أنوبيس

By HabibaMahmoud25

99.7K 5.1K 4.6K

مرحبًا بكم في المملكة لا لا، يجب أن أحذرك أولًا من يدخل المملكة لا يخرج حيًا. يمكنك المغادرة الآن.. سأترك لك... More

تنويه
قوانين التنظيم (المملكة)
الشخصيات
الفصل الأول: المامبا الحامي لي
الفصل الثاني: نساء عائلة المُهيري.
الفصل الثالث: لماذا مُراد؟
الفصل الرابع: إلى اللقاء أمي.
الفصل الخامس: قصر الأشباح.
الفصل السادس: ثم لم يبقى أحد.
الفصل السابع: لا تترُكيني.
وشم المامبا +إعتذار
الفصل الثامن: وضع الغيرة
الفصل التاسع: يوم رفقة الأوغاد.
الفصل العاشر: انا الخاطف.
الفصل الحادي عشر: النجمة المسلوبة.
الفصل الثاني عشر: لتمتزج صرختنا معًا.
مسابقة 🔥
الفصل الثالث عشر: طبيب الطاعون.
الفصل الرابع عشر: رقصة أخيرة
الفصل الخامس عشر: فتيل القنبلة
الفصل السادس عشر: وتر أكيليس.
السابع عشر: رقصة الألم.
الفصل الثامن عشر: الغجرية الساحرة.
الفصل التاسع عشر: لنتزوج ماليكا!
الفصل العشرون: وحوشي وقعت لكِ.
الفصل الواحد والعشرون: خطوبة أم معركة حربية؟
الفصل الثاني العشرون: أنا الجحيم.
الفصل الثالث والعشرون: أحتضر ماليكا.
الفصل الخامس والعشرون: بُتر قلبي.
الفصل السادس والعشرون: خنجر بروتس.
الفصل السابع والعشرون: مُروضة أنوبيس!
الفصل الثامن والعشرون: مرحبًا بالغجرية.
الفصل التاسع والعشرون: الموت أم.. الموت؟
إعتذار
الفصل الثلاثون: الذئب الذي أكل يُوسف.
الواحد والثلاثون: لن تكسريني، أليس كذلك؟
الثاني والثلاثون: نعم، أحبك.

الفصل الرابع والعشرون: ليو الصغير.

1.7K 128 54
By HabibaMahmoud25


سلام عليكم جميعًا حبايب قلب أم ليونار
لو سمحت محدش يحط اللينك أو اسم الرواية في أي بوست ليا علشان بيوقع ريتش البوست ومش بيوصل لحد وبالتالي الرواية مش هتتشاف .. عارفة أنكم يتعلموا كدا علشان بتحبوا الرواية فقولت افهمكم، خدوا حضن 🫂

________
متنسوش التفاعل.

شهادة جامعيّة, وأربعة كتب، ومئات المقالات، وما زلت أخطئ في القراءة .. تكتبين لي "صباح الخير" وأقرؤها "أحبك".

- محمود درويش

______________ ︻╦デ╤━╼
𝕒𝕟𝕦𝕓𝕚𝕤
≼ أنـوبـيـس ≽

مرحبًا من جديد.
هل اشتقتم لي؟
سحقًا، لا يهم.
أنا متحمس للغاية.
لدي موعد مع أمي اليوم!


أقف منذ خمسة دقائق أمام منزل الحاوي لكنني لم أخبر أمي بذلك، أشعر بالحماس الشديد الممتزج بالخوف، سوف أحصل على أول عناق لي مع أمي اليوم، لكن المشلكة في رأسي، اختيار سييء لليوم، فاليوم جميع جروحي فُتحت من جديد وتنزف بغزارة، لقد توقف النزيف لبعض الوقت عندما كنت مع الغجرية الساحرة لكن الآن، أوه! عادت من جديد.

آه ماليكا، ليتني ابقى معك على جزيرة بمنتصف المياه دون قارب نجاة أو صواريخ استغاثة حتى لا ترنا الطائرات.

"أمي تحبني أنوبيس"

حسنًا ليو، ذكّرني بذلك طوال الوقت، حتى أصفح عنها اليوم.

ارتفع صوت ماليكا الخارج من مشغل الموسيقى الخاص بالسيارة فشعرت بالإرتياح قليلًا على الرغم من أن صوتها بعيد نسبيًا فقد كنت أسجل لها وأنا بالشارع بينما هي في الدور الثالث، حسنًا، أنا كاذب لقد كنت أسجل لها وأنا بالشرفة الخاصة بالطابق الذي يسبقها والتي تكون خاصة بشرفة "فريد" ابن ماهر اللطيف، في أحد المرات خرج ولم أشعر به لكن أقنعته أنني "سوبر مان" واتخفى حتى أقبض على الأشرار لذا لم يكشف هاويتي لهم، أوه كم أحب براءة الأطفال!

على الرغم من قرب المسافة إلا إن الصوت مازال بعيد، لا يوجد معي سوى مقطع واحد وهو الذي بعثته لي بصوتها الواضح وأنا لن أطلب منها ذلك مجددًا فقد كانت في لحظة ضعف عندما بعثته لي، كانت خائفة عليَّ حتى لا أؤذي حالي، ربما ظنت أن هذا الابتهال ربما ينقذ حياتي، وهذا صحيح.

نعم، لم أتطرق لما حدث معي عقب مقطع السفاح، فقد كنت أشعر بالحزن، ماليكا تمت خطبتها، وليو لم يكن يرغب في الحياة، فأنا كنت ابقيه بالداخل حتى لا يرى وحشة العالم حوله وماليكا ايقظته من جديد بحبها، عاد الألم دفعة واحدة، شعرت بكل شيء حدث معي في السنوات السابقة، عادت لي الكوابيس من جديد، لهذا كنت أحافظ عليه بالداخل، أمنع مشاعري.

الحب ممنوع
الصراخ ممنوع.
البكاء ممنوع.
الأنهيار ممنوع.
الشفقة ممنوعة.
الاعتذار ممنوع، أنوبيس لا يعتذر.
جميع المشاعر ممنوعة أنوبيس.

هذا ما ردده الحاوي على مسمعي طوال السنوات اللآتي كان بها مدربي، حاول سلخ المشاعر من فوق جلدي كما تُسلخ الشاة، سابقًا كان ليو يتمسك بالحياة من أجل غزل، وهي قتلته وقتلت كل شعور داخله، صار كل شيء عاديًا لم يترك أي شيء أسمعه تأثيرًا داخلي، أذعنت لحديث حاوي، لكن ماليكا أحيت ليو من جديد، يؤآمن الفراعنة بالبعث بعد الموت كان هذا مجرد هُراء حتى بُعثت من جديد، ليس كل البعث بالطريقة التي أظنها، سحقًا لكِ ماليكا.

لقد كنت على وشك الإنتحار من جديد بعدما شعرت أن العالم مؤلم للغاية لكن وجدت حالي أمسك هاتفي وأرسل لها تلك الرسالة، لقد تمسكت بالشيء الوحيد الذي دائمًا يُنير طريقي ويخفف عني الهم. 

يجب أن اخبر أمي حتى تهبط، فأنا أكره هذا المنزل البغيض بقدر كرهي لمالكه. ترى هل هو بالداخل؟
لما لا أهبط وانتزع قلبه وأصنع منه حساءً أقدمه لها على العشاء، ستكون فكرة رائعة للغاية، لكن ماذا يمكن أن أطبخ بجانبه؟

يمكن أن أصنع أرز لا، لا، سأصنع بطاطا مهروسة وبعض الخضار، لا، ما هذه الفكرة السيئة! أن قلبه سوف يُفسد الطعام، إنه أسود وبلا طعم، يمكنني أن استخدمه للصباغة، حسنًا هذه فكرة جيدة سأنتزع قلبه وأصبغ به سترة لأمي حتى ترتديها على العشاء قبل أن أغرس سيفي في قلبها.

"أنوبيس، أمي تحبني، إنها فقط مريضة لكن تحبني"

نعم، حسنًا لقد أخبرتك إنها تحبك عندما كانت على وشك تقبيلة القبلة الأخيرة، وأنت داهمتك نوبة هلع! أتعلم من بين جميع البشر لم أرى بحياتي أحد معدوم الكرامة بقدرك!

أخرجت من جيبي لوح شكولاتة ممزوج بحبوب القهوة ثم دسست قطعة في فمي بتلذذ، فشعرت بنكهة الشوكولاتة الداكنة وقرمشت قطع القهوة المريرة المحببة التي انتشرت داخل جميع براعم التذوق، ثم أخرجت هاتفي وبحثت عن صورة ماليكا لإنه هذه الشكولاتة الداكنة تذكرني بُحبها.

ليتني بقيت بجانبك لكن معاد إنتهاء العمل البغيض الذي يشبه حكم الإعدام قد أتى، فأنا كل يوم أذهب حتى أراكِ وفي نهاية اليوم يضعوا حبل المشنقة حول رقبتي ليعلن عن إنتهاء وقت السعادة بدأ وقت الموت.

حسنًا، بعدما اعلنت ماليكا زوجة مستقبلية لي بسبب ما حدث من قبل، صرت أتبادل أنا ورائف ونيلان حمايتها فبعض الأيام أبيت أسفل منزلها بالسيارة، لكنه غير كافي فهي مازالت بعيدة عني، أوه! لقد جائتني خاطرة الآن، لذا فتحت صفحتي الشخصية وكتبت ما بُعثر فوق صفحات ذهني.

⟪ حُبك مثل الشوكولاتة الممزوجة بحبات القهوة، مُر لكنه يرفع هرمون الدوبامين الخاص بالسعادة، لكن للأسف يتلاشى تأثيره عنّي بمجرد بُعدك ⟫

نشرتها وانتظرت دقيقة، سحقًا، لقد شاهدتها بالفعل وكأنها تجلس تراقب حسابي، لكنها لن تعلق كعادتها ولا حتى ستضغط زر الإعجاب، شكرًا لك أخي "بكر" على هذا التطبيق فلولاه لما علمت إنها تراقبني؛ ضغطت على صفحتها فظهر لي آخر منشور انزلته منذ عشرة دقائق.

" أحيانًا يختلط عليَّ الأمر فلا استطيع التفرقة بين هل أحلم أم هذه حياتي؟ فأنا بين يوم ليلة تم القاء بي بين جدران السرايا الصفراء "

ضحكت بخفة ضحكة ممتزجة بالألم عندما تذكرت ما حدث فقد اتصل بي شمس الزناتي عقب قص حكايتي على مسمعها، فرددت عليه وفتحت مكبر الصوت حتى يتسنى لنيلان الإستماع لما سيقوله بعدما تبادلنا نظرات الدهشة، فلماذا سيتصل بي شمس؟


- حبي، أنا عامل مهرجان النهاردة اسمه ملوك الجحيم ولازم تيجي، علشان عندي ليك مفاجأة.

- إيه هتقتلني؟


قلتها بنبرة باردة تحمل السخرية بين طياتها تعقيبًا على حديثه الذي خرج بنبرة حماسية بعيون تبرق من الشغف رأيتها تشع منه على الرغم من إنه ليس أمام عيني بينما ظهر التخبط على وجه ماليكا الممتزج بالأمتعاض منه، فهي تخاف منه وهذا واضح للغاية، حسنًا هذه مشكلة يجب حلها في المستقبل.

- هديك جائزة أفـضـل قـاتـل السنادي، الحقيقة أنا مبهور بيك، إنت تغيب تغيب وترجع بمواجهات ضرب نار.

- الحاوي هيستلمها مكاني، شكرًا لإهتمامك بموهبتي، عقبال ما استلم جائزة مواجهتي ضدك.


قلتها بنبرة جامدة قبل أن أغلق في وجهه تعقيبًا على حديثه الذي خرج بدرامية وهو يشدد على الكلمات لا أعلم أي جنون سيحدث اليوم لكن لم استفسر عن الأمر بسبب جحوظ عيون ماليكا بسبب حديثه عن جائزة أفضل قاتل؟

تبًا، جائزة أفضل قاتل!
تبًا ماليكا، تبًا لحياتك ماليكا ولأختيارتك البغيضة.

استطعت قراءتها في عيناها على الرغم من صمت شفتاها، سحقًا لك شمس، سحقًا لك، هل كان ينقصني شيء لتؤكد عليها كم أنا مسخ بشع بقرون؟!

بحثت عن مقطع على هاتفي أحتاجه الآن وبشدة، ظهرت أمامي صورتي عندما كان عمري شهور تقريبًا ويجلس بجانبي أبي يلعب معي فوق الأريكة بينما تجلس أمي على المقعد بالناحية الأخرى تقرأ شيء ما، كانت تبدو جميلة بقصة شعرها القصير، أعطاني أبي سالم واحدة من البسكويت من نوع "الكوكيز"  فأمسكتها بكفاي الاثنين وأنا أشعر وكأنني على وشك الرقص من السعادة ثم وضعت جزء منها في فمي على الفور.

نهض أبي من مجلسه وأختفى من الصورة بينما تابعته أنا بنظراتي التي تحولت للحزن الممتزج بالخوف والرهبة لكن انتبهت لأمي التي تجلس على قرب مني فعدت لآكل البسكويت من جديد أنتظر عودة أبي بينما انتبهت أمي لخروج أبي ونظرت ناحيتي حيث أجلس بمفردي على الأريكة قبل أن تنتفض من مجلسها وتنتقل لتجلس فوق الأريكة بجانبي وهي تبتسم لي بسمة مطمئنة لرؤيتها القلق داخل مقلتاي، لقد تركني أبي!

أخرجت البسكوتة من فمي ببراءة طفولية تناسب سني في ذلك الوقت ثم قسمت منها جزء بقدر قوتي الضعيفة ومدتت يدي بها لأمي فأنا معتاد على المشاركة، ضحكت بخفة وأخذتها مني بسعادة وأكلتها بتلقائية دون أن تعبأ إنها كانت بفمي بالفعل فأنا كنت صغير للغاية على المضغ.

- سالم جي.

قالتها أمي بنبرة هادئة تعقيبًا على حديثي المغمغم بكلمات لم افهمها شخصيًا لكن هي فهمت أنني أسال عن أبي سالم، فحركت رأسي بالموافقة ورضى أثناء انتظاري لأبي حتى يعود ثم حدثها ليو الصغير من جديد وهو يشير ناحية الطاولة، فالتقطت أمي كوب الحليب من فوقها ووضعته أمامي.

ضحك ليو الصغير ضحكة طفولية سعيدة معتادة وكأنه امتلك العالم قبل أن يضع كفه القابض على قطعة البسكويت داخل الكوب بأكملها مما أدى لسكب الحليب فوق الأريكة وعلى ملابسه لكنه لم يعبأ وأخرج يده ناحية فمه أثناء تحريكه لجسده كأنه يرقص، فضحكت أمي عاليًا وهي تحرك رأسها بدون تصديق على ما أفعله ثم وضعت الكوب جانبًا وطرقت على قدمها أثناء غنائها لي بينما رقصتُ بمرح.

- وطبلي على الدربكة كمان، هرقصلك زي بديعة زمــــان.

- طبيلي على الدربكة كمان، آه آه.


خرجت هذه من أبي سالم الذي دلف وهو يطرق على دف أثناء غنائه ثم سحب أمي ليرقصا سويًا على غنائه وَسط ضحكاتي التي ارتفعت وأنا أشاهدهما.

- آه! أنا لسه محميه.

قالها أبي بعدما نظر لي بتمعن ووقع فوق الأرض متظاهرًا بفقدان وعيه مما أدى لارتفاع ضحكات أمي عليه، فنظر لها أبي بسخط ثم نهض من مجلسه وهتف بنبرة متهمكة:

- إنتِ اللي ادتيلو اللبن يبقى تحميه معايا تاني.

