متاهة مشاعر ( للكاتبة نهى طلب...

Da arissa88

1.2M 16.5K 861

متاهة مشاعر بقلم نهى طلبة Altro

مقدمة
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الحادي و العشرون
الفصل الثاني و العشرون
الفصل الثالث و العشرون
الفصل الرابع و العشرون
الفصل الخامس والعشرين
الفصل السادس و العشرون
الفصل السابع والعشرين
الفصل الثامن و العشرون
الفصل التاسع والعشرين
الفصل الثلاثون
الفصل الحادي و الثلاثون
الفصل الثاني و الثلاثون
الفصل الثالث و الثلاثون
الفصل الرابع و الثلاثون
الفصل السادس و الثلاثون
الفصل السابع و الثلاثون
الخاتمة
نوت حول الجزء الثاني

الفصل الخامس و الثلاثون

21.5K 332 32
Da arissa88

الفصل الخامس والثلاثون

وقف حسن صامتاً يتأمل المفتاح اللامع بين أنامله, ذلك المفتاح الذي دفعه شقيقه بين يديه رغماً عنه منذ سنوات وهو يخبره بمؤازرة:

 "يمكن أنت مش متخيل أنك قادر تستخدمه دلوقتِ, لكن هيجي اليوم وتقدر"..

وها قد صدقت رؤية مازن وأتى ذلك اليوم الذي تنبأ به.. وها هو حسن يتحرك بتثاقل, بل يجر قدميه جراً ليواجه البوابة المعدنية القديمة, يرمقها بخشية وألم محاولاً استجماع كل ما يمتلكه من إرادة ليحرك يده الممسكة بالمفتاح ويقوم بخطوة طال انتظارها.. خطوة لم يتخيل نفسه يوماً قادراً عليها, ولكنه سيفعلها.. من أجلها.. من أجلهما معاً.. مَن سكنتا قلبه و.. ابتسم بحنين مصححاً.. بل سكنته إحداهما برقة النسيم والأخرى أقتحمته كإعصار أنثوي طارداً مُر الآلام وغصة الأحزان.. موقظاً قلب غاب في سبات إرادي لسنوات طوال...

زفر بألم حتى ظن أن أنفاسه ستشق صدره شقاً وهو يواجه اللوحة الرخامية التي نقش عليها اسم منى تعلوها تلك الآية الكريمة التي خطفت بصره وكأنه يتعلمها للمرة الأولى..

"يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي"..

الألم والخشية مع إحساس لا إرادي بالرفض كان ما يشعر به كلما حاول الترحم على منى.. وحتى الآن مازال الألم موجوداً يشعر به في أعماقه.. ولكن تبدلت الخشية والرفض إلى إحساس آخر.. إحساس غير قابل للوصف..

وجد لسانه يعبر عنه بلا إرادة وهو يردد بلا انقطاع..

"اللهم اجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها"..

وكأنه يرجع للحظة الفقدان الأليمة ولكن تلك المرة يصاحبها هدوء نفسي مغلف بشجن حنون..

اقترب ببطء يملس بيده على القطعة الرخامية الباردة وكأنه يلقي بتحية عطرة على تلك المختفية خلفها.. تحركت أنامله ببطء وتردد مغمضاً عينيه لتتوالى أمامه عدة مشاهد متتابعة لحياتها القصيرة معه..

 صرختها الرافضة بدلال عندما كان يقبل عيونها لتعترض هي "بلاش تبوسني في عينيه".. ملامح وجهها وهي ترتشف عصير الفراولة الذي أعده لها مستبدلاً السكر بالملح, يومها تجرعته بأكمله ولم تعترض ولم تنبهه إلى خطئه الذي أدركه مصادفة عندما شاكسها مختطفاً الكوب ليقابله الطعم المريب للعصير.. صدمه مشهد آخر لهما وهو يعاملها بعنف تلبسه لفترة, وتارة وهي تواجه ابتسام آكلة الرجال كما كانت تسميها.. و.. و.. تراكمت المشاهد واللقطات أمام عينيه حتى حان مشهد الوداع الأخير فشعر بدمعة ساخنة تجري على وجنته.. تلتها عدة دمعات مسحها سريعاً واقترب أكثر متمسكاً بالقطعة الرخامية بكلتا يديه كأنه يبثها أشجانه وحنينه..

بقي على تلك الحال كتمثال جامد مغمض العينين لا يتحرك منه إلا بضع دمعات تجري على وجنتيه وفي تلك المرة لم يبذل جهداً لايقافهم...

