أنوبيس

Od HabibaMahmoud25

99.4K 5.1K 4.6K

مرحبًا بكم في المملكة لا لا، يجب أن أحذرك أولًا من يدخل المملكة لا يخرج حيًا. يمكنك المغادرة الآن.. سأترك لك... Více

تنويه
قوانين التنظيم (المملكة)
الشخصيات
الفصل الأول: المامبا الحامي لي
الفصل الثاني: نساء عائلة المُهيري.
الفصل الثالث: لماذا مُراد؟
الفصل الرابع: إلى اللقاء أمي.
الفصل الخامس: قصر الأشباح.
الفصل السادس: ثم لم يبقى أحد.
الفصل السابع: لا تترُكيني.
وشم المامبا +إعتذار
الفصل الثامن: وضع الغيرة
الفصل التاسع: يوم رفقة الأوغاد.
الفصل العاشر: انا الخاطف.
الفصل الحادي عشر: النجمة المسلوبة.
الفصل الثاني عشر: لتمتزج صرختنا معًا.
مسابقة 🔥
الفصل الثالث عشر: طبيب الطاعون.
الفصل الرابع عشر: رقصة أخيرة
الفصل الخامس عشر: فتيل القنبلة
الفصل السادس عشر: وتر أكيليس.
السابع عشر: رقصة الألم.
الفصل الثامن عشر: الغجرية الساحرة.
الفصل التاسع عشر: لنتزوج ماليكا!
الفصل العشرون: وحوشي وقعت لكِ.
الفصل الواحد والعشرون: خطوبة أم معركة حربية؟
الفصل الثاني العشرون: أنا الجحيم.
الفصل الثالث والعشرون: أحتضر ماليكا.
الفصل الرابع والعشرون: ليو الصغير.
الفصل السادس والعشرون: خنجر بروتس.
الفصل السابع والعشرون: مُروضة أنوبيس!
الفصل الثامن والعشرون: مرحبًا بالغجرية.
الفصل التاسع والعشرون: الموت أم.. الموت؟
إعتذار
الفصل الثلاثون: الذئب الذي أكل يُوسف.
الواحد والثلاثون: لن تكسريني، أليس كذلك؟
الثاني والثلاثون: نعم، أحبك.

الفصل الخامس والعشرون: بُتر قلبي.

1.9K 122 193
Od HabibaMahmoud25

هذا الفصل إهداء إلى أبي رحمه الله.

آسفة على التأخير كنت مريضة ومقدرتش اكتب كتير علشان كدا منزلتش الفصل إمبارح لإنه كان ناقص جزء.

متنسوش التفاعل.
___________________

لماذا أتحدث عن المدن والأوطان؟
وأنتِ وطني،
وجهُكِ وطني،
صوتُكِ وطني،
تجويف يدك الصغيرة وطني،
وفي هذا الوطن ولدتُ،
وأريد أن أموت.

_ نزار قباني.

______________ ︻╦デ╤━╼
𝕒𝕟𝕦𝕓𝕚𝕤
≼ أنـوبـيـس ≽

مرحبًا من جديد.
هل اشتقتم لي ؟
سحقًا، لا يهم.
أنا لست بمزاج جيد للمزاح.
فأنا اشتعل ذاتيًا.
أتعلمون ما هو الإشتعال الذاتي؟
بعد قليل.
في الصباح بدأ جميع شعب المملكة يتوافدون تباعًا لبدأ اليوم البغيض الخاص بالأحتفال والهراء، الهراء الهراء، أأخبركم سرًا؟

أنا أكره الجميع منذ كنت صغيرًا، حسنًا هذا ليس مهمًا الآن فأنا أجلس رفقة أخوتي الأربعة المقربون: فارس، داغر، يعقوب وباسل فوق الدرج منذ نصف ساعة حتى نفكر في ماذا سأفعل في المراة؟!

أوه لم أخبركم من المرأة وماذا فعلت؟
إنها إيزابيلا أخت القائد أريزونا، تبًا لها، امرأة مغرورة وتحب التنمر على البشر منذ قليل تجمعت النساء في الردهة وهبطت أمي التي كانت ترتدي فستان خلاّب جلبه لها أبي سالم معه من الخارج، وقد ارتدته من أجله على الرغم من إنها لا تحب ارتداء ملابس خاصة بالنساء أمام الجميع حتى لا تطولها ألسنتهم التي تشبه الشفرات الحادة لقلبها.

- أوه يا ربي الرحيم، لقد رأيت رجل يرتدي فستان منذ قليل، شعرت أنني سأفرغ معدتي.

قالتها إيزابيلا بنبرة ساخرة بينما يتراقص الخبث بمقلتيها لترمي بالحديث ناحية أمي بالطبع مما أدى لارتفاع ضحكات الجميع عليها بينما ابتسمت أمي بهدوء واعتدلت بوقار في جلستها ولم تعلق على الأمر، ليس لإنها ضعيفة، فهي يمكنها حرق كل من تسول له نفسه للنظر فقط لأبي، لكنها تحب لعب دور الثقيلة التي لا تهتم والواثقة من ذاتها، على عكس ما يدور في خلدها فأنا أعلم إنها شعرت بالحزن.

لا يوجد ذرة ثقة واحدة داخلها بحالها ولهذا تتأثر بحديثهن، هي من تحرق دمائهن وليس هن، هي من اختارها، إنهن يشتعلا من الغيرة منها، لكنها لا ترى
إنها جميلة، وتغار على أبي من جميع النساء لظنها انهن أجمل منها ويمكن أن يتلاعبن به حتى يتركها ويذهب لإحداهن، لا تصدق إن أبي يحبها ويراها جميلة حقًا فدائمًا أبي يذكرها بذلك حتى يعزز الأمر داخلها.

هل أخبرتكم عن المرة الوحيدة التي رأيت بها أمي تبكي بحق؟

الإجابة باختصار كالعادة تتمثل في حروف جملة: كل المصائب تؤدي إلى شمس الزناتي.

كان شمس يقيم رهانًا رفقة القادة على طلاق أمي وأبي، لم يكن أحد من العائلة يعلم ذلك، علمت ذلك فيما بعد في فترة مراهقتي حيث سمعته يتحدث مع الحاوي وعلمت السبب بالطبع حيث إن الحاوي كان يحب أمي سرًا ويرغب بالزواج منها وشمس تمسك بالأمر ليُسلي حاله كالعادة.

وضع شمس خطة ليرمي بعود ثقاب مشتغل فوق كومة قش غيرة أمي، وقد دعى جميع القادة في منزله وبدأ الجميع بلعب البوكر كالعادة على رهانات والتي تكون بالطبع أشياء بشعة تشبههم، ولا يمكن عدم تنفيذها لأن هذا ضد القوانين.

- هيه "أنو" هيا يا رجل لماذا لا تلعب معنا؟ هل أنت خائف؟

- أنا لا أخاف سِت تعلم ذلك.

قالها أبي بنبرة واثقة وهو يرفع كتفه بلامبالاة ولم يتحرك من مجلسه تعقيبًا على حديث شمس الذي خرج بنبرة متحدية، فهو ليس مثل عمي هارون سيتأثر بالكلمات ويتركه يسحبه تجاهه كسمكة تبتلع طعم سيؤدي بحياتها، بينما أصدر جميع القادة صيحات وهمهمات ثم دفعه القائد أوركا تجاه الطاولة ليشارك باللعب، ولأن أبي لاعب ولص ماهر قبل التحدي، لعب أبي وعمي هارون ضد شمس والحاوي.

بعد برهة انتهت المباراة بفوز شمس والحاوي لأن عمي هارون لم يساعد أبي كثيرًا حيث أن عمي هارون فاشل فشل رهيب في ألعاب العقل، لكن اتركه في حلبة وسترى الوحش داخله، لكن لحسن الحظ أن أبائي لا يلعبوا إلا بقوانينهم.

ممنوع الحكم بقتل شخص.
ممنوع الحكم بالزواج من انثى أو شيء من هذا القبيل.
ممنوع الحكم بآذية الغرباء بشكل غير مقبول.

- حسنًا إذًا هارون سيذهب للحانة ويرقص رفقة الراقصة، وبالنسبة لسالم سيخرج في موعد رفقة إيزابيلا بمفردهما.

- لا تتلاعب ست أنا لا أقبل بأحكام خاصة بالنساء.

هتف بها أبي بنبرة جامدة وهو ينظر له نظرة ثاقبة تعقيبًا على حديثه الذي خرج بنبرة مرحة مراوغة بعدما أتفق رفقة باقي القادة على ذلك، ليضرب بأول ضربة مطرقة صوب زواج أبي وأمي، فالجميع يعلم برغبة إيزابيلا في الزواج من سالم.

- هل أطلب منك شيء عديم الحياء؟ أنا أطلب منك الخروج معها مثل أصدقاء مقربين، لا داعي لأن تعانق كفها أثناء السير.

قالها شمس بنبرة غير مصدقة وهو يرتدي لباس البراءة فوق وجهه بينما تمتم الجميع بالموافقة على حديث شمس الذي خرج من لسان مسموم كالأفاعي، حرك أبي رأسه بالموافقة على مضض قبل أن يهاتف "إيزابيلا" ويخبرها بأمر الرهان السخيف فهو يمكنه ذلك إذا كان سينفذ على كل حال، فوافقت على الفور وأظهرت تفهم وأهتمام كاذب.

وفي اليوم التالي ذهب معها للغداء في مطعم، لم يتحدث، لم ينظر لها، لم يأكل، كره الوقت الذي قضاه رفقتها بقدر حبه لأمي وعندما انتهى عاد راكضًا لحبيبته وأخبرها كل شيء عن الأمر مما أدى لإشتعال أمي، كنت حينها إلعب بغرفتي والتي تكون التالية لخاصتهم فسمعت صوت شجار وتحطيم أثاث دائر بغرفتهم، دلفت الشرفة وتقدمت ناحية خاصتهم لأرى ماذا يحدث بالداخل؟

كانت أمي عبارة عن كتلة نِيران حمراء هائجة، وجه متأجج، شعر مشعث وملابس مبعثرة من فرض المجهود بينما يقبع بين أصابعها عدد من الخناجر تقوم بالقائهم على أبي الذي يتفاداها بمهارة حتى توقف فجأة أمامها فاخترق الخنجر كتفه وتوسعت بقعة الدماء حول موضع النصل، أرتج قلبي بموضعه لكن حَلَّ الخوف حباله السميكة عن قلبي عندما ضحك أبي بعبث وهو ينظر لوجهها الذي يشبه خاصتي حيث ترتجف شفتاها بشكل ملحوظ، فعلمت إنه كان يقصد ذلك.

- ارتاحتي؟

- أغرب عن وجهي سالم، وتوقف عن الضحك!!

قالتها بنبرة حانقة وهي تعقد ساعديها أمامها تتصنع الثبات الذي يتنافى مع انحسار الدماء عن أطرافها من الخوف عليه وشحوب وجهها تعقيبًا على حديث أبي الذي خرج بنبرة هادئة، بينما ارتفعت ضحكات أبي من جديد حيث إنه يحب رؤية غيرتها عليه.

- أخرج سالم قبل أن أقتلك بحق!

- اعترفي إنك بتحبيني خايفة عليا وعايزاني امشي علشان أعالج كتفي وأنا امشي.

قالها أبي بنبرة مراوغة وهو يغمز لها بعبث تعقيبًا على حديثها الذي خرج بنبرة غاضبة منه ومن حالها لإنها تسببت في آذيته بهذا الشكل وهي تجلس فوق الفراش بسخط وترمقه بنظرة لا تخلى منها، فأشاحت أمي بوجهها عنه لتخبره بأنها لن تعترف بينما اقترب أبي منها وجلس على ركبتيه أمامها وهتف بنبرة رخيمة عاشقة:

- جلالة الملكة الفُرعونية لقد أنزَلتي على قلبي لعنة فَلم يَعد قادر أن يخفُق إلا لأجلكِ، ولم تَعُد عيني ترى سواكِ، أتوسل اليكِ جلالتك لا تُحريريني من لعنتكِ فقد أحبها قلبي.

أخرج أبي وردة حمراء من ملابسه لا أعلم من أين أتى بها؟ لكنه سالم فهو ملك التلاعب البصري، أمسك خصلة سوداء لامعة ساقطة فوق عين أمي وأعادها خلف أذنها ثم ثبت الوردة فوقها وخلف أذنها وهو يستطرد:

-أقسم لكِ جلالتك أني أغض بصري عن جميع النساء لأني أحبكِ وأريد أن أموت وأحيا بين يديكِ،

- لقد طفح كيلي سالم، لماذا يريد الجميع أخذك مني؟! لماذا؟! هل يجب عليَّ الصراخ وهتف بكل شيء.

قالتها أمي بنبرة متهدجة منتحبة بعدما انفجرت في البكاء بعنف عقب ارتجاف جسدها حيث كانت تمنع حالها من ذلك قبل أن تفشل في توقف انفجار السد المانع لماء دموعها، ثم استطردت بنبرة عالية بألم من بين شهقاتها بطريقة مضطربة هيستيريا وتتحرك في الغرفة بعنف بعدما نهضت:

- سالم هو كل شيء أريده، سالم هو كل العالم بالنسبة لي، إنه مداوي جروحي أيها العالم، عندما كنت لا أستطيع النوم من شدة الألم حيث كنت أُعامل مثل الحيوانات كان تفكيري به هو من يسكن آلامي، اتركوه لي من فضلكم!

هتفت بها أمي وهي تجذب خصلات شعرها القصير بكلا كفيها، وترفع رأسها للأعلى لتأخذ نفس عميق حيث خنقها البكاء بينما أمسك أبي يدها وأجلسها فوق الفراش قبل أن يجلس بجانبها وربت عليها برفق، مسح على خصلاتها ثم مرر أنامله أسفل عيونها ليمسح دموعها التي تتدفق دون وعي منها وهو يقول بنبرة محشرجة حيث تأثر بألمها حتى قارب البكاء:

- أنا آسف، آسف، والله آسف، كنت المفروض مقبلش ألعب بس والله مكنت أعرف اللي هيحصل، سامحيني علشان خاطري.

- أنا لا أحزن منك سالم حتى أسامحك، وتقول أنني من انزلت عليك اللعنة، سحقًا لك.

هتفت بها أمي بنبرة ساخطة مازحة وهي تضرب أبي في كتفه عندما لامست حزنه من أجلها من خلال نبرته، هي الأساس لم تكن غاضبة منه بل غاضبة من العالم الذي يحاول أخذه منها دول كلل، فضحك أبي بخفة ثم نهض من مجلسه وهو ممسك بيدها وقال بنبرة مرحة:

- طيب يلا تعالي نخرج وكمان هوديكِ تشوفي هارون وهو بيرقص مع الفنانة، أحسن علشان هو السبب في كل ده.

- إنت مش حاسس بحاجة؟

قالتها أمي بنبرة ضاحكة وهي تنظر إلى الخنجر بعدما دوت ضحكاتها عاليًا على حديثه بشأن عمي هارون فهذا كالجحيم بالنسبة له، فهو يظهر لنا نحن بشكل لطيف لكن أمام المملكة هو "رع" الثقيل المتوحش الذي يخافه الجميع؛ ضحك أبي بخفة وهو يلمس الخنجر الذي بالطبع كان يشعر به لكن دموع حبيبته كانت أشد ألمًا بينما نهضت أمي لتجلب علبة الأسعافات الأولية التي لا تتحرك من غرفتها حتى تضع قطن فوق النزيف ليتوقف لبرهة حتى يذهب إلى عمي صالح ليخيطه.

- صالحيني يا مفترية!

ضحكت أمي من جديد بخفة على جملة أبي المعتادة بعدما تجرحه أو تحزنه بأي شكل، بينما انسحبت بهدوء وأنا أضحك لأنني كذلك أحب تلك الكلمة، وأحب علاقة أمي بأبي كثيرًا، ولهذا أنا اصبحت رومانسي بغيض، فالطفل يتعلم الحب عن طريق مراقبة علاقة أمه وأبيه وعلاقتهم به، وكل من حولي كانوا مثل طيور الفلامنكو يرسموا قلوبًا أمام نظراتي.

_ خماسي أشرار المدينة، حبايب قلب هارون.

قالها عمي هارون من خلفنا بنبرة ماكرة فارتجفت أجسادنا جميعًا بسبب المفاجأة حيث كنا منغمسين بوضع خطة الأنتقام من إيزابيلا، فضحك عمي بخفة بعدما جلس بالوسط بيننا ثم هتف بنبرة تنبض بالخبث:

- عايزين نكّسِب قاسم المواجهة يا رجالة، معايا؟!

- هنكحرتهم يا مان.

قالها داغر بنبرة ضاحكة وهو يضع كفه فوق كف عمي هارون الذي مد كفه للأمام عقب انتهاء جملته، فوضعنا جميعًا كفوفنا فوق بعض لنؤكد له إننا معه في أي مصيبة، ثم بدأ بقص علينا ما سيحدث في المواجهة.

______________ ︻╦デ╤━╼

حركت الأسمنت ذو اللون الرمادي داخل السطل المصنوع من الحديد بشكل دائري، تخدرت يدي من ثقل العجين فقد أصبح جاهزًا بل يتوق بشدة ليحتضن رأس "إيزابيلا"، تقدم داغر مني وحمل السطل من الذراع بمساعدة يعقوب حيث إنه ثقيل بحق ويعقوب الأقوى عضليًا بيننا.

- يعني إنت عايزني أسحب إيزابيلا للأوضة؟

قالها "سفن" بنبرة تحمل السخرية أكثر منها متسائلة وهو يتابع داغر ويعقوب بعينيه حيث طلبت منه التفكير في شيء ما ليجذب إيزابيلا للداخل حتى تتم الخطة كاملة، لإنها بالطبع إذا رأت وجه أي منا ستصيبها نوبة قلبية فهي مازالت تتذكر أمر حرق الفستان.

- وإيه اللي هيخليني أنفذ وسالم موجود منغير ما أخد منه الأذن؟

- هقول لكوبرا إنك بتحبها وإنك سرقت الحلق بتاعها.

