إعلان مُمَوّل ( مكتملة )

By AnaZilzail

631K 73K 15.4K

كانت البداية بينهما إعلان؛ إعلان خاطئ غيّر مجرى حياة الجميع، وبالأخص حياته هو، إذ وجد نفسه فجأة ودون مقدمات أ... More

اقتباس
الفصل الاول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع ..
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الحادي عشر
الثاني عشر & الثالث عشر
الرابع عشر
الخامس عشر
السادس عشر &السابع عشر
الثامن عشر
التاسع عشر
اعتذار وتعويض
العشرون & الواحد والعشرون
الثالث والعشرون
الرابع والعشرون
الخامس والعشرون ( الأخير)

الثاني والعشرون

20.3K 2.9K 369
By AnaZilzail


الفصل الثاني والعشرون من إعلان ممول
بقلم رحمة نبيل & فاطمة طه سلطان

صلو على نبي الرحمة.

______________

صمت قاتل هو كل ما قابل افكار بعد صراخها بتلك الكلمات في وجه والدتها والتي اتسعت عيونها تنتفض عن الأريكة مدافعة عن ابنها بحسرة ورفض لتلك الفكرة :

_ أنتِ بتقولي ايه يا افكار ؟؟ لا لا ابني لا يمكن يسرق، ده هو دخل الاوضة بس عشان الشاحن اكمن يعني المحمول بتاعه كـ

قاطعتها أفكار باكية منهارة، لا تصدق أن شقيقها وصل لهذه الدرجة من الخسة والوضاعة، أن يسرقها، وحينما يفكر في سرقتها يسرق ذهبها الذي أحضره لها داوود، لم يفكر فيما ستفعل، أو كيف ستواجهه عائلته إن تساءلوا يومًا عن عدم ارتدائها للذهب ؟!

_ يا ما الله يكرمك بطلي تدافعي عنه، يعني مين اللي هيدخل يفتح دولابي وياخد الدهب بتاعي ؟؟ مين دخل البيت غير راضي ؟؟

شعرت سكر بالصدمة وهي تحاول التحدث من بين صدمتها :

_ هو أخد الشاحن و...

صمتت فجأة حينما تذكرت مظهر ولدها وهو يخرج مهرولًا من المنزل يضع يديه داخل سترتة، لكنها وقتها لم تهتم وهي تتحدث مع جارتها .

صمتت لتنهار أفكار ارضًا تشعر بالمكان يدور من حولها، يالله ألا يمكنها أن تعيش حياة هانئة هادئة كأي شخص في هذا العالم، ألم يكفيها ظلمًا طوال تلك السنوات؟؟

شعرت بكف والدتها يربت على كتفها وهي تحاول تبرير ما حدث من قبل ولدها وقلبها يرفض تصديق حقارة ما وصل له ولدها، فهي أم وصدمتها بابنها أكبر من غيرها ..

_ معلش يا بنتي يمكن معذور ولا احنا ظالمينه و...

لكن أفكار لم تدعها تكمل حديثها وهي تنتفض راكضة للخارج وكأن الشياطين تتبعها، ستريه الويل إن لم يعد لها ذهبها، ستفعل.

ركضت في الطرقات الضيقة لا ترى أمامها سوى منزل شقيقها، وحينما وصلت أمامه أخذت تطرقه بعنف شديد حتى كادت تحطمه أعلى رؤوس قاطنيه.

ولم تتوقف حتى أبصرت راضي يفتح الباب حانقًا مستنكرًا :

_ جرا ايه يا اللي على الباب هـ

صمت بصدمة وعلى التوتر والقلق ملامحه وهو ينظر خلفه داخل المنزل، ثم حدق بأفكار يقول محاولًا الابتسام :

_ افكـ...أفكار، خير يا افكار امي كويسة ؟؟

لكن أفكار لم تجادله أو تتحدث بكلمة، بل قالت دون مقدمات وبعنف شديد وكأنها تبصق الكلمات في وجهه :

_ فين دهبي يا راضي ؟؟

اتسعت أعين راضي بقوة ورعب وهو يدفعها، يخرج من المنزل تمامًا يغلق الباب خلفه بسرعة مخافة أن يسمعهم أحد من ابنائه او حتى زوجته.