مرت فترة لا يدري إن كانت دقائق أو ساعات وأخيراً تحرك خطوات قليلة ليتهالك جالساً وقد ثنى ركبتيه وارتكز بمرفقيه عليهما محيطاً وجهه بكفيه وملتفتاً بكل كيانه نحو الصرح الرخامي الصامت رامقاً إياه بنظرة حنين ثم ابتلع ريقه هامساً:

ـ منى.. ملاكي.. وحشتيني قوي.. قوي.. ما فيش كلام ممكن يعبر عن اللي جوايا.. ياااااه يا منى.. جوايا كلام كتير.. كتير قوي.. مش عارف أبدأ منين..

هز رأسه بحيرة ثم أخرج صورة لابنته منى الصغيرة ليرفعها بمواجهة الرخام البارد ويكمل بخفوت:

ـ منى.. أعرفك بمنى الصغيرة.. أيوه اتجوزت.. استني بس.. مش زي ما أنتِ فاهمة.. عارفة لورا.. أكيد طبعاً فاكراها.. أيوه.. هي اللي اتجوزتها..

ضحك بمرارة ليكمل وكأنه سمع ردها:

ـ لا طبعاً مش جمالها هو السبب.. ولو أني ممتن للجمال ده لأن منى الصغيرة ورثته.. هكلمك بصراحة يا منى.. أنتِ الوحيدة اللي هتفهميني.. أنا اتجوزتها في لحظة ضياع.. غياب وعي وإدراك.. تعرفي أني جددت عقود جوازي بها بعد ما بلغتني بحملها..

هز رأسه بمرارة ليكمل:

ـ ليه؟.. بتسأليني ليه؟..

ابتسم بمرارة وهو يهز كتفيه:

ـ ما كنتش متأكد من صحة العقد الأول..

عادت نظراته لصورة ابنته وتحركت أنامله تتلمسها بحنان ثم شردت نظراته للمجهول:

ـ لا يا منى.. ما حبتهاش.. ما اقدرتش.. يا ريت الواحد كان ممكن يتحكم في قلبه.. لورا.. إنسانة كويسة جداً.. لكن غصب عني بتمثلي لحظة انعدام إرادتي.. لحظة هي اللي سيطرت فيها على حياتي.. أنا مش بلومها.. لكن من جوايا.. الراجل الشرقي التقليدي.. حاسس أنه كبريائه وكرامته تم اغتصابهم..

قهقه عالياً وهو يواجه الصرح الرخامي:

ـ بتضحكي.. أنا عارف... بس ده إحساسي.. وللأسف مش عارف أتغاضى عنه..

سكت للحظات ثم أكمل وكأنها أجابته:

ـ عندك حق.. مش ده اللي عايز أقوله.. في جوايا كلام تاني.. كلام يمكن كان لازم أقوله للورا الأول.. لكن.. منى.. أنا ما نسيتش ومش هنسى.. منى.. أنتِ كنتِ أحلى حاجة مرت في حياتي.. حبيتك.. حبيتك قوي.. فراقك.. فراقك دمرني.. غربني.. غربة كانت جوايا مش مجرد بعد عن أهلي وبلدي.. سنين وأنا مش عايش.. بتنفس.. وأكل وأشرب.. لكن مش عايش.. لحد ما.. ما شوفتها.. شوفتها بجد.. صبا.. صبا يا منى.. فاكراها..

أغمض عينيه وكأنه يخشى لفظ القادم:

ـ منى.. أنا.. بحـ.. بحبها..

أطلق زفرة حارة وكأنه يطلق سراح حِمل ثقيل ثم التفت ثانية:

ـ مش هقدر أطلب السماح.. منى.. افهميني.. المشاعر اللي جوايا لها أطهر وأقوى من أني أطلب السماح منك.. منى..

أغمض عينيه بألم وأخرج من جيب سترته هاتفاً عتيقاً.. ذلك الهاتف الذي لم يتخلص منه طوال السنوات السابقة.. رفع الهاتف إلى شفتيه ليقبله برقة.. ثم وضعه بخفة أمام القطعة الرخامية هامساً:

ـ منى.. هتفضلي دايماً.. جوايا.. جوه قلبي في جزء محفور عليه منى.. دايماً هيكون ليكي.. الوداع يا ملاكي...

قال كلماته الهامسة وتحرك مسرعاً نحو البوابة المفتوحة.. ليتوقف أمامها قليلاً ويلتفت برأسه للخلف للحظات قليلة قبل أن يغلق البوابة بحسم وثقة...

************

استقرت حالة نيرة الصحية وصرح لها الطبيب بالخروج فبدأت تتأهب نفسياً للعودة إلى منزلها ولكن مازن فاجئها برحلة خاطفة إلى أحد المنتجعات السياحية حيث قضيا عدة أيام تفرغ مازن خلالهم لتدليلها ومنحها ذلك الاحساس الذي طالما اختصها به على الدوام.. هي مدللته.. أثيرته.. طفلته الحبيبة رغم كل عيوبها ومساوئها..

