أنوبيس

Por HabibaMahmoud25

98.8K 5K 4.6K

مرحبًا بكم في المملكة لا لا، يجب أن أحذرك أولًا من يدخل المملكة لا يخرج حيًا. يمكنك المغادرة الآن.. سأترك لك... Mais

تنويه
قوانين التنظيم (المملكة)
الشخصيات
الفصل الأول: المامبا الحامي لي
الفصل الثاني: نساء عائلة المُهيري.
الفصل الثالث: لماذا مُراد؟
الفصل الرابع: إلى اللقاء أمي.
الفصل الخامس: قصر الأشباح.
الفصل السادس: ثم لم يبقى أحد.
الفصل السابع: لا تترُكيني.
وشم المامبا +إعتذار
الفصل الثامن: وضع الغيرة
الفصل التاسع: يوم رفقة الأوغاد.
الفصل العاشر: انا الخاطف.
الفصل الحادي عشر: النجمة المسلوبة.
الفصل الثاني عشر: لتمتزج صرختنا معًا.
مسابقة 🔥
الفصل الثالث عشر: طبيب الطاعون.
الفصل الرابع عشر: رقصة أخيرة
الفصل الخامس عشر: فتيل القنبلة
الفصل السادس عشر: وتر أكيليس.
السابع عشر: رقصة الألم.
الفصل الثامن عشر: الغجرية الساحرة.
الفصل التاسع عشر: لنتزوج ماليكا!
الفصل العشرون: وحوشي وقعت لكِ.
الفصل الواحد والعشرون: خطوبة أم معركة حربية؟
الفصل الثاني العشرون: أنا الجحيم.
الفصل الثالث والعشرون: أحتضر ماليكا.
الفصل الرابع والعشرون: ليو الصغير.
الفصل الخامس والعشرون: بُتر قلبي.
الفصل السادس والعشرون: خنجر بروتس.
الفصل السابع والعشرون: مُروضة أنوبيس!
الفصل التاسع والعشرون: الموت أم.. الموت؟
إعتذار
الفصل الثلاثون: الذئب الذي أكل يُوسف.
الواحد والثلاثون: لن تكسريني، أليس كذلك؟
الثاني والثلاثون: نعم، أحبك.

الفصل الثامن والعشرون: مرحبًا بالغجرية.

1.4K 119 133
Por HabibaMahmoud25

متنسوش التفاعل.

هذا الحزن سيدوم للأبد والبؤس لن ينتهي أبدًا
لقد سحقني الواقع والحياة.
كنت أتمني أن تقبلوني كما أنا.
عزيزي تيو .. ماذا يمكنني أن أقول لك؟
الأمور لا تمضي على ما يرام أبدًا، إنني أكثر حزنًا وضجرًا مما أستطيع أن أصفه لك، ولم أعد أعرف في أيّ نقطة أنا. 

_ رسالة انتحار فان جوخ.

______________ ︻╦デ╤━╼
𝕒𝕟𝕦𝕓𝕚𝕤
أنـوبـيـس

مرحبًا من جديد.
هل اشتقتم لي؟
حسنًا، لا يهم
أنا على وشك الإنفجار من السعادة
فراشتي في طريقها لذراعي!

ذرعت الساحة أمام غرفة العمليات ذهابًا وإيابًا وأنا أتنفس بعنف من فرط حماستي، أشعر إن ذرات الدماء داخلي تتراقص وتتزحلق باندفاع داخل أوردتي بلا توقف كطفل في الملاهي، لقد مر حوالي ثلاث ساعات وأنا على تلك الحالة، بينما ينبض قلبي بدوى مجوف من صوت عاليا، إن صوتها ليس عاليًا بسبب قوة الجدران والأبواب التي تمتص صدى صرخاتها بالداخل لكن أنا أقف وأتحرك أمام الباب مباشرة مما يتيح لي سماع بعض الهمهمات بالداخل.

- يا ابني أقعد في مكان أعصابي تعبت منك.

صرخ بها عمي هارون الذي يجلس على الأريكة المعدنية بوجه يحتله القلق أثناء تحريك قدمه بتوتر ملحوظ لم يبذل أي مجهود في إخفاءه، فالمرأة التي تلد الآن ابنته الكبرى، بينما رمقتني تلك القاسية الجالسة بجانبه بعد "شهد" القابعة بين ذراعي أبيها بنظرة من طرف عينها تأيدًا لحديثه، وحينها سمعت صوت تذمر عمي قاسم الذي لم يأتي بالفعل حتى لا يترك القادة بمفردهم في المنزل ونثير الجدل فلا أحد يعلم بزواج عاليا وعبدالرحمن، فهم يظنون إنها مازالت زوجة عمي هارون.

زوجة القائد الراحل يجب أن تتزوج شخص في مثل قوته بالمملكة، وعبدالرحمن من الرجال العاديين وليس مامبا مثلًا.

أخرجت صوت حانق من فمي وجلست أرضًا جانب الأريكة التي تجلس فوقها السيدة "زينب" والدة عبدالرحمن التي تمسك بين أناملها المصحف الشريف وتقرأ منه بهدوء وسكينة، بينما تجلس بجانبها "ريحان" وهي المرأة الوحيدة من عائلته الموجودة وكذلك خالتها الكبيرة "أحلام" التي تشرب من العصير الذي أحضرته لريحان بعدما شربت خاصتها بالفعل، وترمق ماليكا بنظرات غريبة تدغدغ بأناملها أنوبيس داخلي لنحر عُنقها لأنني أصابعها لا تضحكني.

- إنت إيه اللي مقعدك في مكان أهل العريس؟ إنت تبع عيلة العروسة، أتفضل الناحية التانية.

هتف بها "شادي" شقيق عبدالرحمن الأصغر بالرضاعة وهو يشير ناحية الصف الآخر حيث يجلس رجال عائلتي أرضًا لصغر المساحة المتاحة للجلوس بسبب عددنا الكبير وإحتلال باقي النساء للمقاعد، بينما يجلس جانبي رجال عائلة عبدالرحمن والذي يكون "إسلام" واحد منهم، لكن هذا المكان أقرب للباب لذا جلست به.

ليتني كنت امراة!
سحقًا، صدحت تلك الفكرة الغبية والمريبة داخل رأسي بسبب غيرتي من فريدة وسيرا اللّتان بالداخل الآن رفقة "جميلة" الطبيبة التي لا أعلم كيف حدث هذا وسلمتها عاليا رحمها لكن هذا ليس مهمًا في ذلك الوقت فالسيف قد سبق العذل، إذا كنت امرأة وقتها كان بإمكاني مشاهدة فراشتي أول شخص!

حسنًا، تم إزالة تلك الفكرة من رأسي، ربما يصيبني إغماء عندما أشاهد الولادة والألم الذي تمر به عاليا الآن.

- هذه مشفى عمي، لذا يمكنني جلب رجال الأمن لك وأمرهم بجرجرتك وسحلك للخارج بعدما يمسحوا بجسدك أرضية المشفـ..

قلتها ببساطة وأنا ارفع كتفي له بعدما عدت للواقع ونظرت له بطرف عيني لكنني بترت جملتي قبل تكملتها عندما قطّب جبينه وثبت أنظاره فوق حركة شفاهي أثناء الحديث وكأنه يشاهد فيلم مترجم لكن الترجمة تسبق تحرك الفم.

- هو الكلام ده خارج من بوقك ولا السماعة اللي في ودني بتدخل الكلام بطريقة قناة نيكلاودين؟

_ لا هو مدبلج عادي.

قالتها *ماليكا" التي تجلس أمامي في الناحية الأخرى بطريقة ساخرة ردًا على سؤال "شادي" الذي خرج بنبرة متسائلة وهو يشير ناحية السماعات الإلكترونية الملتصقة بفتحة أذنه، فأنا أتحدث بالعامية مع الجميع عدا عائلتي والمقربين مني فقط من أجل هذا الموقف المحرج، لكنني لم أركز في لغة حديثي بسبب غياب عقلي المحلق بداخل غرفة العمليات.

- أنا عرفت.

صرخت بها "شفا" بنبرة عالية جعلت جميع الأجساد تفزع من المفاجأة قبل أن تنتفض واقفة من مجلسها وتقترب مني ببطء وتنظر لي بشك مع تضيق جفناها فوق كوبين القهوة خاصتها بطريقة ظهرت لي بلهاء لكنها بالطبع ظنتها طريقة المحقق كونان، بعثرت نظراتها فوق وجهي ثم بنبرة ضابط يمسك ورقة الطب الشرعي التي تقر ببصماته على الجثة بعد برهة من الصمت لتلقي بالتوتر - الوهمي داخل ذهنها فقط- عليَّ وأقر بجريمتي:

- إنت أمير من العصر المالكي وكنت ماشي في الجنينة والبرق بيبرق والرعد بيرعد، وفجأة .. فجأة ضربتك برقة ولقيت نفسك في العصر بتاعنا، علشان القصر بتاعكم كان القصر بتاعكم زمان، يعني إنت جد كل دول.

قالتها شفا بنبرة واثقة وليست عرض للفكرة وهي تحرك يديها بمسرحية مع تغيير طبقات صوتها وتصدر مؤثرات صوتية للبرق والرعد لتضيف لحديثها صورة مرئية داخل الأذهان.

- أوه! يا للهول! لا أصدق كيف عرفتي ذلك؟ لقد خبئت الأمر جيدًا.

قلتها بنبرة غير مصدقة وأنا اتصنع الصدمة، حسنًا، أنا لا اتصنع أنا مصدوم بالفعل وهذا جعل قسمات وجهي ترتخي وتنبسط من هول ما وصل إلى أذني، حتى أحبِك الدور بعدما وقع بصري على نيلان الذي ابتسم لي بسمة جانبية مخيفة بينما ترددت صوت ضحكة مخيفة طافت فوق رأسه وجعلت وجهه يتكرر أمام عيوني فقط بمخيلتي حتى أُصدق على حديث شفا التي سَهرت ليلها على رواية خيالية رديئة وطبّقتها على حالتي.

انتفخت شفا بشموخ من حالها بسبب إعترافي الذي لم يصدقه أحد من الجالسن حتى "أحلام" خالة عبدالرحمن، ثم عادت لمجلسها كملكة متوجة تتوجه للعرش تحت تصفيق "نيلان" وباقي إخوتي حتى لا يصبحوا وجبة دسمة لنيلان في المساء، بينما أغلقت ماليكا فمها أخيرًا بعدما تجمدت لبرهة من حديث "شفا".

وآسفاه، وامصيبتاه يا أخي، وامصيبتاه، ما الذي أوقعت حالك به؟

- هيه إسلام لماذا تنظر خالتك هكذا لحبيبتي؟ اخبرها إن لم تتوقف سأنحر عنقها.

- ابنها بيحب "رويدا" أختي وهي مش عايزة تتجوزه، خالتي فاكرة إن ماليكا هي اللي مقسياها عليه.

قالها "إسلام" بنبرة هادئة بعدما مال بجسده ناحية شادي الجالس بيننا ليسحق جسده، تعقيبًا على حديثي الذي خرج بنبرة حانقة بعدما طفح كيلي من نظرات تلك المرأة لماليكا التي لا تفقه شيء من ما يحدث حولها، لقد اعلنت المرأة الحرب عليها وهي تسبح في مغطس معبأ بالبسكويت داخل رأسها.

سحقًا، هي بالفعل حمقاء، لا ترى تلاعب الجميع بها بينما تلعب دور الذكية عليَّ أنا المسكين، الذي لا يرغب في شيء سوى رضاها؛ حسنًا، وحرق دمائها.

لا يوجد شيء ممتع في الحياة أكثر من جعل ماليكا تشتعل كجمرة من اللهب، إنها تصبح مضحكة.

انتفض جسدي عندما فُتح الباب بغتة وخرج منه عبدالرحمن بعينين دامعتين وهو يحمل ابنته التي لا تظهر من الدِثار الثقيل الأبيض الذي يحيط جسدها، نهضت من فوق الأرض بحماسة حتى أحمل الصغيرة منه ومددت يدي استعدادًا لذلك، لكنه تخطاني بهدوء يتنافى مع صوت نحر رقبتي الذي سمعته بعدما مر من أمامي كما يمر الخنجر فوق أوتار رقبتي.

واحسرتاه!

جلس على عاقبيه أمام أمه التي لم تستطع النهوض بسبب قدمها ووضع الصغيرة بين ذراعيها، ترقرق الدمع في عيون والدته وهي ترفع الصغيرة لقلبها وتمتم بكلمات من القرآن لم تصل لأذني قبل أن تضع قبلة فوق وجنتها بحنو بالغ، بينما نظر عمي هارون للصغيرة بابتسامة واسعة دافئة تنم عن سعادته الكبيرة برؤيتها قبل أن يدلف للغرفة ليطمئن على ابنته.

ما هذا الأخ الوقح؟
كيف يمكنه فعل هذا بقلبي؟
هل أمه من كانت تطعم تلك الفراشة لمدة تسعة أشهر.
سحقًا، إنها أمه لا يوجد مجال للدراما.
حسنًا، تم إلغاء وضع الحنق والتمثيل التراجيدي.

_ هتسميها إيه ؟

قالها عبدالرحمن بنبرة محشرجة بسبب حالة الهيام التي تلبسته من وقع أثر لمس طفلته وهو ينظر إلى ريحان نظرة حنونة من خلال عيونه الدامعة ويربت على كتفها، بينما انتبهت له ريحان التي كانت تنظر للصغيرة بعيون تتقطر منها السعادة وتمسك كفها الغاطس داخل الثياب بحنو بالغ.

- لا، مامتها هي اللي تسميها.

- مامتها قالت ريحان هتسميها، هي مش عارفة تختار اسم.

قالها عبدالرحمن بنبرة هادئة تعقيبًا على حديث ريحان الذي خرج بنبرة قاطعة وهي تحرك رأسها بالنفي لترفض إطلاق اسم على فراشتي.

فراشتي التي اخترت لها اسم "روتيلا" أي صغيرة الفراشة، لكن أحدًا لم يهتم برأيي!
كيف له أن يفعل ذلك بقلبي؟
حسنًا، عندما تبدأ صغيرتك في البكاء طوال الليل أعطيها لأختك أيها الوغد، أقسم إن رأيت وجهك أمام غرفتي..
لأنتزع الصغيرة من بين يدك وأغلق في وجهك الباب، لكن برفق حتى لا تتأذى فراشتي.
سحقًا.

- مسك.

نبثت بها ريحان بنبرة هادئة وهي تأخذ الصغيرة من بين ذراعي أمها وتضمها إليها، فاندفع باقي أخوة عبدالرحمن الثلاثة ليروا الصغيرة عن قرب، بينما مسحت تلك الحيزبون "أحلام" على ظهر ريحان بمخالبها قبل أن تقول بنبرة حزينة مصطنعة وهي تغرز مخالبها بظهرها:

- كان نفسي أقولك عقبالك.

_ لقد طفح كيلي من تلك الحيزبون.

هتفت بها بنبرة حانقة وأنا أسحب خنجري من خلال بنطالي من الخلف حيث أثبته بعدما أنطفئت ملامح ريحان وكأن أحد ضغط على مقبس الضوء، لكن "إسلام" وضع كفه فوق كفي ليوقف حركتي قبل أن أشق رقبتها لنصفين متساويين في الحجم ثم إغراق المشفى بدمائها.

- هو آه محدش بيطيقها وجاية غصب عننا، بس دي خالتي برضو.

قالها إسلام بنبرة هادئة داخل أذني، فتأففت بضيق وتركت الخنجر بموضعه بعدما ربت عليه برفق لأودعه حتى لقاء قريب، كانت ستكون هدية لطيفة لفراشتي حيث كنت ساحميها من لسان تلك المرأة السليط في المستقبل، هل سأنتظر حتى تضايقها بالحديث حقًا؟

أوه، سوف أسعد للغاية عندما تقابلني تلك المرأة بوجهي الحقيقي.

_ أعطني تلك الفـراشـة.

صرخت بها بصوت عالي تردد في جميع جدران المشفى عندما توافد الجميع على فراشتي وبدأت بالانتقال بين أذرع الجميع عدايا، سحقًا، أنا أكثر من انتظر حد الإحتراق أن تخرج تلك "المسك" من رحم أمها.

أوه! اسمها ذو سجع مُطرب داخل عقلي.

- بابا هارون قال محدش يديها لليو علشان مش هيرضى يسيبها.

قالها عبدالرحمن بنبرة مازحة وهو يتجه بالصغيرة إليَّ فصدح داخل عقلي موسيقى سعيدة، صوت ذقذقة عصافير، مياه البحر، شبح امراة مخيفة ظهر من العدم أمام وجهي وبدأ في الصراخ عندما غيّر عبدالرحمن طريقه ناحية عمي هارون الذي خرج من غرفة عاليا ووضعها بين ذراعيه.

- أكرهكم، أكرهكم، أكرهكم، فلتذهبوا جميعًا للجحيم رفقة نساء العائلة، يومًا ما سوف أحصل على فراشتي الخاصة ووقتها لن أعطيها لأحد!

صرخت بها بنبرة أعلى من السابقة بعدما شعرت بكل شيء ينفجر داخلي كبلدة ضربها صاروخ وهدم جميع بناياتها دفعة واحدة وأحالها لغبار، فضحك عمي هارون بخفة قبل أن يتقدم مني ويضعها بين ذراعي تزامنًا مع صدوح صوت مؤثرات صوتية من الأنبهار داخل رأسي.

يا إلهي.. يا إلهي.. يا إلهي
إنها جميلة للغاية كالسحابة.
تمتلك لون بشرة عبدالرحمن السمراء، شفاه حمراء وعيون مغلقة جميلة.

- خلاص يا جماعة كدا انسوا البنت.

