أنوبيس

By HabibaMahmoud25

99.4K 5.1K 4.6K

مرحبًا بكم في المملكة لا لا، يجب أن أحذرك أولًا من يدخل المملكة لا يخرج حيًا. يمكنك المغادرة الآن.. سأترك لك... More

تنويه
قوانين التنظيم (المملكة)
الشخصيات
الفصل الأول: المامبا الحامي لي
الفصل الثاني: نساء عائلة المُهيري.
الفصل الثالث: لماذا مُراد؟
الفصل الرابع: إلى اللقاء أمي.
الفصل الخامس: قصر الأشباح.
الفصل السادس: ثم لم يبقى أحد.
الفصل السابع: لا تترُكيني.
وشم المامبا +إعتذار
الفصل الثامن: وضع الغيرة
الفصل التاسع: يوم رفقة الأوغاد.
الفصل العاشر: انا الخاطف.
الفصل الحادي عشر: النجمة المسلوبة.
الفصل الثاني عشر: لتمتزج صرختنا معًا.
مسابقة 🔥
الفصل الثالث عشر: طبيب الطاعون.
الفصل الرابع عشر: رقصة أخيرة
الفصل الخامس عشر: فتيل القنبلة
الفصل السادس عشر: وتر أكيليس.
السابع عشر: رقصة الألم.
الفصل الثامن عشر: الغجرية الساحرة.
الفصل التاسع عشر: لنتزوج ماليكا!
الفصل العشرون: وحوشي وقعت لكِ.
الفصل الواحد والعشرون: خطوبة أم معركة حربية؟
الفصل الثاني العشرون: أنا الجحيم.
الفصل الثالث والعشرون: أحتضر ماليكا.
الفصل الرابع والعشرون: ليو الصغير.
الفصل الخامس والعشرون: بُتر قلبي.
الفصل السابع والعشرون: مُروضة أنوبيس!
الفصل الثامن والعشرون: مرحبًا بالغجرية.
الفصل التاسع والعشرون: الموت أم.. الموت؟
إعتذار
الفصل الثلاثون: الذئب الذي أكل يُوسف.
الواحد والثلاثون: لن تكسريني، أليس كذلك؟
الثاني والثلاثون: نعم، أحبك.

الفصل السادس والعشرون: خنجر بروتس.

1.9K 123 154
By HabibaMahmoud25

سلام عليكم جميعًا، كل سنة وإنتم طيبين
أنا غيرت الابتهال اللي غناه ليونار مع سالم نظرًا لأن نسخته الأصلية مصحوبة بموسيقى وأنا لا أرغب في أن يسمعها أحد بسببي، على الرغم من كونها مهمة حيث إنها مختارة بعناية لأنها السبب الأساسي في جذب ليونار لصوت ماليكا، لكن تم تغيير الأمر لشيء آخر ولن تتأثر الحبكة.
اللي عايز يرجع يشوفها ومش ظاهرة عنده يشيل الرواية من المكتبة ويرجعها تاني.

لو في بنت نوبية بتقرأ الرواية وحابة تبعتلي ياريت علشان الكلمات بتخلص مني 😂

متنسوش التفاعل.
________________

لـم يعـد فـي قلبـي مكـان لـرصاصة جديدة.

_محمود درويش.

______________ ︻╦デ╤━╼
𝕒𝕟𝕦𝕓𝕚𝕤
≼ أنـوبـيـس ≽

مرحبًا من جديد.
هل اشتقتم لي؟
لا يهم.
لنتعرف مجددًا
أنا أنوبيس.
أقوى قائد بالمملكة.
لقد ولدت اليوم.
لم أكن أرغب في ذلك.
لكنهم السبب.

لماذا لا يمكن للمرأ أن يتلاشى؟
أن يذوب في الهواء ولا يبقى أثر له، يتبخر لا يظهر للعلن، أو يختار البقاء داخل غيبوبة مثلًا؟
أن يختار العيش داخل حُلم جميل، يحقق جميع آماله، أحلامه أو يعيش حياة أخرى وهو ممدد على الفراش بعيدًا عن هذا العالم القاسي، وحين يرغب في العودة يمكنه ذلك.
لكن السؤال هنا: هل سيعود؟
لماذا سيعود؟
لماذا لا يمكن أن يعيش هكذا حتى تنتهي حياته؟

هذا ما دار بخلدي عندما استفقت داخل حضن عمي هارون وعلمت من خلال دماء أبي التي تغلل قطن سترتي أن هذا ليس كابوسًا بل حقيقة ساحقة، لم أبكِ، لم أشعر بشيء، فعندما يصل الألم لحالته القصوى لن تشعر بشيء، حيث يكون الألم بلا معنى وغير كافي.

هل تعلمون ماذا حدث؟
يمكن اختصار الأمر في جملة واحدة: كل المصائب تؤدي إلى.. مهلًا مهلًا.

بالطبع أمزح، هذه المرة لم يكن لشمس أي تدخل في الأمر لقد ذاق من نفس الكاس وفقد أخيه الأخير في الحرب، على الرغم من أنني أشك في شعوره بالحزن من الأساس، حسنًا، هو كان مشارك بالأمر لكن لم ينفذ.

لقد تم التخطيط للغدر هذه المرة من قِبل فرانسوا الوغد، هل تذكرون ما أخبرتكم به عن أثر الفراشة؟

حدث صغير وقد يُستخَف به، لكن يمكن أن يصبح تأثيره مهول، فيخرج منه دمارًا وهلاكًا، هذا التسلسل الرهيب في الأحداث وقتل نصف المملكة كان سببه ابتسامة صغيرة مكبوتة من أمي، جعلت زوجها يقتل الجميع بسبب الغيرة.

في الواقع هو كان مخطط للأمر منذ البداية بعدما تنازل جدي سيّاف عن الحكم لعمي قاسم، فقد اجتمع مع القادة جميعهم للأنقلاب على الحكم دون ضم المامبا لهم بالطبع وكذلك هاديس لإنه الأكثر ولاءً، وذلك عن طريق قتل كل عائلة المُهيري وعائلة أبوفيس لإنهم ظالمين ولن يذعنوا للمعارضة، لكن جدي قتل كل تبريراته عن طريق الأقرار بالمواجهة.

بينما لم يثق فرانسوا في نزاهة سيّاف وعلم إنه سيتلاعب بأي شكل لذا استمر في خطته وجهز الرجال، لكن عندما حدثت المواجهة بالفعل وظهر إن قاسم فاز بجهوده حتى وإن تركه هارون يربح عليه، ففي النهاية الحكم سيظل داخل عائلة المُهيري، لذا انقسمت الآراء وقرر معظم القادة الأنسحاب واعلنوا ولائهم بالكامل لعائلة المُهيري بعدما اجتمع بهم فرانسوا في الليل لتنفيذ خطته، أتعلمون ما هو المضحك هنا؟

الحاوي هو من أقنعهم بذلك فهو لم يكن ليترك أمي تُقتل وهو لا يرغب في الحكم، إذًا نحن نوعًا ما مدينين لذلك الوغد لباقي حياتنا، لكن سحقًا لك حاوي.

سحقًا لك، ليتك لم تتدخل في الأمر، ليتك تركتهم يقتلونا جميعًا، وقتها لم أكن لأتألم هكذا!

قرر فرنسوا تنفيذ الخطة على أي حال ومن يعترض يُقتل، فنِيران غيرته لم تُخمد حتى بعد انسحاب القادة فقد عمت عينه، وبدأ خطته عن طريق إبعاد عمي صالح عن القصر تحسبًا لتدخل الأسلحة، حيث إنه الوحيد الذي يتحكم بالمامبا المحامين له، وحدث ذلك عن طريق لعب أخته "فريا" والتي تكون زوجة القائد "كراكن" دور أوراق لعب رفقة داليا.

- حسنًا عزيزتي، لنرى هل سيتحملك زوجك أم لا؟ احكم عليكِ طلب شيء تشتهينه من زوجك في الخامسة صباحًا.

- ما هذا الحكم البغيض! أليس لديك شيء أصعب وأكثر تسلية؟

قالتها أمي داليا بنبرة ساخرة تمتزج بالثقة من حكم "فريا" الغريب بعدما ربحت عليها في أوراق اللعب، وقد نفذت أمي داليا الحكم الذي رأته مسلي بالفعل داخلها لترى حب صالح لها الذي لا ينطفئ، فهو بالأول والأخير مامبا وإن كان الزعيم لهم، لكنه يظل مامبا يتعلق، ويحب ويمطر بكل قطرة داخله عشقًا بملكة خفقات قلبه.

ومن ثمَّ بدأت الخطة، تسلل رجال مؤجرين خلف عمي صالح للخارج حتى يقتلونه بعيد عن رجاله، وكذلك فعلوا مع عمي قاسم وهارون اللذان سهلّا عليهم الأمر، ثم اتجهوا لقتل الباقين من عائلة المُهيري وأبوفيس داخل القصر بهدوء حتى لا يشعر أحد.

لكن كما تعلمون لقد صرخت عمتي داليا مما أدى لتخدل رجال المامبا كما المتوقع، ليتحول الأمر إلى حرب عاتية لجميع رجال المملكة، الرجال المؤجرين والقادة المتمردين والمامبا المحامين لهم، ضد المامبا والقادة المؤيدين للحكم.

المامبا ضد المامبا؟

نعم، المامبا لا يعلم إلا ثلاثة أشياء: عدم تنفيذ أمر قتل أحد من عائلة أبوفيس، عدم تنفيذ أمر قتل أحد من عائلة الملك، حماية قائده.

المامبا الحامي للقائد لا يعلم شيء سوى حماية قائده، لذا كان يحمي قائده في الحرب دون قتل أحد من عائلة الملك، لإن عقلهم توقف وكان هذا السبب الأساسي لأبعاد عمي صالح، فهو الوحيد الذي يمكنه جعلهم يقتلوا قادتهم وقد حدث بالفعل، فهو رأى الرجال الذين كانوا يتبعونه وقتلهم وعاد أدراجه بسرعة.

ليته لم يعود، فوقتها كان فرانسوا قتلني، إلى متى كان سيظل سفن يصنع من جسده درعًا لي؟

ليت نساء عائلتي ضعفاء، فهن قُتلن لأن الجميع يعلم أن أي انثى من عائلة المُهيري لن تهدأ حتى تحرق الجميع انتقامًا لعائلتها، وكذلك الأطفال.

حسنًا، أعلم السؤال الذي يدور بخلدكم الآن، لماذا قتلوا أكرم الذي لا يمكنه فعل شيء؟

بسبب ولاء المامبا، القوانين تنص على أن يتحول ولاء المامبا بالتبعية لأخر فرد على قيد الحياة من عائلة أبوفيس حتى لو كان الأخير هذا انثى، وإذا جف نسل عائلة أبوفيس يقوم رجال المامبا بالتصويت على واحد منهم ليصبح هو أبوفيس وينتقل الحكم لسلالته، لهذا قتلوا الملاك، حتى لا ينتقل ولاء المامبا له، فلا يمكنكم ترك فرد من عائلة أبوفيس على قيد الحياة حتى "جميلة".

رفعت رأسي من فوق صدر عمي هارون، شعرت بأنها تزن ضعف جسدي، أغمضت عيني بترو قبل أن افتحها بسرعة حيث سمعت صوت طلقات النيران داخل مخيلتي فقط كنوع من إعادة الحدث داخل عقلي لكنه حقيقي بشكل مخيف، هبطت من فوق قدم عمي وخطوت للخارج بخطوات بطيئة متعثرة حيث كان كل شيء حولي يدور وكأنني في مدينة الألعاب، وجسدي أصبح مخدرًا من الحزن، لكن عمي هارون رحم جسدي من تلك المعاناة عندما حملني من الخلف وقبّل جبهتي وهو يضمني له بقوة أثناء سيره في الطريق حيث علم ما أريده ولا أستطيع الأفصاح عنه.

_ لماذا خرجت لوكا؟ لماذا لحقت بي؟

خرجت هذه من هاديس الذي يحمل جسد ابنه لوكاس الغارق في الدماء وهو يبكِ بنحيب عالي بينما يحاول المامبا الحامي له الحالي أخذه منه حيث أصابته طلقة غادرة وسط الحرب لم يكن مقصود بها، بينما الجميع حوله مبعثرين فقد قُتل لكل قائد شخص قريب له، لم يُسلم أحد من الحرب، فهذا ما تفعله الحروب، تخلف دمارًا والجنود الناجيين لم يحصلوا على حرف واحد من كلمة النجاة.

الموتى فقد ذهبوا بلا رجعة، ارتاحوا من صخب الحياة وآلمها لكن الناجين هم من تفتك بهم أنفسهم، هم من يمرر لهم عقلهم ذكرى حية كل يوم من معاناتهم وكأنه تدريب متكرر لتعذيب النفس.

أنزلني عمي هارون برفق أمام باب غرفة مغلق نصفه فقط وأشار لي بالدخول، دفعت الباب برفق ودلفت للغرفة حيث يوجد أبي وأخي داغر، رفعت أمي نظراتها لي ابتسمت بسمة هادئة باضطراب بينما تضع رأس أبي فوق قدمها، بينما أنا اقتربت ببطء وصعدت فوق الفراش بين أبي وأخي.

❞ تَذَكرت تِلك المَرَّة الَّتِي
رَقصنا فِيها سَويًا رَقصَة التَانجو
فِي مُنتَصف الطُرقَات
ليلًا كَالمَجَاذيب،
سَأَلَتنِي حِينها بَعدمَا جَلَسنا علىٰ الرَصِيف.
هل سَتظل تُحِبُّني للأبد؟.   ❝

غنتها أمي بنبرة رقيقة هادئة وجميلة وهي تمسد خصلات أبي برفق وحنان كما تفعل عادةً، لاحظت كفها المرتعش ونظرها الموجه أمامها حيث تتجنب النظر إلى الدماء، إنها لا تستوعب موت أبي بعد فقد دخلت في حالة من الجنون الصاخب، حيث لا تسمع لشيء آخر غير صوت وسوساتها.

❞حتىٰ عِندما نَشِيخ سَويًا
وتَملأ التجاعيد وُجُوهنا،
ويَغزو اللّون الرَمَادي رُءوسِنا،
سَتظلِين نِجمَتي اللاَّمِعَة،
ومَلاذِي الآمن الذي أَخبَأَ
مِنْ وَحَشَة العالم بَين ذِراعَيه. ❝

- سحقًا لك سالم، أنا أُغني منذ ساعة ولم تستيقظ بعد! هل يجب أن أعترف لك بحبي؟ حسنًا، أنا أحبك سالم، أحبك أكثر من كل شيء.

قالتها أمي بنبرة هادئة ظهر بها تهدج صوتها بعد حديثها السابق الذي خرج بنبرة حانقة بعدما انتهت من الغناء وأخرجت صوت ساخر من فمها، ثم عدّلت جسده ووضعت رأسه فوق الفراش حتى يتسنى لي النوم فوق صدره وقد فعلت ذلك على الفور كعادتي، بينما هي جلست بجانبه وأكملت تمسيد خصلاته وهي بموضعها قبل أن تستطرد:

- أتعلم؟ منذ كنت في السابعة، رؤيتك أمامي هي أسعد لحظة لي في اليوم، في الواقع أنا لا استطيع الشعور بالسعادة من دونك وكأنك هرمون الدوبامين الخاص بي .. فسبحان من ألقى السحر على نيران قلبي فلهيب حبًك لا يهدأ أبدًا أو يرتعش، بل يزداد اهتياجًا.

طرق واحد من المامبا الباب ودلف بعد ثواني وهو يثبت نظره بالأرض لكن قبل أن يدلف صرخت أمي بوجهه حتى لا يقترب أكثر لأنه كان يريد أخذ أبي، فعاد أدراجه من جديد وبعد دقيقة ظهر أعمامي أمام الباب، بينما انتفضت أمي في مكانها قبل أن تسحبني من فوق الفراش إلى الأرض ثم سحبت الرشاش المستند على الكومود بعدما وضعت قدمها فوق صدري لتتأكد أنني في أمان بعيد عن رصاصاتها حيث إنها بدأت في إطلاق النيران عليهم.

رفعت قدمها من فوق صدري وأمسكت كفي حتى تساعدني على الوقوف بعدما ركض الاثنين من أمام الرصاصات، مسحت على خصلاتي برفق وهي تبتسم أبتسامة مطمئنة قبل أن تحملني من أسفل إبطي وتضعني بالفراش من جديد لتكتمل الصورة وكأن شيئًا لم يحدث، ثم عادت للغناء.

_ هاخد ابني.

قالها عمي صالح بنبرة ثقيلة وهو يشير ناحية داغر بعينه ويفرد كفه أمامه دلالة على أن تهدأ بعدما دلف بخطوات متحفزة للغرفة وأمسكت أمي الرشاش من جديد، هزت رأسها بالموافقة على مضض فهي لم تكن ترغب في ابتعاد داغر لكنه أبيه، بينما اقترب عمي صالح بحذر حتى توقف أمام داغر مباشرة ونظر له بتمعن حينما سقطت دمعة غادرة من عينه مسحها برفق قبل أن يحمله بهدوء.

- شايفة الدم، هدومه متوسخة، إحنا هناخده نحميه ونغيرله هدومه ونرجعهولك تاني.