كان يطعمها بيديه.. يصطحبها بنزهات طويلة وحدهما لا يصاحبهما سوى همس الأمواج التي أسر إليها بعشقه عشرات المرات.. أثبت أنه عاشق مثالي مدرك ومتفهم لكل رغبات معشوقته فبخلاف نزهاتهما الهادئة كان يرافقها ليلاً إلى أفخم الفنادق بالمنطقة لتعيش الصخب الذي لا تستطيع الاستغناء عنه وتنهي سهرتها بالرقص بين ذراعيه حتى تنبههما آشعة الشمس لصباح يوم جديد..

لم يقربها بعد مانحاً إياها كل الوقت للتعافى ولكنه لم يستطع منع نفسه من خطف بعض القبلات واللمسات التائقة والتي تخبرها بوضوح كم يشتاق وصالها.. وكم السيطرة التي يفرضها على نفسه ليسمح لها بالتعافي الكامل قبل أن يطلق رغبته بها من عقالها..

أما نيرة  فقد استعادت تألقها وابتسامتها السعيدة بفضل رقته وحنانه وحبه الذي أغدقه عليها بلا حساب وكأنه فتح لها خزائن قلبه على مصراعيها تغترف منها ما تشاء, ولكن ظل ذلك الهاجس القاتم الذي يحثها على المواجهة والبدء بصفحة نظيفة تماماً.. تريد حياة جديدة.. وكم ترغب ببدئها بالطريقة الصحيحة ولكنها تخشى ردة فعله.. تخشاها وغير قادرة على توقعها.. اتخذت قرارها بمصارحته ولكن أولاً لتقترب منه أكثر.. تترك نفسها تتغلغل داخله لتصبح جزءً منه.. تدرك عشقه لها وتعلقه بها وتدرك أيضاً ضعف رصيد ثقته بها.. غفرانه الذي منحه أخيراً حتى لو لم يصرح علانية كان هبةً غالية لا تريد التفريط بها ولا يمكن أن تجعله يشك بها ثانيةً ليس الآن على الأقل.. يجب أن تؤجل المواجهة قليلاً.. ولكنها هكذا تكرر الخطأ مرة أخرى.. فلتحاول الشرح بهدوء وهو سيتفهمها ولن يطاوعه قلبه على هجرها تلك المرة بعدما ذاق مرارة فقدانها و.. ظلت الأفكار تموج بعقلها وهي شاردة تماماً.. غافلة عن عينين متيمتين بها عاشقتين لكل تفاصيلها ونظرات مازن تتأملها بشغف وقد أغمضت عينيها واستندت بكفيها على سور الشرفة بينما تتطاير خصلاتها الحمراء حول وجهها وقد رسمت ظلال الشمس الغاربة على وجهها تعبيرات شجن وحيرة أثارت تعجبه, فترك كوب العصير الذي كان يحمله وتوجه نحوها ليحيطها على الفور بذراعيه مستمتعاً برجفة جسدها المتأثرة به.. تأثراً أصبحت لا تهتم باخفائه عنه في الفترة الأخيرة بل تكاد تصرخ معلنة عن وقوعها تحت تأثير جاذبية زوجها المهلكة.. طبع قبلة خفيفة على جانب عنقها وكفيه يستريحان على معدتها بعفوية محببة وهمس برقة:

ـ لسه ما غيرتيش هدومك؟.. يادوب نلحق ميعاد العشا.

لفت بجسدها لتواجه عينيه وتطوق عنقه بذراعيها هامسة:

ـ ينفع نسهر في الشاليه هنا وما نخرجش!

توسعت عيناه للحظة وهو يحاول التأكد من طلبها الذي أكدت عليه بايماءة موافقة ورفعت نفسها قليلاً لتصل بشفتيها إلى جانب فكه فتطبع قبلة صغيرة وكأنها تمنحه الضوء الأخضر فاشتدت قبضتيه على خصرها ليلصقها به بقوة حتى كاد أن يحطم عظامها الرقيقة على صلابة جسده.. وحرك شفتيه بسرعة ليقتنص شفتيها قبل أن تفكر في ابعادهما عن وجهه ويبدأ في ارتشاف أكسير سعادته الخاص جداً بتواجدها أخيراً بين ذراعيه برغبة منها هي.. لا تفرض هيمنة أنوثتها ولكن لتمنحه هو السيطرة والتحكم في تلك الأنوثة الطاغية..