قالها عمي هارون بنبرة ساخرة وأنا أخطو بها تجاه الأريكة وأثبت أنظاري المنبهرة بها حيث تقبع داخل ذلك الدِثار الأبيض ذو الطبعات على شكل سُحب حيث اختارته أنا خصيصًا لها، بينما ترتدي الرداء الذي جلبته لها وقبعة صوفية صنعتها أمها لأجلها.

" لو كان قَلبي ينبُض ألحانًا، فَـأشعُر أنَّ قلبي ينبُض لحنًا خاصًا به وحده "

صدح صوت أبي داخل رأسي عندما بحثت عن كلمة في دهاليز عقلي تصف ما أشعر به الآن، وعند تذكر أبي، سمعت صوت إطلاق النيران بينما ترقرق الدمع داخل مقلتاي وأحتلت الغصة حلقي، فنهضت من الأريكة وابتعدت قليلًا عن المكان حتى لا تظهر دموعي للجميع حيث أنني فقدت التحكم بها كما يحدث معي عادةً عندما أطلق العنان لدموعي المحبوسة وأعطيها أمر بالتحرر مثل ما حدث صباحًا رفقة أمي، فيصبح هذا اليوم كارثيًا، فالدموع تأبى العودة من جديد لمحبسها، فمن أعتاد الحرية لا يمكنه تحمل القيود.

دموعي ولدت حرة، أبي علمها الحرية، والرقص فوق ثيابه التي شربت الكثير منها، لذا السيطرة عليها أمر صعب بعض الشيء، لكن في الصبح سيعود كل شيء لموضعه الأصلي ودموعي ستعود خلف السد.

- أنا مشوفتهاش.

قالتها ماليكا بنبرة هادئة وهي تجلس بجانبي بعد ترك مسافة كافية بيننا وهي تثبت نظراتها بالصغيرة، رفعت نظراتي عن الصغيرة حتى وقعت على وجهها تزامنًا مع سقوط دمعة هبطت ببطء شديد من زاوية عيني اليمنى.

- لم أكن أعلم إنك حساس هكذا ليو.

- لقد أعطاني القدر هدية في ذكرى اليوم الذي أُخذ مني به كل ما أملك.

قلتها بنبرة محشرجة وأنا أمسح دموعي بأنامل يدي الحرة قبل أن تتدفق المزيد من الدموع تعقيبًا على حديثها الذي خرج بنبرة دافئة وهي تبتسم بعيونها لظنها أنني أبكِ تأثرًا من رؤية الطفلة، أنا لست بهذه الرقة.

- ربنا يرفع عن قلبك كل حزن يا ليو.

قالتها بنبرة محشرجة مبتهلة وهي تنظر للصغيرة بينما دمعت عيناها لثانية قبل أن تتماسك، لقد أخبرني فارس إنها ذهبت معهم للمقابر التي لم تطأها قدمي منذ ذلك اليوم المشؤوم، مهلًا.. مهلًا.

سحقًا للذكريات، وسحقًا للحزن، فبين ذراعيّ تقبع مسك، أوه كم هي جميلة! أنا أذوب كالمثلجات.

- مرحبًا بالفراشة، أنا عمك ليو، أنا أحبك أكثر من الجميع، وأنا من كنت أطعمك طيلة الأشهر الماضية،   لا أقوم بإزلالك لكن أريدك أن تتذكري هذا عندما يسألك الجميع "من تحبي أكثر؟" بالطبع ستكون الإجابة هي "عمي ليو" أعلم إنك تحبينني .. أوه أتعلمين لقد ضربت رأسي أغنية لكِ الآن.

هتفت بها بنبرة خافتة جانب أذنها بعدما انحنيت للأسفل حتى اخبرها بحديثي حيث ظن عقلي الأبله إنها ستفهم حديثي، إنها نائمة بهدوء كريح طيبة ذات رائحة ذكية عبرت حول جسدي وطوقته.

❞ عندما وقع بصري عليك
انشلتني سحابة من السعادة
وطافت بي البلدان.
رقصت معك رفقة الرياح ❝

ردد كلمات الأغنية التي بدأت تُكتب داخل ذهني بواسطة أصابع شاب تطرق فوق آلة كتابة قديمة تصدر صوت طقطقة مع كل حرف، لم يكن غناءً بمعناه الحرفي، بل مجرد الهتف بالكلمات بلحن ذو سجع ورنّة مميزة، لا أرغب في البكاء من جديد، لم يكمل الجنود بناء السد أمام ماء دموعي الحُرة بعد.

❞ أين الألم؟
سؤال غريب في وجودك
فلا يوجد شيء سوى التحليق.
بعيدًا .. بعيدًا .. بعيدًا  ❝

_ كان نفسي أفهم، بس هي شكلها كلمات حلوة.

قالتها ماليكا بنبرة هادئة يتخللها بعض المزاح وهي مازلت مثبتة عيونها بالصغيرة وتحرك إصبعها فوق وجنتها بلطف شديد، لقد سحرتها الصغيرة بالفعل، فهي دفعت حالها لتجلس بجانبي حتى تراها، فعمي هارون محق، لن اترك تلك الفراشة لأحد حتى لو قبّلوا يدي.

ضحكت بخفة على حديث ماليكا لأن الكلمات التي هتفت بها كان باللغة الفرنسية كما كانت أمي شيرين تغني لي وأنا صغير، أعادتُ خصلات شعري للخلف تزامنًا مع تعليق نظراتي بها وهتفت بكلمات الأغنية من جديد بالإنجليزية هذه المرة.

لكن هذه المرة لها هي، تذكرت أول مرة يقع بصري عليها، لم أرى وجه ماليكا قبل أن أقع في حبها، فعزمت على رؤية الفتاة التي سرقت تفكيري واحتلت هلوستي وطردت غزل، كان يومًا حارقًا في منتصف الصيف لكن رؤيتها كانت تشبه بردوة الشتاء.

ارتديت ملابس سوداء مكونة من بنطال وسترة قطنية خفيفة بأكمام حتى أخفي الوشم المميز على مرفقي، كمامة طبية، وقبعة رياضية، أخذت عدد من منتجات مصنع الحاوي قي حقيبة ظهر وصعدت للبناية التي تقطن بها، قضمت على شفتي السفلية بقوة للسيطرة على التوتر الذي يهاجم جهازي العصبي بعدما وقفت أمام شقتها.

- افتحي الباب يا "ليكا" تلاقي خالتك نسيت المفتاح وسيبي صندوق جدتك في حاله.

خرج هذا الصوت من الداخل بعدما أمرت أصابعي بصوت جندي غليظ في الحروب يصرخ في العساكر للعودة لإطلاق النيران، فأذعنت عساكر أصابعي لصوت قائدها وضغطت فوق الزر الذي أصدر صوت ذقدقة عصافير لطيف، ثم وفي غصون ثواني فُتح الباب بواسطة ماليكا وهي تبتسم بسعادة وتعرض حالها بحركة مسرحية.

- ماليكا هانم افند...

بـوم.

هذا كان صوت انفجار قلبي عندما وقع بصري على هيئتها، كانت تربط شعرها الغجري المموج بوشاح أحمر اللون على شكل مثلث يغطي رأسها بينما ينتفخ شعرها من الخلف، تخرج خصلتين من الأمام، وترتدي فستان عُرس.

نعم، لقد كانت ترتدي فستان عُرس ذو طراز قديم مصنوع من قماش لامع وأكمام منفوخة بشدة وكأنها بالون تصل لمنتصف مرفقها بينما يظهر من أسفله عند المرفق باقي الأكمام مصنوعة من قماش "الدانتيل"، كشكشة كبيرة من منطقة الرقبة وتنزل فوق منطقة الحجاب أسفل الرقبة، ومن المنتصف يوجد ما يطلق عليه "فيونكة" أو فراشة كبيرة، بينما يظهر ذيل الفستان خلفها.

- اتـ.. اتفضل حضرتك؟

هتفت بها ماليكا بنبرة يشوبها الخجل بعدما اعتدلت في وقفتها ودارت حالها خلف الباب، لتبدأ هي الحديث بسبب تيبسي مكاني أنظر لها بصدمة وإذا لم تكن الكمامة الطبية تمنع ذلك لرأت فكي الساقط، حمدًا لله إنها بالطبع ظنت إن تحولي لتمثال خشبي بسبب الفستان وليس لأنني وقعت فيها بعدما تعثرت بذيل فستانها، إنها جميلة للغاية، تبدو كسحابة بيضاء محملة بالمطر بينما الوشاح الأحمر هو الشمس المخبأة خلف السُحب.

- أنا.. أنا.. أنا.

_ معاك حاجة هتبعها؟

قالتها ماليكا بتشكك وهي تشير ناحية حقيبة الظهر الخلفية التي أرتديها بالخلف بنبرة متوترة وهي تمسح العرق الوهمي عن وجهها بسبب خجلها والتوتر الذي يهاجمها لظنها إن لساني انعقد من هيئتها، بالتأكيد تفكر إنني أظن حالي دلفت منزل مسكون بالأشباح من العصر الماضي أو بيت مجانين، فهي لم تكن تعلم إن الجنون هو عائلتي.

- معايا بسـ. بسكويت بالشيكولاتة ومعمول وبسكويت بالـ salted Carmel، وأيس كريم ويتش.

- هات واحد من كل نوع، وأربعة أيس كريم.

قالتها ماليكا بنبرة مسرعة مقررة إنهاء هذه المقابلة بعدما منعت حالها من إغلاق الباب في وجهي، فخلعت ذراع واحدة من الحقيبة وحركتها حتى أصبحت أمامي، أخرجت منها عدة عبوات ومددت يدي بها لها، مدت يديها وأخذتهم وهي تعطيني المال ثم أغلقت الباب بسرعة.

- ماما الحقي مطلعتش خالتو طلع راجل بيبع بسكويت، يا نهار أبيض هموت، الراجل انهار من فستان تيتا .. بس اشتريت بسكويت.

هتفت بها ماليكا بنبرة مازحة تخللها ضحكاتها العالية في المنتصف وهي تبتعد عن الباب فيمكنني تخيل إنها فتحت عبوة بسكويت بالفعل وبدأت بقضمها وهي تتجه للمطبخ حيث تقبع أمها لتبدأ بقص الأمر عليها بالتفصيل، بينما أنا جلست على الدرج لألتقط أنفاسي التي سُلبت مني من رؤيتها.

_ ليو هل .. هل يمكنك كتابة أغنية لي؟

قالتها ماليكا بنبرة مترددة وهي تضع غرتها خلف أذنها لتخرجني من شرودي وتعود بي للواقع، كتبت جميع الأغاني لكِ ماليكا، ألم تفهمي بعد؟

- مش قصدي ليا يعني، كان عندي حلم أهبل إن جوزي يكتب أغنية ليا ويغنهالي في فرحنا، بس عامر أكيد مش هيعرف يغني، بس .. الحقيقة نفسي أرقص مع جوزي على أغنية ليا لوحدي، أو تكون أول مرة في الفرح.

قالتها ماليكا بنبرة أكثر تلجلجًا من السابق حيث هرب الحديث منها وازدادت توتر حركة جسدها وكأنها تعلم إنها تطلب مني شيء يشبه الذبح، وكأنك تعتذر للشاة قبل تمرير السكين فوق رقبتها، لكنها تذبحنا معًا، لقد فهمت حديث عيونها الذي لم ينطقه لسانها حيث هتفت:

" لن أرقص مع من أحب، إذن على الأقل أحقق حلمي بالرقصة التي لطالما أردتها بقوة "

_ هل يمكن أن تحدث المعجزة مرتين؟

قلتها بنبرة متسائلة تحمل الجدية إلى ماليكا بعدما تذكرت يوم عُرس "غزل" على آدم بن أوركا، لقد صنفت هذا اليوم من الأيام الأكثر حزنًا في حياتي، لقد قُتلت لآخر مرة في ذلك اليوم برصاصتين اخترقوا قلبي، الأولى من نظراتها المثبتة عليَّ بعدما سألها الشيخ.

- هل تقبلي الزواج من آدم؟

- نعم، أقبل.

كانت هذه الرصاصة الثانية لقلبي خرجت من لسانها الذي تحرك بكلمة الإعدام، لقد نزف قلبي ولفظ أنفاسه الأخيرة، ظننت أنني فقدته للأبد، لكن عندما رأيت ماليكا بُعثت من جديد، كانت معجزة بالنسبة لي، لكن المعجزة تحدث مرة واحدة فقط، لا تحدث مرتين، إلا وإذا تحولت لحادث فريد يمكنه التكرار.

إذا قتلتني ماليكا هذه المرة سأفنى للأبد، لا تقتليني ماليكا أرجوكِ، لا تهربي من مشاعرك تجاهي عن طريق قتلنا معًا.

- إذا كان لديك فتاة ماذا ستسميها؟

قلتها بنبرة هادئة لتغير الموضوع، أنا أعلم أنني حتى إذا تزوجت ماليكا لن أنجب، سحقًا، أنا لن أفعل بصغيري ما حدث معي، لن أُنجب وريث، أسقط على كاهلة ما يكرهه، لن أُنجب طفل ليصبح يتيم يتمزق، فربما أُقتل أمام عيونه ذات يوم، نحن جميعًا نموت قتلى، رجل في المملكة يموت بفراشه هذا هو الحدث الفريد الذي يحدث مرة كل مئة عام.

- سَّكِينَةَ، سَكينة مش سُكينة من سورة الفتح.

قالتها بنبرة هادئة وهي تشدد على مخارج حروف الاسم وتبتسم بسمة متوردة وكأنها ترى صغيرتها أمامها، بينما أنا انفلجت شفتاي عن ابتسامة واسعة للغاية حيث دلف الاسم لقلبي مباشرة قبل أن اهتف برجاء حيث تذكرت وقع صوتها على روحي:

- هل يمكنك قول تلك الآية مجددًا؟

رفعت نظراها عن الصغير حيث طفق التردد على وجهها، عيونها هتفت بالرفض لكنها حركت رأسها بالموافقة على كل حال، فيبدو إن دموعي لم تجف بعد من زاوية عيني، أغمضت عيني حتى استمع الكلمات التي مرت لروحي مباشرةً من جديد قبل أن افتحها عندما توقفت ماليكا عن القراءة حيث
تشردت عيناها لثانية وتتلاشى انبساط وجهها بالتدريج مع توسع بؤبؤ عيناها قبل أن تحركهما ناحية رقبتي بتيه.

يمكنني معرفة الآن ما يحدث داخل رأسها، لقد تذكرت ما حدث أمس عندما قالت آيات القرآن من سورة الفتح ووقع بصرها على السلسال لكن بسبب التوتر والخوف لم يستطع عقلها الترجمة، وها هو الآن يعيد عليها المقطع من جديد، لتعلم إن خاتم أمها معي، وإنها ليكاتا.

سحقًا، لماذا علت أمواج البحر الآن؟ فقد كنت في رحلة بحرية مشمسة.

نعم، أنا أخذت الخاتم، لأنني أحبك ماليكا، وأنت لم تشعري بي!

هيا أسالي، أنا مستعد الآن للصراخ في وجهك بكل ما اعتمل داخل صدري.

- شكلها جعانة.

قلتها بنبرة هادئة وأنا أنهض من مكاني بسرعة عندما انكمشت ملامح مسك وبدأت في البكاء لتقطع حرب النظرات بيني وبينها، لم تسأل وأنا لم أنبس بشيء، ركضت أبحث عن الغرفة التي نُقلت لها عاليا عندما ازدادت حدة بكاء فراشتي حيث شعرت بشفرات تمزق قلبي من الحزن لأجلها.

سحقًا، وامصيبتاه فراشتي.

دلفت الغرفة حيث تتسطح عاليا على الفراش ووضعت مسك بين ذراعيها بسرعة بذراع مرتعشة فصمتت على الفور مما حعلني أضيق عيني بضيق شديد قبل أن أهتف بتبرة حانقة:

- ما هذا الغدر فراشتي؟! لقد ألفت لكِ أغنية.

_ وهي الأغنية دي اللي هتشبعها؟ هترضع نوتين؟

قالها عبدالرحمن بنبرة ساخرة وهو يرمقني بنظرة متلاعبة وكأنه ربح الرهان قبل أن يبدأ، فأخرجت صوت حانق من فمي وعقدت ساعداي وأنا أقول بنذق:

- هي من ستطعمها وليس أنت، أنا مازلت بالمنافسة.

حولت نظري لعاليا بينما ارتسمت ضحكة شريرة على شفتي وأنا أنظر إليها وأفكر في الانتقام قبل أن أهتف بنبرة مخيفة تشبه مخالب مخلوق مخيف في رواق المنزل فجرًا مهددًا:

- لقد بدأ العد التنازلي الآن، مرت ساعة من عامين على حياتك، وبعدها سوف أضع رأسك ديكورًا في غرفة فراشتي.

- طيب روح اعملي حاجة أكلها عقبال ما آجي، أنا لسه والدة.

قالتها عاليا بنبرة الشمطاء الآمرة الخاصة بنساء العائلة، فأخرجت صوت ساخر من فمي وأنا أطيح برأسي بتهكم، في السابق كانت حجة الحمل والآن الولادة، أتجهت للخارج حتى أعود للمنزل وأصنع لها الطعام لكن قبل أن أخرج سمعت صوت السيدة زينب تقول:

- إنت هتروحي معانا، وابقي ارجعي بيتك لما تقومي بالسلامة.

- أنا ذاهب لقصر المُهيري، أقسم إن لم تعود بفراشتي للمنزل، لآتي واخطفها في المساء، ولا تقلق بشأن البكاء، لقد ربيت طفل بمفردي.

قلتها بنبرة مهددة في أذن عبدالرحمن بعدما عدت أدراجي من جديد ثم بعثرت بسمات كثيرة لجميع من بالغرفة قبل أن أخرج منها متجهًا لقصر عائلتي القديم حتى أصنع طعام لأختي عاليا الشمطاء رقم اثنين، هي لن تعود لقصر المملكة في وجود القادة حتى لا يتم لفت النظر لها، لإن تلك الصغيرة وقتها ستصبح ابنة "هارون" وليس "عبدالرحمن" وستخضع للملكة، وهذا ما لا نريده لها بالطبع.