قلتها بنبرة هادئة ببساطة وأنا أنظر له بخبث يتقافز من مقلتاي بينما لامست سقف حلقي بلساني، فأنا أعلم إنه يحب كوبرا سرًا وقد رأيته يسرق قرط الأذن الخاص بها من غرفتها، ضيق "سفن"جفنيه وهو ينظر لي بشر قبل أن يُخرج دفتر ملاحظات صغير من جيبه ويخُطّ داخله:

" أنتظرك بالغرفة أسفل خاصتي مباشرةً، لا تتأخري"

_ عارف إن موتي هيكون بسببك.

قالها "سفن" بنبرة متهكمة وهو يمزق الورقة من الدفتر ويثنيها برفق بينما أنا حركت له حاجباي باستفزاز، كانت جملة عابرة، لم أعلم إنها حقيقية هكذا، وقريبة هكذا وأن جميع حروفها كانت بمثابة نبؤة الساحرة المتشحة بالسواد داخل كهف مخيف في الغابة، وقد تحققت.

دلف" سفن" للداخل بحث عن واحدة من العاملات أعطاها الورقة ثم تحرك خلفها بخطوات بطيئة حتى لا يظهر إنه يلحقها، تقدمت العاملة من إيزابيلا وأعطتها الورقة رفقة كوب الشاي حيث تجلس في الحديقة، بينما فتحت إيزابيلا الورقة بحيرة، حركت بؤبؤا عيناها فوق الكلمات بينما تقلصت المسافة بين حاجبيها ثم رفعت رأسها للأمام فوقع بصرها على "سفن" الذي رفع عينه لثانية واحدة من فوق الأرض لتتقابل مع خاصتها قبل أن يكمل طريقه منسحبًا من المكان كأنه لم يفعل شيء.

فهمت إيزابيلا أن الورقة من سالم لإنه سفن المامبا الحامي له، وقد أمسكت كوب الشاي وارتشفت منه رشفة قبل أن تسكب بقصد عدة قطرات منه فوق قميصها قبل أن تنهض بحجة تغيير ثيابها.

بينما في الداخل وضع الأربعة أوغاد الباقيين السطل الذي احتاج لقوتهم جميعًا فوق حافة الباب المفتوح جزئيًا ليتم تثبيته بحيث يقع فوق رأسها مباشرة عندما تفتحه؛ اختبئ الجميع في الرواق في نفس اللحظة التي ظهرت بها إيزابيلا في أول الممر، تحركت بحماس تجاه الغرفة ثم هندمت حالها وثيابها قبل أن تضع يدها فوق مقبض الباب وتفتحه برفق وهي تفكر بحماس في أبي الذي ينتظرها بالداخل وإنها أخيرًا ستحصل عليه، لكن كل ما حصلت عليه هو سَطل من الأسمنت هجم فوق رأسها وتلبسها كقناع تجميلي بغيض.

_ سوف أقتلكم أيها الشياطين!

قالتها إيزابيلا بنبرة غاضبة تشبه الحمم البركانية بعدما صرخت صرخة مدوية وهي تزيل السطل من فوق رأسها وتمسح جزء من الطين عن وجهها تزامنًا مع صدوح ضحكاتنا وركضنا للأعلى، بينما هتف داغر بنبرة مستمتعة وكأننا ذاهبون للشاطئ:

- سنُعاقب حتى الموت.

فُتح باب غرفة في الممر خرجت منها أمي شيرين وخطفتنا لداخل غرفتها بسرعة، أغلقت الباب بالمفتاح ثم نظرت لنا بتمعن بعيون تترقرق بالدمع قبل أن تبدأ في تقبيل كل إنش من وجهنا ثم ضمتنا في عناق طويل استمر لدقيقتين تقريبًا قبل أن تفصله، لم أرغب في فصل العناق، رغبت في البقاء هناك للأبد ثم التلاشي.

آه، كم اشتقت لكِ أمي.

فقد تطلقت من عمي هارون منذ ثلاث سنوات تقريبًا، كان هذا أبشع شيء حدث لقلبي وقلب الجميع، فقد ظللنا نبكِ لمدة كبيرة حتى داغر الذي لا يبكِ بكى لأجل فُراقها الذي شبه نزع الروح من الجسد، أخبرني عمي إن عمها هو الذي طلقها منه ولا يستطيع استردادها لانها تزوجت "فْرّانْسوا" الوغد.

أعلم إنه كاذب، لكنني لا أعلم السبب فأمي كانت تبكي كثيرًا سرًا في آخر فترة لها بالمنزل، لكنه يحبها بشدة، فقد كان ينام أرضًا بعد أن طلقها لمدة طويلة، لإنه لا يستطيع النوم دونها، كما كان يحتضن سترتها ويبكِ كطفل فقد أمه، كانت فترة ساحقة لنا جميعًا، وأبي لم يكن راضيًا عن الأمر، فقد سمعته يتشاجر معه كثيرًا حتى آخر يوم قبل زواجها من فرانسوا.

- إنت هتسيبها تتجوز واحد مش بتحبه غصب عنها؟! خليك راجل وروح هات مراتك يا هارون!

- مبقاش ينفع، صورتي اتكسرت في عينيها يا سالم، قالتلي كنت فكراك راجل، بعدين مش غصب عنها، محدش يقدر يغصب شيرين على حاجة.

قالها عمي هارون بنبرة منكسرة تعقيبًا على حديث أبي الذي خرج بنبرة حادة مؤنبة قبل أن ينسحب من النقاش ويعود لغرفته كعادته في هذه الفترة، فهو كان يتجنب الجميع حتى أنه لم يكن يلعب معنا لكنه كان ينام بجانبي أغلب الأيام في فراشي، يضمني له بشدة يبكِ بينما أنا أربت عليه برفق كما يفعل معي، فقد كان وكأنه عاد صغيرًا من جديد ويحتاج للدعم الصامت، دون تأنيب.

خرجت من شرودي عندما طُرق باب الغرفة بعنف بعد أن حاول شخص بالخارج فتحه ولم يذعن له، فاختبئنا سريعًا أسفل الفراش، فنحن نعلم أن الطارق هو "فْرّانْسوا" زوجها البغيض وهو يكره رؤيتنا رفقتها حد العمى، ابتلعت الغصة بمنتصف حلقي عندما تذكرت أول مرة تقابلنا بها بعد زواجها منه، فقد ركضت من غرفتي إلى الأسفل بسعادة كطائر تم علاج جناحه المكسور عندما رأيتها تدلف القصر بعد مدة طويلة من الغياب قاربت الخمسة أشهر.

- وحشيني اوي يا ماما.

- إنها ليست أمك ليو.

قالها "فْرّانْسوا" بنبرة غليظة وهو يمسك كفها ليسحبها بعيدًا عني بأمتلاك واضح وكأنني غريمه ولست طفل في السابعة بعدما هتفت بجملتي وأنا أضم خصرها بقوة وأتلمس أمان ودفء وجودها من جديد، وقد دلفت جملته كالرصاصة إلى صدري مباشرة، سال دمي حتى صبغت قدماي من كثرة النزيف بينما حملني أبي وضمني له بقوة وهو يربت على جناحاي الذان انكسرا من جديد بحديثه، وفعل أعمامي المثل مع أبنائهم.

سحقًا له فلتحترق في الجحيم فرانسوا، أنت وعائلتك جميعًا، سنتقابل مجددِا ووقتها لن أرحم أحد.

إنها أمي، أمي رغمًا عن أنف الجميع، كنت أنام بحضنها منذ كان عمري أيام، كانت تطعمني وتلبسني وتحممني، كنت أريد الصراخ في وجهه وهتف بأنها أمي، أمي أنا أيها اللعين، لكن خفت أن يؤذها وآسرتها في نفسي.

- لما اغلقتي الباب بالمفتاح؟

- كنت على وشك تبديل ثيابي.

قالتها أمي بنبرة جامدة وهي تتجه للخزانة لتخرج ثيابها كما أذعنت تعقيبًا على سؤاله الذي خرج بنبرة حادة كالشفرة وهو يبعثر نظراته في الغرفة ليبحث عن عمي هارون وليس نحن بالتأكيد بعدما دلف الغرفة كالقذيفة؛ إنه مختل مريض، أرغب بشدة في سحق عظامه!

- ارتدي الفستان الأحمر، أنا أحبه عليكِ سيكون مناسبًا للمواجهة.

- لا، أنا مريضة قليلًا ومتعبة من السفر لن أهبط كما أن شهرزاد لن تحب الأمر، حظًا موفقًا زوجي.

قالتها أمي بنبرة متعبة وهي تحرك رقبتها بتمدد لليمين واليسار لتضيف على حديثها الكاذب بالطبع تعقيبًا على حديثه الذي خرج بنبرة مغلفة بالخبث بعدما تقدم ناحية الخزانة ليبحث عن الفستان المنشود حيث علقت العاملات ملابسهما في الخزانة، ابتسم بسمة جانبية مخيفة وهو ينظر لها بقتامة قبل أن يقبض بعنف على رسخ يدها ويديره بطريقة مؤلمة.

- متعبة أم لا ترغبي في رؤيته شيري؟!

- اترك يدي فرانسوا وتوقف عن صنع الأوهام برأسك، سوف توقظ "شهرزاد".

قالتها أمي بنبرة جامدة قوية دون أن يظهر على وجهها أي تعبير ألم وهي تثبت بؤبؤا عيناها الزرقوان بخاصته الصفروان كعيون النمور التي تحولا إلى الون الأحمر فقط بمخيلتي، وأخرج نفس قوي من منخاره يدل عن محاولته في تمالك الغضب داخله وهو يهتف من بين أسنانه:

- حسنًا، ستهبطي شيرين، وسوف أقتله أمام نظراتك.

انفلتت ضحكة ساخرة من فم أمي شيرين دون إرادة منها من حديثه الواثق حيث تعلم هي تمام العلم إن هارون سيفتك به إذا وقع بين أنيابه، مما جعلت النيران تشتعل بكامل جسد فرانسوا الذي قبض على عنقها بكفاه العملاقين بالنسبة لعنقها الرقيق الصغير وهو يهدر بغضب مكبوت داخله يمكنه حرق مدينة كاملة:

- ماذا تحبيه به؟! ما الذي يمتلكه وأنا لا شيري؟! ما الذي فعله لكِ ولم أفعله، لماذا؟ لماذا شيري؟! اللعنة اجيبي.

صرخ بآخر كلمة في وجهها جعل خصلات شعرها تطير جانبها من هواء تنفسه بينما قبض فارس على كف داغر وكفي باليد الأخرى حيث كنا سنتحرك من مكاننا ثم شدد على كفي ليُهدّأ من غضبي، إذا خرجت ربما سيضربها أكثر سأنتظر قليلًا، لكنه حمدًا لله تركها عندما أصدرت أختي "شهرزاد" صوت من فمها ليقطع الصمت المطبق على الغرفة وحرب النظرات بينهما.

" طبيلي و شد الدربكة"

غنتها أمي شيرين ببرود وهي تتحرك ناحية الخزانة من جديد بلامبالاة، بينما هو خرج من الغرفة وصفق الباب خلفه بعنف من طريقتها الباردة مما أدى لارتفاع ضحكاتها عليه قبل أن تُخرج شيء من الخزانة يمكن الطرق عليه وهي تكمل الأغنية.

- واتجدعن يالا معايا امال .. حرقصلك فشر السامية جمال.

غنيتها بعدما خرجنا نحن الثلاثة من أسفل الفراش في محاولة مني لمجاراتها وتغير جو الكآبة الذي ساد الغرفة بينما استيقظت أختي "شهرزاد" من نومتها على صوت الطرق وهي تضحك بمرح، فركضت بلهفة لها وحملتها بين ذراعي وأنا أقبلها بحبٍ بالغ.

- ليو .. ليو ليو!

قالتها صغيرتي الأولى بسعادة وهي تكرر اسمي عدة مرات وكأنها حصلت على جائزة أدبية مهمة بعدما استطاعت أخيرًا نطق اسمي بشكل صحيح وهي تجلس متسطحة فوق صدري حيث تكدسنا جميعًا في الفراش لنسمع إلى حكاية من أمي شيرين، طبعت قبلة فوق وجنتي قبل أن تهبط من فوق صدري بسرعة كقردة صغيرة وركضت بالحذاء الذي يصدر صوت صافرة تجاه الكرة الملقاة بأهمال في الزاوية، أمسكتها وهي تطلق ضحكات متعددة مرحة وتركض نحوي حتى ألعب معها.

______________ ︻╦デ╤━╼

هبطنا لغرفة الطعام التي تحتوي على مأدبة ضخمة بغرفة واسعة طويلة يمكن بناء عمارة سكنية ذات خمسة غرف فوقها، خطونا نحو أول الطاولة فوق السجاد الأحمر الممتد بطول الساحة، مررنا بجانب شعب المملكة الجالس فوق الطاولة والتماثيل القديمة الحجرية الملتصقة بالحائط والمصطفة على طول الطريق وكأنها جنود حماية صامته، شعرت إنها تتابعني بعيناها بينما صدحت صوت ضحكات وهمهمات الجميع بإزعاج داخل أذني حيث اختلطت أصوات ولغات الجميع دفعة لتصل لي وكأنها لغة معشر الساحرات في المدينة المفقودة.

وصلت للمنطقة المخصصة لعائلتنا بجانب جدي الذي يترأس الطاولة بمقعد ضخم ومهابة وهو ينظر أمامه إلى شعبه الذي اجتمع بأكمله في مأدبة ليتشارك الطعام، جلست جانب عمي هارون الذي ينكث رأسه للأسفل وينظر إلى الصحن أمامه بملامح لامبالية خارجية حيث تجلس أمي شرين في الناحية الأخرى رفقة عائلتها، لإنه عمها والد "فْرّانْسوا" هو الأكبر سنّا في المملكة ولذلك يجلس بجانب جدي مباشرةً، بينما يجلس بجانبي في الناحية الأخرى أبي الذي كان يغني إلى أمي أمام الجميع بأريحية ومرح:

- أنا إيه ذنبي! أنا إيه ذنبى؟ حدفت لى المنديل البمبى.

- حسرة عليها يا حسرة عليها.

غنيتها بمرح وأنا أصعد فوق الطاولة تزامنًا مع وضع العاملات الطعام الساخن أمام الجميع بينما لحق بي داغر بخبث يتقافز من نظراته وبدأنا التصفيق والغناء بمرح مما أدى لإبتعادي قليلًا للخلف حتى أترك له مساحة فوق الطاولة، عدت للخلف وأنا أنظر أمامي حتى ارتطمت قدمي بصحن عميق يحتوي على حساء ساخن وقع فوق قدم "فْرّانْسوا" لتلتهب قدمه على الفور، دون قصد مني بالطبع!

ماذا، هل ظننتم أنني سأتركه وشأنه؟!
سحقًا، لا يجب على أحد أن يؤذي أمي!
أحرق الجميع!

ساد الهرج والمرج بعد ما فعلته بدون قصد، فنهض القائد الملقب ب"الكراكن" والذي يكون زوج أخته وأمسك دلو الماء ممتلئ بمكعبات الثلج وسكبه فرق فخذه حيث كان يرقص من الألم على مقطوعة تأوهات ادخلتني في حالة إنتشاء كتنين محلق، بينما نظرت لي أمي شيرين وهي تحاول كبت ضحكتها فهي أكثر من يفهمني، أمي المفضلة.

- من أخبرك بفعل ذلك؟!

قالها "فْرّانْسوا" بنبرة غاضبة احتلت وجهه ذو التصبغات الحمراء المنتشرة بكامل وجهه بعدما قبض على رسخ يدي بعنف حيث كنت أقف أمامه بوجه تحتله الصدمة التي جاهدت ببسالة لرسمها فوق وجهي وهو يثبت بؤبؤا النمر بخاصتي حيث إنه يمتلك لون عيون نادرة للغاية كما هيئته التي هي عبارة عن كتلة من اللهب، فبدى وكأنها تدرج حدة شعلة النيران من اللون الأحمر المتوهج من شدتها إلى اللون الأصفر الخافت الذي يوحي بالأنطفاء والأخماد.

- لا ترفع يدك على ابني يا ابن الـ**.

قالتها أمي دهب بنبرة عالية غاضبة وهي تسحبني للخلف من بين يديه بينما أمسكته أمي نفرتاري ثم هبطت برأسه فوق الطاولة التي أهتزت الصحون فوقها بدوى مزعج من أثر ثقل جسده الضخم المفتول بالعضلات تزمنًا مع وضع خنجرها فوق وتر رقبته وهي تهتف بفحيح أثناء غرزها لرأس النصل برقبته:

- أنا من أخبرته با ابن الـ **، ماذا ستفعل؟ تبًا لك ولأمك.

أضافت آخر سبّة بنبرة ساخطة وهي تبصق في وجهه قبل أن تبتعد عنه عندما ربّت على ذراعها بخفة حيث تجمع الكل حولها بعدما تغير الجو العام من المرح إلى عواصف كهربائية شاحنة، بينما هتفت إيزابيلا بنبرة متهكمة:

- ابنك هذا قليل الحياء يستحق العقاب حرقًا، أقسم إنه كان يقصدها.

- حسنًا، لا بأس فليفعل ابني كل ما يرغب به ومن يعترض منكم لن يقابل إلا خنجري، سحقًا لكم جميعًا.

قالتها أمي بنبرة حادة تعقيبًا على حديث إيزابيلا التي كانت مازلت مشتعلة من الأمر لكنها لن تخبر أحد بالطبع، ماذا ستخبرهم؟ لقد سحبني الصغير عن طريق استخدام شباكِ التي أحول صيد أبيه بها؟

أمسكت كفي وخرجت بي من المكان بينما لحقت بها أمي دهب وهي تسحب داغر وفارس معها، سحقًا، أمهاتي غاضبات كثيرًا اليوم، هل أخبرتكم أن امهاتي عنيفات قليلًا؟

حسنًا، أمي داليا عنيفة دائمًا مثل أمي نفرتاري ليس معنا بل مع الجميع لكن أمي دهب تكون عنيفة فقط عندما يتعلق الأمر بأبنائها.

