أنوبيس

By HabibaMahmoud25

98.8K 5K 4.6K

مرحبًا بكم في المملكة لا لا، يجب أن أحذرك أولًا من يدخل المملكة لا يخرج حيًا. يمكنك المغادرة الآن.. سأترك لك... More

تنويه
قوانين التنظيم (المملكة)
الشخصيات
الفصل الأول: المامبا الحامي لي
الفصل الثاني: نساء عائلة المُهيري.
الفصل الثالث: لماذا مُراد؟
الفصل الرابع: إلى اللقاء أمي.
الفصل الخامس: قصر الأشباح.
الفصل السادس: ثم لم يبقى أحد.
الفصل السابع: لا تترُكيني.
وشم المامبا +إعتذار
الفصل الثامن: وضع الغيرة
الفصل التاسع: يوم رفقة الأوغاد.
الفصل العاشر: انا الخاطف.
الفصل الحادي عشر: النجمة المسلوبة.
الفصل الثاني عشر: لتمتزج صرختنا معًا.
مسابقة 🔥
الفصل الثالث عشر: طبيب الطاعون.
الفصل الرابع عشر: رقصة أخيرة
الفصل الخامس عشر: فتيل القنبلة
الفصل السادس عشر: وتر أكيليس.
السابع عشر: رقصة الألم.
الفصل الثامن عشر: الغجرية الساحرة.
الفصل التاسع عشر: لنتزوج ماليكا!
الفصل العشرون: وحوشي وقعت لكِ.
الفصل الواحد والعشرون: خطوبة أم معركة حربية؟
الفصل الثاني العشرون: أنا الجحيم.
الفصل الرابع والعشرون: ليو الصغير.
الفصل الخامس والعشرون: بُتر قلبي.
الفصل السادس والعشرون: خنجر بروتس.
الفصل السابع والعشرون: مُروضة أنوبيس!
الفصل الثامن والعشرون: مرحبًا بالغجرية.
الفصل التاسع والعشرون: الموت أم.. الموت؟
إعتذار
الفصل الثلاثون: الذئب الذي أكل يُوسف.
الواحد والثلاثون: لن تكسريني، أليس كذلك؟
الثاني والثلاثون: نعم، أحبك.

الفصل الثالث والعشرون: أحتضر ماليكا.

1.8K 119 242
By HabibaMahmoud25

سلام عليكم جميعًا، سيتم تغير السرد في المنتصف من سرد ماليكا إلى سرد أنوبيس، ركــــزوا يا جماعة.

جميع شخصيات عائلة عبدالرحمن (عدا عبدالرحمن وريحان) وكذلك شخصيات عائلة الجندي، شخصيات من روايات لي سابقة لم يتم نشرها ووجودهم مثل ضيوف شرف لأن جميع رواياتي المكتوبة متصلة منفصلة، لذا وجب التنويه.

متنسوش التفاعل علشان محتاجة أفرح 🤍

__________________________

أريدك بمقدار ما لا أستطيع أخذك، وأستطيع أخذك بمقدار ما ترفضين ذلك، وأنت ترفضين ذلك بمقدار ما تريدين الاحتفاظ بنا معاً، وأنا وأنت نريد أن نظل معاً بمقدار ما يضعنا ذلك في اختصام دموي مع العالم.

_ غسان كنفاني.

__________________________𓂀
𝕄𝕒𝕝𝕚𝕜𝕒

⟬ ماليكا ⟭

يوم ٢٩/ ١٢ بعد أسبوع

انسللت من الفراش بهدوء وبطء حتى لا تستيقظ شفا النائمة بجانبي مثل كل يوم فهي تستيقظ آخر واحدة، التقطت المعطف القطني الخاص بي ذو نقاشات النمر من فوق الأريكة، كتمت أنفاسي ثم عانقت بكفي مقبض الباب وأدراته برفق حتى سمعت صوت زحف القفل، فتحت جزء صغير من الباب الذي أصدر صرير مزعج خافت ناتج عن قتل مفصلاته أمام الشتاء القارص، وضعت المعطف فوق الأريكة ثم دلفت للمرحاض، صليت الضحى، قرأت أذكار الصباح والتحصينات كعادتي ثم إلى الشرفة، لحف الهواء البارد وجهي فشعرت بالراحة.

ابتسمت لي غزل الجالسة فوق الأرجوحة تشرب من قهوتها الصباحية في أحد أكوابي المفضلة الذي هو باللون الأبيض ويلتف حوله ثعبان ابيض بخطوط صفراء مجسمة والذي سرقته، لقد صار ملكها ولم تدع أحد يشرب به!

جلست على الطاولة وسندت ظهري بالحائط خلفي وكذلك رأسي، نظرت للأسفل حتى وقع بصري على ليونار يمشي فوق السور الرفيع الذي يفصل النيل عن الشارع، لم أشعر بالذعر بسبب الأرض الفاصلة بينهم، يضع فوق أذنه سماعات رأس ضخمة ويسمع الإبتهال الذي بعثته له منذ الحادث.

- مرحبًا قاسية الفؤاد، أرغب في سماع أطول انشودة ليكِ، فأنا اليوم متعب للغاية، هلّا بعثتي لي مقطع؟

قالها ليونار بصوته المتعب الخافت الممتلئ بالكآبة التي أصبحت جزءً منه وكأنها حاسة سادسة لديه مثل التذوق والشم في رسالة صوتية يوم الجريمة فجرًا فسجلت له ابتهال بصوتي وبعثته له دون تفكير في الأمر، إنه بالأساس مصاب بالأكتئاب، فقد لاحظت النوبات التي تأتي له، فهو ينطفئ فجأة بدون مقدمات، والآن..

أنا الشخص البعيد الذي شاهد المذبحة ولم أستطع التجاوز ماذا يحدث داخل ليو الصغير وهو المتسبب في ذلك من وجهة نظره؟!

رفع ليونار رأسه للأعلى وهو يمشي ابتسم بهدوء عندما تلاقت نظراتنا ثم رفع كفه وضع إصبع سبابته بمنتصف وجنته ثم أنزل يده وهو يغلق أصابعه تباعًا من الخنصر كما يفعل كل يوم، لا أعلم ماذا يخبرني بالإشارة؟!

ليست كلمة أحبك كما أخبرني المحقق هبداوي فقد بحثت عنها لكنني اعتبرها "مرحبًا" وأنا أعلم تمام العلم إنها ليست مرحبًا بالتأكيد.

لماذا تأخر كل هذا الوقت؟

لم أصنع فطور لأن ليونار يصنع لنا شيء كل يوم منذ أسبوع لإنه يطبخ عندما يحزن، لقد تناولت انواع أطعمة لأول مرة في حياتي خلال الستة أيام الفائتة من إفطار، غداء وعشاء، تقريبًا لقد زاد وزني، فقد بقينا جميعًا بمنزلي بعدما تأجل العُرس لليوم، فقد حط الحزن علينا كما يحط الضباب فوق المدن، لم يرغب أحد في تصنع السعادة بعد الهلع الذي تلبس المدينة.

هناك سفاح خطف طبيب حاصل على جائزة قبل مؤتمر مهم وقتله أمام أنظار الجميع بهذه البساطة!
العالم في حالة هلع هائلة.

- هو ليو معملش فطار ولا إيه؟

قالتها شهد بنبرة متذمرة بعدما دلفت الشرفة تتفحص الأمر، فرفعت كتفي دلالة على لا أعلم قبل أن أسمع صافرة ليونار التي جعلت بؤبؤا عينا شهد يتضاعف حجمهما من الحماس والسعادة ثم أنزلت السلة المصنوعة من الخوص على الفور للأسفل، أخرجت شهد عدد من العلب البلاستيكة أعطتني المكتوب فوقها "قاسية الفؤاد" فتحتها بهدوء فوقع بصري على فطائر "بانكيك" مرسومة على شكل سلحفاة، فضحكت بخفة وحركت رأسي بدون تصديق.

_ يا إحنا يا شرباتات يا إحنا في الكوبايات.

غنتها شفا التي دلفت فجأة ممسكة بحاوية أكواب حديدية لتبدأ فقرة الغناء الشعبي الذي يحدث عادتًا في المناطق الشعبية اللطيفة قبل العرس في محاولة ناجحة منها لاستعادة سعادتنا من جديد، فنحن لدينا عُرس اليوم!

بينما في الداخل في غرفتي تحديدًا حيث جلست نجمة فوق مقعد أمام المكتب الصغير وأمامها مذكرات أقلام ودفاتر حيث تحاول المذاكرة رفقة زوجها رائف الذي صار يحضر معها الشرح ليساعدها، وضعت كفها فوق جبهتها وهي تحاول قراءة السؤال أمامها من مادة المحاسبة ثم هتفت بضجر:

- ليه  الدفعات السنوية بتظهر دائنة مش مدينة؟ مش المفروض بتتسجل كده.
من ح /الإيرادات والمصروفات
إلي ح/ الدفعات السنوية

- حبيبتي الدفعات السنوية دي مصروف على شركة التأمين فلازم تظهر في خانة المدين، إنما مقابل الدفعات السنوية هو ده اللي إيراد يظهر في خانة الدائن، الدفعات السنوية دي إيه؟ مصروف الناس بتروح لشركة التأمين تدفعه..

قالها رائف بنبرة رخيمة ليشرح لها الأمر ثم بدأت في شرح ما يحدث بالشركة بشكل تفصيلي لكنها لم تستمع لشرحه فقد بعثرت نظراتها على ملامحه وحركات جسده البسيطة التي تعشقها تذكرت ما حدث في الأسبوع الماضي ووجوده بجانبها طوال الوقت لاحتواء الخوف الذي قبض على خصلات قلبها من جديد وقطع يده حتى لا يتمّلك منها ويفتك بها، حتى إنه موجود كذلك داخل كوابيسها في هيئة الصياد الذي يقتل الوحوش المطاردة لها.

كيف يمكنه بابتسامة واحدة هادئة زرع بذرة الطمأنينة داخل صحراء خوفها المُروّع؟
كيف يمكنه أن يسحر البذور لتزدهر داخلها هكذا باقصى سرعة وتنتشر لتحول الصحراء إلى منطقة زراعية خصبه؟
هل هو ساحر؟
إنه ساحر بالفعل! كم هو وسيم!

_ أنا كنت بقول إيه؟

قالها رائف بنبرة مراوغة وهو يضيق جفنيه بخبث عندما لاحظ شرودها في ملامحه، فانشقت وجنتها عن ابتسامة خجولة ووضعت كفيها فوق وجهها المحمر بفعل الخجل لتخفي حالها عنه، ضحك رائف عاليًا ثم أمسك الصحن الموضوع جانبه فوق المكتب والذي يحتوي على معكرونة باللبن والتي تكون حلوتها المفضلة، مد يده تجاه فمها ليطعمها كعادته وهو يقول بنبرة مرحة:

- مش مهم أشرح تاني، هو الواحد يطول يشرح للنجوم؟

_ نظرة لقلبك تغير المقدور، تصلح علاقة مزقها الغرور.