_ دهب ايه يا افكار ؟؟ أنتِ جاية ليه على المسا وعايزة ايه ؟!

_ دهب ايه ؟؟ دهبي اللي دخلت البيت واخدته يا راضي، أو خليني اقولها ليك بشكل احسن، دهبي اللي سرقته من دولابي يا اخويا.

أبتلع راضي ريقه ثم اشتدت ملامحه يصرخ في وجهها :

_ دهب أيه وعبط ايه ؟! ومين قالك اساسا اني روحت البيت ولا شوفت اللي بتقولي عليه ؟؟

_ امي ..امي اللي قالتلي أنك دخلت اوضتي عشان الشاحن، بس الست المسكينة مكنتش تعرف أن ابنها داخل يسرق أخته ويعرها قدام عيلة خطيبها .

كانت تتحدث وهي تبكي بحسرة وقهر، لا تصدق ما وصل به الحالة، يسرقها ويتبجح في وجهها.

وراضي الذي يبصر أمامه انهيار شقيقته لم يتأثر مقدار شعرة يدفعها بقوة :

_ بقولك ايه أنا وأنتِ عارفين كويس اوي إن امك عقلها على قدها وتلاقي حد تاني دخل واقنعها أنه أنا، أنا لا روحت البيت ولا أخدت دهب، روحي ارمي بلاكي على غيري .

وقبل أن يتحرك خطوة شعر بصفعة تسقط على وجهه وصوت أفكار يعلو هادرًا :

_ يعني مش حرامي وبجح، لا وزبالة كمان، بتتهم امك بالجنون عشان تفلت بعملتك.

فجاة امسكت ثيابه تهزه بقوة كبيرة تصرخ في وجهه بجنون :

_ اقسم بالله يا راضي أما خرجت بالدهب لأكون مودياك في ستين داهية وابقى وريني هتخرج منها ازاي يا ابن امي وابويا .

نظر لها راضي بشر متحديًا إياها:

_ هتعملي ايه يعني ؟!

ابتسمت له بجنون ثم هتفت من بين أسنانها :

_ فاكر وصولات الأمانة اللي كنت ماضيها على نفسك بتلاتين ألف وجيت تعيطلي وتقولي هتحبس وعيالي يتشردوا وأنا بغبائي روحت سددتها وأنت ضربت الطرشة ونسيت الموضوع؟؟ فاكرها ؟؟ اللي دفعتها من ورث ابويا ومن حقي عشانك، اهي الوصولات دي معايا يا غالي في البيت ومتقطعتش ودلوقتي أما خرجت الدهب هطلع بيهم على البوليس وأبلغ عنك ومش بس كده هقولهم أنك سرقت الدهب واشهد كل اللي في الحارة عليك يا نصاب يا حرامي.

شحب وجه راضي بقوة وشعر بالصدمة من كلماتها، ابتلع ريقه يردد :

_ الوصولات لسه معاكِ ؟؟ ماسكة عليا وصولات يا افكار؟؟ مش قولتي قطعتيها؟!

ابتسمت أفكار بسمة مرعبة تهمس بكذب فهي مزقت تلك الوصولات منذ استلمتها من الرجل، لكنها بالفعل لم تخبره بذلك ولن تفعل :

_ قليلة الأصل بقى معلش، طالعة ليك يا راضي، ودلوقتي هتطلع بالدهب بتاعي ولا تتفضح في وسط الحارة وعيالك وتضيع عمرك في السجن؟

تنفس راضي بصوت مرتفع وهو يشعر بالغضب يتملك منه :

_ أنا ...أنا بيعتهم .

اشتد جنون أفكار وهي تصفعه مجددًا صارخة بجنون في وسط الشارع حتى بدأ الجميع ينتبه لهما، يالله باع ذهبها وهدية خطبتها، كيف ستنظر لوجه داوود وأي حجة ستخرج بها :

_ بيعته ؟؟ بيعت دهبي يا حرامي يا شمام يا زبالة .