_ ثلاثة؟ ثلاث مصايب ورا بعض، مفيش راحة خالص؟!

قالتها أمي دهب بنبرة جامدة وهي تنظر لنا حيث نثبت نظرنا بالأرض في محاولة فاشلة بالشعور بالذنب، رفعت رأسي وهممت أن أصحح لها عدد المصائب لرقم اثنين لكن تذكرت ما حدث في الصباح حيث وضعنا "صراصير" كثيرة في حقيبة "بدر" حتى تزحف فوق جسده عندما يفتحها لكن لحسن حظنا الجميل أن والدته "إجلال" هي من فتحت الحقيبة أولًا قبل أن تفقد الوعي لإنها مصابة برهاب الحشرات.

- لا خدنا راحة لما ماما حكتلنا حدوتة.

قالها داغر بنبرة بريئة وهو يبتسم بخبث بعدما رفع رأسه حتى استقر بؤبؤا عيناه على وجهها الغاضب فعاد بنظره من جديد للأرض، تزمنًا مع انضمام أبي الذي صفع أمي دهب ونفرتاري على رقبتهما من الخلف في نفس الوقت.

- أي يا بنت منك ليها! مش رجالة إحنا.

- طيب متمدش أيدك.

قالتها أمي دهب بنبرة متهكمة وهي تضربه فوق وجنته بخفة بتهديد بعد حديثه الذي خرج بنبرة ضائقة مازحة ليرمي بحديثه على ما فعلاه في حضور رجال العائلة الذين لم يكونوا ليصمتوا بالطبع لولا تدخل النساء، فأخرج صوت ساخر من فمه وهو ويهتف بهزل:

- همد إيدي عادي، أهو

قالها وهو يصفعها على رقبتها من جديد لكن بقوة أكثر قبل أن يركض وتلحق بسرعة ثم قفزت فوق ظهره وهي تكل له ضربات بينما تصدح ضحكة أمي عليهما حيث إنها تركت تلك الجولة لها ولم تتدخل، ضحكنا عليهم ثم ركضنا للخارج حتى لا تتذكر أمي دهب إنها لم تعاقبنا بعد، فأمي نفرتاري لا تعاقبنا مطلقًا، وهذا ما نحبه بها

______________ ︻╦デ╤━╼

_ اوه هاديس تبدو مبهرًا !

قالها أبي بنبرة ضاحكة وهو يعود للخلف لينظر إلى ملابس هاديس المماثلة للجميع حيث يرتدي سروال أسود وفوقة تنورة مصنوعة من ورق الشجر تصل حتى ركبتيه وكذلك بمنتصف قدمه ورسخ يده، ويرتدي فوق رأسه قبعة مصنوعة من الريش وقلادة مصنوعة من أسنان الأسود التي ماتت في السابق حيث نحتفظ بها.

- أوه يا ربي الرحيم! لا أعلم ما الذي دفعني لأمشي خلف جنونك أنو، أنا اتجمد يا رجل!

- نحن سنرقص هاديس لن تشعر بالبرد، هيا حرّك خصرك معي.

قالها أبي وهو يحرك خصره باستمتاع مما أدى لتحرك أوراق الشجر معه بتمايل تعقيبًا على حديث هاديس الذي خرج بنبرة متهكمة ساخرة من موافقته على ارتداء الزي ليلعب معنا رفقة ابنه "لوكاس" الذي يشاركنا اللعب، حيث إنه لا يحبه أحد من أبناء القادة فهم يرونه ضعيفًا، جبانًا وبكّاء وهذا ما يجعله مناسبًا لنا تمامًا فنحن نحب تقوية الضعفاء.

أو كا وا مي ولي كا لك
أنا لامالاما واهينكابو

كا لونا أو أووا أوكاهونا
لا، لا، لا، لا، لا، لا

غناها أبي وهو يرقص رقصتنا المفضلة منذ الصغر على سطح السفينة فشاركناه الرقص ونحن نلتف جميعًا حول بعضنا بينما اندمج هاديس معنا بسرعة وهو يتحرك رفقة ابنه "لوكاس" الذي تراقصت السعادة على وجهه من مشاركة أبيه الرقص، فهاديس من القليلين الذين يتعاملوا مع أبنائهم بطريقة صحيحة في المملكة.

انسحبت بهدوء والتقطت سترتي عندما رأيت غزل تمشي على السور العالي للقصر أمامي بلامبالاة وهي تضع سماعات الرأس فوق أذنها وتتحرك تجاه المكان الخاص بالأسود، فلحقت بها ببطء حتى رأيتها تقفز لداخل القصر عندما وصلت إلى القفص، تبادلت كلمتين مع المامبا المروض قبل أن يعطيها سطل ممتلئ باللحم وشوكة كبيرة للغاية تستخدم في تقليب الطعام، غرزت طرف الشوكة في قطعة اللحم ثم أطعمت "أرسلان" أسد عمي هارون المفضل بينما وقفت اراقبها بهيام.

إنها جميلة للغاية بشعرها الطويل الأسود وعيونها الغير مبالية المسحوبة، وحديثها القليل.

حسنًا، ليو إنه الوقت المناسب.

قلتها داخلي بتشجيع ثم تحركت تجاهها حتى وقفت بجانبها، أخذت قطعة لحم بيدي مباشرةً من السطل وأطعمتها لأرسلان قبل أن أمسّد فوق شعره الأبيض الناصع ثم اقتربت منه ووضعت قبلة فوق جبهته، نظرت لي غزل لثانية وشبح ابتسامة يرتسم فوق ثغرها قبل أن تقلّب عيناها بملل وتتحرك ناحية السور من جديد وهي تعبث في مشغل الموسيقى لتغير الأغنية.

سحقًا لكِ غزل، للجحيم أنت ولنساء العائلة.

أكرهك أكرهك أكرهك أكرهك أكرهك أكرهك.

لقد بقيت أتدرب على ترويض الأسود رفقة عمي هارون طوال العام السابق بأكمله وأنا انتظر تلك اللحظة التي سأبهرك بها لنتحدث سويًا وكل ما أحصل عليه هو تلك النظرة الامبالية والساخرة؟!

سحقًا لكِ، لقد كنت على وشك تبليل سروالي في أول مرة دلفت بها للداخل من أجلكِ وكل ما حصلت عليه تلك البسمة! تلك البسمـة!

تبًا لكِ أيتها الفتاة المغرورة المتكبرة الحمقاء، الرائعة، أكرهك غزل.

أطلقت صرخة غاضبة عالية وأنا أعود من جديد في طريق السفينة حتى لا تأتي لفارس نوبة هلع من عدم إمساكه كفي لمدة عشر دقائق، لكن غيرت طريقي في المنتصف عندما رأيت الأوغاد الثلاثة بدر، بشر، وآدم يتوجهون ناحية داغر الذي كان يلعب بالدمى رفقة جميلة، وركضت لهم بسرعة.

- أوه! تلعب بالدمى مثل الفتيات، كنت أعرف إنك فتاة رقيقة.

- أبي سالم يقول إن مشاركة حبيبتي الأشياء التي تحبها لا يقلل من رجولتي شيء، بل العكس، لذا العب بالدمى رفقة خطيبتي.

قالها داغر بنبرة هادئة على عكس العواصف الرملية التي دفنت المدينة داخله تعقيبًا على حديث آدم بن أوركا الذي خرج بنبرة ساخرة قبل أن ينفجر ثلاثتهم بالضحك عليه لكن بدى أن "بشر" لا يفعل ذلك من قلبه بل أرغم حاله عليه حتى لا يكون منبوذ مثل لوكاس بينهم، فهو مازال متأثر من ما حدث أثناء الأختطاف كما أننا لم نخبر أحد بشأن بكائه.

- أبي يلعب بالدمى رفقة جميلة وأبي هو أبوفيس الذي يكون أقوى من أبيك آدم وكذلك يدرب الرجال الذين يحمونك وعائلتك.

قالها داغر مسطردًا حديثه السابق وهو يلملم الدمى من فوق الأرض بينما ساعدته في ذلك بهدوء، بينما هو أمسك كف جميلة التي ظهر عليها الأضطراب من رؤية أخيها ثم تحركت معه برفق عندما أعطاها بسمة مشجعة، فلا أحد يقدر على أن يمس جميلة بسوء وداغر هنا، فقد كان يقف أمام الجميع حتى أبيها ويهتف: لا تضرب خطيبتي!

فهي منذ ولادتهم تم كتابتها على اسمه وكأنها واحدة من ممتلكاته وأصبحت خطيبته وعندما علم هذا الشيء صار يتعامل معها مثل ما يتعامل أبائي مع زوجاتهم حيث يراقب تصرفاتهم جيدًا، حسنًا، كان داغر في العاشرة لكن عقله كان يسبق سنه بمراحل كثيرة.

- جمّع الرجالة علشان نبدأ المعركة، هوصل جميلة وآجي.

قالها داغر بنبرة هادئة تتنافى مع حديثه في أذني بعدما أحاط كتفي بذراع واستقرت الدمية التي تقبع بين أنامله فوق صدري، فحركت رأسي بالموافقة وركضت تجاه السفينة لأجلب أخوتي، كنت أعلم أن داغر لن يصمت بالأخص بعدما أصدر "آدم" صوت مواء قط ونحن نرحل هو فقط كان يبعد جميلة عن المكان حتى لا تخاف، لو لم تكن معه ما كان لينسحب قبل أن يتشاجر معهم.

____________ ︻╦デ╤━╼

ركضت بين أورقة القصر رفقة فارس بعدما انتهت المعركة بفوزنا في النهاية حيث قررنا العودة لغرفتنا للتحمم بعد أن صارت ثيابي الجميلة خرقة بالية، يصدر فارس صوت موسيقى من فمه بينما أدندن أغنية بنبرة مرحة حيث كنت أحب الغناء طوال الوقت، لكنني لساني تجمد عندما رأيت أبي يلكم شمس في وجهه بعنف بينما تقف خلفه فتاة مراهقة تبدو في السابعة عشر يظهر عليها شبح جمال كان يضيء ملامحها قبل أن تنطفئ ملامحها ويبهت وجهها بينما تبكي بعنف وكتفها يهتز بفعل البكاء.

- مش فاهم إنت استفد إيه؟ عايزني أبعد عنها، قولي ابعد عنها، خلاص مبقتش عايزها، إنتِ طالق بالثلاثة يا ديما.

قالها شمس بنبرة باردة وهو يبتسم باستمتاع أثناء مسحه للدماء التي تدفقت في زاوية فمه بسبب دبلة زواج أبي الفضية، بينما عض أبي على شفته السفلية بقوة نابعة من الغضب الذي بتدفق داخله قبل أن يندفع تجاهه كالوباء ويثبته بالحائط خلفه وهو يقبض على عنقه بكلا كفاه.

- أنا عارف إني مش هقدر أحمي كل بنات العالم منك، بس هعتبر إن دي منطقتي، من دلوقتي عيني عليك، لو عرفت إنك اعتديت على بنت تاني هنا، هقتلك يا شمس ومتقلقش علشان كدا كدا لأنا لأخويا هيبقى الملك.

قالها أبي بنبرة أشبه بعويل الرياح جانب أذن شمس بعدما انحنى برأسه تجاهه مهددًا بطريقة مباشرة حيث إن الحكم بالفعل سيعود لهم من جديد قبل أن يفك الحصار عن عنقه، بينما سحب شمس شهيق عميق حيث كانت قبضة أبي تعيق تنفسه قبل أن يقول بنبرة باردة وهو يدلك عنقه:

- أصلا الأجانب احلى، بعشق اللبنانيات.

ضغط أبي على أسنانه ثم تحرك من أمامه قبل أن يقتله ويجلب لحاله مصائب هو في غِنى عنها كما أنني هُنا الآن، لو لم أُولد أقسم إنه كان ليقتله لكنه أضحى يفكر بعقله بعدما صار أب وزوج قبل أن يفعل أي فعل متهور لا يعرف عواقبه، بينما ركضت الفتاة التي تزوجها شمس رغمًا عنها لإنه كان يلعب أمس دور "المتزوج بالقصيرات" وقد علم أبي بذلك عن طريق الصدفة من خلال الحديث مع هاديس.

ظهرت أمي التي كانت تشاهد ما يحدث أثناء وقوفها بزاوية في الرواق، ثم حركت بؤبؤا عيناها تجاه شمس وهي تمر من أمامه تزمنًا مع لمس طرف قرط أذنها الذي على شكل ثعبان وصعدت وراء أبي بهدوء، نظر شمس في أثرها بملامح قلقة قبل أن يتحرك للداخل من جديد بخطوات بطيئة نابعة من عمق تفكيره، حيث إنها هددته بالقتل عن طريق تسميمه بطريقة غير مباشرة.

هل أخبرتكم أن جميع القادة تخاف أمي؟

فجميع القادة الرجال يظهروا العداوة واضحة ويتعاملوا بالذراع، بينما أمي يمكنها تسميم الجميع دون أن يظهر ذلك سبب الوفاة ولن تعاقب على فعلتها تلك لعدم وجود دليل، هم يعاملوها كأنثى على الرغم من إنها قائد مثلهم، إذًا تلعب مثل انثى.

هل أخبرتكم كيف أصبحت أمي القائد المرأة الوحيد؟

لم يحدث شيء مهم فقط دلف أبي عليهم وهو ممسك بكف أمي وهتف بقراره حيث إنها الوحيدة الباقية من نسل عائلة الجابري فقرر دفع المهام لها لأنها تعلم جميع أسرار صناعة السلاح كما إنها عبقرية، فوفق الجميع على ذلك بعد موافقة جدي الذي حرك رأسه بهدوء يتنافى عن النيران التي تحرق سالم داخله حيث استخدم لعبة نفسية بتخيل سالم يحترق للأبد داخله، لكنه لن يكسر قرار ابنه أمام القادة، وهذا ما استغله أبي بالطبع.

حسنًا، لا داعي لذكر ركض أبي في الحديقة بينما يركض جدي خلفه وهو يمسك حزامه الجلدي السميك بين يديه ليضربه به في اليوم التالي، لكنه كان سعيد لتحقيق رغبة أمي في النهاية وتقبل اللسعات بصدر رحب.

فتحت جزء من باب غرفة أبي بعدما صعدت خلفه حتى أطمئن عليه، فوجدته يضع رأسه فوق قدم أمي، مغمض العينين، يضم قبضة يده بقوة تجعل عروقه تظهر بوضوح بينما يرتفع صوت تنفسه المضطرب حيث يحاول السيطرة على نوبة غضبة بمساعدة أمي التي تقوم بتدليك رأسه وجبهته بأصابعها برفق مع تمسيد شعره، أغلقت الباب من جديد وتركته رفقة أمي حتى يهدأ وعدت لغرفتي.

دلف فارس أولاً ليتحمم بعدما لعبنا "حجر ورقة مقص" وفاز بها هو وتركني لسكون الغرفة الذي جعل ضوضاء القلق داخلي صوتها يرتفع بوضوح، فنهضت من فوق الفراش الذي ارتميت عليه وعدت لغرفة أبي من جديد حتى أعلم هل أصبح بخير أم لا ؟

لم يتغير الوضع فجلست بجانبه الناحية الأخرى حتى أشاركه حزنه ولامست كتفه بأناملي وربت عليه بحنو، نظر لي بابتسامة هادئة قبل أن ينقل رأسه إلى قدمي، انحنيت للأمام وقبلّت جبهته برفق مثل ما يفعل معي ثم مررت أصابعي بين خصلاته وبدأت أفعل حركات دائرية مشابهة لأمي.

- هل أصبحت بخير حبيبي؟!

- إنتِ قولتي إيه؟

قالها أبي بنبرة متسائلة مرحة بعدما اعتدل سريعًا بلهفة لينظر لها بسعادة عالم نجح أختراعه أخيرًا بعد محاولات عديدة من الفشل وكأنه لم يكن على وشك الأنفجار منذ ثواني، تعقيبًا على حديثها الذي خرج بنبرة مغلفة بالحزن بلغة عربية فصحى كما تحب الحديث.

نعم، أمي تتحدث بالفصحى طوال حياتها وأنا اكتسبت ذلك منها، بل عشقت اللغة والكلمات، لكن لا أعلم لماذا؟

حسنًا، أعلم لماذا، لكن لن أخبركم فهذه حكاية مشوقة، لا داعي للسبّاب.

- إنت في أيه ولا في إيه؟

- يعني أنا مش حبيبك!

قالها أبي بنبرة باكية مصطنعة وهو يحرك رأسه بأسى أثناء عودته لحضني مجددًا بعدما هتفت أمي بجملتها بنبرة متهكمة وهي تضربه في كتفه من تغير حالته هكذا بينما هي كادت تبكي من القلق.

- سحقًا لك سالم، فكنت على وشك الإنهيار بسبب تمزق قلبي لأجلك وأنت تمزح، سحقًا لك مجددًا، أنا أكره هذا الضعف! ما الذي تفعله بي حتى أُصبح هشه هكذا بقربك؟

قالتها أمي بنبرة حانقة وهي تضربه من جديد في كتفه، فضحك أبي بخفة وهو يمد يده لها بزهرة حمراء ظهرت من العدم وهو يزال في موضعه فوق قدمي بينما تمرح أصابعي بخصلاته، أخذتها منه بابتسامة واسعة قبل أن تنهض وتقول بنبرة هادئة:

- حمي ليو وحصلني علشان ميبانش إنك متأثر، ومفيش رقص.

- هرقص مليش دعوة.

قالها أبي بنبرة ضجرة وهو يعقد ساعديه أمامه تعقيبًا على حديث أمي الذي خرج بنبرة آمرة لا تحمل النقاش وهي تشهر إصبع سبابتها أمامها بتهديد، اقتربت من الفراش من جديد وسحبته من خصلاته حتى نظر لها قبل أن تهدر بفحيح:

- وريني، وريني نفسك، لو راجل يا سالم ارقص .