تجمدت أمي لثواني بينما بدأ عقلها بالتلاعب بها ليتلبسها الخوف لكن أبي سحبها من كفها بعدما حملني وصعد بي الغرفة ومنها إلى المرحاض بينما تمشي أمي شيرين خلفهما بالكاميرا بعدما التقطتها من المكان الذي خبئتها به حيث تم ترتيب الأمر فهذا كله اختبار لأمي.

خلع أبي ملابسي وبدأ في تحميمي من جديد وأمي ساعدته في سكب الماء فوق جسدي تحت إرشادات أبي ثم احضرت المنشفة وأخرجت لي ملابس بينما البسني أبي كما يفعل دائمًا قبل أن ينتهي المقطع.

أتعلمون لماذا حدث كل ذلك؟ لماذا يختبروا أمي؟

منذ ولادتي وأمي لم تقترب مني مطلقًا، لا تتعامل معي ولا تلمسني تعتبرني جرثوم تخاف لمسه حتى لا تمتلئ بالبكتريا وتمرض وكان هذا اختبار لها حتى يشاهدوا رد فعلها إذا اضطرت للتعامل معي، هل ستتركني؟

منذ ذلك اليوم الذي ولدت به تتعامل معي من بعيد، تراقبني بعيناها وأنا بعيد عنها، لم تحتضنني قط، لم تلمس سوى كفي فقط، وعندما تشعر إنها ترغب في اخباري إنها تحبني كانت تداعب شعري بكفها.

لم تكن لي أمًا قط فكانت دائمًا تأتي في المركز الثالث بعد أمي شيرين وأمي دهب، فعندما عادت من الكشف عقب ولادتي رفضت تقبل كونها أمي، فأخذتني أمي "دهب" وأهتمت بي رفقة فارس وكأنها انجبت توأم ففارس أخي بالرضاعة، لكن بعد أسبوعين من ولدتي طفح كيل جدي سياف من أفعال أمي التي لا تعلم شيء عن الأمومة بهذه اللحظة، فهو لا يستوعب كيف لأم أن ترفض لمس ابنها؟

- خد ابنك وخلي مراتك تبطل دلع.

قالها جدي سيّاف بنبرة جامدة وهو يأخذني من بين ذراعي أمي دهب ويضعني بين ذراعي أبي ثم هتف بنبرة محذرة إلى أمي دهب لإنه يعلم ما الذي سيحدث بالمساء:

- أقسم بالله يا دهب لو الواد ده بات في أوضتك ما هيحصل طيب، مش كفاية متجوز بنت اللي قتل أخويا، لا كمان مش عايزة تقوم بواجبها كأم!

تنهد أبي بعمق وصعد بي غرفته حتى لا تحدث مشاكل أكثر من ذلك حيث كان عمي هارون مسافر رفقة أمي شيرين وهو الوحيد الذي يمكنه التفاهم مع جدي سيّاف، وأصبح هو من يهتم بي في المساء حيث أظل مستيقظ طوال الليل بينما تبكي أمي بجانبي عجزًا، لكن في الصباح تأخذني أمي دهب من جديد حيث يكون جدي سيّاف بالعمل وأبي كذلك.


_ إيه ده؟

قالها عمي هارون بنبرة مستنكرة عندما طرق أبي باب غرفته مساءً في يوم عودته من السفر ثم وضعني بين ذراعيه على عجالة قبل أن يستوعب عمي ما يحدث، فقال أبي ببساطة وهو يرفع كتفه للأعلى:

- عايز أنام بقالي اسبوع منمتش، أصله عايز أمه.

- حد قالك اني أمه؟!


قالها عمي هارون بنبرة عالية من الدهشة التي احتلت قسمات وجهه وجمدته لبرهة وهو ينظر للحقيبة التي علقها أبي في كتفه والتي تحتوي على أشيائي الخاصة، فضحك أبي بخفة ثم قال بنبرة مازحة:

- فيك من حنانها.

- بطل استهبال، أنا لسه راجع، إنت معندكش دم؟


قالها عمي هارون بنبرة متهكمة بعدما أخرج صوت ساخر من فمه وهدى عقله أخيرًا لما يحاول أبي حشره به، فضحك أبي بهزل وهو يضع كفه فوق كتف أخيه قبل أن يقول بنبرة وقحة:

- لا معنديش، إنت فاكرني هقولك عندي وكده، بعدين وطي صوتك عمي هيسمعنا .. متنساش ترضع الواد يا هارون.

هتف بآخر جملة وهو يركض للأعلى من أمامه حتى لا يعطيه فرصة للنجاة من المصيبة التي أوقعها فوق كاهله، تنهد عمي هارون بعمق ثم طبع قبلة فوق جبهتي واستدار أثناء شرود تفكيره بشيء ما ليخبر به زوجته التي لم يمر سوى أسبوعين على زواجهما وها هو يعطيها طفل صغير!

- أوه، إنه جميل للغاية، قلبي لا يستطيع تحمل كل هذا اللطف هارون.

قالتها أمي شيرين بنبرة متلهفة وهي تحملني من بين ذراعي زوجها بحماس بعدما برقت عينها بوميض لامع وكأن لعنة أصابتها، لتبدأ دورها كأم لي من تلك اللحظة، ومنذ ذلك اليوم وأنا انتقل بين غرفة أبي وعمي هارون، لم تاخذ أمي دورها أبدًا طوال حياتي؛ في أحد المرات وأنا في السادسة عندما كان أبي مسافر، استيقظت من نومي بفزع فقد حلمت حلم سيئ خاص بأبي، فأمسكت كف فارس وذهبنا إلى غرفة أمي حتى أنام بجانبها.

- الراجل مش بيخاف يا ليو، مش إنت راجل؟ خليك شجاع ونام في أوضتك.

هتفت بها أمي بنبرة هادئة وهي تبعثر خصلات شعري بكفها المرتعش فقد كانت تشعر بالرعب فأنا على وشك النوم داخل حضنها لكن عقلي الصغير لم يستوعب مرضها واضطرابها بعد موت أختي فداخلها يصدق أنني قتلت أختي داخل أحشائها، فخرجت من الغرفة بهالة سوداء قاتمة من الحزن تلبستني، لم أستطع النوم ليس من الخوف لكن من الحزن فقد ظننت انها ستأخذني بين ذراعيها وتطمئنني لكنها لم تفعل.

هل أخبركم سرًا؟
في الحقيقة أنا لم أذهب إليها لأنني خائف، فقد فكان يمكنني الذهاب لعمي هارون ببساطة كما أفعل طوال الأسبوع لأن قلبي يطمئن بقربه، لكن كنت أرغب بشدة في عناق منها، هي لم تحتضنني قط ولا مرة في حياتي، فعقلي الصغير ترجم ذلك إنها لا تحبني.

- ماما بتحبك بس هي مش بتعرف تعبر عن الحب زينا، يعني لما بتلعب في شعرك كدا، بتقولك بحبك يا ليو.

قالها أبي بنبرة هادئة رزينة وهو يبعثر خصلات شعري السوداء التي تشبه خاصة أمي عندما أخبرته إنها لا تُحبني عندما سألني عن سبب حزني، فأبي يشعر بي دون حديث ولم أكن أخفي شيء عنه فهو صديقي المقرب، نحن نخبر بعضنا البعض كل شيء حدث في نهاية اليوم عندما يضع رأسه فوق قدمي أو أضع أنا رأسي فوق صدره أسمع صوت نبضات قلبه المحببة لقلبي، فشعرت بالسعادة من جديد بعد حديثه خصوصًا إنه في المساء جعلني أنام بغرفته وتعمد أن يجعلني شبه ملتصق بأمي وهي لم تصدر أي رد فعل يدل عن النفور حيث إن أمي تتحول كليًا عندما تكون رفقة أبي، تصبح بحالة جيدة فقط معه وكأنه الترياق الخاص بمعاونتها على التعامل مع العالم.

هل شعرتم بالشفقة لأجلي؟
لا تفعلوا فقد كنت طفل سعيد للغاية، حسنًا كنت أريد حضن أمي لكن كنت اتفهم مرضها كما كان لدي الكثير من الأمهات، ماما شيرين وماما دهب وماما داليا -والتي تكون أمي بالرضاعة كذلك- جميعهن يؤدين دور الأم على أكمل وجه، من احتضان، قبلات، وحكايات قبل النوم.

ماما دهب كانت تحكي لنا كل يوم حكاية جيدة ذات مخزى لنصبح فتيان صالحين وكأنها سوف تنقذ مصيرنا المكتوب بالحكايات!
لكن المفضلة لديَّ حكايات أمي شيرين فكانت تختلق حكايات خيالية أبطالها أبائي، كنت استمتع بها بشدة، وهذا كان ليلة الجمعة عندما يأتي باسل ويعقوب وداغر الوغد لنبيت سويًا فهم يقطنوا في الجهة الأخرى من المنزل داخل مبنى المامبا لأننا الخمسة أخوة مقربين.

هبطت من السيارة عندما رأيت أمي تخرج من المنزل فعلمت إنها رأتني بالأسفل من خلال الشرفة حيث كانت تنتظرني، ابتسمت باتساع وأنا أنظر إلى هيئتها حيث ارتدت فستان باللون الأخضر مصنوع من القماش الثقيل يصل إلى الكعب ويقبع بالمنتصف حزام عريض، حذاء ذو كعب عال باللون الأسود، وترتدي العقد البغيض الذي أكرهه بينما تترك غرتها لتغطي منطقة جبهتها فتظهر في شكل لطيف بقصتها القصيرة بعدما طالت خصلاتها بشكل لطيف، كما ترسم عيونها بالكحل العربي على الطريقة الفرعونية فتبدو مثل ما يقول أبي بالضبط:

" ملكة فرعونية هربت من مقبرتها لتنزل لعنتها على عقلي وقلبي ويصير بين قبضتها "

- ما كل هذا الجمال يا مولاتي؟

قلتها بنبرة متغزلة وأنا أمد يدي لها بالسلام، فعانقت كفي بخاصتها الدافئ الحنون، أطلت السلام فقد حُرمت من لمسة أمي لسنوات عديدة ثم انحنيت وطبعت قبلة هادئة فوق ظهر كفها بلطف، شعرت بكفها يرتعش قليلًا وكأن صاعقة اصابتها من الداخل، حسنًا هذا يسعدني.

" سحقًا أنوبيس لا يجب أن تفعل ذلك بأمي، لا توترها إنها ليست جاهزة بعد! "


_ أُصبح جميلة فقط عندما تقع عيونك عليَّ أيها القائد، فجمالك مُعدي.

قالتها أمي بنبرة رزينة تليق بملكة مثلها وهي تبتسم بسعادة تقفز من مقلتيها جعلت قلبي ينبض بتناغم راقص، إنها تسعد عندما تكون بقربي!

شعرت بالألم بمنتصف حلقي عندما داهمتني الغصة، فأنا أرغب بالبكاء الآن، ليو هو الذي يرغب فقد انتظر تلك النظرة طوال حياته لذا حمحمت بخشونة حتى أسيطر على المشاعر التي داهمتني ثم ضحكت بخفة حيث ذكرني الإحساس بهرمونات عاليا؛ فتحت لها الباب مثل النبلاء، انتظرتها حتى تصعد ثم أغلقت الباب وتحركت لأجلس بمقعد السائق.

أمسكت هاتفها ووصلته بالمسجل ثم بحثت عن أغنية ما قبل أن يصدح صوت أبي مغني "الروك أند رول" بأغنية رومانسية كان يقصدها بكل كلمة بها، فأمي تحيا على تلك الأغاني، ابتسمت بهدوء قبل أن تتلاشى ابتسامتي بترو عندما وقع بصري على هذا العقد البغيض من جديد، عقد فرعوني باللون الذهبي الممتزج بالأسود مرصع بلآلئ خضراء ويقبع بالمنتصف قط أسود اللون، أكره هذا العقد بقدر حبي لأبي.

اتعلمون لماذا أكره هذا العقد؟

في صغري كانت لُعبتي المفضلة هي "عسكر وحرامي" لكنني طورتها كعادتي التي تحب المغامرة والتجديد، فكنا نقيم فريقين واحد يرتدي ملابس خاصة بالشرطة وفريق يرتدي ملابس خاصة باللصوص، ثم نقوم بوضع خطة لسرقة شيء من القصر وتبدأ اللعبة بتنفيذ الخطة.

كنت أهوى لعب دور الضابط قائد الفريق وداغر يلعب دور اللص الزعيم، لكن فارس كذلك يحب لعب دور اللص، فكنت وداغر نتبادل الأدوار من أجله فطالما سألعب دور اللص يجب أن أكون الزعيم، زعيم العصابة، فأنا لا أحب الأدوار الثانوية لذا أنا من سيصبح الملك، لكن هذا ليس موضوعنا الآن.

لماذا لا يلعب فارس في فريق داغر؟

لأنني وفارس لا نفترق أبدًا فهو نصف روحي، احتياجي له مثل احتياج الحوت الأزرق للمياه، إذا خرج منها ينقطع أنفاسه.

كنت ألعب دور اللص الزعيم ويتم الإمساك بي في بداية الجولة، نعم! الزعيم يُقبض عليه أولًا!

كان داغر رأس الأفعى يركض خلفي بسبب تنافسنا الدائم وهو أسرع مني في الركض لذا يمسك بي سريعًا، أو الخيار الآخر هو عندما يمسك فارس كفي أثناء الركض ويقوم "بسحلي"، لا أمزح إنه أسرع من الجميع، في بادئ الأمر يسحبني ثم يبدأ مرحلة "الجرجرة" حيث أقع وأنهض وبعد ذلك تأتي مرحلة السحل حيث أقع ولا أنهض لكنه يستمر في الركض وهو ممسك بكفي وأنا أقبل الأرض.

- أبوس أيدك سيبهم يمسكوني.

أقولها دائمًا عندما يبدأ جسدي يأن من الألم وتنقطع أنفاسي، لكن هيهات، لا يتركني حتى نصبح ببر الأمان ونفوز كالعادة، فهو الشخص الذي يحمل المسروقات دائمًا وكما أخبرتكم إنه أسرع من الجميع.

ماذا كنا نسرق؟

هنا يمكن أساس كُرهي لذلك العقد، جدتي جلنار -حرقها الله في جحيمه-  كانت ترفض دلوفي لغرفتها لأنني مشاغب وهي تخاف على الأشياء القيمة التي تملئ غرفتها، مما خلق الدافع الشديد داخلي لجعل غرفتها الهدف الأول لعمليات السرقة، حيث يقوم فريق اللصوص بسرقة أحد الأشياء القيمة من غرفتها واللعب بها وعند الإنتهاء نعيدها من جديد دون أن تشعر بذلك، كنت استخدم ذلك الأسلوب كنوع من التمرد عليها.

في أحد المرات سرقنا ذلك العقد والذي يكون عقد عائلة الجابري المتوارث فهو عقد فرعوني قديم، وأثناء ركض فارس به إلى منزل الأمان والذي يكون منزل خشبي مبني فوق شجرة ضخمة، وقع منه العقد ولم يعلم ذلك، بحثنا عن ذلك العقد البغيض في كل أنحاء الحديقة لكن لم يفسر بحثنا عن شيء.

عمي هارون، هذا أول اسم فكرنا به بالطبع عندما يأسنا من إيجاد العقد فهو حافط أسرار جميع مصائبنا، فبدأ البحث معنا بهدوء في نفس الوقت الذي علمت به جدتي بفقدان العقد وقلبت القصر رأسًا على عقب، ثم اتهمت إحدى العاملات بسرقته، فعاد عمي هارون ودافع عن العاملة ببسالة حتى لا يتم ظلمها.

- اعترف بغلطتك ليو.

قالها أبي بعينيه وليس بلسانه وهو يثبت نظرته الحازمة بي حيث فهم الأمر بعدما لاحظ الصمت الذي تلبسنا على غير العادة حيث نكث داغر رأسه للأسفل بينما أنا بدأت بمضغ شفتي السفلية من التوتر.

- نانا أنا آسف، أنا اللي ضيعت العقد في الجنينة.