لم تدرك متى رفعها بين ذراعيه ليمددها على فراشها الذي امتنع عن مشاركتها اياه في فترة مرضها مانحاً اياها فرصتها بالكامل لترتب أولوياتها وإعادة التفكير في مشاعرها, تلك الفرصة التي عاد يمنحها لها ثانية في تلك اللحظة وهو يرفع رأسه عنها ويهمس بلهاث أجش:

ـ نيرة..

أغمضت عينيها بخجل لم تدعه فهي تستشعره معه دائماً فعاد يهمس باسمها وهو يرفع ذقنها قليلاً:

ـ نيرة.. افتحي عينيكِ..

رمشت قليلاً قبل أن تفرق جفونها لتقابلها نظراته العاشقة وهمسه المتردد:

ـ متأكدة يا نيرة؟.. أنتِ كويسة؟..

أجابته بابتسامة خجولة ولكنها واثقة, وجاءت استجابته سريعة وهو يضمها إليه أكثر مغرقاً وجهها بقبلاته ومنعشاً روحها بهمساته العاشقة لكل ما فيها ورغبته التائقة لقربها وامتلاكها روحاً وجسداً.. وانطلقا معاً في رحلة عشق طال انتظارهما لها ومازن لم يتوقف لسانه لحظة عن بثها أشواقه وحبه فكان همسه لها يفعل الأعاجيب لدقات قلبها التي تتسارع جميعها لتثبت له حبها الواضح حتى ولو تلكأ لسانها في التعبير عن مشاعرها كانت لمساتها وقبلاتها واستجابتها له ما يحتاجه ليعاود همسه الشغوف:

ـ بحبك.. بحبك يا نيرة يا حب عمري كله..

وأخيراً بعدما هدأت العاصفة, تحرك مازن مبتعداً عنها قليلاً بينما انطلقت منها همسة متوسلة بدون إرادة منها:

ـ مازن.. ما تبعدش عني..

داعب خصلاتها برقة وأعاد ترتيبها حول وجهها وأنامله تداعب وجنتيها بعبث:

ـ أنا هقوم أجيب لك العصير بس.. ما تقلقيش ما فيش قوة تقدر تبعدني عنك الليلة..

ثم غمز بعبث وهو يناولها كوب العصير ويتلمس وجنتها بحنان هامساً:

ـ أنتِ كويسة؟..

أومأت برأسها وهي تبتسم بشقاوة:

ـ جرى ايه يا مازن هو أنا عروسة جديدة لسه!

اقترب ليضمها بين ذراعيه ويرفع ذقنها لتتلاقي عيونهما وتتواصل النظرات معبرة عن عشق كاد أن يكتمل لولا ذلك الظل القاتم بداخلها والذي يحثها حثاً لمصارحته خاصة وهي تلمس صدق مشاعره وانفتاحه الكلي معها.. تعلم أنه منحها الليلة قلبه وكيانه وجسده بالكامل وجاءت همسته لتؤكد مشاعرها وتزيد من احساسها بالذنب:

ـ أيوه.. الليلة أنتِ عروستي.. اعتبري الليلة بداية حياتنا سوا..

لم تعد قادرة على الكتمان.. لتصارحه ويبدآ معاً بداية حقيقية تلك المرة:

ـ مازن.. أنا..

ضاعت باقي كلماتها بين شفتيه وهو يعود ليكتسحها تلك المرة بعاطفة مجنونة.. كان يعبر عن مشاعره بجموح وجنون.. جنون بادلته إياه وهي تهمس باسمه دون انقطاع مما زاد جنونه جنوناً..

تلك المرة لم يبتعد عنها بل ظل متمسكاً بها هامساً في أذنيها بكل ما ذكر في قاموس العشق والغرام.. عرى مشاعره أمامها وهو يهمس بوله:

ـ بحبك با نيرة.. حبك هو الشيء الوحيد اللي ثابت جوايا.. يمكن حبي ليكي اتقدر من قبل ما نتولد احنا الاتنين.. دايماً كنتِ بالنسبة لي شمسي اللي بتنور دنيتي.. لا.. شمس ايه.. أنتِ أساساً دنيتي كلها.. الحب بيبدأ مع نيرة.. وعمره ما هينتهي أبداً يا حبي.. ساعات بحس أنه قدري.. قدري أنك تكوني ليا.. وأحلى قدر..

صمت للحظة ليطبع قبلة رقيقة على وجنتها وأردف:

ـ هقولك على حاجة ما حدش يعرفها أبداً.. أنا كنت بدأت أجهز ورقي للهجرة لما اتخطبتي.. كنت مقرر أني أسافر بعد فرحكوا على طول..