تركته برفق قبل أن تخرج وتصفق الباب بعنف ناتج عن النيران المشتعلة بقلبها حيث تذكرت رقصه أسفل نظرات النساء التي تلسع جلدها وكأنها لسعات البراغيث، فضحك أبي عاليًا وهو يمسح وجهه.

- لا مفيش داعي للحموم بقى، أنا هخدك زي ما إنت كده أشحت بيك.

- بس بقى يا سالم متفكرنيش علشان أنا متعصب.

قلتها بنبرة ضائقة بتأفف وأنا أعقد ساعداي أمام صدري وأملأ وجنتي بالهواء من جديد لأنفخ بصوت أعلى تعقيبًا على حديثه الذي خرج بنبرة ساخرة وهو يزيل إحدى أوراق الشجر العالقة بين خصلاتي بعدما نظر لي بصدمة من هيئتي المبعثرة.

- كنت بتخانق مع بشر وهي كانت بتتفرج وهو بيضربني بعدين مشيت ومشافتنيش وأنا بضربه، رخمة ومغرورة اوي، أنا بكرها بقى مش هتكلم معاها تاني.

- إنت اتكلمت معاها أولاني؟

قالها أبي بنبرة متسائلة ضاحكة تعقيبًا على حديثي الذي خرج بنبرة غاضبة بعدما تذكرت وقوف غزل أثناء بدأ الشجار رفقة الأوغاد حيث كانت الغلبة لآدم وعندما استعدت المباراة في صالحي كانت ذهبت بلامبلاة ولم تراني وأنا أضربه، بالتأكيد ظنت أنني ضعيف!

سحقًا لكِ غزل، للجحيم أنت ولنساء العائلة!

- قوم يا سالم من هنا، يلا روح لمراتك.

قلتها بنبرة متهكمة وأنا أدفعه من صدره ناحية الخارج من الفراش بسبب سخريته مني، فأبي ليس أبي بشكل كامل، إنه صديقي المقرب، فضحك عاليًا وهو ينظر إلى وجهي المحمر من الغضب قبل أن يعتدل ويسند ظهره على ظهر الفراش ويضم جسدي إليه برفق حتى أضع رأسي فوق موضع قلبه قبل أن يقول بنبرة هادئة:

- لما تشوفك وإنت بتضربه مش ده اللي هيخليها تحبك يا ليو.

- إيه اللي هيخليها تحبني؟

قلتها بنبرة متسائلة بلهفة نطقتها عيني قبل لساني بعدما رفعت رأسي لأنظر له بتأهب حتى أعرف طريقة الحب وكأن الحب وصفة كعكة يمكنني خبزها، فظهرت ابتسامة متلاعبة على ثغر أبي قبل أن يقول ببساطة:

- لما تكبر هقولك.

سحقًا، إن أبي وغد كبير!

نظرت له بدون تصديق ببؤبؤا عين تحولا إلى جمر من اللهب مما أدى لأرتفاع ضحكاته من جديد، قبل أن يعيد رأسي لصدره ويبدأ بشرح الحب في أيام المراهقة بطريقة سلسلة بنبرة هادئة وهو يمسح على خصلاتي التي تشبه خاصة أمي برفق:

- أنا عارف إنك أكبر من سنك، جدك كبرك بدري بس الحب أيام المراهقة بيبقى مش حقيقي زي أنا وماما كدة، ده بيبقى إعجاب، بيكون في مشاعر جواك معينة، زي حب لتجربة إحساس بعدين عقلك بيختار شخص يعجبك يقولك إنك بتحبه، لكن إنت في الحقيقة مش بتحبه ولا حاجة إنت عايز تجرب المشاعر، يعني عقلك بيعمل إسقاط المشاعر اللي جواك على شخص.

صمتُ برهة أفكر في كلماته بعمق حيث إنني أشعر بالحب تجاهها بالفعل فلم أكن أفهم حديثه بشكل كامل بسبب صغر سني حيث ما قاله حقيقي، حيث أنني عندما فكرت بالأمر عندما كبرت علمت أنني اختارت فتاة تشبه أمي، قوية مثلها ثقيلة مثلها وكأنني كنت أبحث دون وعي عن فتاة بنفس المواصفات.

بالنسبة داغر وجميلة هذا أمر آخر فهو كان بالسادسة عندما علم إن جميلة زوجته فتهيأ عقله لحبها بالفعل، لقد اعترض أبي على الأمر وكان يحذر الجميع بعدم إعلان هذا الشيء أمامه لكن جدي سيّاف لم يعبأ بحديثه كعادته.

- لما تكبر إن شاء الله وتبقى راجل، وتيجي تقولي يا بابا أنا بحب غزل وعايز أتجوزها وقتها هقولك إزاي تخليها تحبك، بس أهم حاجة سواء اتجوزت غزل أو غيرها إنك تنضف قبل ما تخلف.

قالها أبي بنبرة هادئة قاطعًا الصمت ليرمي بحديثه عن ضرورة العلاج النفسي قبل الإنجاب ثم ابتلع الغصة داخل حلقه وأغمض عينه بترو حيث إنه يشعر بالذنب بسبب إنجابي من أمي التي لم يكن من المفترض لها أن تنجب.

لم أكن أعلم بالحروب الدائرة داخله، والذنب الذي يأكل جسده كمجموعة من الجرذان تجمعت فوق جثة ملقاة بإهمال جانب الطريق، لم يكن يعلم أن هذا سيحدث، فهو يعلم إنها جميلة وطيبة، ستعتني بصغيرها مثل ما تعتني به.

أنا أب سيئ، أب سيئ، لم أدافع عنها أو عنه.
قررت ترك سيفي ورفع الراية البيضاء إستسلامًا لقرار عمي، ورغبتي الداخلية في امتلاك صغير من المرأة التي أحب، لكن أقسم أن ما حدث فاجئني كما فاجئ الجميع، لو عاد بي الزمن لما فعلت ذلك، أنا أحبها بكل ذرة داخلي ولو تكرر الأمر لتزوجتها في كل مرة لكن لن أضعها واضعه في ذلك الوضع الغريب.

كان هذا ما يدور في رأسه طوال الوقت، حروب من الذنب، لكن أنا أسامحك أبي، أسامحك بحجم حبي لك الذي يسع العالم ويفيض.

- كل واحد فينا جواه حجرات مظلمة مش نضيفة، ينفع نجيب بيبي صغير في حجرة مش نظيفة؟ لا، هدومه هتتوسخ وكمان هيتعب علشان مناعة الأطفال ضعيفة، فأحنا نعمل إيه؟ نروح لدكتور "تنظيف الحجرات المظلمة" علشان لما نخلف نكون نضاف والبيبي ميتعبش.

قالها أبي مفسرًا حديثه السابق بنبرة محشرجة بعدما نظرت له باستفسار، فحركت رأسي بالموافقة على الرغم من أنني لم أفهمه بشكل كامل، أبي لا يستطيع شرح كل شيء لي هذا دور عمي قاسم، فهو يُجيب على جميع أسئلتنا التي يتم حشر الجميع بها مثل، أين الله؟ ولماذا أكلت أمي شيرين أختي شهرزاد؟

يمكنك الزواج من امرأة مضطربة لكن لا تُنجب منها، المريض النفسي لا يجب أن ينجب أطفالًا حتى لا يزيد عدد المضطربين واحدًا.

هذا ما كان يحاول شرحه والآن أفهمه بالطبع، أفهمه بدرجة مخيفة، فأنا مثال حي لشرح الكلمات، لقد حولتني أمي لمريض نفسي.

- يلا علشان تستحمى بهدلت السرير والله أمك دي طيبة لو دهب كانت علقتك من قفاك، بعدين رايح تحب واحدة أكبر منك بسنتين، ومتضايق إنها مش شيفاك، تلاقيها شيفاك في مقام عيالها.

- بس بقى يا بـابـا.

قلتها بنبرة متذمرة وأنا أتلوى بين ذراعيه أحول الهبوط للأسفل حيث حملني فوق ذراعه ليدلف بي المرحاض حتى أتحمم وهو يهتف بجملته السابقة التي خرجت بنبرة مازحة، فصدحت ضحكته عاليًا وهو يتجه للمرحاض تزامنًا مع دخول فارس الغرفة بوجه كاللعنة التي حلت على القرية، سحقًا سيقتلني لأنني تركته بالمرحاض بمفرده.

______________ ︻╦デ╤━╼

وصلنا للمكان الخاص بالمواجهات جلست بين عمي هارون وأبي كما أحب في الناحية اليمنى من مقعد جدي سيّاف المهيب الخاص بالحكم، بينما تم الإعلان عن أسماء القادة المشاركة في المواجهة بعدما تم توزيع أوراق على جميع رجال المملكة في الصباح ليتم التصويت على أقوى ثمانية قادة بينهم دون اختيار واحد من عائلتهم كما تنص القوانين، حتى يكون الأختيار عادل غير منحاز لأحد.

تم اختيار جميع أبائي والقادة التي توقعها جدي:

هارون، سالم، قاسم
ست "شمس"
لوكي "الحاوي"
أركتوس "فرانسوا"
الكراكن
آريس.

كما انسحب هاديس من القرعة كذلك كما توقع جدي فهو أكثر القادة ولاءً لنا في المملكة بالطبع لم يشارك أحد من عائلة "أبوفيس" حيث تنص القوانين على لإنهم الأقوى بالفعل، هم مدربين المامبا، إذا دخل صافي أو صالح المواجهة ستحسم لصالحه.

ولهذا تم وضع قانون من قِبل المؤسسين الأوائل بمنع عائلة أبوفيس من المشاركة والحكم وإلا لماذا لم يغدروا بالملك ويحكموا بمفردهم فهم بالأساس المدربين؟

لا تنسوا أنني هزمت صافي بصعوبة بالغة وبقيت بالمشفى شهر كامل وفارق السن بيننا أربعين عامًا على الرغم من أنني مدرب على يد صالح، ماذا سيحدث إذا دخل مواجهة ضد القادة؟

_ حسنًا الآن، حتى لا يتحجج أحد بأنني تلاعبت في السحب، اختاروا واحد من أحفادي الثلاثة ليفعل ذلك.

قالها جدي بنبرة رزينة وهو يجلس فوق مقعده بوقار ويضع ذراعه حول كتف أخي داغر بفخر فهو حفيده المفضل وداغر يحبه بشدة كذلك، فمرت نظرات الجميع فوق وجوهنا نحن الثلاثة حتى استقرت على وجه فارس الذي يجلس فوق قدم عمي هارون بوجه برئ ليتم اختياره لهذه المهمة كما خطط عمي هارون.

فكيف سيختاروا وغدًا مثلي أبيه ساحر متلاعب أو مثل داغر الذي يتقطر الخبث من وجهه؟

ظنوا إننا يمكننا التلاعب بالسحب لكن الحقيقة لقد اختاروا بأنفسهم الشخص الوحيد الذي يستطيع التلاعب بهم، حيث إن فارس لص وغد كبير مثل أبي، يمكنه أن يجعلك تظن إنه ملاك بأجنحة بيضاء لكنه وغد مثلنا تمامًا.

هل تعلمون ما الفرق بيني وبين فارس؟
إنه يستطيع أن يفعل كل شيء ولا يفعل، لكنني أفعل.

- لو عايزة تدخلي المواجهة يلا علشان نبدأ جلالة الملكة.

قالها أبي بنبرة هادئة إلى أمي بعدما حمحم بخشونة ووضع يده على فمه عقب اختيار فارس حيث فشل في كبت ضحكته حيث إن الأمر يشبه وضع صياد لشرك معدني بمنتصف الغابة حتى يتصيد به غزال بري لكنه يخطو بقدمه داخله ليتم صيده، حركت أمي رأسها بالنفي دون أن تنظر له بينما عيناها رقصت بمرح، فأمي تحب كلمة جلالة الملكة بشدة، فعندما يقولها تلمع عينيها بوميض الألماس.

- اذا كان هذا ما سيسعدك فلا بأس، إنه لشرف عظيم أن يُهزم قائد مسكين مثلي على يد ملكة فاتنة مثلكِ، جلالتك.

قالها أبي بنبرة رخيمة عاشقة كعادته وهو يثبت بؤبؤا عيناه بخاصتها بعدما أمسك ذقنها وحرك وجهها ناحيته برفق لتتصل نظراتهم، ابتسمت أمي بهدوء ثم نهضت وقالت في محاولة منها للهرب حيث إنها لا تحب أن تُظهر مشاعرها أمام الجميع وتكون في ثوب العاشقة:

- هجيب عصير.

- بتحبيني ها؟ بتحبيني.

قالها أبي بنبرة عالية حتى تصل لها حيث إنها ابتعدت، التفتت ورمقته بنظرة متهكمة حادة بعدما جذب بفعلته نظرات الجميع الذين يعلموا حبها له بالفعل، لكنها خرقاء كما قلت لكم، إنها تنظر لأبي وكأنه كل ما تملك، فضحك أبي وهتف بلغة إنجليزية حتى يفهم الجميع وكأنه يصر على إصابتها بذبحة صدرية:

- لا بأس جلالتك فأنا أذوب بكِ كذلك، كيف لقائد مسكين مثلي أن لا يقع فغرام ملكة فاتنة مثلكِ؟

هزت رأسها بدون تصديق على أفعاله وخرجت من المكان بأكمله، فضحك أبي عاليًا ثم ارتفعت ضحكاته أكثر بعد أن وقع بصره على جدي الذي كان ينظر له وكأنه يتحسّر على عمره الذي ذهب هباءً في تربيته حيث كانت نظراته تنطق: يا ليتني ربيت ذكر بط.

_ القائد كراكن ضد القائد آريس.

قالها فارس بنبرة خافتة وهو يتصنع التوتر من الحشد ويفرد الورقتين أمام نظرات الجميع بعدما نظر له عمي هارون بتشجيع وهو يحاول كبت بسمته، ليعلن عن أول اسمين في المواجهة عقب سحبهم من الحاوية الزجاجية التي تحتوي على ورق أبيض فارغ بالكامل حيث يُخرج فارس الورقة التي تحتوي على الاسم المختار من جيبه ويسحب ورقة فارغة ويبدلها بخفة تحت نظرات الجميع.

نهض آريس من مجلسه بشموخ وفتح سحاب سترته الثقيلة قبل أن يخلعها ليظهر جسده الممتلئ بالوشوم بالكامل قبل أن يهبط لمنتصف الحلبة، لم يختار سلاح لأن المواجهة ودية دون أسلحة ستكون عن طريقة استخدام الفنون القتالية المختلطة أو ما يطلق عليها "MMA" وهي مزيج بين كثير من فنون الدفاع عن النفس، والتقنيات والمهارات المختلفة.

بينما نهض القائد كراكن بشموخ وأخرج من جيبه رابطة مطاطية سوداء اللون جمع بواستطها خصلات شعره الأحمر للخلف بترتيب متقن، ثم ثنى أكمام سترته الاثنين بتماثل حيث تأكد إن الاثنين مرآة لبعضهما قبل أن يتحرك بدبلوماسية للأسفل، رفع جدي سيّاف يده التي تحمل مسدس صغير للأعلى ثم أطلق النيران لتبدأ المباراة.

حسنًا سيدتي آنيساتي سادتي دعوني أعرفكم على أحقر من خلق على الأرض، بمعنى آخر: القادة.

≼ آريس ≽

لا يحب أحد، يظن إنه أفضل من الجميع، مغرور ويعاني من جنون العظمة كما إنه مريض بيدوفيليا، فإن أكبر زوجة تزوجها كانت تبلغ الخامسة عشر، وأكبر أبنائه حاليًا في الخامسة عشر وأمه في التاسعة والعشرين، يعمل بالمواد المخدرة في الولايات المتحدة الأمريكية وأخيه يسيطر على السلاح.

تعلمون أنني قتلت هذا الوغد وأنا في التاسعة عشر من عمري، لم أشعر بذنب فإن رؤيته كانت تُصيبني بالغثيان، إنه مغتصب أطفال، فقط شعرت بالحزن من نظرة عمي قاسم، لكنه كان يستحق القتل.

≼ كراكن ≽

ابن عم "فْرّانْسوا" ومتزوج من أخته ويكون الأخ الغير شقيق لأمي شيرين، نعم أخوة من الأب فقط حيث إن والدة شيرين كانت زوجة أحد القادة قبل أن يُقتل وتتزوج من والد شيرين وتنجبها.

مغرور ومتكبر كعادة جميع القادة، مصاب بوسواس قهري خاص بالنظافة فهو دائمًا يهندم ثيابه ومظهره، لديه رهاب من الدماء لكن لا يظهر ذلك، يستخدم الخنق أو أي طريقة أخرى دون ثقب الجسد عند القتل، يعمل بالسلاح ومقر عمله في فرنسا.

_ أبي هل ستلعب مثلهم؟ أنت قوي أليس كذلك؟

- إن كنت لستُ قويًا كفاية ستتوقف عن حبي؟

قالها هاديس بنبرة هادئة وهو ينظر إلى "لوكاس" بتساؤل ويبتسم بسمة مطمئنة له تعقيبًا على حديثه الذي خرج بنبرة متسائلة وهو يشير ناحية الحلبة حيث إن الجميع يفخر بأبئهم المشاركين في المواجهة ولم يتوقف أحد عن الحديث في الأمر طوال اليوم، إنهم ثمانية قادة من بين خمسين قائدًا.

- لا، أنا أحبك بشدة حتى وإن لم تكن قوي أبي.

- وأنا أيضًا "لوكا" حسنًا، أنا قوي كفاية وكنت سأشارك في المواجهة لكن تنازلت عن اللعب فعمك هارون يده ثقيلة للغاية.

قالها هاديس بنبرة مازحة تعقيبًا على حديث "لوكاس" الذي خرج بنبرة صادقة وهو يحيط عنق أبيه بذراعيه، فضحك عمي هارون بخفة والتفت له حيث يجلس أمامهم مباشرةً بوجه غاضب ليمازحه، فأطلق هاديس صرخة خافتة وهو يختبئ خلف لوكاس الذي ارتفعت ضحكاته عليهما.

