أنوبيس

由 HabibaMahmoud25

99.5K 5.1K 4.6K

مرحبًا بكم في المملكة لا لا، يجب أن أحذرك أولًا من يدخل المملكة لا يخرج حيًا. يمكنك المغادرة الآن.. سأترك لك... 更多

تنويه
قوانين التنظيم (المملكة)
الشخصيات
الفصل الأول: المامبا الحامي لي
الفصل الثاني: نساء عائلة المُهيري.
الفصل الثالث: لماذا مُراد؟
الفصل الرابع: إلى اللقاء أمي.
الفصل الخامس: قصر الأشباح.
الفصل السادس: ثم لم يبقى أحد.
الفصل السابع: لا تترُكيني.
وشم المامبا +إعتذار
الفصل الثامن: وضع الغيرة
الفصل التاسع: يوم رفقة الأوغاد.
الفصل العاشر: انا الخاطف.
الفصل الحادي عشر: النجمة المسلوبة.
الفصل الثاني عشر: لتمتزج صرختنا معًا.
مسابقة 🔥
الفصل الثالث عشر: طبيب الطاعون.
الفصل الرابع عشر: رقصة أخيرة
الفصل الخامس عشر: فتيل القنبلة
الفصل السادس عشر: وتر أكيليس.
السابع عشر: رقصة الألم.
الفصل الثامن عشر: الغجرية الساحرة.
الفصل التاسع عشر: لنتزوج ماليكا!
الفصل العشرون: وحوشي وقعت لكِ.
الفصل الواحد والعشرون: خطوبة أم معركة حربية؟
الفصل الثاني العشرون: أنا الجحيم.
الفصل الثالث والعشرون: أحتضر ماليكا.
الفصل الرابع والعشرون: ليو الصغير.
الفصل الخامس والعشرون: بُتر قلبي.
الفصل السادس والعشرون: خنجر بروتس.
الفصل الثامن والعشرون: مرحبًا بالغجرية.
الفصل التاسع والعشرون: الموت أم.. الموت؟
إعتذار
الفصل الثلاثون: الذئب الذي أكل يُوسف.
الواحد والثلاثون: لن تكسريني، أليس كذلك؟
الثاني والثلاثون: نعم، أحبك.

الفصل السابع والعشرون: مُروضة أنوبيس!

1.7K 140 151
由 HabibaMahmoud25

وحشتوني، كل سنة وإنتم جميعًا طيبين وبخير.

سينتقل السرد بين سرد ماليكا وأنوبيس، ركزوا حبيباتي لأن الموضوع هيتكرر في معظم الفصول القادمة بإذن الله.

متنسوش التفاعل وطبق الكحك والشاي علشان الفصل طويل اوي تعويضًا عن الغياب.

______________________

أنـت لسـت لــي
ولكنـي أحبّـك
ومازلـت أحبّـك
وحنينـي إليـك يقتلنـي
وكـل شـيء يحـول بينـي وبينـك.

_ محمود درويش.

__________________________𓂀
𝕄𝕒𝕝𝕚𝕜𝕒

ماليكا

٣١ شهر ديسمبر مساءً (ليلة رأس السنة)

ركضت باقصى سرعتي فوق الأرض العشبية الخضراء التي تساعد قدمي على القفز حيث تبتلع شدة الإندفاع بينما قلبي يطرقع بدوى مؤلم ممتزج بالأثارة أثناء ركل كرة القدم السوداء وركضي بها ناحية شبكة المرمى البيضاء حتى وصلت للشبكة التي تقف "شفا" بمنتصفها كحارس مرمى كسول غُصب على العمل، ركلت الكرة بكل قوتي حتى وصلت للشبكة بسلاسة بعدما انكمشت شفا وضمت حالها بخوف، وحينها قفز "تميم" فوق جسدي كتحية وهو يطلق أصوات مهللة وتبعه باقي الصغار من فريقي.

يقول جون درايدن: في الجنون سعادة أكيدة لا يدركها إلا المجانين.

حسنًا، ربما أصبحت مجنونة بالكامل الآن، فأنا أشعر بالسعادة أثناء لعبي مع ابن رجل مافيا بالتبني وبمنتصف قصره الممتلئ عن آخره بأكثر من خمسين زعيم عصابات آخر، والأهم من كل ذلك هو أن من بينهم واحد مختل، قاتل ومغتصب يضعني برأسه!

‏"لعلّ الجنون مجرد حزن كف عن التطور"

كانت هذه مقولة "إميل سيوران" اعتقد إن هذه تناسبني أكثر، فأنا متفجرة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لقد توقف عقلي عن التفكير وانفجر وتناثر فوق الأرض كحبات الرمان، أنا أحب الرمان، تبًا ما الذي أفكر به!

لا أعلم لماذا أشعر بعدم الأرتياح، وكأن عقلي توقف عند شيء ما، أو هتفت بشيء لا ينبغي لي أن أقوله، هناك منطقة مغلقة داخل عقلي داخلها يقبع وحش يكابد للخروج، لكنني لا أستطيع معرفة ما المشلكة وما هو كهنة هذا الوحش؟

لقد ذهبت للعمل صباحًا وجاء ليونار بدون رَوح حيث تركها بالمنزل، كانت عينه حمراء بسبب بروز الشعيرات الدموية لتدل عن مروره بنوبة بكاء عنيفة قبل مجيئة، وشفته السفلية مشقوقة من إلحاق الأذى بحاله، لم أستطع رؤية مرفقيه بسبب المعطف لكن أكاد أجزم إنه شرحهما، حسنًا، يجب على أحد قص أظافره، لكنني أرغب بسحق أذنه بين أصابعي وصفعة على وجهه حتى لا يأذي حاله من جديد.

حسنًا، وأتسبب له بعقدة نفسية أكبر!

لقد جائته نوبة هلع كانت ستتسبب في فقداني الوعي، كما سرد عليَّ بكل أريحية وسعادة قصة خطفة وإصابة فارس وكأنه ذهب لمدينة الملاهي!

أوه، واخيرًا وليس آخرًا، لقد حصل ليونار على جائزة أفضل قاتل في مهرجان نجوم الجحيم!

- ليكا تعالي ارسمي معايا.

قالها تميم بنبرة هادئة ويرفع نظره للأعلى ويعيد رقبته للخلف حتى ينظر لي بينما يقبض بكلا كفاه كفي بعدما انتهت المباراة بفوزي فريقي الذي يكون تميم رأسيه حيث إنه اتصل بي بعد العمل لآتي حتى ألعب معه مباراة كرة قدم لإنه يحب اللعب معي، وأنا لم أستطع رفض طلب له، إنه ألطف من أن أُحزن قلبه الصغير.

- بحبك اوي يا ليكا.

- أنا بدوب فيك زي ما بيدوب البسكويت في اللبن.

قلتها بنبرة صادقة خرجت من شعور الأمومة الذي دغدغه تميم داخلي وأنا أشدد العناق حول جسده عندما جلست على ركبتيّ وابتسم بحنين حيث إن هذه جملة أمي التي اعتادة قولها لي، تعقيبًا على حديثه الذي خرج بنبرة محببة وهو يضم قدمي بعدما حركت رأسي بالموافقة على طلبه، ثم أمسك كفي بكفه الصغير الذي غطس داخل خاصتي وسحبني لمبنى المامبا.

- ملقتش غير مرات عمك يا** مش مصدق إن ده كله يخرج منك أنت! نيلان! هو في إيه بيحصل بالظبط؟ مالكم  بتخيبوا ليه؟ بتنسوا إنكم مامبا ليه؟ كان لازم أتعامل بطريقة أجدادي مثلًا واطلع عينكم؟ كل ده علشان عاملتكم إنكم ولادي.

صرخ بها صالح بنبرة عالية عاتية والغضب يتدفق من وجهه المحمر والمختنق إلى نيلان الذي يقف خلف قاسم ليبتعد بقدر الإمكان عن مخالب صالح الذي يحاول الوصول له لكن قاسم يقف كسد منيع بينهم، فيبدو إنه علم بعلاقة نيلان وشفا للتو، حيث أخبره قاسم بالأمر بعدما أقنعه هارون الذي يتحدث معهم عبر الأنترنت.

- ما خلاص بقى اللي حصل حصل، هنفضل نبكي على اللبن المسكوب، أقعد خلينا نتكلم، الله يخرب بيتكم مش عارف أتبسط في السفرية.

- هو إنت فاكر إني هوافق على جوازه منها ده في الأحلام.

قالها صالح بنبرة متهكمة وهو ينظر إلى صورة هارون الظاهرة بكامل شاشة الحاسب الآلي الموضوع فوق الطاولة تعقيبًا على حديثه الذي خرج بنبرة ساخطة وهو يطرق بيده فوق الطاولة الخشبية أمامه فاصدرت دبلته الفضية صوت دوى مزعج خرج من السماعات واضحًا.

- هتوافق غصب عنك عادي.

- خلاص يا عمي، اللي إنت عايزه يا بابا هيحصل.

قالها نيلان بنبرة هادئة محشرجة بينما تحرك صدغه بشكل نابض ليدل عن كتمان بكاءه وتحكمه بذلك تعقيبًا على حديث هارون الذي خرج بنبرة حادة غير قابلة للنقاش في أمر زواج نيلان من شفا، بينما تحرك نيلان خطوتين عقب حديثه لينسحب من المكان لكن كف صالح الذي وضعه فوق صدره عندما وقف أمامه ليعيق انطلاقه أوقفته.

- لو وفقت إنك تتجوز أبقى بفرق بينك وبين باقي أخواتك، يا الكل يتجوز لا محدش، أنا مش عايزكم تكرهوا بعض أو تغيروا من بعض، خوفو مختلف عنك، كلنا عارفين إنه مش مامبا ومتمرد، من هو صغير بيتدرب مع هارون بس، بيسمع لهارون بس، هو مع هارون في أي حاجة، اللي بيقوله عليه بيعمله علشان بيحبه لكن مش مامبا.

قالها صالح بنبرة هادئة حنونة بعدما ضم نيلان له بقوة وتشبث به الآخر، بينما تدخل موسى في الحديث قائلًا بنبرة مبجلة رزينة حيث يقف معظم المامبا يشهدوا العرض الدائر:

_ أنا آسف لو بقاطع كلام حضرتك، بس محدش فينا هيزعل، إحنا هنفرح لأخونا علشان محدش يرضى أبدًا إن ليونار يتجوز البنت اللي أخوه بيحبها.

ابتعد صالح عن نيلان ومرر نظراته فوق أوجه الجميع حيث نبضت بالموافقة على حديث موسى وكذلك ظهرت بأعينهم السعادة الحقيقية لأخيهم، فقال صالح بنبرة رخيمة وهو يضع وجه نيلان بين كفيه ويبتسم بعينه أثناء تعليق نظراته به:

- مبروك يا حبيبي.

ارتمي نيلان في حضنه من جديد وَسط صيحات أخوته المرحة وتهليلهم الذي ارتفع فجأة وكأن أحد أزال وضع كاتم الصوت من التلفاز، بينما اترفعت زغودة عالية من خلفنا خرجت من فم نجمة حيث إنها منذ الصباح بغرفة رائف تذاكر، أو من المفترض ذلك، كما إنه لا يمكنها الخروج أمام الجميع، والجميع يُقصد به: شمس الزناتي!

أنا لا أعلم ما الذي يمكن أن يحدث لها إذا رأته أمام عيونها؟!

حمدًا لله إن لا أحد من القادة يأتي لجهة المامبا كما أخبرنا قاسم، هاديس فقط من يأتي، لكن هذا الشمس هو المرادف لكلمة خراب، والخراب يحدث به كل شيء.

ضغط تميم على كفي ليحثني على الصعود، فبعثرت خصلات شعره كاعتذار خفيف وأنا ابتسم له بسمة ودودة أظهرت أسناني، لكن أسناني تم ابتلاعها داخل فمي عندما وقع بصري على جميلة التي دلفت للتو رفقة أخيها براء بحاله مذرية ومبعثرة حيث وجهها ملطخ بالسواد بفعل الكحل الذي ذاب بين جفنيها من كثرة البكاء بينما ترتدي فستان أبيض رقيق يتنافى مع هيئتها المبعثرة.

- إيه اللي حصل يا براء؟ مين عمل في جميلة كده؟

هدر بها صالح بنبرة عالية ظهر بها غضبه وهو يربت على ظهر جميلة التي ما إن وقع بصرها عليه ركضت له واختبئت داخل ذراعيه من وحشة العالم الظالم، بينما مسح براء وجهه بإرهاق وقص عليه ما حدث أثناء انسحاب الصغار ومن بينهم تميم بعدما أشار لهم صالح بذلك.

كانت جميلة تتحرك بغرفتها وهي تتراقص على نغمات أغنية شعبية من ما يطلق عليهم "مهرجانات" أثناء تحضير ملابسها التي تخطط للذهاب بها لحفل المساء توقف كل الصخب وكأن هناك وحش ابتلع جميع الأصوات حولها عندما دلف أخيها "بدر" عليها على حين غرة وهتف بنبرة باردة:

- إبراهام هيجي يكتب كتابه عليكِ، وهتتجوزيه وإلا هقتل حبيب القلب أبو عيون رمادي.

أغلق الباب خلفه بعنف رج قلبها مثل المنزل بينما ارتمت فوق الفراش بذهن ينغرز به قبيلة من الدبابير وهي تحاول استنتاج حقيقة معرفته بعلاقتها بباسل، هبطت دموعها بسلاسة عندما اضاءة صورة زوجته أمام عيونها فهي خبيثة مثل الثعالب بينما بدأ الخوف يقتات على قلبها حيث يمكن لبدر قتل باسل إذا أثبت أمر ارتباط جميلة به أمام القادة ووقتها سيقتله بيديه.

فهو مامبا، وهذه هي قوانين المملكة البغيضة التي تمشي قوانينها على الجميع حتى الملك، يا لها من مملكة عادلة!

نهضت جميلة وارتدت الفستان بسلاسة لتتزوج من "إبراهام" وعلى الرغم من إنها ليست بالضعيفة وستنتقم منه على ما فعل إلا إن عيونها لم تتوقف عن البكاء، فقد كانت تناشد صديقها المقرب "داغر".

- لو كنت هنا مكنش حد قدر يعمل معايا حاجة، ليه مشيت وسبتني؟

قالتها بنبرة متهدجة وهي تنظر لصورتهم سويًا الموضوعة فوق الكومود جانب فراشها حيث يمسك كفها برقة وينحني بجزعه العلوي وكأنه على وشك تقبيل كفها كرجل ارستقراطي من القرن الماضي.

- أنا عارفة إن أنا اللي عملت كدا في نفسي بس هو يستاهل، هو فاكر نفسه ملاك؟ دول كلهم ولاد كـ**.

قالتها جميلة بنبرة ساخرة وهي تتذكر ما فعلته معه بينما مر شبح أمها كسحابة داخل عقلها لكنها مرت بسلام دون التوقف عندها كالسماء المُلبدة بالغيوم الكثيفة، تعلم إن أمها سلبية وضعيفة لن تفعل شيء، لكنها لم تكن تعلم إن مامبا أمها الحالي -بعدما تركها رائف- موجود لأجل حمايتها، فهو هاتف أخيها "براء" الذي لم يكن موجود في ذلك الوقت بالمنزل وجاء كي ينقذها كعادته.

بمجرد أن أنهى براء حديثه دلف أخيه "بدر" رفقة ذلك للمدعو "إبراهام آريس" ذو الملامح الحادة التي على الرغم من جمالها إلا إنها منفرة للقلوب بينما يظهر الغيظ الممتزج بالغضب المتأجج داخلهما على وجههما.

- يلا يا حلوة قدامي.

- إنت بتعلي صوتك وأنا واقف؟

قالها صالح بنبرة عالية غير راضية وهو يرمق بدر بنظرة لو كانت تحرق لأصبح بدر رمادًا الآن تعقيبًا على حديثه الذي خرج بنبرة صارخة في جميلة وهو يشير ناحية الباب حتى تعود معه لتتم الزيجة حيث إن "براء" سحبها من ذراعيها وخرج بها من المنزل أمام انظاره على حين غرة وصعد للسيارة وركض بها وكأنه في سباق.

- لو سمحت يا عمي متتدخلش أنا مش هسيب أختي تقعد هنا وسط الرجالة، قدامي يلا.

هدر بكلمته الأخيرة في وجه جميلة بعد حديثه السابق الذي خرج بنبرة عالية تخلى من أي احترام وتبجل لعمه الذي يتحدث معه، أبعد صالح جميلة عنه وهو يثبت نظراته ببدر الذي ظهر الأضطراب على وجهه من نظرته حيث تحركت أصابعه فوق الحزام قبل أن يحلّه من بنطاله ببرود شديد. 

- لما تتكلم مع عمك مترفعش صوتك، تتكلم باحترام، وأدب وهدوء

صرخ صالح بكلماته وهو يهبط بحزامه السميك فوق جسد "بدر" الذي انتفض جسده مع كل لسعة من السوط، ثم أمسك طرف الحزام الجلدي قبل أن يهبط فوق جسده ويشده من يد عمه بعنف وهو ينظر له نظرة دامية من خلال عيونه الحمراء، نظرة نبعت من الماضي وكأنها خرجت من باب ملتهب خاص بالجحيم انفتح أمام نظراته التي تتنافى مع رعشة شفتيه التي توحي بالضعف والهوان ورغبة بكاء تدفعه ليدخل إليها.

- أنا ممكن أكتفك وأكسر عضمك بس أنا هعاملك كراجل يا بدر، تروح تجيب مراتك وتيجي تقعد تحت عيني، علشان تمسك شغلك.

هدر بها صالح من بين أسنانه وهو يمسك بدر من تلابيبه ويسحبه له بقوة، بينما الأخير أخفض بصره وحرك رأسه عدة مرات ليدل عن الموافقة بعدما انحسر الغضب عنه ولم يبقى معه سوى الخوف والأهتزاز الذي زرعه أبيه صافي داخله.

_ هل تنقلب عليَّ إبراهام، هل تثور على حكمي، هل تقلل من احترامي.

قالها قاسم بنبرة جامدة وقورة إلى إبراهام الذي يقف عند بداية الباب يتابع بنظراته ما يحدث أمام نظراته بينما يظهر التوجس الذي تحول لرهبة ممتزجة بالتوتر على وجهه الذي شُحب كالمرضى وهو يحرك رأسه عدة مرات ينفي حديث القيصر كما يلقبونه.

- لا قيصر، ولائي لك بالكامل.

- ومنذ متى وتتزوج فتاة من المملكة دون أذن الملك وموافقته؟

قالها قاسم بنبرة عاتية مرت كموجة مزلزلة لكيان إبراهام الذي ترتجف جسده برجفة خفيفة وهو يمرر نظراته على رجال المامبا حيث يبدو وكأنه ينتظر أمر الحكم بقطع رأسه وتقديمها لجميلة، قبل إن يبلع ريقة بتوتر وهتف بنبرة مختنقة خرجت من حنجرة يتوسطها حجر يعيق التنفس والكلمات:

- جاء الأمر سريعً ومفاجئ قيصر، أنا أحبها وقررت مفاجأتها بالأمر لأسعد قلبها قليلًا، فهي منذ أن توفى أبيها في حالة لا يُرثى لها، لم أقصد التقليل من شأنك قيصر، آسف لفعلتي.

ابتسم قيصر بسمة جانبية هازلة خرجت بطريقة بطيئة وهو يثبت نظراته بأبرهام بينما تتراقص جملة "هل أنا طفل في الخامسة؟" داخل مقلتيه من حديثه الذي لا يمكن أن يمر على طفل في الروضة بسبب التوتر والرعب الذي يمر الأخير به، مما جعله يتنهد بعمق ويهتف بنبرة معتدلة بعدما تماسك خارجيًا قليلًا:

- حسنًا قيصر، جميلة امرأة فاتِنَة، العديد من الرجال يرغبون بالزواج منها، شعرت بالخوف لهوسي الشديد بها، فقررت فعل هذا دون تفكير، أرجو أن تسامحني جلالتك، لم أكن بوعي، فقد سيطرت عليَّ مشاعري، لن أكرر الأمر.

- أذهب أبراهام و لا تكرر الأمر ثانيًا، عندما يحين الأمر سنتحدث بشأن زواج جميلة ووقتها يمكنك التقدم لها.

قالها قاسم بنبرة رزينة ليكسر الصمت الذي حل على الغرفة بعد دقيقة كاملة من السكون إلا من صوت ضربات قلب إبراهام حيث كان يثبت قاسم نظراته به، أطلق الأخير أنفاسه المحبوسة بعدما وصل له الحديث قبل أن يخرج بخطوات مهرولة أقرب للركض، بينما لحق به "بدر" بخطوات أكثر هدوءً ولمحات سعادة ارتسمت فوق وجهه من وقت اخبار عمه له بشأن العمل.

_ نوع المصيبة اللي عملتيها علشان يحطك في دماغة بالشكل ده؟

قالها صالح بنبرة متهكمة وهو ينظر إلى جميلة التي تهلل وجهها ونبض بدفعة من الدماء خرجت عن طريق ضحكة خافتة على إبراهام وكأنها لم تكن ترتجف من الرعب والحزن منذ ثواني، وكأنه هر ضل طريقه في الطرقات لكنه عاد لمحتضنته من جديد.

- معملتلوش حاجة هو اللي قموصة، كنت بديلة كورس "كيفية معرفة المرأة الخائنة في ثلاث مقابلات" ، عادي يعني هزرت معاه هزار تقيل شوية بس طلع مش بيحب الثقافة، خيرًا تعمل شرًا تلقى.

- اختفي من قدامي يا جميلة علشان مقتلكيش.

قالها صالح بنبرة صارخة وهو يرمقها بعينان تحتلهما الذهول الممتزج بعدم الرضى مع بروز عروق رقبته مما أدى لارتفاع ضحكة جميلة وهي تتحرك تجاهنا فهي تعلم إن هذا الغضب لن يتحول لصفعات على وجهها مثل ما كان يفعل أبيها، لكن قبل أن تصل إلينا عادت من جديد إلى أخيها براء ودفعت حالها لذراعه مع إحاطت خصره بذراعها، رفع براء ذراعه بعد ثواني ببطء وبادلها العناق بعدما خرج من دفعة الذهول التي جمدته بموضعه حيث بدا إنه يفعل ذلك للمرة الأولى بحياته.

- بحبّك يا برقوقي.

- أنا كمان بحبك، ممكن تبطلي الحوارت دي بقى؟

قالها بنبرة هادئة وهو ينظر لها نظرة حانية بعدما فصل العناق وانحنى بجسده ليصل لقامتها وقبّل جبهتها بحنان تعقيبًا على كلمتها التي خرجت بتلقائية وهي تضع رأسها فوق صدره تستشعر منه الحب الذي لا يتعدى الغلاف الخارجي من قلبه، فهو مثل معظم الرجال، لا يعبر عن حبه لأخته أو يضمها إليه، ثم خرج من المنزل.