ابتسم بشجن وأكمل:

ـ مش عايز أفكر في الأوقات دي تاني.. أنا كنت بتحرق من جوايا مع كل لحظة بتمر وأنتِ مش معايا.. وبعد جوازنا.. قلبي وعقلي كانوا هيجننوني معاهم.. كنت بهرب منك ليكي.. عقلي بيقولي ابعد وقلبي بيشدني شد ناحيتك.. طاوعت عقلي لأني كان ممكن اتجنن فعلاً لو سيبت مشاعري ليكي تتحكم فيا.. ضغطت على نفسي كتير وأجبرتها على البعد.. لحد.. لحد اللحظة اللي كنت هفقدك فيها.. يااااه..

سكت قليلاً ليبتلع غصة كادت أن تخنقه:

ـ لحظات سودا ما أتمنهاش لألد أعدائي.. لحظات قلبي كان بيصرخ ويتقطع ويلوم عقلي.. كان بيصرخ فيا ايه معنى حياتك من غيرها.. انتقمت لكبريائك وكرامتك؟.. ضيعتها وعاقبتها؟.. ياه يا نيرة.. أنا كان ممكن اقدم أي حاجة وترجعي لي تاني.. بس تكوني موجودة في دنيتي..

هز رأسه بألم وكأنه ينفض عنه ذكريات تلك الأيام أكمل همسه:

ـ خلاص الأيام دي عدت واحنا دلوقتِ مع بعض فعلاً.. وهنبدأ حياتنا صح.. و..

التفت لها ليفاجئ بدموعها تغرق وجنتيها وهي تدفن رأسها بين أضلعه وتتمسك به بقوة مما دفعه لسؤالها بهلع:

ـ نيرة.. في ايه؟!.. ليه الدموع؟..

استمرت في نحيبها وهي تهز رأسها المزروعة في صدره رافضة مواجهة عينيه حتى كاد أن يجن من القلق فابعدها عنه بعنف صارخاً:

ـ في ايه يا نيرة؟.. اتكلمي..

همست من بين دموعها:

ـ أنا ما استحقش.. ما استحقش الحب ده كله.. أنا..

هتف بها:

ـ أنتِ ايه؟..

دفنت وجهها بين كفيها وهي تتمتم بكلمات غبر مترابطة:

ـ أنا آسفة.. آسفة.. مازن.. أرجوك افهمني.. أنا كمان كنت عايزة أعمل أي حاجة ترجعك لي.. وأنت خلاص كنت قررت.. وناوي على الانفصال.. ما كانش ممكن أسمح لك تبعد و..

أمسك بمرفقيها متسائلاً بتردد:

ـ وايه؟.. قصدك ايه؟..

هزت رأسها لتحاول ترتيب أفكارها قبل أن تهمس:

ـ اللي حصل كان سوء فهم.. كا..

قطع كلماتها بحيرة:

ـ سوء فهم!!

عادت تردد كلماتها الجوفاء:

ـ أقصد سوء تقدير.. أنا.. الغيبوبة حصلت غصب عني.. بسبب دوا الحساسية اللي أخدته بالصدفة.. أنا بس كنت عايزة أوصلك أني محتاجة لك في حياتي و.. كنت عايزاك تعرف أني مهمة في حياتك وأنك ما تقدرش تستغنى عني و..

نفضها من بين يديه فارتمت بعنف على الفراش بينما نهض هو بقوة متسائلاً بذهول:

ـ يعني ايه؟.. كانت لعبة؟!.. لعبة تانية من ألعابك عشان تجيبيني راكع تحت رجليكِ؟!..

همست بضعف:

ـ مازن.. افهمني..

قاطعها بقوة:

ـ أفهمك!.. للأسف أنا فهمتك كويس.. أنا أكتر واحد فاهمك في الدنيا دي.. أنتِ عايزة تاخدي كل حاجة بدون ما تقدمي ولو هامش بسيط من نفسك..

أشار إلى الفراش باحتقار:

ـ استمتعتِ باللي حصل!.. بتهني نفسك أن الغبي المغفل بلع الطعم وفتح لك قلبه وعرى كل مشاعره؟!..

التفت مشيحاً بوجهه عنها وقد أعمى الغضب بصيرته فلم يستشعر صدق دموعها تلك المرة وبدلاً من ذلك اقترب منها بقوة وهو يزمجر غضباً:

ـ كنتِ بتضحكي من جواكِ وبتسخري من مشاعري وحبي اللي قدمتهم عشان تعرفي قيمتك عندي.. وتتأكدي أني مش ممكن أبعد.. مبسوطة أن لعبتك نجحت.. والغبي رجع لك من غير ما تضطري حتى أنك تقولي بحبك ولو بالكدب.. أنتِ ايه!!