≼ هاديس ≽

إنه القائد الوحيد الذي ليس له عداءً معنا ولم يعترض على اختيار عمي قاسم، ليس لديه عداء مع أحد ودائمًا يشعر بالملل وغبر مبالي بالهراء الذي يحدث بالمملكة، وما يدعوا السخرية إنه أقلهم حقارة، لكنه مريض يعاني من اضطراب تعدد الهاوية فلديه شخصية دموية داخله تمتلك نمط القاتل المتسلسل حيث إنه يتربص للسيدات المتزوجات ويقتلهن، بطريقتين:

إما البحث عن امرأة خائنة وقتلها وهذه تعتبر مثل المسليات بالنسبة له فهي سريعة وتعطي إحساس قصير بالشبع حتى يجد امرأة يستخدم معها طريقته الثانية حيث يتربص لها ويرمي بشباكه فوقها كصياد محترف حتى تترك زوجها ثم يقتلها.

صدح صوت التصفيق الحار تشجيعًا لآريس الذي فاز بالمباراة الأولى بينما صفق جدي برزانة ورضى للقائد "كراكن" مثل ملك عادل يحب شعبه حينما خرج كراكن بوجه محتقن من الغضب من الحلبة حيث بدى وكأنه يمنع حاله من خنق آريس أمام نظرات الجميع.

_ القائد لوكي (الحاوي) ضد بابا.. أعني حورس.

قالها فارس بنبرة متلعثمة بعدما نطق كلمة "بابا" بتلقائية بدلًا من لقب عمي قاسم "حورس" حيث إنه كان لقبه قبل أن يصبح القيصر، فصدحت الضحكات عليه لكنها ليست ساخرة، بينما صدح في المكان صوت "شهرزاد" أختي وهي تحرك يديها التي تقبض على ذراع لعبة تشبه آلة "الماركيس" (شخشيخة) التي تصدر صوت رنان وتهتف بكلمة "لـيـو" بطريقتها الطفولية الجميلة وهي تمد يدها تجاه فارس فهي تظننا جميعًا ليو، بينما تقبض أمي شيرين بذراعيها على جسدها حتى تمنعها من الهبوط، فهي مشاغبة للغاية.

سحقًا، هذه الوغدة الجميلة ستقوم بافتضاح أمرنا جميعًا، لكن حمدًا لله على فعلتها التي جذبت نظرات "فْرّانْسوا" إلى فارس ولم يرى نظرات عمي هارون المعلقة بصغيرته بينما ترتسم على وجهه ابتسامة مختلطة من الحب والحزن، لكنه أبعد نظره عنها فورًا وحرك رأسه بطريقة توحي بأنه ينهر حاله على النظر، وكأن كان ينظر لها وليس لطفلتها.

_ متخفش، إنت قدها يا قسومتي.

قالتها أمي دهب بنبرة مشجعة هادئة إلى عمي قاسم وهي تمسح على ظهره بعدما ربت عمي هارون على كتفه بقوة يشد من أزره، حرك عمي قاسم رأسه ناحيتها حيث كان يتابع الحاوي الذي هبط للأسفل ثم نظر لها نظرة عميقة وكأنه يعانق بؤبؤاه بخاصتها قبل أن يقول بنبرة دافئة كدفء قلبه بقُربها:

- كيف لي أن أخاف وأنا داخل وطني؟ عيناكِ وطني عندما تنظري إليَّ تغلفني بالكامل، أشعر أنني عدت آمن من كل شرور العالم أجمع داخل جدران مقلتيكِ بعدما كنت شريدًا تائهًا بلا مأوى.

صدح صوت صفير أبي عاليًا قبل أن يصفق له بتشجيع، وقد نهض عمي قاسم بعدما أطلق ضحكة خافتة وانحنى بجزعه العلوي برشاقة بالتزامن مع وضع كفه فوق صدره في حركة مسرحية مازحة ليحي الجمهور المتمثل في أبي، ثم تحرك للحلبة بينما تتبعه نظرات الجميع التي تتدفق بعدم فهم من ما يحدث، لكن حسنًا فهذا سالم.

- أوه!، اتصل بي يا رجل.

قالتها أمي دهب بنبرة متغزلة وهي تضع يدها جانب أذنها في حركة تشبه الهاتف مع غمزة سريعة بطرف عيناها عقب إطلاق صفير عالي من فمها بعد أن وضعت إصباعيها في فمها عقب خلع عمي قاسم ستارته الثقيلة ليبقى فقط بالقميص القطني الخفيف الذي يظهر عضلات جسده المشدود واضحةً مما أدي لأرتفاع ضحكات البعض، حرك جدي سيّاف رأسه بيأس فهو يلعن حاله الآن على تربية هؤلاء.

- شايف التربية، شايف الفن، الواد ده خليفتي في الملاعب، حـرامـي عـظـيـم، أنا بفكر نشغله حرامي ويسرق لنا القادة.

قالها أبي بنبرة مازحة وهو ينظر إلى فارس الذي عاد أدراجه من جديد ليجلس فوق قدم عمي هارون ثم ربت على ظهره بفخر كأنه حصل على المركز الأول في الثانوية العامة، فضحك عمي هارون بخفة قبل أن يقول بنبرة ساخرة:

- على أساس إنك ناقص فلوس ده إنت بايع آثار بس تعيش أحفاد أحفاد أحفادك أغنياء للأبد.

- خلاص هاخده يسرق معايا الحتة اللي بعتها من شهرين.

قالها أبي بنبرة مازحة وهو يغمز لفارس بطرف عينه، فصفق فارس بيديه بحماس وكأنه طفل حصل على السيارة التي ظل يطلبها من أبيه طوال الأجازة بينما ارتفعت ضحكات عمي هارون عاليًا.

حسنًا، ساخبركم ماذا يعمل أبي؟

القائد الأساس المسؤول عن الأثار وليس فقط الأثار المصرية بل بالعالم أجمع وكذلك الأشياء القيمة مثل عملي حاليًا كما أخبرتكم من قبل، لكنه يفعل شيئًا آخر، إنه يسرق بعض قطع الآثار التي باعها من قَبل للأجانب ويبدلها بواحدة مزيفة ثم يحتفظ بالحقيقة في قبو أسفل المنزل، فهو لديه ولع رهيب بالآثار والأساطير الفرعونية القديمة.

_ سليمان، شغّل المقطوعة التي أُحبها، لا أستطيع اللعب.

قالها الحاوي بنبرة عالية بعدما أوقف المباراة بينما نظر له عمي قاسم بلامبالاة ولم يهجم عليه لإن أخلاقه عالية كما إنه يصُعب استفزازه فهو يتحكم بمشاعرة وكأنه يمسك حبال دمية ماريونت، حرك سليمان - الذي كان حي وقتها- رأسه بالموافقة ثم بعد ثواني صدح صوت الموسيقى الهادئة التي تتناسب مع جلسات اليوجا.

آه، يا سليمان آه.
من الذي قتلك؟

تنفس الحاوي بانتعاش وكأنه سمكة عادت للبحر من جديد بعدما تم صيدها ثم حرك يديه مع الموسيقى كالأمواج قبل أن يقف في وضع قتالي وهو يقفز قفزات المقاتلين الصغيرة المتحفزة، فضم عمي قاسم قبضتيّ يده أمام وجهه ثم أشار له أن يتقدم منه.

حسنًا دعونا نعود لموضوعنا.

≼ الحاوي ≽

تعلمونه من قبل، أحد أقوى القادة وأخبثهم بعد سِت، يصادق الجميع، ليس لديه عداء مع أحد، ولا يرغب أن يصير ملكًا فهو يظن إنها "وجع دماغ" كما يقول، مغتصب، حقير، نرجسي ودموي ومختل، عمله الأساسي بالسلاح ومقره إيطاليا، يعتبر الذراع اليمين لأمي أقرب قائد لها في العمل فهو من يمتلك مصنع للأسلحة البيضاء أي السيوف والخناجر، حيث إنه عمل عائلته الذي يتم تمريره للأبناء منذ فجر التاريخ.

إنه أقوى مبارز في المملكة بعد عائلة أبوفيس بالطبع، لا أعلم هل هو أقوى من أمي أم لا؟ فهما لم يتبارزا من قبل لكن أعلم أنه يمكنه الفوز عليها حيث قوتهم متقاربة من بعض.

أنا أكره هذا الوغد -في سني ذاك- لا تعجبني نظراته لأمي فقد رأيته عدة مرات ينظر لها خلسة.

_ أنا انسحب، لقد شعرت بالملل حورس ممل للغاية.

قالها الحاوي بنبرة باردة لامبالية ردًا على نظرات الجميع المستفسرة الموجهة إليه بعدما ترك المباراة في منتصفها وعاد إلى مقعده وهو يمسح الدماء التي سالت من أنفه، حسنًا، هذا متوقع فالحاوي لن يترك جسده يتأذى داخل مواجهة يعلم تمام العلم إنه سيخسرها بالطبع.

كيف له أن يفوز على عمي هارون وشمس؟ فهو يعلم أنهما الأقوى، لا داعي للغباء، إذا كانت مبارزة ما كان سينسحب لكن لا توجد أسلحة.

- هل تنسحب من مباراة على الحكم لأنك شعرت بالملل؟!

قالها القائد آريس بنبرة ساخرة وهو يقلّب نظره بهزل بينما حركة جسده توحي بالغرور حيث يظن أن الحاوي انسحب لإنه خائف من مواجهته، ارتشف الحاوي من كوب الماء الذي أعطاه له سليمان قبل أن ينظر له بطرف عينه وعلى ثغره بسمة متلاعبة ثم قال بوقاحة:

- ما الذي يضايقك آريس بشأن انسحابي من المواجهة، هل انسحبت من حفل عُرسي على أُمك؟

رنّت ضحكة أبي الذي لم ينجح أبدًا في السيطرة على ضحكته من قبل فلحق به عمي هارون رفقة القادة مما أدى لارتفاع درجة حرارة آريس حتى قارب الأنفجار قبل أن ينتفض من مجلسه وينقض على الحاوي وهو يسبه سبة بذيئة ويلكمه في وجهه.

_ توقفـوا، عُد لمكانك آريس.

قالها جدي بنبرة قوية جهورية ثم ظهر تعبير على وجهه يوحي بالألم حيث كبت نوبة السعال الذي كادت تفتك به، فتوقف الحاوي وآريس عن ضرب بعضهما البعض قبل أن يعود الأخير إلى مجلسه على مضض بوجه محمر من الإنفعال.

أشار جدي لفارس فهبط مجددًا ليسحب اسم أبي ضد "فْرّانْسوا"، ويتم تقرير مواجهة عمي هارون ضد شمس لإنهما آخر اثنين لتبدأ المواجهة الحقيقية بالفعل، أقوى أربعة بالمملكة، أشعر بالقلق حيال تلك المواجهة حيث إن عمي هارون قرر مواجهة شمس، لكنني أثق بقدراته لن يستطيع شمس قتله.

هل يمكن قتله؟

نعم، يمكن قتله عن طريق الخطأ ظاهريًا لكن بالطبع مقصود، فنحن رجال مدربون جيدًا ونعلم المناطق الخطرة في الجسد، فيمكن بضربة واحدة في منطقة معينة تؤدي بحياته أو تصيبه بالشلل، ولن يعاقب القائد بالطبع، فكل شيء جائز داخل الحلبة.

نهض فرانسوا بضيق وهو يخلع سترته ثم القاها فوق المقعد بغضب مكبوت حيث إنه كان يخطط لقتل عمي هارون بينما أنا ركزت مع جسده أثناء هبطوه حيث صوّر عقلي الشعر الأحمر المقزز المتناثر بطول صدره بأنه نِيران تحرق صدره وهو يركض ويصرخ ليطفئها أحد لكن لم يحصل حتى على بصقة من فم أحدهم.

_ ماذا سولي؟ ألن تهبط؟

قالتها أمي بنبرة متسائلة خافتة وهي تنظر له بهدوء بعدما نهض أبي حتى يهبط لتبدأ المواجهة لكنه جلس مجددًا وهو يضحك بخفة بعدما نظر لأصابعهما المتعانقة، حيث كانت أمي تمسك يده كعادتها فهي لا تترك كف أبي إلا إذا احترق العالم.

- سيبي إيدي طيب وأنا أنزل، وحشتك صح ؟

أضافها بنبرة مراوغة وهو يغمز لها بعبث كعادته بعدما نظرت أمي لكفها المتشابك بخاصته بوجه يحتله الدهشة الممتزجة بالخجل حيث إنها لم تشعر إنها مازالت تتشبث به ثم حركت يديها على خصلات شعرها لتداري خجلها الفطري.

- يا لحظك سالم فهناك ملكة فرعونية هربت من مقبرتها تمسك بيدك!

_ هيه روميو اترك جوليت وتعالَ لنُكمل هذا الهراء.

قالها فرانسوا بنبرة ساخرة وهو ينظر تجاه أبي بإزدراء ويتأفف بضجر ليقاطع لحظة أبي الرومانسية، ألن ينقصه عدم مواجهة غريمه حتى يظهر له ذلك العاشق؟!

ابتسم أبي بسمة جانبية باردة قبل أن ينهض ويهبط بخطوات بطيئة ناحية الحلبة وقبل أن يعبر الخط الأبيض المرتسم فوق الأرض الجلدية السوداء الخاص بحدود الحلبة، تحرك للخارج بعدما رفع يده بإشارة عن كلمة "ثانية".

- كما يقول جدي المُهيري خلقت النساء لتدلل فلكِ الدلال جلالة الملكة نفرو.

قالها أبي بنبرة متغزلة إلى أمي وهو يعطيها كيس من البطاطا المقرمشة بعدما عاد من جديد بعد دقيقة وكذلك أعطى واحد لأمي داليا ودهب ثم غمز لأمي بطرف عينه بمشاكسة قبل أن يعود للحلبة من جديد، لكن قبل أن يدخل غيّر مساره ثانيًا وتحرك تجاه الطاولة الخشبية بالزاوية حيث موضوع فوقها خمور وعصائر، التقط كوب ماء بارد شرب منه بتلذذ وبطء شديد حتى يثير استفزاز
"فرانسوا" الذي يشتعل في الحلبة الآن.

لكن ليس وحدة من يشتعل فجدي بالكاد يمنع حاله من إطلاق النار على أبي بينما يمسح أنفه الذي بدأ في النزيف من ارتفاع ضغطه، وقد دخل أبي الحلبة أخيرًا وبدأت المباراة التي انتهت بفوز أبي سريعًا فهو لم يعطيه فرصة ليسدد له الضربات، حيث كان هائجًا وكأنه يرى ألد أعدائه، كأنه عمي هارون ويضرب زوج حبيبته الذي يشتعل قلبه كلما وقع بصره عليها، هذه أول مرة في حياتي أرى أبي عنيف هكذا من قبل، ربما أراد إطفاء لهيب قلب أخيه، أراد فعل ما يرغب به الآخر، يضرب فرانسوا يستعيد زوجته لكن سلاسل الكلمات تلف قيدها حول معصميه.

_ سيب أيدي خليني أقوم يا صالح.

قالها عمي هارون بنبرة مازحة بعدما أمسك ذراع عمي صالح الجالس بجانبه بعد أن هبط شمس لمنتصف الحلبة عقب إعلان المواجهة التالية بينما عاد إبي لمجلسه وشبك أصابعه بكف أمي، فضحك عمي صالح رفقة باقي عائلتي بينما أمسك عمي هارون وجه صالح لينظر له قبل أن يستطرد بنبرة هادئة ظهر بها ضحكاته:

- خليك باصص عليا يا صالح علشان أحس إني في بيتي، أصلك لما بتبصلي بحس إني في أوضتي وعلى سريري وبتغطى بلحافي.

ضحك عمي صالح عاليًا قبل أن تتبدد ابتسامته ببطء وتتحول لتعبير مترقب قلق عندما وقع بصره على عمتي داليا الجالسة بجانبه حيث كانت تنظر له نظرة قاتلة حانقة وكأنه ذبح الأرنب الذي تربيه تزمنًا مع هبوط عمي هارون ودخوله الحلبة.

- حسيت إني مش طايقك فجأة يا صالح، ما تحب فيا شوية خلّي عندك دم، ولا إنت زهقت بقى؟!

قالتها أمي داليا بنبرة حانقة وهي تعقد ساعديها أمامها بملامح غاضبة من عدم تغزله بها مثل الجميع، فضحك عمي صالح وهتف بنبرة مازحة وهو يغمز بطرف عينه:

- بحبك يا ستموني مهما الناس لاموني.

التفتت لها بكامل جسدها ثم ضربته بكلا كفيها فوق كتفه وهي تصدر صوت حانق من فمها، فضحك عمي صالح عاليًا ثم وضع يده في جيبه وأخرج لوح من الشوكولاتة، أعطاه لها وهو يقول بنبرة رخيمة صادقة بينما يبعثر نظراته على وجهها:

- زهقت منك! ده إنتِ النور الوحيد في حياتي، كأن العالم كله ضلمة حواليا وإنت حجر الهاكمانايت. (حجر مضيء في الظلام)

- رضيت عنك خلاص.

قالتها أمي داليا بنبرة ظهر بها السعادة التي انقضت على قلبها وهي تمسك وجنته بأصابعها أمام الجميع وكأنه ابنها الصغير وليس ثاني أقوى رجل في المملكة، مدرب الرجال والحامي الأول للمملكة! ثم أزالت الورقة عن الشوكولاتة ووضعت قطعة ذابت داخل فمها بلين وهي تتابع بنظراتها الهراء الذي يحدث أمامها.

حيث صدح صوت موسيقى "الروك اند رول" عاليًا فعدت بتركيزي للحلبة، يقف "شمس" بوسط الحلبة بزيه الغريب الذي يشبه مغنين الروك في الخمسينات حيث يرتدي قميص مفتوح واسع بألوان متعددة مختلطة من: البرتقالي والأصفر والبنفسجي والبني الممتزجين، ويربط فوق جبهته وحول شعره المنفوش رابطة بنفس قماش القميص، بنطال أسود واسع من أسفل وعلى خصرة حزام غريب، ويمسك بيديه جيتار كهربائي أبيض اللون ثم بدأ يلعب به بطريقة مزعجة قبل أن يبدأ الرقص المصاحب للغناء بصوت بشع.