قالها عمي صالح بنبرة هادئة رزينة وهو يشير إلى قميص أبي، فنظرت أمي إلى الدماء قبل أن تحرك رأسها بالموافقة برفق، فأشار عمي صالح برأسه إلى عمي هارون الذي دلف على الفور حيث كان يقف أمام الباب، حمل جسد أبي بترو وهو يثبت نظراته بأمي حتى لا تقتله في أي لحظة ثم خرج من الغرفة، فتبعته حتى دلف به غرفة أخرى.

- خليك مع أخوك يا حبيبي.

قالها عمي هارون بنبرة هادئة وهو يقف أمام الباب بينما دلف عمي قاسم الغرفة ثم أغلق الباب ببطء وهو يثبت نظراته بنا بعدما أنزل فارس الذي شعرت بأصابعه تحتضن أصابعي على الفور بآلية حيث إنه يبدو كجثة متحركة، بينما حملنا جدي سيّاف معًا على الرغم من مرضه لكنه قاتل ببسالة حتى وصل للأريكة وجلس بنا يحتضننا برفق.

- حضّروا كفن لأبوفيس.

قالها شمس بنبرة مازحة وكأن أخيه لم يُقتل منذ ساعة ليرمي بحديثه على قتل أمي لعمي صالح بعدما ينتهوا من غُسل أبي حيث إنهم بالطبع لن يعيدوه لها، ضحك القائد "آريس" فقط بينما لم يضحك أحدًا آخر، فهذا ليس وقت للمزاح أصوات البكاء في كل مكان، حتى الحاوي الذي ينزف من رصاصة مقدمه يثبت نظراته ناحية أمي الواقفة أمام الغرفة التي يقبع أبي بداخلها بينما لا تظهر عليه السعادة بسبب حالتها.

- فليفعل أحد شيء للصغار!

قالها هاديس بنبرة غير مصدقة إلى القادة الجالسين وهو يشير ناحية أخوتي من المامبا حيث إن جميعهم يبكوا بينما الجميع يجلس بهدوء حيث إن المامبا مشغولين بتقطيب جراح المصابين وغسل المتوفيين، كما أن عمي صالح يحمل يعقوب الذي فقد الشعور بكل شيء حوله وكذلك باسل، بينما يحمل أخي "خوفو" ذو الرابعة عشر "بكر" ويربت عليه، سحقًا، طفل يواسي طفل في موت أهله.

تحمل إجلال -التي من المفترض لعب دور الأم- ابنتها "جميلة" التي لا يظهر على وجهها أي تعبير، لقد تجمدت، بينما صافي بالمشفى رفقة براء الذي أُصيب بطلق ناري قريب من القلب، لكنه لم يكن ليفعل شيء على كل حال، بالنسبة لكوبرا فهي بالتأكيد رفقة "سفن" أعلم إنها تحبه كذلك.

حمل هاديس "موسى" الذي يبكي بعنف وهو يصرخ بكلمة "ماما" بلا توقف حيث إنه متعلق بشدة بأمي دهب، وأمسك بكف أخي تركي الذي يحتضن موسى ثم جلس بهم الاثنين هو يضمهم إليه برفق ويربت عليهم متناسيًا موت ابنه، تعلمون أن تركي أصبح المامبا الحامي له فهو أصبح قريب له بعد تلك الحادثة، وموسى أصبح المامبا الحامي بزوجته "كاميليا"، المامبا لا تنسى أبدًا أي شيء.

_ كله منك يا بومة، كله منك، خلصتي على رجالة العيلة، أقسم بالله ما هتجوزك.

قالها شمس بنبرة متهكمة إلى زوجة أخيه التي حملت رائف وجلست به جانبه حيث إنها تزوجت أخيه الأكبر الذي أنجبت منه "بشر" ثم الأوسط والآن الصغير وجميعهم قُتلوا، رمقته بنظرة إزدراء ولم تعقب على حديثه، بينما لم يتحرك أحد آخر تجاه أخوتي.

- أنا اقترح تخديرها حتى نعود من مواسم الدفن.

- نعم، وتقتلنا جميعًا عندما تستيقظ.

قالها شمس بنبرة ساخرة إلى الحاوي الذي رمى بحديثه على أمي التي دلفت الغرفة على الفور عقب خروج عمي قاسم الذي تقدم ناحيتنا وحملنا نحن الاثنين ثم صعد بنا لغرفتنا حتى يحممني فدماء أبي تغطيني، خلع ملابسي بعدما دلف المرحاض وقبل أن يلمسني الماء أغلقت قبضة يدي بقوة على القلب المتعرج داخل كفي وركضت للخارج أختبئت خلف الأريكة ولحق بي فارس.

- مش هينفع تصلي على بابا منغير ما تتوضى، إحنا هنصورها علشان تفضل معانا علطول.

قالها عمي قاسم بنبرة هادئة بعدما جلب كاميرا وجلس على ركبتيه أمامي، حركت رأسي بالموافقة حيث هذا أقصى شيء يمكنني التواصل به لأن الكلمات حُبست داخلي لأجل غير مسمى، فتحت أصابعي ببطء وفردت ذراعي أمامي حتى يتثنى له أن يلتقط الصورة، وقد فعل قبل أن يضع قبلة هادئة داخل باطن كفي ثم حملني للمرحاض من جديد.
______________ ︻╦デ╤━╼

_ والله؟! إنتوا هتدخلوا بجد؟ مفيش دخول قبل ما تجيبوا حق أخواتكوا.

قالها جدي سيّاف بنبرة جامدة منفعلة وهو يقف أمام باب القصر قبل أن يخطو أعمامي خطوة داخل البيت بعدما عدنا من مراسم دفن أبي التي أصر جدي علينا أن نحضرها، أسدلت جفني فوق عيني لأمنع عني تلك الذكرى، لقد كان الأمر أشبه بانفجار قنبلة داخلي، مازالت صرخات أمي تصدح داخل رأسي، لقد أخذوه منها بمعجزة.

- إنت مسمعتش؟!

- إنت مش شايف العيال حالتهم عاملة إزاي؟ العيال هتروح مني.

قالها عمي قاسم بنبرة صارخة أشبه بوعاء كلب تاه في الصحراء بمفرده وهو يثبت نظراته بجدي بعدما تحرر من ضمته أخيرًا تعقيبِا على حديث جدي الذي خرج بنبرة عالية غير مصدقة بعد أن تجاهل عمي قاسم حديثه وتحرك بنا ناحية الباب حيث كان يحملنا، فتدخل عمي هارون يمنع حرب النظرات الدائرة بينهم بقوله الهادئ المتعب الذي كافح ليخرج من فمه:

- قاسم مش هينفع يمشي لازم واحد فينا يفضل مع العيال صالح مش هيقدر على كل دول لوحده، هروح أنا وباقي القادة نجيب حقهم.

- إيليفن يجيلي عايش محدش يقتله لو هيهرب سيبوه يهرب هجيبه هجيبه، وعيلة "أركتوس" تموت كلها قدام عينه بعدين تجيبوه هو التاني ليا صاحيين، كلها، كلها يا هارون.

قالها جدي سيّاف بنبرة جامدة عالية لجميع الرجال حوله وهو يثبت نظراته بعمي هارون الذي حرك رأسه بهدوء وبطء شديد حيث بالكاد يظهر إنه يتحرك حيث لفحت الكلمة الأخيرة وجهه وكأنها سوط من اللهب قبل أن يتجه للخارج رفقة القادة، بينما أنا لم يستوعب عقلي ما الذي يعنيه جدي حتى وضعني عمي قاسم في فراشي ونظرت للصورة الموضوعة على الكومود حيث تظهر أمي شيرين تضحك بسعادة وأنا أقبّل وجنتها.

سحقًا،  هل سيفعل جدي هذا بي؟
هل سيقتل أمي الثالثة في نفس اليوم؟

نهضت بسرعة من الفراش وركضت تجاة غرفة جدي اقتحمتها بقوة كموجة أغرقت مدينة، فانتبه لي حيث يجلس بالفارش يحتضن صورة أبي ويبكِ بصمت، هدأت نوبة غضبي قليلًا وسحبت أمواجي حيث إنها المرة الأولى التي أشاهده يبكِ بها وتقدمت منه بخطوات رتيبة.

- إنت هتقتل ماما شيرين؟

- شيرين مش أمك.

قالها بنبرة هادئة محشرجة وهو يمسح دموعه المنسابة فوق وجنتيه تعقيبًا على حديثي الذي خرج بنبرة غليظة من حنجرتي التي لم استخدمها منذ غنائي بعدما دفعت الكلمات بكامل قوتي لتخرج من فمي، لو لم يكن من أجل أمي لبقيت هكذا دون حديث.

- لا ماما وإنت هتقتلها .. متقتلهاش علشان خاطري.

أضفتها بنبرة راجية والدموع تلتمع داخل مقلتاي بعدما هتفت بالجملة الأولى بنبرة حادة عالية عقب تحفز جسدي في وضع الهجوم، إنها أمي، أمي المفضلة وهو يأمر بقتلها بكل هذه السهولة، من أجل ماذا؟

- شيرين لازم تموت علشان فرانسوا يتقهر ويتوجع زي مكسرني، عمل علشانها كل ده، هي السبب في موت ولادي، مستحيل أقبل إنها ترجع تاني تعيش معانا تتجوز عمك ويربي بنت ابن الـ** ده في بيتي.

- ماما معملتش حاجة.

هتفت بها بنبرة جامدة على الرغم من ارتعاش شفتيَّ وهبوط دموعي تعقيبًا على حديثه الذي خرج بنبرة محترقة مثل كل شيء داخله قبل أن يدخل في نوبة سعال حادة انتهت بكثير من الدماء الذي حول لون المحارم البيضاء للون الذي لا أرغب برؤيته ثانيًا.

- أنا خدت القرار خلاص يا لِيونْ.

قالها بنبرة مقررة لينهي بها النقاش ليس وكأنه ينهي حياتي مع أمي الأخيرة، فشعرت بالغضب يتسلل لأوردتي ويحرقني حتى قاربت على حرق الجميع وكأنني الآن موجة متجمدة، الأمر خرج منه أمام المامبا، لا سبيل في النجاة لأمي، لا سبيل في نجاتي، لذا هتفت بنبرة صارخة في وجهه:

- أنا بكرهك، بكرهك، لو قتلتها عمري في حياتي ما هسامحك يا سيّاف ولا هشوفك تاني حتى بعد ما تموت مش هفتكرك زي نانا .. أنا اسمي ليونار.

أضفتها بنبرة أكثر صراخًا لأعترض على نطقه اسمي لأول مرة في حياتي قبل أن أخرج وأصفع الباب خلفي بعنف جعله يجفل على الأكيد ثم ركضت لعمي قاسم وأخبرته كل شيء بنبرة مهرتلة حيث لا يمكن أن تخرج جملة مفهومة من فمي بسبب قوة بكائي، لا أريد أن أخسر أمي.

- هارون مش هيقتل شيرين، خليك واثق من كدا.

قالها عمي قاسم بنبرة مؤكدة وهو يضمني له بقوة ويمسح على ظهري ويقبلني عدة مرات في محاولة منه ليهدأ حالتي، مسحت دموعي وأنا أحرك رأسي بالإيجاب، عمي هارون لن يقتل أمي.

______________ ︻╦デ╤━╼

في اليوم التالي تحديدًا بمنتصف الليل.

وصل رجال المملكة والقادة إلى المنزل الذي يختبئ به عائلة "فرانسوا" بمحافظة مرسى مطروح بإحدى مناطق سيوة حيث يقبع المنزل في مكان يشبه الصحراء كما إنه قريب من الحدود المصرية مع دولة ليبيا حتى يتسنى لهم الهرب للخارج في أي وقت، لكن عَلم رجال المامبا مكانهم بالفعل.

دلفوا الرجال أولًا مشهرين أسلحتهم في اقتحام يشبه انقضاض إحدى الفرق الخاصة على خلية إرهابية بينما اندفع عمي هارون خلفهم مباشرةً وهو يجول بعيونه حول المكان بأكمله وكأنه طفل تاه عن والده في مدينة الألعاب وها هو الآن يرى أبيه ويركض إليه، أغلق عمي هارون الباب خلفه بالمفتاح بعدما استقر بصره على الغرفة التي تقبع بداخلها أمي شيرين حيث تختفي داخل وشاح صوفي ثقيل أزرق اللون.

- هل أنت قادم لقتلي؟ تفضل هارون لك هذا.

قالتها أمي شيرين التي كانت تجول الغرفة ذهابًا وإيابًا قبل أن يدلف عليها عمي الغرفة لتتوقف عن ما تفعله وتعطيه نظرة محطمة له جعلته يشعر وكأن شاحنة صدمته بينما تنحني رأسها بزاوية، فحرك عمي هارون رأسه بنفي ردًا على حديثها السابق قبل أن يتنهد بثقل وهو يتقدم منها.

- تعلمين أنني لا يمكنني قتلك، لنموت معًا شيرين، أنا "أكيليس" وأنتِ المحارب الذي هزمني، وأنا لن اسمح لأحد بهزيمتي غيرك، اقتليني.

قالها عمي هارون بنبرة محشرجة وكأنها خرجت من مشغل موسيقى متهالك حيث صار كل ما يصدر منه صرير، بينما الدموع تنزف من عينه دماءً على قلبه المطعون وهو يضع سلاحه في كف يدها بسلاسة لتنفذ طلبه، فتحت شيرين ثغرها بذهول بينما قلبها نبض بعنف من التفكير في الفكرة قبل أن تعطيه رغبته عن طريق صفعة مدوية هبطت فوق وجنته.

- أفق هارون، لا يوجد وقت للأنهيار والضعف، أنت أب! ما الذي تفعله؟ هل تترك ليو الذي لم يجف جسده من دماء أبيه، أبيه هارون! أكثر شخص يحبه في الحياة، وأنت الشخص الوحيد الذي يمكنه مساعدته، أنت أكثر شخص يشبه أبيه، وتتخلى عنه بهذه البساطة؟!

قالتها شيرين بنبرة منفعلة عالية وهي تضربه على كتفه بكلا كفيها على الرغم من الدموع الملتمعة بمقلتيها حزنًا على من خسرت، فقد كانت دهب أخت لها وليست مجرد صديقة وسالم كان أخ لها كذلك، هذا غير داغر الذي ربته رفقة الجميع فهي واحدة من الأمهات، وآخرهم ابنها ليو، أنا الذي مازالت تفكر به حتى الآن.

- وماذا عن محمد (خوفو) ؟ لقد ماتت أمه هارون، وإنت تبنيته ووعدته إنك لن تتركه في حياتك، ماذا تفعل الآن؟ أين وعدك يا رجل؟ الصغير يضع العالم كله بك، وماذا عن باسل؟ لقد تركته أمه وأنت وعدته كذلك، ماذا عن رائف؟ وماذا عن أخيك؟ كن رجلًا هارون، حالتك لا تختلف عن حالة قاسم وهو بالتأكيد لا يمسك بمسدس ويحاول الأنتحار!

قالتها أمي شيرين بنبرة غاضبة في وجهه وكأنها شعله من اللهب وهي تمسكه من تلابيبه بعنف وترمقه بنظرة نارية وهي تتذكر أبنائها الصغار الذين حُرمت منهم، بينما هو ترك دموعه تهبط بلا توقف أثناء تعليق نظراته بها قبل أن يجلس فوق الأرض، يسند ظهره بالفراش ويحاوط ركبتيه بذراعه بضعف وتيه ثم هتف بنبرة مثقلة بشدة بينما يسمع دقات قلبه المجوفة كالدف.

- أنا منهك شيرين، لا أستطيع.

- لا، تستطيع هارون، أعلم إنك قوي، يمكنك البكاء لكن لا يمكنك التخلي عن الصغار، عندما ترغب في ضَم سالم ضُمّ ليو.

قالتها شيرين بنبرة خافتة رقيقة بعدما تنهدت بعمق ومررت كفيها معًا داخل خصلات شعرها الحمراء لتقبض عليها قبل أن تجلس أمامه على ركبتيها فوق الأرض الصلبة، ثم سحبت نفسًا أكبر عندما علّق بؤبؤيه التائهان بخاصتها الزرقوان الذان فقدا البريق السابق الذي كان يسكنهم قبل أن تستطرد:

- بدلًا من البكاء يمكننا تنفيذ ما كنت أخطط له، سوف نزيف موتي هارون، يجب عليَّ العودة للصغار، إنهم يحتاجون إليَّ.

هتفت بها وهي ترفع سترتها الواسعة عن معدتها ليظهر كيس دماء مربوط بمنتصف معدتها فوق سترة مضادة للرصاص، ومتصل بجهاز ليتم تفجيره عن بُعد حيث أعدت كل شيء مسبقًا حيث يطلق عليها هارون الرصاصات وتفجر هي الدماء وتتصنع الموت، تعلم إن هارون لن يقتلها كما تعلم إنهم سيصلوا لهم في أي وقت، ولا سبيل في الهرب من القادة والمامبا حتى إن دافع عنها هارون، هل سيقتل الجميع؟

خرج عمي هارون خلف شيرين التي تخطو بخطوات بطيئة وثقيلة وهي تثبت نظراتها أرضًا تحت نظرات الجميع حتى وصلت لمنتصف المنزل حيث يجلس جميع رجال العائلة أرضًا على ركبتيهم بذراعين مكبلين من الخلف بينما تنزف وجوههم بفعل الضربات.