صرخ بالجملة الأخيرة وعاد ألمه يتصاعد مع صراخه:

ـ أنتِ ايه!.. ايه.. حجر.. حــــجر!!!..

حاولت مقاطعته بلمسة خفيفة على كتفه فانتفض كالملسوع وابتعد عنها صارخاً:

ـ لعبتِ بمشاعري.. وضغطِ قوي على الجرح.. اتأكدتِ أني هفضل عبد في محراب عشقك..

قهقه ساخراً وهو يصفق لها بكفيه قبل أن يتناول أقرب شيء ليده وكان تحفة نحاسية ضخمة فألقى بها نحو الجدار لتترك أثراً واضحاً خلفها.. وبدا واضحاً حدوث تصدع في الجدار القوي..

وقف يتأمل ذلك الأثر لثوانٍ قبل أن يهمس بألم:

ـ حبي ليكي كان قوي.. ما كنتش متخيل أن أي حاجة ممكن تزحزحه.. أو تصدعه.. حتى وأنا بعيد.. وأنا بعرض الطلاق.. كنت عارف أن الحب جوايا أكبر.. لكن برافو يا مدام.. برافو حقيقي.. أنتِ نجحتِ في أنك تحطمي أقوى حب ممكن تقابليه..

ارتدى ملابسه على عجل متجاهلاً بكائها الذي تحول إلى نحيب متصاعد ومهدداً بنوبة هيستيرية قادمة.. وكلماتها تنطلق بلا رابط:

ـ مازن.. أنت بتحبني.. أرجوك.. اسمع لقلبك لحظة واحدة بس.. أرجوك..

التقط مفاتيحه والتفت لها:

ـ خلاص.. مازن قلبه مات.. برافو.. نجحتِ أخيراً..

**********

 انطلق مازن بسيارته وقد أعماه غضبه عن كل شيء.. لا يصدق أنها تلاعبت به بتلك الطريقة.. لم تكن تنوي الانتحار إذاً, بل كانت تلقنه درساً لأنه تجرأ وأعلن رغبته في الانفصال عنها.. لم تعترض ولم تجادله بل أثبتت له عملياً بأنه ملكها للأبد.. أوضحت له عجزه عن الابتعاد عنها أو نسيانها.. وهو تصرف كأحمق مثالي غافراً لها جريمتها بقتل ابنه وقبلها تمزيق كرامته إرباً.. فقط مقابل عودتها للحياة.. تنازل عن ثأره وعن دم ابن المهدور ثمناً لرمشة من أهدابها ودقة من قلبها..

 تباً.. تباً.. كم كان أحمقاً غبياً أعماه حبه عن خطتها الأساسية وتجاهل ما صرح به الأطباء عدة مرات أن سبب الغيبوبة الأساسي هو تداخل بين تأثير المهدئ وإحدى أدوية الحساسية..

لقد ظن بسذاجته وقتها أنها تعمدت تناول عدة أدوية مختلفة لتنهي حياتها نتيجة ليأسها منها بعدما أخبرها عن رغبته بالانفصال..

لكم المقود بعنف وهو ينهر نفسه:

"قلبك الغبي هو السبب.. حبك حولك لعبد لها.. لعبة بتلعب بيها عشان تسلي نفسها وتثبت أنها دايماً المسيطرة.. أنك دايماً هترضخ لقلبك وضعفك ناحيتها"..

صرخ عقله به:

"لا.. لا.. انتهى.. مازن العاشق المتفهم انتهى.. من هنا وجاي هتشوف مازن تاني.. مازن هي السبب في وجوده.. ووقت الندم هيكون فات"..

***********

خرجت لورا من الحمام بعدما انتهت إحدى نوبات الغثيان المؤلمة.. نوبات تكررت عدة مرات أثناء سفر حسن حتى قررت أخيراً التأكد مما يحدث معها..

وبينما جاء اختبار الحمل حاسماً مؤكداً حملها الطفل الثاني لحسن كانت مشاعرها مترددة بين الرفض والفرحة.. رفض لمزيد من الأغلال تربطها به, وفرحة بطفل جديد.. طفل تشعر أنه لها تلك المرة.. فمشاعرها تجاه منى الصغيرة تكاد تكون حيادية.. وكأن الأمر بيدها.. فكلما نطق حسن باسم منى يغرز بقلبها خنجراً ساماً يدميه.. حتى كرهت اسم ابنتها, بل كرهت تواجد الفتاة الصغيرة حولها.. وتأكد شعورها ذاك خلال تلك الأيام البسيطة التي سافر حسن خلالها إلى موطنه.. لقد ظنت لوهلة أنها منحت فرصة لتعيد توجيه مشاعرها نحو ابنتها.. ولكنها لم تستطع.. فقط لم تستطع الشعور بأمومتها لها.. تشعر أنها ابنة حسن فقط.. تحمل كنيته واسم محبوبته.. إذاً هي كيان يمثل كل ما يبعد حسن عنها.. كل ما يمنعه من حبها..