❞ تَذَكرت تِلك المَرَّة
الَّتِي رَقصنا فِيها سَويًا
رَقصَة التَانجو فِي مُنتَصف الطُرقَات
ليلًا كَالمَجَاذيب،
سَأَلَتنِي حِينها بَعدمَا جَلَسنا علىٰ الرَصِيف.
هل سَتظل تُحِبُّني للأبد؟ ❝

سحقًا، سحقًا، لقد خرب كلمات أغنية أبي الجميلة!

أكاد اقسم إن هذا أبشع صوت سمعته في حياتي، أشعر وكأن ذراع غليظة تثبت رأسي بينما باليد الأخرى تضع سيخ ملتهب داخل طبلة أذني، بل أشعر برغبة عارمة في انتزاع طبلة أذني، نظرت لأبي حتى أبحث عن طوق نجاة من هذا الرعب، فوجدته يثبت نظراته المتجهمة به ويبتسم بسمة جانبية باردة فهو يكرهه، بينما عمي هارون جلس بجانب الحاوي حيث إنه المقعد القريب منه فقد كان سيقع من كثرة الضحك، إما بالنسبة للحاوي فقد كان يصفق له بمرح ويشجعه على الرغم من إنه على وشك الوقوع من فوق المقعد من الضحك.

جاء طوق النجاة عن طريق صوت طلقات نِيران موجهة تجاه مشغل الموسيقى الذي تدمر على الفور خرجت من سلاح فرانسوا، فتوقف شمس عن الغناء وهو ينظر له بملامح لا يمكن تفسيرها حيث إنه معظم الأحيان يرسم ما يطلق عليه " poker face". أي وجه غير قابل للقراءة، بلا تعبيرات قبل أن يتحرك ناحيته ببرود حتى وقف أمامه مباشرةً وعلى حين غرة رفع يده بالجيتار وهبط به فوق رأسه مما أدى لتناثر فوق الأرض خشب الجيتار الذي لم يقدر على مواجهة هذا الثور بمفرده.

_ تـوقـفـوا، هل أنا بمدرسة أم ماذا؟!

- ما ذنبي قيصر حتى أتحمل نوبات إختلاله؟ لقد أُصبت بالصمم.

قالها *فرانسوا" بنبرة هادئة تتنافى مع غضبه الذي كبته لإنه يتحدث مع الملك في حضرة الجميع تعقيبًا على حديث جدي الذي خرج بنبرة عالية ناتجة عن غضب جمّ بعدما اشتبكوا ببعض كمراهقين يتشاجرا أمام المدرسة بسبب فتاة.

- انتو بتفهموا إيه في الفن يا ولاد الـ*؟ أنا غلطان إني كنت بسليكم.

قالها شمس بنبرة ساخطة وهو يعود من جديد للحلبة بينما ابتلع فرانسوا السبّة وعاد لمقعده حيث يفهم اللغة العربية، لإنه أصر على تعلمها بعدما تزوج من أمي شيرين حتى يفهم كل شيء يقال ولا يكون مثل الأبله لظنه إنها تتحدث عن هارون، وبالحديث عن عمي فقد دلف الحلبة لتبدأ المباراة.

≼ هارون ≽

لا أحد يحب عمي هارون داخليًا، الجميع يخاف منه ويكرهه، لإنه أقواهم لم يُهزم من قبل، لا يخاف من شيء ولا تحكمه قوانين، فهو يمكن أن يفعل أي شيء حتى لو سيُقتل بعدها لإنه سريع الغضب، مندفع، ولا يفكر قبل أن يفعل فهو يفعل والتفكير يأتي_إذا أَتى_ برزقه.

حسنًا إذًا، هذا الشيء المعروف عن عمي هارون إما الشيء الغامض هو أنه لديه اضطراب تعدد الهوية، فهو لديه شخصية أخرى داخله، واحد يظهر في الصباح والثاني يظهر في المساء، يُدعى "رع".

مختل، دموي، عنيف ويحب أكل لحوم البشر، لكنه يحبني وأخواتي ويطعمني من عشائه، هل أخبرتكم متى أول مرة حدث هذا؟

استيقظت من نومتي بفراش عمي هارون حيث حلمت بكابوس مروع، بحثت عنه لكن لم يكن بالفراش سوى فارس النائم، فهبطت من الفراش وقررت البحث عنه حتى تطمئن نبضات قلبي، فتحت الباب وتحركت في الوراق بخطوات صغيرة حتى تجمدت عندما وقع بصري على خيال عملاق لرجل يرفع سكين عاليًا في بداية رواق آخر يضيء بنور أصفر باهت قبل أن يهبط بها فوق امرأة صدحت صرختها عاليًا، رفع يده وضرب جسدها من جديد عدة مرات حتى تلطخ الحائط بدمائها قبل أن يحملها فوق كتفه.

- مرحبًا ليو، هيا سنتناول العشاء.

قالها "رع" بنبرة غليظة عميقة وكأنها خرجت من رجل داخل كهف حجري عندما وقف أمامي وهو يحمل المرأة التي يتساقط دمائها فوق السجاد وقميص عمي الذي تحول إلى اللون الأحمر، ثم قبض على رسخ يدي بيده المصطبغة بالدماء اللزجة التي مررت لي شعور بالقشعريرة ثم سحبني للمطبخ وحملني لأجلس فوق الطاولة.

إنه حنون للغاية.

- ليو قلّب الحساء من فضلك.

قالها عمي هارون بنبرة هادئة حيث كان يقطع الخضروات ويضعها بحاوية تحتوي على ذراع العاملة بعدما نزع الأظافر منها، حركت رأسي بالموافقة وهبطت من فوق الطاولة، دفعت المقعد حتى الموقد ووقفت فوقه حيث أنني كنت في السادسة ولم أستطع رؤية الحساء بسبب قصر قامتي، وقد أمسكت القماشة ورفعت الغطاء عن الحساء الذي يحتوي على قطع الأعضاء الداخلية للعاملة قبل أن أقلب محتويات الحساء.

تقدم عمي هارون ناحيتي وهو يجفف يده بعدما غسلها لأن كل شيء مباح إلا النظافة، ثم تناول مني المعلقة وملئها بالبعض منه رفقة مقلة عين بيضاء، رفع المعلقة تجاه فمه ليسحب العين لداخل فمه وكأنها بيضة ثم بدأ يأكلها ببطء وتلذذ وهو مغمض العينين حيث يشعر بالعصارة فوق لسانه.

- إنها جاهزة ليو، لنأكل.

قالها رع بنبرة متحمسة بعدما ابتسم باتساع من نُضج الحساء قبل أن يسكب البعض في الصحون العميقة ونجلس حول الطاولة لنأكل، أمسكت الشوكة وغرستها في قطعة اللحم ثم رفعتها... مهلًا مهلًا!

هل صدقتهم هذا الأمر بالفعل؟!
واحسرتاه، واحسرتاه.
كيف يمكنكم تصديق أن عمي أكل العاملة؟
آه، لقد تألم قلبي الرقيق!!

حسنًا، حسنًا، أنا متلاعب.
في الحقيقة أنا لا أرغب في سرد الجزء القادم.
هل تعلمون ماذا حدث معي؟
سوف أخبركم بعد المواجهة.

انتهت المباراة بفوز عمي هارون بعدما كسر قدم شمس أخيرًا حيث طالت مدتها حتى قاربت الساعة بسبب قوة الاثنين، غير إن شمس من بين جميع القادة هو أكثر من يريد الحكم وأكثرهم كرهًا لعائلتي، داخليًا بالطبع فهو يتظاهر بالعكس، وقد صدح صوت التصفيق الحار لعمي هارون بينما وقف شمس على قدمه السليمة وقام بالتصفيق أثناء خروج عمي هارون من الحلبة ليلعب دوره المفضل كحرباء ملونة.

الآن وقت الجولة الثانية، المتسابقين:

قاسم.
آريس.
هارون
سالم.

- أبنائي الثلاثة آخر المتسابقين ها، انظروا جميعًا حتى يتعلم الجميع أن يفكر أولًا قبل أن يتحدث.

قالها جدي بنبرة رزينة وهو يبتسم بتحليق كعداء فك جبيرة عن قدمه بينما تصدح نظراته بالغرور، الأختلال والسعادة بعدما فاز عمي قاسم في المواجهة السابقة ضد آريس ليكون ظاهرًا للجميع إن الملك القادم واحد من أبائي دون شك، بينما لم يظهر الضيق على وجه أحد فالجميع لا يحب آريس على أي حال، حيث كانوا يضعوا كل رهانهم على شمس، وقد خسر لذا لما الحزن مرتين؟

- ده أنا هكحرتك.

- محدش يقدر يكحرتني.

قالها عمي هارون بنبرة واثقة وهو يرفع حاجبيه باستعلاء وينتفخ في مجلسه تعقيبًا على حديث أبي الذي خرج بنبرة مشاكسة له ليلقي بالكلمة التي كانت دارجة في ذلك الوقت حيث تعبر عنه إنه سوف يريه الويل بعدما طُلب منهما القدوم لمنتصف الحلبة لتكملة فعاليات المواجهة حتى يتم تتويج الملك الجديد، فأخرج أبي صوت ساخر من فمه قبل أن يهتف بزهو من حاله:

- لا ما أسطورة "رع" الذي لا يُهزم هتنتهي على إيدي.

ضحك عمي هارون عاليًا ليسخر من حديث أبي قبل أن ينهض بشموخ من مجلسه ويهبط إلى الحلبة ثم أشار له برقبته وكأنه يخبره: هيا لنرى ما الذي ستفعله، فضحك أبي بخفة ثم انحنى بجزعه العلوى قبّل جبهتي ووجنتي قبل أن يحملني ويتحرك بي للأسفل وهو يقول بنبرة خافتة داخل أذني:

- متخافش أنا ههزر مع عمك شوية.

انزلني جانب داغر الذي جلب الدّف الخاص بأبي بعدما أشار له بفعل ذلك ثم بدأ بغناء أحد الأغاني الشعبية القديمة فشاركته ذلك بمرح، بينما دلف أبي الحلبة وهو يرقص على غنائي وطرق داغر بمرح، فنظر له عمي هارون نظرة ساخطة حيث كان يقف بملامح جدية وكأنه سيربح مباراة بطولة العالم قبل أن يقترب أبي منه ويجذب يده ليشاركه الرقص، فتبدلت ملامحه على الفور إلى التهلل وبدأ الرقص كعادته وسط الحلبة حيث إنه كان يحاول الحفاظ على ماء وجهه أمام القادة لكن أبي قتل كل سُبل الخلاص أمامه.

انتشرت صحكات البعض على عمي هارون بينما قطّبت أمي شيرين وجهها في محاولة منها لإمساك ضحكاتها حتى لا تنفلت من فمها حيث كان يجلس زوجها بجانبها، ثم حملت أختي شهرزاد على كتفها تتصنع هدهدتها لتخبئ وجهها الضاحك حيث فشلت في إبقاء ملامحها متجهمة، كان هذا الفعل ما يسمى بأثر الفراشة.

هل تعلمون ما هو أثر الفراشة؟ سأخبركم لاحقًا.

سحب جدي الدف من يد داغر وقام بقذفه ناحية أبي بعنف فهو على وشك الموت بأزمة قلبية الآن، بينما التقط أبي الدف بسرعة وأطمئن عليه كأنه أحد أبنائه، بعدها بدأت المباراة أخيرًا، كانت هادئة إلى حدٍ ما فهارون لا يلعب بكل قوته أمام أخوته حيث يخاف من أذيتهم دون قصد لإنه عنيف قليلًا، بينما أبي كان يلعب بعنف وهو يسدد له الضربات المؤلمة حتى لكمه أبي في وجهه لكمة قوية أدت لظهور دماء على زاوية فم عمي هارون.

تحرك عمي هارون ناحية السطل الحديدي الموضوع في الزاوية بخطوات مترنحة حتى وصل له ثم بصق الدماء من فمه وصدح صوت ارتطام شيء صلب في قاع السطل والذي كان جزء كبير من ضرسه الذي كُسر، فظهرت الدهشة الممتزجة بالخوف والهلع على وجه أبي لإنه لم يقصد هذا.

- يا شمس يا شموسة خدي سِن الجاموسة وهاتي سِن العروسة.

قالها أبي بنبرة مازحة وهو يعود للوراء بخطوات متحفزة حيث تحرك عمي هارون ناحيته بوجه يتطاير منه الشرر ثم ركض أبي للخارج وهو يصرخ بعدما ركض عمي هارون تجاهه بوجه غاضب وكأنه ثور ينظر إلى مفرش أحمر اللون في يد المروض.

- بستسلم، انسحبت .َ الحقني يا عمي هيموتني .. قولوا لنفرو إني بـحـبـهـا.

جائت الجملة الأخيرة بعيدة نظرًا لأختفائهم من المكان بينما ضحكت أمي بخفة وهي تضع يدها فوق وجهها بقلة حيلة، وقد عاد هارون بعد عشرة دقائق وهو يحمل أبي الذي يبدو كجثة هامدة فوق كتفه بجسد متهدل وذراعان متدليان، ثم رفع جسده والقاه فوق الأرض بمنتصف الحلبة بعدها أشار لعمي قاسم الذي ابتلع ريقه بتوتر حتى يأتي، حيث الآن موعد المباراة الأخيرة. .

- ليو هات مخدة من فوق علشان مش قادر أقوم، هنام هنا.

قالها أبي بنبرة متعبة مازحة وهو ينظر لي من مكانه حيث يتسطح فوق الأرض بعدما هبط عمي قاسم بوجه يحتله الخوف وخطوات مترددة للأسفل، بينما تقدم "سفن" الذي يضحك على أبي تجاهه ثم حمله وخرج به حتى تبدأ المباراة التي انتهت بالطبع بفوز عمي قاسم كما تعلموا، لكن دون غش، فعمي هارون كان متعب بالفعل، فقد أجهده شمس بعدها أبي _الذي خطط لذلك بالفعل_ في غصون أن عمي قاسم بالكاد واجه الحاوي الذي انسحب ثم واجه آريس الذي كان مجهد كذلك حيث إن كراكن لم يكن بالخصم الضعيف، نحن نتحدث عن أقوى القادة.

حسنًا، الحقيقة هي إذا لم يكن هارون يواجه عمي قاسم ما كان سيُهزم وكان أصبح هو الملك فعمي يفضل الموت عن الهزيمة، وكذلك إذا لم يتلاعب بالسحب كان سيربح على كل حال، لكنه لا يصلح، عمي قاسم هو الأفضل بالفعل.

وأنا صغير لم أكن أفهم الفرق بينهم، فأنا أراهم متشابهين في الحنان، لكن الآن أفهم لماذا اختار جدي سّياف قاسم؟

عمي هارون كما قلت لكم مندفع لا يفكر وغاضب يكرهه الجميع ويكرههم فهو لا يصلح أن يكون ملكًا يصدر أومر ويحل مشاكل وهكذا، فهو أشبه برجل حرب، قائد، آلة مدربة على الحروب، الفوز وتنفيذ الأوامر.

أما سالم فهو عابث، أبي يكره القيود، يختنق منها، لا يريد الحكم حيث يراه قيدًا يكبّل يديه، فهو يهوى الحرية والمرح والمزاح، لا يمكنه تصنع الجدية لمدة عشرة دقائق كيف سيحكم ويصدر قوانين ويتحكم بالجميع؟ فهو يعشق مقولة: خُلقت القوانين ليتم كسرها.

بالنسبة لعمي قاسم فهو مثالي بحق، يمتلك ذكاء حاد، هدوء أعصاب خارق، وحضور قيادي قوي، يعرف متى يكون صارم ومتى يكون حنون؟ وتقريبًا يتحكم بعمي هارون وأبي ويقوم تصرفاتهم العابثة، هو لا يفعل شيء بيديه بل بعقله يترك عمل الأيد لعمي هارون فهو خير منه في ذلك.

ويمكن أن أقول إنه الأب الوحيد الناجح، نعم، فهو من يقوم بتقويم سلوكنا والإهتمام بدراستنا وهكذا، إما أبي فهو أقرب لصديق أكثر ودائمًا يترك أمر العقاب لعمي قاسم، بالنسبة لعمي هارون، سحقًا! هو الذي يُفسد أخلاقنا مثل جدي، هو من علمنا جميع السبّات البذيئة منذ نعومة أظافرنا، لكن عمي قاسم قام بتغير هذا فصرنا نتحدث بالفصحى مثل أمي ونسب بكلمة: وغد، أحمق، أرعن، صعلوك.

إنه بالفعل أفضل ملك حكم المملكة، فالجميع صار يتقبله الآن، إنه عادل، ويتلاشي الدماء، يحل كل المشاكل بهدوء وتنتهي بالصُلح، يحافظ على شعب المملكة بالكامل ويحاول جاهدًا في أن يسود السلام بيننا حيث سابقًا جميع المشاكل التي تحدث في المملكة كانت تنتهي بالقتل بالطبع، لكن في ظل حكمه لم تحدث حالات وفاة إلا قليل للغاية.

______________ ︻╦デ╤━╼

صدح صوت قرع الكؤوس والأغاني في قاعة الأحتفالات بعدما انتقلنا لها وبدلنا ثيابنا بأخرى تنكرية، توقف الجميع عن ما يفعله وأنقض الصمت على القاعة حيث لا يمكنك سماع صوت خروج النفس حتى عندما تحرك جدي سيّاف الممسك بالتاج الخاص بالملك تجاه عمي قاسم الذي كان يرتدي زي يشبه الملوك قديمًا باللون الأزرق الداكن المقارب للسواد مزخرف بخيوط ذهبية اللون من الرقبة والصدر، بينما فوق صدره تقبع عباءة تشبه ذات الرداء الأحمر بنفس لون الحِلة.