- كـايدة الرجـالـة أنـا من يـومـي.

قالتها جميلة بغناء بغنج وهي تتحرك تجاهنا وتتراقص بكتفها بسعادة، بينما حركت رأسي بمعنى "لا بأس" بعدما خرجت من صدمتي المؤقتة، فهذه جميلة وهذا القصر الملعون وشعبه المختل.

__________________________𓂀

صدحت أصوات الموسيقى باللغات المختلفة من الغرف خلال صعودي الدرج وتحركي تجاه غرفة "تميم" بمفردي، فقد وعدته بمشاركته الرسم كما توجهت شهد رفقة شفا للقصر لتجلب حلوى من البراد حيث صنعتها لنيلان صباحًا، وانسحبت جميلة رفقة غزل لتبدل ثيابها، بينما سبقتني نجمة راكضة للأعلى لتعود للمذاكرة قليلًا حيث إنها بمنتصف الإمتحانات.

تبًا، لماذا صعدت بمفردي؟
لم يكن ليحدث شيء إذا انتظرت عودة شهد؟
لقد ابتلعتني الغرف!

خطوت في الممر بين الغرف بأبوابها المفتوحة على مصرعيها وكأن هذا المنزل اصابته لعنة ساحرة حجبت كلمة خصوصية من جميع عقولهم، فظهر أمامي شاب يتدرب وآخر يرقص، اثنان يلعبان مباراة كرة قدم أمام شاشة تلفاز متوسطة الحجم، أوه الآن نشب بينهم شجار بعدما دخلت الكرة في شبكة الفريق الأزرق وربح المبارة.

- شجار.. شجار.. شجار.

ترددت تلك الكلمة بشكل متكرر بلغة إنجليزية من افوه بعض المامبا المتجمعين أمام باب غرفة، فتوجهت لهناك كالمشدوهة دون التفكير في الأمر وكأن عقلي توقف، وحينها أفسح لي الشباب الطريق حتى أنظر لما بداخل الغرفة حيث يتسطح شاب بالأرض بينما يجلس الضابط "راشد" فوق صدره ويكل له الضربات.

- لا حول ولا قوة إلا بالله، يبني سيب أخوك.

قالتها السيدة التي تُدعى "فاطمة" بنبرة متهكمة وهي تدلف للداخل بخطوات صغيرة مما أتاح لها جسدها الممتلئ قليلًا وسنوات عمرها التي ظهرت واضحة على تقاسيم وجهها الحاني ذو الملامح الهادئة، بينما وضعت حاوية فوقها صحن مسطح داخله بعض الشطائر البسيطة الاتي يصدح منها نغمات الحب التي صُنعت بواسطته.

- يا ماما مش عارف أنام، قاعد بيحب في عيلة في ثانوي ليل نهار، مفهمها إن القصر ده بتاعه وواعدها بالجواز .. هتتجوزها فين؟ ده إنت حتى معندكش أوضة لوحدك هتحط ستارة في النص؟ فوق ياه إنت أمك كانت بتسرح بيك بمناديل.

قالها راشد بنبرة ساخطة ويصفع الشاب على وجنته قبل أن يفك الحصار عن عنقه حيث يثبته بذراعه الأخرى بالأرض، نهض بترنح من فوق جسده، ونهض أخيه من فوق الأرض كذلك وجهز حاله لبدأ الشجار من جديد تزامنًا مع صدوح صوت هاتف عاليًا في الغرفة التي أطبق عليها الصمت والتأهب، بينما تحرك "راشد" واستل الهاتف على الفور.

- اللواء عبد السميع؟! تمام يا فندم مسافة الطريق.

تمتم بها راشد بنبرة آلية نابعة من اعتيادة في نطقها بعد كلمته التي خرجت بنبرة مذهولة ممتزجة بالحيرة بعدما ظهر التخبط على وجهه وأتجه للخزانة الخشبية السوداء ليخرج ثيابه بينما هتفت أمه فاطمة َ بنبرة حنونة:

- استنى كُـل حاجة، إنت لسه جاي محطتش لقمة في بوقك.

- هاخدهم معايا، في مصيبة في الشغل .. وإنت بطل الحوارات دي، بطلوا تلعبوا ببنات الناس، القلوب مش لعبة.

هتف بها بنبرة محذرة أكثر منها ناصحة إلى أخيه بعد حديثه الأول الذي خرج بنبرة هادئة وهو يطبع قبلة حنونة فوق قبة حجاب رأس أمه تزامنًا مع ضمها بذراع واحدة ضمة سريعة، لقد اخبرتني شهد إنها أمه الحقيقية فقد ولدته بالقصر وتم تربيته رفقة باقي المامبا لذا أصبح من الضباط، كما إنها أرضعت الكثير من إخوته معه.

- يا ماما، هيفاء بتولد.

- أجيب حلة مايه سخنة ولا أيه؟

هتفت بها المرأة بنبرة غير مصدقة يتحتلها الذهول وهي تضرب كفيها تعقيبًا على حديث بكر الذي صرخ به بعدما خرج من الغرفة خلفنا على حين غرة جعل جسدي يجفل، مطّ بكر شفته وفتح عينه وثغره على وسعهما ثم هتف بنبرة مجنونة مهللة وهو ينتفض قافزًا يمنى ويسرى وكأنه يركض داخل مبنى يحترق:

- مش عارف، أنا خايف يا ماما، هي فين جميلة؟

هتف بسؤاله الأخير بنبرة عالية بينما ركض تركي للأسفل بعدما عرض جلبها من أجل هيفاء، وحينها اقتربت السيدة فاطمة من "بكر" مسحت بحنو فوق ظهره وهي تهتف بنبرة دافئة عبرت داخل جسده مباشرة:

- بسم الله على قلبك، متخفش يا حبيبي هتقوم بالسلامة.

دلف بها الغرفة تحت نظراتي المتشككة من كهنة "هيفاء" التي تلد الآن دون إصدار أي نوع من أنواع الصرخات، لحقت بهم على الفور حتى أساعد المرأة في محنتها، بعثرت نظراتي على الغرفة الهادئة ذات اللون الأبيض وبعض الأسود مثل باقي الغرف لكن ما يميز الغرف عن بعضها المعلقات فوق الحائط التي تظهر هاوية قاطن الغرفة، مثل الظل الأسود المراتسم على الحائط لرجل يجلس فوق رف الكتب ويلعب بآلة الهارمونيكا كالتي تقبع بين كفي موسى الجالس أسفله فوق الفراش بعينان تلمتعان من الدموع المحبوسة بينما يسند رأسه على الحائط خلفه.

بينما يجلس بجانبه كلب "جيرمن" ضخم مثل ذلك الذي تستخدمه الشرطة، يضع رأسه فوق قدمه كأنه يواسيه في حزنه الذي يظهر من مقلتيه، ويجلس بكر على الفراش المواجه له جانب السيدة فاطمة وهو يحمل قطة سوداء اللون فوق قدمه لونها مختلط بين البرتقالي الفاتح والأسود ووجهها ينقسم بالمنتصف حيث نصف أسود والآخر برتقالي بينما تلمع عيونها الزرقاء بتعب ووهن بالغ.

السؤال المهم هنا: أين المرأة التي تلد؟
تبًا، هل هذه هيفاء؟

- جميلة، هيفاء تعبانة.

قالها بكر بنبرة يغلفها الحزن وهو يمسد ظهر القطة بعدما وقع بصره على جميلة التي دلفت الغرفة وحملت منه "هيفاء" برفق تزامنًا مع دلوف تركي الغرفة وهو يحمل فراش خاص بالحيوانات على شكل سلة خوصية موضوع داخلها وسادة كبيرة تشبه "المرتبة"، وضعه في زاوية، بينما تحركت جميلة ووضعت القطة بالمنتصف.

- بس كدا؟

- أمال إنت فاكر إيه؟ .. إحنا هنقعد معاها لحد ما تولد ولو حصل حاجة نتدخل.

قالتها جميلة بنبرة مازحة تعقيبًا على حديث بكر الذي خرج بنبرة مشدوهة وانهت حديثها بنبرة عملية وهي تجلس على طرف الفراش، بينما نهض بكر وجلس فوق الأرض الخشبية العارية وهو يثبت نظراته بقطته التي عانقت خاصته وهي تمؤ بتعب وكأنه تخبره بآلامها.

أطبق الصمت على الغرفة انتظارًا للحظة المهمة حتى شق صوت "هرمونيكا" موسى الصمت كما يشق شعاع النور السماء المعتمة بعد الفجر، لعب لحن هادئ ذو نبرة حزينة وكأنه موسيقاه تسرد كلمات آلام قلبه اللآتي لا يستطيع إخراجها من فمه، بينما عينه الملتمعة بدموع محبوسة أكدت على ذلك، وقد سُحب عقلي بدوامة تفكير وكأنه داخل إعصار حيث كان يبحث عن اتصال ذكرى ما بتلك المقطوعة حتى ارتخت عضلاتي المتشنجة عندما تذكرت إن تلك واحدة من أغاني "رائف" التي تسمعها نجمة بشكل متكرر والتي كتبها "ليونار".

❞ رحل حبيبي من بلدان قلبي.
انطفئات المشاعل وحلّ الُغبار

لم نكن نرغب في الفراق
لكن الغربة كُتبت على قُلبنا.

أين أجد طبيب لجروح قلبي؟
وهل يوجد للقلب النازف دواء؟ ❝

هل كتبها لغزل؟
لا أعلم لماذا ضرب عقلي هذا السؤال، لكنني شعرت به وكأن سيخ حديدي رُفع من فوق الفحم المحترق واخترق عقلي، لكن الفكرة ذابت داخل عقلي عندما شعرت بشيء لين يمشي فوق قدمي، نظرت للأسفل حتى أرى أي حيوان أليف يقبع أسفل قدمي قبل أن أطلق صرخة عاتية رجت جدران المنزل.

لم يكن حيوان أليف، إنه ثعبان أسود كبير!

- ليه كدا ؟ ليه كدا يا مرات أخويا سَرعتي "روبي".

قالها "تركي" بنبرة مستنكرة غير راضية وهو يحمل الثعبانة المدعوة "روبي" من فوق الأرض ويمسح عليها برفق حتى تهدأ من صرختي التي أرعبتها!

- أنا اللي خوفتها؟!

هتفت بها بنبرة مستنكرة خرجت من فمي المفتوح مثل عيوني، فحرك رأسه بالموافقة بهدوء وهو يضعها فوق كتفه وكأنها وشاح أسود بينما تراقصت رأسها ولسانها أمام صدره، رفعت قدمي عن الأرض وعدت بظهري للخلف بعدما مر لجسدي شعور مقزز ومقشعر تزامنًا مع جلوس تركي جانب موسى الذي انتهى من تحريك آلته حول فمه وقال بنبرة حانية:

- متزعلش نفسك أكيد هاديس مش هيسيبك أنا عارف القائد بتاعي كويس.

- بابا صالح مش هيرضى، كدا أحسن.

قالها موسى بنبرة محشرجة وهو ينهض من فوق الفراش وينسحب للشرفة بينما لحق به الكلب على الفور ثم تركي ورأيته يحيط كتفه بذراعه ويضمه له من خلال الستائر البيضاء التي اظهرت ظلهما واضحًا بينما رفع "بافلو" كما يطلق عليه قوائمه الأمامية فوق جسد موسى ليعانقه كذلك، بينما أخرجت السيدة فاطمة صوت يدل على الحزن وتنهدت بعمق قبل أن تعتدل في جلستها وتشد الشال الأسود الصوفي حول كتفها.

- أنا عارفة إن الموضوع شخصي، بس هو في إيه علشان مش هعرف أنام من الفضول؟

- بابا صالح سحب موسى من "كاميليا" وهو زعلان.

تمتمت جميلة بنبرة هادئة وهي تميل ناحية أذني تعقيبًا على حديثي الذي خرج بنبرة مشتعلة من الفضول الذي نشب داخلي بالقرب من أذنها، عقدت حاجباي في حيرة من الأمر، هل يحزن لإنه تحرر من العبودية -كما أطلق عليها- حيث إن فكرة المامبا والولاء والموت هذه تذكرني بالعبيد قديمًا!

هممت أن أسألها عن كيفية حدوث ذلك لكنها انتفضت وجلست على ركبتيها أمام الفراش الخاص بالقطة عندما بدأت في الولادة، فنهضت من مجلسي وخرجت من الغرفة حيث تذكرت أمر تميم والرسمة، لا داعي لمشاهدة كل هذا الألم.

- شوكت.. شوكت.. شوكت.

- شكشوكة.. شكشوكة.

خرجت هذه الصيحات من بعض الشباب المجتمعين أمام باب غرفة على بعد صغير مني، فهرولت ناحيتها على الفور بعدما داهم عقلي سوء ظن بنجمة، لكن عندما وصلت إلى الباب وأفصح لي الشباب المجال علمت إنه لم يكن سوء ظن، فقد كانت حقيقة تستحق جذب نجمة من خصلاتها، حيث يقبع أمام أنظاري خطين باللون الأبيض مرتسمين فوق الأرض وبينهما يركض صرصاران في سباق مقزز، وتقف نجمة تصفق بتشجيع "لشكشوكة" صرصارتها أثناء وقوفها جانب رائف.

واحسرتاه يا نجمة على المذاكرة وعقلك!
تبًا،لقد التصقت الكلمة بي؟!
حسنًا، لا يهم، واحسرتاه بالفعل!
لقد نقل لها رائف مرض الإختلال العقلي، كيف يمكنني علاج صديقتي؟

-إنتِ إيه اللي جابك هنا؟

- إنتِ قولتلي أمشي يمين!!

قلتها بنبرة متهكمة إلى شهد التي هتفت بحديثها بنبرة مستنكرة بصوت متقطع من خلال أنفاسها الاهثة بسبب ركضها فوق الدرج وهي تعقد حاجبيها في حيرة من وجودي في ذلك الرواق بعدما قابلتها في المنتصف حيث عدت أدراجي ناحية الدرج من جديد، أفتر ثغرها عن بسمة بلهاء ذكرتني بخاصة شفا الوقفة بجانبها ثم هتفت بنبرة ضاحكة وهي تلف خصلة من شعرها على إصبعها:

- بتلغبط بين اليمين والشمال، قولتلك امشي كدا!

قالتها وهي تحرك يدها ناحية اليسار والتي لم أركز فيها وقتها حيث هتفت بالكلمة بالفعل، ربما ظن عقلي أنني أمام قرد أحمر راقص إذا تابعت حركة يديها وقتها!

تحركت خلفها حتى عبرنا إلى الناحية الأخرى من الدرج التى لا تشبه بقيد أنملة المكان الذي كنت به، فقد ذُهل عقلي من التغيير المفاجئ للوضع وكأنني طفلة صغيرة نامت بالروضة وعندما استيقظت وجدت حالها شابة متزوجة! حيث ساد اللون الأبيض للأبواب المنغلقة الذي يتنافى مع سواد أبواب الناحية الأخرى بينما انتشرت الرسومات الكرتونية للحيوانات اللطيفة على الأبواب.

مررت من أمام غرفة يجلس داخلها الكثير من الأطفال حول نيلان الجالس بالمنتصف ويشاهد معهم واحد من الأفلام المتحركة ويأكل نقانق على عصا معهم، بينما يقبع واحد من الأطفال فوق قدمه، شقت وجنتي عن ابتسامة واسعة من هذا النيلان، إنه يبدو مخيف خارجيًا لكن لديه قلب حنون للغاية.

- هو الولا مسكر ليه؟

قالتها شفا بنبرة متغزلة وهي تقف أمام الباب تنظر لنيلان بعيون مشدوهة بينما يتضاعف حجم بؤبؤاها بشكل لافت، فتشنجت شفتي من حديثها والغريب قبل أن أصفعها على رقبتها من الخلف وأنا أقول بنبرة متهكمة أثناء سحبي لها من رقبتها خلفي:

- الولا؟! بعدين احترمي نفسك بقى إنت لسه تائبة.

توقفت أمام الباب المرتسم عليه الرجل العنكبوت متدلي من خيطه المعلق بالباب وكأنه يهبط من فوق بناية عالية وسطح البناية هو حافة الباب، طرقت شهد الباب قبل أن تدلف للداخل بوجه مبتسم ثم تبعتها للداخل فركض تميم إليَّ على الفور واحتضن ساقي بسعادة.

- كنت عارف إنك هتيجي، حضرت السكيتش والألوان.

قالها تميم بنبرة سَعيدة اعربت عن مكنون قلبه ناحيتي وثقته بي وهو يسحبني من كفي حتى الطاولة الصغيرة بالغرفة، بينما اعتدل فارس الذي كان يجلس باستراحة فوق الفراش ويجلس "ريان" فوق قدمه يمسك بهاتفه يتابع شيء ما من خلال عيونه الدامعة بسبب سخونة جسده من الداخل، بينما يضع لاصقة طبية خافضة للحرارة بعرض جبهته ويتدثر بغطاء ثقيل، فهو لم يهبط للعب معنا لإنه مريض.

- لو عايز تنزل أنا موجودة.

- يعني إنت تيجي وأنا امشي دي حتى تبقى قلة أدب.

قالها فارس بنبرة مازحة وهو ينظر إلى شهد تعقيبًا على حديثها الهادئ الذي قصدت به بقائها رفقة الصغير بالغرفة، ابتسمت شهد بخجل بينما انتشر اللون الأحمر بوجنتيها كعادتها عندما تخجل أو تغضب أو أي شيء آخر يستدعى ذلك، قبل أن تتحرك تجاه ريان وتتلمس حرارته من موضع رقبته وهي تنظر له بآسى قبل أن تجلس بجانبه وتبدأ بقص حكاية مشوقة على مسمعه حتى تنسيه مرضه.

وعلى الناحية الأخرى تابعت تميم وهو يقوم برسم خطوطه الرفيعة فوق الصفحة الفارغة ليبدأ ظهور جسد رجل، بينما ساعدته ليعدل من هيئة الرجل حتى أصبح في هيئة تشبه الرجل العنكبوت، ثم بدأ برسم جسد بجانبه لامراة هتف بإنها أنا بنبرة حماسية تكاد تحترق وهو يخرج شرائط ملتفة من الرأس تعبيرًا عن خصلاتي الغجرية، أوحت لي بأن الفتاة في الرسمة تمر بجلسة كهربائية في إحدى المصحات النفسية، وقد شعرت بإن قلبي يُسحب من منتصف ضلوعي بواسطة سنارة صيد أسماك اخترق خطافها منتصف قلبي وأنا أشاهد ذراع الفتاة وهي تطيل لضعف جسدها حتى تلتصق بكف الرجل الخارق أو "ليونار" كما كتب بمنتصف صدره.

_ يا ابني أبوس علبة ألوانك لون لون مترسمش القلب.

قلتها بنبرة شبه باكية وأنا أمسك كف تميم الممسك باللون الأحمر الخشبي، بعدما أصر على رسم شكل قلب أحمر بيننا في المنتصف، فنظر لي بحاجبان مقوسان هتف بنبرة ظهر بها الحزن:

- بس القلب حلو!

- طيب إيه رأيك نرسم شمس؟ .. خلاص ارسم القلب.

قلتها بنبرة هادئة وأنا أحرك رأسي بالموافقة على مضض برسم القلب بعدما استشعرت حزن عيونه ورغبته العالية في تكملة لوحته الإبداعية التي لن تكتمل إلا بذلك القلب البغيض في المنتصف بعدما عرضت عليه الشمس، وشعرت بأن كل شيء يدور حولي، والأرض تميد بي وأنا أتابع حركة يده التي رسمت القلب!

تبًا! يا لها من فضيحة ماليكا!
لماذا اتيت؟!
الآن سيخبر الوغد المدبلج أنني رسمت معه ووضعت القلب!
كيف سأريه وجهي؟
ماذا سيشعر عندما يرى القلب وكفي بكفه؟!
آهٌ، وكأنه لا يكفيني هذا الوغد المدبلج المختل ليأتي ابنه ويرسم لي صورة رومانسية معه!

- يا مصيبتك يا ماليكا!

هتفت بها بنبرة خافتة وأنا أتابع أصابع تميم الذي غير اللون الأحمر إلى الأزرق بين أصابعه وخط كلمة "ماليكا" بعرض صدر الفتاة في الرسمة ليؤكد على إن الفتاة أنا بالفعل، بينما ارتفعت ضحكات فارس عاليًا لكنه عالجها بالسعال الخفيف.

- بصي إنت حلوة إزاي؟

قالها تميم بنبرة شغوفة وهو يرفع كراسة الرسم ويضعها أمام وجهي حتى أنظر للمرأة التي انتهت من جلستها الكهربائية بابتسامة عريضة سعيدة وراضية عنها وغير راضية عن القلب قبل أن أهتف بانبهار:

- واو دي تحفة! إنت شاطر اوي.

- بحبك اوي يا ليكا.

قالها تميم بنبرة صادقة وهو يرمي حاله داخل أحضاني ليعانقني بقوة، ويسحب كل السخط داخل قلبي بذلك الفعل اللطيف، لا أعلم لماذا يحبني فأنا لم أفعل له شيء! لكن هذا يسعدني كثيرًا، كما أنني أدمنت لعب كرة القدم رفقته فقد عادت لي طفولتي المشردة حيث كنت ألعب رفقة الصيبة كرة القدم بالحديقة أسفل المنزل.

__________________________𓂀

_ أحضرت لكِ عين حورس لكي تبث السعادة إلي قلبك.

قالتها غزل بنبرة هادئة وهي تمرر ريشة الكحل العربي أسفل جفني، بينما يتراقص بمقلتيها لمعة حنين لتلك الجملة من كتاب الموتى والتي قيلت لها من قِبل سالم المُهيري في تلك الفترة التي قطنت بها بالقصر، حيث رأته يرسمها لزوجته نفرتاري قبل التمرين ثم رسمها لها كذلك قبل أن يطبع قبلة حانية فوق جبهتها مازلت تشعر بها إلى الآن.

لم يعلم أحد غيرنا إنها تحب سالم هكذا وكأنه ابنته هو وليس الحاوي، لا اعتقد إنها تتذكر أي ذكرى تربطها به.

نهضت من فوق المقعد وتوجهت للمرآة حتى أرى شكل عيوني بعدما تم تكحيلها، ظهر واضحًا الخطوط السوداء المحيطة لمقلتي، والخط المتفحم الموازي لعيني الذي يهبط منه خط لملتف من للأسفل ليرسم شكل  "عين حورس" أو "عين القمر" أو" عين رع" وبالمصرية القديمة "أوجات"، والتي تكون رمز وشعار مصري قديم ذو خصائص تميمية، يستخدم للحماية من الحسد ومن الأرواح الشريرة ومن الحيوانات الضارة ومن المرض حسب خرافاتهم.