قلتها بنبرة ندامة وأنا أطرق رأسي للأسفل بعدما تقدمت منها خطوة ثم ابتلعت ريقي بصعوبة بسبب حلقي الذي جف وصار ينغزني كأشواك الصبار قبل أن أبدأ في قص عليها حقيقة الأمر بالكامل، ثارت جدتي عندما سمعت حقيقة لعبنا بأشيائها الثمينة، واندفعت تجاهي بوجه يتوهج من الغضب وهي ترفع يديها للأعلى في نية منها لصفع وجهي

- أقسم بالله لو مديتي أيدك لأقطعها.

قالها عمي هارون بنبرة عالية حادة مهددة بعدما أمسك كف جدتي التي كانت على وشك صفعي ثم دفعها للخلف مما أدى لفقدانها التوازن ووقوعها على الأرض بعنف متناسيًا عمرها حيث إنه يحتقرها طوال حياته لإنها السبب في قتل أمه وأبيه، بينما نهضت جدتي من فوق الأرض بمساعدة أمي التي نظرت لعمي هارون بسهام قاتلة ونار متأججة انبعثت منها.


- ينفع اللي حصل ده؟! مفيش لعب اللعبة دي تاني لمدة شهر، كل واحد على أوضته.

هدر بها عمي قاسم بنبرة صارخة في وجهنا متدخلًا في الأمر قبل أن ينشب شجار بين أمي وعمي هارون ويقع أبي في موقف لا يحسد عليه، ثم غمز لنا من خلف ظهر الجميع حتى نفهم إنه يمزح ولا نحزن بشأن صراخه في وجهنا بتلك الطريقة، فهو لا يتعامل معنا هكذا لكن العقاب لم يعجب جدتي ورأت إنه غير كافي.

- لو ملقتش العقد مش هسامحك أبدًا في حياتي علشان إنت طفل مـخادع، شيـطان، وهتتحـرق في الجحيـم وهتفضل تعيط وتصرخ ومحدش هيجي ينقذك.

قالتها جدتي بنبرة صارخة في وجهي جعلت قلبي يرتج من الخوف داخلي وكأن بناية قُصفت بداخلي، وتردد صوتها داخل رأسي كزئير جميع أشباح فارس الوهمية، ركضت للخارج من جديد لأبحث عن القعد رفقة الجميع حتى وجدته،  لكنها لم تسامحني على الرغم من تكراري الأعتذار أكثر من مرة، فركضت لغرفتي جلست في الزاوية ضممت ركبتي لصدري وأحطتها بذراعي ثم انفجرت في البكاء من الخوف بينما تصاعدت خفقات قلبي بقوة، فقد صدقت حديثها بشأن ذهابي للجحيم.

سحقًا لكِ جدتي جلنار، وكأنك كنتِ تربينني على أن أصبح محفظ قرآن بالمسجد!
لن أسامحك على دموع ليو الصغير، سنتقابل في الجحيم ووقتها لن أرحم أحد.


_ البقاء لله يا جماعة.

قالها الطبيب بنبرة هادئة يغلفها الحزن بعد شهر من تلك الواقعة حيث مرضت جدتي بعد أسبوعين والآن ماتت بسبب ضعف عضلة قلبها، نعم، جدي سياف قتلها.

لقد قتلها بالأدوية الطبية فقد رأيته يضع دواء ما إلى محتوايات حاوية الطعام التي كانت في طريقها لغرفتها لكن عقلي الصغير لم يفهم الأمر بهذه الطريقة فقد فسرت ذلك عندما كبرت حيث علمت لماذا؟

فقد رأيت الرعب لأول مرة في عيون جدي سيّاف تلك الليلة عندما دفع عمي هارون جدتي جلنار، لقد ارتعب من فكرة أن يتشاجر أبي وعمي هارون، أن يبتعد أبي عن العائلة لذا تخلص منها لأنها أساس كل المصائب حيث إنه رأى قالب أمي الحقيقي، فهي ضعيفة وهاشة دون سالم، وعندما تبتعد تلك الحية عنها سوف يسود السلام في المنزل.

ليو الصغير صدق بالفعل إنها ماتت نتيجة المرض وحزنت بشدة وقتها، ليس لأنني أحبها فهي لم تسقي بذرة حبها داخلي ولو بقطرة ماء واحدة لكن لأنها ماتت قبل أن تسامحني، فقد جلست بغرفتي طوال الوقت وتخيلت أبواب الجحيم كلها تفتح على مصرعيها أمامي ويصدح منها أصوات مرهبة جميعها تدعوني كي أنضم للأشخاص السيئين وأحترق ثم أصرخ وأصرخ وأصرخ ولن أجد أحد لكي يساعدني.

وفي المساء عندما عاد الجميع عقب دفن جسدها الذي سيصبح طعام للديدان التي تتوق كي تنهشه كما أتوق أنا كذلك، ثم تركني فارس الذي كان يحتضنني طوال الوقت ودلف المرحاض تسللت لخارج القصر حتى أذهب لرؤيتها بعدما داهمتني فكرة طفولية بسبب أعوامي السبعة حيث صدقت إنها ربما تسامحني إذا ذهبت وطلبت منها السماح من جديد.

مشيت في الطريق المظلم الذي يشبه الصحراء حتى وصلت لمنطقة المقابر الخاصة بشعب مملكتنا حيث إنها قريبة من القصر مسافة نصف ساعة مشي على الأقدام، خطوت بخطوات مهتزة من الخوف بين القبور بينما يصدح صوت دقات قلبي عاليًا وأنا أقرأ الأسماء فوق شواهد القبور المختلفة "عائلة الجابري" قرأتها فوق مساحة واسعة من الأرض المربعة والمحاطة برخام أبيض اللون بينما تتناثر الزهور فوق المنطقة المخصصة لجدتي، تقدمت ناحية القبر ثم وضعت زهرة قطفتها من الحديقة وأنا أقول بنبرة مُحشرجة من أثر البكاء:

- نانا أنا آسف، ليو مش شيطان، ليو مش شرير، ليو مش مخادع، ليو طيب وبيحب كل الناس، ممكن تسامحي ليو؟

- بتقول إنها سامحت ليو، وكمان بتقول ليو ده ألطف حد في الدنيا.


قالها أبي سالم من خلفي بنبرة واثقة قبل أن يقترب مني ويحملني فوق ذراعه، ثم طبع قبلة فوق وجنتي بأنفاس لاهثة بينما شعرت بسرعة وتيرة خفق قلبه من خلال كفي الموضوع فوق صدره ناتجة عن ركضه المسافة خلفي حيث إنه علم باختفائي من فارس عندما خرج من المرحاض ولم يجدني ثم لحق بي، بالطبع لم أكن بمفردي فكان "سفن" يتبعني منذ البداية لكنه لا يُظهر حاله حتى لا أعلم بوجوده.

فأنا كنت أحب المغامرات والهرب خارج المنزل وعندما أعود أقص كل شيء على مسمع أبي ولأنه ذكي ولا يحب تقيد حركتي، تمالك النوبة القلبية التي كان على وشك الإصابة بها والفتك به من هرب ابنه ذو الستة أعوام الذي يكون حفيد واحد من أكبر زعماء المافيا والذي لديه أعداء بعدد شعر رأسه، ثم ابتسم لي بسمة منبهرة من حكايتي قبل أن يصفق بحماس وتركني لمغامراتي وروح الأستكشاف داخلي لكن وضع حارس فوق رأسي حتى يطمئن قلبه.

- أنت سمعت إزاي هي قالت؟

- قالت لماما قبل ما تروح عند ربنا إنها بتحب ليو أوي وإنها سامحته، بس ماما تعبانة دلوقتي ومقدرتش تقولك.


قالها أبي بنبرة هادئة وهو يمسح فوق ظهري برفق أثناء عودته للمنزل من جديد بخطوات سريعة حيث إنه ترك أمي بمفردها في تلك المحنة تعقيبًا على سؤالي الذي خرج بنبرة متشككة من ما قاله حيث أنني لم أسمعها، فشعرت بالراحة تعود لي من جديد حتى وصلت للمنزل وشعرت بالسعادة عندما أكدت أمي بصوت ضعيف مبحوح ما قاله أبي.

أعلم الآن أن الاثنان كاذبان فهي لم تفعل ذلك لكن وقتها شعرت أن جناحاي عادا لجسدي من جديد، فأنا كنت طائر حر لم يُسلم من قص جناحيه طوال حياته.

- ده عقد تيتا ليلى هتتبسط اوي إنكم هتلعبوا بيه.

قالها عمي هارون بنبرة سعيدة وهو يضع أمام نظراتنا عقد أمه "ليلى" المرصع في اليوم التالي لنلعب به بدلًا من مجوهرات جدتي بعدما شعروا أن حالتنا النفسية تحتاج إلى الأنقاذ، أخذنا منه العقد ونحن نطلق صيحات مرحة ثم عدنا للعبتنا المفضلة وشاركنا اللعب أبي وعمي هارون حيث لعب أبي دور اللص الزعيم بالطبع ولعب عمي دور الضابط.

______________ ︻╦デ╤━╼

هبطت من السيارة بعدما دلفت بها إلى بيت المزرعة الخاصة بنا، أحب هذا المكان إنه يدلف لروحي مباشرةً مثل ماليكا، تقريبًا زرعت معظم أشجاره بيدي رفقة أخي فارس وأبي، الفاكهة والخضار هنا لها طعم آخر يشبه حضن أبي سالم وأبي هارون.

أأخبركم سرًا؟
لا أعلم من أحب حضنه أكثر بينهما، فأنا كنت انتقل بينهما حتى عندما كنت صغير صورت لي أمي شيرين مقطع حيث وضعوني بالمنتصف ووقف أبي سالم من جهة وأبي هارون من جهة وكلًا منهما ردد اسمي لكي أذهب إليه، فتجمدت بالمنتصف ولم أعلم من اختار بينهما؟ فقد تشتت عقلي الصغير فكلما ذهبت لجهة عدت من جديد للآخر عندما يهتف باسمي حتى أنهى أبي سالم الأمرعندما أخرج من جيبه بسكوتة وأشار لي بها فزحفت ناحيته على الفور مقررًا أمري.

إذًا الحقيقة الأولى: أنا أحب الاثنين بنفس القدر، وإذا خسرت واحد منهما سوف أشعر بنفس الألم.

الحقيقة الثانية: أحب بسكويت "الكوكيز" أكثر من الاثنين!

هبطت من السيارة ثم ثنيت ذراعي بزاوية وأنا أميل بجسدي قليلًا ناحية أمي حتى تتأبط ذراعي، أعادت خصلات شعرها القصير للوراء كعادتها، فالآن صار لديها شعر حتى تُعيده من جديد، مدت ذراعها في المنطقة الفارغة وعانقت ذراعي بتوتر، مرحى هذا تقدم باهر ليو!

دلفت بها للمكان المخصص لتقضية الأمسية، لم أفعل الكثير فقط جهزت جلسة أرضية بسيطة كبساطة أمي، اخترت شجرة صغيرة علقت بها مصابيح قديمة من النوع الذي يحتوي على الشموع بالداخل وبالأسفل فردت مفرش منقوش بالزهور يطغى عليه اللون الأحمر، نثرت عدد من الوسائد، المزيد من المصابيح، وطاولة خشبية مستطيلة صغيرة يقبع فوقها أكلتنا المفضلة وهي: "البيتزا"

فقد جئت إلى هنا وحضرت كل شيء قبل أن أذهب إليها، أعددتها وتركتها فقط على الخبز، آمل من كل ذرة داخل قلبي أن الفتاة لم تُحرقها ولم تخرجها غير ناضجة، فقد بقيت أكثر من نصف ساعة أشرح لها التعليمات، حسنًا، لو حرقتها سأضعها بالفرن مكان البيتزا.

- مش كان هيبقى سينما ميد نايت وفشار بالكارميل؟

قالتها أمي بنبرة مازحة وهي تبتسم بسعادة بعدما جلست في الناحية الأخرى من الطاولة أمامي وبعثرت نظراتها على أجنحة الدجاج والبطاطس المقلية و البيتزا المصنوعة على شكل قلب، حمدًا لله لم تُحرقها فقد كنت سأحزن للغاية إذا وضعتها بالفرن فهي تصنع فطير لذيذ للغاية كما إنها لم تعلمني وصفة الفطائر على الطريقة الفلاحي بعد.

- لما أنت متعجلة بهذا الشكل جلالة الملكة؟ نحن بالكاد وصلنا.

قلتها بنبرة مراوغة وأنا أنظر لها وأعيد خصلاتي للوراء، فضحكت بخفة قبل أن تمد يدها وتمسك مثلث من البيتزا بأناملها حيث إنها غير متكلفة وبسيطة للغاية، قضمت منها بتلذذ بينما انفجر تعبير انبهار على وجهها وتوسعت مقلتيها ثم رفعت إصبع سبابتها دليل عن إنه جيد للغاية.

- كل الطعام له مذاق الخشب بفمي إن لم تصنعه أناملك الساحرة أيها القائد، لا أعلم أي لعنة القيتها عليَّ حتى أصبحت لا أحب الطعام إلا من يديك.

قالتها أمي بنبرة عاشقة وهي تنظر لي بحب يتقافز من مقلتيها بعدما انتهينا من تناول الطعام، شعرت بانحسار الدماء من أطرافي، حاولت جاهدًا رسم ابتسامة على وجهي وقد نجحت قبل أن أستأذن منها للنهوض حتى أجلب شيء من المطبخ.

ركضت للداخل حينما أشعرت بتقلص حجم رئتي، أشعر بصعوبة في التنفس، لا يمكن أن أصاب بنوبة هلع الآن!
لماذا فعلتي كل هذا بي يا أمي؟
لماذا استخدمتني كأداة انتقام؟
لماذا لم تري ليو يا أمي؟
أنا لم أفعل لكِ شيء، هل هذا جزائي علي كوني ابنًا جيدًا يحبك على الرغم من كل شيء؟
لماذا لم تحبيني أمي؟
لماذا؟

دلفت المرحاض وأفرغت كل ما تناولته دفعة واحدة حتى شعرت أنني على وشك تقيؤ معدتي، هذا يحدث كثيرًا، جلست على أرضية المرحاض الخزفية البيضاء في وضع الجنين بعدما انتهيت، شددت قبضتي على قدمي، تحركت يمينًا ويسارًا بينما شعرت باحتراق بغيض بحنجرتي وأنفي وطعم منفر أحتل فمي؛ كان يمكن أن أصبح بخير لو تركتني بحضن أبي يا أمي، ربما كان بأمكانه مداواة جروحي النازفة.

يمكنني أن أضع لها سمّ في المثلجات، أو يمكنني خنقها بحزامي من الخلف، لا يبدو السمّ أسهل وأقل سيكوباتية، لكن ليس معي سمًّا هل أبحث في حقيبتها عن واحد؟

" أنوبيس، أمي تحبني، أمي تحبني، إنها كانت في حالة صدمة، أبي أخبرني أن أُحافظ على أمي أنوبيس"

حسنًا يجب أن نخرج من ذلك اليوم، لقد سحبني بالداخل وابتلعني كأخطبوط ضخم، هذه هي أمي التي أحبها فقد عادت إليَّ من جديد أخيرًا فقد اشتقت لها بشدة، اشتقت لها حد الذوبان، نحن لم نتحدث منذ أن تزوجت الحاوي قبل أن يتم الهجوم عليها وأذهب حتى أنقذها، ليس بعد أن عادت، أمسكت يدي مجددًا، اخبرتني أنها تحبني، وصارت تسعد برؤيتي أفكر في هذا، يجب أن أتماسك.

أنا أنوبيس، أنا أنوبيس، أنا قوي لا، أنا الأقوى، أنا أحصل على كل شيء أريده. 

