عرس الزين

By rawaaawad

5K 98 6

قالت حليمة بائعة اللبن لآمنة - وقد جاءت كعادا قبل شروق الشمس - وهي تكيل لها لبنا بقرش : "سمعت الخبر ؟ الزين... More

عرس الزين
1
2
3
4
5
7
8
9

6

242 5 0
By rawaaawad

وفي ليلة من ليالي شهر رمضان ، مات البدوي على مصلاته بعد أن صلى التراويح . كان رجلا طيبا فمات ميتة كل الرجال الطيبين :


في شهر رمضان ، في الثلث الأخير منه ، وهو الثلث الأكثر بركة ، على مصلاته ، بعد أن صلى التراويح ، وهز أهل البلد رؤوسهم


وقالوا " يرحم االله البدوي . كان رجلا طيبا . كان يستاهل أبناء خيرا من ابنه الفاسق ذاك " . وذات يوم . والناس ما زالوا على (


فراش البكاء ) وقد فرغوا لتوهم من إقامة ( الصدقة ) دخل عليهم سيف الدين . كان يحمل في يده عصا غليظة من النوع الذي


يستعمل في شرق السودان ، ولم يكن معه متاع على الإطلاق . كان شعره منفوشا كأنه شجيرة سيال ، ولحيته كثة متسخة ووجهه


وجه رجل عاد من الجحيم ، لم يسلم على أحد ، وتجنبته كل العيون ، لكن عمه الأكبر قام وبصق على وجهه ، ولما وصل النبأ بقدومه


إلى أمه في الجناح الآخر من البيت وهي وسط الحريم على ( فراش البكاء ) وولولت من جديد كأن زوجها مات لتوه . وولولت


أخوات سيف الدين ، وعماته وخالاته وفار جناح الحريم في البيت وماج . إلا أن العم قام إليهن وانتهرهن فسكتن .


كل هذا لم يمنع سيف الدين أن يضع يده على أموال أبيه ، كل ما استطاع عمله أعماله وأخواله أم خلصوا نصيب أمه وأخواته ،


وبقي لب الثروة في يده . هنا أيضا تبدأ حياة العذاب لموسى صديق الزين - موسى الأعرج - كما يسميه أهل البلد . طرده سيف


الدين بحجة أنه لم يعد رقيقا . وأنه ليس مسؤولا عنه . وعاش سيف الدين بعد هذا حياة مستهترة . زاد في استهتارها توفر المال في يده


. كان في سفر متواصل ، ومرة في الشرق ومرة في الغرب ، يقضي شهرا في الخرطوم وشهرا في القاهرة وشهرا في أسمرا ، ولا يجيء


البلد إلا لبيع أرضا أو يتخلص من ثمر ، كان نوعا من الناس لم يعرفه أهل البلد في حيام ، يجافونه كما يجافي المريض بالجذام . حتى


أقرب الناس إليه . أعمامه وأخواله لم يكونوا يأمنونه في بيوم ، فسدوا الباب في وجهه مخافة أن يفسد أبناءهم أو يفسق ببنام ، وفي


إحدى زياراته المتقطعة للبلد وجد عرس أخته - فإن أهله كانوا يتجنبون حضوره لأفراحهم ولم يكن هو بطبعه يحضر مأتما . وكاد


ذلك العرس ينقلب بسببه إلى مأساة . أولاً حادثة الزين . جاء الزين كعادته في مرحه وهذره ولم يكن أحد يأبه له . لكن سيف الدين لم


يعجبه ذلك فضربه بفاس على رأسه وكادت المسألة تنتهي بالسجن . لولا تدخل العقلاء من أهل البلد الذين قالوا أن سيف الدين لا


يستحق الوقت الذي ينفقونه عليه في المحاكم. ثانيا : كاد العريس يغير رأيه في آخر لحظة لأنه تشاجر