قالتها نجمة بنبرة درامية ببراءة تقلد الساحرة في فيلم الشجاعة بعدما سحبت الشال الثقيل التي تضعه فوق كتفها حول ذراعها وثبتته أمام وجهها أسفل عيناها مباشرة وهي تنظر له بثبات لتتهرب من المذاكرة وتضيع الوقت، بينما هو تجمد لبرهة وهي ينظر لعيونها المكحلة بالكحل العربي الأسود من خط جفونها السفلي والعلوي حيث يظهر جمال عيونها البنية بشكل خلاب قبل أن يقول بقلة حيلة:

- والله مفيش حاجة اتمزقت غير قلبي من سهام عيونك.

اندفعت الحرارة إلى وجنة نجمة وكأن بركان انفجر بكل ناحية من وجهها بفعل الخجل بينما هو مسح على خصلاته بكلا كفيه وهو يطلق تنهيدة طويلة قبل أن يمسك الصحن من جديد ليطعمها وهو يقول بتساؤل عندما فهم مراوغتها:

- مش عايزة تذاكري صح؟ .. أحسن بلا مذاكرة بلا قرف تعالي نلعب.

أضافها بنبرة ضاحكة على رد فعلها بعدما حركت رأسها نافيًا وهي تمط شفتيها للأمام بضجر ثم نهض من مجلسه بحماس وأخرج من حقيبته كراسات، مجلات خاصة بالأميرات، مقص، صمغ لاصق للورق وكذلك دفتر باللون الأسود ذو غلاف ثقيل، وضعهم أمام عيونها فوق الطاولة ثم هتف بنبرة مشاكسة وهو يمسك وجنتها ويضغط عليها مثل الأطفال:

- أنا كنت مخليهم شوية علشان تبقى جائزة إنك خلصتي مذاكرة واسقفلك وكدا، بس إنتِ شقية ومشاغبة.

بعثرت نجمة نظراتها على الأشياء ففهمت على الفور ما يحدث حيث إنها في صغرها كانت تحب قص الصور المطبوعة في جلاد الكراسات الخاصة بها وجمعها ولصقها في دفتر كهواية لها، لكن إمها اكتشفت ذلك والقته في القمامة فربما ظنت إنه شيء غير مهم ففي بعض الأحيان لا تفهم الأمهات هوايات صغارها بسبب البعد النفسي بينهم، ومنذ ذلك اليوم لم تمارس تلك الهواية من جديد حيث قلبها حَزَن وأعلن حالة الحداد على ذلك.

_ يا قابَ شوقينِ بل أدنى بأعماقي
شوقٌ يزورُ وشوقٌ في الحشا باقِ

كأنما القلبُ كأسٌ قد مُلئتَ بهِ
وفاض كأسيَ فارحم أيها الساقي!

قالتها نجمة بنبرة عاشقة وهي تنظر إلى رائف بعيون يتقافز منها الحب بعدما تذكرت الأبيات المقتبسة التي دونتها في دفتر الشعر التي تحتفظ به والذي صار كله الآن خاص برائف حيث تشعر وكأن جميع الشعراء كتبوا هذه الكلمات بواسطة دقات قلبها المشتعل بحب هذا العفوي الجميل الذي لا يعلم قلبه أي شيء سوى الطيبة.

- براحة عليا علشان أنا مسكين مش قد كلامك اللي هيموتني ده!

قالها رائف بنبرة مندهشة بعدما خرج من لعنة ميدوسا التي حولته لحجارة من وقع كلماتها عليه ثم أمسك المجلة أمامه ليبدأ في مشاركتها الأشياء التي تحبها، أمسكت نجمة المقص بحماس وحاولت التركيز في صنع اللوحة الفنية التي تحبها وعدم النظر له، بحثت عن صورة أميرتها المفضلة روبانزل وبدأت بقص حواف الصورة بحماس وهي تفكر في ترتيب الصور داخل دفترها.

- أنا ليه مش بحب تيمون؟

قالتها نجمة بغتة بنبرة متسائلة إلى رائف بعدما نظرت له بجفنين ضيقين لتختبره أثناء وضعها المقص الخاص بالورق عند رقبته بتهديد عن طريق دغدته به!، انعقد حاحب رائف بشدة في تفكير عميق بلأمر بينما ركض الرجال داخل عقله يخرجوا جميع الملفات الخاصة بعالم ديزني الذي غرق داخله دون رغبة بالنجاة بعدما تزوج بعاشقة أفلام ديزني التي تختبره كل دقيقة بأسئلة عجيبة تفحمه بها في كل مرة.

- علشان قال عليكِ إنك دبانة منورة؟

قالها رائف بتشكك بعدما تذكر المشهد الذي قال به تيمون إن النجوم في السماء:
"دبان منور لازق في السجادة الزرقة".
انبسطت ملامح نجمة ثم صفقت له بمرح من نجاحه بالإختبار هذه المرة حيث إنه تحسن كثيرًا عن السابق، إنه لم يكن يعلم ماذا يحدث إذا ضحك الطفل لأول مرة!!
كيف له إن لا يعلم أن هناك جنية تولد؟!
كيف له أن يفعل ذلك بقلبي؟!
لكنها مررتها له من الخارج بالطبع لإنه لطيف.

__________________________𓂀
بمنتصف اليوم..

ارتدينا جميعًا الفساتين المتشابهة، الذي هو عبارة عن فستان من قماش المخمل بلون الإخضر الداكن أقرب للسواد واسع الأكمام بحزام خفي من الخصر حيث مثبت من الداخل يتم سحبه وربطه من الخلف، ينسل باتساع من الخصر حتى الكعبين، برقبة عالية بعدما اصريت على ذلك حتى ارتدي قميص صوفي من الأسفل، فأنا لن اتجمد من أجل الجمال، كما ارتدت بنطال به فرو من الداخل ليضمني بقبضة دفئ أسفل الفستان.

وقفت جانب الفتيات ندفع بعضنا البعض بمرح حتى تفوز واحدة بيننا بالوقوف أمام المرآة التي تظهر هيئتنا بالكامل حيث إنها واحدة فقط بالغرفة، لكنني استسلمت وتحركت حتى يتسنى لشفا تثبيث حجابها وكذلك فعل البقية.

تحركت تجاه الخزانة وأخرجت الصندوق الذي أجمع به الرسائل بسبب رغبتي في إرتداء القلادة التي جلبها لي، لا أعلم من جلبها، لا أعلم هل هو إسلام أم مراد أم شخص ثالث؟
لا يهم، لقد طفح كيلي وانفجر عقلي من كثرة التفكير البغيض.

التقطت العُلبة المخملية الحمراء من داخل الصندوق بينما ركضت شفا حتى توقفت خلفي لتنظر إلى ما أخرجته، فتحت العلبة بهدوء فظهر أمامي قلادة ذهبية على شكل طائر العنقاء الذي يشبهني بمنتصفها ماسة باللون البني المائل للأحمر، ومعلق بها ورقة ملتفة صغيرة على شكل ورق الباردي كُتب داخلها:

⟪ كالعنقاء أنتِ تحترق ثم تحيا من رمادها، كوني دائمًا هكذا، قوية، مشاكسة، فاتنة ومضيئة، الإنطفاء لا يلقي بكِ أيتها الغجرية الساحرة ⟫

لقد بعثها لي عقب موت أمي مباشرة عندما كان الحزن يفتك بي، أعدت كل شيء مكانه في الصندوق بعدما ارتديت القلادة، أحب هذه القلادة لكنني لم أرتدها قط حتى لا أرسل لمراد رسالة غير مباشرة بأنني مازلت أحبه، لكنه ليس مراد وأنا حزينة، هذه القلادة تذكرني بعدم الإستسلام، تذكرني إنه يمكنني الإحتراق لكن يجب أن أنهض بعد ذلك من رمادي وأحيا من جديد.

- طالما كدا كدا مش بتحبي عامر اتجوزي سارق التوت ده، ده أنا قربت أقع في حبه.

قالتها شفا بنبرة متهكمة وهي تتجه للمرآة من جديد بخطواتها الرنانة بسبب حذائها ذو الكعب العالي، على أرضية غرفتي الخشبية حيث أنها مصممة على الطراز البوهيمي، الذي يطغى عليه اِستخدام الأخشاب والألوان الذاهية والنباتات والمعلقات المنسوجة بالخيوط (المكرميات)

- مش إسلام اللي بيبعت الرسايل.

قالتها غزل بنبرة واثقة وهي تضع سيجارة بين شفتيها التي تقلصت لتقبض عليها، ثم أمسكت قداحتها التي تكون على شكل مسدس صغير الحجم، أضاء طرف السيجارة باللون الأحمر عقب سحبها نفس طويل منها بعدما اشعلتها ثم استطردت من جديد عندما رأت نظراتي المستفسرة طلبًا في المزيد:

- مش قصدي أقلل من إسلام طبعًا أنا بحلل الحالة، بس الحجر ده حقيقي مش إكسسوار.

أمسكت القلادة وتفحصت الجوهرة التي تقبع المنتصف والذي بالطبع لم أعلم إنها حقيقية سوى الآن، ازدات وتيرة خفقات قلبي حتى شعرت بأنني على وشك الإغماء، إسلام بالطبع لن يستطيع شراء تلك الماسة كهدية عابرة لإنه شاب بسيط، ارتج جسدي عندما صدح صوت جرس الشقة حيث انغمست بالتفكير ثم تحركت للخارج حتى أفتح لمراد لإنها النغمة التي يصدرها بطريقته.

- إيه رأيك؟

قالها بنبرة هادئة وهو يفتح ذراعيه جانبه حتى يتسنى لي رؤية الرداء الأبيض الخاص بملابس النوبة المكون من بنطال أبيض وبلوزة بنفس اللون ومن فوقها سترة مزوكشة وملونة باللون الأخضر، الأصفر والأحمر وكذلك قبعة ملونة حيث يرتدي مثل الرجال من عائلة ريحان وكذلك أخوة خوفو، حركت رأسي برضى بعدما ابتسمت بهدوء فهو معتاد على ذلك لأنني من يجلب له ملابسه بالأساس فهو لا يعلم كيف يشتري جورب بمفرده!