أشعر بالحماس الشديد يسرى داخلي، لا اطيق انتظار اليوم الذي ستصعد به الصغيرة فوق ظهري وأركض بها في المنزل.

- ليو، شوف سيرا فين.

قالها عمي هارون بنبرة تحمل القلق حيث خرج خلفي مباشرةً حتى تُطعم عاليا الفراشة الغدارة الوغدة الجميلة، فحركت رأسي بالموافقة وخرجت أبحث عنها في الوراق بدلًا منه، فهو يحاول تجنب الاحتكاك بها كثيرًا بعدما طلبت الطلاق منه، لكنه يعلم إنها ليست بخير، فعمي هارون يهتم بالجميع، وجدت أخي "غازي" والذي يكون المامبا الحامي لها يقف بمنتصف الرواق فعلمت إنها هناك، فجميع نساء العائلة الحاكمة لديهم مامبا حامي وهذا لإنهم تحت رقابة الملك والملك ليس لديه رجال سوى المامبا.

- مرحبًا زوجة عمي.

هتفت بها بنبرة هادئة وأنا أجلس بجانبها أرضًا بعد ترك مسافة كافية بيننا بعدما رأيتها تجلس في زاوية جانب الباب تحدق أمامها بعيون شاردة محملة بالماء الذي ينهمر كالشلالات فوق وجنتيها التي تحولا إلى اللون الأحمر الدامي مثل أنفها.

- لا تظن أنني حزينة أو حاقدة ليو أنا فقط..

- حاقدة؟! من الذي يمكن أن يظن ذلك بكِ؟ أنت بيضاء سيرا.

قلتها بنبرة مؤكدة لأقاطع حديثها المضطرب الذي خرج بنبرة متهدجة بلغتها الأم التركية بعدما انتفض جسدها من كلماتي حيث خرجت من شرودها، فسيرا هي أبعد ما يكون عن كلمة حاقدة، إنها بيضاء كالثلج، وجميلة كالأزهار، من تستطع إعطاء مشاعر أمومة كاملة لأطفال ليسوا من رحمها لا يمكن أن تكون سوى حورية.

- أنا أكره تلك المشفى، أشعر إنها تؤخر عمل نبضات قلبي وتحاول توقيف العمل، لقد سحبت ابني من بين أحشائي، ابني الذي ضممته لمرة واحدة، قبل أن يأخذوه بعيدًا، ولم ألمسه ثانيًا.

قالتها سيرا بنبرة تحمل الألم الذي ينغز صدرها كأن جميع الإبر الطبية بالمشفى تخترق قلبها في ذات اللحظة، بينما عيناها كانت مازلت محافظة على شرودها أمامها وكأنها ترى ولادة ابنها أمام عيونها من جديد، تشم رائحته، وتشعر بملمسه الناعم وجسده الصغير للغاية الذي تكاد لا تشعر به فوق موضع قلبها.

- حسنًا إذن، أنا لا يمكنني أن أصبح ابنك لأنني كبير، لكن ما رأيك في أخي "غازي"؟

قلتها بنبرة جادة لا تتناسب مع مغزى حديثي المازح قبل أن أنهض بسرعة وأحمل أخي فوق ذراعيّ ثم ألقي به أمامها بقوة مما جعل أخي يصدر صوت تأوه خافت وهو ينظر لي بدون فهم مما يحدث.

- انظري إنه جميل، يمتلك أكثر وجه برئ في العالم، أوه، إنه يمتلك عيون حادة وجميلة كالصقور وشعره طويل، كما إنه هادئ ومسالم للغاية، وفنان مبدع بحق، وفقط في الخامسة والعشرين.

قلتها بنبرة تاجر يعرض العبيد للبيع في العصور القديمة وأنا أضع وجه أخي "غازي" بين أصابع وجنتي وأوجه وجهه ناحيتها حتى تنظر لبضاعتها بتمعن قبل الشراء، فأخرجت سيرا صوت ساخر من فمها قبل أن تهتف بنبرة متهكمة:

- مُسالم؟ إنه صانع القنابل ليو!

- نعم نعم، إنه فنان، يمكنه إحالة ناطحة سحاب إلى رماد في خلال ثواني، وينسف قاعدة عسكرية في خلا.. حسنًا لا بأس.

بترت عبارتي عندما لاحظت ثبات وجه سيرا في وضعه الساخر ليدل عن إنها لن تشتري مني هذا الشاب، ثم هتفت بكلمتي الأخيرة وأنا أحمل أخي "غازي" من جديد وألقي به بعيدًا وكأنه كيس قمامة فأصدر صرخة عاتية ونظر لي بتوعد لكنني تجاهلته وركضت في الرواق لثواني أبحث عن أخي "بكر" فهو الكتكوت الصغير الخاص بي، لكن تذكرت إنه ليس هنا فأخذت أخي "دافنشي" والذي يكون مامبا فريدة، حملته فوق ظهري وعدت لموضع سيرا من جديد وألقيته أمامها.

- لقد وجدت لك الأفضل، انظري لوجهه، أكاد أقسم إنه يمتلك أكثر وجه برئ رئيته في حياتي، كما إنه يمتلك غمازتين في وجنته، ورسام مبدع لوحاته تطوف العالم.

- نعم تطوف العالم، لإنه يسرق اللوحات الأصلية ويبدلها بخاصته.

قالتها سيرا بنبرة ساخرة وهي تقلب عيناها بهزل من مميزات "دافنشي" كمان نطلق عليه حيث إنه يسرق اللوحات الأصلية من المعارض والمتاحف حول العالم ويضع نسخة مطابقة للوحة رسمها بأنامله مكان الأصلية.

- إنه فقط مريض بالفن وأنتِ معالجة نفسية سيرا يمكنك علاجه.

- أنا لست مريضًا! أنا فنان لوحاتي في جميع معارض العالم.

قالها أخي" دافنشي" بنبرة قاطعة حانقة متتدخلًا في الحديث بنفس لغة سيرا التي نتحدث بها تعقيبًا على حديثي الذي خرج بنفس بنبرة تاجر العبيد حتى أتمم الصفقة، بينما أتصل بؤبؤ عيني بخاصة سيرا لثانية سمعت بها ضحكة عيونها الساخرة داخل عقلي قبل أن أحمل أخي دافنشي وألقيه كالسابق، ثم ركضت أبحث عن وغد جيد بين جميع الأوغاد.

سحقًا، لا يوجد وغد جيد، جميعهم أوغاد، يعقوب لا يبدو كطفل البتة، كما إنه شرير، أكاد أقسم إن حتى عيونه تضحك بشر

باسل؟
سحقًا من جديد إنه يصنع تماثيل فرعونية مماثلة للأصلية التي أخرجها من المقابر.

أوه يا إلهي، لقد تذكرت أنني لم أعيد التمثال الذي أعطاه عمي هارون لصناع الفيلم حتى يحصل على نُسخة، حسنًا، أنا حزين على السرقة، ربما أبعث نيلان فقد ملت عضلاته من فعل .. لا شيء.

- انظري سيرا، انسي السابقين إن هذا لطيف للغاية، يمتلك عيون حالمة ومسالمة، كما إنه يرتدي ملابس مضحكة ليلعب مع الأطفال.

قلتها بنبرة متلهفة بعدما أحضرت أخي "أندل" مامبا عاليا ورميته أمامها في حركة مكررة لكنها مازلت تضحكني، بالطبع اسمه ليس "أندل" لكننا نطلق عليه هذا نسبةً لشخصية أندل الشريرة في فيلم شركة المرعبين المحدودة، ولأن بالطبع كل لقب يلقي بشيء على صاحبه، ارتسمت ضحكة أكثر سخرية على فم سيرا قبل أن تهتف.

- تقصد يسرق الأطفال.

_ سحقًا لكم، لا يوجد واحد فقط، واحد فقط جيد بينكم، أذهب، للجحيم أنت ولنساء العائلة.

هتفت بها بنبرة متهكمة وأنا ألقي به بعيدًا بسأم ممتزج بالسخط، إنه يرتدي أزياء خاصة بشخصيات الرسوم المتحركة ويلعب مع الأطفال، لكنه يسرق منهم الحلوى، والألعاب ويفقع بالوناتهم، أقسم أنني حتى لا أستطيع تشخيص مرضه الغريب هذا.

- حسنًا، سيرا وبما إن الجميع أوغاد فلا يوجد أمامك سوى تبنيني.

قلتها بنبرة تحمل قلة الحيلة وأنا أجلس بجانبها واسند رأسي على الحائط الأبيض خلفي، فنظرت لي بطرف عيناها مع إمالة رأسها قليلًا قبل أن ترتفع ضحكاتها عاليًا.

سحقًا، أنا جيد بالفعل، فقط أسرق بعض التماثيل، وأراقب ماليكا!

- شكرًا ليو، على كل شيء تفعله معي حتى الآن.

قالتها سيرا بنبرة ممتنة وهي تنهض من فوق الأرض وتعدل ثيابها وحجابها مما جعلني أثبت نظراتي بالأرض حتى تنتهي مع شعور بطيف خفيف من السعادة ظهر أمامي من نجاحي في تغير حالتها، فقد كنت على وشك البكاء بجانبها والبحث عن شخص ليواسينا سويًا.

- أعلم أن الوقت ليس مناسبًا لكن عليكِ طلب الزواج منه، فأنا أعلم إنكِ لست مثل تلك الغجرية الحمقاء، بالطبع علمتي من الذي يحبك؟

- أنا اللي أطلب منه ده؟!

قالتها بنبرة مستنكرة وهي تفتح فمها وتعود برأسها للخلف في حركة صدمة، لتؤكد على حديثي بشأن حلها اللغز الذي اخبرتها لها سابقًا ومعرفتها بهاوية الرجل الذي يحبها.

- أنتِ المعالجة هُنا يا امرأة، تعلمين إنه لن يفعل ذلك حتى إذا قُتل.

قلتها بنبرة مؤكدة وأنا أنهض من فوق الأرض وأهندم ثيابي، فأنا فعلت كل ذلك حتى نكمل تلك الخطة، وتتقرب منه "سيرا" بحالها، فشردت عيون سيرا قليلًا مما جعلني أشعر بالرضى يتراقص أمام عيوني، لقد أعطيتها شيء تفكر به بدلًا من ابنها، بينما ظهر عمي هارون يتحرك أمامي وهو يحمل شهد على كتفه ويمشي بها في الرواق حيث كان يراقبني، لإنه بالتأكيد لن يتركني معها بمفردي بمنتصف المشفى التي تعج بالأطباء والممرضين.

هناك شيء مهم للغاية، بالطبع عمي هارون ليس والد ابن سيرا لإنه لا يُنجب، سيرا أرملة القائد "أوركا" والد آدم، وآدم أخيه الأكبر.

- هيه صغيرتي المد.. الشمطاء، ما رأيك في المجيء معي ونصنع معًا الحلوى؟

قلتها بنبرة تحمل المرح إلى شهد بعدما بترت حديثي في المنتصف عندما زمجر عمي هارون ككلب حراسة يقف أمام مصنع ليرهب المارة حتى لا أهتف بكلمة "مدللة"، حيث شعرت إنني يجب عليَّ تدليل صغيرتي اليوم لأنها حزينة من حديث المرأة في المقابر على الرغم من إنها لا تُظهر ذلك.

سحقًا، لقد غير عمي هارون اسمها وتزوج على الورق بامرأة صهباء ماتت منذ عام في ذلك اليوم، ونسبها لنفسه حتى لا نقع في ذلك المأذق مع المملكة ويرميها أحد بخناجر حديثه، لكن وجه أمي شيرين ضحك ضحكة الشبح الذي ظننت إنك قتلته لكنه كان يتصنع فقط الموت ويختبئ ليظهر في الوقت المناسب.

لا أعلم هل هذه هدية أم لعنة وعقاب؟ لكن شهد نسخة متطابقة من أمي شيرين حيث في أحيان كثيرة أظن أن أمي هي من تقف أمام عيوني.

- يلا، أنا زهقانة، ماليكا روحت وغزل خرجت مع يعقوب ونجمة مع رائف، عايزة ورق عنب، وبيتزا نيابولتن، و سمبوسة، وكبسة ومندي و"جاجانغ ميون" و"باني بوري" دي أكلة هندية كنت فكراها حلويات بس طلعت مش حلويات، نبقى نشوف حلويات بقى.

قالها شهد وهي تهبط عن ظهر أبيها بحماس طفولي كعادتها لتسرد عليَّ الطعام أو الدول التي مرت على خيالها حيث إن فمها على وشك الطوف بين البلدان وهي بالمطبخ، ثم خطت أمامي وأمسكت بمرفق" شفا" الوحيدة التي مازلت بالمكان تبحث بعيونها عن نيلان لكنه بالتأكيد ذهب خلف ماليكا بما إن رائف رفقة زوجته نجمة.

سحقًا، لقد اختارت المامبا الخطأ لهذه المهمة، لكن ماليكا تحبه وتطمئن له لذا اختارته من البداية، لكن يجب أن تقطن ماليكا بقصرنا حتى يتوازن كل شيء.

حسنًا، الآن اقتنعت لماذا وضع قانون عدم تزويج المامبا.

- تعالى هنا، إنت هتفضل معايا ونروح مع بعض.

قالها عمي هارون بنبرة جامدة لا تحمل النقاش وهو يضع ذراعه حول كتف أخي فارس الذي هم أن يتبعنا، فنظر له فارس بتهكم وهتف بنبرة ساخطة تمتزج بالسخرية:

- يعني ليو يروح عادي وأنا لا؟ هو أنا حمدي الوزير؟

- آه إنت حمدي الوزيز، وأسكت علشان مخربش الجوازة.

قالها عمي هارون بنبرة باردة وهو يصفعه على وجنته عدة مرات بلطف خارجي لكنها كانت قوية حيث تشنج وجه فارس، فضحكت عاليًا عليهما قبل أن أنسحب للخارج خلف شهد، يبدو أن المرح الحقيقي قد بدأ الآن.

__________________________𓂀
𝕄𝕒𝕝𝕚𝕜𝕒

⟬ ماليكا ⟭

"هل هناك ما هو أكثر رعبًا في حياة إنسان كان يخبئ الحب في جيبه كسلاح أخير للدفاع عن نفسه"

- غسان كنفاني.

بعد قرابة الشهر.

استيقظت في فراشي ببيتي على ضفاف النيل بسبب صوت الرعد والمطر المنهمر بشدة الذي يضرب زجاج النافذة من الخارج، شعرت بحركة في الصالون فظننت إنها خالتي عزة، نهضت من السرير وتحركت ببطء تجاه مقبس الضوء، لإنارة الغرفة لكنه أبَى أن يُضيء، تحركت وأنا أتحسس الأرض بقدمي حتى وصلت لهاتفي الموضوع فوق الكومود وأنارت مِصباحه، أعطاني بعض من الإضائة البسيطة لم تكن قوية لكنها كافية لأرى خطواتي بعدها خرجت من الغرفة ببطء مع مناداتي اسم خالتي عزة مرات.

لم أحصل على إجابة منها حتى وصلت للصالون ورأيتها واقفة ممسكة بحاوية طعام وساكنة، اقتربت منها مع مناداتي اسمها، لم أشعر بأي إختلاجة صادرة منها حتى وصلت إليها، وجدتها متجمدة في وقفتها مثل تمثال من الشمع، تحمل الحاوية في يديها وتفتح فمها قليلًا، كأنها كانت على وشك الحديث وتجمدت بَغتة.

شعرت بالذعر يتسلل إليَّ وأخذت أهزّ جسدها المتحجر تزامنًا نطقي اسمها بصراخ لكن لا شيء، سمعت فجأة صوت صفير لحنًا ما بالقرب مني، استدرت ببطء حتى وقع بصري عليه، أهتز قلبي فزعًا بين ثنايا صدري من هيئته المخيفة، عيناه سوداء بالكامل بدون بؤبؤ مثل أفلام الرعب، أسنانه حادة، أنياب طويلة تتخللها أثار دماء، يديه تقطر دمًا ينزلق ببطء من بين أصابعه ليصدر صوت ارتطام ضعيف على الأرض لكنه يصل إليَّ كصوت دوي الرصاص.

ركضت بسرعة قصوى للخارج بعد أن اندفع الأدرينالين بقوة داخل أوردتي، نزلت من الدّرج بسرعة مترنحة مع محاولة عدم سقوطي، لكن في منتصف الطريق تعثرت قدمي ثم سقطت من فوق الدرج.

شعرت أن جسدي ينسحق ويتفتت مثل حبات الثوم تحت المِضرب، صرخت من الألم بشدة، سمعت صوت صداها يتردد في جميع الجدران ممتزج بصوت ضحكته المخيفة التي تشبه نعيق الغربان، حتى توقف وعاد يصفر من جديد باستمتاع؛ تحاملت على قدمي التي أكاد أجزم إنها انكسرت وقفت مجددًا بعدما عضضت يدي كي لا أصرخ.

خرجت من البناية وجدت الجميع متجمدين، كأن الزمن توقف عند الجميع سويا وهو، أخذتُ أركض أثناء صراخي بهم" هلا ساعدني أحد"  "أرجوكم"  "هل مازال أحدًا على قيد الحياة" ، لكن لا جواب، أعدو بأقصى سرعة لديَّ وكأنني بمراثون لكن الفرق أن هذا سينتهي بموتي لا بالفوز؛ علي الرغم من الوجع الذي أشعر به بجسدي كأنه يلقي عليَّ ألمًا نفسيًا أشد، والمطر الذي ينهمر فوق رأسي وصوت الرعد والبرق ينفض قلبي فزعًا.