مع سيف الدين أخي العروس ومرة أخرى تجمع العقلاء من أهل البلد ، بما فيهم أبو العريس ، وقالوا إن سيف الدين ليس منهم ، وأن


حضوره العرس شر لا يستطيعون رده . ثالثاً : في الأسبوع الأخير في حفل الزواج امر على الدار عشرات من الناس الغرباء الذين لم


يرهم أحد من قبل . نساء ماجنات ورجال زائغو النظرات وصعاليك ، وسفهاء جاؤوا من حيث لا يدري أحد . كلهم أصدقاء سيف


الدين دعاهم لحفل زواج أخته . وهنا لم يجد أهل البلد بداً من القيام بعمل . قبل أن يستقر هؤلاء الضيوف في جلسام إذا بصف من


رجال البلد يتقدمهم أحمد إسماعيل . ثم محجوب ، ثم عبد الحفيظ فالطاهر الرواسي ، فحمد ود الريس ، وأعمام سيف الدين وأخواله ،


نحو من ثلاثين رجلا في أيديهم عصي غليظة وفؤوس ، أغلقوا الأبواب عليهم وأشبعوهم ضربا . وأكثر من ضربوا منهم سيف الدين .


ثم ألقوا م في الطريق . وبينما البلد بأسرها تضج من ذلك البلاء الذي اسمه سيف الدين ، إذا به فجأة بعد ( حادث الحنين ) يتغير


كأنه ولد من جديد .


لم يصدق الناس عيوم بادئ الأمر ، ولكن سيف الدين أخذ كل يوم يأتي بجديد . سمعوا أولا أنه ذهب من صباحه إلى أمه وقبل رأسها


وبكى طويلا بين يديها . وما كادوا يستجمعون أنفاسهم حتى سمعوا أنه جمع أعمامه وأخواله وأنه تاب واستغفر أمامهم . وأنه تأكيدا


لتوبته أخرج ما تبقى من ثروة أبيه من ذمته ، وجعل عمه الأكبر وصيا عليها حتى يصير هو صالحا تماما لمباشرة مسؤوليته . كاد أهلالبلد يعودون آذام على ذلك ، حتى رأوا لعجبهم سيف الدين يدخل المسجد لصلاة الجمعة ، كان حليق اللحية ، مهذب الشارب ،


ونظيف الثياب ، ويقول الذين حضروا الصلاة أنه لما سمع خطبة الإمام ، وكان موضوعها البر بالوالدين ، أجهش طويلا بالبكاء حتى


أغمي عليه ، وتجمهر حوله الناس يطيبون خاطره ، ولما خرج من المسجد ، ذهب من فوره إلى موسى الأعرج وقال له أنه أخطأ في


حقه وطلب صفحة وقال له أنه سيبره كما بره أبوه . وعاشت البلد شهرا أو قرابة شهر وهي تلهث كل يوم من عمل جديد قام به


سيف الدين عزوفه عن الخمر ، ابتعاده عن أصدقاء السوء ، مواظبته على الصلاة انصرافه إلى إصلاح ما فسد من تجارة أبيه بره بأمه .


خطوبته لبنت عمه . وأخيرا عزمه على تأدية فريضة الحج ذلك العام ، وكان عبد الحفيظ ، وكان من أكثر الناس إيمانا بمعجزة الحنين ،


كما تجلت في سيف الدين ، كلما سمع نبأ جديدا يسرع به إلى محجوب . وكان معروفا بجفائه لأهل الدين والنساك منهم بوجه خالص


( معجزة يا زول ، ما في اثنين ثلاثة ) ، ويصمت محجوب وهو يحس في جوفه بذلك القلق الغامض الذي يساوره إزاء هذه الحالات (


سيف الدين عزم على الحج تصدق باالله يا زول ؟ تآمن وألا ما تآمن ؟ معجزة يا زول دون أدنى شك ) كان محجوب يقول لعبد


الحفيظ لما بدأت القصة أن سيف الدين شبع من السفاهة ، أو على قوله ( وصل السفاهة حدها ) ، وكان لا بد أن يتغير في يوم من


الأيام ، لكنه وهو يسمع كل يوم شيئا جديدا مذهلا لم يعد قادرا حتى على الجدال ، فلاذ بالصمت .