- هذه من قتلت شعبنا لأجلها "أركتوس" (فرانسوا) ؟

قالها عمي هارون بنبرة جامدة وهو يثبت نظراته بأمي شيرين قبل أن يرفع سلاحه ويشهره ناحية جسدها بينما أطلق فرانسوا صرخة كانت ستخرج عالية لكن أعاقتها القماشة المربوطة فوق فمه، حاول فك قيوده وهو يتلوى بمكانه بقوة كـسمك تحاول الهرب من المصيدة لكن بلا جدوى أثناء تثبيته بنظراته ناحية شيرين.

- على الرحب والسعة، أعلم إنك لا تقتل النساء.

قالها شمس بنبرة مُرحبة وهو يحرك سلاحه كتحية فوق رأسه إلى عمي هارون بعدما أطلق رصاصة من سلاحه لتستقر في جمجمة أمي شيرين التي وقعت على الفور فوق الأرض وتوسعت بقعة الدماء حولها، بينما تجمد عمي هارون الذي شعر وكأن قلبه طفل صغير يركض بين البنيات يتلافى القصف الهادر فوق البنايات حتى وقعت فوق رأسه قنبلة حولته لقطع صغيرة متناثرة لا يمكن دمجها ببعض.

لم يسمع حديث شمس أو أي صوت آخر فقد تحولت جميع الأصوات لسمفونيات مهندمة من الهول بمنتصف حفلة بدار الأوبرا تنتهي بامراة يتحرك بلعومها كالبندول من الصرخات الطويلة وهي تتنقل لأعلى طبقات صوتها تباعًا.

خلع هارون معطفه القصير واقترب من جسد شيرين، ألبسها إياه بهدوء ثم وضع القلنسوة فوق رأسها الدامي قبل أن يحملها ويخرج بآلية، غير واعي لما يحدث، لم يعر لأحد بالًا، لقد ماتت حبيبته، فليبكي العالم.

مشى بها تجاه الصحراء لمدة لا يعلمها فقد توقف كل شيء داخله حتى قلبه إلى أن وصل لأحدى البحيرات المالحة، تقدم الى حافتها وجلس برفق متجاهلًا حدة الحواف التي جرحت قدمه بعدما خلع حذاءه مستخدمًا عظام المفصل خلف قدمه، أنزل قدمه في المياه لكنها طافت أمامه بسبب قوة ملوحة المياه، بينما عدّل من وضعها فوق قدمه وأبعد القلنسوة عن وجهها الشاحب ذو الشفتان المتشققتان حيث كانت تأكل جلد شفتها الميت من التوتر.

- اشتقت إليك شيري، أتعلمين؟ طوال حياتي لم أرغب بشيء سواكِ، لقد انتظرت هذا اليوم كثيرًا منذ فراقنا، انتظرت اللحظة التي أعود من جديد أسرد عليكِ الحكايات التي كنتِ تحبين سماعها بصوتي.

قالها عمي هارون بنبرة هادئة وهو يبعثر نظراته فوق وجهها يبتسم بسمة واسعة وكأنه يراها حيّة بينما تهبط دموعه فوق وجنتها لتمتزج بالدماء كأن دموعه هي الشيء الوحيد الواعي به في تلك اللحظة، لا تعلم دموعه لأي جهة تبكي، على حاله؟ أم على حبه؟ أم على عائلته؟ أم من حياته؟

منذ أن ولد ولا أحد يتوقف عن طعنه، قُتلت عائلته وهو في السادسة فقط، حُرم من حضن أمه، أحب امرأة ورغب بها حد الإحتراق، حصل عليها ثم طُعن من جديد، انسلخ منها، لم ينجب لكنه أتخذ من أبناء أخوته أبناءً له؛ وها هو الآن يخسر ابنه، أخيه، وحبيبته، لم يبقى مكان في صدره لطعنة أخرى، لقد رمى المحارب سلاحه واستسلم.

- كان يا مكان يا سعد يا إكرام، ولا يحلى الكلام إلا بذكر النبي ﷺ.
في إحدى المدن التي تقبع على السواحل التي تُدعى "أوملاس" بدأ مهرجان الصيف، ارتفعت أصوات الموسيقى، انتشرت الرقاصات، وصدحت الضحكات حيث بدا جميع سكان المدينة سعداء ومتحمسين أثناء تلاقيهم في الحقول الخضراء، بينما يقترب الفتيان والفتيات من خيولهم الجميلة المزينة منتظرون بدأ السباق حيث في ذلك التوقيت من كل عام يبدأ سباق أوميلاس.

حسنًا تظنين الآن شيري إن هذه مدينة خيالية، لكن لا، يوجد كل شيء بها، آلات ومعدات وكل شيء لكن لا يوجد جيش، أسلحة أو شرطة، ولما يحتاجون؟

أوميلاس أسعد الأماكن وأكثرها أمانًا حيث لا يتضور فيها إنسان، ولا يجوع فيها كائنًا ما كان.

بينما في الطابق السفلي لأحد مباني أوميلاس الرائعة يقبع طفل صغير في حجرة مظلمة ذات باب واحد موصد ويستند عليه ممساحات قذرتان تفوح منهما رائحة بشعة، تظهر عظام الطفل بسبب سوء التغذية حيث يجوعونه طوال الوقت، بينما يهمهم بكلمات غير مفهمة بسبب فقدانه قدرة الكلمات.

عندما حُبس في تلك الغرفة كان يصرخ ويردد "اخرجوني من هنا" "سوف أكون طفلًا جيدًا" لكن لم يخرجه أحد؛ الجميع يعلم بوجود هذا الطفل ويعلمون إن سعادة وجمال مدينتهم تعتمد كليًا على سعادة هذا الطفل.

يشرح هذا الأمر للأطفال من سن الثامنة إلى الثانية عشر وعندها يجب عليهم الذهاب لرؤيته، وعندما يحدث ذلك یشعرون باشمئزاز والغضب وثورة وعجز برغم كل الشروحات لھم. یودون لو أن بإمكانهم فعل شيء للطفل، ولكن لا شيء ھناك بإمكانهم فعله. لو تم إخراج الطفل للضوء خارج ذاك المكان الوضیع، لو تم تنظیفه، إطعامه والاعتناء به، لكن إذا حدث ذلك كل سعادة أوميلاس ستذهب.

يظل الأطفال يبكون حتى ينسوا الأمر ويمضوا في الحياة مثل باقي الشعب، لكن في بعض الأحيان عندما يذهب الأطفال لرؤية الطفل يقررون عدم العودة إلى المنزل، وكذلك بعض كبار السن الذين عاشوا لسنوات ويعلمون بوجود هذا الطفل، هؤلاء الأشخاص يغادرون المدينة بالكامل، ويسافرون نحو مكان غامض وغير معروف، لكنهم يعرفون طريقهم.

انتهى من سرد قصته وهو يبعثر نظراته حوله حيث تتفتح درجة السماء إلى أول درجات اللون الأزرق والتي مكنته من رؤية المكان حوله حيث الرمال الصفراء الباردة تخطي كل شيء حوله إلا البحيرة الخلابة التي يجلس على حفتها فتبدوا وكأنه عين زرقاء داخل وجه الرمال، داعب الهواء البارد وجهه وجعل خصلاته تتطاير، فشد المقطف حول جسد حبيبته وأغلق السحاب حتى لا تبرد ثم ملأ كفه ببعض المياه ونثره فوق وجهها ينظفه.

- أعلم إنك كنتي ستخرجين من المدينة شيرين، لن ترضي أن تكون سعادتك على حساب معاناة آخر، بينما سيختار جدي سيّاف البقاء، هل سيدمر سعادة شعب بأكمله من أجل فرد واحد؟، حسنًا لا يهم، أنا أحبك شيري.

قالها عمي بنبرة صادقة وهو يطبع صورة قلبها فوق صفحات قلبه قبل أن يضحك بخفة عندما تذكر الأمر، حيث إن أمي شيرين كانت تقطب جبينها وتتحول إلى كتلة مشتعلة من النيران عندما يمر يوم واحد دون أن يخبرها بأنه يحبها، فهي كانت تحب التدلل عليه كثيرًا.

هل أخبرتكم كيف تزوجت أمي شيرين هارون؟

كان والد شيرين واحد من قادة المملكة لكنه قُتل فعاشت مع عمها الذي تزوج أمها من بعده حيث إن أخيها كان بعمر الرابعة عشر وقتها، وكعادة معظم شعب المملكة تم إعلانها كخطيبة "فرنسوا"  الذي كان مهووس بها بشدة، لكنها لم تكن تطيق رفقته مطلقًا وكانت تهرب من محيطه كلما سنحت لها الفرصة حتى وقعت لعمي هارون منذ مرحلة الثانوية فهي صديقة أمي المقربة، لم تحبه لكونه أقوى أبناء القادة وأشدهم وكل هذا الهراء، بل أحبته لإنها رأت خلف كل هذا الجمود والعنف رجلٌ حنون للغاية.

كانت شيرين ذات السابعة عشر تتنزه رفقة صديقتها المقربة دهب التي بمثل عمرها، وكان هارون يرافقها في ذلك اليوم لإن جدي لا يسمح بتنزه النساء وحدهن، كما إنه لا يثق كثيرًا بالرجال فوقتها كان معه مامبا واحد فقط لإنه لم يكن الملك وقتها، كان هارون يجلس على مقعد بالقرب منهما حتى يترك لهما حرية الحديث يمرر نظراته بملل حول الحديقة حيث إنه لا يفضل الخروج مع دهب لكن سالم في ذلك الوقت كان لديه مذاكرة وداليا لم تدعه يذهب، حرك نظرته عليهما لثانية قبل أن ينتفض من مجلسه ويذهب إليهما حيث رأى شيرين تبكي.

- ماذا حدث؟ لما البكاء؟ هل ضايقك أحد؟

- لقد.. لقد كسرت إظفري.

قالتها شيرين بنبرة منتحبة وهي ترفع إصبعها ليظهر إظفرها المكسور والذي مازال ملتصق جزء منه بطرف بإصبعها بينما تظهر بقعة دماء صغيرة بالناحية الأخرى، وحينها شعرت بالندم على الفور عندما وقع بصرها على ملامح هارون المتجمدة وهو يثبت نظراته بها وكأنه إنسان آلي فرغت بطاريته، فقد كان يحاول استيعاب الأمر والتفكير في شيء مناسب ليقوله بينما طفقت ذكرى له داخل رأسه حيث كان سالم يركض منه بعدما فعل به مقلبًا وهو ينظر للخلف ثم اصطدم بقوة بواحدة من الأشجار التي سحقت عظامه بالطبع وجعلته يدخل في نوبة ضحك لمدة دقائق مستمرة!

تم شحن بطارية هارون أخيرًا وتحرك من أمامها نحو الخارج وهو يحك فروة رأسه من الخلف، بينما زفرت شيرين بقوة ويأس وهي تضع محرمة حول إصبعها بعدما كسرت الجزء العالق به وهي تسب حالها داخلها، بالتأكيد شعر إنه أضاع وقته الثمين معها، لكنه طعن ظنها في مقتل عندما عاد بعد دقائق يحمل في يديه كوبين من مشروب الشيكولاتة الساخنة يتصاعد منهما البخار وحقيبة بها العديد من الحلوى، ثم وضعهم فوق الطاولة وعاد لمجلسه من جديد.

- اللعنة، اعتقد إنه سيقتلني.

- لا، هذا هارون عندما يحاول استيعاب الأمر، وهذه هي الطريقة التي يعبر بها عن تفهمه لمشاعرك والأهتمام بكِ، فهو لا يُجيد الحديث مع النساء، إذا كان سالم لذهب بنا لمكان يمكننا شراء منه منتجات تقوي أظافرك.

قالتها دهب بنبرة هادئة وهي ترتشف بلتذذ من مشروبها وعلى ثغرها ابتسامة رقيقة بسبب ذكرياتها مع هارون الذي يتجمد تفكيره كلما تحدث معها، ففي آخر مرة توقف عقله لمدة ربع ساعة كاملة في محاولة منه لخروج شيء من فمه ليقوله لها حتى يواسيها حيث كانت تبكي بسبب موت بطل رواية كانت تقرأها، لكنه استسلم في نهاية الأمر وذهب للمطبخ ليحضر لها مشروب الشيكولاتة ثم أخذها لمكتبة وابتاع لها رواية لا يموت البطل بنهايتها حيث إنه تقريبًا هدد العامل إنه سيقتله إذا مات البطل في النهاية وكأنه من كتبها.

_ حسنًا دهب، زوجيني واحد منهما وإلا قطعت علاقتي بك يا فتاة.

قالتها شيرين بنبرة مهددة مازحة على الرغم من صدق رغبتها في الزواج منه هو، كما اقسمت داخلها إنها ستتزوج بهارون مهما حدث فهي لم تشعر بشيء تجاه سالم من قبل على العكس من ما شعرت به تجاه هارون، بينما ابتسمت دهب ولم تجيب عليها، أتعلمون لماذا؟

لإن هارون لا يهتم بأحد من غير عائلته، وكذلك لم يدخل في علاقة مع أنثى أو يتحدث مع إحداهن من قبل لإنه لا يعير بالًا للنساء ولا يشعر بالشغف تِجاهن، كونه أهتم بها هذا يعني إنه يكن مشاعر داخله لها، لكنها لم تخبرها حتى لا تؤثر عليها، فقد كانت ترغب في تركها تُقرر هذا الأمر وحدها.

وعلى الناحية الأخرى بدأت شيرين في تنفيذ خطتها وأصبحت تتحدث مع هارون رغمًا عنه وتفتح معه مواضيع غريبة مثل الألوان التي تليق مع لون شعرها الأحمر، ماذا سترتدي في عرس صديقتها القادم؟ أو حتى تسرد عليه بالتفصيل قصة الرواية التي تقرأها إذا لم تجد حديث، وعلى الرغم من إنه يظهر أمامها عدم مبالاته بما تخبره به، إلا إنه لم يقاطع ثرثرتها قط من قبل، كانت ترى داخل عينه الولع بحديثها وتفاصيلها حتى إنه كان يظهر عليه حفظ حديثها ونسخه داخل عقله، فقد أصبح يعلم كل شيء عنها.

لكنه لم يأخذ خطوة تِجاهها ويطلب منها الزواج، حتى بعدما أخبرته إنها لا تطيق فرانسوا ولن تتزوجه حتى لو قتلها، وأيضًا على الرغم من شعورها إنه كان يستشيط غضبًا عندما تتحدث مع رجل آخر بالمملكة، لكنه كان يعلم داخله إنها لن تصبح له، كيف يسرق امرأة من خطيبها؟

لكن شيرين، لا تستسلم أبدًا

_ جلالة الملك، ألم تنص القوانين على أن تتزوج ابنة القائد الراحل أي رجل ترغب به من المملكة.

قالتها شيرين ذات الواحد والعشرون عامًا للملك سيّاف في أحد الأيام التي يتجمع بها جميع شعب المملكة للمرح والهراء، لتقاطع الأجواء وتلهب الحماس في نفوس الجميع حيث يعلموا أن القادم مُسلي بالطبع، فها هنا واحدة تتمرد على عائلتها، بينما نظر لها الملك سيّاف وهو يبتسم بوقار قبل أن يهتف بنبرة مشاكسة مازحة:

- نعم، وإذا كنتي ترغبين فيَّ شخصيًا ليس لدي مانع.

- أوه! هذا شرف لي جلالتك لكنك كبير عليَّ قليلًا، لذا أرغب في شخص بقوتك لكن في مثل سنّي، مِن وجهة نظرك مَن هو؟

قالتها شيرين بنبرة رزينة بها بعض المزاح والبراءة المصطنعة وهي تحاول عدم النظر إلى هارون، فابتسم سيّاف بسمة هادئة تراقص بها الخبث قبل أن يقول بنبرة هادئة متعقلة وهو يبعثر نظراته على الجميع حيث يعلم أن هارون الأقوى لكن إذا هتف بذلك سيتلقى اعتراضات الجميع:

- ما رأيك بعمل مواجهة شيري لنرى من الأقوى؟

- حسنًا، إنها فكرة جيدة لكنني أفضل مسابقة تصويب فأنا لا أحب العنف.

قالتها شيرين بنبرة حاولت إن تخرج هادئة وغير عالية من فرط الحماس بينما لمعت عيناها بوميض لامع قوي حيث إن شعب دماءها يرقص داخلها من فرط السعادة، بينما تدخل عمها في الحديث ليقاطع هذه الأجواء يقول بنبرة غليظة جامدة وهو يرمقها بنظرة ساخطة:

- أنتِ مخطوبة شيرين لـفرانسوا.

- ماذا "أركتوس"؟ هل تظن إن ابنك ليس قوي كفاية ليربح بها؟

قالها سيّاف بنبرة مراوغة إلى عمها بعدما رأى وجه ابنه هارون الذي تورد من السعادة التي انفجرت داخله فها هي أرقام ورقة اليناصيب تتماثل مع الأرقام الرابحة، فصمت القائد "أركتوس" قبل أن يؤيد فكرة المباراة بينما توسع بؤبؤا شيرين بشكل ملحوظ حيث علمت الآن أن اليوم سينتهي بزواجها من هارون.