- ماليكا بعد إذنك بعد الفرح ترجعي للبيت تاني وتسيبي السكن ده خالص، إنتِ شايفة الوضع عامل إزاي وأنا مش عايز أفضل قلقان عليكِ كتير، إنت هتفضلي ملزومة مني حتى بعد ما تتـ.. تتجوزي لو سمحت بلاش عناد وخليني أكون قد الأمانة اللي خالتو سابتها ليا.

قالها بنبرة هادئة على عكس عادته مع تهدج صوته في المنتصف عند ذكر زواجي، فتنهدت بعمق وحركت رأسي بالموافقة أذعن لطلبه هذه المرة، فأنا أعلم إنه خائف بالطبع بعد خطف فريد و أمر السفاح وكذلك علمه باشتراك ليونار في الأمر حيث إنه استطاع تمييز وشمه وكذلك خالتي فلا داعي للنفي، حمدًا لله إنهما يظناه الشخص الجيد الذي يحقق العدالة!

لم أكن أعلم باشتراك ليونار في شيء يخص كريم أو إنه على علاقة به من الأساس لكن الآن على الأقل استطيع الربط بين علاقة جميلة بكريم، ربما يبتذه كريم بشيء أمسكه عليه ليعمل معه مثل الأفلام.

__________________________𓂀

فبعضي لديّ وبعضي لديك
وبعضي مُشتاق لبعضي .
فهلّا أتيت؟.         
           
- محمود درويش.

جلست ريحان فوق الأريكة بغرفتها تقرأ وردها اليومي، شعرت بالسكينة تغزو قلبها المتألم وهي تردد الكلمات التي حفطتها عن ظهر قلب حتى وصلت للآية الكريمة من سورة البقرة:

{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }

_ يارب ياذا الجلال والإكرام أرح قلبي وأرفع عني واغفرلي، يا ولي يا حميد أرفع عني ما اصابني.

رددتها ريحان بعدما رفعت نظرها عن المصحف لتدعو الله أن يرفع عنها الهم والحزن الذي أصاب قلبها، ثم قبّلت المصحف ووضعته جانبها قبل أن تنهض من مجلسها عندما صدح صوت طرق الباب.

- ولا حول ولا قوة الا بالله.

رددته ريحان أثناء خروجها للخارج وهي تمرر حبات مسبحتها البيضاء حول أصابعها السمراء التي تصدر صوت طرقعة خافتة في كل مرة تسقط حبة، حيث إنها تحب هذا الذكر، عقدت حاجبيها في حيرة عندما وجدت أمها تجلس فوق الأريكة ولم تفتح الباب هي لكنها ابتسمت بهدوء بعدما ظنت إنها متعبة وتحركت تجاه الباب وسحبت القفل القديم الذي يشبه شكل المربع.

- ايه ده انتي لسه ملبستيش؟! .. إيه يا ريحان المأذون فوق علي الروف.

أضافها خوفو الذي ظهر أمامها ببساطة بعدما تقلصت المسافة بين حاجبيها على حديثه السابق الذي خرج بنبرة مندهشة كاذبة من رؤيته لها ترتدي إسدال الصلاة، رفرفت ريحان بأهدابها عدة مرات تحاول استيعاب ما قد وقع على مسمعها من جنون.

- إنتِ فاكرة لما تقولي مش عايزه أتجوز همشي وخلاص كده، ده أنا اخطفك يا حلوة!

- هو بالعافية أنا مش هتجوز لو سمحت أطلع قوله يمشي.

قالتها ريحان بنبرة جامدة بعدما تأكدت من صدق حديثه عندما نظرت إلى أمها ووجدتها تبتسم بخبث كذلك أعاد لها عقلها جميع الأشياء المريبة التي تحدث حولها من تمتمات خافتة بين نساء العائلة والطلعات الكثيرة التي تظهر من العدم ولم يدعوها أحد إليها.

- أنا وِحش للدرجادي؟

قالها خوفو بنبرة حزينة بعدما تركته ريحان ودلفت غرفتها وهمت أن تغلق الباب لكنه أحال ذلك بعدما وضع قدمه بين الباب والحائط، حركت ريحان رأسها بالنفي بينما لمعت الدموع بمقلتيها السودوان بعدما تذكرت أمر الإنجاب من جديد وكأن الأمر هو أكثر الوحوش المرعبة بالنسبة لها.

- مين قالك إني عايز أخلف، لي بتقرريلي من دماغك؟

- ليه مش عايز تخلف، مفيش حد مش عايز يخلف.

قالتها ريحان بنبرة منفعلة عالية نسبيًا بعدما تساقطت دموعها فوق وجنتها وارتعشت شفتاها تعقيبًا على حديث خوفو الذي خرج بنبرة مستنكرة يجيب على ما أخبرته به عينيها ولم تنطقه شفتيها وكأنه سمع صوت صرخات روحها داخل أذنه واضحًا ليحاول تهدئها بخاصته.

- علشان مش لازم أخلف علشان ابقى أب، هارون المُهيري أبويا، أهم حد بالنسبالي بحبه أكثر من أي حاجة وهو مخلفنيش، عايزة تبقي أم؟ هتبقي أم عندنا أطفال كتير أيتام معندهمش أمهات، اعملي معاهم زي ما حصل معايا .. ريحان علشان خاطري متكسرنيش علشان شويه أفكار في دماغك.

قالها بنبرة راجية متهدجة وهو يثبت نظراته التي لمعت كالزجاج بفعل الدموع بخاصتها قبل أن تخفض بصرها عن وجهه للأسفل وهي تفكر في الحديث الذي نطق به، أغمض عينه لثواني بترو ليحاول السيطرة على مشاعره قبل أن يقول بنبرة جامدة على الرغم من كونها مازحة:

- علفكرة إحنا في الرؤية الشرعية يعني بصي لجوزك يا حلوة، أنا هطلع استناكِ فوق لو مطلعتيش هنزل أجيبك من شعرك .. أيلانِّي إكاي وايقِنان .. ووو أنِّتو .. ( قلبي مُتلهِف إليك .. يا حبيبتي )

شهقت من جملته الأخيرة وارتفعت وتيرة خفقات قلبها رفقة حرارة جسدها من التوتر عندما هتف بجملته الأخيرة وهو يغمز بعبث عندما توقف أمام الباب قبل أن يخرج من الشقة في محاولة منه لإصابتها بنوبة قلبية، وقفت متيبسة كمسمار من وقع حديثه لكنها خرجت من شرودها على السلاح المحبب لقلب الأمهات المعتاد وهو الخف المنزلي البلاستيكي الذي عانق وجهها.

- إنتِ لسه بتفكري، جرا إيه يا بنت عايزاه يجي يبوس رجلك ولا إيه؟ ادخلي البسي الفستان في الدولاب بتاعي.

قالتها أمها بنبرة ساخطة ثم أخرجت صوت شعبي من فمها وهي تهز رأسها بسخرية منها، فضحكت ريحان بخفة ودلفت غرفة أمها أخذت الفستان المعلق بعناية داخل خزانتها وخرجت من جديد إلى غرفتها، ارتدت البنطال الأبيض والقميص القطني بنفس اللون من أسفل الفستان وقبل أن تكمل ملابسها دلفتا عليها الغرفة أختها ليلة وابنة خالتها رويدا حتى يساعداها في ارتداء الفستان.

- مين مين مين مين زينا الليلة؟ عروستنا حلوة جميلة.

قالتها خالتي عزة بغناء التي سبقتنا إليها وهي تدلف الغرفة وتطرق على الدف الذي سرقته من رائف وتنظر لها بابتسامة واسعة حيث وصتها أمي أن تبقى مع ريحان في زواجها بدلًا منها قبل أن تذهب إلى خالقها، نظرت لها ريحان بلهفة قبل أن تركض تجاهها وتحتضننها بعدما بدأت تبكي من جديد بسبب تذكرها أمي، أمها الثانية ومثلها الأعلى.

ارتدت الفستان الأبيض الفضفاض المصنوع من الفستان ومن فوقه قطعة إضافية تشبه عباءة ذات الرداء الأحمر لكن هذه بيضاء ذات قلنسوة وطويلة من الخلف تجرجرها خلفها، وقفت خالتي عزة أمامها وبدأت في تثبيت الخمار جيدًا بالدبابيس ثم رفعت القلنسوة وثبتتها بالحجاب، عادت خطوتين للخلف لتشملها بنظرة منبهرة وهي تردد "اللهم بارك" عدة مرات ثم عدت لها من جديد وضعت كفها الناعم والدفئ فوق جبهتها لتبدأ في تحصينها، وعندما انتهت هتفت بجملة من لغتها وصتها أمي عليها:

- حِلَّن بُروي إكَّا أراقتِر .. ( بنات الحي رقصن لكِ )

__________________________𓂀

صفينا السيارات والدراجات بمرآب في أول الشارع بعدما مررنا بمشهد لا يختلف عن عرس نجمة بشيء إلا إن الاختلاف الوحيد هو قرب المسافة بين بيتي وبيتها حيث أنني أقطن على النيل بينما هي في الشوارع الداخلية، ابتسمت لي نفرتاري ابتسامة لطيفة وهي تمشي جانبي حيث كنت أركب خلفها مثل المرة السابقة، ولا أعلم لماذا فكرت بذلك لكن هذا جعلني أضحك.

حيث تخيلت حالي زوجة ليونار وهذه حماتي، اعتقد إننا كنا سنصبح أصدقاء، كما إن غزل زوجته السابقة واحدة من صديقاتي المقربين، لذا أين الإثارة بالأمر؟ لقد ضيعت على حالي سيناريوهات روايات كثيرة قرأتها!

الن تخبره أمه: ما هذه الفتاة التي ليست من مستوانا، كيف يمكنك أن تضم فتاة مثلها إلى عائلة نفرتاري سلطع ابنة سلطع الذي يمتلك واحد من أشهر مطاعم الهمبرجر في العالم؟!

تبًا ماليكا أنا لست فقيرة حمدًا لله، لكنني لا أملك مطعم شطائر همبرجر، أرغب في تذوق سلطع برجر وكذلك الخلطبيطة بالصلصة، هل أطلب ذلك من ليونار؟

هل هو زوجك يا امرأة؟ ألم يكفيكِ تجاوزات حتى الآن؟!

خرجت من شرودي عندما تعلقت شهد بذراعي وتحركنا داخل شارع يشبه عدد كبير من الشوارع المصرية، صدحت طرقات أحذية الفتيات فوق بلاط الأرض الذي يكون على شكل دوائر رمادية وحمراء بينما أنا صدر صوت خافت بسبب حذائي الرياضي الأبيض، مازلت في شجار من الأحذية العالية، لكن جميع الأصوات قتلت عندما صدح صوت الموسيقى من جديد من السماعات التي يحملها أحد المامبا بين يديه لتبدأ فقرة الرقص الآن بمنتصف الشارع.