كانت معجزة سيف الدين بداية لأشياء غريبة تواردت على البلد في ذلك العام . ولم يعد ثمة شك في ذهن أحد ، حتى محجوب ، وهم


يرون المعجزة تلو المعجزة أن مرد ذلك كله أن الحنين قال لأولئك الرجال الثمانية أمام متجر سعيد ذات ليلة : ( ربنا يبارك فيكم ربنا


يجعل البركة فيكم ) كان الوقت قبيل صلاة العشاء بقليل ، وهو وقت يستجاب فيه الدعاء ، خاصة من أولياء االله الصالحين أمثال


الحنين كانت البلد هادئة ساكنة ، إلا من ريح خفيفة منعشة تلعب بجريد النخيل ، إم جميعا . الرجال الثمانية الذين شهدوا الحادث


وبقية الناس في بيوم وحقولهم ، يذكرون تلك الليلة بوضوح كأا كانت ليلة البارحة وكان الظلام المخملي الكثيف يريض على


أركان البلد ، عدا أضواء مصابيح خافته تسربت من نوافذ البيوت ، والضوء الساطع من المصباح الكبير في متجر سعيد . كان الوقت


وقت تحول الفصول ، من الصيف إلى الخريف . يذكر سعيد صاحب الدكان أن الليلة لم تكن قائظة كسابقتها وأنه لم يكن رطب الوجه


من العرق وهو يزن سكرا لسيف الدين ، وأنه لما ( وقعت الوقعة ) كما يسميها ، وترك ميزانه وخرج من دكانه ليحول بين الزين


وسيف الدين ، يذكر أن نسيما باردا هب على وجهه ! ويذكر الناس الذين لم يسعدهم الحظ بحضور الحادث لأم كانوا يتهيأون


لصلاة العشاء في المسجد ، أن الإمام تلا في تلك الليلة ، حين صلى م جزءا من سورة مريم ، وحاج إبراهيم ، عم الزين ووالد نعمة


، وهو رجل مشهود له بالصدق ، يذكر تماما أن الإمام قرأ الآية وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا ويصف حمد


ود الريس ، وهو مشهور في البلد بسعة الخيال والجنوح إلى المبالغة ، بأن نجما له ذنب سطح تلك الليلة في الأفق الغربي فوق المقابر ،


لكن أحدا غيره لا يذكر نجما له ذنب سطح في تلك الليلة ، على أي حال ، لا شك في أن الحنين ، ذلك الرجل الصالح ، قال على


مسمع من ثمانية رجال ، في تلك الليلة المباركة بين الصيف والخريف ، قبيل صلاة العشاء بقليل : ( ربنا يبارك فيكم ربنا يجعل البركة


فيكم ) وكأنما قوي خارقة في السماء قالت بصوت واحدا : ( آمين ) .


بعد ذلك توالت الخوارق معجزة تلو معجزة . بشكل يأخذ باللب . لم تر البلد في حياا عاما رخيا مباركا مثل ( عام الحنين ) عام


أخذوا يسمونه صحيح أن أسعار القطن ارتفعت ارتفاعا منقطع النظير في ذلك العام وإن الحكومة لأول مرة في التاريخ سمحت لهم


بزراعته بعد أن كان ذلك وقفا على مناطق معينة في القطر ( محجوب وحده ، وباعتراف منه ربح أكثر من ألف جنيه من قطنه ) ،


وصحيح أيضا أن الحكومة لغير ما سبب أو لسبب خفي لا يعلمونه ، بنت معسكرا كبيرا للجيش في الصحراء على بعد ميلين من


بلدهم ، والجنود يأكلون ويشربون ، فانتعشت البلد من توريد الخضروات واللحوم والفواكه واللبن للجيش حتى أسعار التمر ارتفعت