_ حسنًا القوانين بسيطة، من يصوب في منتصف الدائرة سهامه الثلاثة يتزوج شيرين، وأن لم ينجح أحد سوف اتزوجها أنا.

قالها سيّاف بنبرة مازحة بعد حديثه الصارم فصدحت ضحكات الجميع، بينما وقف كل قائد غير متزوج على بعد من الهدف الخشبي ذو الدوائر السوداء في الساحة الخارجية التي شُيدت من أجل هذه اللحظة، بينما أمسكت شيرين السلاح الذي اعطاه لها سيّاف، فوضع كلًا منهما عصابة سوداء فوق عينه ليصوب معصوب العين حيث تم تقرير ذلك لسهولة الأمر عليهم حيث إن الجميع يمكنه التصويب، أين المعضلة؟

وقف هارون أمام هدفه معصوب العين وهو يضع قوسه بأناقه أمام جسده، وضع السهم في مكانه بمنتصف القوس وثبت الريشة بين إصبعي السبابة والوسطى ثم شد الوتر كعازف يعزف على أوتار آلته  وهو يفرد ذراعه اليسرى أمامه ويسحب بالسهم باليمنى، لم يشد عضلاته، بقى هادئًا وتنفس بعمق حتى سمع صوت الرصاصة التي أطلقتها شيرين بحماس، افلت السهم من بين أصابعه ليطير بحرية كطائر مهاجر تجاه الهدف بينما صدح صوت ألحان الوتر المشدود بنغمات محببة لقلبه ممتزجة بصوت ثقب السهم للهدف الخشبي، ثم التقط سهم آخر من الحاوية المعلقة خلف ظهره ولحق بأخيه قبل أن يرمي بالثالث.

أزال هارون العصابة من فوق عينه ليقع بصره على السهام الثلاثة في المنتصف حيث مزق كل سهم سابقه من المنتصف فهو معتاد على ذلك لإن جدي سيّاف كان يدربه معصوب العين، بينما وصل سهم واحد فقط من فرانسوا واثنين من شمس، ثم خطى تجاه شيرين التي ترقص داخلها جميع الرقصات التي تعرفها في آن واحد لتخلق رقصة جديدة خاصة به وحده، بينما تقف برزانة وترسم بسمة وقورة على ثغرها، أخرج هارون من حاملة سهامه تفاحة حمراء اللون عندما وقف أمامها مباشرة، مد يده بها لها وهو يشير ناحية رأسها باليد الأخرى فأخذتها على الفور.

وضعت شيرين التفاحة فوق رأسها ووقفت ثابتة وهي تثبت بؤبؤاها الزرقوان على وجهه بينما هو وقف على بُعد منها بعثر نظراته على شعرها ووجهها بالنسبة لذراعه ليقيس المسافة قبل أن يضع العصابة السوداء فوق عينه ويلتقط القوس المستند على جسده بعدما تركه ليربط العصابة ثم ثبت السهم في القوس.

- هل تعلم إنك مغرور يا رجل؟! أنا أتحدث معك منذ نصف ساعة وأنت لم تعطيني إماءة واحدة من رأسك!

صدح صوت شيرين داخل رأسه في تلك اللحظة حيث جائته ذكرى لها عندما كانت تتحدث معه وهو لم يعطيها أي رد فعل، ثم ضحك بخفة داخله بعدما تذكر إحمرار وجهها من الغضب عندما أومأ لها برأسه ليرد على حديثها قبل أن يفلت السهم الذي حلّق في الهواء إلى أن اخترق التفاحة ثم صدح صوت التهليل من الجميع.

- مرحبًا بكِ في المملكة شيرين.

قالها هارون بنبرة مازحة بعدما اقترب منها والتقط التفاحة قبل أن ينزع منها السهم وقضم قطعة منها بأسنانه وهو ينظر لها بثقة، بينما تدخل عمها في الحديث يهتف بنبرة ضائقة ليعترض على الأمر وكأنه يعلم حرفًا واحدًا من عقيدته:

- إنها لا تستطيع الزواج من هارون لإنه لا يتبع دينها قيصر.

- لا بأس عمي، يمكنني إتباع دينه.

قالتها شيرين مسرعة بلهفة قبل أن يوافق سيّاف على الأمر حيث معظم الزيجات تتم في المملكة بين رجال ونساء من نفس العقيدة الدينية - إذا كان لديهم دين- لكن في بعض الحالات تتبع المرأة دين زوجها كنوع من أنواع الرومانسية أو الهراء، بينما صدحت زغرودة دهب عاليًا واقتربت منها وهي تغني أغنية خاصة بالأفراح ثم سحبتها لغرفتها حتى تجهزها للعُرس.

______________ ︻╦デ╤━╼

تطايرت خصلات شعر شيرين الحمراء التي تشبه لهب النيران للخلف بتمايل بفعل الرياح التي تصرخ بجانبها بسبب سرعة قيادة هارون المتهورة حيث تجلس أعلى المقعد الخاص بالسيارة ذات المقعدين فقط، ترتدي فستان أبيض يصل لمنتصف ساقيها ووشاح أبيض فوق رأسها يتطاير خلفها رفقة خصلاتها، بينما ترتفع ضحكاتها عاليًا بطريقة أشبه للجنون، لقد تزوجت الرجل الذي تحبه في خلال ساعات!

_ أحـبـك يا رجـل!

صرخت بها شيرين عاليًا وهي تحيط فمها بكفيها ليتردد الصوت بقوة بسبب هدوء الليل وخلو الطريق من البشر بينما ارتفعت ضحكات هارون وهو يحرك رأسه بدون تصديق عليها وعلى ما حدث فقلبه يكاد يخرج من بين ضلوعه ليرقص معها رقصة صاخبة ثم يعود من جديد لموضعه.

- اعترف لي بحبك هارون!

- أوه يا ربي، أنت مختلة بالفعل، ألا تشعري بالخوف؟!

قالها عمي هارون بنبرة عالية غير مصدقة تعقيبًا على جملة شيرين التي خرجت بنبرة ملتهبة لسماع اعترافه بعدما أمسكت وجهه لينظر لها عقب جلوسها بجانبه حينما كان يجري بالسيارة بسرعة عالية في منتصف الطريق السريع.

- لا مكان للخوف بقلبي رفقتك هارون.

- قلب هارون.

قالها هارون بنبرة متغزلة وهو يضحك بسعادة تعقيبًا على حديثها الذي خرج بنبرة صادقة وواثقة بقدراته وهي تنظر له بانبهار كعادتها، فهي تحب كل ذرة به، ضحكته، ملامحه، قوته وحنانه، بينما هو عاد للطريق بتركيزه من جديد حتى مر واحد من رجال المملكة بجانبه بسيارة سباق مثل خاصته وفي اتفاق ساكن بدأ السابق بينهما تحت ضحكات شيرين المتحمسة على الرغم من قبضها على المقعد والشرفة حتى لا تطير من جانبه مع اندفاع جسدها الذي يرتج وكأنها كرة حديدية في آلة "الماركيس"

- أنا غاضبة منك هارون، أنا فتاة وأخجل مثل الجميع لكنك جعلتني أركض خلفك وأنت ظللت تتجاهلني.

- آسف شيري، أنت جميلة للغاية كالزهور الحمراء وأنا لم أكن أرغب في قطفك حتى لا تموتي.

قالها هارون بنبرة حزينة ثقيلة بعدما تنهد بعمق تعقيبًا على حديث شيرين الذي تغير منحناه لتعبر عن حزنها منه ومن طريقته معها قبل الزواج، بسبب تجاهله وبروده معها بينما هي كانت تفعل ذلك رغمًا عن خجلها وانوثتها التي طعنتها بالركض خلفه هكذا باختلال كما يركض المعجبات خلف المشاهير.

- أنا مقتنع تمامًا إنه يجب عليَّ الزواج من امرأة تشبهني شيري، لا أرغب في تغير زوجتي حتى لا تنطفئ وتتغير، لم أكن أرغب في جبرك على شيء، كنت أخاف من رؤية حبك يتحول لكره وندم، لإن هناك الكثير من الأشياء التي لا تعجبني بكِ.

- مثل ماذا؟

قالتها شيرين بترقب وهي تقلص المنطقة بين حاجبيها تعقيبًا على حديث هارون الذي خرج بنبرة هادئة يغلفها الحزن الممتزج بالخوف وهو ينظر لوجهها الصافي بعدما صف السيارة بجانب الطريق حتى يتسنى له رؤيتها ويركز معها بجميع حواسه، لا يعلم هل لأن عينه تدفعه لذلك حيث عشقت رؤيتها؟ أم لإنه غير مصدق إنه تجلس أمامه ترتدي خاتم زواجها به؟ أم الاثنين معًا؟

- أنتِ متمردة شيري، وعنيدة لن تسمعي للحديث، وأنا لا أحب ملابسك، هذا إذا كان يمكنني قول على تلك الأقمشة ملابس، كما إنك تتحدثين مع رجال المملكة وتمزحي معهم وأنا رجل شرقي أغار وأرغب بكِ لي وحدي فقط، أنا بالكاد أمنع حالي من وضعك بصندوق زجاجي.

- هل تغار عليَّ؟ أوه! ما هذا الجمال هارون، لا يمكنني تصديق أن كل هذا أصبح لي!

قالتها شيرين بنبرة غير مصدقة عالية من الحماس وهي تضع وجهه بين كفايها الاثنين وتنظر له من خلال عيونها الملتمعة كتعامد القمر فوق البحر تعقيبًا على حديثه الذي خرج بنبرة ضائقة من تذكره أمر تحدثها مع رجال المملكة بسبب غيرته غير الطبيعية عليها، فهو بالكاد منع حاله من قتل الجميع.

- أُحبك هارون.

- قلب هارون.

قالها بنبرة مشاكسة وهو يغمز لها بطرف عينه تعقيبًا على حديثها التي قالته بنبرة محببة، تركت شيرين وجهها بملامح يحتلها الضيق حيث إنها كانت تنتظر اعترافه لها بالحب والقاء كلمات الغزل في وجهها، ثم استلت سلاحه المتعلق بجانبه أشهرته في وجهه وهي تقول بنبرة مهددة:

- اعترف هارون.

حرك كتفيه بعدم فهم كاذب على الرغم من إنه يعلم الذي تقصده، فضيقت جفناها له بتهكم مما أدى لأرتفاع ضحكاته عاليًا وهو يمد يده تجاه المفتاح ويدير محرك السيارة الذي كان بمثابة إدارة قنوات الدموع داخل شيرين حيث انفجرت في البكاء بعنف بعد أن تركت السلاح من يدها على تابلوه السيارة وبدأ كتفاها يهتز.

- أحبك، أقسم أنني أحبك شيري، من فضلك لا تبكي، لا يمكنني تحمل دموعك إنها بمثابة الماء المغلي فوق جسدي.

- لا، أنا أشعر بالحزن هارون، لقد طعنت أنوثتي.

قالتها بنبرة منتحبة من بين شهقاتها وهي تمسك طرف سترته من الأسفل وتجذبه لها وهي تنحني ثم مسحت دموعها وأنفها به بعد أن بحثت عن محارم ولم تجد، تعقيبًا على حديث هارون الذي خرج بنبرة متوترة بلهفة ممتزجة بالندم بسبب بكائها، فقال لها وهو يجاهد لكبت ضحكته على فعلتها بسترته:

- سامحيني هذه المرة من أجلي.

- لا، أنت رجل مغرور صعلوك تفرح بركض تلك البلهاء خلفك وأنت مثل الأرعن، تبًا لك، هيا طلقني الآن.

قالتها شيرين بنبرة غاضبة وهي تضربه بكلا كفيها في كتفه عدة مرات بينما هو لم يبد رد فعل على حديثها حتى هتفت بكلمة الطلاق فقد حدَّق بها بنظرة مخيفة بينما برزت عروق رقبته بطريقة جعلتها تلتصق بالباب خلفها من الخوف قبل أن يهتف بنبرة عالية حادة:

- هذه المرة الأخيرة التي تخرج من فمك تلك الكلمة البغيضة شيرين، لا يوجد لدينا طلاق.

- أيها اللقيط، أخافتني.. هيا راضيني!

قالتها بنبرة متهكمة وهي تضربه في كتفه بكفها المتكور من جديد بخفة وكأنها بطة صفراء تضرب دب بني عملاق، بينما هو ابتسم لها بهدوء ومسح على خصلاتها ورفع طرف سترته يمسح دموعها بندم من توصيلها لتلك الحالة حيث إنه يخاف من الأعتراف بمشاعره فقد تربى على يد رجل كان يوسوس داخل أذنه مرارًا وتكرارًا بأن الحب يضعف الرجال.

- أنا آسف شيري، من فضلك كفى بكاءً، أنا أحبك.

- لا، أنا حزينة .. لكن إذا حملتني فوق ظهرك وركضت بي وجلبت لي الطعام ربما أفكر في الأمر.

قالتها بنبرة هادئة وهي تمسح أنفها في سترته من جديد مما جعلته يضحك بخفة عليها قبل أن يسحب المفتاح من السيارة ويترجل منها، استدار حول السيارة بينما هي وقفت فوق المقعد بحماس طفلة صغيرة ذاهبة لمدينة الألعاب ثم قفزت فوق ظهره حيث مكانها الذي أصبح مفضل من تلك اللحظة، وبدأت تبتسم بسعادة انفجرت داخلها لكنها لم تُخرج صوت حتى تتصنع الضيق، بينما ركض بها هارون في الطريق بسعادة أكثر من سعادتها حيث كان يطير في الطريق.

هو يحتاج لها أكثر منها، يحتاج للمرح، الضحك، والحب، يحتاج لحنانها عليه، فقد عاش طوال حياته يستمع لحديث عمه ويتدرب حتى يصبح الأقوى، لا يعلم ما الذي يسعده؟ لا يعلم ما الذي يرغب به؟ الشيء الوحيد الذي يفعله هو دخول سباقات السيارات والفوز فقط، أعلم أن هذه اللحظة كانت اللحظة الأكثر سعادة في حياته.

_ هل راضيتي عني الآن؟

قالها هارون بنبرة متسائلة إلى زوجته التي تجلس أمامه في الناحية الأخرى من الطاولة الممتلئة بالطعام المفضل لها بإحدى المطاعم التي أجبر هارون ملاكه على إعادة فتحه بلطف باستخدام السلاح، بينما هي تجاهلته وهي تأكل إحدى المعجنات بتلذذ وتخفي السعادة عن وجهها متصنعة الغضب.

- ما الذي يجب أن يفعله لقيط مثلي حتى ترضي عنه؟

- حبيبتي، حتى ترضي عني حبيبتي.

هتفت بها بنبرة قاطعة رزينة وهو تغلق أهدابها وتفتحها بثقة لتصحح له جملته بعد حديثه الذي خرج بنبرة رخيمة بعدما جلس على ركبته أمامها وأمسك كفها بين كفه، حرك رأسه بالموافقة على حديثها ثم أعاد صياغة الجملة من جديد مضيفًا "حبيبتي" في النهاية.

-  ما الذي يجب أن يفعله لقيط مثلي حتى ترضي عنه حبيبتي؟

- رجل جيد، ما كل هذه الحلوى يا راجل، أقسم أنني لا أصدق بزواجي من قطعة الكعك هذه.

قالتها بنبرة متغزلة وهي تحيط وجهه بكفيها بينما تلمع مقلتيها كالنجوم في السماء من السعادة التي تشعر بها الآن، بينما هو ارتفعت ضحكاته عليها تباعًا وهو يحرك رأسه بدون تصديق على ما تفعله به.

سحقًا لمرآة الحب يا أمي!
أين الكعك؟
إنه أشبه بكعكة احتفال الهالوين المخيفة التي تتناثر فوقها العناكب!
حسنًا، لنعود لموضوعنا

وفي الأسبوع التالي أُقيم عُرس كبير يليق بمكانة جدي سيّاف وكذلك لحلم شيرين في إقامة عُرس وارتداء فستان حقيقي، كانت مضيئة كحجر مشع بينما كان يظهر الحزن على نساء عائلتهم فقد كانت زوجة عمها تودعها وكأنها ذاهبة لتلقي حتفها وليس الزواج، فهن يرون إن هارون رجل مخيف بشدة وهي لم تحاول تعديل تلك الفكرة عنه، لأنها تغار عليه من الفتيات.

- كيف يمكنك تحمل هذا الوحش شيري؟

قالتها "فريا" ابنة عمها بنبرة مشفقة على شيرين وهي تقوس حاحبيها بحزن عندما رفضت شيرين مصافحة صديقها وأخبرتهم إن هارون لا يسمح بذلك، وهن يعلموا سابقًا إنه لا يسمح بالتنانير القصيرة أو أي شيء قصير، أي شيء دون أكمام تصل لنصف المرفق كحد أقصى، طلاء الأظافر الأحمر، والحديث مع الرجال.

- لنغير الحديث، لا أحب تذكر الأمر.

قالتها شيرين بنبرة ظهر بها الضيق الممتزج بالحزن بينما لمعت عيناها بدموع لا أعلم من أين أتت بها ثم نظرت للأعلى بأسى وكأنها تمنع حالها من البكاء، بينما من داخلها تضحك بشدة فهذا الوحش يدللها كطفلته، يضع لها طلاء أظافرها، يقوم بتمشيط شعرها كل يوم، يحكي لها حكاية قبل النوم، يسافر بها حول العالم مرة بالشهر لولعها بالسفر، ويأخذها للتنزة بالسيارة فجرًا لإنها تشعر بالملل على الرغم من التزامه بمواعيد العمل.

