- إذا لم تقولي ماذا سرقتي ، أقسم بالله أسلمكِ للشرطة .

وهنا أنجلت كل الشجاعة التي كانت تتخذها ، وقالت بضيق .
:- والله لم أسرق !!، أتركني وشأني .

ركضت بأقصي سرعة لديها في محاولة للهرب ، لسرعة فطنته ، لم يتركها تكمل عدة خطوات وأمسكها على الفور بين يديه قائلاً .
:- لن تهربي منّي .

صرخت وهي تقول .
:- لا تلمسني .

تركها ، لكنّه مشى إلى البوابة الحديدية وأغلقها مفعّلاً جهازات الإنذار ، لقد فصل التيار الكهربائي عند المغرب ، ولهذا اغلقت جهازات الإنذار تلقائياً ، ولم يعمل عندما فتحت الباب دون كلمة السر.

أخبرها .
:- لن تخرجي قبل ان تخبريني من أنتِ وماذا جئتِ تسرقين .

أطرافها كانت ترتجف ، بينما تشيح عنه وتقف بعيداً ثمّ تنظر إلى السماء صامتة ، خرج صوتها متحشرجاً كأنها تحاول ان تمثل القوّة .
:- دعني أذهب ، أقسم لك بالله وبما خلق أنني لم أسرق .

:- كنتِ تنوين السرقة ، هذا يعني أنه لديكِ تاريخ في السرقة ، ألا تعرفين بقول الله تعالى ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) !! .

بكت ، وهاله المنظر ، لقد وضعت كفيها الرفيعين على وجهها وبكت تنشج وهي تحاول كتم بكاءها ولم تستطع .

ووقف هو صامت قبل أن يقول بعدها .
:- حسناً ، سأفتح البوابة ، لكن بشرط أن لا تعيديها مرةً أخرى .

لم ترد عليه ، فاتجه للبوابة وفتحها ، وعندما مشت ممسكة بعباءتها قال من خلفها .
:- هل أنتِ من القرية ؟ .

مشى يسابق خطواتها السريعة ، وترك المنزل فقالت بغضب وهي تنظر إليه .
:- أتركني وشأني ، لماذا تلاحقني!! .

:- القرية مليئة بالذئاب ليلاً ، ثمّ أليس مؤسفاً لصغيرة مثلكِ أن تخرج من منزلها بمنتصف الليل ، تعرض نفسها لكل المخاطر الموجودة في العالم وفوق هذا تذهب لتسرق .

قالت بنبرة متكدرة مليئة بالألم .
:- ليس الجميع مثلك يا ابن الشيخ ، ولد وفي فمه معلقة من ذهب .

:- من هو والدكِ؟ .

:- لتشيع بالقرية أن أبي ترك ابنته تسرق ، مستحيل أخبرك ، ثمّ لا أحد من عائلتي يعرف أنني كنتُ ذاهبة لأورط نفسي مع علقة مثلك .

ضحك جواد مقهقهاً ، وأخبرها مجارياً مشيها السريع الأشبه بالهرولة .
:- لا تقلقي ، من ستر مسلم ستره الله يوم القيامة ، كلنا لدينا ذنوب لولا ستر الله لفُضحنا ، أنا حقاً أريد أن أعرف من هو والدكِ علّني أستطيع مساعدتكم بشيء وأن لا تجبري نفسكِ علي السرقة .

توقفت وقالت بوقاحة .
:- لا أريد إحسانك ، ابتعد عن وجهي أيها العلقة .

عندما تأكدت أنه لم يعد يمشي وراءها ، دخلت في أحد الأزقة والذي كان يؤدي في نهايته إلى منزل عائلتها ، ولم تدري أنه لحق بها عندما استدارت ونظر لها حين دخلت لباب المنزل وأغلقته وراءها .

ووقف مكانه ينظر إلى البيت المتهالك ، كان هناك الكثير من الناس في القرية ، وضعهم المادي تحت الصفر وبالأخص بعد الحرب كل شيء اصبح صعباً ، بل إن الناس تجدهم مكتئبين يكاد أحدهم لا ينطق بالكلمة إلّا في الضرورة .

مشى جواد عائداً إدلى منزله ، لكن ذهنه وعقله بقي عند تلك المرأة التي كانت تحمل كل صفات قلة الأدب ، إنه لم يشاهد امرأة سليطة اللسان مثل هذهِ الفتاة ، حسناً جمان سليطة لسان لكنها لا تتعدى على أحد ، إن هذهِ الفتاة وقحة جداً ، ومع هذا قرر جواد مساعدة عائلتها ، عليه أن يعرف في الغد من هو والدها ، ثم سيساعدهم بقدر استطاعته .

لا يعرف ما هي الظروف التي أجبرتها على أن تفكر بالسرقة ، ولم يشعر بنفسه أنه وصل للبيت من شدة التفكير ، وذهب على الفور إلى غرفة المؤن ، وأخرج منها بعض الطحين والسكر وأشياء ضرورية ، ثم أخرجهم ووضعهم في سيارته ، وعاد يقود سيارته إلى الخارج .

كانت الساعة الرابعة صباحاً ، بعد أربعون دقيقة سيرفع آذان الفجر ، وعليه أن يكون في المنزل فوالده رجل شديد جداً ، ولا يسمح للشباب بالبقاء خارج المنزل بعد الثانية عشر منتصف الليل .

وقف بسيارته أمام الزقاق الضيق ، وأخذ المؤن ووضعهم امام الباب الخشبي المتهالك ، ثمّ طرق الباب ومشى في الزقاق ، فتح الباب وأتى صوت رجل عجوز يتحدث ، لكن جواد لم يلتفت ، بقي يمشي في الزقاق دون أن يرد عن سؤال الرجل عمّن هو! ، وأكمل طريقه عائداً إلى المنزل ، وهذا الموقف لم يتحدث به جواد أمام أحد .

بقي في داخله ....

* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *

دعمكن يخليني استمر بالنشر ، ويساعد بنشر الرواية وضهورها ، مشان هيك ما تبخلو علي يا حلويني ، وعلقوا بين الفقرات مشان اضل اقرأ تعليقاتكن😁😂

#بوفارديا_66.

Continue Reading

You'll Also Like

291K 20.4K 31
يا عزيزي القارى اللطيف.. انت تدخل الان قصة رومانسية..ولكنها ليست رومانسية عابرة كل ما اتناوله فيها هو رسائل الحب والمشاعر..انا هنا ادس لك من خلال روم...
1.8M 53.2K 32
#رواية_رومانسية لو كان اﻷلم من أي شخص ربما كان أهون ، لكن أن يكون من الرجل الذي عشقت هذا مالم تتوقعه في ابشع كوابيسها ، ان يتحول من ذلك الحنون المراع...
3.4K 969 31
كَانون كُله لكِ. أتوق لرؤية حُسنكِ من جَديد. نُصوص، و خَواطر، و شعر حر. ─────────── لا أسمح الاِقتباس. •بدَأَ في الكِتابة و النَشر بِتاريخ[١/كَانون/٢...
8.1K 410 11
بعد مرور سنوات على إعتكاف قلبها الحب بعد تجربتها المريرة معه ، يقتحم زبون مكان عملها يطلبها هي بدل عن القهوة اللذيذة ، مصرحا أنه يرغب بها كزوجة دون...