وصلت لطريق مسدود في آخر شارع ما، وقفت وأنا أتنفس بعنف أحاول بلا فائدة تنظيم أنفاسي المضطربة، بعدها شعرت بأنفاسه الساخنة خلفي تمامًا ثم ضحك عاليًا بشدة بشكل رجّ قلبي بعدها وضع يده الدامية على كتفي نظرت إليها ببطء تزامنًا مع ارتجاف جسدي؛ قبل أن استيقظ فزعًا.

يا الله، هذا الكابوس البغيض مجددًا، تبًا لك أيها الوغد المدبلج وتبًا لنظراتك البغيضة التي تخترقني.. تبًا لصوت صفيرك.

لقد سمعت هذا الصفير من فمه مرة واحدة فقط عندما كان يخيف شهد حين أتت للشركة أول مرة، ومن وقتها التصق برأسي، لم أكن أعلم أنه مخيف هكذا.

"اللهم أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك ربي أن يحضرون".

رددتها بخفوت عندما هدى عقلي أن ما حدث كان كابوس خيالي ليس له أي أساس من الصحة، حاولت تنظيم أنفاسي، شهيق، زفير، شهيق، زفير.

حسنًا ماليكا لا داعي للهلع، إنه مجرد كابوس من الشيطان بسبب عقلك الباطن لا تجعليه يُفسد يومك، فاليوم يوم مميز بالنسبة لي سوف أذهب لمعرض الكتاب رفقة بعض صديقاتي القراء من على مواقع التواصل الإجتماعي مثل كل سنة.

نهضت من السرير، دلفت للمرحاض تحممت بعدها خرجت أشعلت بخور "لبان عدن، ورق اللورا" ونَثَرت ماء الورد في جميع أنحاء الغرفة لطرد الطاقة السلبية، وضعت بعض الملح والخل في كوب ماء، بعدها صَلّيت الضُحى في الركن المُخصص للصلاة في غرفتي، ثم فرشت سجادتي الرياضية في الشرفة وقمت بممارسة ساعة من اليوجا كعادتي الحديثة منذ قرابة الشهر بسبب كل ما يحدث داخلي من توتر.

لن أدعك تفسد يومي أيها الوغد المدبلج المختل!

وضعت مرفقاي فوق الأرض ورفعت كلا قدماي للأعلى من فوق الأرض ثم باعدتهم عن بعض حتى أصبحا مفتوحين على وسعهما فوق رأسي، ثنيت قدمي الأمامية وهبطت بأصابعي فوق الكعكة المعقودة فوق رأسي، جيد إن جسدي مازال محافظًا على مرونته، إنه الوحيد الذي مازال يعلم أنني بطلة ولا أخاف من شيء.

ظهرت صورة ليونار داخل الحُلم داخل رأسي لتهزمني من جديد وسط كل التركيز على إبقاء جسدي بالأعلى فسرت قشعريرة خوف بجميع خلايا جسدي شعرت بها وكأنني قفزت داخل المسبح ولسعتني المياه بسوطها كما حدث في السابق عندما كنت في الخامسة، حينما أخذتني أمي لتعلم السباحة وبعد عدة مرات حملني المدرب المختل وألقى بجسدي داخل المياه بعنف وقتها أخذت سوط من المياه لف حول جسدي وترك أثر طولي أحمر اللون فوق معدتي وظهري وكأنني ضُربت بالسوط.

لقد تشاجرت أمي مع المدرب ولم أعود للسباحة من جديد بعد ذلك اليوم، لكنني أسبح الآن في مسبح ملئ بالأفكار المرعبة بعدما أخذت السوط بواسطة ليونار، لقد مر عليَّ هذا الشهر كالكابوس المرعب الذي لا ينتهي يبدأ بالكابوس الحقيقي في نومتي وينتهى بأفكار المحقق هبداوي داخل رأسي.

أنا مرهقة ذهنيًا بالكامل كمن ركض لساعات طويلة دون توقف.

بدأ الأمر عندما تذكرت ما حدث معي عندما كنت بالمشفى، لقد سألني عن اسم ابنتي المستقبلية، "سُكينة" كانت الكلمة التي فتحت أبواب الجحيم أمام وجهي، لقد تذكرت الآية، صوتي، وهيئته، والسلسال.

السلسال!

نعم، نعم، هذا ما كان عقلي يحاول جاهدًا إرساله لعقلي وكأنه لوحة إعلانات مضيئة في منتصف الصحراء، تبًا، إنه يرتدي خاتم أمي الذي أضعته، أو الذي سرقه من غرفتي .. غرفتي؟!

تبًا، منذ متى وهو يراقبني؟
ماذا رأى؟
وماذا أخد من غرفتي؟
هناك مختل يلاحقني ويسرق أشيائي الشخصية؟
أقسم إن قلبي يكاد يتوقف من الرعب.

دارت هذه الأسئلة دخل رأسي أثناء خروجي من المشفى بلهفة دون توديع أحد حتى وصلت لشقتي ومنها لغرفتي كنت أتجه للخزانة لكنني توقفت عندما وجدت صندوق ورقي فوق الفراش وفوقه رسالة من "الراسل المجهول" وتقبع ورقة ملاحظات صغيرة من خالتي بجانبها مكتوب بها إنها وجدتها بالخارج.

أمسكت الرسالة بلهفة، لكن لهفتي لم تكن لهفة حبيبة لا تطيق صبرًا لتقرأ كلمات حبيبها، كانت لهفتي هي لهفة أم منكوبة تنتظر رسالة من ابنها الجندي في الحرب، وتخاف أن تجد كلمات الرسالة هي خبر استشهاده ونزف دماءه فوق رمال وطنه الغالي.

⟪ أكرهك أيتها الغجرية، وأكره وتيرة قلبي التي ترتفع بقربك.
ظننتكِ من سيسحب الخنجر المغروز بمنتصف قلبي، تُقطبي جراحي، تُنسيني ما حل بي من حزن، خيانة، وتمزّق، لم أكن أعلم إنكِ ستسحبي الخنجر ببطء من بين صمامات قلبي حتى تمررينه فوق أوتار رقبتي وتنحري عنقي.

أكرهك ماليكا، أكرهك بشدة، سحقًا لكِ.
أتعلمين ماذا قال قيس بعدما تزوجت ليلى؟ 

قَضاها لِغَيري وَاِبتَلاني بِحُبِّها
فَهَلّا بِشَيءٍ غَيرَ لَيلى اِبتَلانِيا
خَليلَيَّ لا تَستَنكِرا دائِمَ البُكا
فَلَيسَ كَثيراً أَن أُديمَ بُكائِيا

لكن أنا لستُ قيس وإنتِ ليست ليلى، أنا لن أبكِ وإنت لن تكوني لغيري.                 ⟫

شعرت بارتجاف قلبي الذي تزلزل داخل قفصي الصدري من الجملة الآخيرة، هذه كلمات ليونار، طريقة ليونار، وصوت ليونار، أقسم أنني سمعتها بصوته وطريقته داخل أذني، شعرت بأنفاسه بجانبي، ورائحة عطره.

تركت الرسالة تسقط من يدي بتهاوي راقص حتى استقبلتها الأرض، ثم توجهت ناحية الصندوق الذي يقبع فوق الفراش، فتحته بأصابع مهزوزة وكأنني أفتح صندوق يحتوي على قنبلة على الرغم من رائحة الشيكولاتة والفانيليا النابعة معه والتي تنبأ عن وجود شيء من الحلويات.

ظهر أمام عيني عدد من البسكويت الدائري المصطف جانب بعضه البعض والمرتسم فوقه التنين "أبو سن" أو "غضب الليل" وهذه بطعم الشكولاتة وشكل آخر من زوجته البيضاء "غضب النهار" وهذه بالشيكولاتة البيضاء الفانيليا، هذا سيكون شيء جيد وغير مخيف البتة إذا لم يكن ليونار يرسل لي ملصق على تطبيق "واتساب" يكون على شكل "أبو سن" يضحك ببلاهة وهو رأسًا على عقب، ومكتوب فوقه "مرحبًا" حيث يبدأ بعدها يبعث أي شيء آخر خاص بالعمل، كما إنه يستخدم العديد من تلك الملصقات أثناء المحادثة، مثل "واحسرتاه".

خلعت خاتم خطبتي الذهبي بعدما ضربتني رصاصة تلك الفكرة في مؤخرة رأسي، أمسكت الخاتم بين أناملي وقربته من عيني حتى أدقق النظر بتعرجات خطوط الجناح المنحوت في الجدار الداخلي، إنه جناح تنين.

تبًا، تبًا، تبًا.
لقد بدل الخاتم بالفعل، وسط جميع الفتيات، أخذ خاتم أمي، الخاتم الذي رأيت هارون يرتديه من قبل في المشفى!

_ أنا مش فاكرة حاجة، مش فاكرة!

هتفت بها بنبرة متهدجة وأنا أجلس في الأرض وسط ملابسي المبعثرة وإكسسوراتي بعدما أحلت الغرفة لخراب وأخرجت جميع ملابسي من الخزانة حتى أتأكد إن جميعها بالغرفة، لكن لا أستطيع التذكر هل هذا كل شيء ؟ أم هناك شيء مفقود، بعثرت نظراتي على كل الخراب حولي قبل أن انفجر في البكاء بعنف وأغرق كقماشة صغيرة تحاول جاهدة تجفيف ماء المُحيط.

هناك شاب يراقبني منذ عامين ونصف، دلف شقتي ووضع رسائل، أخذ خاتم أمي وسحبني لحياته بهذه البساطة وأنا لا أعلم شيء؟!

نعم، أنا غبية مثلما يقول مراد دائمًا، لا أستطيع التفرقة بين الأشخاص، الجميع يستغلونني.
هل "شهد" تعلم شيء؟
هل يعلمن كلهن الأمر ويتلاعبن بي؟
ما هو الشيء الحقيقي؟
بمن أثق؟

نهضت من فوق الأرض، انتشلت حقيبتي وخرجت بسرعة من الغرفة ثم إلى الأسفل دعست بقدمي فوق خاتم خطبتي أثناء ركضي أسفل البناية، فقد القيته من الشرفة في غمرة غضبي، انحنيت للأسفل والتقطت الخاتم برؤية مشوشة بسبب دموعي المتجددة داخل قنواتي الدمعية وكأنها نهر جاري، أسقطته بسلاسة داخل واحدة من قصاصي الزرع المنتشرة فوق سور المنزل، هناك شعاع نور داخلي يظن إن ما يحدث من نسج خيالي فقط، وأن الخاتم خاتم عامر.

تابعتني عيون المارة وأنا أركض في الشارع وأمسح دموعي بأكمامي، وكأنني زوجة شاهدت خيانة زوجها، لكنني شاهدت خيانة الجميع، لقد أخبرني "فريد" ذات يوم بتفكير طفولي أن ليونار بطل خارق ويأتي لشرفته وينقذ العالم، ظننت إن الأمر مجرد خيال طفل في الخامسة يصنع من شخصياته المفضلة أبطال، لم أكن أعلم أنه يأتي بالفعل لشرفته ويراقبني.

ارتفع صوت شهقاتي ليتحول البكاء الصامت إلى صرخات أثناء استمراري في الركض، لقد تنافست قدمي مع دموعي في السرعة، أصبحت نظرات الجميع تُقطر شفقة، لكنني لم أهتم، لم أفكر بشيء، هناك مختل، قاتل، زعيم عصابة مصاب بالإنفصام يلاحقني.

هناك شخصية شريرة داخل ذلك المدبلج ترغب بي، ولن تتركني، ماذا أفعل؟

- ماليكا؟! مالك ؟

خرجت هذه الكلمة من "رويدا" صديقتي بعدما ذهبت لبيتها وطرقت الباب، وحصلت عن الجواب عندما رميت حالي بين ذراعيها لأبدأ في نوبة بكاء أعنف من ذي قبل، أنا مرتعبة وحزينة، هذا كل ما استطيع ترجمته حاليًا من بين مشاعري المتخبطة داخلي.

_ بصي يا ماليكا، أنا عارف مين بيبعت الرسايل وهو مش ليونار.

قالها "إسلام" بنبرة هادئة وهو يجلس أمامي على الأريكة يثبت نظراته بالأرض ويضغط على كرة أسفنجية صغيرة تقبع بداخل قبضة يده بعدما سردت على "رويدا" كل شيء بشأن الرسائل والعمل وكل ما حدث معي في الأشهر الماضية، وقد سمع إسلام الحديث حيث إنه كان بالمنزل عندما انهار كل شيء داخلي وأصر على سماع ما حدث.

لكنني تغاضيت عن الجزء الخاص بعمله في تلك المنظمة وإنه رجل عصابات حيث لا يعلم أحد من عائلة عبدالرحمن الأمر، فقد شدد علينا "قاسم" أن لا نفتح هذا الأمر أمام ريحان بالأخص، حيث يظن الجميع أن عبدالرحمن كان يعمل مع القائد "شمس" وهارون هو من أنقذه من ذلك الوحل، وقد مررت الأمر بعدما علمت أن "خوفو" تائب ولا يعمل معهم بالفعل، لذا لم أخبرها بشيء.

- مين؟

- مش هينفع أقولك علشان ده سر، هو واحد من طلاب "ماما"، بعدين حوار الشغل أنا اللي قولت لـ "رود" تعملك منشن لما شوفت إنه مكان كويس، وإنتِ اللي روحتي اشتغلتي في مكان تاني برجلك يعني صدفة يا ماليكا.

هتف "إسلام" بحديثه بنبرة ثقيلة وهو يزال مثبت عينه بالأرض ويضغط على الكرة مع ازدياد حدة الضغط حيث بدى إنه غاضب وحزين ويحمل نظرة قاتمة سوداء وكأن كيان مادي شرير تلبسه قبل أن ينهض بهدوء ويضيف:

- متخفيش، أنا مش هخلي حد يجي جنبك، أنا هكلم "جواد" يجي من الشغل على فوق علشان تبقوا برحتكم.

خرج من الشقة بعد حديثه دون أن يزيد كلمة أخرى ليتركني مع رويدا وأختها الأصغر بمفردنا بالشقة حيث إن أمهم في الأسفل عند أختها كعادتها، كلماته هدأت من روعي قليلًا على الرغم من عدم تصدقي لحديثه بالكامل، ربما كذب عليَّ ليطمئنني فقط، وهو يعلم أن ليونار من يبعث الرسائل، لكن كذلك أنا من ذهبت لمصنع الحاوي بإرادتي، إذن أن تقاطع طرقنا به شيء من الصدفة.

سواء كان هو من يبعث الرسائل أم لا، تغير شيء داخلي منذ ذلك اليوم، لم أستطع تصديق أي شيء، أصبحت أذهب للعمل مرتين في الإسبوع، صارت كل نظرات ليونار لي لا تُريحني، رائحة عطره تقبض صدري، وصوته يزلزل كياني، كما إنني ابتعدت عن الفتيات بقدر ما أستطيع، يجب عليَّ العودة للطريق الصواب، في النهاية إنهن فتيات من عائلة عصابات.

بعدما انتهيت من جلسة اليوجا انتظرت نصف ساعة قبل إعداد الشاي بلبن الخاص بي، استغليت الوقت في القراءة، قرأت رواية شهد الجديدة وعلى الرغم من حرق النهاية بشأن قتل "ليكاتا" إلا إنني استمتعت بقرأتها، تبًا لكم جميعًا أيها الأخوة وكأنه كان ينقصني بحياتي مجموعة من المختلين.

حسنًا، الأمر الجيد إن ليكاتا تمتلك شعر أحمر، إذن أنا لست ليكاتا، إذا تجاهلت تموجات شعرها.

دخلت المطبخ أعددت الشاي مع بعض البسكويت ذو الكراميل المملح، وعدت استمتع بالإفطار في الشرفة، كان الجو جميل، به لسعة برد محببه لقلبي، السحب تملأ السماء، أمسكت الكوب الذي يتصاعد منه البخار، سرى الدفء عبر الكوب ليدي، ارتشفت رشفة منه ببطء ثم أغمضت عيني بهدوء لأسمع ذقذقة العصافير المتناغم الخارج من شرفة خالتي عزة مع صوت الرياح العابرة بين أوراق الأشجار المتناثرة على ضفاف النيل.

أنا سعيدة بعودتي للمنزل، كانت رحلة ممتعة على الرغم من كل الحزن الذي تعثرت به خلال ذلك.

كل شيء سيكون بخير، إنه مجرد وهم داخل رأسي ليس له أي أساس من الصحة، حسنًا هو ينظر لي دائما وأشعر إن نظراته تخترقني، يتحدث بكلمات عن الزواج مني لكن يمكن أن أكون مخطئة كما قال "إسلام".

__________________________𓂀

ارتديت ملابسي المكونة من سروال قطني واسع مريح باللون الأبيض وسترة ثقيلة ذات قلنسوة بنفس اللون ومعطف طويل بلون البيج يصل لقدمي بالأسفل، جورب طويل وحذاء رياضي أبيض، أنا اليوم ماليكا فقط، أرتدي الملابس المحببة لقلبي، طلبت سيارة ونزلت من البناية، بعد مرور بعض الوقت وصلت المعرض وقابلت صديقاتي، شعرت بالسرور لرؤيتهم، بعدها انطلقنا في رحلتنا الممتعة للغرق بين الكتب، فتحت دفتر الملاحظات الخاص بي، أعددتها مسبقًا لمعرفة أي دار نشر سأبدأ بها.

أخرجت الهاتف ونظرت للخارطة الخاصة بقاعة واحد بالمعرض، ثم حركت نظري للأعلى حيث للافتات المكتوب عليها حروف الأجنحة قبل أن أشق طريقي للدار حتى وصلت إليها، اخترت عدّة روايات منها وقبل أن أدفع ثمنهم وقع نظري على غلاف رواية جذبت إنتباهي، أمسكتها ثم قرأت ما كُتب في الخلف أعجبني.