- أخيرًا عرفت الظابط شبه مين، بس هما إزاي شبه بعض كده؟ هو عمو صالح اتبنى واحد بس والتاني اتبنته عيلة محترمة، وبقي واحد ظابط وواحد حرامي زي المسلسلات.

قالتها شفا التي تتعلق بذراعي الآخر بتلقائية بلهاء بعدما شهقت تزمنًا مع ضرب موضع قلبها في حركة شعبية من المفاجأة عقب توقف الضابط "راشد" لثانية أمامها ثم تحرك من جديد بعدما غمز لها بتلاعب ليظهر حاله أمامها ويخبرها إنه هو الضابط حيث إنها لم تتذكره حتى الآن. 

- هو الظابط.

- اقسم بالله؟!

قالتها شفا بنبرة عالية بعدما جحظت عيناها بفعل الصدمة التي أصابتها من حديثي الذي خرج بنبرة غير مصدقة من تحليلها للأمر بعدما رمشتُ بأهدابي عدة مرات من المسلسل الهندي التي عرضته داخل أذني وتحليلها الذي يستحق الدفن للشبه بين راشد والضابط.

وصلنا أسفل بناية كبيرة نسبيًا قديمة مكونة من عدّة طوابق، استقبلنا عبد الرحمن بالأسفل بابتسامة واسعة وترحيب ثم تحرك تجاه زوجته عاليا المتعلقة بذراع فريدة وحملها فوق ذراعيه حيث أن العُرس على سطح المنزل والذي هو بدون مصعد ثم ابتلعه المنزل بالداخل.

- اِستنوا هتطلعوا على رجليكم وعيالكم موجودين؟!

قالها هارون بنبرة هادئة إلى الثلاث سيدات الآتي يظهر عليهن كبر السن قليلًا أو بالأحرى في نفس سنه إذا تركنا وسامته ولياقته البدنية بعيدًا، حيث تحركن للداخل حتى يصعدن خلف عبدالرحمن لكن كلمات هارون أوقفتهن.

- حرام عليك يا هارون أنا تقيلة على العيال.

قالتها سيدة ممتلئة قليلًا بنبرة معترضة وهي تنظر تجاه الشباب بحنان أم تخاف على تعب صغرها فتفعل كل شيء بخفة فراشة على الرغم من جناحها المكسور، أشاح لها هارون بيديه بعدها نظر ناحيتهم حيث كانوا يندموجوا في الرقص على بُعد منّا.

- مرحبًا قيصر.

- ما الذي تفعله هنا هاديس؟!

قالها قاسم بنبرة غير مصدقة وهو يعقد حاجبيه بتفكير بعدما ظهر القائد الذي يُدعى هاديس أمامه بعدما تقدم منّا حيث كان يجلس على مقهى شعبي صغير للغاية على بُعد بنايتين من موضعنا ثم هتف بجملته بنبرة مهتزة.

- لقد بعث لي صغيري العنوان .. حسنًا سأخبرك شيء لكن لا داعي للغضب نحن بعُرس كما ترى، بالمناسبة أنا لن أخبر أحدًا شيء أقسم ولائي بالكا..

- اختصر هاديس.

قالها قاسم بنبرة ظهر بها نفاذ صبره من حديث هاديس الذي خرج بنبرة متوترة وهو يمسح خط العرق الظاهر أسفل حواف شعره بمحرمة ورقية، فتنهد هاديس بعمق قبل أن ينهال عليه بمصيبته دفعة واحدة.

لقد دعاه القائد سِت على العشاء مساءً وفجأة عرض فكرة لعب لعبة "بابجي" على الحقيقة لكنه لم يكن هو بل هاديس أو الشخصية الأخرى منه حيث إنه مصاب باضطراب تعدد الشخصية فوافق على الفور بما إن حليم وتركي لم يكونا معهما حيث إنضموا لإخوتهم للإحتفال حيث إن تركي كان سيجعله يتوقف لكن "سِت" اختار اليوم بعناية ليشاركه اختلاله، خرج كلًا منهما رفقة جميع رجاله إلى الحديقة التي تم تجهيزها مسبقًا لتبدأ الإبادة الجماعية لجميع الرجال حيث سقطوا جميعًا واحد تلو الآخر ولم يتبقى سوا "سِت" وهاديس، أصاب هاديس شمس في ذراعه لتنتهي المباراة بفوزه هو لإنه لن يقتله بالطبع بسبب القوانين.

- ماذا فعلت؟! 

- لم يكن أنا قيصر أقسم، لن أكن لأفعل هذا برجالي.

هتف بها هاديس بنبرة متوترة وهو يبتلع ريقة بخوف بعدما هدر قاسم بجملته وهو يمسكه من تلابيبه عقب ارتسام جميع إمارات الغضب على وجهه ليظهر في هيئة لم أراها من قبل.

- تباً لك هاديس وتبًا لإنفصامك، بعض رجالك لديهم عائلة، لديهم أطفال ليسو لُقطاء مشردين كرجال سِت فهو لن يضم رجال لديهم نقطة ضعف.

- سأتكفل بجميع عائلتهم أقسم.

قالها بنبرة مختنقة من أثر ضغط قاسم على رقبته بظهر كفه الذي يلتصق بمنتصف رقبته عقب صراخ قاسم في وجهه بجملته السابقة بعدما تحول كليًا الآن وهو يفكر في الأطفال الذين صاروا بلا عائل بسبب اختلال واحد من القادة أراد أن يسلي وقته فاستغل مرض رفيقه، وكأن الرجال ليسوا بشرًا!

- يا فرحــتي، الواد سابك يوم واحد بس، يوم واحد تخرب فيه الدنيا! بعد كدا لما يسيبك تيجي تتنيل تقعد قدام عيني.

قالها قاسم بنبرة ساخطة وهو يدفعه للخلف بعدما انهى جملته بطريقة آمرة، فحرك هاديس رأسه بالموافقة وهو يتنفس الصعداء بينما أنا شعرت بالريبة، هذا القاسم اللطيف الذي ابتاع لنا مثلجات يخافه واحد بقوة هاديس؟!

لكن لا داعي للتعجب فهذا الزعيم، لكن السؤال الذي يدور داخلي الآن وأردت سؤاله له منذ خطبة نجمة هو: إذا كان هارون الأقوى والملك المنتظر سابقًا كيف أصبح هو الملك؟

- تعالو شيلوا أمهاتكم.

قالها هارون بصوت جهوري قاطعًا النقاش الحاد والنظرات الدائرة بين الاثنين التي تختلف بين كلًا منهما حيث يظهر السخط في نظرة قاسم والندم في نظرة هاديس، لكن ايكفي الندم بعدما تسببت في قتل أكثر من عشرة رجال؟

انتبه جميع الشباب له وتجمدوا في أماكنهم وكأن أحد أوقف الفيلم على التلفاز المتصل بالأنترنت فجأة قبل أن يركضوا جميعًا تجاه النساء كقطيع من الصقور المفترسة انجذبت لرائحة جثة وهم يدفعون بعضهم البعض يسحبوا بعضهم للخلف أثناء تنافسهم من سيحملهن حتى وصولوا لهن وبدأوا يقتلون بعضهم البعض حيث نشب شجار من العدم.

- بـــاس يا ثــران يا ولاد الثــران اتلموا .. راشد وبكر ونيلان.

هدر بها صالح بصوت جهوري مفعم بالغضب ليوقفهم عما يفعلونه بعدما أحمر وجهه من الغضب ثم نظر شزرًا لهارون و كأنه يلومه على عدم تحديد من سيحملهن بينهم حتى لا ينشب هذا الشجار، اقترب الثلاثة من وسط الجميع وكلًا منهم حمل سيدة اختارها بعناية لأنها أمه بالرضاعة ثم دلفوا للداخل بينما وعاد الباقي للرقص من جديد كأن شيئًا لم يحدث.

- أنا مش قولت يا حليم مفيش حيوانات هتتاخد معانا.

قالها صالح بنبرة ساخطة بعدما أمسك حليم من ملابسه من موضع رقبته من الخلف وسحبه من جديد حيث كان يمشي على أطراف أصابعه ببطء ويحاول التسلل لداخل البناية بهدوء دون كشف أمره أثناء حمله للفأرة "ريري"، فتوسعت عيون حليم ببلاهة قبل أن يقول ببساطة مفسرًا ما حدث معه:

- ما هي شبطت فيا وقعدت تعيط وقالت "عايزة أروح فرح عمو خوفو"  ودبدبت في الأرض كده.

قالها بنبرة ميلودرامية يمثل ما حدث معه بعدما رفع نبرة صوته عندما قلد نبرتها في خياله وانهى حديثه وهو يضرب قدميه في الأرض بتذمر ليمثل له مشهد تمسك ريري به بالكامل، فرفع صالح حاجبه الأيسر بتهكم وكأنه يخبره: هل تراني ؟!

- و أخلاق ليو شبطت فيا.

- نعم عماه، لقد رأيت ما حدث بكلا عينان وأخلاقي الحميدة.

أضافها ليونار بنبرة رزينة وهو يحرك رأسه بثقة يؤيد حديث أخيه حليم الغير منطقي بالمرة والذي لن يصدقه سوى طفل في الثانية، تركه صالح ونفخ وجنتيه بالكامل قبل أن يطلق النفس بضيق وهو يتمتم بعدّة كلمات لم أفهم معظمها لكن وصل لي "الرحمة من عندك يا رب" بعدما شملهم بنظرة توحي بأنه على وشك الإصابة بالاغماء من ارتفاع ضغط دمه.

- صرصـــار.

صرخ بها رائف بلهفة ممتزجة بالمفاجأة وهو يشير ناحية الحائط الذي يمشي جانبه صرصور كبير الحجم جعل صرخات الفتيات ترتفع قبل أن يركض وعلى وجه يرتسم استمتاع رهيب ثم أمسك به رفعه أمام وجهه مباشرة ونظر له بتمعن ثم هتف بحماس صارخًا في وجهه:

- هسميك مدحت.

- إيه القرف ده؟!

قالها ليونار بنبرة غير راضية بعدما أخرج صوت يدل عن التهكم من فمه وهو يقترب منه حتى صار خلفه مباشرة وقرب رقبته للأمام لينظر إلى الصرصور بوجه متشنج من التقزز قبل أن يستطرد بنبرة حانقة:

- مش لايق عليه مدحت خالص، شايف الشنب، شوقي أحلى أو شوكت.

طوال حياتي أشعر بالتحير من كلمة غريب الأطوار، لكن الآن لا أجد تعبير يوصف شلة المخابيل هؤُلاء سوى غريبي الأطوار.

_ اتطلقي.