ارتفاعا ليس له نظير في ذلك العام ، وصحيح أيضا أن الحكومة هذا المخلوق الذي يشبهونه في نوادرهم بالحمار الحرون ، قررت لغير


ما سبب ظاهر أيضا أن تبني في بلدم - دون سائر بلدان الجزء الشممالي من القطر وهم قوم لا حول لهم ولا طول ، ولا نفوذ ولاصوت يتحدث باسمهم في محافل الحكام - قررت الحكومة أن تبني في بلدهم ، دفعة واحدة مستشفى كبيرا يتسع لخمسمائة مريض ،


ومدرسة ثانوية ومدرسة للزراعة ومرة أخرى عادت الفائدة على البلد ، في الأيدي العاملة ومواد البناء وتوريد الغذاء ناهيك بأن


مرضاهم سيضمنون العلاج وإن إبناءهم سينالون حقهم من التعليم ، وإذا كانت كل هذه الأدلة لا تكفي ، فكيف تفسر بأن الحكومة


هذا ( الحمار الحرون ) في اعتقادهم ، قررت أيضا في العام ذاته ولم يمض على وفاة الحنين أكثر من شهرين أن تنظم أراضيهم كلها في


مشروع زراعي كبير تشرف


عليه الحكومة نفسها بما لها من قوة وسلطان ؟ وجدوا بلدهم فجأة تعج بالمساحين والمهندسين والمفتشين والحكومة إذا عزمت على أمر


فإا قادرة على تنفيذه فما هو إلا يوم في أثر يوم وشهر يعقبه شهر ، حتى قام على ضفة النيل في بلدهم بناء شامخ من الطوب الأحمر


مثل المعبد يلقي ظلاله على النيل ، وبعد ذلك بقليل ، بين لغط العاملين وقرقعة الحديد إذا بعجلات ذلك المارد تدور ، وإذا بمصاصاته


تشفط من ماء النيل ، كما يشفط الرجل الشاي ، في لمح البصر ، كميات لا تقوي عليها عشرات من سواقيهم في عشرات الأيام ،


وإذا بالأرض على اتساعها من ضفة النيل إلى طرف الصحراء يغمرها الماء بعضها أراض لم تر الماء منذ أقدم السنين. وإذا ا تموج


بالحياة ، كيف تفسر هذا ؟ عبد الحفيظ يعلم السر ، فهو يقول لمحجوب ، وهو يجمع بين عينيه الحقل الواسع الذي هو حقله والريح


تلعب بالقمح فتثني صفوفه فكأنه حوريات رشيقة تجفف شعرها في الهواء ( معجزة يا زول . ما في أدني شك )

Continue Reading

You'll Also Like

26.5K 370 24
وجعتي كانت غير ، بداية حياتي اللي هي اصلا ما يتقال عليها حياة كانت غير ، 9 سنوات كانت بمثابة 90 سنة من الوجع و المعناة ، و اكيد كلنا مرينا بلحظات عر...
8.2M 517K 53
رجلٌ شرسٌ شُجاع مُتقلبُ المزاج غريبُ الطورِ عديَمُ المُشاعر حيَادي لا ينحاز سَديدُ الرأي رابطُِ الجأَشِ وثابِتُ القلب حتىٰ.. وقعت تلك الجميلةُ بين...
8.2K 245 22
ف يوم فى ليالى الشتاء ف بيت يسكنه الهدوء ف غرفه ف هذا البيت غرفه شهد ...شهد بنت جميله جدا جدا شعرها طويل بس هيا بتحبو قصير لونو بنى فاتح بيلمع ف الشم...
3.4K 73 54
هذه مجموعه من الروايات التي حركت دقات قلبي عند قراءتها وغادرت عالمي لعالمها حتى نهايتها انها ببساطه روايات خلّدت عناوينها في ذاكرتي وشخصياتها في قلب...