بينما سقط فك هارون الذي كان في طريقه لها وهو يتذكر ما حدث بالأمس حيث أخذها لمدينة الألعاب قبل أن يتحرك من أمامها بضيق وهو يعقد ساعديه أمامه.

- أوه يا مسكينة كيف يمكنك تحمل رجل مثلي!!

- ما الذي يضايقك ها؟ هل ترغب في جذب نظر النساء لك، ثم إنك لم تخبرني اليوم إنك تحبني ولم تجلب لي حلوى!

قالتها شيرين بنبرة متذمرة وهي تعقد ساعديها أمامها بضيق بعد حديثها الأول الذي خرج بنبرة حانقة وهي تشد طرف أذنه وكأنه ابنها الصغير، تعقيبًا على حديثه الذي خرج بنبرة ساخرة بعدما لحقت به شيرين حتى لا يحزن أو يظنها حزينة بالفعل.

- أنا كنت في طريقي إليك حتى أخبرك بشيء، لقد هددت قاسم حتى يخبرني به.. حسنًا، لم يكن يجب عليَّ قول ذلك!

أضافها بنبرة ضاحكة خجولة وهو يحك فروة رأسه من الخلف بعد حديثه السابق الذي خرج بنبرة متحمسة ليخبرها بكل شيء كطفل يسرد يومه على أمه حيث إنه هدد أخيه حتى يسرق منه كلمات الغزل.

- كما يقول جدي المُهيري خلقت النساء لتدلل فلكِ الدلال "شهرزاد".

قالها هارون بنبرة متغزلة بالفصحى وليس الفرنسية كما يتحدث معها وهو يعطيها زهرة زرقاء اللون وصندوق من الشيكولاتة مثلما تحب، بينما ضحكت شيرين بسعادة وأخدت منه الأشياء وهو تقفز كمراهقة بينما ينبعث من عيناها وهج لامع من اللقب الذي حصلت عليه حيث إنه يسرد عليها حكايات ألف ليلة وليلة من الحين والآخر.

كانت سعيدة بشدة، نعم، كانت سعيدة معه لدرجة انني كنت أشعر إنها يمامة بيضاء تطير بحرية فوق السحاب، لكن حياتهم تبدلت فجأة مثل بطلين فيلم سعداء كانا ذاهبين لرحلة على شاطيء خلاب في طريق هادئ حتى نسوا قطع الطريق، مما أدى لدلوفهم بلدة مرعبة ترج القلوب وتحولت ضحكاتهم لنعيق غربان، حماسهم لرهبة، ورحلتهم السعيدة للرحلة الأخيرة التي تصلهم بالموت مباشرةً.

لا يوجد حمل، خمس سنوات دون حمل، هذا الأمر لم يمثل لعمي هارون مشكلة لإنه أب بالفعل لكن الجميع كان يضغط عليه، عمه، عمها، زوجة عمها، الجميع كان ينتظر الوريث، فهارون هو الملك، الجميع يعلم ذلك.

- الموضوع ده زرق من ربنا يا عمي، أحنا مش بناخد حاجة تمنع الحمل.

كان يردد هذا الحديث مرارًا وتكرارًا في كل مرة يُفتح بها هذا الموضوع أمامه، لم يكن يرغب في الذهاب للمشفى، فهناك جزء داخله يشعر إنها لا تُنجب، وهو لم يكن يرغب في رؤيتها حزينة، هو يحبها ويكتفي بها عن العالم أجمع، لكن لا مفر من الأمر لقد ذهب بها للمشفى بالفعل بعدما ضيق عليه سيّاف الخناق.

_ أنا أب لعيال كتير مش بحس بفرق خالص بينهم يا هارون، نفس المشاعر اللي بحسها مع داغر هي اللي بحسها مع يعقوب.

- أنا عارف إن شيرين مش بتخلف يا صالح ريح نفسك من الجلسات النفسية دي.

قالها هارون بنبرة هادئة ليقطع حديث صالح الذي خرج بنبرة رزينة بعدما أتخذ القرار أخيرًا ليخبره بنتائج التحاليل بعد يومين كاملين من التردد في الأمر، حيث مرّرت الطبيبة التحاليل لمكتبه، مسح صالح وجهه بتوتر وهو يبتلع ريقه حيث إن حلقه جف كالصحراء قبل أن يقول بنبرة خافتة مختنقة وكأن أحد وضع حجر بمنتصف حلقه:

- مش شيرين، التحاليل بتقول إن نسبة الإنجاب عندك ضعيفة جدًا، بس طبعًا مفيش حاجة مستحيلة، في علاج والطب بيتطور كل يوم.

لم يستمع لباقي حديث صالح لإنه انعزل عن العالم بأكمله ولم يصدح أي صوت داخله سوى كلمة "نسبة الإنجاب ضعيفة" التي ظلت تتردد داخل عقله كنواقيس إعلان حالة الخطر في القرية قبل أن ينهض من مجلسه ويخرج من المنزل بأكمله، هبطت دموعة من عينه بألم وحجبت الطريق عن رؤيته.

ما الذي ستفعله شيرين؟
هل ستتركني؟
أعلم إنها ترغب في الإنجاب، تنظر لتفاصيل ليونار الصغيرة بدقة وهي تبتسم بحنين قوي وعيناها تبرق بوضوح، ترغب في جزء صغير منها تهتم به كما تهتم بليونار، ترغب في أخ له.

_ كنت أعلم إنك هنا، هيا حبيبي حتى نعود للمنزل.

قالتها شيرين بنبرة دافئة وهي تمسح على ظهر زوجها حيث يجلس بأحد مقاعد مدرجات حلبة سباق السيارات لإنه المكان الأقرب لقلبه بعدما ذهب إليه في النهاية وجلس بذلك المقعد لمدة ثلاث ساعات بينما تتساقط الدموع من عينه دون توقف وكأنها تسعد بتحررها أخيرًا من مقلتيه بعد العديد من السنوات التي قضاها ناكرًا لحزنه، هارون لا يبكِ ولا يحزن بل يحول كل شيء لمزحة حتى يخفف عن حاله، وهذا يجعل الحزن يتراكم فوق قلبه حتى أنذر بانفجار قريب وقد حدث.

- أنا أعلم الأمر منذ ثلاث سنوات، وأنا أحبك ولا أرغب بشيء سواك.

قالتها شيرين بنبرة حنونة وهي تضع وجهه بين كفيها كما تفعل دائمًا وتمسح دموعه العالقة بأهدابه بإصبعي الإبهام بعدما حركت رأسه لينظر لها حيث كان متجمدًا في مجلسه ويعلق بؤبؤاه بالسيارتين في المضمار حيث يتسابق اثنين من الشباب في المساء بمرح وخفة تتنافى مع هموم قلبه الثقيل.

ساعدته زوجته على الوقوف وعادت به للمنزل وهي تحاول بكل ما تستطيع أن تجعله يُخرج تلك الفكرة عن رأسه، إنها أم بالفعل، أم ليونار، لقد مرت معه بكل مراحل الأمومة لم يفوتها أي شيء، وهذا ما حمدت الله عليه كثيرًا.

أنا وأمي شيرين كلًا منا احتاج للآخر هي احتاجت لشعور الأمومة وأنا احتجت لأم حقيقية تضعني في حضنها وتقبلني، لذلك إنها أمي المفضلة، إنها أمي أكثر من نفرتاري.

- لازم تطلقها يا هارون قبل ما حد يعرف.

كان هذا قول عمه الذي رباه عندما أخبره حقيقة الأمر منتظرًا عناق أو أي حديث يخفف من حدة حزنه، لم يتوقع أن يحصل على صفعة قوية لقلبه هكذا، يطلقها؟ يطلق روحه؟ وكيف سيعيش دونها؟

- أطلقها ليه؟ هي قالتلي إنها مش عايزة تخلف، محدش فيهم ليه دعوة بينا.

- لا ليهم، إنت فاكر إن "أركتوس" هيسكت؟ هيضغط عليها علشان تطلق وحتى لو فضلت متمسكة بيك، تفتكر إن الموضوع هينام؟ لا، هيفضلوا يرموا كلام يكسروك بيه وأنا مسمحش أبدًا إن حد يكسر واحد من عيالي بكلمة، أو يكون عنده نقطة ضعف، مش بعد كل ده حد يشمت فيك ويقول عليك مش راجل كفاية.

قالها سيّاف بنبرة غليظة وهو يضغط بكفه على عظمة كتفه ليؤثر عليه بل لينحر عنقه بحديثه وكأن عدم الأنجاب شيء مشين لا يمكن تحمله، وكأن رجولته تعتمد على طفل صغير، وحينها نهض هارون بكتف متهدل وعنق ينزف وروح أوشكت على التلاشي حيث تهتز إضاءتها داخله، عاد ليكرر جولة أمس لكن بجرح أعمق، إذا كان هذا حديث أبيه ماذا سيكون حديث الجميع.

مرت السنة التالية ثقيلة عليه وعلى علاقته بحبيبته، لم يستطع إتخاذ القرر والنطق بالكلمة، كلما حاول صرخ قلبه داخله، ولم تتوقف شجراته مع عمه الذي لم يكل عن دفعه لتلك اللحظة التي ستحطم قلبه لقطع صغيرة وكأنه قطعة زجاج مجسمة احتضنت الأرض.

هل تراني شيرين رجلًا؟
هل ستتحملني للأبد؟
إلى متى ستظل هكذا تدافع عني؟
هل تشفق عليَّ؟

دارت هذه الأسئلة داخل رأسه بشكل مستمر دون توقف بصوت عمه المؤنب داخله، حتى صار يشك في أفعالها، كل شيء تفعله بلطف يراها شفقة، كل ضمة لطفل بالمنزل يراها رغبة في الأمومة، لقد نجح سيّاف في اختراق دفعاته وتملك منه كما يوسوس الشيطان في آذان البشر لينقلبوا على معيشتهم ويسخطوا على حياتهم.

عزم هارون على سحب حبه من قلبها وتبديله بكره حتى تطلب هي الطلاق منه وتتركه لإنه لا يستطيع ذلك، إنه أضعف من ذلك الفعل، لذا قرر خيانتها وقد نفذ الخطة البغيضة التي وضعها، أصبح يخرج مع الكثير من نساء المملكة حتى يصل لها الأمر لكن علاقاته لم تتعدى الخروج في الأماكن العامة فهو بالكاد يتحمل حديثهم.

_ هل تعلمي إن زوجك كان معي أمس شيرين؟

قالتها واحدة من نساء المملكة التي خانها معهن بنبرة خبيثة إلى شيرين حيث إنهن كانوا يتحدثن عن خيانة الرجال في المملكة قبل ذلك وهي لم تشارك معهن في الحديث، لذا ابتسمت شيرين بسمة باردة وهتفت بنبرة واثقة وهي تحرك كتفها للأعلى:

- حتى وهو معك كان يفكر بي.

نظرت ببرود لأظافرها الغير مطلية حيث إنه لم يعد يهتم بها لتكتم دموعها بعد الحديث حيث إنها تعلم بالطبع خيانة هارون لها وتعلم لماذا يفعل ذلك؟ تمنت أن تنتزع تلك الأفكار من رأسه، بل تمنت قتل سيّاف والخلاص منه للأبد، بينما هارون تجمد في موضعه حيث كان يقف أمام الباب عندما نطقت الأولى جملتها المقصودة بالطبع حيث إنها فعلت ذلك لتخرب زيجتهما ويتشاجرا لكن لم يحدث شيء، لقد انهارت خطته فوق رأسه، إنها لم تهتم لخيانته؟!

_ ألم أخبرك ألا تتحدثي مع فرانسوا؟

قالها هارون بنبرة جامدة وهو ينظر لزوجته نظرة حادة مساء ذلك اليوم بعدما وسوس له عقله بنفيذ خطة حقيرة لتتطلق منه، فقد طفح كيله من حبها، لقد خرج مع نساء لا يطيق رفقاتهن وهي لم تتأثر؟ لماذا تحبيني هكذا شيرين؟ أنا لست الرجل الذي تظنينه هو.

- أنا لم أتحدث معه فقد كنت رفقة أخته فريا ووقفت معه تسأل عن شيء وطالت في الحديث لكنني لم أستطع تركها.

- أنتِ كاذبة شيرين.

قالها بنبرة غليظة غاضبة ردًا على حديثها الذي خرج بنبرة هادئة وهي تبتسم حيث ظنته يغار لكن ابتسامتها تلاشت عندما عقّب حديثه بصفعة قوية على وجنتها جعلتها تنظر له نظرة لم ينساها طوال حياته، وكأن كل شيء تكسر أمام عيونها، كأنها تمثال مصنوع من الحجر وكرة عملاقة حديدية هشمته، لم تظن إنه سيفعل ذلك في حياته معها.

كيف سولت لك نفسك بكسر قلبي هكذا هارون؟

صرخت بها عيناها، بينما هو ركض من أمامها تزامنًا مع هبوط دموعه بقوة، لم يفكر إنه سيفعل ذلك الفعل بها، لقد خانته يده حينما لم يستطع فمه خيانة حبه لها، دلف كالقذيفة غرفة عمه سيّاف وهو يبكي بقوة توحي بأن قلبه على وشك التوقف ثم هتف بنبرة متقطعة غير مفهومة من بين شهقاته بسبب قوة بكاءه:

- أنا.. أنا مش هطلق شيرين، أنا.. بحبها وهصالحها.

صفعة، كان الرد على حديثه الغير مفهوم وحالته السيئة التي توحي بأنه على وشك الإصابة بذبحة قلبية، هي صفعة قوية هبطت فوق وجنته المبتلة جمدت الدموع في عينه كالألماس قبل أن يسحبه سيّاف من تلابيبه ويهدر من بين أسنانه بنبرة غاضبة:

- إنت أكثر حد اتخذلت فيه يا هارون، هو ده كلام أمك ليلى؟ لو مطلقتش شيرين تاخدها وتمشي علشان أنا مش هسمح أبدًا إن حد يكسرني.

دفعه بعد حديثه لخارج الغرفة وأغلق الباب في وجهه، ليهبط هارون فوق الأرض بينما يحف الجدار ظهره أثناء ذلك حتى احتضن ركبتيه ودخل في نوبة بكاء صامت كأنه فقد أمه للمرة الثانية، لم يقدر على النهوض والذهاب لأحد أخوته، لم يقدر على النداء، فقد ذهب كل شيء عنه ولم يتبقى داخله سوى رغبة الموت العاجل.

- أنا تعبت اوي يا ماما.

هتف بها بنبرة منكسرة محشرجة وهو يتخيل أمه معه الآن وهو ينظر لصورتها المعلقة أمامه فوق الحائط حيث تبتسم بسمة واثقة وقوية لكنه رآها حنونة للغاية.

سحقًا للأنتقام جدتي ليلى!
سحقًا لكِ، لقد تركتي ابنك الوحيد الذي فقد أبيه للتو وذهبتي بقدمك لتلقي حتفك حتى تنتقمي من ملك ظالم قتل زوجكِ!
لقد تركتي ابنك مع هذا؟!
كان يجب عليكِ التفكير به أولًا قبل ذهابك لذلك القصر جدتي.
كيف لك عماه أن تحيا مع كل هذه الحروق في روحك؟!

_ ظننتك رجلًا هارون.

قالتها شيرين بنبرة جامدة وهي تنظر له بعدما تم الطلاق بينهما على الرغم من محاولات سالم المميتة في منع هذه الخطوة، حيث فقدت الأمل في إقناعه بحبها، علمت إن حياتها الهادئة معه كانت حلم جميل وانتهى، وبعد انقضاء عدتها تزوجت بفرانسوا الذي عرض عليها الزواج وكذلك تغير دينه عقب طلاقها مباشرةً، فهو لم يكن تزوج حتى تلك اللحظة منتظرًا فشل زواجها، وافقت شيرين حتى تقف أمام قلبها الذي كان يدفعها كل يوم للعودة إلى هارون لم تكن تعلم إنه سيفعل كل ذلك.

______________ ︻╦デ╤━╼

لا شيـىء يوجعنـي فـي غيابـك
لا شيـىء ينقصنـي فـي غيابـك
ســـوىٰ الگـــــــون...

- محمـود درويش.

مر أسبوع على الحادث قضيته بالكامل وأنا جالس بالشرفة انتظر عودة أبي، عقلي لم يصدق بعد إن أبي لن يعود، هل يجب أن أصدق أنني لن أراه ثانيًا؟ لن يحتضنني، لن أشم رائحته، لن أجلس أضع رأسي فوق صدره، لن أظل أتحدث معه حتى الصباح، لن يلعب معي، لن أشعر بأصابعه وهي تتخلل خصلات شعري بينما يغني لي، لن أسمع صوته ثانيًا؟!