كانت تصرخ وهي تضربه بكل قوتها وتخدش وجهه وقد تعاظم داخلها شعور القهر، تشعر بالغضب قد سيطر عليها حتى عماها عما تفعل، عماها عن وجودهما في منتصف الطريق على مرأى ومسمع من الجميع.

_ هتيجي معايا دلوقتي ترجعه، هترجع ليا الدهب بتاعي، سامع هتيجي معايا وإلا وأقسم بالله لاضيعك واضيع عمرك كله يا راضي.

ارتعب راضي من تلك الفتاة التي لا تمت لأفكار بصلة، كانت عيونها محمرة بقوة ووجهها شاحب وجسدها يرتجف لا يدري غضبًا كان أم خوفًا، هز رأسه لها :

_ ماشي ...ماشي هاجي معاكِ...بس سيبني أدخل اجيب الفلوس اللي لسه واخدها من الراجل زي ما هي مصرفتش منها حاجة..فضحتيني في الحتة.

خففت أفكار قبضتها شيئًا فشيء وهي تستوعب الآن ما حدث، ابتلعت ريقها ببطء تترك أخيها كي يذهب ليحضر الأموال وهي نظرت حولها من خلف دموعها تتجرع خزيها كؤوسًا، حاولت أن تتجاهل أعين الجميع حتى سمعت صوت راضي يقول بصوت لم تتبين نبرته :

_ يلا ..

__________

ولج داوود إلى المنزل، ثم خلع حذائه ليجد حامد جالسًا على الأريكة من النظرة الأولى السطحية قد تظن أنه يشاهد التلفاز ولكن حينما دقق داوود فيه شعر بشروده الشديد حتى أنه لم يدر رأسه لينظر ناحية الباب ليعرف من أتى...

سار داوود بضعة خطوات بإتجاه الرواق ليدخل غرفة الصغار يجد كليهما منهمك يحاول إنهاء واجباته المنزلية بأقصى سرعة حتى يستطيع اللعب كيفما يشاء.

ابتسم لهما داوود ثم سأل ابن شقيقه الكبير "علي":

_هي ستكم فين؟!.

عقب علي بهدوء بعد أن رفع رأسه لينظر له بعد أن كان يُسلط بصره ناحية الدفتر الذي يقوم بالكتابة فيه:

_راحت تزور واحدة صاحبتها علشان رجعت من العمرة.

_ماشي كملوا يلا اللي وراكم.

تركهما داوود ثم خرج مرة أخرى من الرواق ليجد أن شقيقه مازال ينظر في اللاشيء جلس داوود بجانبه على الاريكة قائلا لينتشله من شروده:

_أيه يا عم حامد أيه اللي شاغلك للدرجة دي أنتَ ماخدتش بالك اني جيت ودخلت وخرجت، اللي هو لو في حرامي دخل من الباب هتقوله مكان الحاجات اللي تعجبه واللي جاي علشانها فين.

لم يبتسم حامد على غير العادة، فهو دومًا شخص مرح جدًا مع عائلته، تمتم حامد بضيقٍ:

_مش فايق ليك يا داوود سيبني في اللي أنا فيه.

غمغم داودد شارحًا وجع شقيقه:

_أنتَ زعلان علشان طلقت أمنية صح؟! ندمت؟! في النهاية أمنية يعني غلطت أه بس وقت عصبية واللي كانت حاسة بيه مش شوية أنا شايف أنها أكيد هديت خلال الشهر ده لو عايز تروح ترجعها وتردها مش مشكلة يعني....

قاطعه حامد بعصبية مُفرطة:

_أرد ايه بعد اللي هببته ده، دي غلطت فيا يا داوود وأنتَ تقولي رجعها؟! ده غير كلامي ليها واللي حصل بينا، احنا الاتنين بهدلنا بعض بشكل مينفعش نرجع بعده، وبعدين جوازي منها كان غلطة أنا اتسرعت..