هبطت بنظراتي على الفستان الأسود والكتابة الفرعونية في منطقة الصدر والخصر، أبدو وكأنني من عصر الفراعنة بملامحي المصرية العتيقة، أبدو مثل كليوباترا في هلاوس ليونار، لا أعلم لماذا تذكرت ذلك عندما نظرت لهيئتي في المرآة، لكن خصلات شعري مع الرداء ونغمة صوتي، شعرت وكأنني هي!

- سيبي الأكل وتعالي أحط ليكِ الميكب، هتموتيني.

صرخت بها "غزل" أمام "شهد" الجالسة متربعة فوق الفراش وتقبع بيديها حاوية طعام وتأكل منها بشهية راقصة من السعادة في هيئة تتنافى مع ردائها الجميل وملامحها الخلابة وكأنه ملكة فرعونية أصاب عقلها الخبل، تأففت شهد ومدت يديها بالحاوية لي وهي تنهض، فجلست مكانها وبدأت في تناول الطعام أثناء مشاهدتي أصابع غزل الرقيقة وهي تجول بوجه شهد.

- أنا قررت افتح مطعم.

- هنخسر يا ماما، إنت وشهد هتخلصوا الأكل.

قالتها جميلة بنبرة ساخرة وهي تضبط حزام خصرها أمام المرآة تعقيبًا على حديثي الذي خرج بنبرة مازحة وأنا أتذوق الطعام الذي صنعته "شفا" وارسم صورة مطعم في مخيلتي للنساء فقط يتكون من فريقنا الصغير.

_ تركهم باسل لكِ.

قالتها واحدة من العاملات وهي تعطي جميلة صندوق ورقي متوسط الحجم وفوقه علبة مخملية صغيرة وعلى وجهها ابتسامة خبيثة قبل أن تنسحب من المكان كما جائت كالأشباح، فأنا أشعر إن العاملين في المنزل أشباح بالفعل، يظهروا فجأة ويختفوا بنفس سرعة ظهورهن، خطواتهن هادئة وكلامهن خفيف حتى حركات جسدهن دبلوماسية، لكنهن سعداء، فهذا يظهر من خلال ملامحهم المنبسطة دائمًا وطريقة تعاملهن مع العائلة.

جلست جميلة فوق الفراش جانبنا وفتحت العلبة المخملية ذات اللون الأزرق فظهر ورقة بنية اللون كُتب داخلها:

⟪ بلغي سلامي لروحي الطائفة حولك، ولا تنسي بأنها معك تكفكف دموعكِ شمسي ⟫

تنهدت جميلة بعمق وهي تطوي الورقة برفق والدموع تلمع داخل عينيها ثم نظرت للقلادة الذهبية المجسمة على شكل شمس ساطعة، لامستها بأناملها قبل أن تستلها من العلبة وتعلقها برقبتها، أدخلت الدلاية داخل الثياب حتى لا تظهر قبل أن تفتح العلبة الورقية والتي تحتوي على مخبوزات "الدونتس" اخرجت قُرص من المعجنات وبدأت في قضمة بتلذذ، بينما شردت عيونها في تفكير عميق لإيجاد طريقة تكون بها رفقة وعاء مربى الفراولة الخاص بها.

هبطنا من المنزل الخاص بليونار بعدما انتهينا واتجهنا للخلف حتى وصلنا للمنطقة جانب السور الشائك حيث يُقِمن نساء المملكة حفلة خاصة بهن بعيد عن أعين الرجال، وضعت القناع الأسود فوق عيني وأنا أتلفت حولي بشك من وجود رجال قريبين بسبب ضيق الفستان بينما قرع قلبي كطبول الحرب كلما تخيلت إن شمس يشاهدني.

- مفيش راجل هيجي هنا، شايفة المامبا، واخدين أمر إن محدش يعدي.

قالتها جميلة بنبرة هادئة بعدما لاحظت توجسي وهي تشير للخلف حيث يقف رجال المامبا حول المنطقة كل واحد على مسافة من الآخر، يعطونا ظهرهم فلم يروا ما يحدث بالخلف لكن يمكنهم رؤية أي شخص قد يتسلل لهنا، مما أراح وجودهم قلبي قليلًا.

unstoppable woman club

رفرفت تلك الكلمة رفقة القماشة البيضاء المطبوعة فوقها المعلقة فوق المكان الذي يعتبر المدخل، ضحكت بسخرية لاذعة من معنى الجملة؛ المرأة التي لا يمكن إيقافها، فهن بالفعل لا يمكن إيقافهن، يلعبن بقلوب -إذا أمتلك أحد قلب- جميع رجال بالمملكة حتى يربحوا الرهان.

ازدادت حدة صدوح نغمات الموسيقى العالية من مكان التجمع كلما اقتربنا حتى وصلنا، وجدت عدد من النساء يرتدين ملابس _أو شبه ملابس_ تنكرية وأقنعه مثل التي نرتديها فوق أعيننا بينما يسرد المرح والصخب والخمر وكل ما هو محرم في الأجواء.

- هيه الملكة جائت!!

صرخت بها فتاة وهي تشير ناحية غزل التي ركضت لهن حتى يتم الترحيب بها، بينما سحبتنا جميلة أمام شاشة الكترونية مثل الألعاب في المراكز التجارية فظهرت صورتها وصورة فتاة بملامح لاتينية مكتوب أسفل صورتها " أثينا هاديس" وصورة غزل بجانبهما.

- صوتولي علشان أكسب.

قالتها جميلة بنبرة متحمسة وهي تشير ناحية الزر أسفل صورتها، فضغطنا جميعًا على الزر تباعًا فزاد عدد الأرقام المكتوبة أسفل الصورة، ففهمت إنه تصويت على فائزة الرهان أو الملكة كما يطلق على الفائزة لإنه في النهاية يتم التصويت للرابحة عندما تكون النتائج قريبة أو متعادلة.

بينما رمقتها غزل بنظرة مشتعلة حيث حضرت للتو وصدرها يعلو ويهبط من ركضها عندما شاهدت حيلة جميلة وسرقتها لأصواتنا لكنها تخلت عن الغضب عندما شاهدت أرقامها مازلت تفوق خاصة جميلة برقم ثم سحبتنا لساحة الرقص.

- إيه النكد ده؟ شغلوا حاجة حلوة!

قالتها شفا بنبرة متذمرة من الأغاني الاتينية التي تصدح في الأجواء والتي لا تفهم منها حرف حيث تنظر للفتيات الراقصات بشغف ورغبة داخلية في إخراج روح الراقصة داخلها واشعال الحفل، ولن ننسى أيضًا وجه نجمة المتذمر فهي غريمتها في فقرات "حانة الفرفشة" لكنها تحاول إخفاء حالها عن الأنظار.

- هيه يا نساء المملكة، زوجة أنوبيس المستقبلية ترغب في الرقص.

قالتها غزل بنبرة صاخبة عالية صدحت من خلال السماعات بعدما ركضت تجاه الفتاة مشغلة الموسيقي لينتبه لها الجميع قبل أن تصدح واحدة من أغاني "شفا" المفضلة تزامنًا مع ربط جميلة وشاح حول خصر شفا قبل أن تدفعها لمنتصف الساحة وترتفع تهليلات جميل النساء بالحفل مع تقمص شفا دور الراقصة ببراعة.

- إحنا لازم نتعلم الرقص.

قالتها شهد بنبرة مشتعلة من رغبتها الساحقة في تعلم الرقص لكنني لم أجيب عليها بسبب صدمة عقلي من ما يحدث أمامي حيث إن هيئة "شفا" في الملابس الفرعونية اشعرتني إن الملكة كليوباترا ألقت عليها تعويذة سحبت معها رونقها وبدلت ملابسها، تبًا، أنا حتى لا استطيع رؤية الملابس فأنا أرى شفا في هيئة أخرى حيث ترتدي عباءة بيضاء وعدة أساور ذهبية بكلا رسخيها حيث تهتز بقوة تزامنًا مع طرقعت إصبعي الإبهام ببعضهم البعض فوق رأسها في حركة شعبية قديمة مصاحبة للرقص تفعلها دائمًا

- إنت شايفة شفا لابسة غوايش دهب بتشخلل ولا أنا لوحدي؟

_ لا أنا مش قادرة استنى أكثر من كدا!

هتفت بها نجمة بنبرة متذمرة وهي تتحرك لتشارك شفا الرقص مما أدى لارتفاع الصيحات أكثر مما سبق بعدما تجاهلت حديثي السابق الذي خرج بنبرة حائرة، بينما انضمت لهم جميلة وحاولت غزل سحبي للرقص كذلك، لكنني رفضت بهدوء فعادت من جديد بمفردها، فأنا مازلت أشعر أنني مراقبة من أعين الرجال.

تبًا، أنا في طريقي للإصابة بمرض الوسواس القهري!

- انتباه جميعًا يا نساء.

خرجت هذه الجملة من امرأة تقف فوق المسرح ترتدي حِلة نسائية سوداء ضيقة والأكمام مفتوحة من منتصف المرفق وتهبط بسلاسة للأسفل وكأن كل ذراع يُعقد حوله وشاح طويل، شعرها منقسم لنصف أسود اللون ونصف أبيض اللون، ترتدي عقد ملتصق فوق رقبتها أسود اللون، بينما يظهر واضحًا ظلال عيونها الأسود وطلاء شفاهها الأحمر حيث تبدو في هيئة "كوريلا" واحدة من شخصيات الرسوم المتحركة الشريرة.

- مرحبًا جميعًا بنساء المملكة، دعونا نرحب بنساء العائلة المالكة اللاتي ينضممن لنا لأول مرة.

قالتها بنبرة مرحبة جادة بعدما فحل الصمت على المنطقة بعدما أُغلقت الموسيقى وتأهب الجميع لها، فارتفعت تصفيقات النساء والصيحات الترحيبية، لكن الأصوات كلها اُبتلعت عندها رفعت كفها وضمت قبضة يدها قبل أن تهتف بنبرة فخورة وهي تنظر إليَّ:

- فتيات دعونا نعبر عن فخرنا بملكتنا المستقبلية، مروضة "أنوبيس".

صاحت جميع الفتيات وقاموا بالقاء زهور فوق رأسي هبطت وكأنها أمطار بينما تيبس جسدي من أثر وقوع الكلمات على أذني، مروضة أنوبيس!
الملكة المستقبلية؟ تبًا، ما الذي يحدث؟
هل زوجوني ليونار ؟ متى؟ ما تاريخ اليوم؟
تبًا، نحن برأس السنة، ولا أذكر أنني تناولت شيء دون قفل حتى ادخل في حالة سكر وأتزوج بليونار!

- حسنًا الآن سيتم أختيار ملكة هذا العام، هل أنتن مستعددات؟

قالتها بنبرة مرواغة وهي تتلاعب برأسها بغنج لتلهب فضول الجميع، فصدحت الصيحات من جديد تزامنًا مع صعود فتاة ترتدي زي المرأة الخارقة مما ذكرتني بالقلب الذي يتوسط رسمة تميم، وشعرت بنبضة عنيفة بمنتصف صدري وأنا اتابعها بعيوني الشاردة حتى تسلمت "كوريلا" الظرف الأسود وفضته وقرأت اسم الفائزة بعيونها.

- الملقبة بالملكة هذا العام، التي قامت بالتلاعب بأربعة رجال أصدقاء .. جــمـيـلـة يورمونغاند (لقب صافي)

هتفت بالاسم بنبرة حماسية فخورة وعيونها تلمع بفخر شديد، فانطلقت صرخة من فم جميلة وهي تركض تجاه المسرح وتصعد فوق المنصة وهي تتراقص وَسط نظراتي المذهولة وثغري المفتوح الذي على الرغم من علمي المسبق بالأمر إلا إنني مازلت انبهر!

- أشكركن جميعًا للتصويت لي، هذا أكثر شيء يزيد من عزيمتي بشأن التلاعب بالرجال.

قالتها جميلة بنبرة ممتنة وهي تضع يديها فوق موضع قلبها بوقار وتنحني برأسها في تحية على التصفيقات الحارة، فقاطعت غزل الأجواء لتهتف بنبرة حانقة وهي تصرخ بأوجه الجميع:

- تبًا لكن جميعًا لقد أوقعت أصعب الرجال بالمملكة، أنا من ارتبط باثنين من القادة "هيل هاوند" واحد منهما! ، بينما هي ارتبطت بأبنائهم!

- اصمتي يا حقيرة لقد ارتبطت بأربعة أصدقاء، أصدقاء يا امرأة! ولم يعلموا بالأمر، تبًا أبرهام يريد قتلي وأنتِ هنا تناقشيني بشأن فوزي، تقبلي الخسارة غزل.

صرخت بها جميلة بنبرة صارخة وهي تهتف بفخر بأمر تلاعبها بأربعة أصدقاء والذي كان السبب في الأساس لما حدث معها اليوم، لقد علم أبرهام بشأن رهانها عليه وقرر الزواج منها ليذيقها ألوان الجحيم، فكيف لامراة حقيرة مثلها أن تتلاعب به هكذا وتجعل صورته تهتز؟

_ أنا عايزة أعرف إزاي ارتبطتي بأربعة صحاب ومعرفوش؟!

قلتها بنبرة متحيرة من الأمر الذي كان يشغل تفكيري في ذلك الوقت إلى جميلة التي انضمت لنا من جديد وهي تعدل من موضع التاج الذي قامت فتاة بوضعه فوق رأسها، فضحكت ضحكة خفيفة مستمتعة قبل أن تقول بخبث:

- أنا بنت صافي المالكي، وهو كان وقتها عايش، أي حد بيرتبط بيا بيخاف يقول لحد علشان لو الموضوع وصل لبابا..

أخرجت صوت طرقعة من فمها لتكمل حديثها تزامنًا مع تمرير سيف كفها أمام رقبتها لترمي ناحية قتل أبيها الشاب الذي ترتبط به، فهذا الصافي كان معروف عنه إنه مختل ولا يخاف من أحد فهو بالفعل كان سيقتل الاثنين معًا.

__________________________𓂀

تابعت جميع النساء بالحفل بأعمارهن المختلفة وهن يرتدين وشاحًا طويلًا أبيض اللون ذو قلنسوة توضع فوق الرأس يشبه ذلك الخاص بذات الرداء الأحمر بعدما توقفت الموسيقى وحل صمت غريب ومريب بينهن مع بزوغ أول خيوط الشمس، بينما تحركت شهد وارتدت واحد وعادت تقف جانب غزل بهدوء تحت نظرات النساء المستنكرة وكأن الجميع اتفق أن فعلها غريب، أعطتني جميلة وشاحًا وهي تقول بنبرة هادئة يغلفها الحزن وكأنه شبح تلبسها وغير حالتها فجأة:

- هتيجي معانا المقابر ولا هترجعي مع نجمة وشفا؟

- لا هاجي.

قلتها بنبرة مؤكدة دون أن امنح حالي وقت للتفكير بعدما لاحظت اهتزاز بؤبؤا عين شهد على الرغم من أنني لا أفهم شيء، ارتديت الوشاح على عجل تزامنًا مع توديع نجمة لنا وعودتها للمنزل رفقة شفا التى ظهر في نظرتها رغبتها بالمجيء لكنها لن تدع نجمة بمفردها، وبالحديث عن عودة نجمة فهمت إن ربما نشاهد شمس في الطريق، وهذا الأمر لم يُريحني.

تحركنا لخارج المنزل وأنا أمسح تبرج عيوني بمحرمة مبللة بعدما هدى عقلي لوجود الرجال بالخارج، أنا لا أحب الخروج متبرجة، ظهر الُغبار أسفل قدمي من مشي فوق الأرض الرملية تجاه المكان المنشودة كسحابة ملبدة فوق بلدة قدمي، بينما شعرت بانخفاض حرارة جسد شهد من خلال ذراعها المعانق لخاصتي وكأنها تفعل هذا الشيء رغمًا عنها.

انتشرت عربات كثيرة أمام المكان المنشودة كل واحدة منهم تمتلئ بنوع مختلف من الزهور وكانت عربة الزهور السوداء أكثرهم جاذبية بالنسبة لي، تحركت شهد ناحية الزهور الزرقاء ثم زهرة عباد الشمس والزهور البيضاء وزهرة اللوتس، كانت تصطف السيارت تباعًا وظهر انخفاض مستوى الأزهار بهن عن باقي الأنواع، بينما أخذت غزل زهرة حمراء وأخرى سوداء وكذلك واحدة من اللوتس مثل جميلة.

علمت إن هذا اليوم يعتبر من عادات وتقاليد المملكة حيث يسير الجميع من القصر للمقابر وينثروا الزهور المحببة لقلب المتوفي فوق قبرة، شعرت بالذهول يحتل كياني من تلك المراسم الغريبة، أشعر إنهم دولة بالفعل، لها قوانينها وشعبها وعاداتها، دولة غريبة مكونة من الخارجين عن القانون!

دلفنا للداخل ناحية المدافن الخاصة بذي الديانة المسلمة الذين لا يعلمون شيئًا عن الإسلام، حيث إن المنطقة مقسمة لأربع مناطق على حسب ديانة الجميع، وقفت أراقب جميع شعب المملكة وهم يضعون الزهور فوق أحواض المتوفين، وتابعت يد شهد وهي تسقط الزهور داخل أحواض أمهات ليونار الثلاثة، شيرين، داليا، ودهب والتي تتابع قبورهن بينما شعرت بقلبي يهتز فوق ضلوعي وأنا أمرر نظراتي على شواهد قبور عائلة المُهيري حتى وقع بصري على اسم "سالم" وتاريخ الوفاة الذي يماثل مع باقي النساء.

تلفّت حولي أتابع تواريخ الوفاة المكتوبة على شواهد القبور العائدة لرجال المامبا حيث علمت هوايتهم من الأرقام والزهور السوداء اللاتي يتم وضعها بواسطة رجال المامبا وتوقفت عيني على "كوبرا" الجالسة فوق واحد من الشواهد والحزن يظهر على ملامحها.

- كلهم اتقتلوا في نفس اليوم، وده معادهم.

قالتها غزل بنبرة هادئة عندما لاحظت نظراتي المستفسرة ثم تحركت للخلف ناحية قبر عائلة "الزناتي" وهي تشرح لي ما حدث في ذلك اليوم بكلمات مقتضبة جعلت قلبي يبكي دماءً وأنا أتابع يد شهد التي أسقطت زهور النساء المفضلة داخل الأحواض البيضاء الممتلئة على آخرها بينما ابتلعت الغصة التي توقفت داخل حلقي جعلت أذني تحترق وعينان تدمع عندما تذكرت ذلك المقطع الخاص بليونار عندما كانت تشاهده شهد عندما نظرت لجبال الزهور الملونة في القبور الثلاثة.

ظهر ليونار الصغير في المقطع يمشي رفقة فارس فوق الأرض العشبية الخاصة بالحديقة ويبعثر نظراته حوله يبحث عن شيء، بينما يقبض على ثلاثة زهور بألوان مختلفة.

_ انا بقالي ثلاث سعات ماشي وراك يارب نخلص!

- وردة ماما شيري.

قالها ليونار بنبرة متذمرة بوجه محمر من الضيق وهو ينظر للأعلى ناحية هارون الذي كان يتبع خطاه ويصوره كل تلك المدة وهتف بحديثه بنبرة متهكمة بنفاذ صبر، بينما أخرج هارون صوت يدل عن السأم من فمه وهتف:

- ما الدنيا كلها ورد أهي خد واحدة.

- لا ماما دهب حب ورده صفرا، ماما نفرو حب ورده حمرا، ماما داليا حب ورده بيضا، ماما شيري حب ورده زرقا، أنا مش روح اديها وردة مش حبيها.

هتف بحديثه بنبرة متذمرة عالية من الإنفعال وهو ينظر له وكأنه يرى دب من العصور الوسطى، كيف له إن لا يفهم إن أمي شيرين تحب الزهور الزرقاء؟

ومع انتهاء جملته ركض ناحية الزهور المفترشة الأرض على بعد منهم وجلب زهرة زرقاء وعاد من جديد بوجه يتفصد من السعادة وهو يشير بتلاعب لهارون بالزهرة وهو يحرك لسانه ليغيظه قبل أن يركض للناحية الأخرى.

- أمي، عيد أم سعيد، أنا أحبك بشدة.

- أنا أيضًا أحبك بشدة.

أضافها فارس بفرنسية متعرجة وهو يعانق شيرين جانب ليونار الذي سبقه بحديث بنبرة صادقة وهو يعطي أمه شيرين الزهرة الزرقاء، ابتعدت عنهما شيرين وطالعتهما بنظرات حنونة بينما ترقرق الدمع بمقلتيها قبل أن تعانقهما من جديد تزامنًا مع انفجار السد أمام دموعها.

_ ليو مش بيجي، مجاش من يومها.

قالتها غزل بنبرة هادئة إليَّ لتخرجني من شرودي عندما لاحظت نظراتي المبعثرة على أوجه جميع الرجال لأبحث عن ليونار بدون وعي تزامنًا مع هبوط دمعة دافئة من مقلتي فوق وجنتي هبطت بسلاسة ويسر وأنا أتذكر حديثه يوم عُرس نجمة عندما هتف بأنه لا يستطيع سرد ما حدث معه دون بكاء، وأن روحه احترقت يوم رأس السنة ويرغب في أن يحيا من جديد رفقة "ليكاتا".

لماذا يؤلمني ألمك ليو؟

_ أنا مشوفتش حد بجح قدك، يعني مش مكفيك إن حبيب القلب قتله؟ لا وجاية تحطي وردة.

خرجت من شردي قالتها امرأة تبدو كبيرة السن إلى غزل وهي تلتقط الزهرة الحمراء التي تركتها غزل فوق القبر الذي خُط فوقه اسم "بشر الزناتي" لكن تاريخ الوفاة منذ سنوات قليلة، أي إنه لم يُقتل في الإبادة الجماعية يوم رأس السنة، لقد اخبرتني غزل من قبل إنه مات بجرعة زائدة من المخدرات الليلة التي تسبق يوم عرسها عليه.

- قولتلك مليون مرة إن ليونار لو كان عايز يقتله كان قتله في المواجهة.

- أنا ابني اتقتل غدر!

هدرت بها المرأة بنبرة جامدة قاطعة للنقاش ومؤكدة على رأيها بشأن قتل ليونار لابنها الوحيد، تعقيبًا على حديث غزل السابق الذي خرج بنبرة تحمل نفاذ الصبر واليأس الشديد دفاعًا عن ليونار.