أمسكت هاتفي وضغطت على التطبيق الأزرق في نية مني لبعث رسالة إلى ماليكا لكن ضغطت على موضع صورتها حيث يظهر لون أخضر حول صورتها الدائرية لينبأ عن نشرها لحالة لها، ابتسمت على الفور عندما رأيت صورتها ترتدي ملابس على الطراز الفرعوني حيث ترتدي فستان أسود اللون ذو حزام عريض من المنتصف منقوش بكلمات فرعونية باللون الذهبي وكذلك من منطقة الرقبة بينما تضع فوق رأسها طوق ذهبي فرعوني وفي الأعلى تظهر شكل أفعى منه.

سرّعت عرض الصور التالية بسرعة دون أن أترك لها فرصة للتحميل حيث تظهر بها زوجات أخوتي رفقة ماليكا احترامًا لهم حيث إن الفستان ضيق إلى حدًا ما وهذه الحفلة خاصة بالفتيات، نعم!

بالتأكيد لا تعلم أنني أشاهد حالتها بشكل يومي فهي تحذف الرجال من الحالة لكن شكرًا أخي بكر لن أنسى لك هذا، حسنًا، اعلم أن اختراق هاتفها وضاعة لكن أقسم هي لا تنشر شيء لا يمكن رؤيته، كما أنني كنت أرغب بربط هاتفها بموقعي لأنني أخاف عليها، لا أعلم ماذا يمكن أن يحدث؟ فهي هنا ليست بأمان كامل، لكن بالطبع لم أشاهد صورها أو أقرأ رسائلها.

حسنًا، أنا كاذب لقد قرأت الرسائل بينها وبين عامر فقط، لكن أنا الآن بالطبع لا أشاهد شيء فقد ربطت موقع هاتفها وأضفتُ حالي لحالتها فقط ليس أكثر من ذلك، أنا لستُ هذا الحقير لكن قراءة رسائل عامر كانت أشبه بزرغودة خرجت من فم أنثى بعُرس داخل أذني، فقد ارتعبت من الحديث الذي يمكن أن يدور بينهما على الرغم من ثقتي الكاملة في ماليكا، لكن كان يجب أن أُهدأ نبضات قلبي.

خرج صوت ماليكا مؤدي لإبتهال في حالتها فأغلقت الهاتف على الفور، نهضت من فوق الأرض بعضلات تصرخ من الألم بسبب تجمد حركتي، فتحت الصنبور، غسلت وجهي ثم هندمت حالي وخرجت بسرعة، استللت هاتفي من جيبي حتى أسمع الإبتهال.

⟪ وهبت لكل الخلق برًا ورحمة وقد زدت في النعمة لمن زاد في الشكر.
ولم تنسى حتى الحوت في البحر ساربًا
ولا الطير في جو
ولا الوحش في قفر
لأنك أنت البر بالخلق كلهم
ومرشدهم للنور في ظلمة الكفر ⟫

الراحة، السكينة، الهدوء، ضربات قلبي.

هذا ما أشعر به في كل مرة أسمع صوتها، أغمضت عيني حتى تغرق روحي داخل بحور صوتها، تنهدت بعمق ثم تحركت للمطبخ جلبت المثلجات بنكهة المانجو المفضلة لدينا والتي صنعتها بواسطة ثمار المانجو من الشجرة التي سبق وزرعتها رفقة أبي منذ سنوات، هل أخبرتكم أن طعم هذه المانجو يشبه حضن أبي ؟

كلما تذوقتها شعرت بذراعه القوية حول جسدي، أشعر بأنفاسه تداعب وجنتي ورائحته الذكية تخترق أنفي، أبي، لا أعلم ماذا يوجد بعد الحب لكنني هناك معك.

عدت لها مجددًا حيث موضع جلوسها، ظهر القلق على وجهها واضحًا بينما تحرك قدمها بتوتر ملحوظ وتعلق نظراتها ناحية المطبخ، هل شعرت بي؟ هل ستضمني أخيرًا الآن؟

أمي أرجوكِ افعلي هذا، أنا في أمس الحاجة لعناقك، صالحي روحي أمي، أنا أسامحكِ لكن روحي مازلت تشعر بالألم، ربما بعناقكِ يندمل جرحها.

ابتسمت أمي ونهضت من فوق الأرض، أخذت المثلجات ومدت كفها بعثرت خصلات شعري برفق وهي تضحك بخفة، فأطلقتُ ضحكة خافتة أخيرًا بسبب السرور الذي دب بأوصالي بفعلتها المحببة لقلبي فهذه "أحبك ليو" بالنسبة لي، حسنًا يمكنني الإنتظار قليلًا على العناق، فهذه مرحلة متطورة للغاية وأنا لست متعجل.

- أمي، أنا أحبكِ.

- أنا لا أحب أحد بقدرك ليو، أقسم أنني أحيا لأنك هُنا.


قالتها بنبرة صادقة وهي تبعثر نظراتها على وجهي بطريقة لا تحدث كثيرًا فهي تتجنب النظر لي لأنني أشبه أبي حد التماثل حتى لا يبكي قلبها دماءً لأن الدموع لن تكفي مع الألم الذي يسكنه تعقيبًا على حديثي الذي خرج بنبرة حنونة وأنا أطعمها المثلجات بيدي كما تحب.

- حسنًا، ألا ترغبي في سؤالي عن شيء؟ تتعرفي عن ابنك.

- ليس لأنني لم أكن أمك بطريقة شيرين أنني لم أكن أمك، أنا أعلم عنك كل شيء ليو، أهتم بك دائمًا لكنك لم تراني.


قالتها أمي بنبرة واثقة، فنظرت لها بعيون ضيقة بدون تصديق وكأنني أُكذبها، ليس لأنني لا أصدقها بالفعل لكن لأنني أرغب في سماع ما تعلمه عني، روحي ترغب في لمس أهتمامها بي، رفعت كتفها للأعلى ثم خلعت حزائها وبدأت في المشي فوق العشب لاحظت أظافرها البيضاء الخالية من أي طلاء فتذكرت أبي.

نعم، أبي كان يضع لأمي طلاء أظافر في قدمها لإنها لا تعلم كيف تفعل ذلك، في أحد المرات عندما دلف أبي غرفة أمي حينما كنت متعلق برقبته من الخلف كالعادة وجدت أمي في حالة مذرية حيث بدى إنها تمنع حالها من البكاء من خلال عيونها الحمراء، بعثر أبي نظراته عليها وعلى زجاجة الطلاء جانبها ثم على قدمها التي صارت أصابعها بالكامل مطلية باللون الأحمر وكأنها دعست داخل حقل طماطم بعدما فشلت في طلي الأظافر فقط.

- أوة جلالة الملكة لماذا تتعبي حالك بذلك بينما أنا هنا موجود من أجلك؟

قالها أبي بنبرة دافئة حنونة وهو يقترب منها ثم أنزلني وخرج لبرهة ثم عاد من جديد يحمل مزيل طلاء وقطن، جلس قبلتها وبدأ في إزالة الطلاء القديم برفق قبل أن يضع طبقة جديدة متقنة فهو معتاد على ذلك حيث كانت أمي دهب فتاة مدللة تحب التدلل على أخيها.


_ لونك المفضل الأبيض لإنه يعبر عن السلام الذي تتوق روحك للمسه، حيوانك المفضل التنين لكنه خيالي والحصان وهذا نابع من سالم والأسد وهذا نابع من هارون، لكن حيوان ليو المفضل الحقيقي هو حوت الأوركا الأزرق وكنت تذهب في صغرك للنافورة  وتتمنى أن تتحول لحوت أوركا.

قالتها أمي بنبرة هادئة لتخرجني من شرودي لتشق وجنتي عن ابتسامة واسعة من ملاحظتها الأمر فكل ما قالته حقيقي، حيواني المفضل هو حوت الأوركا الأزرق، بالفعل وأنا صغير كنت أرغب في التحول لحوت أوركا حتى أسبح في الماء طوال الوقت، فأنا عاشق للبحر فكنت أذهب إلى النافورة ألقي أموال حتى تتحقق أمنيتي، كما أنني أحب الحصان لأنه حيوان أبي المفضل والأسد لأن عمي هارون مروض أسود مثل أبيه.

- رياضتك المفضلة المبارزة ثم السهام، لعبتك المفضلة عسكر وحرامي، وتحب لعب دور الضابط، لإنك كنت ترغب في أن تصبح ضابط شرطة، لكن أعلم بكل ذرة داخل قلبي إنك لم تكن لتشعر بالراحة أو السعادة من ذلك.

توقفتُ عن المشي ونظرت لها بتفسير حتى أعلم لماذا هي متأكدة من هذا الأمر؟ حيث أنني بالفعل كنت أرغب في أن أصبح ضابطًا، أطارد الفاسدين وانقذ العالم لكن حلمي تبخر عندما علمت أنني اللص، أنا الفاسد، أنا الذي يجب ملاحقته.

ليو لا يطير، ليو ليس بطلًا.

- إنت بتعمل كل حاجة بإبداع بتحب تمشي الدور للآخر، إزاي هتبقى ظابط وعيلتك مافيا؟ إزاي هتبقى الزعيم وفي نفس الوقت ظابط؟ مكنتش هتبقى مرتاح، أما هتسلم الكل أو هتسلم شارتك يا حضرت الظابط.

قالتها بنبرة حاولت صبغها بالمزاح وهي تعيد خصلات شعرها للخلف ثم بعثرت نظراتها على الأشجار حولنا وبرقت عيناها بوميض حنين باهت اللون يشبه الضوء الأصفر قبل أن تستطرد:

- لعبتك المفضلة الثانية القرصان، وكانت لعبة داغر المفضلة.

توقفت عن الحديث لتتمالك ضحكتها التي كادت أن تنفلت من فمها، فضحكت بخفة بسبب علمي ماذا تذكرت؟

جلب أبي لي ملابس قرصان في يوم ميلادي السابع في تمام الساعة الثانية عشرة من منتصف الليل، شعرت وقتها أنني على وشك الإنفجار من السعادة كبركان مصنوع من الشوكولاتة وجلست ساعتين جانب الملابس أفكر في ارتادئها وأفكر في سبب تأخر الشمس هكذا؟ ثم أتخذت قراري أخيرًا وارتديتها ثم وقفت أقفز من السعادة من هيئتي.

لا يوجد سفينة! كيف يمكن أن أصبح قرصان دون سفينة؟!

هتفت بها داخل عقلي ثم أمسكت كف فارس لإن أشباحه الوهمية تكون في أوج عنفوانها في الليل، ذهبت إلى غرفة أبي بعدما أتخذت قراري، فتحت الباب برفق ثم تسللت إلى الداخل على طرف أصابعي وكأنني لن أوقظه بالفعل.

- بابا ليو عايز سفينة، ممكن تبني سفينة في الجنينة؟ عايز ألعب قرصان.

هتفت بها بنبرة بريئة بعدما فتح أبي جفنيه ووقع بصره على وجهي الذي لا يظهر نصفه بسبب العصابة السوداء الكبيرة الموضوعة فوق عيني والتي أكلت نص وجهي معها، حسنًا، لا يمكنني وصف وجه أبي وقتها فكان على وشك الإصابة بأزمة قلبية من هول ما سمع، لكنه خرج من حالة التحول إلى جبل على وشك الانهيار على ضحكات أمي التي ارتفعت عاليًا على شكل وجهه.

- جائزة أفضل أب تتلاشى من أمامك.

هتفت بها أمي بنبرة مازحة فضحك أبي بخفة قبل أن ينهض من الفراش مع صدوح ضحكات أمي من جديد بسبب تقاسيم وجهه الباكي لكنه بالطبع لن يدع جائزة أفضل أب تتلاشى من بين يديه على الرغم من أنني أخبرته بأن ينتظر حتى الصباح عندما أفقتُ من حالة الإنتشاء التي تلبستني بسبب الزي، لكنه رفض ذلك، ثم أيقظ عمي هارون على الفور ثم جعله يوقظ عمي قاسم لإنه لو فعل لما خرج برأسه، إما بالنسبة لعمي صالح فالتفكير في الأمر أشبه بالإنتحار.

هل أخبرتكم أنني أحب أبي أكثر من أي شيء بالعالم؟


_ نوع القراءة المفضل الفانتازيا والرواية الأقرب لقلبك هي هاري بوتر، ليس لأنها الأقوى لكن هناك رابط سري داخلك بها، تنتظر هاجريد إن يأتي إليك يأخذك إلى عالم السحر، عالم السعادة فتصبح سعيدًا مثل هاري، تجد حالك مع من يشبهونك.

قالتها أمي بنبرة يغلفها الحزن بعدما عادت لتكملة حديثها عني، إنها تعلم الكثير بالفعل، تعلم الكثير داخلي، طوال حياتي لم أعلم إنها تشعر بما يحدث داخلي.

تقلصت المسافة بين حاجباي عندما ارتدت الحذاء على عجالة قبل أن تركض تجاه  الإسطبل الخاص بالخيل العربي، فرفعت حاجباي في حيرة حيث إن الخيل يذكرها بأبي فلم أتوقع إنها ستفعل ذلك؛ اقتربت أمي برفق ناحية الخيل "برق" ثم مسحت على جانبه الأسود الامع برفق وهي تتحدث معه بلطف حتى ترى رد فعله، ثم أخرجت قطعة من السكر ووضعتها في باطن كفها المنبسط أسفل موضع فمه، أنزل رأسه وتناوله من كفها برفق.

فتحت الباب بهدوء وهي تصدر صفير معتدل النبرة لتتحدث معه حتى لا يشعر بالخطر منها، اقتربت منه برفق ناحية اليمين، مسحت على ظهره ثم ثبتت اللجام برفق حول رأسه بعدما وضعت الشكيمة في فمه، أخرجت قطعة من السكر مجددًا واطعمته إياها حتى يعلم أن ما فعله شيء جيد، أمسكت اللجام وتحركت به للخارج وبتأني وهي تصدر صفير فتحرك معها، قطعة سكر من جديد.

ضحكت بخفة من اختيار أمي، بالطبع ستختار الحصان الأسود القوي الذي يظهرعليه العنفوان، إن "برق" صعب الترويض لكن فارس روضه من أجل شهد وهي نجحت في السيطرة عليه، ففارس خيّال عظيم، يعشق الخيل مثل أبي وبعث حب الخيل إلى قلب شهد كذلك.

تحركتُ تجاه "شهرزاد" مهرتي البيضاء الناصعة التي تشبه نقاء أختي شهرزاد التي سميتها على اسمها، أوه من شهرزاد؟

لاحقًا، لا داعي للسباب فكل شيء سيتم كشفه بعد قليل، لا مزيد من الأسرار.

مسحت على شعرها الأبيض ووضعت جبهتي فوق خاصتها لأخبرها إنني اشتقت لها كثيرًا، أخرجت قطعة من التفاح التي جلبتها، أطعمتها إياها وخرجت بها حتى الحق بأمي التي صعدت أخيرًا على ظهر "برق"، امتطيت شهرزاد بقفزة واحدة، ربت على ظهرها حيث أجلس دون سيرج، وقفت بجانب أمي ثم رفعت أصابعي لأعد حتى نبدأ السباق بإتفاق صامت بيننا.

انتشر الغبار مع صدح صوت حوافر الخيول تضرب الأرض بقوة في لحن يُسكر عقلي ويتركني منتشيًا من السعادة أثناء اندفاع الهواء لوجهي، تناثر خصلات شعري الأسود حول وجهي في غير انتظام، السكون، أغمضت عيني لأشعر أنني أطير مثل ما كان يفعل أبي معي.

وأنا صغير كنت ارغب امتلاك تنين، لا كنت احترق من تلك الرغبة كلهيب شمعة سحرية لا تنطفئ، جلست متكور على نفسي في زاوية الغرفة لمدة يوم كامل تقريبًا بسبب حزني لعدم قدرتي على امتلاك تنينًا، فقد أخبرتني أمي دهب أن التنانين موجودة فقط بالجنة وليست بالأرض لذا لا يمكننا شراء تنين لكن لأنني طفل جيد سأحصل على تنين في الجنة، لكن أنا أرغب في التنين الآن! وفي نهاية اليوم عندما عاد أبي حملني كعادته برفق وجاء بي إلى هنا.