ضيق داوود عيناه قائلا بعدم فهم:

_أومال مدام مش أمنية اللي شاغلة عقلك ولا عايز ترجعها أومال أيه اللي شاغل دماغك؟!.

قال حامد بتردد وهو ينظر له بطرف عين:

_أنا عايز أروح أتكلم مع ألاء وأقنعها أنها ترجعلي..

حقًا لو أصيب داوود بأزمة قلبية يومًا يود أن يعرف العالم بأن السبب الأول هو شقيقه، بينما أفكار هي السبب الثاني فبعد التغييرات البسيطة التي طرأت عليها أحتلت المرتبة الثانية بدلا من الأولى فقد تفوق حامد عنها ويستحق نيل هذا الشرف بجدارة.

تمتم داوود في هدوء حاول تصنعه:

_ممكن يا حامد تبطل تأخد قرارات في لحظات غريبة، أنتَ نفسك لسه بتقول أنك اتسرعت في جوازتك من أمنية، حاول تتريث شوية المرة دي وتفكر قبل ما تأخد أي خطوة وتبطل تظلم غيرك أو تظلم نفسك، اقعد فترة كويسة مع نفسك كده ربي عيالك وأهتم بيهم وأهتم بنفسك وفكر أنتَ عاوز أيه بجد  بلاش أي قرار دلوقتي...

أبتلع ريقه ثم ختم حديثه قائلا:

_ ودي مجرد نصيحة عايز تسمعها هيكون ده الأفضل مش عايز اعتبر نفسك مسمعتش حاجة ولا انا قولت حاجة ليك.

__________

تبكي أمام والدتها...
ليست المرة الأولى أو الثانية أو حتى الثالثة...
كل يوم تبكي تشتكي مما تراه لوالدتها أما في الهاتف خلسة  أو حينما تسنح لها الفرصة لزيارتها...

لكن اليوم ها هي تجلس معها في الشرفة حتى تستنشق الهواء العليل فتقيد عمتها حركتها بشكل كبير في المنزل، فهي لا تشعر بأنها عروس جديدة ولا تشعر بأي نوع من أنواع السعادة، غير أن عمتها تجعلها تفعل كل شيء في المنزل بسبب تهديدات ياسر لها، فهي تخشى أن يقوم بصفعها أو ضربها مرة أخرى...

قالت روضة بحسرة شديدة:

_أنا مش عارفة ازاي جوزي يشوفني تعبانة وحراراتي عالية ولا يفكر يوديني دكتور ولا يجيب ليا علاج، ولا عايز يديني فلوس أجيب لنفسي، يقولي خلي أبوكي يدفعلك ويعالجك أنا مش مُلزم بده.

غمغمت والدتها بتوتر من أن يأتي زوجها فجأة ويسمع هذا الحديث:

_خلاص أنا هديكي اللي أنتِ عاوزاه خلي معاكِ الفلوس وهاتي علاجك واللي تحتاجيه وملكيش دعوة بيه، ولا تطلبي منه حاجة بس بلاش الكلام ده أحسن ابوكي يجي فجأة يابنتي ويسمع الكلام ده كفايا اللي حصله بعد الفرح لما اشتكيتي له واتخانق مع اخته والجلطة اللي جاتله؛ والدكتور قال منعرضهوش لأي حاجة وحشة لو ضغطه علي غلط جدًا عليه.

بكت روضة أكثر وهي تتذكر تلك الأيام....
ما الذي فعلته بنفسها؟!!...
ولأول مرة تشفق عليها والدتها مهما فعلت هي ابنتها، مهما اخطأت، كانت تمانع تلك الزيجة ولكن لم يسمعها أحد، لكن بعد كل ما حدث لا يمكنها عتابها أو قول كلمات تكن بمثابة وضع الملح على الجرح المفتوح ولأنه لن تستفيد شيء سوى تعذيب ابنتها....

تمتمت والدتها بهدوء:

_اقعدي كده وبطلي عياط وأنا هقوم اعملك عصير المانجا اللي بتحبيه واجي.