استدرت بجسدي قليلًا لأخبر صديقاتي عنها نظرًا لانشغال كلًا منهن بقائمتها، فتصلبت في مكاني وشعرت بأن قلبي يهوى من فوق جبل شاهق عندما رأيت "ليونار" يقف بجانبي ممسك برواية مماثلة للتي تقبع بين أناملي.

تناثرت الكتب فوق الأرض بعدما فقدت التحكم بأعصاب ذراعي وتهدل ساقطًا جانبي معلنًا الموت بفعل صدمتي بوجوده هُنا، لم أرى وجهه منذ خمسة أيام، نظر لي نظرة لم أفهمها قبل أن ينحني بجزعه العلوي، لملم الكتب من فوق الارض وهتف بصوت خفيض وصل إليَّ متهكمًا:

- حمقاء. 

اعتدل بوقار وبعثر نظراته فوق عناوين الكتب بتمعن وهو يعدلها فوق بعضها البعض بتناغم نابع من وسواسه القهري الطفيف، قبل أن يحرك بؤبؤ عينه لي ويهتف بنبرة متسائلة هادئة وكأن وجوده أمامي في ذلك الوقت شيء عادي:

- تعرفي فين كتاب مظلوم كَ الآيآي؟

- نعم؟!

قُلتها باستنكار وأنا أنظر له دون تصديق مع رفع حاجباي للأعلى وكأنني استمعت للغة أهل المريخ، فكرر الكلمة بطريقة مطولة وهو يُشدد على الحروف لتصبح الجملة وكأنها خرجت من مقطع دعست على زر تبطيئة عن طريق الخطأ، فعقدت حاجباي في حيرة وأنا أقول بتساؤل:

- لا معرفش، ده لمين؟

- حمقافسقكي، بلهافسقي، حاجة زي كده .. مش فاكر اوي هو كتاب روسي مترجم.

قالها بنبرة تحمل الجدية وهو يعيد خصلات شعره الفاحم للوراء كعادته، من داخلي أعلم إنه يتلاعب وينعتني بالحمقاء والبلهاء، لكن حقًا قالها بجدية متقنة جعلت بذور الشك تنبت داخل صدري.

- حسنًا، سأرى ذلك.

قالها بنبرة هادئة ليخرجني من شرودي الذي طال بعدما زفر بضيق زفرة طويلة جعلت أنفاسه الساخنة تلفح وجهي، ثم مد يده بالكتب بهدوء مقررًا إنهاء الحديث، فأخذتهم منه دون لمس يده، وهممت أن أتحرك أثناء هندمته للسترة الخضراء الغامقة التي يعقدها حول كتفه حيث يرتدي قميص قطني أبيض تصل أكمامه لمنتصف ذراعه مما تتيح فرصة لوشمه حتى يظهر بالكامل ليضيف لمظهره مشهد أكثر غرابة:

- جميعها روايات جريمة، ماذا؟ هل تنوين قتل خطيبك؟

قالها بنبرة متلاعبة وهو يضيق جفنيه بريبة ويضع كفه داخل بنطاله الواسع ذو اللون الرملي والذي أمتلك واحد مماثل له، ابتسمت له بسمة باردة تشبه خاصة الموناليزا كما ينعتني نتيجة مزحته البغيضة، فضحك ضحكة خفيفة أظهرت أسنانه البيضاء شعرت بها ساخرة قبل أن يقول بجدية:

- أمي لديها سمّ يمكنه قتله خلال يومين ولن يظهر في التشريح إنه قُتل، أو "لو مش عايزة توسخي إيدك وده خياري المفضل" يمكن أن قتله لكِ، كما يمكنني احضار قلبه وطبخ منه معكرونة بالصوص الأبيض تلتهمين أصابعك وراءها، كما يمكنني أن أعزف لكِ مقطوعة موسيقية أثناء تناولكِ له .. وكل هذا بدون مقابل.

سقطت ابتسامتي عن وجهي ورمقته بنظرة تحتلها الذهول بينما سقط فكي من صدق طريقه حديثه مما أدى لإرتفاع ضحكاته العالية قبل أن يقول بنبرة مازلت تحمل أثر ذلك:

- سحقًا، يا إلهي هل صدقتني؟ بالتأكيد سآخذ مقابل، لا يوجد شيء دون مقابل قاسية الفؤاد. 

حسناً لا أعرف هل هو يمزح حقًا؟ أم إنه يتحدث بصدق؟ هناك نظرة داخل عينه توحي بمدى قتامة وصدق حديثه، هو ليس لاعب باليه إنه قاتل مختل منفصم، يا الله ساعدني.

- حسنًا ماليكا صدفة لطيفة تستحق النسيان، أرجو ألا تتكرر ثانيًا.

قالها بنبرة باردة بعدها زفر بضيق من جديد وهو يرفع يده جانبه ليدل عن الوداع، ثم تحرك بكتبه وقام بدفع ثمن الكتب الخاصة به وذهب من أمام أنظاري.

حسناً ماليكا لا تُضخمي المواضيع إنها مجرد صدفة حمقاء، بالتأكيد لا يُلاحقك، إنه يعشق القراءة، مهلًا مهلًا لقد أتىٰ حفلة توقيع رواية شهد قبل أمس لقد رأيت صورهم معًا، لم أذهب للحفل حتى لا أرآه.

لا لا، لن أفكر بهذه الطريقة إنه ذلك الحُلم السخيف يعصف برأسي الأعاصير، بالتأكيد كان معها طوال اليوم ولم يتسنى له الوقت لشراء شيء، نعم، هذا ما حدث.

حاولت نسيان الأمر والإنخراط بين صديقاتي في الحديث والمزاح لكن بعد تمضية ساعة تقريبًا عاد التوتر يفتك بي، إنه حقًا يُلاحقني، أكاد أقسم إنه اشترى نسخ من جميع الروايات التي ابتاعتها، مهلًا مهلًا من الممكن ان تكون صدفة عاشرة، حسنًا لنتأكد.

خرجت من قاعة اثنين وذهبت إلي قسم سور الأزبكية وما هي إلا دقائق ولمحته يقترب ناحيتي تبًا، ما الذي يفعله هذا هنا؟ هل سقط إقتصاد هيئة العصابات؟!

إنه حقًا يلاحقني، وهو من يبعث الرسائل، لقد كذب عليَّ "إسلام" فقط ليطمئنني وهو يعلم تمام العلم إنه يلاحقني، سرى الخوف بجسدي كما يسري برد الشتاء القارص بمنتصف ديسمبر بعدما طرأ على رأسي هذا التفكير.

أخرجت هاتفي وأتصلت بهذا الوغد المدعو خطيبي ليأتي لي، لكن لا رد، تبًا، لماذا لا أجدك في أشد الأوقات حاجتي إليك عامر؟

سأجعل حياته جحيمًا مستعرًا، لقد قلت له سابقًا أن يأتي معي ويستخدم عضلات ذراعه البغيضة في حمل كتبي، لكنه قال بكل بساطة إنه مشغول ويمكنني طلب الكتب للمنزل من أي موقع وسيدفع الثمن، تبًا ليتني استمعت له وطلبتهم للمنزل.

حسنًا ماليكا لا داعي للهلع، فهناك ذئبًا بشريًا، قاتلًا، حاصل على لقب أفضل قاتل الشهر الفائت، يعمل في إحدى منظمات المافيا والزعيم المنتظر لها، يلاحقك كَظلك!

- هل انتهيتِ؟

قالها ليونار بنبرة متسائلة وهو يقترب مني ويتناول الحقائب البلاستيكية التي تحتوي على الكتب من بين أناملي دون لمسي حيث أمسكهم من طرفهم، فتركت الحقائب دون وعي مني حيث إنها كادت تقطع كف يدي من ثقلها لأنني ابتعت الكثير من الكتب والروايات، ففي السابق كان "مراد" يأتي معي بالإجبار ليحمل الحقائب من أجلي ويمشي خلفي كحارس وزيرة الثقافة، لكنني أخبرته إن هذا العام عامر سيأتي معي عندما سألني عن الموعد.

بالتأكيد لم أخبره أن عامر عكف عن المجيء معي للمكان الذي انتظر إقامته من العام للعام حتى أذهب إليه واشتري الكتب المفضلة لقلبي وأخذ إمضاء الكُتّاب.

- آسف إن جعلتك تشعري بالريبة، لكن بالتأكيد لن اترككِ بمفردك تحملين المعرض بأكمله بذراعك الضعيفة تلك.

- ذراعي ليست ضعيفة! أنا بطلة العالم!

قلتها بنبرة متهكمة وأنا أقلب عيني بضيق من حديثه الذي دفع الغضب ليجري في عروقي كأنه طغل صغير دفعه أباه لينزلق بالزحلوقة، تعقيبًا على حديثه الذي خرج بنبرة هادئة وهو يخطو أمامي لأتبعه رفقة صديقاتي اللاتي صرن ينظرن لي نظرات خبيثة ويتبادلن الضحكات الخافتة، ربما يظن الجميع أن هذا خطيبي لأنني لم أنشر صورة واحدة لعامر، ولم تستمع إحداهن للمحادثة بيننا.

- نعم نعم، أعلم إنكِ مبهرة، ربما أنول شرف مباراة ضدك ذات يوم.

- نعم، ربما يحدث هذا في الـ.. مشمش.

قلتها بنبرة ساخرة بعدما صمتُ لثانية في الأخير لأضيف لحديثي دراما لازمة للهزل، تعقيبًا على حديثه الذي خرج بنبرة شغوفة بعينين تضيء بوهج خافت وكأنها عيون قطط بعدما ألتفت لي قليلًا ليجيب على حديثي، فأنا لا ألعب ضد الرجال بالطبع.

_  أنوبيس هنا؟ يا مراحب بفخر الفراعنة.

خرجت هذه الجملة من رجل يفتح ذراعيه بتهليل وترحيب والذي يكون شمس الزناتي؟

نعم إنه شمس الزناتي، إنه صوته لكن وجهه مختلف وكأنه يرتدي وجه شخص آخر فوق وجهه، أو إنه أجرى عملية جراحية وغير ملامحه لولا هذا الوشم الغريب لـ "ست" الفرعوني الذي يستقر بمنتصف مرفقه والذي يظهر واضحًا بسبب ثنيه لأكمام قميصه لشككت إنه ليس هو، على الرغم من إنه مازال يحتفظ بنبرة صوته المميزة التي تخترق الأذن لتجري تجاه القلب مباشرة لترهبه، ونظرته التي تزلزل كياني من مدى حدتها.

- من الطبيعي أن أكون هُنا " ست"، أنت ما الذي تفعله هنا؟

قالها ليونار بنبرة جامدة بلغة أسبانية حتى لا تفهم واحدة من الفتيات الحديث بينما تحرك ليقف أمامي مباشرةً بعدما تلاقت عيني بعين شمس لثانية مررت رجفة لجسدي، أنا أكره هذا الشخص بشدة، ربما هو من يلاحقني في أحلامي وليس ليونار على الرغم من وضوح ملامحه.

هل شمس من يبعث الرسائل؟
نعم، ربما كان يراقبني ودلف ليونار لحياتي حتى يحميني منه.

تبًا، ما الذي أفكر به، لقد رأيته أول مرة في حياتي رفقة الفتيات، أيها المحقق هبداوي، هذا ليس فيلم هندي إنها حياتي!

- أنا كاتب، لقد نشرت كتابي الأول "١٠١ طريقة للقتل الناجح".

قالها شمس بنبرة تحمل الفخر والغرور وهو ينتفخ في مكانه كخروف أحمق ويضع الكتاب الخاص به نصب عين ليونار، فتحركت عيني للغلاف الذي يحمل اسم الكتاب ومرتسم فوق غلافه صورة امراة تمسك خنجر يتقطر منه الدماء بين أناملها، بينما يظهر اسم "محمد فرعون" موضع اسم الكاتب.

- أشكرك أنوبيس، أنت من ألهمني كتابة ذلك العمل .. حسنًا، وبما إنني نلت شرف رؤية جلالتها، إسمح لي أنوبيس تقديم الدليل الذي سيساعد زوجتك في قتلك.

قالها شمس بنبرة تحمل الإجلال والوقار وهو ينظر لي من فوق كتف ليونار بطريقة جعلت يدي ترتفع من تلقاء حالها لتمسك بسترة ليونار المعلقة فوق كتفه، بينما مد شمس يده بالنسخة إلى ليونار الذي أخذ منه الكتاب بهدوء وهو يبتسم له بسمة لا تحمل أي معنى، فتحرك شمس من أمامنا ليتجه للقاعة بهدوء.

_ ماذا؟ هل أخصمها من مرتبك كذلك؟

قالها ليونار بنبرة تحمل المزاح بعدما تحرك للأمام ليكمل خطاه بينما كنت أقبض على قماش السترة المعلقة خلف ظهره مما أدى لانزلاق السترة من فوق كتفه لتصبح كلها بين أصابعي، شعرت بنيران الخجل تضرب وجنتي فالقيت السرة في وجهه بسرعة.

يا لها من مصيبة؟
لقد لمسته!
لا، لقد كانت السترة والتي لا يرتديها بالفعل.
هل تحتسب ذنب؟
استغفر الله العظيم وأتوب إليه.

- واحسرتاه يا قاسية الفؤاد واحسرتاه، تسرقيني وتلقي بالسترة في وجهي؟ لكن حسنًا، هذه ليست أول مرة، أنت سرقتي نبضاتي وانسحبتي.

قالها بنبرة معاتبة وكأنني تلاعبت بقلبه بالفعل أثناء متابعته لخطواته للخارج، لم اتفاجئ، ولم أشعر بنبضات قلبي وهي ترتفع وكأن اعترافه بحبي شيء مؤكد، لا أعلم هل توقف عقلي عن العمل أم الخوف شل تفكيري، لكنني تبتعه على كل حال، إن ذهب بي لمصنع مهجور سوف اتبعه فشمس هنا بالمعرض.

الوحش الذي أعرفه أفضل من الوحش الذي لا يمكنني معرفة ما الذي سيفعله بي؟

تبًا، لا أعلم ما الذي يمكن أن يفعله أنوبيس بي، أنا أعلم ليو فقط، ليو لطيف.

- لقيت الكتاب؟

قلتها بنبرة متسائلة تحمل الخبث بعدما صعدت للسيارة بجانبه ونظر للكتب المستقرة بالخلف فوق الأريكة، فحرك بؤبؤ عينه للجانب ناحيته لثانية قبل أن يعيد نظره للطريق حيث بدأ الزجاج الخارجي للسيارة ينتشر فوقه بعض ذرات المياه التي تنبأ عن هطول المطر القريب.

- تعلمين إنني كنت ألحق بك طوال الوقت لا داعي للعب دور الخبيثة الذكية التي تحاول فك ألغاز البشر، لإنك وببساطة...

- غبية؟

- لا أنتِ طيبة للغاية ماليكا، تصنفين البشر أبيض وأسود فقط، لا تعلمين شيء عن الرمادي.

قالها ليونار بنبرة هادئة ردًا على سؤالي الذي خرج بنبرة عالية هجومية كأنني أتحدث مع مراد وليس هو، حيث شعرت بالغضب يحتل كياني، لقد طفح كيلي من كل تلك الأفكار، وكل أولئك البشر، كما طاف أمام عيني كل الأشخاص السابقين الذين مروا عليَّ طوال حياتي، استغلوا طيبة قلبي، أموالي أو أي شيء آخر، لقد كنت فتاة تمتلك كتائب من الصديقات.

ذهبن جميعًا، لم يبق معي سوا "رويدا" بعد سنة الأكتئاب التي تلت وفاة أمي حيث ابتعدت عن الجميع، من سأل وحاول مرة معي لم يكرر الأمر، لذا خسرت الجميع، والآن خسرت صديقاتي اللاتي احببتهن من كل قلبي لكن هذه المرة بسببي أنا.

لا أعلم هل يجب عليَّ العودة والمواجهة أم لا؟

- هل يمكنك غناء تلك القصيدة مثل الموشحات الإندلوسية؟ لقد كتبتها من أجل ليكاتا.

قالها ليونار بنبرة هادئة بعدما أمسك هاتفه وعبث به قليلًا ثم مد يده به تجاهي، أخذته منه بهدوء منافي للفضول الذي اشتعل داخلي لمعرفة ما الذي كتبه من أجل "ليكاتا"، مررت نظراتي على كلمات القصيدة بتمعن.

❞ قُل للمليحة ذَات الرِداء الأحمرِ
مَاذا فعلتِ بقلبي المتمردِ؟

قَد كان يَذهدُ الحُب والنِساء
و الآن يُحبكِ حُبًا سَرمَديِ

فَرِفقًا بِقلبي حِينَ ياتيكِ
لا تَرفُضيه وتَترُكِنِي مُتَأَوُّه. ❝

- مش عارفة أغنيها.

قلتها بنبرة مختنقة بعدما شعرت برغبة عارمة في البكاء، الصراخ، والركض من هنا والهرب، أشعر إن كل شيء يضغط على جسدي وكأنني داخل غرفة مغلقة مخصصة للتعذيب حيث يتقلص حجمها حتى يسحق الجسد بالداخل إلى أن لا يبقى منه سوى الفتات.

توقف ليونار بالسيارة أسفل منزلي على ضفاف النيل بعد طريق طويل صامت للغاية حط فوقنا معًا، هبط هو من السيارة بعدما تمتم لي بكلمات تدل عن الإنتظار ثم فتح صندوق السيارة أحضر منه مظلة جلدية سوداء، فتح الباب الخاص بي ومد يده بالمظلة للأمام حتى أهبط ولا أبتل، فأخذت منه المظلة بعدما تنهدت بثقل شديد يشبه الثقل الذي أشعر به في قلبي ويجعل ذراعي اليسرى تؤلمني.

- هل يمكنك تصويري؟ أرغب في الرقص أسفل المطر.