قالتها شفا ببساطة وهو تنظر إلى نجمة المتيبسة في مكانها أثناء تعليق نظراتها الجاحظة بزوجها الممسك بالصرصور بأنامله كأنه سحب السيف الأسطوري من الصخرة وسيت تتويجه ملكًا، والذي همّ أن يتشاجر مع ليونار الآن بسبب الاسم الذي لم يعجبه لكن قاطع شجارهم حجر طار ناحيتهم بغتة فالتقطه رائف بحركة سريعة وكأنه "نينجا" بالفعل ثم التقط آخر لحق الأول باليد الأخرى مما أدى لوقوع الصرصور من يده.

نظر رائف تجاه الرامي الذي لم يكن سوى طغل صغير يبدو في السابعة يقف بالشرفة الأولى في البناية التي تقبع بالناحية الأخرى ثم عاد بنظره للصرصور الذي اختفى، فعاد إلى الطفل بعيون محمرة من الغضب مما أدى لخوف الصغير وركضه للداخل، تحرك رائف بسرعة وصعد فوق سيارة تصطف بالأسفل ثم إلى سقيفة جلدية للدور الأرضي على شكل نصف دائرة بيضاوية بعدها لسور الشرفة بسرعة خاطفة ومهارة عالية حتى دلف للشقة في لمح البصر!

- يانهار أبيض! الحق يا هارون، الواد دخل عند الناس.

قالها صالح بنبرة مرتعدة وهو ينظر في أثر رائف بدون تصديق وعينين متحجرين من ما فعله ثم حوّل نظر ناحية الشباب المستمرين في الرقص في نية منه ليخبر أحد حتى يعيده في نفس الوقت الذي خرج به  "باسل" من محل بقالة صغير يحمل بين يديه عُلبة بها كعك بصلصة الفراولة "كيكة هوهوز بالفراولة" والسعادة ترتسم على وجهه وكأنه وجد كنز ثمين، نظر له الجميع بلهفة نظرة تشبه خاصة البشر الأوائل من قاطني الكهوف عندما يقع بصرهم على حيوان للصيد قبل أن يركضوا جميعًا تجاهه ويشكله فوقه هرم بشري ضخم قبل أن ينفض ويظهر باسل من جديد دون الكعك.

فنظر باسل لهم وللعلبة الفارغة بين أصابعه برتابة قبل أن يطلق صرخة عالية لمحارب سومو وهو ينقض عليهم بقفزة عالية فبدأ الشجار من جديد، رفع صالح يديه وغلل خصلات شعره بأصابعه قبل أن يقبض عليهم بكفاه بعنف وهو ينظر لهم والشرر يتطاير من عينه حيث بدا وكأنه يمسك حاله من إخراج سلاحه وتفريغه رصاصاته في أجسادهم.

_ في أيه يا أم كوثر مالك؟

قالتها السيدة زينب أم عبدالرحمن بعدما قفز رائف من جديد وركض خلف هارون ليحتمي به من نيران صالح ولسان المرأة التي خرجت للشرفة خلفه وهي تسبه سبات نابية بأسلوب شعبي وصوت عالٍ جذب جميع الأنظار له فخرجت السيدة زينب لتكون له حبل النجاة من حبل المشنقة التي وضع رأسه به وكاد أن يحصد روحه.

- يعني ينفع كده يا أم عبد الرحمن أبقى قاعدة بلف ورق العنب في الصالة القي راجل داخل عليا بيجري ورا ابني في الشقة، يرضيكِ كده؟!

- معلش ياحبيبتي دول ضيوف ميعرفوش، الله يا أم كوثر إنتِ متعرفيش ولا إيه؟ عقبال كوثر أصل كتب كتاب ريحان النهاردة.

قالتها السيدة زينب بنبرة بشوشة سعيدة وهي تنظر لها ببساطة تشغلها عن المصيبة التي أحدثتها بلاهة رائف، فتهلّل وجه السيدة أم كوثر على الفور وتبدد سخطها ثم أطلقت وابل من الزغاريد والمباركات قبل أن تدلف من جديد بعدما وعدتها بالمجيء.

بينما على الناحية الأخري من الشباب رفع يعقوب وتركي دراجة نارية كانت مصفوفة بجانب الحائط أمام البناية بأيديهم للأعلى ثم عادوا خطوتين للخلف بها قبل أن يقذفوها على الجميع الذين أبتعدوا على الفور لتحتضن الدراجة الأرض في عناق مؤلم يشبه العناق الأخير للمتوفي قبل أن يتدثر بالتراب فتحطمت على الفور.

- حصل خير، حصل خير، ده موتسكل الواد جواد ابن أختي عادي.

قالتها والدة عبد الرحمن ببساطة وهي تضحك بخفة تطمئنهم وكأنهم قاموا بتحطيم أكواب من طقم البورسالين من الخزانة المُحرمة بشقتها التي يطلق عليها "نيش" وليس دراجة نارية بعدما ساد الصمت المصحوب بالتوتر عقب استعاب عقلهم ما حدث.

- قُـدامـي يا ثور منك ليه.

قالها صالح للجميع بنبرة متوعدة من بين أسنانه وكأنه أم تتوعد لأبنائها الأشقياء الذين لم يجلسوا بمكانهم عند الضيوف عندما تعود للمنزل، أعادوا الدراجة وأجزائها بجانب الحائط وكأنها ستصلح حالها بطريقة سحرية ثم تحركوا ببطء تزامنًا من نفض الغبار عن ملابسهم التي تحولت حالتهم من الأناقة إلى المذرية حيث ارتدوا ملابس على الطريقة النوبية أثناء مرورهم من أمامه بحذر وترقب من أن ينقض عليهم في أي لحظة.

وضع فارس ذراعه حول كتف باسل وأخرج من جيبة واحدة من الكعك مما أدي لتهلل وجه باسل وانشقت وجنته عن ابتسامة واسعة وهو ياخذها منه ثم فتحها وقسمها لنصفين وأعطاه جزء بينما هو أكل الآخر بشكل تلقائي حيث إن هذا يحدث دائمًا بينهم، فجميعهم يفعلون ذلك وكأنهم تربوا على المشاركة، وكان آخر من دلف رائف الذي كان يقف خلف هارون بخوف من صالح ثم دلف خلفه ليونار فلحقت بهم.

- شوكت أهو.

قالها ليونار و هو يضع يده أمام رائف الذي صاح بانتصار وكأنه فاز ببطولة ما، ثم مد يده أن يأخذه لكنه تجمد لبرهة وتوقف عن الصعود وكأنه تذكر شيء ما قبل أن يسدير وينظر خلفه حتى وقع بصره على زوجته "نجمة" التي تصعد خلفي، فهبط من جديد وحملها على حين غرة أدت لارتفاع صرختها عاليًا.

- إنت مسكت الصرصار.

- ما خلاص الجراثيم انتشرت لو نزلتك هتفضل ثابتة، بعدين هتطلعي ست أدور على رجلك؟

قالها رائف بنبرة ضاحكة ببساطة وهو يتخطاني من جديد بعدما انكمش جسد نجمة بتقزز من يديه، فنظرت له بتفكير من حديثه ثم حركت رأسها باقتناع ليس بشأن الجراثيم بالفعل، لكنها لن تصعد كل الطوابق على قدمها، بينما حمل هارون شهد على ظهره كعادتها وحمل زوجته فريدة فوق ذراعه وتخطانا، مالت شفا على أذني وهتفت بنبرة مستنكرة ساخرة:

- هما ليه محسسني إننا رايحين نحارب ده هما كام دور!

ضحكت عليها ولم أجيب فهي بعد شهرين ستتدلل مثلهن وتُحمل طوال الوقت فرجال العائلة تعامل النساء وكأنهن دُمى قطنية، حتى تلك الوغدة الصغيرة نجمة اعتادت التدلل كذلك إنه أصبح يطعمها بيديه فيبدو أن جملة "خلقت النساء لتدلل" التي يتم ترديها من أفواه جميع الرجال بالعائلة لم تكن مجرد كلمات عابرة للغزل.

وصلت للأعلى بعدما انقطعت أنفاسي من الدرج وهذا لأنني لست معتادة على ذلك، وقفت أتنفس بسرعة، شهيق زفير ثم ببطء لتنظيم ضربات قلبي كما يفعل معنا ليونار في مقاطع تمرين الحركة، لقد اشتقت لتلك المقاطع بشدة لقد مر شهرين من دونه لكن شهد اخبرتنا إنه سيعود من جديد فقد صار الآن بخير ويمكنه التدريب.

بعثرت نظراتي حول مجال السطح أثناء ذلك، كبير الحجم نظرًا لمساحة البناية، نظيف، عدد كبير من الأنوار المتناثرة بشكل جميل، بالونات في باب الدخول باللون الأسود، قصاصي زرع جميلة متناثرة فوق السور والتي تجعل النسيم معبق برائحة الزهور والريحان والافندر، مقاعد حديدية من النوع الذي يستخدم في الأعراس من ناحية، وعلى الناحية الأخرى وَسائِد كبيرة الحجم ملونة مرصوصة بشكل مربع على الطريقة العربية في الوسط تقبع طبلية حديدية صغيرة، يجلس بعض النساء داخلها حيث إنها الجلسة المحببة للعائلة.

- هيه قاسية الفؤاد، اشربي بعض المياه.

قالها ليونار بنبرة هادئة وهو يمد يده لي بكوب ماء بارد، عدت خطوة للخلف ونظرت ليده بملامح مقززة لقد أمسك الصرصور بتلك اليد ويرغب مني تناول الماء منه!

- انا أمسكه باليمين وليس باليسار، هذه اليد نظيفة.

قالها بنبرة ضاحكة وهو يرفع الصرصور أمام وجهي فمرت قشعريرة بجسدي وتحفز من مظهره المقزز، تبًا، أكره الحشرات؛ زفرت بضيق ومددت يدي بتردد أخذت منه الكوب من بعيد على مضض فحلقي جاف للغاية من الحركة، ارتشفت منه ببطء وتركت الماء المثلج يتغلل لداخلي فشعرت بالإنتعاش على الفور كزهرة ذابلة تم سقيها بالماء.

- "ليلة" ما تشوفلي برطمان عندك جوه أحط فيه الصرصار ده.

قالها ليونار إلى ليلة بعدما ابتسم بهدوء عندما وقع بصره عليها تخرج من الغرفة، أخرجت ليلة صرخة خافتة من فمها وهي تنظر له بملامح تدل على إنها ترى كائن هلامي وليس بشري قبل أن تحرك رأسها بدون تصديق وتشير له حتى يتبعها لداخل غرفة إسلام أو سارق التوت بعدما رمقت جميع أخوته الذين يرقصون بصخب جنوني وكأنها تذكر حالها إنهم مجموعة من المخابيل.