نهضت والدتها بالفعل لتفعل ما أخبرتها به، ثم عادت بعد ربع ساعة تقريبًا ووضعت العصير أمام ابنتها التي كانت تنظر على الرائح والغادي من الشرفة بملل رهيب ولكن فجأة رأت داوود يسير في الشارع بجانب ابن شقيقه لتعود تبكي مرة أخرى تحت أنظار والدتها التي لاحظت الأمر قائلة:

_ندمانة؟!.

أبتسمت روضة بسخرية من وسط بكائها:

_ندمانة دي كلمة قليلة، داوود اللي كان بيحترمني وبيقدرني وأنا مهتمتش بكل ده واتلككت له وسيبته، داوود راجل حظ لأي واحده تقابله، ونعمة أنا مقدرتهاش، يمكن لما كسرت قلبه ده كان عقابي.

_ملهوش لازمة الكلام ده يا بنتي اللي حصل حصل، حاولي تشوفي اي ميزة في جوزك وتحاولي ترضيه وأدعي أن ربنا يصلح حاله.

مسحت روضة دموعها لا تستطيع تزويد هموم والدتها أكثر، فهو يعاملها وكأنها خادمة في بيته لا زوجة هو ووالدته التي من المفترض أنها عمتها  لكنها تتمتع في اهانتها، مهما اشتكت منهما لوالدتها لن تشعر بالذل التي باتت محاطة به ولا تستطيع في الوقت الحالي فعل شيء سوى الصبر والانتظار حتى تستطيع التخلص من هذا الرجل.

_____________

بعد هبوطه، وذهابه إلى المقهى للجلوس مع صديقه، قابل ابن شقيقه أثناء عودته من المقهى، فكان على يقوم بشراء الحلوى له ولشقيقه الأصغر.

عاد داوود إلى المنزل وهو يشعر بالدهشة الشديد، طوال اليوم لم تتصل به أفكار كعادتها، نعم فلقد أعتادت في الفترة الأخيرة على أن تتصل به كل ساعة تقريبًا تخبره إلى أين وصلت في دروسها، وكيف كان درس الفقة وكيف أنها قامت بتسميع آيات القرآن لمعلمتها جيدًا، تخبره بكل تطور تفعله ويفتخر بها جدًا، طوال الوقت كانت تشعره بحماسها كطفلة صغيرة تريد ثناء والدها ووالدتها عليها لم تكن متصطنعة أبدًا كروضة التي تفعل أي شيء من أجل كسب وده فقط، ولكنها كانت عفوية بشكل تلمس قلبه بكل سهوله، وحتى في عز انشغالها في دروسها أو المنزل لا تكف عن إرسال رسائل له أيضًا بها التطورات لو لم تستطع الاتصال به وهذا الشيء هو الذي جعله يتسائل ما الذي حدث؟!! هو يفتقدها بشكل بشع...
مشاعر رهيبة تتملكه لم يشعر بها من قبل تجاة المرأة الوحيدة التي لم يكن يراها مناسبة له.

ولج إلى غرفته ولم ينتظر أن يغير ملابسه بل ألتقط هاتفه وقام بالاتصال بها، لم تجب في المرة الأولى هذا الشيء قلقه ليست عادتها أبدًا فهو يعتاد منها على الإجابة السريعة في أي وقت، فقام بالاتصال للمرة الثانية وها هي تجيب عليه:

_ألو.

عقب داوود عليها بلهفة لم يستطع أن يخفيها:

_ألو يا أفكار أنتِ كويسة؟!.

هل بالغ في الأمر؟! قالت أفكار تلك الكلمات في عقلها فهي ليست معتادة منه على تلك اللهفة التي يستعملها للمرة الأولى تقريبًا، خفق قلبها وبشدة أثر نبرته ولأنها شعرت بأنه يقلق عليها ويفتقدها أيضًا، لن تكن كاذبة هي أيضًا كانت تكبح نفسها بصعوبة طوال اليوم من أجل ألا تتصل به وتبكي، ترغب في الشكوى له لأنها ببساطة تشعر بأنه ملاذها الوحيد، ولكن ليست كل الأمنيات نستطيع تحقيقيها، فهي لا تستطيع اخباره بما حدث أبدًا...