حسنًا، أن يموت "بشر" قبل عُرسها عليها بساعات أمر غريب بالفعل، لكن هل فعلها ليونار بالفعل؟

_ مفيش حد خلص على رجالة العيلة غيرك يا بومة، نسل العيلة جف بسببك.

هتف بها "شمس الزناتي" بنبرة متهكمة وهو يقف جانب غزل من الناحية الأخرى ليقتل الجدال قبل أن ينشب من جديد حيث احتقن وجه غزل، بينما تشنج وجه أم بشر الموجه لها الحديث ورمقته بنبرة مستحقرة من أخمص قدمه حتى شعر رأسه قبل أن ترحل من أمامه، ومن داخلي أعلم إنها كادت تبصق في وجهه.

- متزعليش منها يا ملكة، كلمها منطقي برضو "بشر" كان زيي، مبدع! إزاي هيموت أوفر؟

قالها شمس بنبرة منبهرة بحاله وعيناه تضيء بشغف من عمله الخاص بابتكار مواد مخدرة الذي مرره لابن أخيه "بشر" ثم انحنى بجزعه العلوي التقط الزهرة الحمراء التي رمتها المرأة أسفل قدم غزل وهو يقول بنبرة هادئة:

- كان بيحبك اوي، مع إنك خونتيه!

أضافها بنبرة ساخرة وهو يطلق ضحكة خافتة بعدما وضع الزهرة فوق القبر وربت عليها بأصابعه، ثم حرك رقبته ببطء ناحية غزل حتى وقع بؤبؤاه عليها وهتف بنبرة واثقة وهو يثبت نظراته بعيونها بطريقة غريبة:

- قولتله كتير خد بالك من اثنين صحابك والستات بس هو مسمعش كلامي.

افترقت شفتيّ غزل عن بعضهما بينما تحجرت مقلتيها بتعبير ذهول، اضطرب تنفسها وظهر ذلك من خلال قفصها الصدري، ظهر وكأن مطرقة من الألم نزلت عليها بضربة رجل واحد، تغضن جبيني وأنا أحاول فهم ما يحدث، هل هددها بالقتل؟
تبًا، هل أثبت لها إن ليونار قتله؟

_ ما الذي تفعلينه يا ابنة الـ"" هنا؟ كيف يمكنك المجيء في ذلك اليوم بعدما تتسببت أمك في قتل ابني!

قالتها واحدة من النساء الكبيرات في السن حيث بدت في سن جدة شهد الموجه لها الحديث بعدما تقدمت كالعاصفة ناحيتها حيث موضع وقوفها أمام قبر أمها، بينما انتفضت شهد في وقفتها وهي تنظر المرأة بعيون زائغة أنفاس متقطعة قبل أن تهتف بنبرة مهتزة متلجلجة مثل باقي جسدها:

- أمي.. أمي لـ..لم تفعل شيء.

- ماذا؟! أمك من خانت زوجها مع القائد رع وتسببت في كل ذلك.

قالتها المرأة بنبرة غاضبة ظهرت من قسمات وجهها ذو التجاعيد والذي يوحي بلمسة جمال حقيقي في الماضي، بينما تتقدم منها وعلى عيونها نظرة مخيفة وكأنها ستقتلها.

_ ويحك يا امرأة!

هدر بها فارس الذي وقف أمام شهد كسد منيع ونظر للمرأة نظرة تنين غاضب على وشك نفخ نيرانه واحراق الجميع، بينما ظهر التردد على وجه المرأة وأعادت غرة شعرها الفضي خلف أذنها بتوتر ملحوظ قبل أن تهتف بلهفة:

- سمو الأمير..

- اصمتي يا امرأة، كيف لك إن تتحدثي هكذا مع أميرتك؟ لولا كبر سنك وحالتك النفسية لتعاملت معك بأسلوب لن يعجب أحد.

قاطعها بها فارس بنبرة حادة كالشفرة وهو يرمقها بنظرة نارية وكأنه يكبل حاله ويسب أخلاقه التي منعته في تعليم تلك الجدة درس.

- أقسم أن مست ألسنتكن خطيبتي من جديد، لأقطعنها أمام أنظار الجميع.

قالها فارس بنبرة أشبه عويل الأشجار في وسط عاصفة رملية لجميع النساء المتجمعات حوله بينما يركز نظراته الحارقة في عيون المرأة التي اخفضت بصرها في طاعة وولاء له، وقد بعثر نظراته على جميع النساء حوله الاتي لحقن بها بهدوء قبل أن يقفز فوق حافة الحوض المصنوعة من الخزف ويهدر بنبرة عالية مهددة وهو يشير ناحية قبر أمه شيرين:

- انظروا يا معشر شعب المملكة، تلك المرأة هي أمي، من حملتني، وضمتني واطعمتني وأقسم إن خاض أحدًا منكم في عرضها لأنحرن عنقه وأتحمم بدماءه، لم يرى أحدًا منكم ما الذي يفعله "حورس" ونصيحتي .. الأفضل أن لا تعلموا.

نظر له الجميع وحركوا رؤوسهم بالموافقة تزامنًا مع تقدم القيصر بوقار مهيب يرتدي ملابس تشبه الملوك قديمًا ويضع تاج ذهبي فوق رأسه بينما يقبع فوق كتفه "طائر عُقاب" والذي يكون من الطيور الجارحة، لقد شاهدته مع خوفو من قبل أول يوم لي بالقصر هنا، فقد أعطاه جاذبية ومهابة أكثر من ذي قبل.

- اشتقت إليكِ يا وطني.

هتف بها بنبرة خافتة وهو يضع زهرة عباد شمس فوق الحوض بعدما وضع قبلة هادئة فوقها، ثم أتجه بخطواته إلى منتصف الساحة وصعد فوق صخرة كبيرة بالمنتصف حيث مفترق قبور الديانات، أخرج خنجره من خلف ظهره، وضع قبله على أول نصله وشهره أمامه بتحية وهو يقول بنبرة عالية لا تخلى من الوقار:

- سلامي لكل روح وهبت حالها دفاعًا عن المملكة.

_ عاش الملك وعائلته، وعاش قائد الجيوش.

هتف بها واحد من القادة الذي يظهر عليه كبر السن وكأنه الأكبر بينهم، فرددها الجميع في صوت واحد متناغم خرجت برنين وقور وهم يشهرون بخناجرهم ناحية الموتى، فشعرت أنني في أحد العصور الوسطى وأقف أمام الملك بالفعل بينما ارتدي واحد من فساتين الأمِيرات المزركشة.

تبًا، احتاج لصفعة قوية حتى استفيق وأعلم أن هذا ليس حلم بل واقع وأنا أقف أمام أُناس من شعوب مختلفة، وأنني لم أدلف بالخطأ قرية منسية من القرن الماضي!

- حكيت لدهب عنك مبسوط إنك جيتي.

قالها قاسم بنبرة هادئة لي بعدما هبط من فوق الصخرة وتقدم مني بهدوء وهو يبتسم بسمة وقورة ينظر لي نظرة حانية تراقصت من عينه تحت نظرات الجميع المصوبة نحوي والتي شعرت بها وكأن سهام محترقة اخترقت جلدي.

- اشتريت ليكِ رواية علشان نقرأها مع بعض ونتناقش بس مش دلوقتي بقى في وقتها.

قالها بنفس نبرته الهادئة وهو يمشي بجانبي بعدما حثني على التحرك بينما تأبطت شهد ذراعي وهي ترمق فارس الذي يمشي جانب أبيه بطرف عينها وظهر إنها تكبت ضحكة داخلها بصعوبة ظهرت من خلال الحفرة بمنتصف وجنتها التي دلفت للداخل لتفتضح أمرها.

ماذا يعني بكلمة وقتها؟
تبًا ماليكا، ليس كل شيء يحتاج لتحليلات المحقق هبداوي، ربما ينتظر الوقت المناسب الذي سيفرغ من عمله به!

- جلالة الملك.

خرج هذا الصوت الصغير من خلفنا فتوقف قاسم واستدار ليقع بصره على طفلة تبدو في الثامنة ترتدي فستان أبيض رقيق بملامح غير مصرية بالكامل تبدأ بخصلات شعرها البنية المائلة للشقار وعيونها ذات اللون الأخضر الذي لن تستطيع معرفة هل هو أخضر أم لون آخر إلا بعد تدقيق.

- أحبك.

- أنا أيضًا أحبك صغيرتي.

قالها قاسم بنبرة حانية صادقة وهو يلتقط منها زهرة حمراء كانت تقبع بين أناملها، ثم نقل الطائر إلى كتف فارس قبل أن يمسك كفها وانحنى بكامل جزعه العلوي تقريبًا حتى يصل لكفها الرقيق الذي امسكه برفق بأنامله قبل أن يطبع قبلة فوقه، ثم خلع التاج عندما راقب نظراتها له ووضعه فوق رأسها، مما جعل عيونها تتوسع بسعادة قبل أن تركض لأمها بعدما وعدته بمحافظتها عليه.

- عايزين نعرف هي مشاعرها أبوية ولا هتبقى مرات أبويا في المستقبل.

قالها فارس بنبرة مازحة وهو يرمق شهد نظرة من طرف عينه كأنه يرمي بالحديث عليها رفقة الصغيرة، فضحك قاسم بخفة وهو يعيد الطائر من جديد لكتفه.

- الستات الطبيعية بتربي قطط، كلاب عصافير، دهب كانت حبت ده.

قالها قاسم بنبرة هادئة تمتزج بالمزاح لي بعدما رمقت الطائر بتوجس وكأنه سيغرس منقاره برأسي بعدما وقف قاسم جانبي من جديد لنتابع الخطي للمنزل، ثم بدأ يسرد عليَّ حُب دهب للصقور، ثم بعد ذلك حل النقاش بشأن الكتب والأدب والتاريخ الذي نتشارك في حبه معًا أثناء مشينا تجاه القصر من جديد.

أحببت لباقته وحديثه ونظرته الحانية الممتزجة بالفخر عندما أعبر عن علمي بالعديد من العلماء والمؤرخين، استمتعت في كل دقيقة بالطريق وأنا استمع لصوته ولباقته وحركات جسده المتناغمة، فأنا أمتلك داخل قلبي حب لذلك الرجل لا أعلم كيف تراكم داخل قلبي، جعلني أشعر بشعور غريب لم يحدث لي من قبل.

شعور أن يكون لديَّ أب؟!

_ ليو إنت كويس؟

قالها فارس بنبرة هادئة إلى ليونار عبر الهاتف حيث تحدث معه مكالمة من نوع "الفيديو" حيث تملأ صورته الشاشة فانتبهت له بكل ذرة داخلي لكنني لم أستطع رؤية الشاشة وحتى صوته لم يكن واضحًا بسبب الرياح وبُعد فارس عن موضعي نسبيًا، لكن فهمت من مضمون الحديث إنه ليس بخير.

- طيب نام كدا وأنا معاك، أقولك نكتة؟

قالها فارس بنبرة يختلط هدوئها برنة ضاحكة وكأنه يستشعر "النكتة" دخل رأسه ويتذوقها فوق لسانه، هندم ذقنه بأصابعه في تفكير طفيف قبل أن يفجر قنبلته بنا جمعيًا:

- مرة واحد خلف بنتين سمى واحدة لا أرى والثانية لا أسمع.

_ اقتلوهم قبل ما يتكاثروا!

قلتها بنبرة ساخرة إلى شهد بكل تلقائية بعدما اخترقت مزحته قلبي جعلت شفتي تتشنج حيث تذكرت ليونار عندما هتف بتلك الصاعقة في وجهي عندما خطف شمس الفتاة أمام نظراتي، بينما ارتفعت ضحكات ليونار التي خرجت عالية ووصلت لي من على ذلك البعد، لا أعلم هل يضحك على المزحة أم تذكر مثلي؟

- تقل الدم ده أكيد مني، ما مستحيل دهب تكون كدا!

قالها قاسم بنبرة ساخرة وهو يمسك رقبة فارس من الخلف ويضغط عليها بإصبعيه مما جعله يتأوه وهو يشنج كتفه ليتحرر من قبضته، ضحكنا بخفة عليه بينما ابتعد هو قليلًا حتى يبقى رفقة ليونار إلى أن ينام، لم يتحدث في شيء حيث لم يصلني صوته، فقد بقى يتنفس معه داخل الهاتف ليشعر الآخر بوجوده، بينما تثاقل الحزن داخل قلبي عندما شعرت بأنه حزين لسبب غير مبرر، فقدت الإتصال بالعالم وحديث قاسم وكأن وعي سُلب دون إرادة مني تجاه يد فارس التي تحمل الهاتف حتى وصلنا.

_ شـهـد.

هتف بها فارس بنبرة هادئة من خلفنا قبل أن ندلف للمنزل، استدارت شهد لتنظر له بعينان تقطر فضول منتظرة ما سيعرب عنه ليوقفنا بتلك الطريقة، بينما هو ابتسم بسمة خبيثة شقت نصف وجنته وهتف بنبرة متلاعبة:

- الخنجر المقبول لا يُرد ولا يستبل، من اللحظة اللي قبلتيه فيها بقيتي حَرم "حورس" المصون، بعدين المثل بيقولك أقلب القدرة على فُمها؟ تتجوز البنت ابن عمها.

ظهرت الحفرة بمنتصف وجنة شهد لتعبر عن كبتها لضحكتها قبل أن تعود لذراعي من جديد وتسحبني للداخل كالشاة بسبب سرعتها في المشي وكأنها تهرب من شبح وهمي لا يلحق بنا إلا في خيالها، لكنني شعرت بأنفاسها المتلاحقة وكفها الذي تحول لقطعة ثلج، بينما صدح صوت صفير متلاعب خرج من فم جميلة التي تبعتنا للداخل رفقة غزل.

- هتاخدي أوضة ليو ولا فارس؟

- فارس.

قالتها شهد بنبرة هادئة ردًا على حديث غزل بعدما صعدنا للأعلى حيث قررت الفتيات المبيت هنا بعيد عن القصر من أجل نجمة بينما ذهب فارس ونيلان لمبنى المامبا، تابعت شهد وهي تخرج ملابس من الغرفة المُلحقة بالغرفة قبل أن تدلف للمرحاض فقد كان عقلي مشوش وشارد.

هل أصبح ليو بخير؟

تبًا ماليكا، ما شأنك إذا كان بخير أم لا؟
إنه ليس ابنك الصغير!
إنه شاب في التاسعة والعشرون مُطلق ولديه وحش داخله يخرج على هيئة اضطراب الهاوية التفارقي ويقتل الجميع!

تبًا لك أيها الوغد المدبلج المختل، وتبًا لي ولحبي للبسكويت الذي رماني في ذلك الطريق الخطر، أنا كنت منذ قليل في مسيرة موتى خاصة برجال العصابات، العصابات!

- خدي البسي دول.

- هو في إيه؟ يعني أنام في أوضة راجل غريب وألبس هدومه! إنت شايفاني فتاة ليل؟ هاتي صاجات بقى.

قلتها بنبرة متهمكة تمتزج بالسخرية وأنا أنظر إلى ملابس فارس التي ألقتها جانبي على الفراش والتي تتكون من بنطال مصنوع من الصوف به مربعات مشعبة باللون الأحمر والازرق الداكن المائل للسواد، وسترة ثقيلة بنفس اللون ذات أزرار من المنتصف، فأنا بالأساس لم أكن أرغب في المبيت بذلك المنزل لكن الفتيات لم تدعني أعود ورفضن إعطائي سائق، والحظ الجيد: لا يوجد سيارات من الإنترنت تأتي لهنا لصطحبني للمنزل!

- أنا مش هروح أوضتي دلوقتي، والـ Maids أكيد نايمين، البسيهم أو روحي إنت، بعدين دي بيجامة ليو لسه ملبسهاش كان مخبيها مننا عند فارس، بتاعة فارس أهي.

قالتها بنبرة مستمتعة وهي تفتح المعطف الأزرق الثقيل الذي ترتديه فوق المنامة لتظهر المنامة المماثلة للتي تقبع بين أناملي فوق جسدها، تنهدت بعمق وسحبت المنامة ودلفت للمرحاض حتى أتحمم، وعندما انتهيت خرجت من جديد وجدت معطف مشابه لخاصتها فوق الفراش، ارتديته بهدوء عندما شعرت بلسعة البرد حيث إن تلك المنامة أخف من طبقات الملابس التي أرتديها في العادة.

- إنت مش قولتي إنها جديدة، برفيم ليونار بيعمل إيه فيها؟!

قلتها بنبرة مستنكرة عندما داعبت أنفي رائحة عطر ليونار المعتاد الذي انبعث من خلال قطن المعطف، فقالت شهد بنبرة باردة دون أن تعبأ حتى برفع الغطاء عن وجهها حيث تسطحت بالفراش:

- البيجامة بس اللي جديدة، الروب ده بتاع ليو عادي.

خلعت المعطف على الفور بعدما انتفض جسدي من كلمات شهد قبل أن القيه فوقها بقوة لم تعبأ بها كذلك، فنفخت وجنتي من الغيظ وصعدت للفراش من ناحيتها بعدما مررت من فوقها لأدهسها بجسدي وكأن شاحنة مرت من فوقها قبل أن استقر بمكاني، تدثرت جيدًا بالغطاء ونظرت لشهد التي تغمض عينها باستسلام تام للنوم بملامح منبسطة هادئة، شعرت بالراحة تسري داخلي حيث توقعت إنها ستحزن من كلمات المرأة على الرغم من أنني لا أفهم شيء.

- شهد إنتِ بتحبي فارس؟!

قلتها بنبرة متسائلة عندما استوعب عقلي ما حدث منذ ثواني وكأنني كنت تحت تأثير المخدر الخاص بالعملية الجراحية التي خرجت كنت أمر بها من تلك المراسم، حركت شهد رأسها بالموافقة دون أن تفتح عيونها النعسة قبل أن تتقلب للناحية الأخرى لتسقط في النوم بهذه البساطة!

تخبرني إنها تحب فارس وتتركني وتنام!

__________________________𓂀

في الصباح.

دلف خوفو البناية التي بها الروضة حيث تعمل ريحان بالداخل، توقف أمام الباب وهو ممسك بباقة من زهور التوليب الأبيض المفضل لريحان وصندوق صغير خاص بالهدايا باللون الأبيض، عدل من معطفه الطويل ذو اللون البني المُحترق الفاتح الذي يرتديه فوق السترة البيضاء الغامقة وبنطال بنفس اللون.

- أنا "محمد" جوز ريحان، ممكن أشوفها؟

قالها "خوفو" بنبرة هادئة دبلوماسية للمراة التي فتحت له الباب وهي تقطب جبينها بتساؤل وتثبت نظراتها بالزهور حيث ظنت إنه ضل طريقه على الرغم من اللوحة المكتوب فوقها اسم الروضة والمعلقة بالخارج، رحبت به المرأة بهدوء ثم اختفت بالداخل لثانية قبل أن تخرج له ريحان من الغرفة كنسمة هواء باردة وسط حر الصيف الحارق، بينما يقبض طفلين على تنورتها من كل ناحية.

- ووو كونج أُوناتِن وِتِّيتو .. ( وجهكِ توأم القمر ).

قالها خوفو بنبرة مازحة عاشقة وهو يبتسم بتساع عندما فتحت له ريحان ووقع بصره على هيئتها الجميلة حيث ترتدي تنورة باللون الأبيض بها بتلات باللون البنفسجي وسترة صوفية بنفس لون البتلات وخمار أبيض، بينما خجلت ريحان وأضاءت وجنتيها بحمرة الخجل عندما تذكرت لقائهم الأول.

- دُري .. دُري أيكا مَشكري يا آنسة اخت عبدالرحمن .. ( أشتاق إليك بشدة)

- مدام ريحان من فضلك.

قالتها ريحان بنبرة مازحة وهي تضحك وتضيق جفناها أثناء ذلك في حركة تلقائية منها تخرج مع الضحك تعقيبًا على حديث حبيبها الذي خرج بنبرة رخيمة ليجيب عن سؤال عينها بشأن ما يفعله هنا؟، حيث إنه كان معها أمس بمنزلها وقد بقى طوال النهار معها.

- إحنا عندنا banana day النهاردة. (يوم الموز)

قالتها ريحان بنبرة ضاحكة لخوفو وهي تشير ناحية المقص والأوراق الملونة ولاصق الشمع الموضوعين فوق الطاولة بعدما دلف معها لداخل الروضة وسلّم على جميع الأطفال ثم دلف معها الفصل الخاص بها، ثم استطردت من جديد بنبرة مشاكسة وكأنها حشرته في الزاوية:

- أنا هَكتّب "بودي" وإنت قص شوية لحد ما أخلص.

حرّك خوفو رأسه بالموافقة فأعطته ابتسامة سحقت خفقات قلبه قبل أن تجلس فوق المقعد جانب الطفل الذي يُدعى "بودي" ذو الثلاثة أعوام، أخرجت قلم رصاص ملتصق به قطعة بلاستيكية بها فراغين لمكان الإصبع حتى يتعود الطفل على طريقة إمساك القلم.

نظر خوفو للحائط خلفه الذي يكون باللون الأبيض المرتسم فوقه حتى نصف قدمه عُشب باللون الأخضر وتظهر شجرة بأجزاع بنية اللون يقف فوقها بومة باللون الأحمر وأخرى باللون الأزرق بينما تتناثر الحروف الأنجليزية حولهم وكأنها ثمار الشجرة، جلس فوق المقعد البلاستيكي الصغير للغاية ذو اللون الأحمر والذي يكون مقاس الأطفال، ولم يستطع كبت ضحكته على هيئته حيث إن المقعد يبدو وكأنه سينهار من أسفله.

وضعت ريحان القلم بين أصابع بودي وبدأت تشرح له وهي تبتسم باتساع حيث بدت وكأنها لاعب قانون يحرك أصابعه بسلاسة وتناغم فوق أوتار آلته في آخر حفل له قبل الإعتزال، بينما هام بها خوفو الذي أخرج هاتفه من جيبه وقام بالتقاط عدة صور لها حيث تظهر بها لمعة عيناها وابتسامتها النقية، كما يظهر من خلفها حائط آخر تظهر مجموعة حيوانات لطيفة مكونة من أسد، زرافة، فيل، وحمار وحشي مخطط باللون الأبيض والأسود، والذين رسمتهم بيديها مثل باقي الديكور الكامل للروضة.

- حط دي هنا وقص.

قالها "فريد بن ماهر" الذي يجلس على مقعد جانب خوفو ليقاطع شروده في ملامح ريحان عن طريق شرح له ما الذي يجب أن يفعله وهو يرمقه بنظرة متجهمة وكأنه خطف منه حبيبته، فضحك خوفو بخفة عندما تذكر إنه واحد من الاثنين الذان كانا يقبضا على تنورة ريحان بالخارج.