قالها ليونار وهو يمد يده لي بكاميرا سوداء، فحركت رأسي بالموافقة تناولت منه الكاميرا، وفي خلال ثواني صدحت أغنية بصوت رائف أجنبية خرجت من سماعات سيارته المفتوح أبوابها جميعًا، كان الصوت عاليًا بشدة مما غطى على صوت المطر.

❞ارغب في كسر القيود حول معصمي.
الركض إليك واخبارك كم أحبك.
أرغب في الاختفاء والعودة من جديد ❝

خرجت هذه الكلمات من السماعات تزامنًا مع حركات جسد ليونار الذي توحد مع الرقص والمطر وكأنه "أفتار"، بينما أنا سُحرت كعادتي بحركاته وتباعت حركة جسده بتمعن وقد تناسيت تمامًا أنني أصوره.

❞ اسم جديد، عمل جديد
هاوية حقيقية، آتي إليك
ونرقص كالغرباء في المدينة ❝

انتشرت المياه حلوله حيث بدأ بعمل حركات بهلوانية فوق الماء حين تحرك على أصابع يده وقدمه، ثم توجه ناحيتي ودار حاولي بقفزات، فتذكرت إنني أصوره وعدت بتركيزي مع حركة وجهه هذه المرة، كان يبدو حزينًا ومهمومًا، بل يبدو إنه يبكِ بالفعل، لكن قطرات المطر امتزجت بدموعه فلم يظهر ذلك، لكنني أعلم أنه يبكِ.

❞  أوه، ما هو اسمك يا عزيزي؟
أتعلم؟ ابتسامتك مذهلة.
هل تشاركني الرقص؟ ❝

توقفت الموسيقى تزامنًا مع توقف ليونار أمامي مباشرةً ينظر لي من خلال خصلات شعره المبتلة الساقطة فوق جبهته وعينه، صدره يعلو ويهبط بشكل ملحوظ من المجهود الذي بذله، بينما أنا ثبت نظراتي للخاتم الذهبي أسفل قميصه الأبيض الذي التصق فوق جسده وصار وكأنه شبه عاري الصدر.

- مرحبًا بالغجرية التي لفت خصلاتها الثعبانية حول قلبي وكبلته.

قالها ليونار بنبرة دافئة رخيمة ليعلن عن حاله أخيرًا، بينما توقف قلبي عن الخفق لثانية تجمدت بها كليًا وأنا أنظر له بينما تتسابق كلمات الرسائل التي أحفظها من كثرة قرائتها أمام عيوني، لكن أسمعها بصوت ليونار، تخرج من شفتيه.

- ليونار المُهيري، ٢٩ سنة، مُطلق ولدي طفل في الخامسة، أراقبك منذ قرابة الثلاث أعوام، وأحبك.

قالها ليونار بنبرة مرتعشة حيث بدى إنه يمنع حاله من البكاء بينما يده تتحرك لأسفل القميص من فتحة رقبته ليخرج السلسال الذي يحتوي على خاتم أمي بالفعل، خلع السلسال عن رقبته ثم استطرد وهو يمد يده لي بها:

- أتعلمين ما الحديث الذي يدور حول حيوان الآيآي؟

قالها بنبرة متسائلة لكنه لم يحصل مني على جواب سوى جحوظ العين عندما لامس الخاتم بطن يدي الذي أسقط به الخاتم والسلسال الفضي؛ أن يكون لديك افكار تؤرقك، تجعلك تفكر كثيرًا، فهذه مشكلة، لكن إن تحولت أفكارك لحقيقة وتتجسد كوابيسك أمام عيونك هذا هو الهلع بعينه!

- يُطلق عليه إنه نذير شؤم إذا وجه إصبعه ناحيتك فأنت ميت لا محاله، ويهاجم النائمين ليلًا ويخترق قلوبهم بإصبعه الأوسط، لكنه في الحقيقة غير مهتم بالبشر ويستخدم إصبعه الطويل للقبض على الحشرات بين جزوع الشجر.

لقد قرأت عن هذا الأمر من قبل لكن لا أفهم ما علاقة هذا بما يحدث معي، وقد حصلت على الجواب عندما عاد للحديث من جديد بعدما توقف لبرهة لإلتقاط أنفاسه أو ربما إمساك دموعه وهو يعض على شفته السفلية بقوة قاربت على شق جلد شفته:

- أنا لست بمنحرف ماليكا، أنا فقط .. أحببتك بشدة، أنتِ تركتيه في المقهى بعدما خرجتي من المحبس الذي حكمتي به على حالك، وأنا أخذته فقط.

حسنًا، الآن عادت لي ذاكرتي في ذلك اليوم، لقد ذهبت للمقهى على ضفاف النيل، كانت أول مرة أهبط بها للشارع بعدما حبست حالي بالمنزل لوقت لم أحسبه، كان الخاتم يضايقني كالعادة وأخدت أحركه بتوتر حول إصبعي قبل أن أخلعه وأضعه أمامي فوق الطاولة، كما كنت أفعل مع دبلة مراد التي فقط كنت أرتديها بالخارج حتى لا نتشاجر كعادتنا، وقد نسيته بالفعل، نعم، لقد وضعت الأموال وتركت الخاتم.

_ يا من خُلق قلبي لينبض لأجلها.
يا من يرقص قلبي فرحًا بين ثنايا قلبي لرؤيتها. 
يا من جعلت قلبي يرغب في أن يظل ينبض فقط ليبقي بجانبها.
يا غجرية، هل تقبلين بي زوجًا لكِ؟

هتف بها ليونار بنبرة دافئة رخيمة بعدما هبط على ركبة واحدة أسفل المطر كما يحدث في الأفلام، لكن فيلمي من الواضح إنه فيلم رعب وضع المخرج مشهد رومانسي في المنتصف ليجعل المشاهدين يتعلقوا بالشخصيات قبل أن يجعل الوحوش تنحر عنقهم ليكون المشهد مؤثر أكثر.

- لا، لا أقبل، أنا لن أتزوج بقاتل، ابتعد عني ولا تُريني وجهك مجددًا وإلا قتلتك بخنجرك أنوبيس.

هتفت بها بنبرة غاضبة تحمل القسوة قبل أن أركض لداخل المبنى الخاص بي تزامنًا مع سقوط دموعي بسلاسة فوق وجنتي، كيف له أن يفعل ذلك بي؟

يراقبني، يُرسل لي رسائل، يدلف شقتي دون إذني، ينقلني للعمل معه، يحاصرني كالأشباح من كل صوب حتى أتعلق به، يهددني أنني لن أصبح لغيره، يجعلني أمر بالجحيم، الهلع وأنا بمفردي بالكامل، وفي النهاية يهتف: أحبك؟!

هل هذا هو الحب، سحقًا لك أيها الوغد المدبلج، لقد سحبتني عنوة لذلك العالم الذي لا يشبهني!

سقط مفتاح الشقة من بين أناميلي حيث كنت أحاول إدخاله في القفل لكنني لم أستطع بسبب غشاوة الدموع التي تمنع عني الرؤية، مازلت كلمات ليونار تصدح داخل عقلي وكأنها صدى صرخات أحتراق أطفال داخل دار أيتام، انحنيت بجزعي العلوي لأستل المفتاح لكن شعرت بأن الأرض تسحبني للأسفل فجلست بجانب المفتاح، أحطت قدمي بذراعيَّ ودلفت في نوبة بكاء عنيفة.

أكرهك ليو، أكرهك.
ليتني أعود لذلك اليوم الذي ملأت به استمارة العمل.

- خلاص إهدي مش هقتلك.

خرجت هذه من فم "رويدا" صديقتي حيث شعرت بها تعانق جسدي عقب سقوط شيء صلب فوق الأرض، فرفعت رأسي أنظر لها من خلال دموعي في محاولة مني لفهم ما قالته، أعلم إنها مختلة لكن بالطبع لا تعمل قاتلة مأجورة متخفية.

- بصراحة أنا كنت هعرفك على "إيلاف" علشان كسرتي قلب القمر.

قالتها "رويدا" بنبرة محشرجة وهي تشير ناحية "المدية" السوداء الملقاة أسفل قدمها والتي لا تفارق حقيبتها، فأخرجت صوت ساخر من فمي وأنا أمسح عيوني بكف يدي الاثنين، ثم التقط المفتاح ونهضت من فوق الأرض بعدما لمحت مراد يقف على طرف الدرج حيث بدا إنه يقف منذ برهة كما علمت إن خالتي ليست هنا، فهي رفقة فريد بإحدى الحدائق.

- إنتِ هنا من أمتى؟

- من بدري، عم حسين عملي سندوتشات وينسون بالعسل بس مفيش عسل أحلى من ليونار الحقيقة.

قالتها بنبرة متغزلة جعلتني أدفعها بقدمي لداخل المنزل بمزاح يمتزج بغضب غير مبرر شعرت به يحرقني، ثم أغلقت الباب خلفي بعدما دلفت ولم أعطي فرصة لمراد للحديث، ربما رأى كل شيء، لكنه لم يسمع ما هتفت به فصوتي لم يكن عاليًا ليصل له بالدور الرابع أثناء المطر، لكنه بالتأكيد وصل "لرود" حيث إنها كانت تقف في شرفة الدور الأول.

- إنتِ إيه اللي عمل فيكِ كدا؟

قلتها بنبرة متسائلة عندما لاحظت ثيابها المتسخة والدماء التي تغطي كم بلوزتها التي لم تكن لها بالطبع وإلا لم تجلس بإرياحية فوق أريكتي وترفع قدمها بعشوائية فوق الطاولة، أطلقت "رود" زفرة عاشقة من فمها قبل أن تهتف برهن:

- أصل اتخانقت مع المدير النهاردة و"إيلاف" حضنته.

- هو ده اللي مفرحك؟ إنتِ سايكوباتية؟

قلتها بنبرة متسائلة ساخرة وأنا أرمقها بنظرة مقززة من حديثها الغريب حيث إن عناق إيلاف يعني انشقاق جسد الرجل، فانكمش وجهها تعبير غير رضى قبل أن تسرد عليَّ الأمر من البداية.

كانت "رويدا" منكبة على عملها بأخد شركات الشحن حيث تعمل في التنسيق بين الطلبات من الراسلين المندوبين المتخصصين في التوصيل، وفي منتصف العمل نهضت لتصنع كوب من القهوة حتى يساعدها على تحمل العمل وفي خلال ذلك اصطدم بها المدير الجديد لثاني مرة في ذلك اليوم.

- أنا آسف جدًا مشـ

- آه مشوفتنيش عارفة، أنا بقول تشوف "إيلاف" يمكن يرجعلك نظرك.

صرخت بها رود وهي تدس يدها في جيبها لتخرج المدية التي لا تفارقها وتقبض عليها تزامنًا مع فتحها وهي تخرج يدها من جيبها للتتجه بها ناحية وجهه الذي انشق منه جرح عرضي ولفظ الدماء على الفور، قبل أن تصدح صرخته عاليًا ويسود المهرج والمرج الذي انتهى بها تقف في القسم أمام الضابط "راشد" جانب أخيها "جواد" الذي لم يأتي من أجلها بل أتى بسبب شجار هو الآخر.

- هو أنا مليش في القسم ده شغل غير على عيلتكم؟ الله يخربيت الأخوة اللي بيني وبينك يا عبدالرحمن.

هتف بها الضابط "راشد" بنبرة حانقة وهو يرمقهما بنظرة غير راضية بعدما تم حل أمر الاثنين بالصلح بعد تهديد المدير برفع قضية تحرش، حيث إن عائلتها من النوع الجاذب للمشكلات مثلي بالضبط، أشاحت له رويدا بيديها قبل أن تعانق ذراع أخيها وتخرج من القسم، وفجأة سمعت صوت لحن رومانسي قديم يصدح جانب أذنها عندما وقع بصرها عليه.

هي لا تعلم اسمه، لكنه تلقبه "بالقناص" حيث إنه كان يلعب الرماية بالمسدس بالنادي وكانت تذهب لتشاهده عندما أكون بتدريب الكاراتيه، لكنها لم تراه منذ سنوات حيث بدا وكأنه اعتزل، لكن يبدو بأن أخيها يعلم من هو لإنه وقف أمامه بابتسامة -إذا اعتبرنا تشنج وجهه قليلًا ابتسامة- وصافحه.

- خناقة تاني؟

- مش خناقة، ده واجب صداقة.

قالها أخيها بنبرة مازحة تعقيبًا على حديث "القناص" الذي خرج بنبرة تحمل السخرية على الرغم من جمود مخارج الحروف وهو ينظر إلى شقيق "رويدا" التي شردت في ملامحه المشدودة الحادة وقميصه المشدود فوق عضلات جسده البارزة، والمثني أكمامه حتى منتصف، بينما يظهر واضحًا جراب سلاحه المتدلي من كتفه حيث تظهر حمالاته السوداء الواضحة فوق القميص الرمادي.

- يا نهار أبيض، قمر يا ماليكا، أحلى من زمان بكتير،  أقسم بالله ما هسيبه، أقسم بالله هحلق شعري لو متجوزتوش.

- إنت هبلة؟ إنتِ تعرفي اسمه أصلًا؟

قلتها بنبرة مستنكرة لأقاطع انفعالها وحلفانها الغير مبرر وكأنها تعقد عهد على حالها حتى توقع بالرجل في شباكها، فحركت بؤبؤاها لي وعلى وجهها ابتسامة خبيثة توحي بالويل الذي سينزل على رأس الشاب الذي لم تسنح لي الفرصة برؤيته قبل أن تنهض من فوق الأريكة وتدلف للمرحاض لتبدل ثيابها وتتحمم.

حسنًا، لقد تم وضع الرجل برأسها، إذن خلال ساعات ستعلم لون جوارب أبيه.

__________________________𓂀

‏«إنّما أنت غَيْثٌ،
هَطَلَ عَلىٰ قَلبِي فَارتَوَىٰ».               _مقتبس.

دارت نجمة بعيونها فوق كلمات السؤال الرابع بورقة الأمتحان عدة مرات تحاول تذكر أي شيء له علاقة به، همهمت بعدة سباب لحالها داخلها عندما تذكرت إن هذا السؤال خرج من فم رائف لتنبيهها حتى تقوم بمذاكرته لكنها كانت تشعر بالملل، فقررت مشاهدة فيلم رسوم متحركة أمس رفقته.

ابتسمت باتساع وتناست أمر الأمتحان بالكامل عندما تذكرت أمر مشاهدتها الفيلم معه قبل أن تخلد للنوم جانبه كعادتها، شعرت به عندما حملها وأدعها بفراشها بغرفتهما حيث أصبحا يتشاركا الغرفة بعد الذي حدث معها منذ أسبوع عندما كانت تنام بغرفة شهد التي تشاركها بها حيث أصبحت تخاف النوم بمفردها منذ ذلك اليوم، أغمضت عيونها من جديد لتسقط داخل حلم الصياد ومصاصين الدماء لكن هذه المرة عندما هتف رائف:

- لا تخافي أيتها الحسناء أنا الصياد فايف.

ظهر سيف بمنتصف صدر رائف من العدم جعل بقعة الدماء تتوسع حول المنطقة قبل أن يقع رائف أرضًا فاقدًا روحه ويظهر شمس خلفه يحمل السيف الذي نزعه من جسد رائف قبل أن يقع، بينما ينزل خط دماء من جانب فمه، مسحه بسيف كفه وهو ينظر لها بوقاحة قبل أن يهتف بنبرة مرهبة لقلب نجمة:

- أنا ملك مصاصين الدماء، أنا لا أموت.

صرخت نجمة بملئ حنجرتها حتى استيقظت من نومتها بفزع تكمل صرخاتها، بينما انتفضت شهد من الفراش وضمتها لها على الفور ثم مدت يدها وهاتفت رائف الذي جاء راكضًا على الفور وهو يفتح المكالمة حيث إن أمر كوابيسها يتكرر كثيرًا.

- خلاص يا حبيبي مفيش حاجة أنا معاكِ.

قالها رائف بنبرة هادئة مطمئنة وهو يربت عليها بحنان لكن كلمته كانت إنذار لانفجارها في البكاء بينما بدأ جسدها يهتز بعنف أكثر من السابق.

- إنت مش هتمشي صح؟

قالتها نجمة بنبرة متهدجة وهي تنظر له بعيون غارقتان في الدموع بعدما رفعت رأسها ونظرت له بتساؤل، حرك رائف رأسه بالنفي على الفور وهو يمسح على ذراعها بلطف حتى يهدأ من روعها، عانقت نجمة ذراع زوجها ووضعت رأسها فوق كتفه حيث بدأت تهدأ قليلًا وتذكر حالها أن شمس مات وذهب للأبد، تزامنًا مع صدوح طرق الباب الذي عقبه دلوف قاسم بملابس النوم وهو يحمل في يديه كوب من عصير البرتقال.

- إيه رأيك تنامي مع جوزك في الأوضة لو ده هيخليكِ تحسي بالأمان؟

قالها قاسم بنبرة متسائلة بعدما أخذ منه رائف الكوب وبدأ في سقيها إياه بتمهل، فنظرت نجمة إلى رائف الذي انتبه لها بكامل حواسه حتى يعرف ردها بينما يظهر القلق واضحًا بمقلتيه، لكن قلقه تبدد ورقص بؤبؤ عيناه بسعادة عندما حركت نجمة رأسها بالموافقة لتنتقل مع زوجها لغرفتها التي خصصها لها قاسم بالقصر.

دلفت نجمة غرفتها التي اختارت كل شيء بها على ذوقها لأول مرة رفقته، ظنت إنها ستهلع من مجرد الفكرة لكن ظنونها كانت كذبة إبريل الذي حاول عقلها مقلبتها به، حيث لم تشعر سوى بالأمان رفقة الصياد حارسها القوي الذي أغلق الباب خلفه بهدوء وهو يبتسم لها بسمة هادئة مطمئنة، بينما هي تقف بحالتها المذرية من خلال ملابسها غير المهندمة وشعرها المبعثر، عيونها وأنفها الحمروان بينما ترفع محرمتها لتمسح أنفها كالعادة بسبب الحالة التي تنتابها كثيرًا في المساء.