لكنها تصنعت عكس ذلك متجاهله أياه وهي تجيبه:

_أنا كويسة الحمدلله هو في حاجة ولا أيه؟!.

ردها كان بارد وجاف بشكل ازعجه وأشعرته بأنه قد أرتكب خطأ لا يفهمه؟! لكنه متأكد من شيء واحد هذه ليست طريقة أفكار هناك شيء لا يفهمه يحدث.

_يعني أنتِ مختفية طول اليوم ومتصلتيش ولا بعتي حتى لو رسالة واحدة فأنا قلقت عليكي.

_يعني كويسة مفيش حاجة بس أنا كنت مشغولة.

سألها داوود باهتمام:

_مشغولة في أيه؟!

عقبت أفكار بجفاء تخفي عنه حالتها المنكسرة:

_ كان عندنا ضيوف.

سألها داوود باستغراب فهي معتادة على أن تخبرها كل شيء:

_ضيوف مين يعني؟!.

أختلقت أفكار كذبة وهي تقول:

_ناس قرايبنا من بعيد متعرفهمش.

مجددًا ليس هذا ما انتظره منها، سألها داوود بوضوح:

_أفكار هو في حاجة؟!.

قالت أفكار بنفي وبرود أزعجه جدًا:

_لا مفيش حاجة، هقفل دلوقتي بس علشان ماما بتنادي عليا، سلام.

تمتم داوود بغضب مكتوم:

_ماشي سلام..

وأغلقت أفكار المكالمة تحت غيظ داوود الشديد، لم تعطه حتى المساحة لمعرفة ما الذي حدث لها؟.
هي ليست أفكار التي يعرفها، فهل أقترف شيئًا ازعجها وهو لا يدري؟! أخذ يفكر فأخر لقاء بينهما كان جيد للغاية لم يصدر شيء منه قد يزعجها، جعلته يجلس في حيرة بين أفكاره المشوشة مثلها...

_____________

وبسبب تلك المكالمة لم يستطع أن يدعي غضبًا وحنقًا أكثر ..

ففي اليوم التالي.
ها هو يحمل حقائب عدة وهو يقف أمام منزلها، لا يدري كيف خرج من المنزل وذهب لشراء كل ما يعلم أن افكار تحبه، شعور داخلي مجهول المصدر انبأه أن يفعل ذلك .
نبرتها في الهاتف وردوها أخبرته أن يفعل هذا .

تنهد داوود يطرق الباب دون توقف ينتظر أن تجيبه أفكار بحنق صارخة أن ينتظر الطارق فهي لا تجلس خلف الباب .

لكن ما سمع لم يكن صوت أفكار، بل صوت سكر التي قالت بنبرة خافتة وتعب شديد وكأنها فجأة استوعبت عمرها الحقيقي :

_ أيوة جاية.

فتحت سكر الباب لتصدم بوجود داوود الذي حاول الابتسام متجاهلًا ملامحها الشاحبة والمرهقة :

_ مساء الخير يا سكر، أفكار جوا ؟؟

نظرت له سكر، ثم هزت رأسها تتحرك من أمام الباب :

_ أيوة جوا ادخل هناديها ليك

تحرك معها داوود للداخل لا يدري ما بها سكر، لكنه قرر سؤال أفكار، لربما كانوا يواجهون ضائقة مالية أو ما شابه، أي شيء قد يستطيع أن يساعدهم به ولن يتأخر أبدًا.

دخلت سكر للمنزل وهي تتحرك ببطء شديد منحنية الظهر كعادتها، جلس داوود على الأريكة التي تقبع أسفل النافذة واضعًا الحقائب أمامه، ودقائق طويلة مرت ولم يخرج أحد، شعر داوود بوجود خطب ما وما كاد ينادي أحدهم، حتى أبصر افكار تخرج له بخطوات بطيئة وتردد شديدة تنظر أرضًا.

ابتسم لها يقول :

_ أنا جيت في ..