وضع جدي التاج فوق رأس عمي، فساد المرح والجنون من جديد بالقاعة ترحيبًا بالملك الجديد بينما ابتسم عمي بسمة هادئة لا تظهر بها السعادة قبل أن يجلس برفق فوق المقعد الأسود المهيب الذي كان لجدي سابقًا وهو يبعثر نظراته المشوشة حوله غارقًا في التفكير، نعم! هو ليس سعيد بهذا، لا يريد أن يصير ملكًا يريد أن يذهب بعيدًا من هنا، يهرب، يختفي، المكان لا يناسبه.

هل أخبرتكم إنه كان يخطط للهرب من قبل؟

لقد وجدت رسالة مكتوبة بخط يديه مدسوسة بين أوراق دفتر خواطره الذي أقرءه خلسة بالطبع، كانت موجّهة لأبي سالم وهارون، محتواها:

⟪ مرحبًا أخوتي، أعلم إن هروبي من المنزل لا يرضيكم، لكنني لا أستطيع حقًا، أنا لست قويًا كفاية، ولا أعلم إلى متى أخي هارون ستظل تفعل كل شيء يطلب مني بدلًا عني؟
لا أستطيع أن أصبح ذلك المجرم، أرغب بعيش حياتي كما أريد بعيدًا عن هذه الوحل قبل أن أدهس بقدمي فوق رماله المتحركة التي ستبتلعني.

أحيا حياة سعيدة، أدرس بالجامعة التي أتمناها، أتزوج من امرأة وأنجب أطفال في عالم آمن لهم، آسف أخوتي لتركي لكم دون وداع، أحبكم كثيرًا، أنتم أفضل شيء حصل لي في حياتي والسبب بتشبثي بالبيت كل هذا الوقت، لا أعلم كيف سأكمل حياتي دونكم لكن.... ⟫

أنتهت الرسالة عند هذا الحد، لم يكمل رسالته كان يكتب الرسالة وهو يبكِ حيث تنبعج مناطق دائرية من الورق الذي جف بعدما ابتل كما أن الحبر سائح عند بعض الكلمات مثل "أخوتي" كأن الدمعة علمت طريقها لتعانق سبب هبوطها الأساسي.

لم يهرب من المنزل، لم يقدر على ترك أخوته، وصار الملك بعدها الآن، ملك لا يرغب في الحكم، وحش دون أنياب، مصاص دماء يعيش على دماء الحيوانات بدلًا من البشر.

سحقًا للعالم، سحقًا للقلب، وسحقًا لجدي سيّاف.

خرج عمي قاسم من شروده وحلّق بطائرة نظراته فوق بلدان الجميع ليهبط داخل وطنه التي أختبئت خلف ظهر أبي حتى تشاكسه لكن أبي مد يه للخلف وأمسكها من ملابسها حيث موضع رقبتها من الخلف وسحبها أمامه كالدمية، ثم أخرج صفير من فمه يشبه ذقذقة العصافير لينادي على عمي قاسم الذي نظر ناحيته على الفور وشملها بنظرة تشبه عناق المقلتين، ثم وضع كفه فوق موضع قلبه وحرك إبهامه بضربات رقيقة فوق جسده كإن يوصف خفقات قلبه برؤيتها.

ضحكت أمي دهب وذهبت له جلست بجانبه وهي تبتسم له بسمة مطمئنة ثم عانقت كفه، فتغيرت نظرته لأخرى ظهر بها مدى حزنه وألمه، ارتعشت شفتاه وأغمض عينه بترو لثانية ليمنع حاله من البكاء، أفهم هذه النظرة في عينه الآن، هو يشعر بالعجز، لم أكن أفهمه وقتها لكن الآن أقرأها واضحة حيث رأيت تلك الحالة مرة من قبل.

أتمرن منذ نعومة أظافري على الأساليب القتالية والمهارات المختلفة مثل الجميع، بينما كان فارس يكره هذه التدريبات بشدة، فقد كان يتمرن بعد معاناة كبيرة من قِبل أبائي لإقناعه، عن طريق تدليلة، اللعب معه، وجلب له حلوى والعديد من الطرق الملتوية الأخرى، وعندما تممنا السادسة قرر جدي إن هذا الوقت المناسب لتعلم ضرب النار والتصويب فأخذنا عمي للمكان المخصص لذلك، وبالطبع ارتعب من إمساك السلاح ذو الرصاصات الغير قاتلة ورفض رفضًا قاطعًا قبل أن يركض من المكان بأكمله.

لحقت به دون تفكير كعادتي حتى رأيته يتسلق السور ويقفز للخارج، تسلقت السور خلفه لكن قبل أن أقفز أمسك بي "سفن" الذي كان يركض خلفنا رفقة باقي المامبا وأعادني للداخل بينما لحق الجميع بفارس الذي قطع أنفاسهم قبل أن يمسكوا به، فهو ليس بشريًا مثلنا بل من الفضاء.

بكى فارس دون صوت حينما عاد للمنزل، فأمسك جدي سيّاف يدي ويده كذلك بهدوء ثم دخل بنا غرفته وأغلق الباب بالمفتاح، حسنًا، أي جد طبيعي سيمسح على ظهره ويجلب له حلوى، لكن سيّاف لا يحب الضعفاء، فقد جلب حزام جلدي سميك واقترب مننا بوجه دون ملامح قبل أن يبدأ في ضربنا معًا.

- متضربش أخويا.

هدرت بها بنبرة جامدة حادة وأنا أمسك طرف الحزام قبل أن يهبط فوق جسدي بعدما ارتفعت صرخات فارس عاليًا من الألم على الرغم من أنني حاولت حمايته بجسدي لكن وصلت له بعض الضربات، ثم سحبت منه الحزام بعنف من بين يديه، حسنًا ظننت ذلك فهو تركها فقد كنت صغيرًا جدًا بالنسبة لقوته.

نظر لنا جدي لثواني وحاول الثبات أمام نظرات فارس التي تتدفق بالكره والحزن في آن واحد فنحن نحب جدي، ثم ربّت على كفي وهو يقول بفخر:

- بطل .. أنا هاجي كل يوم أشوفكم وانتوا بتتدربوا أشوف وحد فيكوا يهرب تاني.

أضاف الجملة الأخيرة بنبرة متوعدة جامدة وهو يتجه ناحية الباب ويفتح قفله قبل أن يدخل أبي وعمي الذي حمل فارس بسرعة ولهفة وبدأ في التربيت عليه حتى يهدأ أثناء جلوسه فوق الأريكة بتعب بينما حملني أبي وخبئني داخل حضنه وجلس بجانبه فبكيت أخيرًا، اخبره بدموعي عن حزني، فلم أكن أبكي أثناء الضرب.

بينما جلس عمي هارون بينهما وربت علينا معًا وهو يتنفس بعنف حيث إن هذا الأمر غير محبب له، لكن هل يضرب أبيه؟ إذا كان هو بالأساس ذاق ذاك السوط من قبل.

ارتمي عمي قاسم في حضن هارون وبكى بعنف حيث كان قاسم ينظر حوله بتيه والحزن يخيم على ملامحه بينما تلتمع عينه بدموع محبوسة داخل أغلال بينما توقف فارس عن البكاء وقد تحول الوضع ليربت هو على كتف أبيه ويضمه له.

- بابا متزعلش، أنا هبقى شاطر وقوي ومش ههرب تاني.

قالها فارس بنبرة طفوليه وهو يقبل وجنة أبيه المبللة الدموع لظنه إن عمي يبكِ لهذا السبب لكنه كان يبكِ لشعوره بالعجز مما أدى لزيادة حدة نوبة بكاءه، سحقًا، جدي ضرب ابنه لإنه خاف من أن يحمل سلاح بيديه، عمي لا يريد ذلك، يريد أن يحمينا ويهرب بنا من هنا.

سامحت جدي بعدما اعتذر لنا وجلب لي أشياء كثيرة ليصالحنا، كما قلت لكم هذا الوغد المدعو ليو عديم كرامة فسامحه سريعًا، لكن فارس ليس مثلي فلم يسامحه بسهولة فقد ظل محافظ على خصام جدي لمدة ستة أشهر كاملين، حتى أحضر له جدي أوراق لعب "كوتشينة" خاصة وعدد من الأشياء التي يستخدمها ما يدعو الساحر او حاوي بسبب ولعه الشديد بهذه الأشياء مثل أبي، كما طلب من أبي تعليمه ما يفعله، فصالحه فارس على الفور حيث دخل جدي لقلبه مجددًا من خلال منطقته المفضلة.

هكذا سيدتي أنيساتي ساداتي صار أخي لصًا يسرقني دائمًا، ويعتبرني حقل تجاربه البغيض.

تصفيق .. تصفيق .. تصفيق.

______________ ︻╦デ╤━╼

الغزلان تحب أن تموت عند أهلها، الصقور لا يهمها أين تموت.

_ غسان كنفاني.

الخامسة والنصف صباحًا.

حط السكون فوق القصر الذي أظلم بسبب خلود الجميع للنوم بعدما انتهى الأحتفال الذي أمتد حتى الخامسة صباحًا، بينما تحرك رجل متشح بالسواد في الممرات السرّية للقصر حتى توقف أمام الغرفة المنشودة والتي تكون غرفة جدي سيّاف، دلف بهدوء الغرفة فوجود أمي دهب نائمة بجانب جدي سيّاف الذي صعد مبكرًا حيث شعر بالتعب الذي آكل جسده وصعدت ابنته معه حتى تهتم به.

اقترب الرجل ببطء ناحية الفراش وأخرج خنجر ذو مقبض أسود بشفرات حادة مُشرشرة، وضع كفه فوق فم أمي تزمنًا مع تمريرة لشفرات الخنجر فوق جلد رقبتها الذي انفلج على الفور وبصق الدماء داخله في حركة سريعة خلفت خندق من الدماء بمنتصف رقبتها.

خرجت أمي داليا التي كانت بالمرحاض وصرخت صرخة مدوية قبل أن تركض لتجلب سلاح، فهرع الرجل الذي لم يكن سوى "إيلفين " المامبا الحامي للقائد فرانسوا والذي يكون متمردًا للشرفة وقفز منها تزمنًا مع دخول عدد من المامبا الحارسين لغرفة جدي من الخارج الغرفة بسبب صرخة أمي داليا وكذلك استيقاظ جدي الذي لم يشعر باهتزاز جسد أمي دهب قبل موتها بسبب العقاقير الطبية التي سيطرت على جسده.

بينما في نفس التوقيت على الناحية الأخرى تحديًا بغرفة "أكرم" الابن الأكبر لعمي صالح والذي هو مصاب بالتوحد حيث لا يتعامل إلا مع ثلاثة فقط: أمه، نيلان وعمي قاسم، تسلل القائد "كراكن" للداخل بهدوء كالرياح، القى نظرة خاطفة إلى نيلان النائم في الفراش الآخر حيث يتشارك الغرفة مع "أكرم" قبل أن يتوجه لهدفه الأساسي، قبض بكفيه الغليظين فوق عنق أكرم الذي استيقظ على الفور ثم ضغط بإصابعه بقوة بينما حاول أكرم دفع يده في حركة دفاعية مهزومة وهو يصدر صوت حشرجة من فمه.

قفز نيلان فوق ظهر "كراكن" بعدما استيقظ على صوت حشرجة أكرم ولف ذراعه حول رقبته، مما أدى لتحرر عنق أكرم الذي تحول وجهه للون الأزرق وهبطت دموعه، ثم داهمته نوبة سعال عنيفة من أثر الخنق، بينما ضرب "كراكن" نيلان في معدته بمرفقه بقوة، وقد تأوه نيلان قبل أن تصل لوجهه لكمة عنيفة من كراكن جعلته يقع من فوق ظهره، فهنا لدينا مراهق في الثانية عشر ضد واحد من أقوى قادة المملكة.

عاد *كراكن" وسحب أكرم ليكمل ما بدأه لكن نيلان قفز عليه من جديد وقبل أن يقبض على رقبته، أمسكه كراكن من ذراعيه ثم رفعه للأعلى ليتدلى جسده من خلف ظهره قبل أن يقلبه ليعبر من فوق جسده وكأنه يطير وهبط به للأرض لينسحق جسد نيلان وكأنه وقع من فوق بناية، ثم ضربه في معدته بقدمه عدة مرات حتى يضمن عدم نهوضه من جديد.

زحف نيلان بصعوبة ناحية الكومود الذي يبعد عنه مسافة قصيرة وهو يبصق الدماء من فمه، فتح الدرج وأستل خنجر صغير خاص به والذي يكون خنجر عمي صالح وقد أعطاه له كهدية بعدما أعجب به بشدة، نهض من فوق الأرض بترنح وتحرك تجاه "كراكن" الذي عاد إلى أكرم من جديد، رفع يده عاليًا ليهبط بالخنجر تجاه ظهره لكن قبل أن يصل إلى متبعاه، التفت له كراكن وأمسك بيديه بمهارة.

- لقد حاولت عدم قتلك لكنك تتوق بشدة للقتل يا صغير.

قالها كراكن بنبرة ضائقة وهو يقبض على مفصلا الرسخ والمرفق بكفيه فوق يد نيلان القابضة على الخنجر، ثم بدأ يحرك يد نيلان الذي يقاومة ويحاول غرس الخنجر بقلب كراكن حتى صار نصل الخنجر تجاه معدة نيلان مباشرة وبدأ كراكن الدفع، حاول الأول تجميد حاله لكن قواه لم تسعفه أمام قوة كراكن حيث بدى وكأنه يحاول عدم الطيران في الفضاء قبل أن ينغرز الخنجر بجانبه بعدما قبض كراكن على كفه الممسك بالخنجر.

وقع نيلان أرضًا ينزف فوق السجاد الأبيض الذي اصطبغ بدماءه وتابع بعينه كراكن الذي سحب أكرم الذي يبكِ في زاوية الفراش وهو يحتضن قدمه، وفي حركة سريعة وضع رقبته بين كفاه العملاقين وضغط عليه بقوة أثناء رفع جسده للأعلى حتى خرجت الروح من جسده الذي اهتز بالكامل قبل أن يلقيه أرضًا جانب أخيه ويمتزج معًا رغوة الموت التي سالت من فمه بدماء نيلان، بينما أخرج كراكن محرمة من جيبه وانحنى لينظف حذاءه الجلدي من قطرات دماء نيلان تزمنًا مع انفجار كل شيء.

استيقظنا بخوف على صوت تبادل إطلاق النيران في القصر بعدما بدأت الحرب عقب صراخ أمي داليا حيث كنا ننام بعمق خمستنا جانب بعضنا البعض، بعدما دفعنا بكامل قوتنا فراش فارس ليلتصق بخاصتي، فقد صعدنا مبكرًا بعدما أصرت أمي دهب على ذلك مفسدة علينا البهجة.

دلفت أمي نفرتاري علينا الغرفة وأمارات الخوف تظهر على وجهها المشدود، حاولت إلقاء ابتسامة مطمئنة لكنها خرجت مرتعشة مثل كل شيء داخلها، لم تعطنا فرصة للحديث وسحبتنا على الفور من الفراش، دلفت بنّا من غرفة جدتي جلنار - حرقها الله في جحيمه- ثم أغلق الباب بالمفتاح ودفعت الكومود خلف الباب قبل أن تتحرك تجاه المرآة الكبيرة التي تحتل جزء كبير من الحائط وتدفعها، ليظهر خلفها باب حديدي باللون الأسود، دست المفتاح بداخله لينفتح معها بصعوبة وبطء مصدرًا صرير كان سيكون مزعجًا لكن صوت ضرب النيران ابتلعه فلم يصل إلينا.

أشارت لنا أن نقترب ففعلنا ذلك، وقد ظهرت أمامي مساحة مظلمة وكأنه قبو مصعد معطل من آلاف السنين، بينما تحركت أمي وجلبت مصباح صغير لينير الظلام ثم مرت من أمامي لتجلس على حافة أرضية الغرفة بينما تتدلى قدمها لداخل الفتحة المظلمة.

- في سلم، كله ينزل ورايا.

قالتها بنبرة متوترة وهي تستدير ليكون وجهها لنا وتهبط فوق درجات السُلم القديم الملتصق بالحائط لتختفي من أمامي وكأن القبو ابتلعها، دفع داغر باسل ليلحق بأمي ثم فارس، وأنا واخيرًا يعقوب قبل أن يهبط خلفي فهو ولد ليصبح قائدًا بحق، تجاهلت الصدأ الذي غمر يدي من درجات السلم حتى وصلت للأسفل ومسحت يدي في ملابسي.

نظرت أمي حولها في الطريق قبل أن تتلمس الجدار الحجري ذو النتوءات جانب السُلم قبل أن تضغط على منطقة معينة، لتغرق داخل الحائط بين الصخور يتبعها صوت صرير وكأنه جبل يُدك قبل أن تظهر فتحة في الحائط لغرفة سرية لا يعلم عنها أحد سوى أمي ونحن بالطبع، فقد اكتشفنا تلك الغرفة من قبل عندما كنّا نلعب هنا.

- ركزوا معايا، انتو رجاله صح؟ لو مرجعتش بعد ساعة هيجي "سفن" ياخدكم محدش يخرج من هنا ماشي؟

قالتها أمي بعدما دلفنا الغرفة التي تحتوي على فراش صغير، خزانة، طاولة صغيرة، صندوق خشبي يحتوى على ألعاب ومجلات وكتب ورسومات جميعها تعود إلى أمي، حركنا رؤوسنا بالموافقة، فاعطتنا ابتسامة هادئة وهي تبعثر نظراتها على وجوهنا قبل أن تستقر عليَّ وكأنها تنسخ ملامحي في مخيلتها قبل أن تذهب كأم حيوان الراكون

هل تعلمون ماذا تفعل أم الراكون؟
عندما تشعر بالخطر على صغارها بوجود حيوان مفترس تهرع لتخبئهم بمكان آمن بسرعة ثم تهبط وتركض في عكس الإتجاه لجذب العدو ناحيتها حتى يبعد عن مكان صغارها في تجسيد كامل عن حروف كلمة: التضحية.

- هروح أشوف ماما بسرعة وآجي.