- عارف إيه أجمل شيء في الخيال؟ لا حدود له، تخيل إنك راكب على ظهر تنين.

قالها أبي بنبرة حنونة وهو يضع عصابة فوق عيني لتمنع عني الرؤية ثم حملني وصعد بي على ظهر مهرته المفضلة التي تُدعى "نفرو"، شعرت بالهواء يلفح وجهي، جسدي يرتفع ويهبط من أثر القفزات، أطلقت لمخيلتي العنان وتخيلت حالي أطير فوق مدينة وأبحث عن اللصوص بينما أبي يلف ذراعه حول خصري حتى لا أقع، من وقتها كلما رغبت الطيران آتي إلى هنا كما أنني أصبح لديَّ تنين خيالي أخبرتكم عنه من قبل.

سمعت صوت ضربات حوافر برق تبتعد فعلمت إن أمي سبقتني، فتحت عيني بترو وضربت برفق ظهر شهرزاد بكعب حزائي، ضربه رقيقة لا تؤثر ولا تؤذي لكنها تحث على الإسراع مما أدت مهمتها لكن سرعتي لم تصل لمهارة أمي فهي خيّالة باهرة، في الأساس أبي أحب الخيول بسبب شعاع الضوء الذي ينبعث من عيون أمي كلما شاهدت خيل وقرر تعلم الفروسية والترويض.

انخفضت سرعة أمي بطريقة توحي بأنها غير مقصودة لكنه ليست كذلك حيث أعلم تمام العلم إنها تتركني أربح عن قصد، سحقًا أمي، هل أنا طفل في الخامسة؟ حسنًا ستندمين على ذلك!

- مبروك عليك الحكم أمي.

قلتها بنبرة حاولت أن تخرج مهللة ومنتصرة بعدما انتهى السباق بفوزي الكاذب بسبب تخلي أمي عن الفوز لأجلي مثل جميع الأمهات، رفعت كتفها للأعلى بلامبالاة وابتسمت بثقة قبل أن تتحرك في طريق العودة لمجلسنا السابق الذي حضره العاملين لمشاهدة فيلم في الخارج عن طريق جهاز العرض الآلي ( projector) وتجهيز المكان بحيث يمكننا التسطح أثناء المشاهدة عن طريق وضع وسائد كبيرة فوق الأرض، وشاشة مصنوع من القماش الأبيض ليتم انعكاس الصورة عليها.

جلبت سيف جدي من خلف الشجرة وسيفها حيث وضعتهم مسبقًا ثم تحركت خلفها ببطء حينما كانت تتفحص المكان بملامح تمتزج بالدهشة والسعادة المحلقة فوق رأسها كعصفوران، وضعت نصل السيف البارد على وتر رقبتها الذي ينبض من السرور بشكل ملحوظ ثم هتفت بنبرة جادة:

- استسلمي مولاتي الملكـ..

قاطعت جملتي عندما التفتت ناحيتي بجسدها، ضربتني في جانبي بواسطة مرفقها ثم عقبتها بضربة بقدمها في صدري مما أدى لوقوعي بصوت مكتوم للخلف فوق العشب، ثم رفعت رأسها بزهو من حالها مع شق وجنتها بابتسامة جانبية ماكرة قبل أن تقول بثقة:

- الرجال لا يهاجمون من الخلف أيها القائد.

استلت سيفها من جانبي وبحركة خاطفة هاجمتني بضربه، فصدح صوت تصادم نصل السيفان الذي جعل يدي ترتعش حيث شعرت بمس كهربائي مر عبر أوتاري بعدما صددت ضربتها بخاصتي قبل أن تفصل رأسي عن جسدي، ركضت أمي تجاه الشجرة وحملت سيفًا آخر لأنها تحب اللعب بالاثنين في نفس الوقت، طرقعت رقبتها وهي تثبت نظراتها بي أثناء نهوضي من فوق الأرض، حركت السيفين في يدها بشكل دائري كالمروحة ببراعة قبل أن تطلق ضحكة مستمتعة من فمها وتهجم بقوة.

هل تعلم إحساس أن تنتطر طوال عمرك حدوث شيء ويحدث بالفعل؟
يا سكان رأسي السعداء أجلوا الأحتفال والرقص لإن صوت الموسيقى يغطي على صوت تلاحم السيوف!

صدح صوت صلصلة السيوف المحبب لقلبنا معًا وكأننا نستمع لمقطوعة موسيقية ناتجة عن صوت خفقات قلبنا المحلق، أمسكت السيف بكلا كفاي حتى أستطيع صد ضربتها المتتالية من السيفين بينما بدأ العرق يتجمع أسفل حافة شعري ورقبتي، إنها بارعة بشكل غير مصدق وكأنها قنبلة نووية من البراعة، لكنها ليست هكذا الآن مازالت ماهرة لكن أرى الخوف يتدفق من مقلتيها، سحقًا، إنها خائفة من أن تؤذيني بدون قصد، ضرباتها ليست قوية كفاية ولا تجرحني.

سحقًا، فقد كانت تجرح أبي بدون أن يرف لها جفن، لم تكن جروح بالغة فقط مجرد جروح صغيرة لكنها الآن مختلفة، هل أنتِ خائفة الآن أمي؟!

أشعر بالحزن الشديد، أريد أن أصرخ بملأ حنجرتي ثم أذبح حالي بالسيف وأنزف فوق العشب حتى يرتوي من دمائي إلى أن يجف جسدي، لا سأذبحها أولًا ثم نفسي، هل تعلمون ماذا فعلت لي امي؟

لا شيء، أمي لم تفعل شيء، كنت أريدها أن تفعل لكنها لم تفعل أي شيء، سحقًا، لا يمكنني قتل أمي، إنها تحبني، أمي تحبني، يجب أن أخرج من تلك الذكرى، إنها كانت في حالة صدمة والآن هي بخير، لقد عادت، أمي عادت لي من جديد.

صدح صوت ارتطام سيفها الثاني بالأرض بعدما اطحت بالأول بقوة لينضم لأخيه معلنًا إنتهاء المباراة، لم تتركني أمي أربح هذه المرة، أنوبيس كان غاضبًا وعندما يغضب أنوبيس لا يوجد ما يقف أمام طريقة، أما الفوز أو الفوز.

ماليكا، أحذري مني.


_ على الرغم من أنني خسرت لكن الخسارة شرف لو كانت على يديك أيها القائد.

قالتها أمي بنبرة سعيدة فنظرت لها بهدوء قبل أن اندفع وأضمها بقوة دون تفكير عندما انقشع الغضب وانحسرت سيطرة أنوبيس عليَّ فعدت طفل صغير ضعيف يحتاج إلى عناق أمه، يحتاج إلى البكاء داخل ذراعها والصراخ بسبب الحرب الدائرة داخل رأسي، آه، يا إلهي، ألن يأن لحروب عقلي أن تهدأ؟

ارتجف جسد أمي بعنف من المفاجأة أسفل ذراعي، انقطعت أنفاسها، وهبطت حرارة جسدها حتى قاربت التحول لرجل ثلج، فابتلعت الغصة داخل حلقي بمرارة بنكهة الصبار ثم تمتمت بنبرة محشرجة:

- آسف.

فصلت العناق برفق واستدرت حتى أتجه بخطواتي لمجلسنا السابق بينما هبطت دمعة ساخنة من زاوية عيني اليمنى، مسحتها بكم قميصي بعنف بسبب الغضب المتأجج داخلي، خربت كل شيء الآن، كيف يمكنني إصلاح ذلك؟

ماذا أصلح أولًا قلبي الذي رُفض مرات لا حصر لها؟ أم علاقتي بأمي؟

- فين الورد؟ وعدتني بزهور حمراء ولم تجلب لي شيء!

قالتها أمي بنبرة متهكمة دارت بها توترها الملحوظ حتى تحاول استعادة حالة البهجة من جديد بعد الحزن الذي خيم فوق صدري كدخان حريق خانق، ضحكتُ بخفة قبل أن أغير طريقي وأتجه ناحية شجرة أخرى خبأت خلفها باقة زهور حمراء زاهية تشبه  أمي وعدت لها من جديد.

- هيه جلالة الملكة لا داعي للثقل فأنا ابنك يا امرأة!

قلتها بنبرة مشاكسة بعدما تناولت مني الزهور بوقار وحركة بطيئة على الرغم من الحماس الذي يتراقص بمقلتيها حيث بدى إنها على وشك القفز مثل شهد عندما أجلب لها شيئًا ما، انكمش وجهها في تعبير تقزز وهي ترمقني بنظرة شاملة من أسفل قدمي حتى خصلات شعري قبل أن تقول متمتمة لحالها:

- ابنك! مش مصدقة إني خلفت كل ده، وكل شوية أمي أمي، زي الثور ويقولي أمي

ضحكت عاليًا بعدما حركت رأسي بدون تصديق، الانثى تظل انثى حتى إذا أصبحت قوتها تفوق الرجال!

ضحكت بانتشاء قبل أن يصدح صوت الموسيقى بعدما وصلت هاتفي بالمشغل ثم اطلقت لجسدي العنان ليؤدي هوايته المفضلة، ضحكت أمي ونظرت لي بسعادة وهي تجلس فوق الوسادة لتشاهدني بينما أنا اقتربت منها وسحبتها من كفها لتشاركني الرقص.

- إنتِ نسيتي الحكم؟

هتفت بها بنبرة ماكرة وأنا أُراقص لها حاجباي، فحركت يديها على خصلات شعرها للوراء، هندمت ملابسها  بشموخ قبل أن تشاركني الرقص بمرح، لكن مهلًا مهلًا، لا تعتقدوا أن أمي ترقص مثل النساء إنها ترقص بحركات مشابهة لأبي بظبط.

في الواقع هي تفعل كل شيء مثل الرجال، تتحدث كرجل، تلبس كرجل، تمشي كرجل، تحارب كرجل، وتُعامل  في المملكة على إنها رجل، أمي لا تصبح انثى إلا مع أبي فقط، وهذا يسعدني كثيرًا في الواقع، هل أخبرتكم لماذا تزوجت امي الحاوي؟

حسنًا، سأخبركم بعد قليل.
فأنا الآن أرقص وسعيد.

تسطحت فوق الوسائد بجانب أمي بعدما انتهينا من الرقص، نظرت لها حيث تضحك بإنهاك بينما رئتها تعلو وتهبط من فرط المجهود، نظرت للأعلى ناحية السماء تزامنًا مع انفجار الألعاب النارية بها، تراقصت الألوان أمام عيونها التي سُلبت نظراتها المنبهرة وتعلقت بها.

" مرحبًا بعودتك أمي"

كُتبت بالأنوار في السماء باللون الأحمر عقب صدوح صوت انفجار قبل أن تتلاشي من جديد ببطء وكأن السماء ابتلعتها، أخرجت من جيبي علبة بها قرط أذن أختارته لها، فهي تحب أقراط الأذن لكن بالطبع ليست العادية التي تحتوي على فراشات، فهي ترتدي أقراط مخيفة مثل الذي ترتديه الآن حيث إنه على شكل مخالب وكأن قرطها مخالب حيوان مفترس يمزق أذنها.

اخترت لها قرط على شكل حلقة يتعلق بها سيف يلتف حوله ثعبان فهي تحب السيوف وكذلك الثعابين حيث تمتلك حية بغرفتها، أخرجته من اللعبة وحركته أمام عيونها التي تضاعف حجم بؤبؤاها بشكل ملحوظ قبل أن أزيل قرط أذنها الحالي وأضع الآخر.

- جميل اوي، شكرًا يا ليو.

قالتها بنبرة وقورة وهي تنظر لحالها من خلال الكاميرا الأمامية لهاتفها وتلمس طرف السيف بأناملها على الرغم من الحماس الذي يظهر في عينيها سحقًا أمي لن تتغيري، ما هذا؟ قبليني يا امرأة!!

قبليني أمي، ضُميني إليكِ!

- دائمًا أراكِ جميلة مثل النجوم في السماء، على الرغم من أنني لا أستطيع لمسها لكن أحب رؤيتها تلمع.

- لا أعلم ماذا فعلت بحياتي حتى أُرزق بك ليو؟


قالتها أمي بنبرة صادقة وعيون ملتمعة تعقيبًا على حديثي الذي وصفت به علاقتي معاها طوال حياتي، رفعت كفها ووضعته فوق وجنتي ومررت إصبح سبابتها برفق أسفل عيني لأول مرة، شعرت بالدفء النابع من كفها لوجنتي تزمنًا مع سقوط دموعي بدون رغبة أو شعور مني، وكأن ليو الصغير لم يعد يتحمل، تسعة وعشرون عامًا دون عناق واحد.

شعرت بكفها يرتعش مثل بؤبؤا عيناها المثبت بخاصتي الملتمع بفعل ترقرق الدمع، ثم جسدها بأكمله وكأنه هزة الكرة الأرضية الناتجة عن الزلزال الذي حدث داخلها، هبطت دموعها بسلاسة قبل أن يتحول بكائها لصراخ عالٍ، لم أتوقع هذا! أمي لا تبكي إنها كالجبال، ضممتها بين ذراعاي وأخذت أربت عليها برفق بينما جسدها يهتز بقوة.

هل تعلمون ماذا يحدث إذا أنهار الجبل؟
فأن صداه يدوي بقوة، يهز الأرض بأكملها، ويغلف الظلام المكان وكأنه روح شريرة تلبست المدينة

  سحقًا! على حظي، أول عناق حقيقي بيننا يكون هكذا، لا يمكنني تحمل هذا، أن بكاء أمي يشبه لسعات السَوط فوق ظهري، هل كان يجب أن أقول هذا؟
تبًا لي وتبًا لساني الذي لا يصمت، كان من الممكن ان آسرها في نفسي، لقد فعلت كل هذا حتى لا تتذكر ما حدث لها وتحزن! فأحزنتها أنا!

هل تبكي لأنها تذكرت ما حدث معها؟
أم تبكي لأجلي؟ أم الاثنين معًا؟.
بعد مرور بعض الوقت الذي لا أعلمه هدأ صراخها قليلًا قبل أن تغمض عيناها وتستسلم للنوم هربًا فوق صدري، لا أنكر إنني أشعر بقليل من السعادة لرؤيتها تنهار هكذا، مهلًا أنا لستُ ساديًا، لا أستمتع بآلام الآخرين لكنني أشعر بالألم أيضًا، ليو الصغير كان يرغب في أن تشعر به طوال حياته!

ألا يمكنني الشعور بقليل من السعادة لأنها شعرت بالذنب لأجلي؟ أليس هذا عدلًا؟

______________ ︻╦デ╤━╼

لا أريد أن تغيب عني عيناك اللتان أعطتاني ما عجز كل شيء انتزعته في هذا العالم من إعطائي، ببساطة لأني أحبك.

_غسان كنفاني.

{ منذ تسعة عشر عامًا: يوم ٣٠ /١٢ }


جلست رفقة أخوتي أمام باب القصر انتظر عودة أبي، عمي قاسم، هارون وجدي سيّاف فقد اشتقت لهم كثيرًا، لم أرآهم منذ أسبوع بسبب سفرهم للخارج رفقة جدي حيث كان  يجري عملية جراحية أخبروني إنها ليست خطيرة لكنني أعلم إنها خطيرة بالفعل، نظرت ناحية الشرف فوجد أمي نفرتاري تقف كعادتها في الشرفة تنتظرعودة أبي، هي لا تعلم إنه قادم الآن فأبي أصر على عمي هارون ألا يقول شيء، هي تقف هكذا كلما سافر حتى عودته أو كلما تأخر في العمل.