توقف فجأة عن الحديث حينما رفعت أفكار رأسها له، ليصدمه شحوب وجهها وملامحها الحزينة على  غير العادة:

_ فيه أيه يا أفكار ؟؟ حصل حاجة ولا ايه ؟؟

ابتلعت أفكار ريقها تحاول أن تتظاهر بأن لا شيء حدث:

_ لا أنا كويسة، بس ...بس هو دور برد مبهدلني .

ختمت حديثها بضحكة في محاولة يائسة لإقناعه، وهو ورغم عدم اقتناعه، إلا أنه هز رأسه لها ببسمة واسعة :

_ أنا عارف اني مبلغتكيش بأني جاي، بس حسيت لما كلمتك امبارح أنك مش بخير ومخبية فقولت اجي اشوفك، لولا الوقت كان متأخر امبارح كنت جيت والله.

صمت ثم سأل بصدق :

_ أنتِ بخير يا افكار ؟؟

رفعت أفكار عيونها له تحاول أن تتماسك :

_ أنا..أنا بخير ..بس هو البرد زي ما قولتلك مش اكتر .

فجأة انتبهت للحقائب التي أحضرها ليبتسم هو قائلًا :

_ قولت تلاقي الحلويات اللي عندك خلصت، فجيبت ليكِ تاني.

لِم عليه أن يكون بكل تلك المثالية وهي تكون بكل تلك الشوائب، لِم عليه أن يكون جيدًا في كل شيء، وهي السييء نفسه ؟؟ لِم لم تقابله في ظروف أخرى، حياة أخرى ؟؟ هو كثير عليها، هو يستحق فتاة غيرها، هي محاطة بالوحل من كل مكان، وهو نظيف بشكل تشفق عليه من تلوثه بوحلها .

التمتع الدموع بعيون أفكار، لكنها كتمتها مبتسمة :

_ أنا... أنا مش عارفة اقولك ايه بجد يا داوود، تسلم يارب منحرمش منك .

وكانت تلك الكلمات أكثر من كافية لداوود، ومكافئة عادلة لمجيئه، وأخيرًا تنهد براحة وهو يندمج معها في أحاديث ليست مهمة البتة، لكن الغرض منها فقط هو أن يخرجها من ذلك الحزن الذي يعلو وجهها.

وبعد ساعة تقريبًا استأذن منها داوود على وعد بالمجئ لها بعد يومين في موعده الطبيعي، وهي ودعته ببسمة واسعة سرعان ما تلاشت وسقطت دموعها بقوة، دخلت المنزل لتجد والدتها تجلس على الأريكة تتفقد الحقائب وهي تقول بلطف محاولة اخراج أفكار من سحابة الحزن التي غيمت حياتها منذ عادت بالذهب ..

_ ابن حلال الواد ده، أنا أول ما شوفته كده قلبي ارتاح ليه، وعرفت أن ربنا كرمه عشان كده رزقه بيكِ، والله كويس ده جايب حلويات كتير، محترم والله .

كانت أفكار شاردة وهي تستمع لكلمات سكر تقول بصوت خافت :

_ امممم ابن حلال كويس اوي، كويس اوي لدرجة أنه ميستحقش في النهاية يكون معايا.

نظرت لها سكر بعدم فهم، لكن أفكار كانت قد اتخذت قرارها وانتهى الأمر، وغدًا ستنفذه .

__________________

في صباح اليوم التالي.

انتهى داودد  من ارتداء ثيابه يتعطر مبتسمًا، ثم خرج من غرفته يسير صوب طاولة الفطور، ليجد أن الجميع لم يستيقظ بعد، نظر في ساعة يده، يدرك أنه هو من استيقظ مبكرًا، حسنًا هو لم ينم من الأساس ..

لا يدري السبب، لكنه طوال الليل يشعر بانقباضة صدر منعته النوم الهنيئ، هل مرض أفكار سبب في ذلك ؟؟ لكن منذ متى كان يتأثر نومه بمرض أحد ؟؟

تنهد داوود بتعب وهو يتحرك في المطبخ مقررًا أن يعد كوب لبن له وهذا نادر حدوثه تقريبًا ويتناول عليه بعض البسكوت، وتذكر مكالمته مع أفكار حينما تحجج بأنه يود شرب الشاي وهو لا يفضله من الأساس..