عادت تردد.. حب!.. وهل حسن قادراً على الحب من جديد؟.. ألم يدفن قلبه جوار محبوبته الوحيدة.. ويطلق اسمها على ابنته حتى يمكنه ترديده في كل وقت..

ابتسمت بمرارة وهاجس مرير بأعماقها يخبرها بحسم:

"قلبه لم يمت.. بل كان في حالة سبات.. غيبوبة اختيارية.. وربما لا إرادية.. ولكنكِ تدركين جيداً أن ذلك القلب عاد للنبض من جديد.. وأنه ارتحل خلف تلك الفتاة المصرية وليس ليكون بجوار شقيقه كما زعم"..

هتف عقلها بمرارة:

"ولم لست أنا؟!.. إذا كان قادراً على الحب بالفعل لم اختارها هي؟!"

ليجيب القلب بحنين:

"ومتى امتلك الانسان اختيار من يهواه؟!.. أنتِ نفسك عاجزة عن حب ابنته, بل ابنتك.. فكيف تطالبينه بحبك؟!"..

كانت غارقة في أفكارها حتى أنها لم تدرك وصول حسن ودخوله إلى المنزل.. حتى وجدته أمامها يسألها بقلق:

ـ لورا.. هل أنتِ بخير؟..

انتفض جسدها لسماع صوته وأحاطت بطنها بيدها في حركة لا إرادية وكأنها تريد اخفاء طفله عنه.. ورفعت عينيها إليه باستفهام:

ـ بخير بالطبع.. ولما لا أكون؟.. متى وصلت؟..

هز رأسه بحيرة لموقفها الغريب:

ـ وصلت الآن.. ما بكِ؟.. تبدين غريبة!..

حركت رأسها بنفي وقرارها يتبللور بداخلها أكثر:

ـ أنا بخير تماماً.. كيف هي زوجة أخيك؟.. ألم تترك كل شيء خلفك وترحل من أجل أخيك.. أم كان هناك سبباً آخر؟..

رمقها للحظة يحاول معرفة ما يدور بذهنها قبل أن يقول:

ـ نيرة أصبحت بخير.. مرت الفترة الحرجة وغادرت المشفى..

صمت قليلاً:

ـ أنا متعب وأريد القليل من الراحة..

تحركت لتواجهه معترضة:

ـ حسن.. نحن بحاجة إلى الحديث!.

قطب جبينه بحيرة:

ـ حسناً...

سألته بصراحة:

ـ هل ذهبت إلى قبر منى؟..

أومأ موافقاً وقد لفته أمواج الحيرة مع الارهاق.. فسمع تنهيدة ألم تخرج منها وهي تسأل:

ـ إذاً منى ماتت بالفعل؟!..

بدا سؤال لا يحتاج اجابة فأكملت تتساءل ثانية:

ـ ماذا بعد؟..

ضيق عينيه وهو يخبرها:

ـ لورا.. نحن بالفعل نحتاج لحديث طويل.. ولكني متعب.. لنؤجل..

قاطعته هاتفة:

ـ كلا.. كلا.. لن نؤجل شيء.. فلنكشف كل الأوراق..

أغمض عينيه للحظات يحاول التحكم في المطارق التي تحطم عقله:

ـ أنا أريد العودة.. أريد لابنتي أن تكبر وسط أهلها.. على أرض بلدها..

كتفت ذراعيها ببرود:

ـ وإذا رفضت؟!

سألها بحيرة:

ـ لم؟..

هزت كتفها:

ـ ربما لأن عودتك تعني قدرتك على الزواج ثانية.. بينما هنا..

لم تكمل كلماتها فقط حركت كتفها ليصله المعنى كاملاً.. فهتف بها:

ـ ما الذي تحاولين قوله؟..

رفعت عينيها إليه لتسأله مباشرة:

ـ حسن.. هل تحمل مشاعر لصبا؟.. هل عاد قلبك للحياة؟..

تلعثم حسن قليلاً.. ثم تمالك نفسه ليصارحها:

ـ لورا.. حسناً.. أنا لم أرغب يوماً في ايلامك أو ايذائك.. أنتِ ستظلين على الدوام أماً لابنتي.. إنسانة كريمة وقفت بجانبي في أحلك لحظات حياتي.. ربما أبدو ناكراً للجميل وأنا عاجز عن مبادلتك مشاعر الحب.. و..

قاطعته بسؤال مباشر:

ـ هل تحبها؟..