وضع خوفو مجسم الموزة الأصفر فوق اللوحة وقام بتمرير سن القلم الرصاص حول المجسم ليأخذ شكل الموزة التي صنعتها ريحان، ثم مرر المقص فوق الخط حتى تشكلت موزة أخرى متماثلة لخاصة ريحان، جلب فريد عينان مصنوعتان من البلاستيك ووضعهم أمام خوفو، بينما أمسك خوفو اللاصق ولصق العينين ثم رسم فم بالأسفل لتعبر عن موزة ضاحكة، وانهى عمله عن طريق لصق المجسم فوق عصا خشبية.

- كدا واحد، عشرين كمان بقى.

قالتها ريحان بنبرة ضاحكة أدت لتضيق عيناها بعدما صفقت لخوفو على مجسمه الناجح، سقط فك خوفو بصدمة وتصنع فقدان الوعي بطريقة مازحة أدت لارتفاع ضحكات ريحان عاليًا، بينما عاد لما يفعله من جديد ليكرر الأمر حتى يصنع الأشكال لباقي الصغار.

- إيه ده؟

- ده استيكر نجمة علشان إنت شاطر.

قالتها ريحان بتلقائية ضاحكة بعدما لصقت بجبهته لاصق على شكل نجمة جلبتها معها أثناء نهوضها، فارتفعت ضحكات خوفو عاليًا وهو يتلمس اللاصق فوق جبهته، بينما جلست ريحان بجانبه لتساعده في قص الموز، لكن جلس فريد بينهم بعدما زجر خوفو بنظرة غير راضية ثم طوق خصر ريحان بذراعه الصغيران.

- بيفكرني بريان عامل حظر تجول على فريدة، كل ما بابا هارون يقرب منها يعيط.

تمتم بها خوفو بنبرة هامسة مازحة إلى ريحان وهو يرمق فريد بطرف عينه، ثم ابتسم بسمة هادئة وأخرج بالون باللون الأزرق من جيبه، وضعه بين شفتيه ونفخه به حتى تضاعف حجمه، ثم اعطاه لفريد وهو يبتسم له بسمة مشجعة حيث قرر كسب قلبه، ولا يوجد أسهل من كسب قلب الأطفال.

- أنا مبسوط إني جيت وشفتك، ريحان بتتكلم عنك علطول، وأنا حبيتك من الكلام، ها قولي بقى إنت بتحب الموز؟

قالها خوفو بنبرة متسائلة إلى فريد بعد حديثه الذي خرج بتلقائية وهو يتذكر حديث ريحان لأمها عنه وعن باقي الأطفال عندما كان يذهب لمنزلها فهو حتى الآن لم تتسنى له فرصة الحديث معها بأرياحية بمفردهما ليعلم عنها أكثر، بينما انتبه فريد وحرك رأسه بالموافقة على حب الموز.

- بحب الموز وبحب البرتقال زي ليكا.

قالها فريد بنبرة هادئة أدت لسحب المزيد من الحديث من فمه بواسطة خوفو الذي التقط طرف الخيط حتى يتقرب منه، وبعدما انتهوا من صنع مجسمات الموز وزعها خوفو على جميع الصغار ثم خرجوا حتى يكملوا مراسم اليوم.

أمسكت ريحان هاتفها لتلتقط صور للصغار داخل المنطقة المزينة لليوم حيث تقبع طاولة ملونة صفراء خاصة بالصغار موضوع فوقها خلاط، وسلة مصنوعة من الخوص موضوع فوقها عدد من الموز الحقيقي تقبع كل واحدة داخل قماشة بيضاء شفافة وملتصق فوقها عيون، وبجانبها سلة أخرى من الموز، وعدد من عبوات الحليب الصغيرة، بينما بالخلف تم تزيين الحائط بقماشة شفافة باللون الأخضر الفاتح بطول الحائط وملتصق فوقها كلمة banana Day " مصنوعة من ورق" الفوم" اللامع باللون الأزرق، وبجانبها مجسم لموزة ترفع يديها بسعادة، ورود صفراء والمزيد من مجسمات الموز.

- أيرْ أَدّوِ  (إنتِ مُدهشة)

قالها خوفو بنبرة صادقة وهو ينظر إلى ريحان بعيون تشع انبهار بما تفعله مما جعل قلب ريحان يهوى من فوق جبل شاهق الأرتفاع حتى قتل من شدة خفقاته، بينما عدلت من موضع حجابها وتحركت ناحية الخلاط لتصنع للأطفال عصير "موز باللبن" كما المخطط لذلك اليوم وعندما انتهت وزعت العصير على جميع الأطفال.

- سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

قالتها ريحان بنبرة متغيرة مقاربة لنبرة الأطفال بواسطة الموزة الدمية التي ترتديها فوق كفها بعدما اختفت خلف مسرح الدمى الذي صنعته بنفسها لذلك، ردد الجميع السلام كاملًا وهم ينظروا بتحفز وشغف تجاه الموزة -كف ريحان- أثناء جلوسهم أمام المسرح.

- أنا اسمي "موزة" وجاية أقولكم أنا فوائدي إيه؟
عارفين أنا بحتوي على إيه؟ فيتامين c، بيعمل إيه فيتامين c ده يا ولاد؟
بيقوي المناعة، ولما مناعتنا بتبقى قوية إحنا كمان بنكون أقوياء ونقدر نحارب الأمراض زي البرد والإلتهابات.

قالتها ريحان بنبرة مسرحية بطريقة طفولية لطيفة حتى توصل المعلومات للأطفال وهي تحرك كفها مع الكلمات حتى توحي للأطفال أن الموزة هي التي تتحدث وليس هي.

_ أنا اتبسط جدًا في Banana day ده.

- المرة الجاية lemon day ابقى تعالى.

قالتها ريحان بنبرة ضاحكة خجولة وهي تمشي رفقة خوفو جانب كورنيش النيل حيث خرجت من الروضة للتو تعقيبًا على حديثه الذي خرج بنبرة صادقة وهو يتذكر ضحكتها وشرحها، وحب الأطفال لها ولعبها معهم بعد ذلك.

- عملك مفاجأة.

قالها خوفو بنبرة متحمسة وهو يمسك كف ريحان بأرياحية قبل أن يركض ويسحبها مما أدت الظهور ضحكتها فوق ثغرها لكنها لم ترتفع حتى وصل للبناية المنشودة ودلف لداخلها تحت نظرات ريحان المستفسرة وقد رد على نظراتها بتحريك يده بمعنى انتظري وهو يدلف بها للمصعد.

- إنت خايفة مني ليه؟ هو أنا من قطاع الطرق؟

- شكلك باد بوي الحقيقة.

قالتها ريحان بنبرة متذمرة وهي تبعثر نظراتها فوق صفحة وجهه الذي ينبض منه الخبث والوسامة، تعقيبًا على حديثه الذي خرج بنبرة ساخرة عندما لاحظ اضطراب معالمها وابتلاعها لريقها بتوتر، ارتفعت ضحكات خوفو عاليًا وهو يضرب كفيه ببعض بدون تصديق قبل أن يهتف بنبرة مازحة:

- وشي ده موديني في داهية، تصدقي بالله؟ أنا عمري ما سلمت على بنت بالإيد حتى.

ابتسمت ريحان بسعادة من ذلك الأمر وكأنها طاووس فرد ريشه الجميل وبدأ في الرقص تحت الأمطار، ثم هبطت معه من المصعد في الطابق الأخير ونظرت له وهو يخرج المفتاح من جيب معطفه، بينما تقدم من الباب المعلق فوقة طوق مصنوع من الزهور ومكتوب عليه بالخشب "مرحبًا بك في منزلك"

- أنا اشتريتها علشان عارف إنك مش عايزة تبعدي عن مامتك، نبقى نيجي نقعد فيها كل فترة.

قالها خوفو بنبرة هادئة وهو يضع المفتاح في القفل قبل أن يفتح الباب لتظهر الشقة الخاصة بهم أمام عيونها المضيئة بفعل الشمس المتعامدة على الشرفة بالواجهة، دلفت ريحان بسرور للشقة وبعثرت نظراتها على شكل الغرف الفارغة وهي تجول بها وتتخيل الأثاث الذي سيليق على كل ركن من مملكتها الخاصة، حتى دلفت للشرفة.

- كما يقول جدي المُهيري خلقت النساء لتدلل، فلكِ الدلال تمرتي.

قالها خوفو من خلفها حيث تنظر للنيل أمامها وهو يضع السلسلة التي يتدلى منها شكل قلب إنسان والتي جلبها لها من قبل على الرغم من علمه إنه لن يعطيها إياها، لكن ها هو يلبسها إياها بنفسه، وهي تنظر له بسعادة بعدما رزقه الله بحلمه كما وثق به في تحقيقة.

- عمرك مسكتي الأحلام ودوقتي طعمها؟

- هي الاحلام ليها طعم؟

قالتها ريحان بنبرة متسائلة تعقيبًا على حديثه الذي خرج بنبرة متسائلة وهو يجول بنظرته حول السلسال المتدلي من رقبتها ووجها الصافي الذي يشبه إشراق الشمس، حرك خوفو رأسه بالموافقة وهتف بنبرة دافئة:

- كنت بسأل السؤال ده كتير جوايا لحد ما اتجوزتك، دوقت طعم الإحلام يا ريحان.

- طيب غمض عينك.

قالتها ريحان بنبرة خجولة بينما تدرج وجهها بحمرة الخجل من حديثه، فقطب خوفو جبينه بعدم فهم لكنه أذعن لرغبتها في النهاية وأغلق عينه، بينما هي سحبت نفسيًا عميقًا قبل أن تهتف بنبرة هادئة خجولة:

- أيرْ شَورتَنقا بَيرَون إيِّيتو .. ( أنت الجِيد الذي سَلَبني روحي )

ضحك خوفو بسعادة تزامنًا مع صدوح صوت أذآن العصر، فردد الأذآن بخفوت ثم تحرك للداخل وجلب سجادة صلاة سوداء ذات خيوط ذهبية من قماش المخمل، كانت موضوعة فوق المقعد الخشبي حيث كان هنا رفقة عبدالرحمن وجلبها معه لإنه الأخير هو من سيتولى دهن الجدران رفقته، بينما اخرجت ريحان واحدة أخرى خاصة للصلاة خارج المنزل لا تخرج من حقيبتها وفرشتها فوق الأرض، ففرش خوفو التي معه خلف خاصتها لإنها مريحة أكثر لتصلي معه لأول مرة.

َوقفت ريحان خلف زوجها بقلب يرفرف من السعادة في تلك اللحظة حيث تمنت أن تتزوج برجل صالح تمشي معه في طريقها للجنة كما تذكرت حديثه معها بالأمس عندما قال:

- أنا عارف إني ممكن مش الشخص اللي إنت عايزاه، وعارف إنك كتيرة بس أنا مستعد أتعلم كل حاجة علشانك، اعتبريني طالب عندك وعلميني.

"الله أكبر"

قالها خوفو وهو يرفع يده جانب أذنه ليخرجها من شرودها لتلحق به وتُكبر تكبيرة الصلاة وتستمع لصوته الجميل الذي على الرغم من إن نبرته عادية وطريقة لفظة خفيفة وليست مجودة إلا إنها دلفت مباشرةً لقلبها، وعندما سجدت لم تجد شيء تدعو الله به فهي الآن تقبض على جميع أمنياتها بين أناملها، فرددت:

"اللهم لك الحمد والشكر على نعمتك وفضلك وتربيت قلبي برحمتك يا ذا الجلال والإكرام"

__________________ ︻╦デ╤━╼

لـن نغيـر شيئـًـا مـن الأمـس.
لكننـا نتمنـىٰ غـدًا صالحًـا للإقامـة.

- محمود درويش.

𝕒𝕟𝕦𝕓𝕚𝕤
≼ أنـوبـيـس ≽

مرحبًا من جديد.
هل اشتقتم لي؟
سحقًا، أنني لم آتي منذ مدة!
حسنًا، هل تعلمون ما الذي أشعر به؟
أنا سعيد!
هل تصدقوا ذلك؟!
أنا بين ذراعي أمي.
رقصة.. رقصة.. رقصة

شعرت بأنامل أمي الناعمة تمسح الدموع العالقة بين أهدابي ومن فوق وجنتي بعدما هدأت نوبة بكائي، لقد دخلت في نوبة بكاء أعنف من أمس، لقد تكرر الكابوس الذي أرى به أبي يُقتل واستيقظت فزعًا كالعادة مثل ما حدث معي في المكتب أمس رفقة ماليكا، لكن لم تداهمني نوبة هلع حيث استيقظت ووجدت أمي تضع رأسها فوق صدري أثناء نومها في عناق حقيقي لأول مرة، أعلم إنها من فعلت ذلك لقد سطحتها بجانبي بعدما ذهبت في النوم في الحديقة ثم جلست أنظر لها بتمعن قبل أن أهاتف فارس، لم أكن أشعر بخير فقد كنت أحتاجه بجانبي.

وقد كانت هي اللحظة الذي فاض بها الخزان وهبط ماؤه كالشلال حوله، لقد بكيت بكل ذرة حزن داخلي، بكيت حزنًا، ألمًا، اشتياقًا وحبًا، تداخلت مشاعري وتذكرت كل شيء حدث في الماضي، كل شيء كنت أريده منها وكل عناق لم أحصل عليه، بينما هي قلبت الوضع وضمتني بين ذراعيها وأخذت تربت عليَّ بحنان لطالما احترقت كي أحصل عليه وأسمعه.

لحني الخاص الذي يصدح بدقات قلب أمي جميل للغاية، كان سماعه حُلم جميل وتحول لحقيقة ساحرة.

- أنا آسفة.

- لا عليك أمي، أنا أحبك.

قُلتها بنبرة محشرجة ثقيلة بعد ثواني من حديث أمي الذي خرج بنبرة متهدجة بسبب الغصة المؤلمة التي تتوسط حلقها وأذنها حيث تمنع حالها من البكاء، بينما رفعت رأسي قليلًا لأنظر لقسمات وجهها الصارم الذي يظهر لي حنون للغاية، فوضعت قبلة حنونة فوق جبهتي شعرت بها وكأن صخرة من هرمون الدوبامين وقعت فوق رأسي من عُلو جبل شاهق وسحقتني من السعادة.

لا أعلم عن ماذا تعتذر أكثر؟ لكن لا يهم، الماضي يجب أن يظل في الماضي أنا الآن في الحاضر بين ذراعيّ أمي، وَسط أخوتي وفي حضن أبائي، سحقًا، لقد تذكرت أن عمي هارون فجّر القصيدة.

❞ باح يا باح ياعرق التفاح
يا أصابع اللولو الحلوين الملاح
اجا العصفور كسر الجرة وراح ❝

غنتها أمي بصوت خفيض محشرج وعلى الرغم من ذلك فإنه دلف لقلبي مباشرةً وكأنه سهم نط من قوس قائد رماة محترف، صوت أمي حنون للغاية يمر فوق أوتار قلبي مباشرةً.

❞ يلا تنام يلا تنام
واهديلك طير الحمام
روح ياحمام لا تصدق
نضحك عا ليو لينام  ❝

رفعت رأسي الثقيلة ببطء من فوق موضع قلب أمي وأنا أُغمض عيني حيث شعرت بالدوار ممتزج بشعاع من الصداع برق بالجزء الأيسر من رأسي حتى اعتدلت، أعادت أمي خصلات شعري الساقطة فوق عيني بكفها قبل أن تحيط وجنتي بكفيها وتطبع قبلة هادئة فوق عيني اليمنى ثم اليسرى، فأشرتُ لها ناحية وجنتي بمزاح حتى أشاكسها فبعثرت قبلتين على وجنتيَّ.

- هل ترغب في تكملة البكاء أيها القائد؟

- لا، لقد اكتفيت اليوم، ربما غدًا جلالة الملكة، لكن كيف يمكنني البكاء بين ذراعيكِ وأنتِ بعيدة عني؟

قلتها بنبرة مراوغة وأنا أنظر لها من خلال عيوني المشوشة حيث أثّرت الدموع على وضوح رؤيتي فصار كل شيء مشوش وكأنني أنظر من داخل المياه، تعقيبًا على حديثها الذي خرج بنبرة حنونة وهي تبعثر خصلات شعري برفق دافئ انبثق من كفها لقلبي، لأرمي بحديثي عن عودتها معي للمنزل.

- ماما عمي هارون مش السبب في قتل بابا، مش ذنبه خالص اللي حصل، لو حد السبب فهو جدي سياف الله يحرقه، وخلاص مات من زمان.

قلتها بنبرة هادئة وأنا أمسك كفها برفق لأجيب على وسوسات عقلها التي مازالت تعتقد إن عمي هارون السبب في قتل أبي، لذلك لا تريد العودة والبقاء أمام عينه؛ ليس لإن أمي شيرين كانت تحب عمي هذا يعطي الحق "لفرانسوا" بقتله هو عائلته، ما ذنب عمي؟

هو الذي خسر أخيه، حبيبته وابنه وكل شيء، المذنب الوحيد هو جدي سيّاف، إنه من أجبره على الطلاق، من أمر بقتل أمي، وهو من صرّح بإعلان عمي قاسم للملك دون الرجوع للجميع، لكنه توفى بعدما سافرت بشهر واحد من الحزن، لكنني رفضت العودة للدفن، لقد أخبرته أنني سأنسى وجوده وهو لم يصدقني، فلتذهب للجحيم جدي.

لا أعلم من أين أتيت بتلك القسوة؟ لكن قلب ليو لم يُصنع من القماش ليتم حياكة خرقاته بسبب الطعنات، قلب ليو لم يستطع مسامحة جدي على الرغم من مسامحته للجميع.

- القصر مؤلم ليو، لكنني سأفعل هذا من أجلك.

قالتها أمي بنبرة دافئة وهي تبتسم لي بسمة هادئة قبل أن تطبع قبلة سريعة فوق جبهتي، لقد حصلت على ستة قُبلات في عشرة دقائق، إنها بالفعل حبيبة أبي!

أنا لم أخبركم عن عدد القبلات والأحضان الذين كنت آخذهم من أبي، في أحد الأيام عددت ثلاثين قبلة في اليوم، حسنًا، ربما كان هذا الشيء الذي يجعلني أشعر أن أمي نفرتاري غريبة فالجميع كانوا يعاملوني وكأنني دمية لطيفة في يد فتاة لا تخرجها من بين ذراعيها.

- أنا هرجع القصر لكن مش هتطلق من الحاوي، الحاوي يعتبر عيني وسط القادة وأكيد مش هنخرجه منها.

- حسنًا، لا بأس إنه لم يحصل منك على ابتسامة حتى.

قلتها بنبرة هادئة وأنا أرفع كتفي للأعلى بعد حديثها الذي خرج بنبرة جدية قبل أن تنسحب للمرحاض، لقد وضع الحاوي كل خبرته من أجل تدريبي لأصبح أقوى قائد، أصبح هدفه الأساسي أن أصير الملك بعد زواجه من أمي، لإنه يحبها فقط.

- أمي، إذا لم يكن الحاوي قذر كنتي..

قلتها بنبرة متسائلة إلى أمي التي خرجت أمي من المرحاض وهي تجفف خصلاتها القصيرة بعدما تلاعب بي عقلي بشأن الأمر، أعلم أن الحاوي يحبها ويرغب في رضاها، إنه يمكنه ترك جميع النساء من أجلها لكنه وحش مفترس حقير.

- لا، كنا ممكن نكون أصدقاء مقربين، لكن مش متجوزين، بس أنا مستحيل أكون صديقة راجل في قذارة الحاوي، علشان أنا بكرهه وبكره كل الرجالة ماعدا إنت وسالم وبعض من إخواتك بس، بعدين أنا شاغلة الحاوي علشان مش وأخد مني مشاعر.

نهضت بتثاقل ودلفت للمرحاض بعدما استمعت بحديث أمي الذي أعلمه بالطبع، أمي ليست المرأة التي يمكن السيطرة عليها، إنها قوية وجامحة.

وقفت أسفل المياه الساخنة حتى أشعر بهمومي المتجمدة فوق كاهلي تذوب أسفل المياه وتجري تجاه البالوعة، أغمضت عيني لأرى صورة ماليكا وابتسامتها الساحرة أمام عيني، أرغب في الركض والصراخ في وجهها بنبرة حماسية بقول:

- لقد عادت أمي ماليكا، عادت!

لكنني أتردد في ذلك، لا أرغب في رؤية الشفقة بيعينها تجاهي هذه المرة، لا يمكنني سرد عليها الماضي الخاص بي، لكنها تحبني، أعلم إنها تحبُني.

طفقت كلمات الرسالة داخل عقلي بوضوح وسمعتها بصوتي داخل عقلي، أشعر بالتردد بشأن ما كتبت لها، لا أرغب في التخلي عنها لكن هناك شيء يدفعني لتقطيع الرسالة ثم سلخ ماليكا من حياتي، لكن هناك فكرة أخرى ترغب في الحرب من أجلها وتقطيع عامر أشلاءً.

لقد خُضت العديد من الحروب، أُصبت بالعديد من الندوب، كل حرب دخلت بها تمنيت أن لا أخرج منها حي، أن لا أنتصر، لكن في تلك الحرب على قلبك ماليكا أرغب في الفوز، الحياة، والحب.

ارتديت ملابسي وخرجت من الغرفة أبحث عن أمي حتى وجدتها تقف في المطبخ تعقد حاجبيها بتركيز شديد وهي تفرد شيء فوق قطعة خبز، ترتدي ملابسي التي تتكون من سترة وبنطال رياضي واسع لا أعلم بماذا ربطته حول خصرها ليكون على قياسها بسبب ضئالة حجمها بالنسبة لي، بينما تضع رابطة الشعر الحديدية التي تكون على شكل فراشة والتي أعطيتها لها من قبل عندما كنت صغير، أعلم إنها تحتفظ بها منذ ذلك اليوم، كما أعلم إنها لم تنتحر من أجلي.

شكرًا أمي إنك بقيتي من أجلي ولم تفعلي مثل ليلى المُهيري.

- كان المفروض يبقى قرد.

قالتها أمي بنبرة متوترة وهي تقضم شفتها السفلية وتضع الصحن الأبيض الذي يحتوي على قطعة خبز مربعة الشكل ومدهون فوقها كريمة الشكولاتة وشريحتين من الموز مقطوعتين من المنتصف حيث تضع كل نصف على طرف ليمثل الأذن وقطعة في مكان الفم الأنف، وحبتين من التوت لتمثل بؤبؤ العين.

- تقصدي إيه باختيار القرد مع إن الدب أسهل؟

قلتها بنبرة مراوغة وأنا أنظر لها بحاجب مرفوع بعدما نظرت لهاتفها المفتوح فوق الطاولة على صورة الشطيرة التي كانت تحاول تقلديها ونجحت إلا من طريقة فرد الشوكولاتة، بينما توجد شطيرة أخرى جانبها على شكل دب طريقتها أسهل في التنفيذ وأبسط.