وبالفعل دقائق حتى انتهى وجلس يتناول فطوره..
وبعدما انتهى جمع كل شيء وغسله، ثم حمل مفاتيح سيارته ومحفظته وتحرك خارج المنزل .

فتح الباب ولم يكد يخطو للخارج حتى صُدم بوجود أفكار أمام الباب، فتح عيونه بعدم فهم :

_ أفكار ؟؟ بتعملي ايه في الوقت ده هنا ؟؟ حصل حاجة ولا ايه ؟؟

لولا نوم والدته لظن أنها هي من أتصلت بها.

نظرت له أفكار بخجل وهي تحاول الحديث :

_ لا بس...أنا بس ...كنت عايزة الحقك قبل ما تنزل الشغل عشان عايزاك في موضوع .

هز رأسه يفسح لها الطريق تاركًا باب المنزل مفتوحًا، ثم جلس مقابلها على أريكة في البهو الخارجي وقد صدق حدسه، أفكار ليست بخير وذلك الشحوب ليس مجرد مرض أو ما شابه.

كانت أفكار تفرك يديها بتردد ولا تدري كيف تتحدث أو كيف تقول ما أتت لأجله، وهذا ما لاحظه داوود الذي نطق بهدوء :

_ خير يا افكار أنتِ بخير ؟! والدتك بخير ؟؟ محتاجين حاجة ؟؟

كبتت أفكار دموعها بصعوبة كبيرة :

_ لا لا تسلم كلنا بخير والله انا بس ...أنا بس كنت جاية عشان اقولك حاجة بس ...بس مش عارفه.

توقفت عن الحديث وهي تنظر له بحزن وتوتر ليزداد انقباض صدره :

_ خير يا أفكار خوفتيني، حصل ايه ؟!

أمسكت أفكار الحقيبة التي جاءت بها والتي انتبه لها داوود الآن فقط، يراها تخرج منها علبة مخملية يعلمها جيدًا، ازدادت ضربات صدره وهو يتعرف على علبة المصوغات الذهبية التي أحضرها لها في خطبتهما، يراها تدفعها على الطاولة أمامه، ثم تحدثت بكلمات كانت له كوقع الرصاص على الجسد :

_ ربنا يرزقك اللي احسن مني يا داوود، احنا مننفعش لبعض ابدا، عشان كده ده الدهب بتاعك كفايا لحد كده يا ابن الناس ملناش نصيب.....

_______يتبع_______

لحظات إدراكك لما حولك هي أكثر لحظات الحقيقة وجعًا ...

دمتم سالمين
رحمة نبيل
فاطمة طه

Continue Reading

You'll Also Like

57.9K 3.8K 49
لَم أُومِن قَطّ بالصدفة، فَكُلُّ شَيْءٍ يَسِيرٌ بِتَرْتِيب لَكِنْ مَا لَم أَحْسَبُ حِسَابِه هُوَ ذَلِكَ الِاصْطِدَامِ! •قصة قصيرة• اسْمُ الْكَاتِبَةِ...
87.7K 4.8K 47
فتحت عينيها ببطء ورأت شخص يركع أمامها على ركبه ونصف وينظر لها بصدمه شديده لتقول بغباء -ايه يا عم قاعد كده ليه هو انت هتتقدملي نظرت حولها لتجد نفسها...
10K 617 39
• بعد إنهاء المكالمه سهيله بتذهب الي مكان تواجد فارس عند الاستدج وبتصفعه صفعه قويه علي وجهه تحت نظرات تعجب من الجميع... • وقال بنبره مخيفه وساخره : ا...
2K 115 4
قبل مئات السنين والعصور يوجد عصر يتميز بالسحر والتعاويذ من بين ثلاث ممالك ضخام تمتلك كلاً منها قدراتها الخاصه التى يستخدمونها فى تدريب الأشخاص ذوى...