لحقتها شفا للداخل ممسكة بيدي بعدما وقع بصرها على نيلان الذي يجلس بداخل الغرفة من خلال الشرفة الخارجية ممسك بصينية معدنية ويأكل منها رفقة شهد التي سبقتنا بفعل سرعة هارون.

- يا نهار أبيض خلصت الرقاق.

قالتها ليلة بنبرة غير مصدقة متذمرة وهي تضرب على موضع قلبها بشدة جعل صوت السلسال الكبير التي تردية برقبتها يصدر صوت رنين عالٍ قبل أن تسحب منه الحاوية التي انهى أكثر من نصفها بالفعل

- قولي الله أكبر علشان هموت، بعدين إنتِ مش قولتيلي هتجبيلي حمام فين أم الحمام؟

- الله! أنا كمان عايزة حمامة، وطبق ورق عنب، وسمبوسة لحد ما نكتب الكتاب وناكل بقى.

قالتها شهد بنبرة متحمسة حالمة وهي تعد على أصابعها الطعام الذي بالنسبة لها وجبة خفيفة بين الوجبات وتنظر لليلة التي نظرت لها باستنكار من ما تطلبه واتجهت للمطبخ الصغير أمريكاني الطراز، جلبت منه برطمان بلاستيكي ثم انتشلت دبوس من حجابها واشعلت عين الموقد، وضعت طرف الدبوس فوق النيران حتى تحول لونة إلى الأحمر ثم ثقبت الغطاء عدة مرات حتى يتنفس الصرصور ثم أعطته إلى ليونار الذي شكرها بامتنان.

- متنسيش الحمام يا موناليزا.

قالها نيلان إلى ليلة بنبرة مازحة أثناء خروجها من الغرفة، فضغطت شفا فوق ذراعي بقوة وهي تتنفس بعنف بعدما رمقت ليلة بنظرة شاملة حيث إنها جميلة للغاية وجذابة تمتلك بشرة سمراء لامعة وعيون بلون العسل وملامح منحوتة، فسبحان الخالق.

- حلوة ليلة بسم الله ما شاء الله.

قالتها شفا بنبرة هادئة من الخارج مشتعلة من الداخل بسبب غيرتها ومقارنة حالها بها على الرغم من جمالها الهادئ، فرفع نيلان كتفيه بلامبالاة وهتف بنبرة هادئة جعلت الابتسامة تتراقص بوجهها بعدما قرأ ما ترمي إليه بجملتها:

- المرأة التي تسكُن قلبي أجمل منها.

_ بقولك إيه متتكلمش معايا تاني، امشي من وشي بقى يا خاين.

صرخت بها عاليا بنبرة غاضبة إلى زوجها عبدالرحمن أثناء دلوفها الغرفة واتجاهها للمرحاض بخطوات سريعة كعادتها أثناء فترة الحمل ثم أغلقت الباب في وجهه بقوة جعلته يجفل، تنفس عبد الرحمن بعمق ومسح وجهه بيديه وكأنه يربت على حاله ثم أتكأ بجسده على الحائط بجانب الباب ينتظرها حتى تنتهي.

نهضت شهد من مجلسها فوق الأريكة وتناولت عدّة أطباق من الحلويات من نوع "الأرز بلبن" من فوق الطاولة أمامها، أعطتني واحد ولشفا ثم نظرت للخارج حيث تلتقط نجمة الصور رفقة زوجها وغزل كذلك رفقة يعقوب بينما تقف جميلة تصفق بمرح وهي تشاهد رقصات باسل، حركت كتفها للأعلى لتاخذ قرار عدم إخبارهن وجلست من جديد وهي تنظر تجاه عبدالرحمن باستمتاع وحماس يتدفق من مقلتيها وكأنه تشاهد فيلم حركة وأثارة بالسينما أثناء تناولها الحلوى، جلسنا بجانبها وبدأنا في تناول الحلوى بصمت.

خرجت عاليا بوجه لا يُنذر بالخير فظننت إنها ستلد الآن لكن هدأت من جديد عندما نظرت لزوجها نظرات حانقة قبل أن تكور قبضة يدها وتضربه في كتفه بقوة جعلت جسده يعود للخلف ويرتطم بالحائط القريب منه للغاية، نفخت في وجهه بقوة وهمّت أن تتحرك لكنه أمسك يدها وحثها على الجلوس فوق المقعد الخشبي الذي بجانبه ففعلت ذلك بحركة بطيئة بعدما أمسكت بطنها المتكورة وهبطت للخلف وكأنها تمارس تمرين ما يطلق عليه "اسكوتس" حيث كبرت بطنها للغاية بدخولها الشهر التاسع بينما تحرك عبدالرحمن وجلب لها كوب ماء قدمه لها.

- أنا أسف يا عاليا، متزعليش مني، مش هعمل كده تاني، أنا أصلًا مش عارف إزاي عملت كده؟!

- علشان أنت حيوان وحقير.

هتفت بها عاليا بنبرة ساخطة بعدما ارتشفت من كوب الماء الذي احضره لها عبدالرحمن قبل أن يجلس أمامها على ركبتيه ويهتف بحديثه الذي خرج بنبرة نادمة وهو يتوسلها بعينيه كي تسامحه عن فعلته البغيضة، تبًا، هل خانها بالفعل؟
الوغد الحقير، هل لأنها في شهور الحمل ومتعبة يعطيك الحق لأن تخونها مع امرأة أخرى؟

- علشان حيوان وحقير، بس برضو مش مصدق أني عملت كده، أكيد أفتكرتها أنتِ، أنا قلبي مبيشوفش غيرك يا عاليا، طيب كنت لابس إيه؟

- بنطلون بيج وقميص أبيض.

قالتها عاليا بنبرة متهدجة من الغضب وهي تضربه بكلا كفيها فوق كتفه أثناء جلوسه أمامها تعقيبًا على حديثه الذي خرج بنبرة تائهة وكأنه لا يتذكر ما الذي حدث؟ هل خانها وهو في حالة سُكر؟

- شوفتي بقى ظهر الحق، الطقم ده قديم يعني من قبل ما أعرفك دي فلاش باك، مش خيانة.

- بس قلبي وجعني لما شفتك معاها بقى.

قالتها عاليا بصوت متهدج بعدما ارتعشت شفتاها تزامنًا مع تجمع الدموع داخل مقلتيها تعقيبًا على حديث عبدالرحمن الذي خرج بنبرة منتصرة بعدما تهلل وجهه بشدة وكأنه سمع القاضي يطلق بحكم برائته من تهمة كانت ستزج به بين جدران السجن باقي عمره، فنظرت له "عاليا" ثم انفجرت في البكاء بنحيب عالٍ وقالت من بين شهقاتها:

- الكوتش بيوجعني أوي، أنا تخنت وبقيت وحشة، الفستان وحش عليَّ، أنا الوحيدة اللي عندي كرش، عملو فستان واسع علشان يكفي كرشي.

جلس على يد المقعد الخاص التي تجلس عليه وربت عليها بحنان ثم مسح على حجابها ومرر أنامله أسفل عيناها ليمسح دموعها المنسابة وهو يقول بنبرة حنونة رخيمة وهو يشير ناحية ابنته:

- أنتِ جميلة والله، و هما عملوا الفستان علشان بيلبسوا واسع عادي، بعدين ده مش كرش دي بنتك يا حبيبتي.

دلفت السيدة زينب والدة عبد الرحمن بوجه متهلل قبل أن تشهق تزامنًا مع وضع يديها على وجنتها بحركة شعبية عندما رأت عاليا تبكي ثم اسرعت من حركتها حيث إن حركتها بطيئة بسبب قدمها المصابة منذ سنوات حيث وقعت من فوق الدرج، اقتربت منها واحتضنتها بحنان أم وهي تسأل ابنها بنبرة حانقة:

- عملت إيه للبنت يا واد؟ بتعيط البنت ليه يا روح خالتك؟

تشبثت عاليا بها ودفنت وجهه في معدتها وعادت للبكاء من جديد بعدما توقفت لبرهة وهي تسرد عليها خيانة عبدالرحمن حيث جائتها رسالة على هاتفها من امرأة محتواها "زوجك يخونك، إذا اردتي التأكد تعالي إلى العنوان" ثم عقّبت رسالتها بخارطة تظهر المكان المنشود، فركضت "عاليا" للأسفل من غرفتها حتى سيارتها وفي ظرف طرقة إصبع كانت تقف خارج منزل مصنوع من الزجاج وشاهدت زوجها يجلس فوق أريكة ويضحك بصخب رفقة انثى ترتدي ملابس قصيرة بملامح أجنبية.

- في الحلم، حلمت بيا وأنا بخونها، بعدين إنتِ مش ملاحظة الكلام يا ماما، هي الأجنبية دي هتبصلي ليه نفسها رايحة للكشري؟

قالها عبد الرحمن مسرعًا بلهفة تعقيبًا على حديث زوجته بعدما نظرت له أمه والنيران تتأجج بمقلتيها التي تحولت من اللون الأسود للأحمر في خياله، فعادت زينب بنظراتها المستفسرة من جديد إلى عاليا تستشف منها مدى صدق حديث ابنها، فحركت رأسها بالإيجاب والدموع تتجمع في عينيها.

- آه يا سافل ياقليل الأدب، مشفتش تربية، بتخون البنت يا واطي، أنت تطول ظفرها يا كلب.

قالتها السيدة زينب بنبرة غاضبة كاذبة وهي تضربه فوق جسده بخفها التي التقطه من فوق الأرض لتعاقبه على خيانته لها في حُلمها بعدما سيطرت على ضحكتها التي كادت أن تنفلت من فمها حتى لا تأذي شعور عاليا وهرموناتها، ثم أنزلت خُفّها وارتدته من جديد قبل أن تعود إلى عاليا التي أحاطت خصرها بيدها ودفنت وجهها به تستشر منها الأمان والمشاعر التي خسرتها مباكرًا وهي تنظر له شزرًا، فقالت لها زينب وهي تمسح على ظهرها:

- متزعليش هطلقك منه وأجوزك سيد سيده، هجوزك الواد إسلام.

حركت عاليا رأسها بالموافقة بينما ضحك عبدالرحمن وهز رأسه بدون تصديق من ما يحدث ثم اتجه لخزانة صغيرة بجانب الباب في حجم الكومود، أحضر منه خَف بلاستيكي باللون الأسود معلق به زهور بلاستيكية مريح وعاد من جديد جلس على ركبيته أمامها، أمسك قدمها برفق ونزع الحذاء الرياضي أبيض اللون الذي ترتديه وألبسها الخف.

- بحبك.