وقفت كوبرا بجانبها ومدت شطيرة لها لتتناولها لكنها دفعت يدها برفق، لقد فقدت الكثير من وزنها خلال الفترة الماضية، فقد بقت بالفراش والشرفة طوال الوقت فهي تمرض بشدة عندما يبتعد عنها أبي، وهو رفقة جدي منذ شهر بسبب حالته الصحية التي تدهورت، عاد فقط منذ أسبوع عندما خُطفنا لمدة يوم وعاد من جديد.

أوه! لم أخبركم كيف حدث هذا؟

ما حدث يمكن اختصاره في جملة واحدة: كل المصائب تؤدي إلى شمس الزناتي!

(منذ أسبوع )

تعقبت "بشر بن شمس" خلف مبنى المدرسة وأنا أحمل بيدي بالونات ممتلئة بالمياه المثلجة التي أخرجتها للتو من البراد الخاص بالمقصف قبل التجميد الكلي حتى أقذفه بها، لأرد على فعلته في اليوم الماضي حيث إنه أمس ألقى بيضة عليَّ وانكسرت فوق شعري، ظللت ساعتين بغيضتين أنظف حالي، حسنًا، الآن رد الجميل، العين بالعين، رفعت يدي للأعلى أثناء قبضي على البالون بحماس يكاد يقفز خارج قلبي لكن قبل أن أقذفها خرج أحد المعلمين أمام "بشر" ثم أخرج محرمة من جيبه وأنقض عليه، ضمه لصدره وثبت جسده بذراعه بينما وضع المحرمة فوق أنفه بيده الحرة حتى استسلم جسده للمخدر.

تراجعت بخطوات مرتجفة للخلف بعدما دب الرعب بكامل أوصالي حتى أجلب "سفن" من الخارج، خطوت للخلف دون أن استدير لتظل عيني تراقب حركته حتى ارتطم ظهري بصدر عريض وقبل أن ألتفت قبض بذراعه على جسدي وكبّل حركتي وبالأخرى وضع قماشة بها مخدر فوق فمي، تلويت بجسدي بين قبضته لكن حركتي أشبه بالدغدغة بالنسبة له ففقدت الوعي على الفور مثل عدوي المفضل.

- مستر ممكن تخطفني مع ليو؟

قالها فارس بنبرة منتحبة عقب وقوفه أمامه ليظهر حاله له بعدما حملني الخاطف فوق كتفه كالدمية،
رمش الرجل بأهدابه في محاولة منه لفهم ما يحدث قبل أن يحمله بذراعه الآخر دون تخدير فهو يتوق بشدة للخطف بالفعل، نعم، إنه غبي، بل أغبى شخص في العالم، إذا ذهبت للجحيم سيأتي معي لن يتركني.

عندما استفقت وجدت رأسي فوق قدم فارس الذي يجلس بخوف في غرفة ما يطغى عليها اللون الرمادي وتنبعث منها رائحة بشعة تشبه الصدأ، بينما يجلس (بشر) في وضع الجنين بالزاوية جانبنا يرتجف بشدة والدموع تتدفق من عينه.

- لا تخافوا يا صغار، ها قد جاء المنقذ داغـر !

قالها أخي داغر بعدما قفز من النافذة العالية بالشرفة بطريقة درامية وهو يرفع يده عاليًا كبطل خارق طار من النافذة لينقذنا، فحركت رأسي بدون تصديق وأخرجت صوت ساخر من فمي، إنه شاهد كل شيء ثم تسلل الى صندوق السيارة في نفس الوقت الذي كان يضعنا الرجل بالسيارة، حسنًا، يجب أن يتوقف عن مشاهدة الرسوم المتحركة فهي خطر على عقله!

- اللعنة يا رجل! طلبت منك خطف ابن "سِت" فقط فتأتي لي بطفلين آخرين من المدرسة؟ ثلاثة؟!

قالها رجل بلغة إنجليزية غير متقنة ذات لكنة توحي بأنه لاتيني الأصل بصوت خشن مزعج ناتج عن حنجرة لا تتوقف عن تناول الخمور بعدما دلف الغرفة كالعاصفة وبعثر نظراته علينا جميعًا ثم أخرج صوت ساخر من فمه وهو يصرخ في وجه الخاطف بدون تصديق.

- اللعنة! يا ربي الرحيم أقسم أنهم كانا اثنين!

- أنت مش فاكرني؟

قالها فارس بنبرة حزينة بتمثيل متقن وهو يقوس حاجبيه بينما حاول جلب الدموع إلى عينه ونجح بالفعل في سكب الكثير بسبب الألم الذي داهم قلبه لعدم تذكر الخاطف إنه خطفه بالفعل حتى يتلاعب به ولا يؤثر على عقله، عاد الرجل خطوة للخلف وهو يفرك عينه بشدة ليستوعب ما يحدث ثم خرج وتركنا وهو يغمغم.

- أقسم أنني لم أتناول الخمر منذ الأمس!

ضحكنا نحن الثلاثة بخفة على ما حدث بعدها خرج الجميع وتركونا بمفردنا حيث قرر الزعيم بيعنا كذلك، فلا بأس ببعض المال بينما نظر داغر إلى بشر وهتف بنبرة ساخرة من حالته المذرية التي تتناسب بالطبع مع سنه حيث كان في الثانية عشر:

- ماذا بشر؟ هل بللت سروالك؟

- سيبه في حاله.

قلتها بنبرة خافتة داخل أذن أخي داغر بعدما انحنيت بجسدي عليه، فقلّب عينه بسخرية ثم بدأ في التفكير بوضعنا ووضع خطة للهرب بينما أنا تحركت من مكاني وجلست بجانب بشر حتى يطمئن قلبه لأنني أمتلك قلب يستحق الطعن بالفعل، لكن هذا ما يفعله شعب مملكتنا كما يقول المثل "أنا وأخي ضد ابن عمي وأنا وابن عمي ضد الغريب" نحن نقتل بعضنا البعض لكننا لا نسمح للغريب بقتل أعدائنا وهذا ما يميز شعب مملكتنا ويجعل الجميع يخافنا.

حسنًا، ماذا حدث؟
لقد كان أخيه واحد من تجار المواد المخدرة في البرتغال وقد أتفق مع شمس على تهريب شحنة إلى وطنه، وعندما تقابل الطرفين في الصحراء كما أصر شمس وقد ذهب بنفسه لتلك المهمة، وعندما تمت الصفقة أخرج سلاحيه وقتل الجميع غدرًا لأنه كان يرغب في لعب دور اللص الذي يسرق البضاعة والأموال وقد حدث بالفعل، لذا خطط شريكه الإنتقام له والثأر عن طريق خطف ابن أخيه وبيعه لمنظمة مافيا أخرى حتى يحرق قلبه عليه طوال حياته، لم يعلم أن شمس لا يمتلك قلب بالأساس.

- يلا يا رجالة.

قالها داغر بنبرة خافتة بعدما نظر للخارج من خلال الشرفة ورأى المكان خالي، قفزنا تباعًا لخارج الغرفة حتى تجمعنا نحن الأربعة أسفل الشرفة العالية، تحركنا بخطوات بطيئة وأنفاس محتبسة بسلاسة خلف داغر الذي رفع يده لنتوقف ثم التصقنا بالحائط حتى قاربنا أن نصبح رسمة فوقة، سمعت صوت دقات قلبي  الذي ينبض في بقوة داخل رأسي في المنطقة المرتكزة على الحائط، عضضت شفتي بقوة -حيث إنها عادة سيئة بي منذ الصغر- عندما مر أحد الرجال جانبنا وهو يتحدث مع امراة في الهاتف بكلمات غزل سخيفة ومنفرة.

أشار داغر لنتحرك من جديد عندما أعطانا الرجل ظهره، تحركنا بخطوات أهدأ على أطراف أصابعنا التي بالكاد كانت تلمس الأرض، مررنا من خلفه واحد تلو الآخر حتى وصلنا للبوابة وركضنا بسرعة، سمعت صوت تحطيم ذرات الرمال ناتج عن شخص يلحق بنا، فارتجف قلبي بينما أمسك فارس كفي وبدأ في سحبي ليحثني على المواصلة.

- ليو، أنا سفن.

قالها سفن من خلفنا بصوت ليس عاليًا لكنه كان كافيًا للوصول إلى أذني بسبب قُرب المسافة توقفنا عن الركض لكنه لم يدعنا نتوقف بل حملني فوق ذراعه وحمل داغر بالذراع الآخر وأكمل في الطريق ركضًا حتى نبتعد عن المكان بينما أمسك فارس كف بشر وسبقنا، فقد كان سفن بمفرده حيث إنه كان خارج المدرسة كعادته يراقبني فأنا الآن كبرت وعلمت بشأن مراقبته لنا، وعندما حدث الإختطاف ركض باسل للخارج حتى يخبره حيث تسلل الخاطفين في هيئة المعلمان المتقدمان للوظيفة وقاما بخطفنا بسلاسة، لحق بنا سفن وأتصل بباقي المامبا ليلحقوا بنا.

سمعت صوت السيارات تطحن الرمال أسفل إطارتها فشعرت بتوقف قلب سفن لثانية على الرغم من إكماله للركض، وقتها لم أعلم بجحافة ما فعلنا حيث لم يكن علينا الهرب وانتظار الدعم وهذا ما كان ينتظره سفن حدوثه لكننا لم نكن نعلم أن أحدًا يلحق بنا، صدح صوت الطلقات النارية فشدد سفن ذراعه حولنا ووضع كفاه فوق رأسنا بينما ارتفعت وتيرة أنفاسه المضطربة وهو ينظر إلى فارس الذي يركض أمامنا والذي وقع أرضًا يصرخ من الألم عندما استقرت رصاصة دوت عاليًا قبل أن تصل إلى كتفه من الخلف لم تكن موجهة له بل كانت في طريقها إلى بشر.

- اجري قدامي، لا يمين ولا شمال.

قالها سفن بنبرة عالية متوترة وهو يُنزل داغر الذي يركض على الفور تزمنًا مع حمل "سفن" لفارس بدلًا من داغر لإنه الأكثر ثباتًا بيننا بينما أنا تجمدت حيث أنا وثبت نظراتي إلى أخي الذي تحول لون قميصه الرمادي الخاص بالمدرسة إلى الأحمر الداكن قبل أن أمسك كفه برفق.

تنفس "سفن" الصعداء عندما رأى سيارات المامبا قادمة في الطريق أمامنا فتوقف على الفور بين سياراتين مرا من جانبنا وبدأ الرجال في إطلاق النيران بينما توقفت سيارة ثالثة أمامنا وسحبنا الرجال داخلها، فابتلعتنا كأننا أسماك صغيرة سحبها التيار نحو فم حوت أبيض ضخم.

بعد مرور ثلاث ساعات قضيناهن في المشفى حتى يتم انتزاع الرصاصة من كتف فارس رفقة عمي صالح وأمهاتي حيث إنهم لم يسافروا مع جدي، دلف أبي وعمي قاسم وهارون كفرسان الجحيم بوجه يرتسم عليه القلق والهلع الممتزج بالنيران التي تتأجج داخلهم، ركض عمي قاسم تجاه فارس بلهفة وبعثر نظراته القلقة على صفحة وجهه بينما هبطت دموعه المنحبسة بمقلتيه ليعتذر له عن الحياة التي ألقاه بداخلها وهو فقط في العاشرة قبل أن يبدأ في تقبيل جبهته ووجنته ثم كفاه الاثنين برفق حتى لا يؤلماه.

- أنا آسف إنكم مريتوا بده وأنا بعيد.

قالها أبي بنبرة محشرجة لي ولداغر وهو يمرر بؤبؤا عيناه الملتمعة بدموع زجاجية حبيسة على وجهي وجهه بعدما ضمنا برفق، حركت رأسي بالنفي لأسقط عنه الذنب قبل أن أحيط عنقه بذراعي وأضمه بقوة، لقد اشتقت له بشدة، بينما تعلقت نظراتي "ببشر" الذي كان يثبت نظراته بي من خلف ظهر أبي حيث كان يجلس بجانبه "فور" المامبا الحامي لأمه ويضع رأسه فوق صدره بينما يربت عليه الآخر بحنان فلم يأتي شمس لأجله بل قرر الذهاب للإنتقام أولًا، وقتها لم أفهم نظرته لكن الآن أعلم إنه كان يشعر بالحزن الممتزج بالغيرة من أهتمام أبي بنا بينما هو لا أحد يعبأ به سوى المامبا الحامي لأمه.

لقد مات أبيه منذ ثلاثة أعوام، أتذكر ذلك اليوم فقد شعرت بالشفقة لأجله حيث كان يبكِ بشدة بين ذراعي "فور" بينما يجلس شمس بلامبالاة يدخن سيجارته ولم يختلف عنه شقيقه الأصغر.
(عودة)

خرجت من شرودي عندما توقفت السيارة السوداء الكبيرة أمامنا وهبط منها جميع أبائي في نفس الوقت الذي ركضت به أمي دهب من الداخل إلى الخارج، وقف عمي قاسم بسعادة وفتح ذراعيه على مصرعيهما ليتلقفها لكنها تخطته وألقت بحالها بين ذراعي أبي الذي كان يفتح لها ذراعه أيضًا.

- هتقارن نفسك بيا؟ دي صغيرتي المدللة يا صعلوك!

قالها أبي بنبرة متهكمة بثقة بعدما ضحك بقوة على رد فعل عمي قاسم الذي رمقهما بنظرة ساخطة مازحة، أشاح له عمي قاسم بيديه قبل أن يتلقف فارس الذي ركض تجاهه، بينما نظرتُ إلى داغر وركضنا في نفس الوقت بتحدي من سيعانق أبي أولًا بعدما ابتعدت عنه أمي دهب، ضحك أبي بقوة وعانقنا نحن الاثنين بنفس اللحظة ثم فصلت العناق لأقفز فوق عمي هارون رفقة باقي أخوتي من المامبا حيث إنه لا يظهر منهم.


بعد أن انتهي أبي من إستقبال جميع أخوتي بعدد لا نهائي من القبلات والأحضان صعد لغرفة أمي فلحقته بالطبع بعدما تجاهلت كلمات عمي صالح الذي أخبارنا بتركهم يرتاحوا اليوم، فقد اشتقت لرفقته بشدة بينما لحق فارس بعمي قاسم، جلس أبي بجانب باب الغرفة أرضًا ونظر في ساعة معصمه البنية بابتسامة هادئة يتراقص بها المكر كعادته، ثم نظر لي وقال بتساؤل:

- تفتكر دخلت في الدور ولا لسه؟

ضيقت جفناي أحسب الوقت الذي تحتاجه أمي حتى تلعب دور الثقيلة غير المبالية وتقنعه إنها تكاد تموت من الأنتظار حتى تراه، فمنذ وفاة جدتي وهي تتصنع الثقل حتى لا يذهب ويتركها بمفردها حيث إن جدتي كانت تلعب برأسها بحديث عن تجاهل الرجل حتى يركض خلفها كالكلب ينتظر عظمة، لكن أبي ليس مثل هذا النوع من الرجال الذين يجب تجاهلهم حتى ينظروا لك، كما إنها خرقاء فقلبها يكاد يقفز من عينيها عندما تراه، هذا غير إنها لا تستطيع التلاعب بالأساس كما كانت جدتي ترغب فهي بريئة كبراءة الأطفال بالفعل.

نهض أبي بهدوء وأشار لي برأسه لكي ألحق به حيث دلف الغرفة التالية ومنها إلى الشرفة، تقدم بحذر ناحية شرفة غرفته، انحنى للأمام حتى يستطيع رؤية ما بالداخل فسقطت خصلة من شعره الطويل قليلًا فوق عينه، كانت أمي تتصنع النوم بالفراش وتشد الغطاء فوق وجهها وكأنها لم تكن تقف بالشرفة تنتظره منذ ثواني.