- والله كل واحد أدرى بنفسه.

قالتها أمي بنبرة متهكمة وهي تعقد ساعداها أمامها بطريقة مازحة بعدما قلّبت عينيها بسخرية حيث ترمي بأنني أشبه القرود بالفعل، بينما أنا ضحكت بخفة وأمسكت الشطيرة التي صنعتها لي بحالها تحت عيونها الشغوفة حيث تنتظر ردة فعلي حتى قضمت قطعة منها وأخذت ألوكها ببطء.

حسنًا، إنها شطيرة شوكولاتة عادية لقد تناولتها العديد من المرات، لكن هذه طعمها مختلف، أشعر إنها الأفضل لأن أمي وضعت بها قلبها.

- أمي، أنا أرغب في مشاركتك شيء مهم.

قلتها بنبرة مترددة وأنا أثبت نظراتي بالصحن حيث سيطرت عليَّ تلك الفكرة منذ كنت أتحمم، وأنا أرغب في مشاركة هذا الشيء معها بدلًا من أبي وعمي هارون حتى أشعر لأول مرة بوجودها بالفعل، كما أن أنني أعلم داخلي بموافقة أمي على جنوني، كما أعلم تمام العلم إن أبي وعمي لن يوافقوا على هذا الشيء.

الحقيقة المؤكدة إن عمي هارون يغطي على جميع مصائبي التي حدثت بالفعل، لكن أمي تساعدني بها ثم تغطي عليها، لقد كانت أشبه بالجنية الرمادية الخاصة بي، لأن الجنية الطيبة لن تساعدني في تنفيذ مصائبي.

أتعلمون؟
في أحد المرات ذهبت إليها أنا وأخوتي الأوغاد كي تحضر لنا عقرب غير سام متعللين بمشروع وهمي بالمدرسة، لكن في الحقيقة كنا نرغب به من أجل وضعه في حقيبة آدم بن أوركا، لقد تحدث داغر بدلًا مني لأني فاشل في الكذب بشكل مروع، لكن لم يسلموا من لساني.

- هنعمل بيه مقلب.

هتفت بها بكل بساطة كعادتي بعدما نظرت لي أمي وهي تضيق عينيها بشك من السبب، أي مشروع يطلب  أطفال في التاسعة جلب عقرب غير سام؟

- الكدب غلط ماشي.

قالتها أمي لنا بنبرة هادئة قبل أن تغير دفة الحديث عندما دلف أبي للغرفة فجأة وهو يطرق على الباب بمزاح، وفي اليوم التالي وجدت العقرب داخل وعاء زجاجي بغرفتي!

سحقًا، أمي رائعة بالفعل!

______________ ︻╦デ╤━╼

خطوت بعقل شارد في حديقة منزلي بعدما أعطيت أمي عزة رسالة ماليكا وما صنعته لها لأنها ليست بالمنزل لتأخذ الطعام، وبالطبع لن أدلف لمطبخها عن طريق شرفتها ذات الحديد المتهالك من جديد حتى تعلم أنني من أبعث لها الرسائل، فقد أخبرتني غزل إنها تظن مراد من يبعث لها الرسائل.

مراد؟!
سحقًا، إنه حتى لا يستطيع البوح بكلمات جيدة بالعامية ما باله بالفصحى؟؟

لكن لا بأس، بالتأكيد لن تعتقد إن هناك لص صعد فوق مواسير المياه الخاصة بالمطبخ، أزال الحديد الثقيل حول النافذة ودلف لمنتصف مطبخها ووضع رسالته وعلبة بسكويت، سحقًا، إذا كنت أرغب في إصابتها بعقدة نفسية لم أكن لأفعل ذلك!

أين كان تفكيري وقتها؟!
لكن الجيد أن عقلي عاد لرأسي بعدما عاد من جولته بمشفى المجانين وصرت أضع لها الرسائل أمام باب المنزل.

فرّقت ذراعيَّ على مصراعيهما وأنا أهبط بجسدي قليلًا عن طريق ثني ركبتيّ عندما توقفت في الحديقة وركض صغيري "تميم" تجاهي وهو يكرر اسمي بسعادة تُذكرني بسعادتي عند عودة أبي من العمل، وصل إليَّ بقلب متلهف وأحاط رقبتي بذراعيه الصغيرين أثناء حملي له بعدما شددت ذراعي فوق جسده حتى أعتدل به.

- وحشتني اوي، عارف؟ بيجاد هيجي يعيش معانا هنا علطول.

- أوه! إن هذا أفضل خبر سمعته في حياتي، بعد كلمة "وحشتني" منك لأنها الأفضل.

قلتها بنبرة منبهرة بعدما توسعت مقلتاي بقوة تزامنًا مع فمي لأتصنع الحماس من جملته التي خرج بنبرة تشبه صوت الأمواج بالنسبة لي لكن أمواجه كانت مُغرقة لسفينتي المغامرة، سحقًا، إن هذا أسوأ خبر سمعته حتى الآن.

هل سوف أتحمل رؤية بدر بن صافي كل يوم؟!

سحقًا، كنت أعلم إنهم قادمين لا محالة بعد قتل صافي على يد واحد من أقوى قادة المملكة، وسيم، وجميل وبه جميع الصفات التي تتمناها أي فتاة، عدا ماليكا.

سحقًا لكِ قاسية الفؤاد، سحقًا لكِ.
كيف لكِ أن تفعلي هذا بقلبي الذي أحبك وتعلق بك وكأنك كل عَوض الحياة عن جميع من تم سلبهم أمام عيوني؟!

أنا أتألم ماليكا، هل يشعر قلبك بقلبي؟

حسنًا، لنعود لموضوعنا الأساسي، بعدما قُتل أخواي داغر وأكرم وعدم تزوج عمي صالح من جديد أصبح معروف أن بدر أو براء هو أبوفيس القادم بعد عمي، لذا يجب عليهما العودة للمنزل حتى يعتاد المامبا عليهما، ويقوم عمي صالح بتكملة تدريبهما لذلك المنصب.

- إيه رأيك في فيلم النهاردة؟

قلتها بنبرة متسائلة إلى تميم وأنا أفكر في سهرة مسائية رفقة الصغار، نرتدي ملابس خاصة بإحدى شخصيات الرسوم المتحركة، ناكل رقائق الذرة بينما يجلس تميم فوق قدمي ويسند ظهره فوق قفصي الصدري كما نفعل دائمًا، هلل تميم بصوت صاخب وأحاط رقبتي من جديد ليرد عن سؤالي بالموافقة.

- ليكا هتفرج معنا؟ أنا بحب ليكا اوي، لعبت معايا إمبارح كورة وكسبنا، جبت جول.

- أوه! أنت بطل بالفعل!

قلتها بنبرة غير مصدقة منبهرة كعادتي عندما يتحدث عن شيء يفعله مما أدى لتوسع بسمته بقوة قبل أن يرفع حاجبه ويفتح فمه قليلًا ليدل عن إنه تذكر شيئًا ما، قبل أن يهبط من بين ذراعيّ ويمسك كفي ويركض بي ناحية مبنى المامبا، فتبعته بهدوء وأنا أحاول مواكبة خطواته الصغيرة وعدم دعسه أسفل قدمي حتى دلف المبنى.

- اللي هينزل هعلقه يا شوية أوغاد.

قالها نيلان بنبرة صارخة وهو يمسك عصا غليظة ويهدد أخوتي المصطفين فوق بعضهم البعض فوق الأرض في تمرين يُدعى "plank" والذي هو عبارة عن الاستلقاء على البطن، ووضع الساعدين تحت الكتفين مع مد اليدين والجسم، وثني أصابع القدم ورفع الركبتين لجعل الجسم مستقيمًا، أي تركيز الجسم بالكامل على المرفقين وأصابع القدم في وضع أشبه بتمرين الضغط.

- أنا مكلتش حاجة والله.

قالها موسي بنبرة منتحبة وهو في موضعه والعرق يتصبب من وجهه حيث يمر بخطوط طولية بين قسمات ويهبط للأرض مثل الجميع بينما يرتعش مرفقاه وجسده حيث بدا إنهم هكذا منذ أكثر من ساعة، وقد هبط تركي الذي يقبع جانبه بجسده لكنه انتفض عائدًا من جديد عندما ضربه نيلان بالعصا فوق ظهره.

- أقسم بالله اللي هينزل تاني لأخليه يثبت "سكوات" ساعة ونص، اللي عايز يرحم نفسه يعترف، عايز أعرف مين الوغد اللي تجرأ وأكل الكيكة اللي شفا عملهالي وأنا سايب اسمي عليها؟

قالها نيلان بنبرة عالية منفعلة وعجلها بضربات متفرقة من عصا على أخوتي الذين صدحت صرخاتهم عاليًا، ليوضح الأمر لي، سحقًا، سوف يقتلهم من أجل كعكة.

- سلام عليكم، أنا عملت ليـ.. إيه ده في إيه؟

قالتها شفا بنبرة متسائلة وهي تنظر لأخوتي ونيلان بعينان متوسعتان بعدما بترت عبارتها السابقة حيث دلفت بغتة وهي تحمل طنجرة فخارية بقماشة مطبخ بينما يصدر منها صوت غليان، فصفق نيلان بكلا كفيه وهو يهتف بإنتهاء التمرين و ثم تقدم ناحية "موسى" الذي افترش الأرض مقررًا فقدان الوعي في تلك اللحظة وساعده في النهوض.

- ده أنا كنت بمرنهم، شطرين يا ولاد أنا فخور بيكم.

قالها نيلان بنبرة مهللة وهو يصفق لهم من جديد ويزجرهم بنظرته المخيفة من خلف ظهر "شفا" حتى لا يفتح أحد فمه للإعراب عن جلسة التعذيب الذي ذاقها على يديه، بينما قطبت شفا جبينها في تعبير دهشة قبل أن تترك الطنجرة فوق الطاولة وتقول بنبرة هادئة دون أن تنظر له:

- أنا عملتلك طاجن بامية.

- تسلم أيدك يا "شفا" تعبتي نفسك.

قالها نيلان بنبرة هادئة وهو يبتسم بسمة واسعة شعّت من عينه وهو ينظر للطنجرة الفخارية بهيام عاشق ظل طوال الليل يثبت نظره بالنجوم وهو يفكر بحبيبته، بينما هي انسحبت بهدوء بعد حديثها فقد أصبحت علاقتهم عبارة عن صنع طعام له.

- هي لقمة واحدة بس يا شوية أوغاد.

قالها نيلان بنبرة مهددة إلى أخوتي وهو يمسك رغيف خبز أحضرته شفا بعدما رفع الغطاء عن الطنجرة التي أصدرت صوت غليان الصلصة حيث يبدو إنها خرجت للتو من الفرن ويمسك رغيف خبز، بينما تقدم باقي أخوتي ليأكلوا معه وكأنه لم يكن يعذبهم منذ دقيقة.

- وحشتني، عملت إيه في الديت؟ محكتليش لسه.

قالها فارس بنبرة متسائلة وهو يضع لقمة من الطعام بفمي قبل أن يضمني بقوة كعادته، سحقًا، إن تلك الشفا طعامها جميل وساحر بالفعل، حسنًا، سوف أتخذها عدوة لي من تلك اللحظة، أنا أفضل طباخ!

لكن لنفكر في الجانب الجيد، نيلان لن يطلب مني صنع طعام في أي وقت بعد ذلك، فهو أدمن طعامها كما أدمنت صوت ماليكا.

صعدت رفقة تميم لغرفته بعدما أخبرت فارس أنني سأخبره ما حدث لاحقًا على الرغم من حماستي كي أصرخ بما حدث في وجهه، لقد عانقتني أمي، لكن لا يمكنني أن أجعل الصغير ينتظر أكثر من ذلك.

- غمض عينك، مش تغش!

- إنت الحرامي هنا!

قلتها بنبرة متذمرة وأنا أضع كفاي فوق عيني تعقيبًا على حديثه الذي خرج بنبرة شغوفة بينما تبرق عينه بوميض قوي، حيث إنه اللص هُنا، ففارس يعلمه ألعاب الحواة كما علمه أبي من قبل، لإنه أحب فكرة سرقتي من فارس.

سحقًا، لقد أصبحت حقل تحارب أخي وابني!

الشيء الجيد أن ابني اللطيف يعيد أشيائي المسروقة -التي أشعر به وهو يسرقها بالفعل- بعدما ينفذ خطته، بينما اتفاجئ بساعتي حول معصم فارس الذي حيث إن هوايته المفضلة تجربة خفة يده بجسدي.

- افتح عينك.

فتحت عيني بترو ليقع بصري على صورة رجل يرتدي زي بطل خارق بينما يرفرف وشاحه خلفه، مكتوب فوق صدر الزي العلوي "ليو الخارق"، فكبت ابتسامتي على الجملة وكذلك السروال الأحمر الذي يصل لركبة الرجل فوق الحِلة الزرقاء، بينما تعانق كفي امرأة ترتدي زي مثلي لكن ترتدي فستان أزرق بدلًا من السروال يصل لركبتيها ومكتوب اسم "ماليكا" فوق قفصها الصدري، حلق قلبي بشجن عندما شاهدت القلب في المنتصف.

- أوه، يا إلهي! إنها أفضل هدية حصلت عليها في حياتي.

قلتها بنبرة ملتهبة وأنا أنظر للصورة بانبهار قبل أن أضمه بقوة وأقبله قبلات متناثرة فوق وجهه وجبهته، أنا أذوب به، تميم يمثل هواء المكيف البارد عندما يلفح في وجهي ويرطب جسدي في يوم شديد الحرارة كان يود الفتك بجسدي وإذابته قبل أن يعانقني هواءه البارد.

- ليكا رسمت معايا.

قالها تميم بنبرة سعيدة وهو يتذكر مشاركة ماليكا رسم الصورة معه، بينما ارتفعت ضحكاتي حيث تذكرت أمر السروال الأحمر القصير والقلب بالتأكيد أصابتها ذبحة صدرية من رؤية القلب.

أتعلمين ماليكا؟
لم يكن ليؤثر بك القلب إذا لم تكن هناك مشاعر داخلك لي بالفعل، فقد شعرتي إن الرسمة تفضح خفقات قلبك لـ..القاتل.

عدت بنظراتي من جديد للصورة، إنه يرسمني دائمًا كبطل خارق، لهذا أخاف بشدة من ذلك الشيء، أنا لستُ أهل لأصبح مثل أعلى لطفل في الخامسة، أنا ملطخ بالوحل كمسخ يجلس بكهفه ينتظر المساء ليخرج للعلن حتى لا يرى أحد مدى بشاعة هيئته.

- هي ليكا هتبقى ماما جديدة؟

قالها تميم بنبرة هادئة متسائلة بينما تراقصت رغبة شديدة داخل عينه بتأكيد الأمر فهو يحبها بشدة، هي تلعب معه وتضمه فهي حنونة للغاية، أعلم أن ماليكا غير جديرة بتلك المهمة، لا يمكنها أن تصبح أم لطفل في الخامسة وتهتم به وبسلوكه ومذاكرته، إنها أقرب لصديقة أكثر من أم، وفي الواقع هو لديه سيرا وفريدة لهذا الدور ومع الوقت يمكنها تعلم ذلك.

- مش عارف، يارب.

قلتها بنبرة محشرجة وأنا أحمله فوق ذراعي، لا أستطيع إخباره بشيء لن يحدث أو تعليقه بخيوط واهية، لذا اخترت الحقيقة، أنا لا أعلم هل سوف أتزوج ماليكا بالفعل أم لا؟ لكنني عدت للدعاء من جديد، أخيرًا .. أخيرًا هتلر!

من هتلر؟
إنه واحد من رجال الحاوي، لقد كنا أصدقاء في فترة المراهقة، وهو من أخبرني أن أعود للدعاء، لكنني تجاهلت حديثه في السابق، وها أنا أعود لعادتي القديمة في التواصل مع الله بالدعاء من أجل الحصول على ماليكا!

"اليقين بالله هو أنك تدعي وتعرف إن الله سيرزقك ما تطلبه منه، وبرضو لو الحاجة دي لم تُرزق بها، تبقى متأكد إن الله لم يمنعها عنك إلا لخير، لإنه الله لن يرد عبد ابتهل إليه بالدعاء"

_ ليو هيفاء ولدت.

قالها "بكر" بنبرة متحمسة حيث قابلني في مفترق الطرق فسحبني من جديد للحاضر بعدما كان تفكيري يطوف بين جنبات غُرف الماضي ويستمع لنبرة "هتلر" الذي يمتلك نبرة صوت يمكنها إزالة الخوف من كياني وإحلال الطمأنينة داخل ثنايا قلبي، لكن هذه المرة ارتجف قلبي، أنا أرغب في ماليكا.

يا الله، أجعل وجود ماليكا في حياتي خيرًا لي.

رددتها داخلي وأنا أركض خلف بكر بعدما توسعت عيني بانبهار شديد من ولادة "هيفاء"، أنا أحب جميع الصغار حتى الحيوانات، وقد دلفت الغرفة رأيتهم جالسين في حضن أمهم الفاتنة بشكلها المميز الجميل الذي يشبه صاحبها.

- آيلا وموكا وبلانكو.

قالها "بكر" وهو يشير ناحية تباعًا ناحية القطة البيضاء، البنية ثم القط الأسود اللطيف، ابتسمت برضى عن اختيار الأسماء، بالطبع شهد من اختارت تلك الأسماء وإلا وجدت أسمائهم أكثر ثقالة، بينما تقربت منهم وداعبتهم بإصبعي بلطف، وحينها ابتسمت بحنين جارف لتلك الذكرى التي داعبت رأسي حيث كنت في الثامنة عندما وُلد "سيمبا" والد الأسد "سكار" فقد أعطاه لي عمي هارون وجعلني أُطلق عليه هذا الاسم.

- أنا كمان عايز حيوان بتاعي زي ليو.

هذا ما قاله أخي داغر في ذلك الوقت عندما علم بالأمر وقبل أن يرفض عمي صالح حتى لا يتحول منزله لحديقة حيوانات هتف أبي بنبرة هادئة:

- شوف عايز إيه وأنا أجيبه ليك.

وهنا كانت بداية اللعنة، لقد تحول المنزل إلى حديقة حيوانات بالفعل بعدما وافق أبي على ذلك، فالجميع أصبح يرغب في حيوانه الخاص لكن وضع عمي صالح قانون بحجم الحيوان الذي يتم تربيته في المنزل وهو أن لا يتعدى حجم الكلب، حيث كان أخي "يعقوب" يرغب في شراء فيل ليمتطيه بالحديقة.

سحقًا، لقد كان هذا اليوم كارثيًا، فقد امتنع يعقوب عن الطعام وزعم إنه يتعرض للظُلم بالمنزل لأن فارس حصل على "خيل" وأنا لدي أسد والاثنين حجمهما كبير وكان يخطط للهرب، لكن عمي صالح أخذه للحديقة وجعله يمتطي فيل طوال اليوم ثم عاد به للمنزل وجلب له نمر أبيض حيث يمكنه البقاء في القفص رفقة الأسود.

ماذا طلب أخي داغر؟
ثعبان مامبا بالطبع،فهو لن يطلب قط شيرازي مثلًا، كما أن جميع المامبا لديهم ثعابينهم الخاصة.

_ أنا عايزك تكلم بابا صالح في حوار كدا.

قالها بكر بنبرة هادئة وهو يبعثر نظراته في أنحاء الغرفة، فحولت نظراتي المستفسرة من فوق القطط حتى اتصلت بعينه بعدما شعرت بالفضول يحتل صدري.

- عايز أكون مع ليلة أساسي.

هتف بها بنبرة متوترة بعدما اذدرم ريقه بتردد، ليعبر عن رغبته في أن يصبح المامبا الحامي الدائم لليلة أخت عبدالرحمن، نعم، ليلة وريحان تحت حماية رجال المامبا لكنهما لا يمتلكا مامبا دائم ولائه لهما بل للملك فهما مراقبتان فقط.

- بصراحة البنت شبه غزل الحاوي بس نسخة تركي، وأنا مش حابب حد يفكر فيها بشكل مش لطيف علشان في النهاية هي مش من المملكة ومش بتمشي عليها القوانين.

قالها بكر مفسرًا رغبته في القسم بالولاء لها بعدما حركت رأسي للأعلى رغبة في سماع المزيد، فهو يطلب مني شيء يعتبر خرق للقوانين، ليلة ليست من المملكة، لكن عبدالرحمن لديه دين في رقبة عمي هارون وكانت هذه طريقة دفع دينه.

- بس هيكون صعب عليك لوحدك، هناك مفيش رجالة تساعدك وممكن متخدش بالك أو حاجة، إذا كان أنا ونيلان بنبدل مع رائف.

هتفت بها بنبرة هادئة أعرب عن ما يجول داخل عقلي عندما طال صمتي وبدأت تروس عقلي تعمل بكفاءة أعلى، فهو الآن سيذهب للعيش بمنطقة شعبية بمفرده دون مساعدة، وهذا صعب بالطبع فهو لن يتبادل مع رجل آخر من المامبا حتى يأخذ قسطًا من الراحة، وهذا شيء ليس معتادًا عليه لأن بكر مدلل العائلة الصغير.

- متقلقش، أنا فكرت في الموضوع كويس، ليلة مش غزل الحاوي، دي أخرها الساعة ١١ بليل وتكون في البيت مش هتهرب من على المواسير وتنزل، بعدين مش هبقى لوحدي لما أكون في البيت علشان اللي هيكون مع ريحان معايا.

- ياتي بطة، كبرتي وبقيتي بتحبي!

قلتها بنبرة تشبه الأم وهي تدلل صغارها وأنا أمسك وجنته بلطف متخطيًا حديثه السابق الذي هتف به بنبرة هادئة تتنافى مع نظرته المستجدية في إقناع عمي صالح بذلك، أو بالأحرى إقناع عمي هارون ليقنعه بذلك، فبكر مدلل عمي صالح بالطبع لن يتركه بهذه البساطة دون إحداث كارثة الأنفجار في وجوهنا.

- إيه العبث ده؟

قالها بكر بنبرة متهكمة وهو يدفع يدي بتقزز بعدما تشنج وجهه من ما أفعله أو أهتف به، وكأنه ينكر حبه لتلك الفتاة، حسنًا، إنه يحبها ولا يعلم ذلك، أو يرفض ذلك مثل ماليكا.