قالتها عاليا بنبرة عالية بعد أن احتضنت وجهه بكلا كفيها على حِين غرَّة بطريقة قوية مما أدى لصدوح صوت طرقعة وكأنها صفعته على وجنتيه الاثنين بعنف، انفجر ليونار في الضحك ووقع أرضًا على ركبتيه بعد أن كان يقف بجانبي بالداخل بسبب عدم سيطرته على حاله وهتف ساخرِا:

- صفعة ثُلاثية الأبعاد.

- ومن الحب ما صَفع.

أضافها فارس الذي لحق به ووقع كذلك حيث كان يقف خلفه لكن بالخارج أمام الشرفة التي تطل على السطح بسبب صغر حجم الغرفة، استدار عبدالرحمن برأسه ورمقهم بنظرة ساخطة وهو يحرك رأسها بقلة حيلة على حظه الذي يوقعه دائمًا في طريق شلة من الأوغاد الذين يسخرون من علاقته بزوجته.

- وأنا بموت فيكِ يا عاليا.

- إيه القرف ده، ده إنت لو جوزي هتطلق.

قالها ليونار بنبرة متذمرة بعدما تشنج وجهه من حديث عبدالرحمن الذي خرج بنبرة رخيمة بعدما تجاهلهم وعاد بانتباهه لها من جديد؛ نهض ليونار من فوق الأرض وهندم ثيابه وهو ينظر لي نظرته الخاصة بالمشفى قبل أن يقول إلى عبدالرحمن بنبرة رخيمة:

- مبنقولهاش بموت فيكِ بنقول:

وشَكوتُها لمَّا أُصِبتُ بِسهمِهَا
يا قومُ إنَّ جَمالُها قتّالُ.

_ هذا دمي في الحب يملأُ كفَّها
  قالوا: دماء العاشقين حلالُ.

أضافها فارس من خلفه وهو ينظر لشهد التي أخفضت رأسها بخجل وأحمرت وجنتيها تزمنًا مع وقوف خوفو الذي كان يرتدي بنطال أبيض وقميص يصل إلى الركبتين على الطراز النوبي ومزركش من الرقبة بفصوص، وقف بجانب فارس والحزن يرتسم على معالم وجهه حيث بدأ الخوف يدق داخله من عدم صعودها حتى الآن.

- أقسم بالله لو أختك مطلعتش هنزل أجبها من شعرها وهكسر عليك الفرح بالكراسي، ده أنا ممكن أقلب فتوة حارة في ثانية عادي، والله هخطفها بقى.

قالها خوفو بنبرة حانقة تمتزج بالحزن إلى عبدالرحمن فضحك عليه الجميع حيث إن اهتزاز نبرته لا تتماشى مع حديثه، فنظر لهم بحدة وضرب بيديه الاثنين فوق حافة سور الشرفة الخشبية قبل أن يستطرد:

- أنزل قولها خوفو بيقولك لو مطلعتيش يا ريحان هخطفك وأحبسك في أوضتي لحد ما توافقي عليا.

- هذا هو أخي.

قالها ليونار بنبرة حماسية وهو ينظر له بفخر أثناء تربيته على كتفه بتشجيع من خلال الشرفة، فضحك عبدالرحمن بخفة وتحرك ليهبط للأسفل بينما نحن خرجنا جميعًا وجلسنا بالمكان المخصص للنساء وجلست جانبي رويدا وبدأت تتحدث معي عن أشياء عديدة كعادتها.

- عامر ده مش عاجبني سيبيه واتجوزي السكر ده.

قالتها رويدا بنبرة حانقة بعدما نظرت إلى الخاتم في أصابعي الذي لم يعود لحجمه الطبيعي بعد بطريقة اشعرتني وكأنه ليس نفس الخاتم، ثم أشارت ناحية ليونار الذي يرقص رفقة أخوته، ما الذي يراه الجميع به وأنا لا؟

إنه قاتل .. قاتل .. قاتل.
تبًا، هل يجب أن أصرخ بها بملأ صوتي حتى يسمعونني؟!

_ معرفش يا زينب يا أختي بنتك متنكة على إيه أمال لو كانت طبيعية!

قالتها سيدة بنبرة متهكمة لتقطع حديثنا وهي تصدر صوت شعبي من فمها يدل عن السخرية إلى والدة عبد الرحمن فعلمت إنها أختها "أحلام" من الشبه بينها وبين أختها لكن شتان بين ملامحهما هذه يتقافز منها الحقد والشر والأخرى الطيبة والحنان.

- مش طبيعية ليه يا خالتي، لسه بِتسحف؟

قالتها ليلة بنبرة عالية بعدما شهقت بطريقة شعبية وهي تنظر إلى خالتها بغل من حديثها المسموم في حق أختها ريحان، فنظرت لها خالتها بضيق ولم تُعقّب على حديثها فهذه الفتاة عديمة التربية بالمنزل المعركة أمامها خاسرة تزمنًا مع اقتراب ليونار من "عاليا" وهو ممسك بيده صحن ممتلئ بالطعام.

- أكلي فراشتي.

قالها ليونار بنبرة هادئة وهو يبتسم باتساع وكأنه يشاهد الصغيرة أمام عيونه، بادلته عاليا الابتسامة بواحدة واسعة أظهرت أسنانها الجميلة من للأسفل ثم تناولت منه الصحن وهي تقول بنبرة متحمسة:

- عايزة شيبسي بالخل والملح.

- أنا هجبلك.

قالها "شادي" شقيق عبدالرحمن الأصغر من الرضاعة بنبرة ودودة وهو يتجه بخطواته ليخرج من السطح لكن أمسكه ليونار من رقبته من الخلف وسحبه كالفأر وهو يتمتم بكلمات ساخطة بأنه من سيجلب الرقائق لفراشته لإنها فراشته هو، فراشة عمها!

- ما أنا كمان عمها تبقى فراشتي أنا كمان.

- لا، لا يا حبيبي، إنت لو ربيت بطة وقعدت تزغط فيها هتبقى بتاعتك لوحدك، أنا بقالي شهور بزغط فيها كل الأكلات، مصري وخليجي وأسيوي وهندي كـلـه، تبقى فرشتي لوحدي.

قالها ليونار بنبرة ساخطة وهو يرج جسد شادي الضئيل مقارنةً بجسده حيث يبدو كالثور الهائج أمام ابن مدرب الثيران المراهق، بينما انتفضت "عاليا" في جلستها بسبب نعتها "بالبطة" التي يطعمها وهي تنظر له بنظرات حادة تمتزج بالحزن، بينما تنطق نظراتها: هل أنا بطة؟!

- هجيبه بالسَّبت "سلّة"

قالها شادي ببساطة وهو ينظر له بتحدي تزمنًا مع رفع حاجبه باستعلاء وكأنه ملك يتخذ أهم القرارات ليجعل البلد تقف على قدمها من جديد، تركه ليونار بعد استعابه لما سيحدث حيث إنه سينزل ست طوابق على قدمه ويعود من جديد من أجل كيس من البطاطس المقرمشة ثم سحبه من ملابسه للأسفل ليساعده في تنزيل السلّة.

- أمال لو مكنش في بطنها بنت.

قالتها السيدة خالة عبدالرحمن بنبرة متهكمة وهي تخرج صوت يدل عن السأم من فمها لتسخر من إهتمام الجميع بها على الرغم من إنها تحمل بين أحشائها فتاة وليس ذكرًا وكأن الذكر هو الشخص الوحيد الذي يستحق الأهتمام أو إن الله لم يخلق الانثى، تبًا لتفكيرها السطحي ولكل من يفكر بنفس الأسلوب الرجعي، لقد خلق الله الذكر والانثى ليكمل كلًا منهما الآخر وليس لتفضيل جنس على آخر، أو احترام جنس على آخر فالجميع بشر ويجب معاملتهم بنفس الأسلوب.

أكره هذا النوع من النساء التي يربي أشباه الرجال الذين لا يفعلوا شيء سوى الجلوس كما الملوك والنساء تخدم على راحته، لا يفعل شيء سوى إطلاق الأوامر، فلقد نست النساء كيف تربي أبنائهم على خطى رسول الله ﷺ الذي كان يساعد زوجاته في المنزل.

- براحة يا خالتي لأحسن تتسمي.

قالتها ليلة بنبرة خبيثة إلى خالتها التي فتحت زجاجة مشروب غازي وتجرعت نصفها على مرة واحدة، فتدخلت رويدا ابنة خالتها في الحديث تقول بنبرة ساخرة بعدما فهمت على الأخرى:

- يابت الحية مبتبلعش سمها.

- خلاص يا خالتي أشربي براحتك. 

قالتها ليلة بنبرة هادئة قبل أن تنفجر الاثنتين في الضحك وشاركتهن الجميع، نهضتُ من مجلسي لأدخل للمرحاض لتعديل هيئتي المذرية بعدما تذكرت ما حدث بسبب سرعة قيادة نفرتاري وشعري الذي تدمر أسفل الخوذة بعدما رأيت الغرفة فارغة أخيرًا.

عدلت من هيئتي ونظرت بتمعن إلى السلسال ثم خلعت الخاتم حتى أتأكد من صحة ما يدور برأسي، حيث إن الخاتم محفور داخله شكل غريب وكأنه جناح، نظرت للجناح الخاص بالطائر والنجاح الخاص بطائر العنقاء بتمعن، لا يشبهوا بعض.

تبًا لك أيها المحقق هبداوي وأفكارك العجيبة!
ليونار هو باعث الرسائل وهو من بدل الخاتم بلمح البصر أثناء وجود ستة فتيات بالمنزل ولم يشاهدن على الرغم من أن شهد كانت تجلس بالشرفة!

المحقق هبداوي: لماذا تعتقدي إن شهد لا تعلم، ربما شاهدته، إنه ابن عمها!
تبًا لك ايها المحقق، لا تلعب بي.

المحقق هبداوي: حسنًا، هل عندك تفسير للخاتم الذي صار بلمح البصر على مقاس إصبعك كما أن الجناح لم يكن موجودًا؟

ربما كان منقوشًا من قبل وأنا لم أنتبه له فقد مر ساعات فقط على الأمر!

_ باسل إنت ليه بتتجاهلني بقالك فترة؟

- أنتِ عارفة بلاش لف ودوران؟ العلاقة دي آخرها إيه يا جميلة؟ ولا حاجة، مفيش بنت قائد هتتجوز مامبا، المامبا بيتقتل لما بس بيتكلم معاها.