سقطت جفوني لثانية ومالت رأسي لليمين حتى استقرت فوق خاصة فارس الموضوعة فوق كتفي لكنني نهضت بفزع وارتج جسدي عندما سمعت صوت طلقات الرصاص داخل مخيلتي، لم أنم منذ ذلك اليوم تقريبًا ليس مع سماع صوت طلقات النيران وحشرجة موت أبي؛ ربّت على كتف فارس الذي انتفض معي واحاطتُ كتفه بذراعي وضممته إليَّ حتى استقرت رأسه فوق صدري، مسحت فوق ظهره برفق ليعود للنوم من جديد، إنه كذلك لم ينم جيدًا منذ أن استفاق من حمته.

هو استفاق منذ يومين فقط بعدما بقى في الفراش لمدة خمسة أيام بجسد ملتهب متأجج بفعل الحمى، ومنذ ذلك الوقت وهو يجلس تلك الجلسة جانبي، حالته أفضل من يعقوب الذي فقد النطق منذ ذلك الحين فهو لم يشاهد أحد يُقتل، بينما كان عمي قاسم ينتقل بين الجميع بتيه لا يعلم ماذا يفعل؟

باسل يبكي بكائه المصحوب بالصراخ ولا يتوقف، موسى يبدو كالشبح حيث فقد روحه إنه لم يخرج من الفراش فأمي كانت تفعل له كل شيء حرفيًا حتى إنها كانت تفتح له الحلوى وتدسها بين أصابعه حتى يأكلها فهو خجول للغاية، رائف جسده يرتجف طوال الوقت دون توقف وكأن ماس كهربائي أصابه بينما يبكي الباقون بشكل مستمر، نيلان لا يفوت جلسة تعذيب يخضع لها كلًا من فرانسوا، كراكن، والمامبا "إيليفن" على يد أمي التي تفرغت لتعذيبهم، لكن بقى هاديس ليساعده في ذلك.

بينما ذهب أخي خوفو لعمي هارون في مكان لا أعلمه حيث إنه لم يعود بعد منذ مقتل أمي شيرين، لن أتطرق للحديث في هذا الأمر لقد علمت الخبر مثل الجميع ولم أشعر بشيء فأنا أنزف بالفعل، ماذا يوجد بعد النزيف؟

لكن خوفو ظل يردد على أذن عمي صالح إنه اختار هارون ليصبح المامبا الحامي له، ولم يفتئ عن تكرار الجملة حتى بعد محاولات عمي صالح توضيح استحالة الأمر مع أعوامه الأربعة عشر، وكذلك اختيار "جبار" هارون ليكون المامبا الحامي له بعد قتل خاصته في الأحداث، انتهى الجدال عن طريق بعث عمي صالح خوفو رفقة واحد من المامبا لموقع هارون، ليصبح خوفو منذ ذلك الوقت المامبا الحامي الثاني لهارون رغمًا عن الجميع، فهو يحبه بشدة.

هل تعلموا كيف أنضم خوفو لنا؟
في الواقع خوفو تربى بيننا منذ ولادته فهو أخي الأكبر الذي كان يدفعني بمرح وأنا أجلس داخل العربة فهو يكبرني بأربعة أعوام، فقد كانت أمه تعمل بالقصر منذ ولادته لكنها توفيت بحادث طريق وهو بالسابعة، مما أدى إلى إصابته بصدمة نفسية شديدة ولم يعد يتحدث أو يتفاعل مع أي شخص على عكس عادته المرحة، حتى الطعام لم يدخل معدته إلا بعضٍ من اللقيمات الصغيرة التي ينجح عمي هارون في وضعها داخل فمه.

حيث أن طوال فترة صدمته كان عمي هارون يحمله فوق قدمه داخل حضنه، لم يتركه قط حتى إنه كان يأخذه معه للشركة، يحضر الإجتماعات وهو فوق قدمه، وينام بحضنه في المساء، كما كان يأخذه بنزهة صامته بالسيارة بعد منتصف الليل، ينظر للمدينة المضيئة التي تتنافى مع قلبه بينما يداعب الهواء وجهه، وبعد فترة  بدأ عمي على مهل ينزله من فوق على قدمه لوقت صغير حتى يلعب مع أخوته ثم يعود من جديد لموضعه حتى تخطى صدمته بالتدريج وعاد شبه طبيعي.

سحقًا، لا أحد يعود طبيعي بالكامل، فقط يعتاد الألم بعد أن يخلّف ندوبًا في الروح.

بحث عمي هارون عن عائلته الباقية حتى يوصله لهم بعدما أصبح بخير الآن حيث شعر إن هذا الشيء الصحيح على الرغم من ألم قلبه فهو يحب خوفو منذ صغره، وخوفو كذلك، فقد كان يفضله عن الجميع؛ علم إن لديه عم وعمة وخالة، ذهب لمنزل عمه الذي رفض استلامه مثل أخته ثم ذهب لمنزل خالته التي تعللت بظروفها حيث لن تقدر على إعالة فرد آخر، فخرج هارون من منزلها دون تكملة حديثه فهو كان سيتكفل بمصاريف خوفو بالكامل لكنه لم يرى بها أي ذرة حنان.

- أنا آسف سامحني، علشان بصراحة أنا دعيت ربنا إنك متمشيش علشان مش هقدر أعيش من غيرك، ممكن تقبل إني أكون باباك؟

قالها عمي هارون بنبرة هادئة يغلفها الحزن على الرغم من صدقها وهو ينظر بترقب إلى خوفو الجالس بسيارته خارج منزل خالته، جاءه الجواب عن طريق عناق دافئ حنون من خوفو الذي لف ذراعه الصغيرة حول خصره بهدوء دون حديث فقد تحدثت القلوب بكل شيء، بينما نبض قلب عمي هارون بقوة ممتزجة بالسعادة، فها هو الآن يحصل على طفل آخر يحتاج إليه.

وها هو أخي يرد الحنان بحنان مماثل وأصبح هو من يضم أبيه في حالة صدمته من فراق الجميع، على الرغم من حزنه كذلك، لكنه أضحى قوي بعد صدمته الأولى، وهكذا أصبح عمي هارون القائد الوحيد الذي يمتلك اثنين من المامبا.

هل يمكن ذلك؟
لا يمكن بالطبع، لكن خوفو متمرد وأعلن ولاءه لهارون بينما هو يمتلك مامبا آخر بالفعل، لا أحد يعلم ذلك من المملكة، يظنوا أن خوفو يتخذه أبًا لذا يذهب معه في كل مكان بينما المامبا الحامي له الأساسي والذي يكون موفقه دائمًا هو "جبار"، والمفاجأة هي إن هذه هي الحقيقة بالفعل، هارون يأخذ خوفو "على قدر عقله" كما يقولون، فهو لن يسمح بأن يصبح خوفو هو المامبا الحامي الأساسي له، فهو من يحميه لإنه أباه وليس العكس.

وصل لأنفي رائحة عطر أبي قبل أن أشعر بكف حنون تُضع فوق كتفي فتهلل قلبي واستدرت بسرعة لظني إن أبي قد عاد أخيرًا، لكنه لم يعود وجدت أبي هارون بدلًا منه فهو لم يعود منذ آخر مرة رأيته بها، لا أعلم شعوري، أنا سعيد برؤيته أقصى حدود الحزن، أريد الاثنين معًا.

ابتسم بسمة هادئة مفعمة بالحزن وثقيلة وكأن هناك ثقالتين متعلقتين بوجنته قبل أن يجلس بيننا ويضمنا نحن الاثنين إليه، وضعت رأسي فوق موضع قلبه لأسمع دقاته بينما هو وضع ذقنه فوق رأسي وسحب نفسًا عميقًا وكأنه شاب متغرب عاد إلى أمه، أغمضت عيني لأشعر بأنه أبي سالم عندما صدحت جملته المعتادة داخل عقلي.

" إذا كنت لن تستطيع أن تحصل على شيء تتوق روحك له بشدة، فقط أغمض عينيك وتخيل إنك تمتلكه، ففي الخيال كل شيء جائز"

حسنًا، لا يوجد شيء ممتن له الآن أكثر من سرقة أبي لعطر عمي هارون حيث لا أشعر الآن بالاختلاف، شكرًا أبي لأنك لص كبير، عمي هارون هو نسخة ثانية من أبي حتى في المرح ليس بقدره فأبي كان أشبه بمختل لكن الاثنين شبه متماثلين، أحاطت خصره بذراعي أكثر بينما انفجرت باكيًا لأول مرة على فراق أبي.

أبي رحل، رحل و لن يعود، لقد خسرت أول من نطقت اسمه وأول من مشيت أولى خطواتي تجاهه، أول ذراع حملتني، أول حضن أحاطني، وأول صوت سمعته داخل أذني.

شدد عمي هارون على جسدي بينما هبطت دموعه هو الآخر، حزنًا وندمًا لتأخره كل هذا الوقت وعدم حضوره ليبقى جانبي، فقد كان يخطط للانتحار في ذلك اليوم عند البُحيرة، أخرج سلاحه ووضع فوهته في فمه، لكن صفعة شيرين وصراخها بأنه أب صدحت داخل رأسه وأوقفته، لكنه لم يستطع العودة والنظر في وجههي حيث إنه لم يعود بها، ماذا سيقول لي؟

______________ ︻╦デ╤━╼

بعد أسبوع في منتصف اليوم.

حملني عمي هارون وفارس وهبط بنا لقاعة الأجتماعات بعد أسبوع كامل من الجلوس في حضنه، لا، هذا ليس تعبير مجازي، فقد كنت أجلس في حضنه طوال الوقت حتى إذا اردت الذهاب للمرحاض كان ينزلني على الباب وعندما انتهي أعود لموضعي بجانب أخي فوق قدمه حيث أطمئن، هنا فقط يوجد الأمان حيث إن في الخارج تصرخ الوجوه لتبتلع روحي.

- هل هناك اقتراحات بشأن الصغار؟ ولا أحد يعرض عليَّ القتل، أنا لا أقتل أطفال!

قالها عمي قاسم بنبرة متسائلة يحتلها الضيق أنهاها بقوة وهو يثبت نظراته بالجميع، حيث يجلس فوق مقعد الملك المهيب يتناقش مع القادة بشأن أبناء القادة المتمردين على الحكم حيث قُتلت عائلتهم من قِبل القادة والمامبا، ومن وقتها وهم بالقصر يتم معاملتهم معاملة جيدة فهم في النهاية أطفال ليس لهم دخل بتصرفات أبائهم.

- حسنًا، لا تقتلهم ارمهم بأي مكان ليس لنا دخل، فإذا كنت تفكر في إعطاء كلًا منا طفلًا لنربيه فهذا لن يحدث.

قالها القائد "آريس" بنبرة غليظة كنباح الكلاب وهو ينظر له بحاجب مرفوع حيث فهم بالطبع لماذا يعرض عمي قاسم هذا الأمر على الجميع؟ فهو لا يحتاج لاقتراحات بأسماء دور الرعاية، بينما تدخل القائد "أوركا" يضيف على حديث "آريس" بنبرة أكثر تعقلًا بسبب سنوات عمره الكبيرة:

- أعلم إنك تفكر بأنهم مجرد صغار، لكن عندما يكبروا لن يصبحوا وقتها صغارًا قيصر، الجميع يعلم بالحادثة، ونحن لا نرغب بحرب قادمة أخرى بين الأبناء فنحن ننزف بالفعل.

حرّك عمي قاسم رأسه بالموافقة حيث اقتنع بحديث  القائد أوركا، نحن لا نعلم ماذا سيفعل الصغار عندما يكبروا؟ فربما يفكروا في الأنتقام، كما أن الصغار الذين فقدوا أبائهم من القادة الحامين لنا على يد المتمردين لن يصفوا لهم، فليس الجميع لديه تلك القدرة نحن بشر، لذا قرر تنفيذ الخطة الأخرى حيث سيضع الأطفال بدور رعاية ببلدانهم وسيهتم بهم من بعيد.

كم أنتم محظوظون أيها الأطفال، لن يغرق أقدامكم بالوحل مثلي!

- نعم، نحن ننزف أوركا، لقد أصبحت المملكة ضعيفة، لقد فقدنا نصف شعبنا ومن ضمنهم عشرين قائدًا، لذا يجب ترقية البعض لرتبة قائد أولًا.

- عذرًا قيصر، اقترح ضم بعض الزعماء من الخارج لنا فنحن فقدنا نصف رجالنا كما قلت، ولا نرغب في مفاجآت خارجية وهناك الكثير يرغب في الأنضمام لنا.

قالها القائد "أريزونا" بنبرة رزينة بعدما تدخل في الحوار باحترام ليرمي بحديثه على أعدائنا الخارجين فنحن في أضعف حالتنا وينبغي إعادة قوانا من جديد، بينما ظهر الرضى على جميع أوجه القادة ولم يعترض أحد على الأمر، لذا حرّك عمي قاسم رأسه بالموافقة وهتف بنبرة مقررة إلى الجميع:

- حسنًا، من يُصادق منكم رجل يصلح لأن يمتلك جنسية مملكتنا فليعرض علينا الأمر، ثم نختبره أولًا لينضم، فليس لأننا ضعفاء نقبل بأي شخص.

خرجت عدة همهمات رضى من أفوه القادة قبل أن يدور الحديث عن الزعماء الخارجين حيث بدأ كل قائد بعرض اسم زعيم خارجي وبعد عدة مفاوضات استقروا على خمسة عشر رجل ليتم وضعهم تحت الأختبار، لكن من إنضم لنا في النهاية عشرة زعماء ومن بينهم القائد "هيل هاوند" والقائد "ريبير" الذي أصبح ابنه بعدما قُتل في أحد الغارات أصغر قائد من بعدي.

شعرت بذقن عمي هارون الخشنة تنخز وجنتي ففتحت عيني بترو حيث سقطت في النوم بمنتصف الحديث الدائر بينهم من التعب والأرهاق النفسي حيث أصبحت أنام طوال الوقت منذ عودة عمي هارون الذي كان يُقبلني في وجنتي حتى أصحو الآن.

- مستعد؟

قالها عمي هارون وهو يضع وجهي بين كفيه اللذان بحجم رأسي في ذلك الوقت وهو يثبت نظراته بي المشجعة الممتزجة بالحنان بخاصتي، فابتسم بسمة مطمئنة ووضع قبلة فوق وجنتي وجبهتي بعدما حركت رأسي بالموافقة، بينما فعل المثل مع فارس وهو يضمنا معًا لصدره حيث إن تلك اللحظة هي اللحظة المنتظرة، سوف أُقابل قاتل أبي الآن.

كنت أتوقع صدوح سلاسل معدنية يعقبها رجال مكبلين يتم جرجرتهم بعنف، لكن كل ما شاهدته هو بقايا بشر تم وضعها أمام نظرات الجميع، كان منظر ثلاثتهم بشع لدرجة عدم تميز من منهم فرانسوا من قوة التعذيب، حيث إن وجوههم محترقة وأطرافهم مقطوعة بينما دفن فارس رأسه بكتف عمي هارون حيث ارتعب من هيئتهم، لقد تفنتت أمي بالفعل في تعذيبهم، علمت إنها كانت تقطع أطرافهم وتطعمهم الأسود ثم تجبرهم على مشاهدة الأمر، شكرًا أمي.

- خدوا حق أبيكم وأمكم وأخيكم.

قالها جدي سيّاف بنبرة جامدة وهو يضع في يد كلًا مني أنا وفارس سلاح بعدما أشار لعمي هارون حتى ينزلنا بمواجهتهم، شعرت بجسد فارس يرتجف بقوة مرت من كفه المعانق لخاصتي بهلع حيث لم نعلم إن هذا القادم فقد ظن إنه سيشاهد الأمر فقط، بينما وقف جانبي نيلان الذي يثبت نظرته القاتمة بالقائد كراكن ويضغط فوق السلاح بيده بقوة وكأنه يكبل حاله داخله حتى لا يحرق الجميع، فقد وعده جدي سيّاف بأنه سيقتله بنفسه وها هو ينفذ وعده.

- دول لسه صغيرين يا عمي.

- مش صغيرين لازم أنوبيس ياخد حق أبوه.

قالها الحاوي بنبرة حادة متدخلًا ليقاطع حديث عمي هارون الذي خرج بنبرة هادئة وهو ينظر إلى فارس الذي نظر له على الفور لينقذه من ذلك الرعب، فظهر الغضب على وجه عمي هارون الذي انتفخت عروق رقبته في الحال ثم أخبره أن لا يتدخل في الحديث.

- قولنا لسه صغيرين.

قالها عمي قاسم بنبرة حاسمة غير قابلة للنقاش بعدما حثنا جدي على تنفيذ ما قاله بعدما أخبر هارون إنه أتخذ قراره بالفعل، فظهرت أمارات الدهشة على وجه جدي سيّاف حيث عارض قاسم حديثه أمام الجميع.

- بتكسر كلامي يا قاسم.

- ابني قالي إنه مش هيقدر خلاص، القتل مش سهل اوي كده.

قالها عمي قاسم بنبرة هادئة وهو ينظر إلى فارس حيث فهم توسلات عينه التي أخبرته إنه لن يقدر على القتل، فرفع جدي حاجبه للأعلى ثم هتف وهو يضرب الأرض بعصاه الخشبية التي أصبح لا يستطيع المشي دونها منذ موت أبناء أخيه، حيث تدهورت حالته الصحية كثيرًا:

- وأنا قلت هما اللي هياخدوا حقهم.

- انا الملك، وأنا اللي أقرر ده.