وعلى ذكر ماليكا تذكرت إن هذا الوقت المناسب لحرق دماءها لذا هبطت للأسفل حتى اُحضّر لها طعام الفطور، قررت تحضير فطائر "بانكيك" على الطريقة اليابانية فقط نشرت تلك القياسية صورة لها من قبل في رغبة منها لتجربتها، وقد صنعتها بالفعل ووضعت الثلاثة جانب بعضهم البعض داخل الصحن، قطعة صغيرة من الزبدة فوق كلًا منها، القليل من شراب القيقب وبعض ثمار التوت، وانهيت لوحتي الإبدَاعية بجملة شعر مقتبسة كتبتها بخط عربي متقن مصنوع من حبر الشكولاتة الذائبة.

وَمَلِيحٍ كالثُّريَّا..
           ‏لَيتَهُ إذ مرَّ حيَّا.
‏لَو بَدَا منهُ المحَيَّا
          ‏لم يَدَع بالحَيِّ حيَّا.

بعثرت نظراتي الراضية فوق الصحن ووضعت الأطباق فوق العربة الجرارة حيث صنعت لجميع النساء وإتجهت راكضًا ناحية منزلي الصغير المحتل من قِبل الشمطوات وحبيبتي، حسنًا إنها شمطاء ملونة تستحق الصفع على رقبتها من الخلف لغباءها، كيف لها أن لا ترى حبي؟!

"لا تسب حبيبتي أنو!"
تبًا لك ولحبيبتك، أصدق داخلي إن نزار قباني كتب لها تلك الأبيات.

أنا في الجحيم، وأنتِ لا
تدرين ماذا يعتريني
لن تفهمي معنى العذاب
بريشتي.. لن تفهميني
عمياء أنتِ .. ألم تري
قلبي تجمع في عيوني؟

متى تفهمين ماليكا النيران التي تتصاعد داخل قفصي الصدري؟

- مرحبًا يا شمطوات لقد حضّرت لكنّ فطور.

قلتها بنبرة متهكمة تحمل المرح عندما دلفت عليهن غرفة المعيشة بعدما حمحمت بخشونة قبل أن أدلف لثواني حيث لم أسمع إعتراض من أحد، وجدتهن يتسمرن أمام التلفاز يتابعن مسلسل كوري الجنسية بعيون ساهمة تكاد تُقطر حبًا، عدا غزل بالطبع فهي لا يعجبها إلا رجال مملكتنا الأقوياء.

- والله مكنش ليه لزوم يا أستاذ ليونار.

قالتها ماليكا بنبرة يحتلها المُزاح بعدما انتفضت من مجلسها وسحبت الصحن الخاص بها من بين أناملي وعادت لمكانها بالمنتصف من جديد بوجه يحتله السعادة من حصولها على الطعام، بينما وضعت الصحن أسفل ذقنها مباشرةً لتلتقط الطعام بالشوكة بآلية وهي تثبت عيونها على شريط الترجمة الذي يزول بسرعة البرق، سحقًا، لم ترى جملة الشعر!

- ما هو برضو مكنش ينفع تحب واحدة بتحب الأكل أكثر من أي حاجة في الحياة.

قالها فارس الذي جاء معي بالطبع من خلف ظهري بنبرة لاذعة من السخرية بعدما انحنى حتى اقترب من أذني ثم وضع الصحن في كف شهد التي مدت يدها فقط للحصول على خاصتها دون أن تكلف حالها عناء إبعاد نظرها عن التلفاز، بينما نهضت شفا لتلتقط صحنها بحماس.

- بقولك يا لينار، أنا عايزة أعمل وصفة أي حاجة تكون بتعتي، زي الكفتة الكدابة والبانية الكداب علشان انزلها واتشهر زي أنس.

قالتها شفا بنبرة متحمسة وهي تمسك بصحنها، فرمشت بأهدابي عدة مرات حتى استوعب حديثها وتجاهل حرف الواو في اسمي الذي نطقته بطريقة خاطئة قبل أن أحرك رأسي بالموافقة على حديثها، ما الذي يحدث بالطعام هل انتشرت عدوى الكذب به ؟!

_ لا أعلم لماذا تتعبي حالك قاسية الفؤاد، فقط اخبريني إنكِ ترغبي في الزواج مني.

قلتها بنبرة خبيثة مراوغة إلى ماليكا بعدما وقفت خلفها ووضعت رسمة تميم نصب عيونها مباشرةً لأحجب عنها الشاشة، انتفضت ماليكا في مجلسها كمن لدغتها حية قبل أن تلتفت بسرعة لي وتقول بنبرة متهكمة عقب استعادتها ثباتها:

- عارف لو الرجالة كلها انقرضت ومبقاش غيرك وغير القرود، أتجوز القرد وإنت لا!

- واحسرتاه يا قاسية الفؤاد واحسرتاه!

قلتها بنبرة درامية وأنا أحرك رأسي بأسى قبل أن أرفع يدي للأعلى وأُكمل الدور المحبب لقلبي بنبرة منتحبة:

- يا إلهي، لماذا خلقتني في ذلك العالم الملئ بقساة القلب مثلها!
كيف لها أن تكسر قلبي هكذا كل مرة دون هوادة؟!
لماذا من بين جميع النساء لا يقع حظي إلا مع أمنا الغولة هذه؟!

- أنا أمنا الغولة.

قالتها ماليكا بنبرة غاضبة وهي تلقي الوسادة الكبيرة في وجهي بعدما تلقفتها من فوق الأريكة بوجه مشتعل وخصلاتها تتراقص جانبها مما أوحى لي خيالي إن خصلاتها الغجرية تحولت لثعابين سامة ستغرز أسنانها في رقبتي وتبث سمها لدمائي، لكن غضبها انقشع بسرعة فورانه وعادت تجلس من جديد فوق الأريكة وتضع الصحن أسفل ذقنها حتى لا يقع الطعام فوق ثيابها لإنها لن تحيد بنظرها عن التلفاز.

- هل هذا جوربي؟!

قلتها بنبرة مستنكرة عندها رفعت ماليكا قدمها على طرف الطاولة الخشبية أمامها فظهر الجورب الخاص بي في قدمها والذي يكون أبيض اللون ومن الجانب مخزول شكل شبح من المفرش الأبيض، فقد اخترت الأشكال بنفسي لأنها صُنعت لأجلي.

- بيدفي اوي، أنا خدته وخدت اثنين كمان، اخصمهم من مرتبي.

قالتها ماليكا ببساطة دون أن تحيد بعيونها عن التلفاز، فأخرجت ضحكة ساخرة من فمي وأنا أراقب جواربي وجوارب أخواتي في أقدام الشمطوات اللاتي انضمت لهن واحدة أخيرة.

سحقًا، لم نتزوج بعد وأصبحت تسرق ثيابي!

_ليو.

خرجت من فم ماليكا بنبرة هادئة أوقفت خطوات قدمي وجعلت قلبي يخفق بوتيرة عالية وكأنه مفعل نووي ارتفعت حرارته ويوشك على الأنفجار حيث كنت أتجه بخطواتي للخارج من جديد، ثم سمعت خطوات ماليكا تجاهي لأنني تجمدت كالأبله وكأنني لا أصدق إنها نادتني حقًا بنبرة رقيقة تتمتزج بالحنان وإن هذا ليس عقلي.

- إنت فطرت؟

- نعم، أوه أتعلمين لقد صنعت أمي فطور لي، أقسم لكِ انظري.

قلتها بنبرة عالية من الحماس وغير مصدقة وأنا أتحسس بكلا كفاي جيوبي حتى أعلم أي واحد يحتوي على الهاتف قبل أن أخرجه بسرعة وأفتح القفل بواسطة وجهي، ضغطت على الصورة ووضعتها نصب عينها تزامنًا مع استعادة عقلي مهامه حيث كاد يتوقف بسبب السعادة وانقشعت ابتسامتي البلهاء عن وجهي.

بالتأكيد تظن أنني مدلل أو مثير للشفقة!

أختار أن أكون مدلل، يمكنني أُخرج قلبي وطبخه ولا أرى نظرة شفقة من عينيها، يجب أن ألجم لساني البغيض، مشكلتي كلها تمكن في لساني فأنا صريح لأقصى درجة حد البلاهة، يمكنني إفراغ مشاعري وذكرياتي بين كفاي حبيبتي كل يوم.

لا يمكنني إخفاء شيء داخلي، أنا أحب مشاركة من أحب كل شيء حتى دموعي، ألآمي وندوب روحي، لكن يجب أن أتوقف عن ذلك الشيء حتى لا اخسرها مثل الأولى.

- واو نفرتاري بتعمل سندويتشات على شكل قرود!

قالتها ماليكا بنبرة منبهرة وهي تنظر للصورة بحاجبان مرفوعان وفم شبه ساقط من المفاجأة، قبل أن تطلق ضحكة خافتة رقيقة ليس بها أي شفقة أو سخرية مني، إذن أنا لست مدلل أو مثير للشفقة.

- أتعلمين؟ لقد ذهبت مع أمي في موعد، صنعت لها بيتزا، ركبنا خيل، واخبرتني إنها لا تحب أحد بقدري و.. أوه! لا أصدق هذا، إنه أفضل يوم في حياتي، لقد بارزتني أمي !!

حسنًا، محاولة جيدة ليو في لجم لسانك!

صدح صوت أنوبيس الساخر داخل عقلي من حديثي الذي خرج بنبرة متحمسة صارخة في وجهها كبركان انفجر جانبها وحرقها بحممه.

- مبسوطة إن يومك كان حلو.

قالتها بنبرة هادئة وهي تعود من جديد ببساطة وكأنها لم تسرق قلبي من منتصف صدري معها، حسنًا، إنه يوم جميل للوقوع في حبك من جديد، والزواج منكِ ماليكا، لكن لا يمكنني الزواج منك لذا سأكتفي بحبك اليوم.

سحقًا لكِ أيتها اللصة الغجرية وسحقًا لقلبي.

______________ ︻╦デ╤━╼

عدت لمبنى المامبا من جديد حتى أطمئن على أمي فاطمة والتي تكون واحدة من مربياتي لأنها فقدت الوعي بالمطبخ، كذلك لأترك النساء بمفردهن حتى لا تذهب ماليكا أو تنكمش من وجودي، وصلت لغرفتها الممتلئة بإخوتي ونظرت لها حيث تبتسم بهدوء لهم والفخر يتفجر من مقلتيها من اهتمامهم بها، بينما تُعيد "جومانا" أرملة صافي المالكي الجاهز الخاص بقياس ضغط الدماء بعلبته الحديدية بعدما انتهت من فحصها حيث إنها طبيبة.

- بقولك يا دكتورة، أنا قلبي بيوجعني اوي ممكن تكشفي عليَّ.

قالها أخي تركي بنبرة متغزلة إلى "جومانا" وهو يضع كفه فوق قلبه ويتصنع الوهن حيث إنه لا يعلم إنها زوجة صافي، فهو يظنها طبيبة، لإن أحدًا لم يجرؤ على النظر لزوجات صافي اللاتي لا يظهرن إلا قليل للغاية، وهذا القليل لم يكن في وجود القادة، إذًا لا وجود لتركي في المكان.

- أنا اللي هكشفلك على قلبك.

قالتها "فريدة" بنبرة منفعلة وهي تلقي بخفها في وجهه وترمقه بنظرة محترقة بعدما نظرت له جومانا بقلق وبعثرت نظراتها على الرجال من حولها بخوف وكأنها غزالة دخلت قفص ملئ بالأسود، لكن الأسود الواقفة بالفعل لم يعر أحدهم بالًا لها فهم قلقين على أمهم الآن.

- إيه ده يا مرات عمي ٣٥! ده مقاس رجلك ولا رجل بنت أختك؟

قالها تركي بنبرة ساخرة وهو ينظر لمقاس الحذاء الذي تلقفه بيديه مما أدى لاحمرار وجنة فريدة نتج عن تفجر دماء الغضب به قبل أن تتحرك للخارج كالقذيفة، ركض تركي من الغرفة للأعلى لإنه علم إنها ربما ذهبت لتُحضر شيء ثقيل لتضربه به أو تُحضر وحشها الذي سينحر عنقه والمتمثل في عمي هارون.

عمي هارون! فريدة، سحقًا لقد عاد.

ركضت للخارج بعدما اطمأننت على أمي فاطمة حتى أبحث عن عمي هارون، وقد وجدته يرقص بالردهة بمفرده حيث إن جميع إخوتي مشغولين بأمهم، لكنه توقف عندما باغته بعناق قوي وضعت به كامل اشتياقي به وبأبي، شدد ذراعه حول جسدي بينما داعبت أنفي رائحة عطره المقرب لقلبي والذي لم يغيره حتى الآن.

- وحشتني.

قالها عمي هارون وهو يضع قبلة حنونة فوق جبهتي ثم عانق فارس الذي دلف لصدره كالصخرة بعدما ابتعد عني وفعل معه المثل، بينما نظر إلى إخوتي الذين خرجوا للردهة للتو وقال بنبرة مهللة:

- رقصوني يا عيال.

❞ رع رع رع رع رع
واخد مركب بجيوش .. جيوش
يحارب تعبان مروش .. مروش
رايحلو برجله في جحيمُــه .. جحيمه.  ❝

غناها "رائف" الممسك بميكروفون بيديه رفقة أحد أخوتي بينما رقص الجميع حول عمي هارون الذي تهللت أساريره وانتفخ صدره وهو يرقص بينهم كملك يجلس فوق عرشه حيث إن هذه الأغنية بمثابة النشيد الوطني له.

فلتذهب للجحيم تركي رفقة نساء العائلة لتخريبك قصة مركب الشمس عن طريق غنائها بتلك الكلمات السفيفة.

- هيه زوجة رع، كيف يمكنك فعل هذا بالصغير؟ إنه فقط كان يرغب في الكشف على قلبه.

كان هذا صوت هاديس الذي وصل إليَّ للأسفل حيث يتحدث مع فريدة التي تقف خارج غرفة تركي الذي حبس حاله داخلها، بسبب انقشاع الموسيقى تبعها توقف الجميع عن الرقص حيث طلب عمي صالح من جميع المامبا التجمع في الرواق لأمر مهم.

فتحرك الجميع ناحية الرواق ووقفت بجانب فارس الذي يظهر تعبير ساخر على وجهه أثناء تثبيت نظراته على بدر المالكي الذي تظهر بعض الكدمات البنفسجية على وجهه ويمشي جانبه أخيه براء.

- أنا آسف على اللي كان بيحصل زمان، أنا مش عايز يكون في خلافات بنا.

قالها بدر بنبرة هادئة تتنافى عن الغضب والسخط الذي ينبض داخله حيث بدى إنه مُرغم على إخراج تلك الكلمات من فمه، فكما تعلمون إننا كنا في عداء دائم منذ الصغر وإخواتي مازالوا يكرهونه ولم يرغب أحد في أن يصبح المامبا الحامي له حيث أخذ منصب أبيه صافي كقائد، فقط المامبا الحامي لصافي قبل قتله والذي يبلغ الثامنة والثلاثون قبل بتلك المهمة رفقة بعض الكبار، إذًا هو مقبل على الأربعين وهذا سن تقاعد المامبا من القادة حيث تنص القوانين.

⬤ في حاله تجاوز المامبا الحامي للقائد الأربعين عام، يتم تبديله بآخر أصغر سنًا ويعود من جديد للملك، ولكن يمكن للقائد رفض تبديله والإحتفاظ به.

بالتأكيد تحدث عمي صالح مع أحد إخوتي ليختاره لإنه يجب عليه ذلك، وسيوافق أخي بالطبع لكن لن يتوحد مع بدر، هذا أكثر شيء محبب لقلبي حاليًا، لا يوجد أسوأ من أن لا يتحد المامبا مع القائد، فحينها يصبح مجرد رجل حارس عادي بالنسبة له، حيث إن المامبا يتحول لجزء من القائد لدرجة شعوره إن قلبهما بنبض معًا، لكن الآن ذهب في مهب الرياح.

شمس فقط من يمتلك مامبا حامي غير متوحد معه، وبدر سيصبح الثاني، لم يكن عليه أن يقيم عداءً مع المامبا فهذا أكثر فعل غبي يقدم عليه أي رجل في المملكة، الجميع يرضي المامبا.

- أنا كمان آسف مع إني المفروض معتذرش دي حوارات قديمة بتاعة أطفال، وإحنا كلنا كنا بنضرب بعض.

قالها "براء" بنبرة هادئة صادقة وهو يبتسم بسمة رزينة، فأومأ الجميع برضى حقيقي ينم عن تقبل الأعتذار، فهم ليس لديهم مشكلة مع براء فنحن كنا أطفال بالفعل، لكن بدر هو الذي كان يبدأ بالضرب والتنمر على الجميع رفقة "آدم بن أوركا" حتى إنه جعل جميع من بالمدرسة يلقب أخي "بكر" بالغراب المشؤوم بسبب عيونه الجميلة، مما أدى لتدهور نفسية "بكر" بشدة في ذلك الوقت حيث كان عمره فقط ست سنوات أي في نصف عمر "بدر" وقتها.

حسنًا، أنا السبب في كل ذلك، لولا شجراتي معهم لما تدخل أحد من إخوتي وذاقوا من سم الأفعى، آسف إخوتي.

- بما إني هعيش معاك هنا، فأنا بجدد عرضي على حوار الدكتورة.

قالها براء بنبرة مراوغة وابتسامة متلاعبة تتراقص فوق شفتيه بعدما وقف بجانبي ليرمي بحديثه على الطبيبة النفسية التي سيسمع معها معاناتي مع أمي، بينما كان يعرض عمي صالح أمر اختيار أحد المامبا لبدر بعدما أعتذر.

- أقسم أنني حتى الآن أحاول استيعاب فكرة إنك ستصبح صديقي المقرب في المستقبل، كيف يمكنني تحمل ذلك؟!

هتفت بها بنبرة ساخرة غير مصدقة لأعبر عن ما يحول داخل عقلي حيث إنه سيصبح أبوفيس بالفعل وأنا الملك لذا يجب أن أشاركه كل شيء، نحن من المفترض أن نصبح مثل عمي صالح وعمي قاسم، سحقًا.

- بصراحة معنديش مشكلة معاك يا ليونار بس بحب انكشك.

- مرحبًا بعودة الأفعى لعُشها.

قلتها بنبرة مازحة وأنا أربت بكفي فوق كتفه ترحيبًا بعودته تعقيبًا على حديثه الذي خرج بنبرة مشاكسة، بينما هو أعطاني ابتسامة هادئة لتبدأ أول محادثة ودّية بيننا، ربما كان يرغب في مصادقتنا في الماضي لكنه لم يستطع أخذ الخطوة مثل "بشر بن شمس".

ابتعلت الغصة داخل حلقي عندما تذكرت أمر "بشر"، مازل الأمر طعمه مُر على طرف لساني، ليتني انتزع كل الذنب الذي يثقل كاهلي وألقي به في البحر، سحقًا لكِ غزل.

تم سحبي من ظلمات عقلي عندما دلفت "كاميليا" زوجة هاديس تطرق الأرض بكعب حذائها العالي أثناء مشيها بشموخ حتى جلست بوقار أمام عمي صالح، فانتبهت للأمر حتى استمع للحديث.

- أرغب في مقابلة موسى لأعرف ما الذي فعلته له ليقرر تركي قيصر.

قالتها كاميليا بنبرة قوية وهي تثبت نظراتها بعمي قاسم حيث إن عمي صالح سحب موسى منها وبدّله بمامبا آخر أمس، لإنه لم ينسى تجاوزه معها وكان ينتظر الوقت المناسب ليسحبه منها حتى لا يشُك هاديس في الأمر بعدما ضربه قبل أشهر.

- في الواقع تركه لكِ لم يكن بسببك هو فقط أراد العودة للبلاد رفقة إخوته.

_ أبوفيس، بلا هُراء، أنا أفهم كل شيء و أعلم إنك جبرته على ذلك بعدما حدث بينه وبين تركي، عندما علمت بشأن المشاعر التي يكنها لصغيرتي "فدا"

أضافها هاديس الذي إنضم لهم بنبرة حانقة وهو يقلّب عينه بملل تعقيبًا على حديث عمي صالح الذي خرج بنبرة واثقة مفسرًا سبب ترك موسى لها بعدما تبادل النظرات مع عمي قاسم بوجه لا يظهر له تعبير أجاد في تلبيسه لقسامته التي كانت ستصبح مندهشة، حيث إنه لم يتوقع أن تأتي من أجله.

- إذا أنت تعلم، وتعلم كذلك القوانين.

- نعم أعلم، لقد رأيته ينظر لها خلسة عدة مرات،  وتبًا للقوانين أبوفيس، صغيرتي تخاف من الجميع سواه حتى أنا، ليس لدي مانع في زواجهم إذا أرادت ذلك فهي لا تعلم شيء عن المملكة، لكن فتاتي مازالت صغيرة، عليه فقط أن يفعل شيء ما غير الاحمرار خجلًا ليتبين حقيقة مشاعرها تجاهه هل هي حب أم أخوة؟!

قالها هاديس بنبرة متهكمة وهو يحرك يديه بطريقة عصبية حيث بدا إن الأمر يحرقه من الداخل عند ذِكر أمر خوف ابنته منه، حيث إن تلك الفتاة "فدا" لا تتعامل مع أحد سوى موسى ولا تخرج من المنزل إلا رفقته، والذي حدث بالتأكيد أثّر عليها بشكل سيئ، يمكنني تخيلها تجلس بغرفتها متكورة على حالها تخاف الخطي خطوة واحدة خارج غرفتها، لهذا وجود كاميليا أمها لم يعد يثير الدهشة.

_ ما هي حقيقة مشاعرك تجاه موسى كاميليا.

- ماذا تقصد أبوفيس؟

قالتها كاميليا بنبرة متهكمة وهي ترمقة نظرة نمر يتابع غزالته قبل الإنقضاض عليها بعد حديثه المباغت الذي خرج بنبرة متشككة بعدما نهض هاديس ليتحدث مع موسى في الأعلى حيث سمح عمي صالح له بذلك، فهذا هو السبب الأساسي الذي جعله يسحب موسى منها، فهو يشك بأخلاقها فهي من دفعت حالها عليه، فقد كانت تهبط مساءً من غرفتها لتصنع له طعام.

- كنتي تتحدثين معه، تنظرين له كثيرًا، تصنعين له الحلوى، تحاولين التقرب منه بشتى الطرق حتى أذعن لكِ، سحقًا يا امرأة، إذا لم يكن موسى لوقع في غرامك، ما الذي تحاولي فعله؟

- تبًا لك يا حقير، ما الذي تقوله هل تشك بشرفي يا هذا؟!

قالتها كاميليا بنبرة غاضبة عالية وهي تنتفض واقفة من مجلسها بتحفز في نية منها لجلب زوجها واشعال الجميع، تعقيبًا على حديث عمي صالح الذي خرج بنبرة جامدة غير راضية عن أفعالها بابنه، فتدخل عمي قاسم قائلًا بنبرة هادئة وهو يفرد كفه أمامه ليشير لها حتى تهدأ:

- هو فقط يسألك ليطمئن على موسى كاميليا، أنتِ خرقتي القوانين، نحن سحبنا موسى من أجلكِ وليس من أجل ابنتك، تعلمين جنون زوجك نحن لا نعلم أي شخصية منه ستظهر إذا رأى تعاملك الرقيق معه.