رفعت أمي الغطاء عن وجهها فظهر تعبير الدهشة على معالم وجهها الذي شحب في الأيام الماضية وكأنها كانت تتحول لشبح ببطء، أغمضت عينها ومدت رقبتها ناحية الباب تسترق السمع قبل أن تنهض من الفراش بقلق واضح وحزن ارتسمت على وجهها من تأخره عليها كل هذا الوقت، ألم تعلم أنني أحترق شوقًا لرؤياك؟!

نظرت لحالها في المرآة تتمم على هيئتها حيث ارتدت فستان أبيض فضفاض مزركش بزهور حمراء، لم أشعر بالدهشة من سرعة تغير ملابسها وهندمة هيئتها فقد كانت ترتدي منامة أبي منذ عشرة دقائق وشعر مشعث وتجلس في الغرفة الأخرى المجاورة لغرفتها رفقة أبي حيث إنها لا تنام بها إذا لم يكن معها.

- هاتي يا بنت مياه سُخنة وتعالي طرقعيلي صوابع رجلي.

قالها أبي بنبرة متعبة مازحة وهو يرتمي فوق الفراش بعدما دلف للغرفة عقب تحركها ناحية الباب ثم وضعت أذنها فوق الخشب لتتأكد إنه لا يقف بالخارج حتى يُلاعبها، انتفض جسد أمي من المفاجأة والتفتت له بسرعة حتى وقع بصرها عليه يتمطى بجسده بانهاك في الفراش.

- والله؟!

- أيوة، الست المحترمة تطرقع صوابع جوزها.

قالها أبي بنبرة مؤكدة وهو يحرك رأسه بالموافقة ليزيد من تأكيد حديثه تعقيبًا على حديثها الذي خرج بنبرة مستنكرة بعدما تماسكت ببسالة قائد جيش عقب رؤيته أمام عيونها التي أكاد أقسم إنها أطلقت زرغودة سمعتها بأذني بواسطة بؤبؤا عيناها.

- ومالو من عنيا، هات صوابعك.

- هتضربي جوزك قدام ابنك عيب، الست المحترمة تستني لما العيال يمشوا بعدين تضربه براحتها، هي دي الأصول.

قالها أبي بنبرة جدية وهو ينتفض من مجلسه ويرفع سبابته أمام وجهه بتحذير تعقيبًا على حديث أمي الذي خرج بنبرة هادئة وهي ترفع كتفها قبل أن تقترب منه في نية منها لطرقعة/كسر أصابعه، توقفت أمي عن ما كادت تفعله عندما وقع بصرها عليَّ حيث أقف أمام باب الشرفة ابتسم باتساع عليهما.

هل أخبرتكم أن أمي تعشق أبي؟
عندما تنظر له تَضوي عيناها، كأن بؤبؤا عيناها تحولا لقمرين كاملين في منتصف الشهر بيوم شديد الظلام فيصبح ضوءه ساطعًا، لكن هذه الأضواء تنطفئ ويسود الظلام كالخسوف عندما يبتعد أبي، يسافر مثلًا، فهي لا تنام في الغرفة وهو ليس معاها، لا تأكل ولا تتكلم، تظل قابعة بالشرفة حتى يعود، في معظم السفريات يأخذها معه لكن هذه المرة بالطبع لن تسافر مع جدي سياف هذا غير إنها يجب عليها البقاء بالمنزل من أجلنا مثل باقي أمهاتي حتى لا يسافر الجميع ويتركونا وحدنا بسبب الدراسة.

- وحشتك صح؟

قلها أبي بنبرة مراوغة حيث كانت تنظر له نظرة وكأنها تضم مقلتيها بخاصته، فقلّبت عيناها بلامبالاة ساخرةً منه ثم أشاحت بوجهها عنه قبل أن تتحرك ناحية غرفة ملابسه حتى تخرج له ملابس نظيفة، حيث إنها بالتأكيد حضرت له حمام ساخن ليرتاح جسده من تعب السفر والركض بين أورقة المشفى بتوتر أنهك أعصابه.


- إنتِ كمان وحشتيني.

قالها أبي بنبرة ضاحكة وهو يصفعها على رقبتها من الخلف على حين غرّة بعدما نهض بسرعة ولحق بها ثم ركض للمرحاض وهو يطلق صرخة خافتة وأغلق الباب خلفه وصدح صوت زحف قفل الباب بعدما ركضت خلفه بوجه محتقن الغضب.

- إنت مش قلت الواد واقف؟

- أنا راجل، أعمل اللي أنا عايزة.

قالها أبي بنبرة عالية منفعلة بطريقة خشنة ممازحًا قبل أن ترتفع ضحكته التي لم يستطيع كبتها تعقيبًا على حديثها الذي خرج بنبرة مختنقة من الإنفعال حيث إنه غدر بها، طرقت بقوة فوق الباب بينما باليد الأخرى تحاول فتح الباب الذي كاد أن ينكسر بين أصابعها وهي تهدر بقول:

- افتح الباب،  والله لو مفتحتش هكسره.

كل ما قابلها هو ضحكاته التي ارتفعت أكثر على غضبها، فأطلقت صرخة غاضبة من فمها قبل أن تتجه ناحية الكومود، أستلت السلاح ووضعت به خزانة الرصاص ثم سحبت الزناد فصار جاهزًا لإطلاق الزخيرة، تحركت تجاه باب المرحاض بخطوات عالية حتى يسمعها، عدت بصوت عالٍ حتى الرقم ثلاثة قبل أن تفرغ الخزانة على قفل الباب البرئ منهما.

ضحكت أمي عاليًا بتلذذ وهي تنظر له نظرة النمر الذي حبس الغزالة في الزواية قبل أن يغرز أسنانه بجسدها، حسنًا، الآن تبدأ المعركة لذا انسحبت إلي  الشرفة حتى يتسنى لهما ضرب بعض بأريحية، وبالطبع لن يأتي أحد على صوت ضرب النيران فالجميع معتادون على الأشياء المجنونة التي تحدث بغرفة أبي.

لا تعتقدوا انهما يتشاجرا بجدية، هذا فقط مزاح نوع من الرومانسية ذو نكهة مختلفة بينهما، يبدو ثقيل قليلًا لكنه مزاح محبب إلى أمي، أبي لا يرفع يده على أمي بجدية هذا بإفتراض إنها لن تقطعها له بعد ذلك.

دلفت من جديد إلى الغرفة بعدما حل السكون وتوقف صوت تحطيم أثاث الغرفة هذا إذا كان يصح أن يطلق عليها غرفة بعد الآن فقد صارت مثل ما يُسمى"خرابة" ، وجدت أبي يجلس على الفراش أو كما كان في السابق وأمي بجانبه تمسك قطنة بين أناملها وتربّت بها فوق جرح بحاجبه لتطهره بينما تقبع عُلبة الأسعافات فوق قدمها.

- صالحيني يا مفترية!

- انت اللي بدأت!

قالتها أمي بنبرة حانقة وهي تضع لاصقة طبية فوق الجرح برفق تعقيبًا على حديث أبي الذي خرج بنبرة متذمرة وهو يعقد ساعديه أمامه من عدم مُراضتها له بعدما جرحته، فنهض أبي بعدما انتهى من تضميد جرحه وجلب ورقة من الكومود المنقلب على جانبه كسلحفاة ثم بدأ في كتابة وهمية بواسطة إصبعه بعدما فشل في إيجاد قلم وهو يقول بجدية:

- أنا سالم بشّار المُهيري أقدم طلب صُلح من حرمه المصون نفرتاري المُهيري المفترية جدًا جدًا جدًا.

مزّق أبي الورقة لعدة قطع صغيرة ثم دس جميع القطع داخل قبضة يده أثناء تحركه تجاهها حيث تجلس فوق الفراش، رفع كفه المضموم وقذف محتويات يديه في وجهها بحركة ميلودرامية فتحولت الأوراق البيضاء إلى أوراق وردة حمراء ذات عبير خلاب تناثرت فوق رأسها، ثم أتجه للمرحاض ثانيًا ليتحمم بعدما غمز لها بعبث.

رنّت ضحكة أمي عاليًا بعدما فشلت في كبتها وهي تحرك رأسها بدون تصديق ثم نهضت من مجلسها ووقفت أمام المرآة لتعدل من هيئتها، فظهر تعبير غير رضى وانطفأ وهج عيناها الذان كانا يشعان منذ ثواني بعودة أبي، فهي دائمًا غير راضية عن جمالها، فقلت لها بنبرة صادقة جملة أبي الشهيرة:

- ما كل هذا الجمال مولاتي الملكة؟!

طالعتني بلهفة وكأنها ترغب في رؤية الصدق داخل عيناي، فغمزت لها بعبث وأنا اقترب منها، أخرجت من جيبي رابطة شعر حديدية على شكل فراشة أخذتها من غرفة أمي دهب لأنها أعجبتني بشدة ورغبت برؤيتها على خصلات أمي نفرتاري، انحنت أمي للأسفل حتى تكون بقامتي ويتسنى لي تثبيتها بشعرها بعدما فهمت ما أرغب به، أمسكت خصلة جانبيه من شعرها وثبت الفراشة بها.

لا، لم تجفل أمي وقتها، فقد كانت حالاتها متحسنة كثيرًا في هذا الوقت بل كانت الأفضل على الأطلاق، نظرت لحالها في المرآة بأبتسامة واسعة، كانت جميلة بحق عاد تورد وجنتها من جديد كما عادت روحها، أحببت الفراشة عليها كثيرًا؛ نظرت لي من جديد بعدما طالعت حالها في المرآة وضمتني بنظراتها قبل أن تبعثر خصلات شعري بمزاح:

- أنا كمان بحبك يا ماما.

قلتها بنبرة صادقة وأنا ألمس خصلات شعري في حركة تلقائية بسعادة، رغبت في عناق لكن أمي مريضة وأنا طفل جيد، مدت كفها وأمسكت خاصتي وهي تقول بنبرة متسائلة:

- تعالى معايا نحضر أكل لبابا؟

ابتسمت بسعادة لإنني سوف أشاركها هذه اللحظة فأنا أحب قضاء الوقت رفقة أمي، ذهبت معها لتحضير الطعام لأبي أو بالأحرى وضع الطعام المُعد بالفعل فوق الحاوية وإحضاره، أمي لا تعرف الطبخ او أكاد أقسم إنها لا تعرف كيف تصنع كوب من الشاي.

____________ ︻╦デ╤━╼

في المساء

وقفت أنا وأخواتي  نتلصص على جدي من خلال الشرفة المطلة علي مكتبه حيث اجتمع رفقة أبائي الأربعة، لرغبة داغر في معرفه ما يحدث بينهم لشعورنا لوجود شيئًا خاطئًا فعلمنا ما يدور بينهم.

لقد تخلى جدي سيّاف عن الحكم لعمي قاسم الشهر الفائت منذ بداية تدهور صحته لكن الجميع رفض هذا بحجة إنه ليس الأقوى والملك يجب أن يكون الأقوى -سحقًا لهم- و بناءً على ذلك قرر جدي أن يُقيم المواجهة المعتادة بين أقوى قادة المملكة من وجهة نظر الجميع، والرابح سيصبح هو الملك القادم، وتم تحديد ذلك غدًا في يوم رأس السنة حيث يتجمع أفراد المملكة ليحتفلوا سويًا بالعام الجديد، يكون يوم كله مرح و مواجهات بين بعضهم البعض بدون قتل فقط للتسلية.


_ لو حد تاني غيركم أنتو التلاتة بقى الملك بكرة يبقي مخلفتش، وإنت يا قاسم أقسم بالله لو خسرت من أول مواجهة ولا هتبقى ابني ولا عايز أشوف وشك، عارف إنك مش هتكسب بس متخسرش بدري.

قالها جدي سيّاف بنبرة على الرغم من كونها متعبة إلا إنها مازلت تحمل قوته ليضعه في موقف لا يُحسد عليه، أمسك المحرمة ورفعها لوجهه وسعل بقوة وخشونة منهكة وظهر الألم على وجهه، لم ينظر في المحرمة لكن بالطبع تحول لونها الأبيض للون الأحمر قبل أن يستطرد بنبرة محشرجة:

- أكيد هيختاروا "سِت"  و"أركتوس" عارف إنك مش هتقدر عليهم يا قاسم لكن في الحلبة بس طبعًا، و"الكراكن" (حيوان أسطوري) كدا هيبقى فاضل واحد هيختاروا "هاديس" أو "لوكي" (الحاوي) بس "هاديس" هينسحب يبقى لوكي، ودول إنت هتقدر عليهم يا قاسم ادعي بقى إن هما اللي يطلعولك في السحب من القرعة.

- يعني إنت عارف إن أنا مش هقدر غير على دول وبتقولي إنك مش هتعرفني تاني لو خسرت؟


قالها عمي قاسم بنبرة مكتومة من بين أسنانه حيث يكبت الغضب داخله بينما برزت عروقه لتعلن عن النيران التي تتصاعد داخله، الرجل في أيامه الأخيرة ولم يتخلى عن عنفوانه وسلطته!

- يعني أقول إنك هتبقى الملك والمملكة كلها تعترض تروح تخسر إنت من أول مواجهة وتثبتلهم أن هما صح؟ أفضل إني أموت قبل ما يحصل.

هدر بها جدي بنبرة عالية وهو يضرب كفه فوق المكتب حيث يجلس فوقه بوقار وهو يرمقه بنظرة ساخطة تحمل كل حروف كلمة "عدم الرضى" الذي نطقتها عيناه وهو ينظر إلى ابنه الذي لا يفعل شيء سوى إحباطه.

- لما أنا مش هقدر عليهم اختارتني أنا ليه؟ مختارتش سالم أو هارون لـيـه؟ محدش كان هيتكلم وقتها.

- أنا عارف أنا اختارت مين من ولادي واختارته ليه؟! مكنتش عارف إن هما هيعترضو على قراري أكيد" سِت" لعب في دماغهم علشان يكسب المواجهة وطبعًا "أركتوس"


قالها جدي بنبرة منفعلة وهو يضم قبضة يده فهو بالطبع يعلم لما اختارعمي قاسم وبالتأكيد ليس لأنه ابنه فهو يعتبر الجميع أبنائه، فضحك عمي قاسم بسخرية ممتزجة بالكآبة وهو يحرك رأسه بدون تصديق، ثم نهض بهدوء لينسحب من تلك الجلسة البغيضة، فهتف جدي بنبرة ساخرة بعدما أخرج صوت من فمه لا يخلى منها:

- ايوة روح عيط لمراتك يا عيوني ما أنا مخلفتش رجالة.

أشاح عمي قاسم بيديه دون أن يستدير ثم صفق الباب خلفه بقوة جعلت أجساد الجميع تجفل، فأطلق جدي سبّة بذيئة من فمه مما جعل أبي يضحك عليه ببلاهة فسبّه هو الآخر فارتفعت ضحكات أبي أكثر، فحرق دم جدي هوايته المفضلة.

- لو مكنتش متجوز نفرتاري كنت هتبقى خياري الأول، فيك كل مواصفات الملك، بس هتحكم معاك وهتاخد قرارات مكانك وهتلغيك.

- أنا محدش يقدر يلغيني.


قالها أبي بنبرة واثقة من تفكير جدي المهاجم لأمي بعد حديثه السابق الذي خرج بنبرة منفعلة بعدما دار نقاش سريع بينه وبين عمي هارون يستشف منه من يرغب في أن يصبح الملك بينهما، عمي هارون أم أبي سالم، ليتم تبرير اختيار عمي هارون عن طريق هذا الحديث.

- يبقي هيحصل بينكم مشاكل وهتطلقها وإنت بتحبها، وجودها في حياتك كان غلط، سبت بنات العالم كله ومسكت في القرعة بنت البومة دي .. إنت رايح فين، أنا مش بكلمك؟

أضافها جدي بنبرة غير مصدقة منفعلة بعدما نهض أبي من مجلسه وأتجه ليخرج من الباب في منتصف حديثه الذي خرج بنبرة ساخطة على زواجه من أمي، فهتف أبي بنبرة حادة قبل أن يغلق الباب خلفه بعنف مثل أخيه الذي سبقه:

- لما تحترم مراتي نبقى نتكلم.