قالها داغر بنبرة ظهر بها قلقه وهو يتحرك تجاه الصندوق ليبحث عن سلاح وقد وجد بالفعل اثنين فلا توجد غرفة بمنزلنا الهادئ دون سلاح، وافقته لأنني أيضًا أريد رؤية أبي، أشعر إن هناك شيء خطير يحدث معه.

- متسبنيش.

- متخافش مش هتأخر، هاجي بسرعة.

قلتها بنبرة هادئة إلى فارس الذي يمسك كفي بكلا كفيه بقوة وأنا أمسح فوق ظهره برفق بكفي الحر حتى يطمئن بعدما هتف بكلمته التي خرجت خافتة مرتعشة مثل كل شيء به عقب إعرابي عن رغبتي في الذهاب كذلك، حرك رأسه بالنفي وقال مقررًا على الرغم من رجفة جسده:

- هاجي معاك.

- مش هينفع تسيب باسل لوحده، خليك معاه ماشي.

قلتها بنبرة حنونة وأنا أربت على كتفه وأشير برأسي ناحية باسل حيث إن يعقوب سيذهب مع داغر بالطبع فلا داعي للنقاش بذلك الأمر، فهما مثلي وفارس بالضبط حيث إنه أخيه بالرضاعة فقد ربته أمي داليا رفقة داغر في نفس الوقت وصارا كالتؤام.

سحبت أصابعي ببطء من بين أصابع فارس وركضت للخارج قبل أن يغير رأيه حيث كان داغر يقف أمام الباب وثبت نظراتي به أثناء هبوط الباب حتى أختفى من أمام عيني.

- خليه معاك، إلى اللقاء أخي الوغد.

هتف بها داغر وهو يضمني له بقوة بعدما وضع واحد من الأسلحة بيدي ثم أعطاني بسمة مشجعة بعدما فصل العناق وركض في الناحية الأخرى حيث الممر الذي يصل بمبنى المامبا مباشرةً، بينما اتجهت في الممر الذي يصل إلى غرفة أبي.

على الناحية الأخرى تحركت أمي داليا داخل القصر وهي تحمل سلاح الرشاش بيدها بينما تطلق النيران كل حين حيث بدا وكأن سماء القصر تمطر رصاصات، ثم توقفت في الممر عندما سمعت بكاء رائف الذي يتكور على حاله جانب عمود ضخم برعب حيث كان ذاهبًا إلى غرفة عمي هارون لينام بحضنه قبل أن تبدأ الحرب.

- متبصش، غمض عينك.

قالتها أمي داليا إلى رائف بعدما حملته وركضت به حيث تنتشر الأجساد المتخضبة بالدماء في كل مكان بعدما أهتز بين ذراعيها برعب لم تتحمله أعوامه السبعة، بينما يطلق المامبا الحامي لها الرصاصات من خلفها حتى يحميها، دلفت غرفة جدي سيّاف من جديد تاركة الحرب خلفها حتى توصل رائف لمبنى المامبا، هبطت للممر السري وبدأت الركض حتى تعود من جديد للدفاع عن العائلة.

أنزلت أمي داليا رائف الذي ركض لغرفته بعدما حسته على ذلك، فهو بأمان الآن، لن يأتي أحد إلى المامبا، لماذا سيفعلوا ذلك؟ الجميع بالقصر.. أكرم، أكرم هنا.

هكذا صرخ عقلها الذي أرتج قبل أن تركض بخطوات شبه طائرة حيث تكاد لا تلمس أطراف أصابعها الأرض من السرعة حتى دخلت غرفة أكرم قبل أن تطلق صرخة عالية وهي تنقض على جسد أكرم المُلقى فوق الأرض بعدما شحب لونه انسحب منه أي دليل على الحياة.

- لسه بيتنفس.

قالتها أمي داليا بنبرة كانت ستكون سعيدة لكن ما حدث معها لن يجلب أي سعادة لقلبها حيث فقدت كل شعور داخلها، بعدما أتجهت لجسد نيلان وبحثت عن أي دليل يدل عن إنه مازال حيًا وشعرت بأنفاسه وعيونه شبه المغلقة حيث كان يثبت نظراته بأكرم، ثم حملته وناولته للمامبا الحامي لها وتقول بنبرة جامدة:

- اجري بيه على المستشفى، اوعي ابني يموت منك "ناين"

حرك "ناين" أو المامبا رقم تسعة رأسه بالموافقة قبل أن يركض للخارج به على مضض فهو يترك المرأة التي يحميها وحدها بمنتصف الحرب، بينما مسحت داليا دموعها وأستلت السلاح لتعود للقتال، خرجت من الغرفة إلى الظلام والسكون بالخارج، رغبت في الأطمئنان على باقي صغارها لكنها هذه المرة متأكدة إنهم بخير جميعهم، لن يقتل أحد المامبا الصغار فهم يحتاجوا إليهم بشدة غير علمها بأن المربيات بالتأكيد معهم، كيف لم يصعد أحد لأكرم؟

جال هذا السؤال بخاطرها فحصلت على الرد عن طريق وضع القائد "كراكن" لكفاه حول رأسها التي صارت أشبه بقطعة لحم بين رغيفي خبز قبل أن يكسر عنقها في حركة خاطفة لتقع أرضًا مثل العاملة التي رأته وهمت أن تصرخ لتجذب بعض المامبا تجاهه.

بالنسبة لي وصلت لغرفة أبي الشاغرة بالطبع كما المتوقع ثم تحركت للأسفل وسَط أصوات إطلاق النيران، خطوت بقدم مهتزهة وحاولت إبقاء عمل خفقات قلبي لأن كاد أن يتوقف عندما رأيت الجثث المتناثرة في كل مكان، ابتلعت ريقي بصعوبة حيث جفّ حلقي بينما حاولت التماسك وأجبرت قدمي على التكملة بعدما قرر عقلي أن أركض وأعود، فقلبي لا يتسع لحجم الخوف.

كدت أعود بالفعل قبل أن أرى أبي يقف خلف تمثال المامبا الذي يقف بين صفين الدرج وهو يطلق النيران، مشيت تجاهه بحذر وأنا أرفع المسدس أمام وجهي لكن قدمي تجمدد في الأرض لثواني وكأنني دعست فوق كوكب جاذبيته أعلى من كوكب الأرض عندما سمعت صوت طلقة صرخت قبل أن يقع أبي أرضًا، ركضت له بلهفة بينما شعرت بأن قلبي طار من بين أضلاعي حتى وصلت له وجلست بجانبه بهلع حيث كانت الدماء تغطي معدته.

- متخافش يا ليو مش بتوجع.

- لا يا ليو بتوجع.

قالها القائد فرانسوا الذي أطلق الرصاصة بنبرة خشنة ثقيلة وزهو من حاله تعقيبًا على حديث أبي الذي خرج بنبرة مجاهدة بعدما ابتسم بوهن حتى لا أخاف، ثم أطلق فرانسوا ضحكة قصيرة قبل أن يطلق رصاصة أخرى استقرت في بطن أبي، خرجت صرخة من فمي وأنا أنظر للدماء التي تدفقت من أبي لكنه لم يعبأ بها حيث يجاهد أن يحتضنني حتى لا يقتلني فرانسوا، الذي كان مشهر سلاحه في وجهي.

أطلق فرانسوا الرصاصات لكنها لم تستقر بجسدي بل اخترقت ظهر "سفن" الذي فداني بحاله بعدما أنقض عليَّ وضمني لصدره وهو يستدير، وضع ذراعه فوق رأسي بينما ضم معدتي لداخل صدره وتكور على حاله ليحبسني داخل جسده ليصنع من حاله درع لي حتى لا تأتي بي الرصاصات، فضحك فرانسوا من جديد وعاد ليطلق على ظهره رصاصتين، لم يتركني كذلك وكأنه يرفض الموت حتى يرحل فرانسوا بينما هبطت الدماء من فمه فوق رأسي.

_ إلى جميع المامبا، أقتل قائدك المتمرد .. إلى جميع المامبا، أقتل قائدك المتمرد، أقتل قائدك، أقتل الجميع.

ترددت بصوت عالي في مكبر الصوت حيث خرجت من فم عمي صالح ليأمر جميع المامبا بقتل قادتهم المتمردين على الحكم حيث إنه قدم الآن فقط حيث كان بالخارج، فصدح صوت إطلاق النيران بعدما حل السكون لثواني، وقد ركض فرانسوا هاربًا للخارج على الفور، بينما شعرت بثقل جسد "سفن" الذي فارق الحياة وكأنه بالفعل كان يتمسك بالروح حتى تبقى داخله إلى أن يرسلني لبر الأمان.

تحركت من أسفل "سفن" برفق عدت بتركيزي لأبي الذي مازال واعيًا، أمسك كفي بضعف بعدما اقترب منه وحاول رسم قلب في باطن كفي كما يفعل دائمًا، خرج بخطوط متعرجة بلون دمائه لكنه جميل، ثم بعثر نظراته فوق صفحة وجهي بحب.

- إنت .. احلى حاجة .. حصلتلي في حياتي.

قالها أبي بنبرة مهتزة خافتة حاول جاهدًا على إخراجها من فمه ثم بصق دماء من فمه، نظرت حولي حتى يساعدني أحد لكنني لم أجد سوى الجثث، شعرت بحالي ضئيل للغاية كنملة أو كذرة تراب بين عاصفة رملية، لم أستطع مساعدته.

- ماما..

قالها أبي بنبرة أخفت من سابقتها، هززت رأسي بالإيجاب عندما علمت إنه يوصيني على أمي كعادته فهو يفعل ذلك كلما سافر، وهو الآن مسافر، مسافر للأبد.

- متسبنيش.

قلتها بنبرة مختنقة والدموع المتحجرة تلمع بمقلتاي، فرفع كفه عن الأرض قليلًا وأشار بإصبعه ناحية قلبي ليخبرني بأنه يحيا داخلي للأبد، ثم أمسك كفي وحاول جذبي إليه بهوان ففهمت ما يرغب به، ونمت في حضنه واضعًا رأسي فوق موضع قلبه، ثم أمسكت يده ووضعتها على جسدي.

- اطلقوني.. من.. سياج.. الأسر.

غناها أبي _إذا سميت هذا غناءً_ بنبرة متلجلجة خافتة تكاد لا تصل لأذني لكنني علمتها على الفور فهذه الأغنية التي يغنيها لي حتى أنام منذ ولدت أو ما كنت أظنها أغنية، بينما ضغط بيديه بحركة ضعيفة بقدر ما يمتلك من قوة على جسدي ففهمت إنه يريد مني مشاركته فغنيت معه.

❞ اطلقوني من سياج الأسر
حتى اتلاقى بحبيب طال شوقي للقاه
يا رفاق الدرب إني حائر
وطريقي في ظلام الحس عاثر
ليس بالسمع ولا باللمس عشقي
ليس بالالحاظ شوقي لا ولا بالبصر ❝

دائمًا أحب وضع رأسي على صدر أبي، فيقول أبي إنني أحب سماع لحني الخاص بواسطة ضربات قلبه، أنا بالفعل مغرم لدقات قلب أبي ورائحته المطمئنة، لا يمكنني سماع لحني الآن، لا يمكنني سماع ضربات قلبه، لقد ذهب أبي.

❞ إنما الحب عناق النور في دنيا الحقيقة
إنما العشق احتضان للذوى
وانطلاق من ظلام الوهم في دنيا الخليقة
للسموات الطليقة
وشهود الحق بالحق بلى أين الشهود؟ ❝

توقف إطلاق النار وعم السكون في المكان الممتزج برائحة البارود والصدأ الناتج عن الدماء فقد تحول القصر للون الأحمر، بينما وضح صوتي الذي كان عاليًا، سمعت صداه يتردد إليّ

هل أخبرتكم كيف حصلت على لقبي؟
بالوراثة، فقد صرت الآن أنوبيس، ولقد مات ليو للمرة الأولى في حياته.

❞ لا مكان، لا زمان الذي أوجد هذا العالم
الأوحد لا أول له، لا آخر له
أول دون ابتداء آخر دون انتهاء
هو رب العالمين والذي يذكي الحنين
نوره مشكاك اليقين ❝

لسعت رائحة الدماء القوية أنفي وشعرت بالدوار والغيثان حيث تناولت العديد من قطع بسكويت "الكوكيز" بعدما انتهيت من غنائي المبهر، تقريبًا هذا أفضل أداء غنائي لي على الإطلاق والأخير، فصوتي ذهب مع أبي ولم يعود، كلما حاولت شعرت بالاختناق.

أشعر وكأن جزءً من قلبي قد بُتر؛ سمعت أبي يقول لأمي في إحدى مرات شجارهم: لا تبتري قلبي، فسألته بعدها عن ما تعنيه الكلمة، فقال لي أن البتر هو أن يتم قطع العضو عن الجسم، فقلت له وهل يمكن للقلب ان يُبتر؟
فقال: نعم، يمكن للقلب أن يُبتر بفراق أحبته فأنهم يفارقوا ويأخذوا منه قطعة بمفارقتهم، لم أستطع فهمه وقتها جيدًا، لكن الآن فهمت، لقد بتروا قلبي بفراقك يا أبي.

صدر اسم أبي من فم عمي هارون بلهفة قبل أن يلقي بحاله جانبه على الأرض بهلع، هز جسد أبي بعنف عدة مرات في محاولة منه لإفاقته بينما تغطي الدماء كتفه برصاصة كانت في طريقها لقلب عمي قاسم لكنه تلقاها بدلًا منه.

- سالم .. لا يا سالم متسبنيش .. لا، يا رب، خدني أنا ، خدني أنا علشان خاطري.. أنا الوِحش هو الكويس، رجعولي و خدني أنا .. خد مني كل حاجة ورجعه، مش عايز حاجة، مش عايز شيرين ترجعلي .. مش عايز اخلف يا رب علشان خاطري.

قالها عمي هارون بنبرة منتحبة بعدما انهار في البكاء بهستيريا لأول مرة، بينما اقترب بعض من المامبا حاولوا تهدئته ومسح دموعه، فلا يجب عليه إظهار ضعفه أمام أحد والقصر الآن في حالة من الهرج، كما حمل واحد من المامبا جسد أبي برفق وآخر حمل سفن، حينما احتضنني عمي هارون بقوة بعد أن تماسك خارجيًا.

وضعني عمي هارون بين ذراع واحد من المامبا بعدما انحنى وأخبره شيء في أذنه قبل أن يركض من أمامي، فهبطت من فوق ذراع المامبا ولحقت به حتى دلف غرفة جدي حيث يضم عمي قاسم جسد أمي دهب الغارق في الدماء ويبكِ وهو يهتف بنحيب:

- متسبنيش لوحدي في الغربة يا دهب، مش عايز أتشرد تاني .. أنا جبت التوت.

أصافها وهو يشير ناحية الحقيبة البلاستيكة الموضوعة فوق الفراش حيث إنه لم يحضر المجزرة من بدايتها فقد طلبت منه أمي دهب ثمار التوت وذهب ليحضرها لها رفقة عمي هارون لإنها كانت حامل في الشهر الأول، نعم، أمي كانت حامل.

أغمضت عيني بقوة ثم فتحتها ثم صفعت حالي بقوة، سحقًا هذا الكابوس لن ينتهي، حسنًا، لن أخبركم الآن أن عمي صالح واقف أمامي يحمل جسد أخي داغر الذي فارق الحياة.

عندما خرج داغر من الغرفة وأتجه للممر المؤدي لمبنى المامبا قابل في طريقه المامبا "إيلفين" الذي قتل أمي دهب حيث هرب من المامبا وانتقل لمهمته التالية وهي قتل الصغار، وبما إنه ذكي علم إن الأمهات ستخبئ الصغار بالأسفل لذا انتظر وقد حصل على مبتغاه.

خرج إيلفين من الممر المقاطع لذلك الذي يمشي به داغر بعدما مر من أمامه حيث اختبئ عندما سمع صوت الخطوات لظنه إن هناك مامبا معهم، أشهر مسدسه تجاه رأس داغر الصغير ذو العشرة أعوام قبل أن يطلق النيران ويهرب.

صرخ يعقوب مرارًا وتكرارًا لكنه بدا وحيدًا وسط بركة دماء أخيه التي انسابت دماءه فوق حذاء.

إمي لم تضمني قدّ، أمي لم تكن تحبني بالطريقة التي أرغب بها، لكن كان معي أبي، ابي الذي أحبني مرتين، ضمني مرتين، وقبّلني مرتين، مرة له ومرة لها، لدي أمهات تعطني حنان الأم الذي لم أشعر به من أمي الحقيقية لكن الآن ذهب كل شيء دفعة واحدة، وكأن العالم تآمر علي تمزيق قلبي بمخالبه

هل سيتحمل طفل في العاشرة كل هذا؟
بالطبع لا، لذا فقدت الوعي في الحال آملًا أن يكون كل هذا كابوس سيئ وسينتهي بينما يصدح صوت داغر داخل عقلي بقول:

- إلى اللقاء يا وغد.

يتبع .. مقبول بالسباب لكن الدعاء لا.

اللي هتدعي عليا هعملها بلوك ست أيام زي مارك، لإنها بتنشر أفعال تدل عن العنف وقد حنزر من فنزر!!

★ متنسوش التصويت (vote)

_ لا تنسوا الدعاء لأخوتنا بغزة في جميع صلواتكم، رفع الله عنهم ونصرهم.
للتذكير: سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، نِعمَ الزادُ هذا يا رب.

Pokračovat ve čtení

Mohlo by se ti líbit

52.9K 2K 94
Coming Into Your World I Fell In Love With You| "I'm...In love with someone who's in a TV show?! And he's not even in the show he's supposed to be a...
268K 10.4K 30
Just a Drarry fanfiction! Completed 30/07/17. TRIGGER WARNING: Suicide, Parental Verbal Abuse. None of these characters or places are mine but the st...
38.5K 4.4K 36
[Complete] A flirty, romantic adventure & feel-good read! *** Lana Asfoor was content to live with the status quo and ignore her piling debt. Ignora...
2.7M 117K 48
*** Ansel Adams, or Ance as those he knows tend to call him, is a bad man though he didn't consider that to be his fault. His father had been a bad m...