- إنه فقط يُذكرني بابني قيصر، يمتلك عينيه ونبرة صوته الحنونة.

قالتها كاميليا بنبرة هادئة وهي تعود لمجلسها بعدما فسّر لها عمي قاسم الأمر وأعرب عن الحقيقة فهاديس لديه شخصيتان إذا سامحته واحدة ربما لن تفعل ذلك الأخرى، بينما مرت لمحة حنين وحزن لمقلتيها أدت لإرتعاش شفتيها لثانية تنذر البكاء القريب بسبب اشتياقها لابنها "منذر الجندي" الذي تركته بكامل إرادتها قبل أن تتماسك من جديد وتعتدل في جلستها بشموخ.

انفلت ضحكة من فم عبد الرحمن الذي يجلس بجانبي عالجها بنوبة سُعال حتى لا يلفت النظر له، التقطت كوب الماء من أمامي وناولته إياه وأنا أهمس له بنبرة خافتة:

- هتودينا في داهية، عينك منزلتش من عليها من وقت ما دخلت، هتتفهم غلط.

- أصلها شبه "منذر" اوي، بعدين بتقولك نبرة الحنونة، ده عليه واحدة يا جــابـر بترعبني أنا شخصيًا.

قالها عبدالرحمن بنبرة مازحة وهو يقلد نبرة صوت منذر الجندي المرعبة عندما ينادي على العسكري بالخارج حيث إنهما أصبحا أصدقاء منذ سنوات بعدما حاول إنقاذ خالته من الخطف، نعم، المرأة التي كان يخطفها شمس والتي تسبب بجلبه إلى هنا اسمها "كريمان الجندي" وابنها هو كريم.

ماذا حدث؟
ليس الآن، فجراب الحاوي لديه المزيد من الأسرار لكنني منهك على الغوص في بحور الماضي والغرق به من جديد.

عاد هاديس من جديد بوجه هادئ مبتسم وكأنه نجح في إقناع موسى للتقرب من ابنته، شعرت بمرفق فارس الذي يجلس بجانبي في الناحية الأخرى يخترق كبدي بكل بساطة، فنظرت له بطرف عيني حتى أعلم ما الذي يستدعي خسارتي لكبدي لكن عندما وقع بصري على عمي هارون الذي ينظر لهاديس بملامح تهتف "ليتك كنت ذكر بط" أدت لارتفاع ضحكاتي.

إنه يوافق على تقرب فارس من شهد بعدما يهددنا جميعًا بالقتل إذا حدث شيء لا يعجبه، وهذا فقط حتى لا تتزوج رجل من خارج المملكة وتذهب معه، هذا إذا كان شخص جيد بالفعل.

_ الحقيقة هاديس إنني ظننت زوجتك تكن مشاعر لموسى، لكنها تعامله كَابن لها بسبب اشتياقها لخاصتها، هو أيضًا يكن لها مشاعر أمومه فأنت تعلم إن دهب قتلت وهو في سن السابعة، هذا كل الأمر، لن أدع موسى يتخطى حدوده معاها ثانيًا، هو أكثر أبنائي أخلاقًا لهذا اخترته لزوجتك خصيصًا، فلا تقلق.

قالها صالح بنبرة هادئة ليسرد حقيقة الأمر بأكمله وهو يتفرس ملامح هاديس ليبحث عن أي رسالة تنم عن الضيق أو الغضب، حيث ارتاح باله وهدأت ثورة أفكاره بعدما تأكد من مشاعر "كامليا" التي لم تكن سوى أم ترى به ابنها الذي تركته ولتخدر إحساس الذنب الذي يقبض على عنقها به.

- أقلق مِن مَن؟ موسى! إنه لا يفعل شيء سوى الاحمرار خجلًا، تبًا يا رجل إنه أكثر رقة من فتياتي، أنا أثق به أكثر مني شخصيًا أبوفيس، حقاً لا أدري كيف هذا صديق الوغد تركي.

قالها هاديس بنبرة غير مصدقة بعدما انتفض من مجلسه وضحك بصخب على ظن عمي صالح بموسى، ليبعد الهواجس عن ذهن عمي صالح الذي انبسطت معالم وجهه على الفور من حديث هاديس بشأن ثقته بموسى أكثر من حاله، بينما سقط فك موسى الذي يتابع الحوار من بعيد عندما لفحت وجهه كلمة "ارق من فتياتي"

- بمناسبة الحديث عن الصغير إن زوجتك تقتله "رع" لإنه كان يتغزل بتلك الحورية، أوه! يا ربي الرحيم لا أصدق إن كل هذا الجمال تعذب بين يد هذا الوغد يورمونغاند. (صافي)

- قالوا: أَبُو فَصَادَه بيعجن القِشطة بِرِجلِيه. قال: كان يبان عَلَى عراقيبه.

قالتها كاميليا بنبرة خافتة ساخرة بعدما حركت فمها يمنى ويسرى بطريقة شعبية هازلة تعقيبًا على حديث هاديس الذي خرج بنبرة غير مصدقة بعدما تذكر أمر تركي و"جومانا" التي يعلم الجميع بالفعل إنها مرت بالجحيم الدنيوي أثناء فترة زواجها من صافي، حيث إنه لا يختلف شيء عن صافي بالنسبة لها.

- تبًا يا امرأة، هل سببتني للتو، ماذا تقصدي بعقروبه؟

- أقصد إنك الزوج الأكثر حنانًا "رِك"، فلا يوجد زوج يكون رومانسي أكثر منك وهو يصالح زوجته بعدما يُبرحها ضربًا.

قالتها بنبرة ساخرة وهي تبتسم بسمة مقيتة تعقيبًا على حديثه الذي خرج بنبرة غير مصدقة وهو يضيق عينه في تفكير عميق لمحاولة فهم مثلها الشعبي الذي ترمي بحديثها عليه بعدما صدحت ضحكات الجميع عقب حديثها المفاجئ الذي خرج بطريقة شعبية تتنافى مع مظهرها.

- تبًا لكِ كامي، هذا ليس أنا، إنه هاديس، أنتِ تعلمين كم أحبك يا امرأة.

قالها هاديس بنبرة هادئة وهو ينظر لها ببراءة في محاولة منه لمراضاتها، لكنها ابتسمت بسمة جانبية تراقص بها البرود رفقة السخرية ردًا على حديثه، فنهض من مجلسه وجلس على ركبتيه أمامها وأمسك كفها بحنان ممتزج بالرجاء وَسط نظرات الجميع الذاهلة من فعلته.

- فليذهب هاديس الذي أغضبك للجحيم حبيبتي.

- حسنًا هاديس لا بأس لست غاضبة، انهض من مكانك الجميع يشاهد.

قالتها كاميليا بنبرة متوترة من نظرات الجميع بسبب ما يفعله هذا الأبله تعقيبًا على حديث هاديس الذي خرج بنبرة حزينة وهو ينظر لها بعينان تقطر ألمًا، فهو يحبها بالفعل، فهتف هاديس بنبرة حانقة:

- تبًا للجميع كامي .. عدا قيصر.

اضافها مسرعًا عندما وقع بصره على عمي قاسم قبل أن ينهض من فوق الأرض ويمسك كفها حتى يذهب من القصر ويوصلها لمنزله، فهو لا يحب جلبها للمملكة أثناء وجود القادة، لإنه يغار عليها.

أتعلمون إن كاميليا المرأة الوحيدة التي لم يستطع هاديس قتلها؟

كاميليا كانت واحدة من النساء اللاتي يتربص بهن هاديس ليقتلهن لكن عندما تزوجها وقع لها "ريكاردو" والذي يكون شخصية هاديس الحقيقية مما أدى لاستمرار زواجها به حتى هذه اللحظة، لكنها لم تسلم من أذى هاديس بالطبع.

اعطت كاميليا ابتسامة هادئة إلى موسى وهي تمر من أمامه، فضحك بخفة وهو يتابع طيفها قبل أن تختفي من أمامه بوجه منبسط متورد وكأن روحه عادت له من جديد، بينما طفقت داخل عقلي ذكرى ملتهبة وكأنها خرجت من قعر الجحيم، جحيم ذكرياتي المؤلمة التي ردمت نارها داخل حفرة عقلي حتى لا أتذكرها، لكن من الواضح إن النيران لا تخمد وتبقى الستنها تلوح لي بغنج وهي تتراقص بمرح حتى تلتهمني داخلها.
سحقًا، لا يمكنني مواجهة ذلك!

______________ ︻╦デ╤━╼

ركضت بكل سرعتي أسبق الرياح من مبنى المامبا للقصر خلف فارس الذي يركض بجانبي ممسك يدي، لكن هذه المرة لم يسحلني كما يفعل فأنا لدي الرغبة العارمة في الوصول بأقصى سرعتي، لقد بعث لي أحد إخوتي من المامبا رسالة يخبرني بها إن القائد "هيل هاوند" يضع رأس شمس أسفل قدمه بينما يوجه خنجره لعنقه وأنا لا أرغب في تفويت فرصة رؤية رأس شمس مقطوعة.

سحقًا، هذا أفضل مشهد يمكن أن يراه أحد في حياته.

- للمرة الأخير هيل هاوند أبعد ذلك الخنجر من على رقبة ست وانهض عنه.

قالها عمي قاسم بنبرة جامدة تحمل التهديد بين طياتها تزامنًا مع اقترب المامبا القريب من عمي ناحيته، فنظر القائد "هيل هاوند" من خلال خصلات شعره الأشقر المتساقط فوق عينه إلى المامبا بملامح غاضبة توشم على وجهه الأبيض الذي تتخلله حمرة الغضب قبل أن ينهض على مضض، بينما أنا وقفت ألهث بصوت مسموع وصدري يعلو ويهبط بعنف.

سحقًا! لقد ركضت من مبنى المامبا إلى هنا في أقل من ثلاثين ثانية حتى كاد قلبي أن يتوقف كي أرى ذلك!

سحقًا عماه، واللعنة على القائد هيل هاوند!

- ماذا حدث؟

قالها عمي قاسم بتساؤل لإنه لم يكن بالمكان عندما هجم "هيل هاوند" على شمس فقد كان في طريقه لهنا، فنظر "هيل هاوند" إلى عمي والشرر يتطاير من عينه التي تكاد تتحول لجمرة من اللهب وهو يتذكر ما حدث معه في الأيام السابقة قبل أن يهدر صارخًا:

- لقد سحرني قيصر! القى عليَّ نوع من السحر ومن وقتها وأنا في جحيم مستعر!

- دلوقتي افتكر إنه مسحور لما عرف!

قالها شمس بنبرة ساخرة وهو يرمقه بنظرة غير راضية جعلت نيران هيل هاوند تتزايد شدتها وهو يتقدم تجاهه من جديد بوجه لا يبشر بالخير على الرغم من إنه لم يفهم الحديث لكنه فقه بسخريته منه.

- كفى! هل سيخبرني أحد ما حدث أم لا؟

صرخ بها عمي قاسم بنبرة عالية جامدة مررت موجات من الرهبة في قلوب القادة، بينما تقدم القائد "هيل هاوند ليقص عليه ما حدث بنبرة مكبوتة من الانفعال الذي يحاول حجمه داخله.

منذ أسبوع كان شمس رفقة البعض من رجال المملكة لدى القائد" ريبير" في منزله، وقد رأى شمس سيف عائلته الذي يتوارثه الأجيال منذ القرن الماضي مُعلق على الحائط، وبالأمس تفاجئ" بالحاوي" يعرض عليه المبارزة باستخدام سيوفهم الأثرية، لم يكن يعلم إن شمس من دفع الحاوي لتلك المهمة وإنه يجذبه للمحرقة كما تنجذب الفراشة للنيران، وقد أحضر "ريبير" بالفعل السيف معه وبارز الحاوي وفي الصباح لم يجد السيف بغرفته.

ظن إن أحد أصدقاءه يلعب معه لعبة سخيفة لكن عندما هبط للأسفل وجد شمس يرتدي مثل ملابس اللصوص القديمة المكونة من سترة مخططة بالأبيض والأسود، بنطال أسود، وقبعة صوفية بنفس اللون وقناع للعين أسود أكثر سخافة من باقي الرداء، ففهم إنه من سرق سيفه وقد تجادل معه بالطبع حتى يُعيد السيف كي لا تقتله جدته لإضاعة إرث العائلة.

- لا يمكنني إعادة السيف، لا يوجد سارق يُعيد المسروقات! أبحث عنه إذا وجدته فهو لك أو يمكنك الإنتظار حتى ألعب دور الرجل الخارق واتصل بي حتى أُعيده إليك من اللصوص.

قالها شمس بنبرة هادئة وهو يبتسم له ببرود شديد كعادته بينما مسح "ريبير" وجهه بحنق شديد وهو يفكر في طريقة يعيد بها السيف الذي لن يجده بالطبع، فمن المتوقع إن شمس أودعه عند المامبا الحامي له أو طلب منه اخفاءه، وبينما هو شارد الذهن تمتم شمس بعدة سباب وهو يزجر الجميع بنظرات غير راضية حيث إنه تقريبًا سرق الجميع ويرغبوا في استعادة أملاكهم.

وعلى الناحية الأخرى في نفس التوقيت كان يجلس القائد "هيل هاوند" بالشرفة منعزلًا عن الجميع يحتسي قهوته الصباحية بعدما استيقظ من النوم بفزع كما يحدث كل يوم فقد أصبح الأمر كورتين يومي من الأحداث الغريبة تحدث معه تبدأ من الكابوس وتنتهي بأحداث مرعبة.

- شاهدت كابوسًا مروعًا أليس كذلك؟

قالها القائد "ريبير" الذي سحب مقعد وجلس جانبه بنبرة هادئة واثقة أكثر منها متسائلة، بينما انتفض هيل هاوند في مقعده ونظر له نظرة مستفسرة بوجه مقطب الجبين، فتبسم القائد ريبير بمكر حيث إنه قرر الأنتقام من ست الذي سرق سيف عائلته بتلك الطريقة المتلاعبة عن طريق اخباره الحقيقة كاملة.

في الأسبوع الفائت لعب شمس دور "ساحر" وذهب لواحدة من الساحرات ذات الأصول الغجرية لتعلمه السحر، وقد اختار القائد "هيل هاوند" ليكون حقل تجاربه ذاك حتى يتابع تأثير تعويذته الوهمية بالطبع، لإنه المرأة هي من سحرته وليس هو، فالسحر ليس لُعبة.

_ حسنًا ست ابطل تلك التعويذة السخيفة.

قالها عمي قاسم بنبرة آمرة إلى شمس وهو يرمقه بنظرة خاوية خرجت من لاعب بوكر محترف حيث لا بمكنك معرفة هل هو غاضب أم هادئ؟

- مش هينفع افكه، النهاردة مش يوم الساحر.

قالها شمس بنبرة عادية وهو يرفع كتفه تأكيدًا على ما باليد حيلة، تعقيبًا على حديث عمي قاسم الذي تغيرت نظرة عينه الآن لأخرى مقيتة لا تنبأ بخير وعقد ساعداه أمامه مما أدى لجلوس شمس فوق الأريكة مغمض العين وهو يتمتم بكلمات غريبة ليحاول إبطال التعويذة.

- هل تمزح معي؟! اذهب واجلب المرأة وإلا اقتلك ست، وعندما تعود أعط الجميع ما سرقته منه. 

هدر بها عمي قاسم بنبرة عالية مررت رعدة في أجساد البعض لكن شمس لم يتأثر داخليًا أو يخاف لكنه نهض وخرج بخطوات سريعة من القصر حتى يجلب المرأة، رفع عمي قاسم صوته من جديد قبل أن يختفي شمس عن ناظريه:

- أقسم إن الحقت الأذى بأي فرد من راعيتي من جديد بسبب اختلالك هذا لألقي بجسدك للأسود،

_ الراجل حالف بالطلاق إنه ميموتش غير لما يعمل جميع الكبائر، فاضل إنه ينزل يعبد بقرة وكدا يبقى قفل الليفل.

قالها عبدالرحمن الذي يقف جانبي بنبرة ساخرة من أعمال شمس الغريبة، أنا حقًا لا أعلم كيف تأتي تلك الأفكار الغريبة داخل رأسه؟ أنا بجميع جنوني واختلال متجمع مع إخوتي لم نصل لربع جنونه!

_ أنا بقول يدخل يصلي ركعتين ونجيب شيخ يقرأ على مايه قرآن ويشربها هيبقى زي الفل.

- هيل هاوند هيصلي ركعتين ؟

قالها عمي قاسم بنبرة مستنكرة تعقيبًا على حديث عمي هارون الذي خرج بتلقائية وهو يجلس فوق المقعد خلفه بتعب وإجهاد من رحلته التي لم يذق بها طعم النوم، بينما انكمشت ملامح عمي هارون ونظر للأعلى لعمي قاسم نظرة مذهولة من حديث أخيه الغريب قبل أن يحرك رأسه بالموافقة من جديد تأيدًا لحديثه السابق، أخرج عمي قاسم زفرة متعجبة وقرر تخطي الحوار حتى لا يُصاب بذبحة صدرية من غباء عمي فالجميع يعلم إن القائد "هيل هاوند" مُلحد.

- حسنًا بما إنك هُنا أنوبيس نرغب في إقامة محاكمة هيدا.

قالها عمي قاسم بنبرة هادئة بعدما انبسطت ملامح وجهه من جديد حيث إننا لم نقيم محاكمة لهيدا بعد لأنني لم اجتمع مع القادة، فهتفت بنبرة جامدة وأنا ارفع كتفي بتساؤل:

- لماذا قيصر سنقيم محاكمة؟ إن هذا الأمر شخصي بيني وبين حبيبتي بالطبع لن أقف أمامها ونعرض المشكلة أمام الجميع، أنا لا أحب ادخال النساء في أموري، حتى إذا قتلتني زوجتي لا يحكم عليها أحد.

بالطبع لن يحكم عليها عمي قاسم بالقتل كما هو مُقرر في القوانين لتدخلها في المواجهة ومحاولة قتلي، لذا أدينا تلك المسرحية حتى لا يكرر أحد من المملكة الأمر معي ويظن إنه سينجو مثلها، فقد عفوت عنها بالفعل، فأنا لا أرغب في دماء أخرى على يدي كما أن هاديس لن يصمت بالطبع.

- هل تتوقع إن تقتلك زوجتك؟

قالها شمس الذي عاد من جديد بعدما هاتف الساحرة التي لن تكون ببلادنا بالطبع، بينما ثبت نظراته التي تتشبع بالسخرية بي، حسنًا، إنه يعلم إن علاقتي بماليكا ليست كما أظهرها له، وربما يعلم بأمر خطبتها لعامر.

- نعم، إنها سريعة الغضب قليلًا، تعلم غيرة النساء ست، كما أن أنوبيس هو من يختار قاتله وأنا لن اسمح بقتلي على يد أحد آخر غير نسائي.

قلتها بنبرة حاولت صبغها بالمرح وأنا أؤكد على الجمع حتى أذكر الجميع بشفا، بينما صدح صوت هاتفي لينبأ عن وصول رسالة، أخرجته من جيبي وفتحت الضوء حتى أقرأ الرسالة من الخارج فأنا ليس لدي الرأس للحديث مع البشر الآن، ظهر اسم كريم الجندي على الهاتف فعلمت إن الأمر خطير قبل أن أقرأ الرسالة.

"جاتلي رسالة من السفاح مكتوب فيها "الدور الثاني" و اللواء عبدالسميع اتخطف الصبح، تفتكر الموضوع ليه علاقة بيه"

" على الأغلب آه، بس متقلقش أنا هنا، هنحل الموضوع "

بعثتها على الفور حتى أبث الأمان في قلبه على الرغم من ارتجاف قلبي للأمر، وارتعاش كفي عندما تذكرت أصابعي وأنا أحل لغز مكعب الروبيك الذي تبعه سقوط الطبيب بين فكي القروش، الأمر لم يكن سهلًا فقد كان ساحقًا لأعصابي، فقتل رجل فاسد سهل وأنا أصدق بكل ذرة داخلي إنه يستحق، لكن قتل رجل صالح مؤلم.

يبدو أنني لم أعتاد المشهد، وأن رؤيتي للجثث والقتل طوال الوقت لم تصيبني بتبلد مشاعر، أو إن ماليكا أحيت مشاعري من جديد.

_ خوفو كلمني وقالي عاليا بتولد، أنا هنسحب.

قالها أخي عبدالرحمن بنبرة هادئة لا تتناسب مع القنبلة السعيدة التي فجرها داخل أذني بنبرة خافتة، يا إلهي!

يا إلهي.. يا إلهي.. يا إلهي!
لقد قدمت فراشة عمها.

بعد إذن الجميع محدش يحط اللينك في بوستاتي علشان بيوقع الريتش وأنا بتعب علشان أعمل الميمز علشان أروج للرواية ومحدش بينزل غيري أنا وأختي لذا رجاءً محدش يحط اللينك علشان الرواية تتشاف.

يتبع

★ متنسوش التصويت (vote) 

________________________

_ لا تنسوا الدعاء لأخوتنا بغزة في جميع صلواتكم، رفع الله عنهم ونصرهم.
للتذكير: سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، نِعمَ الزادُ هذا يا رب.

继续阅读

You'll Also Like

101K 5.3K 33
Pluto thai gl novel မြန်မာဘာသာပြန်
181K 4.1K 29
𝐎𝐫𝐩𝐡𝐚𝐧𝐞𝐝 𝐚𝐭 𝐚 𝐯𝐞𝐫𝐲 𝐞𝐚𝐫𝐥𝐲 𝐚𝐠𝐞, 𝐘/𝐧 𝐡𝐚𝐝 𝐭𝐨 𝐡𝐢𝐝𝐞 𝐡𝐢𝐬 𝐬𝐭𝐫𝐚𝐧𝐠𝐞 𝐚𝐫𝐦 𝐟𝐫𝐨𝐦 𝐨𝐭𝐡𝐞𝐫𝐬. 𝐁𝐮𝐭 𝐚𝐟𝐭𝐞𝐫...
24.3K 1.1K 18
إن كُتِب قدر شخصين معاً فسيتقاطع طريقهما ذات يوم حتماً ليحوما حول الدنيا إذا ارادا للعثور على بعض وليختبئا للهروب من البعض وهجنا وثابتنا دكاترنا ا...
10.3K 579 15
❝ I Love You ❞ ❝ But I - I Don't Even Know You ❞ Ishita lands up in Raman's house due to unforeseen circumstances. She lies her way into the house, b...