_ وإنت مش ناوي تخلف تاني ولا إيه؟ عايز أحفاد كتير يقفوا في ظهر بعض يبقوا قادة مش مامبا.

قالها جدي بنبرة آمرة أكثر منها متسائلة إلى عمي صالح بعدما سبّ أبي من جديد وأتجه بنظراته له حيث كان يجلس بملامح يرتسم عليها الضيق منذ البداية لكنه لا يدخل في الحديث بينه وبين أبناءه حتى لا يطوله لسعات سوط جدي، حرك عمي صالح رأسه بالنفي وهتف مسرعًا بتلجلج:

- عيال تاني؟! أنا مش عارف أهرش في شعري، بعدين عايزني أجيب نسخة تانية من سالم؟ حرام عليك كفاية اللي عندي، ده هيجبلي جلطة، لا لا، مش هخلف تاني مستحيل.

- قوم من هنا وشك جابلي إكتئاب، قاعدلي من الصبح كده زي المطلقة بخمس عيال .. أقسم بالله لو رزعت الباب هطلق البنت منك الصبح.


أضافها بنبرة محذرة بعدما نهض عمي صالح من مجلسه بملامح مشتعلة هو الآخر من حديث جدي سياف الذي خرج بنبرة متهكمة منه وهو يرمقه بنظرة ساخطة لإنه لن يفعل ما يرضيه مثل الباقيين، صفق عمي صالح الباب برفق خلفه فضحك عمي هارون عاليًا على خوفه من تهديد جدي.

- إنت زعلت؟ مش عايزك تزعل مني، أنا عارف إني مش باجي غير عليك يا هارون.

- هزعل من إيه؟ أنا كدا كدا مش عايز ابقى ملك أنا بحب المشاكل، بعدين إنت مش بتيجي غير عليهم يا عمي إنت لسه قايل بطريقة غير مباشرة لواحد إنه مش راجل والتاني فاشل، براحة عليهم شوية.


قالها عمي هارون بنبرة هادئة متعقلة بعدما ضحك بسخرية لازعة على حديث جدي الذي خرج بنبرة حنونة هادئة وهو يثبت نظراته الحزينة به، قلّب جدي عينه بسخرية ولم يعقب فهو يعلم أن هارون سيظل يدافع عن أخوته إلى أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، ثم عاد الحديث عن المواجهة من جديد حيث إنه لن يتخلى عن قرارة بشأن تتويج ابنه قاسم الملك، باستخدام طريقته وجملته المفضلة:

أن لم يحدث بالترضي إذًا سيحدث بالتلاعب، وعمي هارون خير من ينفذ أوامر جدي.

- مش عايز تتجوز يا "رع"؟

- علشان اطلقها قبل ما اتفضح؟.


قالها عمي هارون بنبرة هازلة وهو يبتسم لكآبة ثقيلة نابعة من الوجع الذي يعتمل داخل صدره تعقيبًا على حديث جدي سياف الذي خرج بنبرة مرحة بعدما تم الأتفاق بينهم على ما سيحدث غدًا.

- هجوزك واحدة من برة المملكة.

- إيه اللي هيخليها تقبل بيا؟


قالها عمي هارون بنبرة ثقيلة محشرجة بعدما ابتلع الغصة داخل حلقه وشردت عيناه في ذكرى حية أمام عيونه مازال خنجرها منغرز داخل قلبه بعد حديث جدي سياف الذي خرج ببساطة ليعرض عليه الأمر وكأنه أول الطاعنين لقلبه.

- وإنت فيك أي إن شاء الله؟ إنت زي الفل ألف واحدة تتمنى بس إنك تبصلها.

- أنا مش هدخل واحدة المملكة بأيدي لو مش مننا مش هتجوز وإنت عارف كدا من زمان، وأساسًا أنا مش عايز اتجوز لو أتجوزت واحدة هظلمها، علشان مش هنضحك على بعض، خليني ساكت علشان الكلام في الموضوع ده عيب وميصحش دلوقتي.


هتف بها عمي هارون بنبرة جامدة لا تحمل النقاش ليغلق أمر زواجه من امرأة أخرى ورمي بحديثه بطريقة غير مباشرة بأن قلبه مازال يخفق لأمي شيرين طليقته والتي تزوجت الآن من ابن عمها "فْرّانْسوا" والذي أصبح القائد "أركتوس"  (الاسم الأغريقي للدب) الآن بدلًا من أبيه الذي تخلى عن منصبه كقائد له بسبب كِبر سنه.


_ أنا عايزة أدخل المواجهة.

قالتها أمي بنبرة جامدة بعدما قطعت حديثهم عندما دلفت المكتب بعنف كقذيفة الدبابة بملامح قاتمة، فضحك جدي عاليًا بسخرية عليها قبل أن يشير ناحية الباب ليطردها من أمامه، ضغطت أمي على أسنانها بطريقة ظهرت واضحة بسبب تحرك المنطقة بمنتصف وجنتيها قبل أن تكرر حديثها السابق بآلية.

حسنًا، تم حذف الحديث الذي قاله جدي سيّاف لإنه غير لائق وخرج بطريقة شاذة وبذيئة لذا سيتم اختصار الأمر إلى:

" هل ترينا نمشي بتنانير يا ابنة أمك الوحيدة وروح قلبها من الداخل حتى نتركك داخل حلبة رفقة الرجال ليضربوكِ وتتضربيهم؟ اغربي عن وجهي يا ابنة انثى البومة "

ابتسمت أمي بسمة قاتمة قبل أن تقترب منه وهي تخرج خنجرها من ملابسها، وضعت نصله البارد فوق عنق جدي المتهدل جلده بسبب السن والمرض وهتفت بنبرة أشبه بالفحيح بعدما انحنت لتصل إلى أذنه:

- أنا مقتلتكش لحد دلوقتي علشان سالم، مع إني عارفة كل حاجة، خليك مؤدب معايا يا حمايا العزيز احسنلك .. نعيد من الأول، أنا هبارزهم.

أضافتها ببساطة بعدما ابتعدت عنه ببطء بعد أن خلفت جرح صغير بموضع الخنجر وظهر خط دماء طفيف على الفور، فضحك جدي سيًاف الذي لم يرف له جفن من فعلتها ومسح الدماء العالقة بعنقه بواسطة كفه بلامبالاة أثناء تثبيت نظراته عليها ثم هتف بنبرة ساخرة تحمل الخبث بعدما فهم:

- مفيش راجل في المملكة هيقبل إن واحدة ست تبقى هي اللي تحكم فلازم نثبتلهم انك هتقدري، علشان كده هخليكِ تواجهي سالم في الأول قدام الكل لو كسبتيه هدخلك المواجهة.

ضغطت أمي على شفتها السفلية قبل أن تخرج كالقذيفة مثلما دلفت وصفقت الباب خلفها بعنف فضحك جدي عاليًا باستمتاع، فهو يعلم إنها لن تهزم أبي أمام الجميع، أمي على الرغم من قوة شخصيتها لا تُقلل من قوة أبي أمام أحد، كانت تظن إنها ستهزم الجميع ثم أبي أو تترك أبي يصبح الملك لكن لن تهزم أبي في البداية وتترك الجميع يسخر منه لإنه السبب في المهزلة التي ستحدث، امرأة تحكم؟!

في الواقع أمي لا يهمها الحكم لكن حديث جدتي الحية الملونة كانت دائمًا تردد داخل أذنها: اعيدي الحكم لنسل العائلة الجبري، اعيدي فخر عائلتنا من جديد.

سحقًا لكِ ولعائلتك، للجحيم أنت وعائلتك ولجميع نساء المملكة.

نهض عمي هارون الذي كان يشاهد ما يحدث بلامبالاة وهو يقشر حبات الفسدق ويأكلها فهو يعلم أن أمي نفرتاري لن تقتل جدي سيّاف، لن تفعل شيء يحزن سالم ويؤلم قلبه، تحرك بخطواته ناحية الشرفة فركضنا للغرفة المجاورة بسرعة حتى لا يرانا ويعلم إننا نتلصص عليه.

أطلقنا صرخة في نفس الوقت وكأننا كورال يغني عندما رأينا أبي يقف أمام باب الشرفة من داخل الغرفة ويبتسم لنا بخبث حيث إنه يعلم منذ البداية بوجودنا وكان يقف ينتظر تلك اللحظة ولهذا تحرك عمي هارون من الشرفة وليس من الباب.

- احنا اتحاصرنا يا رجالة.

هتف بها داغر بنبرة مازحة وهو يجول بنظراته حول أبي وعمي هارون بينما نظر لنا فارس وهو يضحك بخبث ثم رفع يديه جانب رأسه دلالة على إلى اللقاء قبل أن يركض ناحية عمي هارون وقفز فوق المقعد الموضوع بإهمال ليطير من فوق رأس عمي لينزل من جديد بعدما تخطاه ويكمل طريقه، فركض ورائه عمي فلحقنا به وأبي خلفنا حتى أمسك بي وقام بدغدغتي حتى الموت.

____________ ︻╦デ╤━╼ 

جلست فَوق الفراش استمع إلى أبي الذي يقص عليَّ ما حدث معه في الأيام الماضية وهو يضع رأسه فوق قدمي كما يحب بينما أنا أمسد له خصلاته كما تفعل أمي معه، ثم بدأت أنا بامتلاك دفة الحديث وبدأت بسرد عليه مغامراتي.

تعلمون أنني أتحدث كثيرًا بالفعل.
يا اللهي! أنا أتحدث بشكل مضاعف رفقة أبي، وهو كذلك يتحدث كثيرًا بل يساعدني على الحديث أكثر عندما يسألني في عدة أشياء بإهتمام شديد على الرغم من أن حديثي يبدو تافهًا للبعض ففي النهاية مازلت صغير، عن ماذا سأتحدث وقتها؟ بالتأكيد ليس طريقة اختراع مفعل نووي.

عندما كنت أصغر من ذلك، كنت أعاني صعوبة في النطق بشكل صحيح كان الجميع يفهمني بصعوبة، ماعدا أمهاتي فالأم تفهم ابنها دون حتى أن ينطق، لكن أبي كان يفهمني بسهولة بالغة كأنني أتحدث بشكل طبيعي، يمكنني وأبي التحدث حتى الصباح بدون ملل، أما عمي هارون فكان يرفع الراية البيضاء للاستسلام والنوم ساعة قبل عمله عن طريق أحتضاني وبدأ في قص حكاية حتى أتركه يهنأ ببعض النوم.

بالنسبة إلى عمي قاسم فهو لا يفتح لي الباب من البداية في المساء ويهتف جملتهم الشهيرة "روح لعمك"لكن لا تعتقدوا إنه ليس جيد، فهو كان يقضي اليوم بأكمله يذاكر لنا دروسنا بدون ملل ويستمع لنا ويلعب معنا لكن عند وقت النوم يتحول إلى مستذئب.

- اخترعت لعبة جديدة اسمها صناديق الأوغاد، هي زي لعبه الكراسي كده بس كل واحد بيقف على صندوق ولما الدق يقف لازم ينزل من على صندوقه ويروح يقف على صندوق تاني بس ممنوع يقف على اللي جنبه علطول واللي مش بيلحق بيخسر..

- يلا نلعب بسرعة.


هتف بها أبي بنبرة حماسية ليقاطع حديثي الذي أشرح له به عن لعبتي الجديدة ثم نهض من فوق الفراش وحملني أنا وفارس الجالس بجانبي ويحاول تدليك ركبتيه لسبب غير مفهوم لكنه لا يستطيع الجلوس بهدوء بينما أنا ألعب بخصلات أبي.

بعد مرور عشر دقائق كان الجميع يقف على صندوق خشبي حتى نلعب سويًا بمشاركة الأباء وأمي دهب و داليا بينما أمي نفرتاري تقف بالخارج ممسكة الدف لتكون هي من تدير اللعبة، بدأت أمي بالدق على الدف معلنة عن بداية الجولة الأولى.

توقفت عن الدق فجأة بعد ثواني فهبطنا جميعًا من فوق صناديقنا وأتجهنا إلى آخر قبل أن تكمل ثلاثة طرقات بالدف حيث تنص قوانين اللعبة على ذلك كما وضعت، فخرجت أمي دهب بعد أن خسرت أو تظاهرت بذلك فهي تركت صندوقها لأخي "موسى" ثم تحركت للخارج وهي تضرب الأرض بقدميها بسخط قبل أن تعود من جديد وهي تضحك بخبث ثم صعدت فوق ظهر أبي تعلقت برقبته من الخلف وحركت حاجبيها لأمي بمشاكسة

ضحكت أمي بخفة وحركت كتفها بلامبالاة قبل أن تعود للطرق من جديد، لا تعتقدوا أن أمي دهب حرباء ملونة أو أمي تغار منها، على النقيض تمامًا، أمي تُقدر تعلق دهب بأخيها والأخيرة دائمًا تدافع عن أمي أمام الجميع، وتتجاذب معها أطراف الحديث، فأمي تقريبًا صامته طوال الوقت، لا تتحدث إلا قليلًا وهذا مع أبي فقط تقريبًا.

بدأ الدور الثالث بعد خروج أمي داليا في الدور السابق، قررت تحدي أخي داغر، فتقابلت نظراتنا وحركت بؤبؤ عيني ناحية الصندوق المنشود ففهم إنني اتحداه على الفور قبل أن تتوقف أمي عن الدق ونركض تجاه الصندوق وقبل أن نصل إليه لكنه ابتعد فجأة عن الطريق وأتجه لآخر، فشعرت بالدهشة لتخليه عن التحدي ثم لاحظت ركض "بكر" أخي الأصغر الذي يبلغ ستة أعوام ناحية  الصندوق المنشود، غيرت مساري في آخر لحظة لكنني لم ألحق وخسرت، لم أشعر بالحزن فهو مازال صغير على الخروج مبكرًا من اللعب ومشاهدتنا ونحن نمرح هذا غير أن لا شيء يمنعني من المرح فقد وقفت بجانب أمي لأضيف لطرقها غناء مرح ورقص أثناء اللعب.

ارتديت منامتي المشابهة بخاصة أبي بعدما صعدنا للنوم عقب انتهاء اللعب بفوز داغر كما المتوقع فهو الأسرع بيننا بعد فارس وهو ليس بكامل عافيته بعد، فقد حملني أبي حتى أنام بجانبه اليوم حيث من الواضح إنه اشتاق لي كذلك، فقد كنت أخطط للنوم رفقة عمي هارون مع أخوتي لإنه كما نصحنا عمي صالح، بينما تخلى داغر عن النوم بجانبنا بسبب مساحة الفراش لأن فارس مازل جرحه لم يُشفى بعد ليكون هناك مكان واسع من أجله.

وضعت رأسي فوق قلب أبي أسمع لحني الخاص وأهدأ نبضات قلبي التي تبعثرت من حديث جدي سياف رفقة عمي هارون بشأن المواجهة حيث قال:

- عايزك تخلي بالك، فْرّانْسوا هيحاول يقتلك في المواجهة أو يصيبك أصابه متقومش منها، وشمس هيحاول يعمل كدا معاك إنت وسالم.

يتبع..


★ متنسوش التصويت (vote) 
_____________

_ لا تنسوا الدعاء لأخوتنا بغزة في جميع صلواتكم، رفع الله عنهم ونصرهم.

للتذكير: سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، نِعمَ الزادُ هذا يا رب.

Continue Reading

You'll Also Like

38.5K 4.4K 36
[Complete] A flirty, romantic adventure & feel-good read! *** Lana Asfoor was content to live with the status quo and ignore her piling debt. Ignora...
53.4K 2K 94
Coming Into Your World I Fell In Love With You| "I'm...In love with someone who's in a TV show?! And he's not even in the show he's supposed to be a...
36.2K 2.5K 42
people read the book trust me on this one