قالها عمي بنبرة حاسمة عالية قليلًا جعل السكون يحتل القاعدة حيث إذا سقطت إبرة سوف يصدح صوتها عاليًا لكنني حررته عندما أطلقت من سلاحي رصاصة استقرت برأس "إيليفن" ثم أطلقت واحدة أخرى اخترقت معدة فرانسوا في نفس موضع رصاصة أبي الأولى قبل أن اقترب منه بخطوات بطيئة ثم سألته بنبرة باردة:

- بتوجع صح؟

لم يرد عليَّ ولم انتظر ردًا فقد ضربته رصاصة أخرى في نفس موضع أبي الثاني بينما أطلق نيلان رصاصة على رأس القائد كراكن قبل أن افعلها أنا، ثم عدت لفارس من جديد أمسكت كفه الذي يرتعش من الخوف وسحبته لغرفتي بهدوء وَسط تصفيقات الجميع الفخورة بي، عدا أعمامي بالطبع.

ماذا؟ هل ظننتم إنني لن أفعلها؟!

لقد قتل هذا الوغد أبي أمام أنظاري، أنا أقتله داخل عقلي كل دقيقة منذ الحادثة، سحقًا، لقد أخرجوا الوحش القابع داخلي، ومن يخرجه يتحمل مخالبه.

صعد عمي هارون خلفي على الفور وحملنا نحن الاثنين وضمنا لصدره، فشعرت بالغضب ينسحب ببطء من جسدي ولم يبقى سوى الحزن والألم، ارتجف جسدي بأكمله قبل أن أنهار باكيًا بعنف بين ذراعيه، لقد قتلت اثنين، جعلوني مسخًا.

كنت اريد أن أظل نظيفًا، لم أشعر بشيء من قتله، لن يعود أبي، ولن أعود أنا كما كنت.

داخل القصر المظلم
الذي يقبع أعلى الجبل
جلس ملك مهيب
فوق كرسي العرش
يرتدي تاج مُرصع ورداء المحاربين
بينما تتناثر الجثث أسفل قدمه
نظر للقاعة الحمراء الساكنة
بينما تنبعث لأنفه رائحة الدماء.
رجت ضحكتة العالية الجدران.
لم يكن يرغب في الحكم
لم يكن يرغب في الحكم.

____________ ︻╦デ╤━╼

تناولت حاوية الطعام التي تحتوي على الحساء من إحدى العاملات التي حضرته من أجلي بعدما طلبت منها ذلك ثم اتجهت لغرفة عمي بعدما بعثرت خصلات شعري كما يفعل الجميع وكأن رؤية شعري مهندم تصيبهم بالجنون، طرقت الباب برفق قبل أن أدلف للداخل دون أخذ الإذن، ضربت أنفي رائحة عطر أبي القوية التي نثرتها أمي في كل انحاء الغرفة رفقة صور أبي حيث شعرت أنني دخلت في شريط ذكريات أبي بسبب تناثر صوره في جميع مراحله في كل مكان حتى الحائط.

وضعت الحاوية فوق الفراش أمام أمي التي اعتدلت حيث كانت تنام جانب جيتار أبي فوق الفراش بينما يصدح صوت غناءه عاليًا من مشغل الموسيقى التي تضع سماعته داخل أذنها حيث اتخذت قرار إطعام أمي أولًا بعدما نظرت إلى كوبرا المتكورة على حالها فوق الأريكة مغمضة عيناها، ابتعلت الغصة داخل حلقي من هيئة أمي ثم ملأت المعلقة بالحساء وحركتها تجاه فمها ذو الشفتين الجافتين.

هل أخبرتكم ما هو شكل أمي حاليًا؟
إنها كالممياء فقد حلقت شعرها بالكامل وأعادت هيئتها السابقة قبل الزواج، برزت عظام وجهها بشكل ملحوظ بسبب نقص الغذاء كما غطست عيونها داخل وجهها، برز عرق نافر بطول جبهتها من المنتصف، تتناثر الشعيرات الدموية الحمراء بمقلتيها بينما يحف أهدابها خطين باللون الأحمر وتظهر بقع داكنة ناتجة عن الهالات السوداء أسفل العين، تبدو هيئتها مخيفة لي كطفل، لكن الآن أفهم إنها كانت مضطربة على حافة الأنهيار والجنون فهي فقدت عقلها بالكامل، لقد ذبحت عائلة القائد "أركتوس" بأكملها وحدها بعدما خرج عمي هارون.

- في.. في حاجة عايزة أتكلم فيها معاك.

قالتها أمي بنبرة خشنة ناتجة عن حنجرة لم تستخدم لوقت كبير بينما لم أفهم الكلمات إلا بعد برهة لأنها كانت تتكلم دون تحريك شفتيها حيث بدت غير واعية بشكل كامل وأنا أُطعمها، لكن قبل أن أسال عن الشيء الذي ترغب في التحدث عنه علمت الإجابة عندما دلف أعمامي الغرفة على حيث غرة.

- إنت لو هتتجوزي الحاوي زي ما بيقول هتسافري معاه لوحدك.

- قوانين المملكة بتقول إن الطفل بيفضل مع أمه.

قالتها أمي بنبرة جامدة وحركت شفيها هذه المرة حيث تحفزت في جلستها وهي تنظر لعمي هارون وكأنها تمنع حالها من قتله، بل وكأنه ألد أعدائها حتى قبل حديثه الذي خرج بنبرة حادة لا تحمل النقاش.

- القوانين مش بتلزمك تتجوزي، خليكِ وأنا هعملك كل حاجة إنتِ عايزاها.

أضافها بنبرة راجية وهو ينظر لها بعيون ستقفز من محجريهما من الخوف الذي يعتمل صدره بعدما وضح لها القوانين حيث إنها قائد لا تمشي عليها القوانين الخاصة بالنساء التي تلزمها من الزواج من آخر لأنها من المملكة بالفعل، بينما هي وقفت ونظرت له نظرة الأسد قبل أن ينقض على غزالة وصرخت في وجهه وهي تمسكه من تلابيبه:

- عايزة سالم، رجعولي ها، سالم اللي اتقتل بسببك، إنت لو راجل مكنش كل ده حصل، أنا هاخد ابني وأمشي من هنا، ولو حد وقف قدامي هقتله وانتحر، بــرة، اخرجوا بـــرة قبل ما اقتلكم.

صرخت بآخر جملته وهي تدفعه للخلف بقوة أدى لترنح جسده قليلًا لكنه لم يقع ثم اندفعت للفراش وأخرجت سلاح الرشاش من أسفله بينما حملني عمي هارون وركض للخارج رفقة عمي قاسم وصالح التي انفلتت سبة نابية من فمه وهو يضرب كفيه ببعض قبل أن يظهر الندم على وجهه عقب وقوع بصره عليَّ.

_ هي شمس الشموسة ادتك سنة العروسة ولا إنت خلاص مش هتبدل تاني؟

قلتها بنبرة متسائلة مازحة إلى عمي هارون أثناء نومي بحضنه واضعًا رأسي فوق صدره حتى أغير من حالته حيث إنه يبكِ منذ ساعة تقريبًا بسبب سفري وحديث أمي بشأن قتل أبي بسببه، بينما يربت على كتفه عمي قاسم الذي يجلس بجانبي وأنا وفارس كنا نربت على صدره ونضمه لنا حتى يهدأ كما أنني أخبرته أن أبي لم يُقتل بسببه وإنه ليس ضعيفًا كما يُهمهم، بل بطل خارق جميل.

- لا بس سالم كحرتك جامد.

أضافها فارس بنبرة مازحة على الرغم من إنه يبكي بالفعل بسبب خبر السفر الذي شق قلبه بعدما ضيّق عمي هارون جفنيه المحملين بالدموع تعقيبًا على حديثي الذي باغته.

- ما أنا لازم آخد حقي بقى.

قالها عمي هارون بنبرة مخيفة وهو ينهض بجزعه العلوي وهو يثبت نظراته الشريرة بي ثم ثنى أكمام سترته قبل أن يحملني فوق كتفه وهو ينهض من فوق الفراش، رفع جسدي للأعلى بشكل طولي قبل أن يهبط بي فوق الفراش، لا تقلقوا لم انكسر أنا معتاد على هذا، لذا وقفت فوق الفراش وقفزت للأعلى وأنا ادفع قدمي ناحية صدره لتستقر الضربة بمنتصف صدره أدت لاندافع جسده للخلف، ثم بدأت مباراة المصارعة بيننا نحن الأربعة حيث شاركنا عمي قاسم.

ارتمينا بإنهاك فوق الفراش الذي انكسر بسبب القاء عمي هارون لقاسم فوقه، تناولنا البسكويت مع العصير أثناء سرد عمي قاسم وهارون علينا مواقف مضحكة تجمعهم بأبي في المراهقة، علمت أن أبي كان مختل أكثر أثناء مراهقته، كان يدفع حاله في سباقات مجنونة مثل عمي هارون ويفعل العديد من الأشياء التي كانت من الممكن أن تؤدي بحياته لكن كل هذا تغير عندما تزوج أمي فصار يخاف على حاله لإجلها.

كما علمت إنه كان يخبئ أمر فرقة "الروك أند رول" على جدي الذي كان يكره هذا الأمر وكان يقوم بتكسير آلته بالمنزل كلما يقع بصره عليها، لكن أبي بارد كالثلج كان يجلب "جيتار" جديد كل مرة حتى طفح كيل جدي وتوقف عن كسر أشياءه، لم يعلم أن الأمر تعدى الغناء في المنزل حتى عَلم بالصدفة من بعض القادة وعزم الأمر على الذهاب لحفلة أكبر أبناءه والسبب الكبير لرفع رأسه.

دلف جدي للحفلة واخترق الحشد حتى صار أمام المسرح مباشرةً نظر بحسرة لابنه الذي كان يرقص بصخب فوق المسرح وهو يرتدي بنطال أسود فقط ويربط رابطة حول جبهته، كان يغني أغنية رومانسية حيث كانت أمي تقف في زاوية بعيدة عن الأنظار تشاهده لكن جدي لم يعلم هذا الشيء، لكنه بدّل الأغنية لأخرى تتحدث عن التمرد على السلطة عندما وقع بصره على جدي.

- أنا هسمعك صوت التمرد عامل إزاي.

قالها جدي بنبرة جامدة وهو يبتسم بهدوء وهو يخلع حزامه الجلدي السميك أمام نظرات الجميع وهبط به فوق جسد أبي العاري الذي ركض بعدها على الفور، بينما لحق به جدي وقام بتكسير الآلات عليه هو أعمامي حيث كانوا معه بالطبع ومشاركينه في جريمته بنظر جدي، لكن لا شيء يوقف أبي فقد أقام حفل آخر في اليوم التالي ببرود وكأنه كرامته لم تتبعثر في القاعة.

- لا كله كوم ولما كان عايز يتجوز نفرتاري، وأقنعني اروح معاه، المهم دخل عليه بقلب جامد وقاله "أحنا جايين نقولك إني بحب نفرتاري بنت الملك وعايز اتجوزها" بعدين جري وسابني آخد العلقة مكانه، مفيش علقة كلتها في حياتي مش بسبب سالم، هدعي عليه بإيه؟

قالها عمي هارون بنبرة مازحة أثناء سرده علينا ما حدث معهم وقت عرض فكرة الزواج من أمي على جدي ثم انهى حديثه بنبرة حانقة وهو يرفع يده للأعلى، ضحكنا عليه بيأس قبل أن نخلد جميعًا للنوم جانب بعضنا البعض، فهذا آخر يوم لي معهم، غدًا سوف أسافر رفقة أمي.

______________ ︻╦デ╤━╼

وضعت حقيبتي فوق الفراش لتحضريها للسفر رفقة عمي هارون، ووضع فارس حقيبته جانب خاصتي ليقوم بتحضيرها أيضًا لظنه إنه قادم معي فهو لم يستوعب فكرة إننا سننفصل فهو كان يبكِ لإنه سيبتعد عن أبيه وليس عني، نحن لا ننفصل أبدًا لذا ظن أن أمي ستأخذه وهي لن تمانع بالفعل، لكن بالطبع عمي قاسم لن يسمح بذلك، تنهد عمي قاسم بثقل قبل أن يحمله فوق قدمه بعد أن نظر لعمي هارون نظرة تراقص بها اليأس فهو لا يعرف كيف سيخبره ذلك؟

- حبيبي إنت مش هتسافر، هتفضل هنا مع بابا.

- ليو هيسافر لوحده؟!  لا، أنا هروح مع ليو.

أضافها بنبرة قاطعة وهو يحرك رأسه بالنفي بعدما تجمعت الدموع بمقلتيه عندما حرك عمي قاسم رأسه بالإيجاب على سؤاله الذي خرج بنبرة ضائعة تعقيبًا على حديث أبيه الذي خرج بنبرة لطيفة، بينما ترقرق الدمع بعيون عمي قاسم قبل أن يقول بنبرة محشرجة:

- عايز تسافر وتسبني؟ مش هقدر أعيش منغيرك.

- وليو؟

حمله عمي قاسم وخرج به من الغرفة بأكملها قبل ان ينهار أمامي عقب حديث فارس الذي خرج بنبرة تائهة، فهو الكبير لا يحتمل الفراق كيف لي أن أتحمل هذا؟
أنا الذي سأذهب بمفردي للعيش في بيت آخر وبلد آخر، أنا الذي سأتمزق لقطع صغيرة وحدي في الخارج دون حضنهم، وهم لا يستطيعوا فعل شيء مع أمي، فهي مختلة وستنفذ تهديدها بقتلي والأنتحار بالفعل.

أكمل عمي هارون تحضير حقيبتي وهو يجاهد ببسالة لعدم البكاء ثانيًا حتى انتهى، ثم عاد فارس منتفخ العينين وهو يبكِ بعد أن فشل عمي قاسم في محاولة إيقافه، لكنه لم يكن يصرخ كان يبكي بهدوء والدموع تهبط من عينه بسلاسة على الرغم من مساعدتي في إحضار بعض الأغراض الغالية على قلبي.

بينما جاء عمي صالح بعد أن فشل عمي هارون في إقناعي للذهاب لمنزل المامبا في الجهة الأخرى، كيف سأذهب وداغر ليس هناك؟ أنا لم اتقبل بعد وفاته ولا أفكر في الأمر، أخي داغر هناك، مازال على قيد الحياة ويخطط لعمل مقلب بي، ذهابي هناك سيقذف تلك الفكرة ويدكها حتى تتحول إلى ركام.

بينما دلف خلفه نيلان الذي يحمل طفلة صغيرة صهباء مشاغبة تمتلك جزء من قلبي لها وحدها، أزاح المعطف الذي يضعه فوقها حتى يخبئها عن جدي سيّاف، ازاحت كفيها عن عينها لتنظر له بابتسامة واسعة وهي تقول بمشاكسة:

- بو.

تصنع نيلان الخوف فأطلقت ضحكات عالية من فمها قبل أن تتملص من بين يديه وتهبط للأرض عندما وقع بصرها عليَّ، خطت ناحيتي في خطواتها الجميلة التي تضيء بفعل الحذاء الذي يتراقص بألوان متعددة وهي تنطق "ليو" بطريقتها الجميلة، فركضت نحوها وحملتها بسرعة وقبلتها فوق جبهتها تحت نظرات عمي هارون الذي تجمد في موضعه ينظر لها بثغر ساقط، فهو لم يعلم وجودها إلا الآن، ولم يجدها بالمنزل فظن إن شيرين أرسلتها لأحد أقاربها في مكان آمن، وقد فعلت.

لقد خدّر فرانسوا أمي شيرين قبل الهجوم وبعثها هو وابنته رفقة المامبا الحامي لها، وعندما هربوا وقرر المامبا الحامي لها العودة لإنه سيحتسب خائن إذا لم يعود بعثت معه "شهرزاد" وأخبرته أن يعطيها لهارون إذا لم تعود، فعاد بها المامبا واخبر صالح الذي خبئها عن الأنظار معه حتى يهدأ القصر ويفرغ من القادة.

- لماذا تبكِ؟

قالتها شهرزاد بنبرة لطيفة وهي تنظر إلى فارس قبل أن تربت عليه برفق ثم بعثرت نظراتها في جميع أنحاء الغرفة قبل أن تتملصت من بين ذراعيّ وتمشي ناحية الألعاب، أحضرت لعبة على شكل تنين بعد أن أوقعت جميع الألعاب على الأرض لتصل إليها، ثم عادت من جديد ومدت يدها باللعبة له بابتسامة، فأخذها منها وهو يمسح دموعه.

تحركت بخطوات الصغيرة ناحية عمي هارون الذي تراجع للخلف برعب وهو ينظر لها بعينان متوسعتان كأنها فيروس سيقتله أو كأنها تمسك خنجر وتهمهم "سوف انتقم لأمي" بنبرة مخيفة، حتى التصق بالحائط، لم يكن يفهم إنها لا ترغب في قتله بل في الدمية التي يحملها حيث كانت على شكل أرنب وهي تحب الأرانب، لقد احضرت أمي شيرين هذه الدمية لي عندما كنت صغير وعمي كان في طريقه ليضعها بالحقيبة.

- باني .. باني .. باني.