- تبجي نلعب أنا سندباد؟

قالها رائف بتساؤل إلى نجمة ليعرض عليها لعب لعبة قديمة شعبية يلعبها الأطفال في جميع الدول العربية، والتي تكون عبارة عن وقوف اثنين أمام بعضهم البعض، ويصفق الأول على يد الثاني فى حركة اليمين مع الشمال والعكس مرة للأعلى ومرة لأسفل، ثم تصفيق اليدين أمام بعضهما، و الحركة الأخيرة رفع كل منهما يديها على كتفها مع رفع أصبع الأبهام وضم الأصابع الأخرى.

أنا سندباد                   أختى من بغداد
اختى ياسمينة             عروسة المدينة
جابت لى قمصين        فيهم زرارين
سمتهم على اسمين       الحسن والحسين

غنتها نجمة رفقة رائف وهي تصفق على يديه بعدما حركت رأسها بالموافقة التي كانت السماح له بالاقتراب وهندمة ملابسها وشعرها برفق ثم اللعب بمرح حيث تبدلت حالتها واستحضرت الطفلة من إحدى غرف عقلها المظلم، بينما ضحكت عيناها بشدة وهي تنظر له أثناء ترديد باقي الكلمات.

أخويا علاء الدين         جاب لى كتاب الدين    
  من فلسطين
فلسطين بلدنا              واليهود كلابنا
بيخبطوا على بابنا        زى الشحاتين
تين  تين   تين             يابتاع الفساتين

تأبطت نجمة ذراع رائف وبدأ كلًا منها يدور حول الآخر بعكس الإتجاه حتى يكملوا آخر مرحلة في اللعبة، بينما ارتفعت ضحكة نجمة التي لم تستطع تكملة الكلمات معه.

أيس كريم                 أيس كريم    أنتو   أنتو
أيس كريم                 أيس كريم    أتفو   أتفو.

- والله إنتِ أحلى من الأيس كريم .. يلا علشان تنامي.

قالها رائف بنبرة متغزلة قبل أن يضيف كلمته الأخيرة وهو يحملها كعادة جميع رجال العائلة ويضعها في الفراش، دثرها جيدًا ثم لف حول الفراش وجلس بمكانه جانبها ثم أطفأ الأنوار وشغل الضوء الآخر الذي حضره لمفاجئتها به.

ظهرت النجوم في سقف الغرفة التي تحولت وكأن الفراش تم نقله للفضاء حيث انتشرت النجوم والكواكب في الغرفة بشكل مبدع جعل عيون نجمة تتوسع بانبهار بالغ جعل عيونها تدمع من فرط الإنفعال داخلها.

- ممكن أعيط؟

لم تخرج هذه من نجمة بل خرجت من فم رائف بنبرة محشرجة وهو ينظر إلى نجمة بعيون ترقرق بها الدمع، حركت نجمة رأسها بالموافقة على الفور قبل أن تنتفض معتدلة في جلستها وتشير ناحية كتفها، وضع رائف رأسه على كتف نجمة التي شعرت بالبلل في المنطقة أسفل عينه على الفور، وقد تحول الأمر في تلك اللحظة ليصبح كتفها هو من يحمل دموعه.

- إنت زعلان أو ندمان إنك اتجوزتني؟

قالتها نجمة بنبرة متسائلة بعدما شعرت إن سبب حزنه هو عدم كونها فتاة طبيعية، تحبه وتهتم به، وتنتظر عودته وتصنع له عشاء رومانسي مثل أي زوجة، ليست فتاة لديها ماضي أليم تعرضت للتعذيب، الخطف، والأعتداء، تستيقظ بصرخات ترج القصر، وتحتاجه دائمًا بجانبها حتى إنها أصبحت تُصاب بنوبة هلع إذا علمت إنها لم تلمحه حولها لعدة ساعات متتالية، لكن ماذا تفعل؟

العالم كله ملئ بالوحوش وهو وحده الصياد الذي يقتلهم لأجلها.

- ندمان؟ إنتِ عارفة في جزء شرير جوايا بيتمنى إنك تفضلي كدا علشان أفضل معاكِ وأطمنك، بس بضربه بالقلم علشان إنتِ بتتألمي، إنتِ عوض العالم كله يا نجمة، أنا بس افتكرت حاجة.

قالها رائف بنبرة محشرجة من بين دموعه وهو ينظر للنجوم في السماء أو السقف قبل أن يصمت لثواني يلتقط أنفاسه ويتماسك قليلًا حتى يعود يشاركها ما يؤلم قلبه.

كان رائف الصغير مولع بالنجوم، وكان يصعد لأعلى نقطة في المنزل يرفع يده ليمسك النجوم، وفي أحد الأيام في يوم عيد مولده أحضرت له أمه "داليا" -والتي تكون المفضلة لديه- منظار ليشاهد النجوم عن قُرب، ومنذ ذلك اليوم أصبح نشاطه المفضل رؤية النجوم رفقة أمه داليا مساءً قبل النوم.

النجوم بالغرفة ذكرته بأمه التي قُتلت بسببه، أو كما يظن ذلك، حيث يعتقد إنها إذا لم تعود معه لمبنى المامبا لم تكن لتقتل، ليقع في شرك واحد من أخطاء التفكير المسمى "بالشخصنة" حيث تمسك الفكرة بالسوط وتبدأ بجلده بها ليصبح هو السبب في كل شيء يحدث على الرغم من إنه لم يفعل شيء، بل الأمر كله بيد الله.

- ليه منفكرش بطريقة مختلفة؟ يعني إنها كان ممكن تتقتل في القصر بس هي راحت معاك وأنقذت "نيلان" كان ممكن يموت لو مرحتش ليه، وتبقى خسرت الاثنين، بس إنت انقذت نيلان لما راحت معاك.

قالتها نجمة بنبرة هادئة تحمل الرزانة بعدما استمعت لتفاصيل المجزرة التي حدثت بالقصر والتي شاهدها رائف بعيونه أثناء ذلك حاولت جاهدة أن لا ترتعش، تصرخ أو تخاف، بل هدأت وتنفست بعمق وحاولت جذب الأفكار الإيجابية، واتباع بعض الطرق التي تعلمتها في جلساتها مع "سيرا" لتلعب دور الزوجة هذه المرة التي تشد من زوجها كما يفعل معها، رفع رائف رأسه عن كتفها لينظر لها بتمعن وهو يبتسم بوهن قبل أن يعود لموضعه من جديد.

- أنا آسف، المفروض مكنش.. المفروض أنا اللي أعمل مش أنتِ، ده دوري مش دورك.

- أنا كمان المفروض أعمل كدا، أنا مبسوطة إنك عيطت معايا.

قالتها نجمة بنبرة تحمل السعادة وكأنه يمامة تحلق في الأفق مما لا يتناسب بأي شكل من الأشكال مع الحالة التي يمر بها رائف من حزن، فهذا شيء رومانسي بالنسبة لها، بينما رفع رائف رأسه من جديد لنظر لها بريبة من إنفعلاتها المعاكسة للحالة مما جعل ضحكاتها ترتفع عاليًا دون إردة منها.

_ بصي في ورقتك يا مدام نجمة علشان مسحبهاش.

قالها رائف الذي يجلس على مقعد خشبي في مقدمة اللجنة أمامها حيث تجلس بأول مقعد ليخرجها عن شرودها ويعيدها لورقة الأمتحان البغيضة، بينما أخرج المراقب زفرة قوية ومسح وجهه بعنف وهو يتمتم:

- استغفر الله العظيم من كل ذنبًا عظيم.

ضحكت نجمة عليه بخفة ورفعت يدها تجاه فمها لتكبت ضحكاتها، حيث إن رائف يكاد يُصيب المراقبين بجلطة دماغية من أول إمتحان لها بتلك الجامعة، فقد أصدر مالك الجامعة -والذي يكون واحد من أصدقاء صالح- قرار للمدير بإمكانية بقاء رائف رفقة نجمة بقاعة الأمتحانات نظرًا لظروفها، حيث كانت تخاف من أن يتركها وحدها وسط نظرات الجميع لأنها أصبحت مشهورة وكأنها مذيعة بعد القضية وإعدام شمس وبلبلة مواقع التواصل الإجتماعي.

- افتحي بوقك بسرعة علشان بيسيح.

قالها رائف بنبرة هادئة خافتة وهو يمد يده بمعلقة صغيرة تحتوي على المثلجات حيث ابتاعها لها قبل الدلوف للقاعة رفقة بعض الأشياء الأخرى ولم تجد مكان في معدتها لتتناوله حيث أعد لها ليونار "معكرونة باللبن" كما تحبها وتناولتها في الطريق، حيث إنها كعادتها استيقظت على معاد الإمتحان مباشرةً.

- إنت يا أستاذ أتفضل أخرج من القاعة علشان الوضع بجد غير محتمل.

صرخ بها المراقب بصوت جهوري لفت انتباه الجميع لكن رائف تجاهله بالكامل حتى وضع المعلقة الثانية في فم نجمة ثم ألتفت له بسرعة جعلت جسد المعيد يجفل من المفاجأة، قبل أن يتقدم منه رائف بخطوات بطيئة وهو ينظر له نظرة مرعبة حتى حط خيال رائف الذي يكون ضخم بالنسبة له فوق رأسه قبل أن يصل.

- نعم ؟

- بعد إذنك أتفضل أقعد في مكانك علشان إحنا في لجنة وإنت بتشتت الطلاب.

هتف بها المعيد بنبرة هادئة بعدما استعاد ثباته من هيئة رائف المخيفة التي تنذر بأنه على وشك تحويل جسده لكيس ملاكمة، حرك رائف رأسه بالموافقة وعاد من جديد لمكانه بهدوء ليتناول هو المثلجات بدلًا منها، هو في الأساس لم يكن ينتوي لشيء فقط كان يمزح عن طريق تقليد حركات نيلان وقد نجح في ذلك حقًا، فهو ليس بالشخص العنيف، هو مسالم للغاية، كما إنه بالفعل مخطئ بما يفعله.

وعلى ذكر نيلان في مكان آخر تحديدًا بمطبخ القصر وقف نيلان بالخارج يضع يده فوق وجنته بقلة حيلة ينتظر وصول الجملة الأخيرة من تلك الأغنية التي تصدح بالمطبخ لأذنه حتى يدلف لها، حيث أخبرته واحدة من العاملات إن "شفا" تطبخ له شيء، وهو يعلم إنها طالما في المطبخ، إذن هي ترقص خلال ذلك، فقد أخبرته في أحد المرات ببلاهة إنها كانت تحب ترقص وهي تغسل الصحون وتطبخ بمطبخها القديم لكن عندما تزوجت صافي توقفت عن تلك العادة.

وفي الداخل كانت "شفا" تحرك جسدها أثناء تحضير الطعام له وترقص بالفعل بمرح لتسلي حالها أثناء غياب جميع الفتيات بسبب انشغالهن بالعمل، وانشغال نجمة بالإمتحان، وقد سمعت حمحة خشنة وتصفيق حاد لم يكن لتحية بل للإنتباه تزامنًا مع إنتهاء الأغنية، فعدلت من ملابسها وسحبت غطاء رأس خفيف ترتديه في البيت ليسهل عليها الحركة، وضعته فوق خصلاتها البنية بلون الشيكولاتة والمنسدلة فوق ظهرها بتحرر، ثم نظرت لهيئتها في زجاج الخزانة لتعلم إن كل شيء أسفل الغطاء.

- أدخل ولا لسه في فقرة؟

- أدخل.

قالتها شفا بنبرة تحمل الخجل وهي تضع يدها على فمها لتكبت ضحكتها بعدما تسرب إلى أذنها حديثه الساخر، فدلف نيلان للمطبخ وهو يبتسم بسمة هادئة زينت ثغره وجعلت فرقة خفقات قلب شفا تبدأ في إحياء الحفل داخل قفصها الصدري.

- أنا جبت دي ليكِ علشان تعملي فيديوهات زي أنس.

قالها نيلان بنبرة رخيمة وهو يمد يده إلى شفا بحقيبة ورقية جعلت قلبها ينتفض من السعادة واستلت منه الحقيبة بسرعة بعدما أصدرت صرخة خافتة حماسية، أخرجت العُلبة الورقية وفضت الكاميرا عنها بلمح البصر من فرط حماستها، ثم بدأت تبعثر نظراتها بتمعن فوق الكاميرا وهي تتخيل أرقام حساباتها ترتفع بسرعة كبيرة وتصبح شخص مشهور، حتى إنها سمعت صوت تصفيق الجمهور وهي تتجه لتستلم جائزة ما وهي تمشي فوق السجادة الحمراء.

- بس مش هتصوري بوشك.

- ليه بقى؟ هتشهر إزاي وهما مش شايفني؟

قالتها شفا بنبرة متذمرة وهي تنظر له بسخط من إخراجها من أحلام اليقظة وهي كانت على وشك لمس جائزتها عندما نبس بجملته الغريبة التي خربت الحلم وأحالته لخراب، تنهد نيلان بعمق وحك ذقنه من أسفل شفاهه بتردد مع شرود عينه بنظرة قاتمة وكأنه يشاهد شبح هي لا تستطيع رؤيته قبل أن يهتف بنبرة حاول أن تخرج طبيعية وليست غاضبة:

- علشان مش عايز حد يشوفك ويكتب كومنتات تخليني أروح أقتله، يرضيكِ أقتل؟ أنا مش عايز أقتل وإنت عيونك جميلة كعيون المها.

- أنا عيوني أحلى من عيون "مها".

قالتها شفا بنبرة متذمرة ظهر بها الحزن والسخط وهي تتذكر زميلتها الممرضة "مها" وعيونها حيث ظنت "نيلان" يقصد عيون صديقتها ولم تفهم إن" المها" العربي هي الغزالة الصغيرة البيضاء حيث أطلق عليها البعض هذا الاسم من جمالها كما اعتبرها البعض تجسيدًا للجمال والصفاء والنقاء، بينما نيلان رفع كفه أمامه ليشير إلى" ثانية" بعدما خرج من تجمده اللحظي، ثم استدار وعاد لها من جديد تحت نظراتها المستنكرة.

- علشان مش عايز حد يشوفك ويكتب كومنتات تخليني أروح أقتله، يرضيكِ أقتله؟ أنا مش عايز أقتل وإنت عيونك قناصة.

أضاف آخر كلمة وهو يغمز لها بطرف عينه بطريقة مشاغبة أدت لظهور الخجل على وجهها الذي خبأته منه بعدما رفعت طرف الخمار لتخفي حالها عنه، بينما هو ارتفعت ضحكته عاليًا عليها وهو يحرك رأسه بدون تصديق.

- ثانية واحدة، كدا مينفعش إحنا لسه مش متجوزين هو فاضل كام أسبوع، برة.

قالتها شفا بنبرة حادة جامدة بعدما عادت لوعيها وتذكرت إن ما يحدث بينهم خاطئ، حيث إنهما غير متزوجين حتى يتبادل معها كلمات الغزل، حرك نيلان رأسه بالموافقة قبل أن يخرج من المطبخ بهدوء وهو ينهر حاله داخله، هو في الأساس لم يكن يخطط لقول أي شيء يجعلها تشعر بالذنب، بينما استغفرت شفا داخلها ثم عادت للكاميرا من جديد تتفحصها برفق حتى لا تكسرها، وهي تفكر في ليونار وانتظره بفارغ الصبر حتى يعود ويعطيها وصفة تنقلها للعالمية.

__________________________𓂀

جففت الصحون بعدما توقف عمل الجلاية ووضعتهم في مكانهم بالخزانة وخرجت حتى ألحق برويدا التي أخذت أكواب الشاي وسبقتني للداخل وقبل أن أصل صدح صوت واحدة من أغاني "تركي" التي يطلق عليها مهرجانات وعبأ هواء الشقة التلوث، حيث أن هذا الوغد شهير بين سامعي هذا النوع، دلفت الغرفة ووقع بصري على "رود" التي كما توقعت كانت ترقص تلك الرقصات الخاصة بالرجال في المناطق الشعبية وتحمل بيدها صديقتها المقربة "إيلاف".

جميلة سوف تسعد بتعلم الرقص على يديها، فهي تظن إن رقصها الرائع شعبي، حسنًا، جميلة تعالي وتعلمي.

فكرت بها بسخرية وأنا أراقب "رود" بنظرات مستهجنة من الهراء الذي تفعله حيث تهبط وتقف كأسلاك الضغط المعدنية مع فرد قدمها أمامها، ثم شعرت بالدهشة من تذكر جميلة، ربما اشتقت لهن كثيرًا بالفعل، عندما ينسحبن من حياتي بالكامل لن أتعافى بسهولة مثل ما كان يحدث الماضي، لأنهن لم يفعلن شيء لي في الواقع، أنا التي لا ترغب في أن تظل جزءً من تلك الحياة بعد الآن.

- جبتي إيميل القناص صح؟

هتفت بها بنبرة مؤكدة أكثر منها متسائلة بعدما أنتهت "رود" من الاحتفال حيث إنها كانت منكبة على هاتفها بالمطبخ أثناء وضع الطعام في الصحون ثم الغسل والتجفيف وآخر شيء صنع الشاي، ولم تساعدني كعادتها، فعلمت إن تلك الرقصة هي رقصة الإنتصار والإحتفال.

- ايوه طلع اسمه..

- مُنذر الجندي.

قلتها بنبرة باردة وهادئة وأنا ابتسم بسمة جانبية متلاعبة، فأنا أعلم عن من تتحدث، فقد رأيته لمدة سنوات في النادي، لكنني لم أرغب في الإفصاح عن الأمر حتى لا أشارك في ذلك العبث وتحدثها مع الرجل هكذا.