هز رأسه بحيرة:

ـ لم تدفعيني لايلامك؟..

صرخت به:

ـ حتى أمتلك الأسباب لكراهيتك..

عنف لهجتها آلمه.. لم يرد أن يؤذها.. أراد التمهيد للأمر.. ولكنها لم تنتظره عادت لتهتف بصرامة:

ـ أريد الطلاق..

هتف بها:

ـ لورا..

عادت تكمل:

ـ لن أتحمل الحياة معك وقلبك ينبض بحب أخرى.. لقد حاولت طوال السنوات السابقة وكان ما يعزيني أن ما يسكنك هو ذكريات.. أو شبح على أحسن الأحوال.. ولكن أن ينبض ذلك القلب لامرأة أخرى سواي.. امرأة نجحت في جرك خلفها عبر المحيط.. كلا.. أنا أرفض ذلك.. أريد الطلاق.. وسوف أترك لك ابنتك.. فهي طالما كانت لك وحدك..

صمتت لحظة لتحيط بطنها بيديها هامسة:

ـ أما أنا.. فسيكون لي ما يعوضني عن حب يائس لم يكن لي من البداية.. وتلك المرة سيكون لي وحدي...

*************

دلف مازن إلى مكتبه تحيطه هالة من السيطرة وغضب مكتوم يحاول السيطرة عليه

بكل ما يمتلك من قوة إرادة.. ضغط زر الاتصال الداخلي مستدعياً سكرتيرته.. يريد إغراق نفسه بالعمل عله يجد به دواءً لما حل به.. يحتاج لتغييب عقله لفترة حتى يهدأ ألمه قليلاً.. فما يشعر به من آلام قادرة على طحن أصلد الصخور وأكثرها قسوة.. قسوة تماثل قلب زوجته الميت.. قسوة كم يحتاج أن يمتلكها لينتقم منها.. ليسترد ثأره وثأر ابنه.. لن يغفر ولن يرحم تلك المرة...

تهادت سكرتيرته تتراقص خطواتها فوق حذائها ذو الكعب الشاهق.. واقتربت منه بشدة تضع بضع أوراق أمامه وهي تهمس بصوتٍ أبح:

ـ البوسطة.. حضرتك..

تشكل الامتعاض بداخله على الفور وكاد ينهرها ككل مرة تقترب منه بتلك الطريقة الفجة.. فهي منذ استلمت عملها كسكرتيرة له بعدما تزوجت سكرتيرته القديمة وهي تدأب على محاولة اغرائه والتقرب منه.. وهو كان يصدها بقسوة.. وينهرها في كل مرة.. إلا أن تلك المرة ويدها تزحف كالأفعى تتلمس أنامله وتهمس:

ـ حضرتك شكلك تعبان قوي..

أومأ موافقاً ومستدرجاً اياها:

ـ فعلاً.. أنا تعبان قوي..

همست بلهفة:

ـ ألف سلامة..

سألها بخبث:

ـ عايزة راحتي؟!

اندفعت قائلة:

ـ أكيد.. اطلب أنت بس وأنا تحت أمرك..

اقترب برأسه منها هامساً باغواء:

ـ اتجوزيني...

كان ردها شهقة مصدومة وهو يسحبها خلفه إلى أول مكتب مأذون شرعي..

 بينما في مكان آخر كانت نيرة تمسك بيدها ورقة رسمية من مكتب ذلك المأذون تخبرها بوضوح.. أن زوجها اقترن بزوجة جديدة..


Continua a leggere

Ti piacerà anche

4.2M 132K 32
#2 in Romance و اهيه المقدمـة 🙈💜 : كنتي فؤادي و عشتي ملاذي و في غيابك يلوع القلب بأهات الذكرياتي ❤ فالحب ابتسامه والحب دمعه هو العذوبة و المرارة�...
11.6M 914K 70
صرت اهرول واباوع وراي شفت السيارة بدأت تستدير ناحيتي بمجرد ما يجي الضوء عليه انكشف أمامهم نجريت من ايدي وگعت على شخص ردت اصرخ سد حلگي حيل بعدها أجان...
3.5M 52.4K 66
تتشابك أقدارنا ... سواء قبلنا بها أم رفضناها .. فهي حق وعلينا التسليم ‏هل أسلمك حصوني وقلاعي وأنت من فرضت عليا الخضوع والإذلال فلتكن حر...
166K 6.6K 40
-"نادين أنا مش بحبك، صدقيني أنا حاولت بس مقدرتش ومش هينفع أننا نتجوز، إحنا لازم نسيب بعض وننهي الخطوبة اللي بيننا". صعقت نادين عندما سمعت كلام رامز ب...