- يا ابني اديها الدبدوب، واقف زي التمثال ليه كدا؟

قالها عمي قاسم بنبرة يائسة بفراغ صبر وهو ينظر له بسخط من تجمده هكذا بينما هي تكرر كلمتها بنبرة تزداد قربًا للبكاء في كل مرة حيث شعرت إنها تقف أمام وحش وليس إنسانًا حرمها من الأرنب الجميل، أعطاها هارون الدمية فضحكت بسعادة وهي تضمها برفق كأنها تحتضن ابنتها الصغيرة، ثم وضعت قبلة مصحوبة بصوت داخل باطن كف يدها وفتحت ذراعيها ناحية هارون كإنها تعطيه قبله في الهواء لتعيد العلاقة به داخلها من جديد، أشعر أن عمي هارون سيصاب بسكتةٌ قلبية الآن.

- ما اسمك؟

قالها عمي هارون بنبرة متسائلة وهو يبتسم لها بعدما حملها فوق ذراعه وبعثر نظراته على تفصيلها الصغيرة التي تشبه أمي شيرين، عيون زرقاء، شعر أحمر وحفرة جميلة بمنتصف وجنتها، فهتفت شهرزاد -أو شهد كما تعلمون لا داعي بالمفاجأة- وهي ترفع يديها الاثنين للأعلى بمرح:

- شُوْشَا.. مامي؟

أضافتها بتساؤل وهو تبعثر نظراتها حولها حيث تذكرت أمها الآن بسبب الاسم الذي كانت تناديها به أمي شيرين بينما تجمعت الدموع في مقلتيها مهددة بالبكاء لكنها تشتت عندما أجهش عمي هارون في البكاء بسبب تذكر الأمر، لم يستطع تحمل حزن نبرة صوتها في السؤال عن أمها، ماذا سيخبرها؟

- Frère Jacques
Frère Jacques
Dormez-vous?

غنتها شهد بنبرة لطيفة وهي تربت عليه بكفها الصغير الرقيق ذو الأظافر المطلية بواسطة نيلان حيث كان يشغلها عن التفكير في أمها، بينما توقف عمي عن البكاء بعدما حاول بكل جهده تمالك حاله حتى تعلم إنها ساعدته كما تظن ثم هتف بنبرة محشرجة إلى عمي قاسم:

- هي دي بتتاكل عادي؟

ضحك عمي قاسم بخفة بينما وضع عمي هارون قبلة فوق وجنة شهد التي ابتعدت عنه وانكمشت على حالها حيث وغزتها شعيرات ذقنه الطويلة الغير مشذبة بسبب إهماله لحاله من الحزن، فضحك بخفة وهو يحك شعر ذقنه وهتف بنبرة ضاحكة بضرورة تشذيب ذقنه من أجلها، وأثناء ذلك تقدم منه نيلان وحملها برفق، ثم خطى بها ناحيتي لتضع قبلة فوق وجنتي لتوديعي قبل أن يخرج بها من الغرفة وهي تلوح مودعة لي بكفها.

سحقًا، هذه الصغيرة تأخذ قطعة كبيرة من قلبي لها وحدها بالفعل، أتذكر أول مرة شعرت بها أسفل كفي عندما جائت أمي شيرين المدرسة لي وهي بالشهر التاسع من الحمل، أمسكت كفي الصغير ووضعته فوق بطنها المنتفخ، شعرت بقدم شهد وهي تركل أمها بالداخل لأنها شقية، شعرت بالرهبة الممتزجة بالحب.

- أنا جئت إليك لأن أختك ستُولد قريبًا، هل لديك اسم ترغب بتسميتها إياه؟

- شهرزاد.

هتفت بها دون تفكير تعقيبًا على حديث أمي شيرين الذي خرج بنبرة دافئة وهي تمرر كفي فوق بطنها لأشعر بأختي أكثر، حيث كنت أحب هذا الاسم من حكايات ألف ليلة وليلة اللآتي يقصها عمي هارون علينا دائمًا، كمان أنني سمعت عمي هارون يردده عليها العديد من المرات، فعقلي الصغير لم يكن يعلم أن هذا الاسم لا يجب تسميتها به لإنه سيذكرها بهارون، لكنها لم تنساه بالأساس لذا سمتها الاسم المحبب لقلبي.

سحقًا، هذا الوغد سرق أختي مني بطرقعة إصبع وكأنني لم اسميها، ألعب معها وأدللها، علمت إنها منذ قدومها وهي تبكي من أجل أمي، لم يخبرني أحد ذلك وأنا لم أستطع التحرك من الشرفة حيث كنت انتظر عودة أبي، لكنها تهدأ فقط مع نيلان لا أعلم أي سحر ألقاه هذا الوغد عليها. لكن لحسن الحظ إنها أتت فهو يحتاجها بعد فقدانه لأكرم حيث خففت عنه الحزن الذي كان سيؤدي به، لقد تغير نيلان اللطيف في ذلك اليوم، أصبح لا يرى أمامه سوى هدف واحد: أن يصبح أقوى رجل بالمملكة، لإنه يظن أنه إذا لم يكن ضعيفًا وقتها لكان أكرم مازال على قيد الحياة، لذا قتل حاله في التدريبات حتى حصل على مبتغاه بالفعل.

_ ليو أنا عايزك توعدني وعود تفضل ملتزم بيها لحد ما تكبر، إنت دلوقتي بقيت راجل، ماشي؟

قالها عمي قاسم بنبرة هادئة بعدما حملني وأجلسني فوق قدمه بينما ظهر الخوف في نظرته المتصلة بخاصتي، لإنه كان يخاف من أثر الحاوي عليَّ لكنه لم يعرب عن هذا، لذا حركت رأسي بالموافقة ونظرت له بشغف وتأهبت حواسي حتى استمع.

الوعد الأول: ممنوع القتل إلا في حالة الدفاع عن النفس.

حسنًا، تم اختراق هذا الوعد بالفعل، لقد قتلت سليمان، آسف عماه، هم من فعلوا بي هذا.

الوعد الثاني: ممنوع خيانة الزوجة، الخيانة تقتل، يمكن الأنفصال لكن لا تخونها.

حسنًا، هذا سهل، فأنا لا أتحمل لمسه من فتاة لا يدق لها قلبي.

الوعد الثالث: الزوجة يجب أن تُعامل باحترام وحب لذا ممنوع ضرب النساء.

الوعد الرابع: ممنوع الأعتداء، التحرش، الزواج رغمًا عن المرأة، أنت إنسان ولست حيوان.

هل يخصع أنوبيس لهذا الوعد وهو بالأساس وحشًا؟

- هي كده غزل بقت أختي.

قلتها بنبرة متسائلة بعدما تذكرت أمر زواج الحاوي من أمي عقب إقراري بالوعود الأربعة بنية صادقة التنفيذ، تقابلت نظرات عمي هارون وقاسم ثم ابتسما بسمة يشع منها الخبث حيث إن الجميع يعلم بأمر حبي لغزل على الرغم من أنني لم أفصح عنه سوى لأبي، لكن أبي وغد كبير بالتأكيد مرر السر لجميع أخوته، أو أن الأمر يظهر أمام الجميع وكأنه حجر مضيء في الظلام؟

- لا مش أختك ممكن تتجوزها أما تكبر عادي، وبما إنها بقى مش أختك وهتعيشوا مع بعض في نفس البيت لازم يكون في حدود في التعامل بينكم لحد متقرر هتتجوزها ولا لا، ماشي؟

- يتجوزها إزاي دي أكبر منه بسنتين؟

قالها عمي هارون بنبرة مشاكسة هادئة بينما يرتسم الخبث فوق شفتيه بعد حديث عمي قاسم الذي خرج بنبرة رزينة وهو يمسح ظهري بكفه ثم قبلني في وجنتي بعدما حركت رأسي بالموافقة على حديثه.

- خليك في حالك يا هارون.

قلتها بنبرة ضائقة وأنا أعقد ساعدي أمامي وأغلق حدقة عيني فوق مقلتاي بتهكم فارتفعت ضحكته عليَّ تزامنًا مع دلوف كوبرا التي حثتني على الأسراع في الهبوط، تركني عماي رفقة فارس وهبطا بعدما حمل عمي هارون الحقيبة بأكتاف متهدلة، فهو يترك ابنه الذي أعطاه كامل طاقته لامراة لم تدفع حالها حتى لحمله بين ذراعيها.

- هتسبني وتمشي وتنساني زي داغر صح؟

قالها فارس بنبرة باكية بعدما ضمته لي بقوة وشعرت بدموعه التي هبطت فوق كتفي وكأنه ماء مغلي حرقت جلدي كما حرقت كلماته قلبي، ففصلت العناق ووضعت وجهه بين كفاي وأنا أهتف بنبرة صادقة:

- مقدرش انساك إنت أخويا.

- أنا علطول خايف، من السلاح والناس، كل حاجة، مش عايز أعمل حاجة هما عايزني أعملها، بس معاك مش ببقى خايف خالص علشان إنت بتمسك إيدي، بحس إن في قوة اتنقلت منك ليا، أنا بتخيلها بتمشي من إيدك لايدي ومش بخاف، بس إنت دلوقتي هتمشي .. أنا خايف اوي يا ليو متسبنيش.

هتف بها بنبرة مختنقة وهو يضمني له بقوة من جديد بعد حديثه الذي خرج بنبرة صادقة وهو يمسك كفي ويمثل حديثه عن القوة الخفية التي تنتقل بيننا عن طريق تمرير إصبعه من فوق كفي لكفه، شددت العناق عليه بقوة، رغبت في أن أدخله داخل صدري وأغلق عليه، فارس ليس شخصًا آخر، فارس أنا، كيف يمكنني ترك جزء مني هنا؟

- أنا مش عايز امشي، مش عايز اسيبك.

قلتها بنبرة باكية بعدما فقدت السيطرة على حالي وانقشعت الغمامة عن قلبي الذي تلبد من فرط رَصاصَات الحزن التي اخترقته دون توقف حتى بعدما فقدت روحي، هذا الوغد يظن إنني من أعطيه القوة، لكن الحقيقة هو ما يجعلني قويًا، أنا أصبح قويًا فقط لأجله حتي لا يخاف، لا يتأذي، ولا يبكِ.

سحقًا، أمي ستمزق أشلائي الممزقة بالفعل.

دلف جدي وهو يتوكئ على عصاه في اللحظة التي فصلت بها العناق عن فارس، أشاحت بنظري عنه وأمسكت كف فارس حتى أعبر من أمامه ببرود، على الرغم من الحزن الذي يعتمل داخل صدري، أنا كنت أحب جدي، كنت أحبه بشدة، وهو جعلني أجرب حزن بنكهة جديدة، الشخص الذي أحبه بشدة هو الذي أطلق رصاصته الأخيرة لقلبي، وكأنه لعب دور بروتس في مسرحية شكسبير "يوليوس قيصر" الذي تم اغتياله من قِبل أعضاء مجلس الشيوخ الروماني حيث طعنه الجميع حتى الموت، وقد ميّز قيصر من بينهم بروتس الذي كان صديقه وهتف بجملته الشهيرة:

«حتى أنت، يا بروتس؟»

- خليني أخدك في حضني مرة واحدة بس، متوجعش قلبي يا ابن سالم.

- يعني إنت توجع قلبي وأنا موجعش قلبك؟ أنت قلبك أهم من قلبي؟

قلتها بنبرة محشرجة وأنا أشعر بثقب رصاصته المخترقة لقلبي تعقيبًا على حديثه الذي خرج بنبرة مختنقة من أثر كتمان البكاء بعدما حاول ضمي إليه لكنني ابتعدت عنه ورفضت ذلك، هبطت دموعه فوق وجنته ردًا على سؤالي لكنني تجاهلته كما تجاهلني وخرجت من الغرفة للأسفل بينما تهبط الدموع من عيني.

أوه! ، أكاد أرقص من السعادة لأنك لأول مرة لملمت كرامتك ليو، أقسم أنني إلى الآن اتفاجئ إنك لم تضمه مرة أخيرة.

"سحقًا لك أنوبيس فلتذهب للجحيم رفقة نساء العائلة عدا حبيبتي ماليكا"

ماليكا ليست من العائلة لأنك لم تدعني اخطفها لك، وللتذكير مازالت ترتدي خاتم زواج عامر، وتتحدث معه عبر رسائل تطبيق "واتساب" بينما تفكر في أسماء ابنائها منـ..

"سحقًا لك، أصمت، هذا ليس وقت مناسبًا للشجار! "

بعد مرور ساعة تقريبًا توقفنا أمام باب المطار بعدما ودعت جميع أخوتي الذين يبكون جميعًا فقد فقدوني وداغر بنفس الوقت، كان فارس يتشبث بذراعي بقوة لدرجة إنني شعرت بها سوف تُكسر، والدموع تبلل وجنتيه، تقابلت نظراتي بخاصة عمي هارون لبرهة، نظراته تفيض بالعجز والدموع تُغلِف عينه مما أدي لإطفاء كل ذرة أمل كانت تشع داخلي.

- خلّي بالك من نفسك، هتوحشني اوي .. بحبك.

قالها عمي هارون وهو يلف ذراعيه حولي وضمني بقوة حتى شعرت بعظامي تكاد تتفتت بين ذراعيه، خرج صوته متكَسِر مشوش وكأنه خرج من مذياع يحاول بث إرساله وَسط عاصفة رعدية، ثم مررني لعمي قاسم الذي فعل معي المثل وكأنني أشاهد حلقة مسلسل حزين مرتين.

لم يكن هذا الجزء الأصعب، كانت المُعضِلة الحقيقية في كيفية جعل فارس يفلِت ذراعي بعدما أصبحت كَمخالب تنغرز بجلدي عندما حاولوا فعل ذلك، لكن بعد عدّة محاولات من جذب عمي هارون لي من ناحية وعمي قاسم من ناحية فارس نجحوا أخيرًا بنزعه من حول ذراعي، شعرت وكأنهم نزعوا روحي من جسدي، بينما حملني الحاوي وركض لداخل المطار قبل أن يتشبث بي من جديد، سمعت صَرخته التي ظلّت تتكرر داخل عقلي كَصدى رنين الأجراس.

جلستُ جانب الشرفة في الطائرة جانب غزل التي تشعر بالسعادة الآن بالطبع، لقد حصلت على أمي، بينما ربط الحاوي حزام الأمان حول خصري لكنني لم أشعر به فقد كنت كالمخدر، فقط شعرت بالفراغ يملأ قلبي، سحقًا أنا أشتاق لهم بالفعل، وأشتاق لأبي. أخي، وأمهاتي حد لإحتراق.

هل تعلمون ما هو الأحتراق البشري الذاتي؟
هو أن ينشب حريق بالجسد دون سبب خارجي، اي يحدث الأشتعال من الداخل أولًا، تنصهر بعدها يشب الحريق من الخارج، كَالأشتياق بالضبط، نعم، أفنى على طريقة الاشتعال البشري الذاتيّ، تَضرُّم النيران بجسدي من الداخل، احترق شوقًا، أصرخ ألما لِلُقى، أنصهر لضمّة، تزأر روحي، يتجَّج اللَّهب حتى أصير رمادًا يتطاير في الأجوَاء.

من قال أنّ الحياة لا تقف على أحدٍ، كان أخرقًا، فأنا اشتعل.

دعونا نعود لسؤالنا القديم مجددًا، ماذا فعلت أمي؟

لم تَرَانِي أمي، لم تفعل، قذفت بي في قعر الجحيم حتى تنتقم من أبي ولم تراني، وقفت تنظر لي وأنا اتمزق لقطع صغيرة، لإنها قررت أن تنتزعني من بين حضن  أبي وتلقيني في حضن الحاوي، حتى تنتقم من عمي هارون لحرماني منه لإنه السبب_ من وجهة نظرها_ في قتله.

ارتفعت الطائرة في السماء بينما هبطت دموعي حيث لا يمكنني الشعور بكف فارس تعانق خاصتي، الجحيم الحقيقي يبدأ من هنا، فكل ما حدث هو التعويذة التي فتحت أبواب الجحيم في وجهي، وهنا أنا الآن ادلف بقدمي داخلها.

يتبع... بعد رمضان بإذن الله، لا تنسوني بالدعاء.

بنزل كل يوم على الجروب فوازير رمضان للحابب يلعب معانا وبإذن الله هنزل مشاهد خاصة عندي على الاكونت والجروب.

وبإذن الله الفصل الجاي هنرجع الأحداث الطبيعية وهنتبسط كلنا، آسفة لأن الأحداث ثقيلة لكنها من خلقت أنوبيس والقادم أفضل بإذن الله.

★ متنسوش التصويت (vote)
_______________________

_ السائرون بعيدا عن اوميلاس" هي قصة  قصيرة فلسفية للكاتبة *أورسولا لي غوين".

_ لا تنسوا الدعاء لأخوتنا بغزة في جميع صلواتكم، رفع الله عنهم ونصرهم.

للتذكير: سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، نِعمَ الزادُ هذا يا رب.

Continue Reading

You'll Also Like

35.7K 2.5K 42
people read the book trust me on this one
5.9K 128 6
The POV's will switch a bit. RUN, DON'T LET IT CATCH YOU!" I scream to the other scientists. Loud, blood curdling screams were heard everywhere. The...
221K 6.8K 31
You've always been reckless and have taken risks, dangerous risks, especially when your older brother was Owen Grady; an ex-Navy officer. Owen always...
100K 5.3K 33
Pluto thai gl novel မြန်မာဘာသာပြန်