- إنتِ سيباني كل ده بلف حوالين نفسي وإنت عارفاه؟

قالتها رود بنبرة تشبه فحيح الأفعى جانب أذني بعدما اقتربت مني وعلى وجهها نظرة قاتمة ثم وضعت "إيلاف" فوق رقبتي وشعرت بنصلها البارد يمرر قشعريرة لجسدي، حركت بؤبؤ عيني للجانب حتى أنظر لها نظرة ساخرة دون أن أتحرك حركة صغيرة قد تؤدي بحياتي بالفعل، فأنا أعلم أن هذا المشهد سينتهي بلا شيء.

- أنا عايزة أعرف بجد إيه اللي عاجبكم فيه ؟ ده مش بيضحك! عارفة يعني إيه مش بيضحك؟!

قلتها بنبرة غير مصدقة من إعجاب الفتيات بذلك المنذر الذي أعلم هاويته واسمه الحقيقي منذ سنوات، فهو شهير بين الفتيات وكانت تلعب معي ابنة عمته كاراتيه التي كانت الفتيات يلتففن حولها كالنحل حتى تقربهم منه، لا أعلم لماذا؟ إنه بالفعل لا يضحك، ليس مع النساء فهذا شيء جيد، لكنه لا يضحك مع أي أحد، ثقيل ويمتلك نظرة ناعسة غير مبالية بالبشر.

- كنتِ بتسيبيني في التمرين علشان تروحي تتفرجي عليه، وكنتِ بتخليتي أطلع عند الـpool وأنا بخاف منه علشان بس تعدي من قدامه، هذا هو العدل.

- تصدقي؟ تستاهلي اللي ليونار بيعمله.

قالتها بنبرة غاضبة وهي تجز على أسنانها بقوة من فرط الإنفعال بعدما ابتعدت عني وهي تزفر حمم بركانية من فمها وتغلق صديقتها "إيلاف"، فأنا لم أخبرها بعلمي بشأن هاوية "القناص" لأنها كانت تجبرني على الصعود معها للمسبح حيث يحب "منذر" الجلوس في النادي على الرغم من إنها تعلم بذكرياتي السيئة بذلك المكان، لم تخبرني وقتها إنها تفعل ذلك لأجله لكنني لستُ غبية.

- إيه رأيك تتجوزي ليونار وتخليه يتوب؟

قالتها "رود" بنبرة متسائلة بعدما تلاشى الغضب عن وجهها بسرعة البرق وأتجهت لهاتفها بحماس لتكمل البحث الذي تكتبه عنه داخل صفحات عقلها حتى تلقي بشباكها عليه، لكنها توقفت وعادت لتنظر لي وهي تلقي بذلك السؤال الذي جمد عقلي لبرهة.

- إنتِ عارفة إن ليونار مافيا؟

- ايوه وليا معاهم حكاية مرة نار، بس مش هقول حاجة قبل ما أعرف cv بتاع "منذر".

قالتها بنبرة هادئة تتنافى مع الخبث الذي يتراقص داخل عيونها كلهيب شمعة مرتعشة تكاد تقع فوق مفرش حريري لتمسك النيران منزل فضول عقلي؛ من بين جميع صديقاتي لا أصنف واحدة وغدة أكثر منها.

إنها صديقة طفولتي التي تعلم إنني لن أنام اليوم قبل أن أسمع علاقتها بليونار، لذا تنهدت بعمق وأخبرتها ما بجبعتي من معلومات بخصوص منذر، والتي لم تكن الكثير فأنا أعلم أن ابنة عمته كانت تريده لنفسها، لذا كانت تطلق عليه بعض الأكاذيب بين الفتيات، حتى إنني لا أعلم ما أظنه حقيقي هو صدق أم كذب؟ لكنني أعلم أنه ابن عم كريم وأنس، لذا هو يقطن معهم في نفس المنزل بعد عدد من البنايات جانبي.

- يعني هو ساكن جنبك وأنا مشفتوش؟ هو كله من المناطق دي، محدش يعرف فيها حد، مفيش عِشرة كدا، ده أنا بعرف إن أبو محمد ساب مصروف كام لمراته وأنا قاعدة في أوضتي.

قالتها "رود" بنبرة ساخرة من تباعد البشر عن بعضهم في منطقتي التي تتنافى مع منطقتها حيث يعلم الجميع كل شيء عن بعضهم البعض بسبب تقارب المنازل وعدم وجود ما يسمى بالخصوصية على الرغم من طيبة الأشخاص وحبهم ومساعدتهم لبعض.

- دورك.

قلتها بنبرة مراوغة وأنا اعقد ساعداي أمامي لأستمع ما تعلمه عن تلك المنظمة وعن حقيقة ليونار بعدما حصلت على مبتغاها بشأن "منذر"، فحركت رأسها بالموافقة وعادت بظهرها للخلف لتجلس جلسة مريحة فوق الأريكة بالغرفة استعدادًا لسرد تفاصيل ما حدث.

{ منذ ثلاثة أعوام تقريبًا. }

خرجت رويدا من المرحاض تجفف شعرها بالمنشفة حيث تحممت بعدما انتهت من مسح الدرج بأكمله، دلفت غرفتها وسحبت غطاء الرأس لتهبط لمنزل خالتها بالأسفل حتى تجلس مع بنات خالاتها، أستلت المفتاح وخرجت من المنزل، كادت أن تهبط لكنها توقفت عندما أبصرت نقاط دماء متناثرة فوق الدرجات من أسفل حتى الأعلى، فأطلقت صرخة مكبوتة من فمها، ليس لإنها خائفة، بل لأنها تعلم أن من فعلت ذلك خالتها "أحلام" حتى تنغّص عليها حياتها بسبب رفضها المتكرر للزواج من ابنها المدمن.

دلفت لشقتها من جديد بغضب أصاب عيونها بالعمى، استلت كيسًا من الدقيق من خزانة المطبخ وخرجت من جديد كالقذيفة في نية منها لنثر الدقيق بشقة خالتها في الأعلى بعدما تندفع داخلها كالرصاصة عندما تفتح خالتها الباب، وقد ركضت للدور الذي يليها بالفعل لكن قبل أن تطرق الباب لاحظت استمرار الدماء للدور التالي والذي يكون سطح المنزل، فأرتج قلبها داخلها قبل أن تركض من جديد للأعلى حيث هيأ لها عقلها جميع الصور المرعبة التي قد حدثت لأخيها بالرضاعة "إسلام".

- إنت جايبلي زعيم عصابة هنا في أوضتي، جايب واحد زي ده في بيت مليان ستات؟

صرخ بها إسلام بنبرة عالية غاضبة وهو يدفع "عبدالرحمن" في صدره، مهلًا، "عبدالرحمن"؟

دار هذا السؤال في ذهن "رود" التي لم ترى عبدالرحمن منذ مدة حيث إنه ذهب بلا عودة حتى إن نطق اسمه في المنزل كان مُحرم وكأنه نوع من أنواع الخمور بعدما حدث معهم من تحت رأسه، حيث أصبح الجميع بالمنطقة يعلم إنهن أخوات تاجر مخدرات على الرغم من إنها ليست أخته بالفعل.

شعرت رويدا بصوت شيء يسقط بداخل الغرفة حيث كانت تقف أمام الشرفة المطلة على السطح بينما يقف إسلام وعبدالرحمن بالخارج، استدارت بسرعة للخلف ليقع بصرها على رجل يبدو عليه الوقار في سن مقارب من الأربعين ينظر لها بهوان، بينما يضغط على جانبه بواسطة قماشة ملطخة بالدماء لتعلم من أين أتت الدماء، وضعت كفها فوق فمها لتمنع شهقتها وهي تعود بخطواتها للخلف، تزامنًا مع وصل صوت عبدالرحمن لأذنها يهتف:

- هو إنت هتخاف على أمي وأخواتي أكثر مني؟ الراجل ده أنا بثق فيه أكثر من أبويا.

_ ممكن تخرج الرصاصة الأول بعدين تتخانقوا؟

هتف بها "خوفو" الذي يجلس فوق سور السطح يراقب الشارع بعيون صقر وهو يتفحص كل شيء بالأسفل ليقاطع الشجار الدائر بين عبدالرحمن وإسلام الذي زفر بضيق وحرك رأسه للغرفة وهو يحاول اتخاذ قرار، هو في النهاية طبيب لن يتركه يموت، لذا تحرك للعودة وخطى أمام رويدا التي استعادت ثباتها بلمح البصر وتحولت نظراتها الخائفة للفضول.

- أنا معنديش بنج، هضطر أشيل الرصاصة كدا، اضغط على دي بسنانك علشان متصرخش ونتفضح.

قالها إسلام بنبرة هادئة إلى "هارون" وهو يعطيه منشفة ثقيلة ليضعها بفمه أثناء نزعه للرصاصة، أخذها منه هارون الذي رمقه بنظرة ساخرة لم يراها إسلام حيث إنه أتجه ليحضر الأدوات الطبية، بينما اقترب عبدالرحمن من رويدا وقال بنبرة راجية منهكة وهو يحك فروة رأسه لينعشها من فرط التوتر الذي يحدث داخله ومن الذي حدث معه هذا اليوم:

- آسف خوفناكِ، انزلي إنتِ دلوقتي ومعلش متقوليش لحد حاجة.

_ إديها متين جنية غير كدا مصر كلها هتعرف.

هتف بها "إسلام" ببساطة وهو يجلس أمام الرجل الذي نزع يده عن الرصاصة المستقرة بجانبه فظهر تدفق الدماء منها، فحرك عبدالرحمن عينه تجاه رويدا من جديد ليستشف صدق حديث أخيها بعدما سلب جرح هارون نظراته.

- أنا بتاعة ٢٠٠ جنية ؟ مش هاخد أقل من ١٠٠٠ جنية بيقولك زعيم عصابة.

قالتها رويدا بنبرة جادة وهي ترفع له كتفها ببساطة فهي لا تمزح بالفعل، بل ستأخذ الإموال، وقد حصلت على مبتغاها عندما أخرج عبدالرحمن محفظته وأستل منها بضعة أوراق مالية ومد يده لها بهم، أخذتهم منه وهي تعيد عينيها تجاه إسلام لتشاهد ما يحدث بشغف وكأنها تشاهد فيلم بالسينما وتاكل حبات الذرة المقرمشة.

أمسك إسلام بشيء يشبه المقص لكن برأس ملقط من أدوات الجراحة، أدخله في موضع الجرح ليقبض على الرصاصة، مرت قشعريرة بجسد رويدا دفتعها حتى تغلق عينها لكنها تصنمت في مكانها وأجبرت عيونها على مشاهدة ما يحدث بفضول مريع يقرصها بجنون كما تغرز النحلة دبوسها في جسد أحدهم على الرغم من إنها ستموت بعدها.

- هارون المُهيري مش بيصرخ.

قالها هارون بنبرة ساخرة وهو يصفع إسلام على رقبته من الخلف بيده الدامية التي تركت أثر برقبة إسلام، على الرغم من الهوان الذي يشعر به ورؤيته المشوشة وثباته الواهي بعدما رفع إسلام نظراته المستنكرة له حيث أخرج الرصاصة الطويلة التي خرجت من سلاح قناصة من جسده دون أن يصدر منه تأوه، فقط بعض أصوات تنفسه المضطرب، وضم قبضته بقوة لتساعده في تحمل ذلك.

- عايزين دم، روح المستشفى اللي على أول الشارع شوف فيها لإنه نزف كتير.

قالها إسلام بنبرة مقررة بعدما عاد هارون للخلف وأغلق عينه فوق نظراته المشوشة، فحرك عبدالرحمن رأسه بالموافقة وتوجه ناحية السور وقفز للبناية التي تليهم وكرر الأمر عدة مرات حتى يبتعد عن منزله ولا يظهر حاله لأحد، بينما رمقته رويدا بانبهار بالغ وهي تفكر في جميع مشاهد الأفلام الهابطة التي شاهدتها.

- مئة جنية وتمسحي السلم تاني؟

_ ٣٠٠ جنية وأعملكم عشاء وشاي، وإنت عليك عشرين جنية قهوة وساندويتش بيض الصبح يبقى ٣٢٠ جنية.

هتفت بها رويدا وهي تمد يدها تجاه أخيها بالمصافحة لتعقد الصفقة، لكن عادت وانكمشت على حالها عندما أبصرت يده التي مازالت دماء هارون ملتصقة بها، ثم هبطت للأسفل على مضض لتمسح الدماء عن الدرج وتصنع لهم طعام ومن داخلها تضع ثلاث مئة وعشرون جنية على حساب إسلام، لإن رويدا لا تفعل شيء بالمنزل دون مقابل إلا لأمها فقط.

(عودة)

__________________________𓂀

في منتصف الليل.

"أنا واقف تحت لو منزلتيش هطلع"

كانت هذه رسالة عامر الذي هاتفني عدد مرات لا حصر لها، لكنني لم أجيب عليه انتقامًا منه بسبب ما حدث في الصباح من تجاهل مكالماتي، نهضت من مجلسي بملل حيث أشاهد مسلسل مصري رفقة رود، وتحركت للشرفة، رأيته مستند بظهره على سياراته وهو ينظر ناحيتي بابتسامة مراوغة فتأففت بحنق.

الوقت متأخر للغاية نحن في الثانية عشر من منتصف الليل، هل أهبط أم ابقى؟

عدت للغرفة نظرت لهيئتي في المرآة بضجر يظهر من عدم وجود أي رغبة داخلي لرؤيته لكنني سأهبط على كل حال حتى لا تحدث مشكلة بينه وبين مراد، لا أعلم ما الذي سيفعله؟

ارتديت معطف طويل أسود فوق ملابسي حيث أرتدي سترة قطنية ثقيلة بقلنسوة واسعة بالون الأحمر وبنطال قطني واسع بنفس اللون، وضعت القلنسوة على شعري الغجري المبعثر وهبطت للأسفل، وأنا أفكر إن مراد بالطبع سيقتلني إذا خرج من الشرفة.

لا أرغب في التفكير بماذا سيفعله أنوبيس؟

- مساء الخير.

قالها "عامر" بنبرة هادئة وهو يبتسم بسمة حاول إن يواري بها غضبه بعدما صعدت للسيارة وبالطبع لم انسى إغلاق الباب بعنف كعادتي عندما أكون غاضبة، حقًا لا اعلم لماذا نفعل هذا؟!

استدار بجزعه العلوي ليحضر شيء من الأريكة في الخلف ثم عاد وهو يحمل باقة زهور حمراء ممتزج بها شيكولاتة دائرية ذات غلاف ذهبي من نوع التي تحتوي على حبة بندق كبيرة بالكامل، هل جلب لي شيكولاته بالبندق حقًا؟

لقد وضعت منشور على صفحتي بشأن عدم حبي للبندق وعشقي للوز وهو وضع قلب على المنشور، كما إنني لا أتناول إلا منتجات عربية، كيف ينسى شيء كهذا؟!

حسنًا، لا بأس ماليكا إنها غلطة صغيرة تحدث كثيرًا وإن ذاكرته ليست حاسب آلي ليتذكر كل شيء عنك؛ تبًا، سأحيل حياته جحيمًا

- أنا مش باكل البندق.

قلتها بنبرة باردة ممتزجة بالغضب المكبوت بعدما حركت بؤبؤ عيني حتى أتصَل بخاصته وأنا ابتسم له ابتسامة الموناليزا كما يقول ليونار، تبًا لما تذكرته الآن؟

- مش معقول، مش معقول بجد، ماليكا أنتِ نكدية أوي، يعني أنا تاعب نفسي وعمّال أتصل بيكِ من الصبح وجيلك هنا في نص الليل علشان مهنش عليا تنامي زعلانة مني وعندي شغل الصبح، وفي الآخر تركزي مع حبة البندق اللي في الشيكولاتة، إنتِ طبيعية؟

قالها بنبرة حانقة بعدما نظر لي ببلاهة وهو يرمش بأهدابة عدة مرات يحاول فهم الكائن الذي يجلس أمامه ثم ضحك ضحكة عالية ساخرة ذكرتني بمراد، فحركت قدمي بتوتر بعدما اشحت بنظري عنه لأثبت نظراتي في الفراغ أمامي.

هو لا يعلم ما أشعر به، أنا أمُر بمعاناة، لا أستطيع النوم وهذا الوحش يلحق بي، أنا خائفة كثيرًا، بل مرتعدة ووحيدة وهو من المفترض أن يشعرني بالأمان لكنني لا أشعر به، وأحتاج للشعور بالأمان، أحتاج الإطمئنان، لقد تعبت من التظاهر، لقد تم إنهاك نبضات قلبي من الخوف.

شعرت بوغزات الدموع تحرق عيني وكأنه أذرع أناس محبوسين للداخل يحاولون الخروج، لكنني حاولت جاهدة أن لا أبكي الآن، تنهدت بعمق ثم نظرت له وهتفت بنبرة جامدة:

- عامر أنا عايزة أكتب الكتاب.

يتبع...

متنسوش التصويت (vote) 

________________________

_ لا تنسوا الدعاء لأخوتنا بغزة في جميع صلواتكم، رفع الله عنهم ونصرهم.
للتذكير: سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، نِعمَ الزادُ هذا يا رب.

Continuar a ler

Também vai Gostar

16K 574 29
i've been watching you from afar and you've never seemed to notice me letters au
268K 10.4K 30
Just a Drarry fanfiction! Completed 30/07/17. TRIGGER WARNING: Suicide, Parental Verbal Abuse. None of these characters or places are mine but the st...
34.6K 506 10
Emma Morgan was a loner she liked to sit in the corner of the cafeteria headphones in her ears blasting music and her computer where she wrote the fa...
24K 1.1K 18
إن كُتِب قدر شخصين معاً فسيتقاطع طريقهما ذات يوم حتماً ليحوما حول الدنيا إذا ارادا للعثور على بعض وليختبئا للهروب من البعض وهجنا وثابتنا دكاترنا ا...