قالها باسل بصوت يتقطر منه الألم من الخارج حيث سمعتهم وأنا بالداخل تعقيبًا على حديث جميلة الذي خرج بنبرة حزينة من انسحاب باسل من حياتها بعد ذلك اليوم الذي جلب لها به السترة، حل الصمت ثواني ثم سمعت خطواته التي تبتعد ناحية الباب، وضعت يدي على مِقبَض الباب لظني إنه خرج من الغرفة لكن توقفت من جديد عندما سمعت خطوات عودته للداخل وهو يقول بصوت مختنق متهدج وكأنه على وشك البكاء:

- من الواضح إن اتكتب على قلبي الوجع يا جميلة، حُبّك عامل زي رصاصة دخلت في قلبي، وجعني اوي، نزفت كتير بس المشكلة إني لسه بقاوم، لسه واقف على رجلي، ولسه مستني أيدك تضمد جرحي.

الصمت من جديد، صمتٌ قاتل وكأن الوقت تجمد وأوقف حركة لسانه، لم يصدر منه سوى صوت انفاسه العالية المضطربة التي توحي بالحروب الدائرة داخله، حب، كره، غضب، استنكار، ألم واشتياق، يشعر بكل هذا كلما نظر لها، كم يحبها وكم أوجعته، وكم أن علاقتهما صعبة!

أن تحب ابنة الملك فهذا شيء يحدث في الأفلام كثيرًا ومعتاد، لكن أن يصدر الملك قانون بقتل من يحبها من العامة هذا هو الغير عادي.

- متتجوزيش خليكِ كده مش لازم تتجوزي، بابا صالح مش هيغصبك، عارف إن دي أنانية مني بس .. بس دي أول مرة هكون بعمل حاجة علشاني لأني مش هقدر أتجوزك، جميلة اعملي كده علشاني، علشان قلبي ميوجعنيش، مش عايز أحس إن أمي سابتني في الملجأ بعيط ومشيت تاني، متقتلنيش زي ما هي قتلتني.

قالها بصوت متحشرج يغلفه الألم بعدما هبطت دموعه بالفعل قبل أن تصدح صوت خطواته الراكضة للخارج تزامنًا مع ارتفاع صوت الزغاريد التي تنبأ عن وصول ريحان، خرجت من المرحاض سريعًا بنية احتضان جميلة حيث ظننت إنها ستحتاج هذا العناق وإنها ستبكي بالفعل، لكن تجمدت في مكاني بتعبير ذهول إحتلني عندما وقع بصري عليها حيث تقف بلوعة والابتسامة الواسعة تزين وجهها المشرق ثم هتفت بوقاحة تتغزل به كعادتها وهي تنظر في أثره:

- طيب عليا الطلاق مربة فراولة، يا ويلي من عيونه، دي عيون ولا صواريخ قصفت قلبي؟

حركت بؤبؤا عيناها حتى تقابلا مع خاصتي المستنكران وهي تحرك رأسها بهيام ثم اقتربت مني وعانقت ذراعي بخاصتها وخرجنا من جديد أثناء ترقصها على أغنية تدندنها، لا أعلم لماذا تحولت حياتي فجأة حتى صار لا يدلف إليها سوى المختلين؟!

عدنا للمكان وجلسنا في الناحية الأخرى من الطاولة في المنتصف حيث المكان المخصص للنساء، جلست ريحان بخجل مفرط على المقعد خلف الطاولة وترتدي فستان رقيق أبيض، تبدو آية في الجمال ببشرتها السمراء وعينيها الواسعة التي تشبه عيون الغزلان، ويجلس بجانبها عبد الرحمن ثم ليونار الذي يجلس بينه وبين خوفو الذي يليه هارون والشيخ!

لماذا يجلس ليونار في المنتصف؟
هل قرر الزواج؟!

- أطلعي لايف بسرعة، خلّي ابن عمك ينام النهاردة بحسرته، شايفة النسب، شايفة الواد قمر إزاي مش زي عيلتكوا المعفنة.

قالتها ليلة شقيقة ريحان بنبرة متحمسة إلى فتاة التي تقف بجانبها والتي تكون ابنة عم سيف زوج ريحان السابق، فضحكت الفتاة بخبث يتقافز من عينيها وأخرجت هاتفها لتصور ما يحدث حتى تتسبب في وجع قلب ابن عمها مستخدمين كيد النساء في قهره.

عدت بنظراتي إلى ليونار الذي حمحم بخشونة وطلب من أخوته الإنتباه بسبب استمرار رقصهم، فتوقف الجميع ونظروا له بلهفة لسماعهم القادم فقال ليونار بنبرة جدية يتلبس دور الشيخ بطريقة جمدتني بموضعي:

- سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الله جل جلاله يقول في كتابه:

ּ﷽  {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) }

كما يقول رسول اللهﷺ: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا:
«يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وِجَاءٌ». 

كما قال ﷺ أيضًا :" الدنيا متاعٌ، وخيرُ متاعِها المرأةُ الصالحة"

صمت لثواني بعد حديثه الذي صعقني من طريقته الجدية وصوته في تلاوة الآية بطريقة اشعرتني برغبة ملحة في سماع المزيد من آيات القرآن بصوته، تقابلت نظراتنا لثوني ابتسم بها بعينه التي أضاءت بوميض ساحر قبل أن يفصل الرباط الوهمي بيننا وعاد ينظر تجاه ريحان دون تسليط نظراته عليها وسألها:

- آنسة ريحان هل تقبلين بخوفو زوجًا لكِ.

- خوفو مين يا ابني؟!

خرجت هذه الجملة من الشيخ الجالس بجانب هارون بنبرة مستنكرة بعدما كان يبتسم بخفة ورضى على حديث الآخر وهو يحرك رأسه، فصدحت ضحكات الجميع  على ليونار وشاركهم هو ذلك ثم أمسك حاله للعودة لدور الشيخ من جديد وحمحم بخشونة وقال بنبرة رخيمة:

- هل تقبلين به نصًفا آخر لكِ، يضمد روحك، يشفي آلآمك، تضيق دنياكِ يكون ذراعه ملاذكِ، يُحبكِ، يُدللكِ، يُضحِكاكِ، يتثامر معكِ، تختلِط روحك بروحه فتصيروا روحًا واحدة بجسدين.

نبض قلبي بعنف آلمني وجعل قواي تخور من التوتر الذي شعرت بسبب نظره المصوب نحوي وكأنه يخبرني أنا بالحديث، فصدحت أصوات التصفيق والصْفِيرٌ من جهة أخوته المختلين، فنهض من مجلسه بمرح وضع كفه فوق صدره مع نكث رأسه للأسفل كتحية وكأنه ممثل مسرح قبل أن يعود لمجلسه من جديد مستطردًا حديثه السابق:

- هل تقلبين بمُحَمد حسن عبدالتواب -بين قوسين خوفو- زوجًا لكِ.

- نعم أقبل.

قالتها بصوت خفيض ظهر به خجلها الفطري، فصدحت الضوضاء مجددًا من ناحية أخوته تزمنًا مع مد خوفو كفه تجاه عبدالرحمن الذي عانقه الآخر بكفه وهو يبتسم بسمة هادئة مع ارتفاع صدره وهبوطه بشكل ملحوظ ظهر به ما يعتمل داخل صدره من سعادة، خوف، حزن، توتر فهو الآن يسلم أخته إلى زوجها.

وضع ليونار منديل مطرز مثل خاصة نجمة لكن المختلف هنا هو اسم ريحان ومحمد كما تحب ريحان أن تناديه، ثم بدأ ليونار يردد ما يتم قوله في ذلك الحدث:

- زوجني أختك وموكلتك الآنسة ريحان محمود عبد الرحمن .... على كتاب الله وعلى سنة رسوله ﷺ ... عاجله وآجله.

ردد خوفو خلفه بسعادة تتقافز من مقلتيه وكأنه ربح للتو اليناصيب حتى انتهي من دوره، فنظر ليونار إلى عبد الرحمن وحثه بعينه حتى يردد وراءه وبعدما انتهى ردد عبد الرحمن بصوت مختنق متهدج:

- وأنا قبلت أن أزوجك من موكلتي أختي وأمي وابنتي وحبي الأول، ريحان محمود عبد الرحمن .. على كتاب الله وسنة ﷺ وعلى الصداق المسمي بيننا.

شعرت بوخز الدموع بمقلتي فهذه اللحظات تجعلني أبكي بسبب مشاعر الآخرين حيث إن عبدالرحمن مشاعره تتدفق من مقلتيه، عاد ليونار لخوفو بحديثه ليكمل الشرائع ثم هتف بالجملة المعتادة:

- بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير.

انتشرت الزغاريد والتصفيق والصفير من جه أخوته بعد ترديد الجميع تلك الجملة لتصير ريحان زوجة خوفو بطريقة رسمية، احتضن عبد الرحمن أخته بحنان بالغ وهو يردد لها المباركة بدموع ملتمعة في عينيه ثم فصلت العناق برفق وهي تنظر للأمام قبل أن تركض وتتابعها أنظار الجميع حتى استقرت بين ذراعان أخيها الأصغر شادي الذي كان يبكِ والدموع تملأ وجنتيه مثل الشلالات فتشبث بها بشدة كطفل صغير تتركه أمه عند جدته حتى تسافر رفقة أبيه إلى الخارج بسبب عمله.

- والله لو قطعت نفسك كده قدامنا هناخدها برضو، خلاص يا حبيبي بقت بتاعتنا.

قالها ليونار بنبرة مشاكسة عالية حتى تصل له،
فتدخل أخيه تركي وهو يطرق على دف ويردد إنه صارت ملكهم رفقة أخوته ويشاركه أخوته بالتصفيق، فساد المرح بينهم، بينما نظر لهم شادي بحدة وعيون حمراء بعدما فصل العناق.

انتهت ريحان من مباركات الجميع وكذلك خوفو عادت تقف بجانب أخيها عبد الرحمن وتعانق ذراعه وهي تنكث رأسها للأسفل بخجل كعادتها فهي لم تتحمل نظرات الجميع المصوبة ناحيتها، ابتسم خوفو الذي كان يقف بجانب عبدالرحمن الناحية الأخرى ثم مد لها يده بالسلام لأول مرة وهو يقول بنبرة رخيمة:

- أُوناتُونقا باركَي فدَّاتِر .. ( بارك لنا في قَمرتنا )

نظرت إلى يده لثانية قبل أن ترفع كفها وتعانق برفق كف زوجها بعد تردد وهي مازالت متشبثه بذراع أخيها بكفها المرتعش، حاولت سحب كفها لكنه لم يتركه وهو يبتسم بخبث فرفعت نظراتها له وكأنها تتوسله أن يتركها قبل أن تفقد الوعي.

- إكْ دُولّير ايكادُوليِ ( أحبك بشدة)

قالها خوفو بنبرة صادقة ثم فك حصار كفها حيث بدت إنها ستفقد الوعي بالفعل تزامنًا مع اقتراب واحدة من أمهاتهم وهي تحمل بين يديها صندوق مصنوع من الحديد ومزغرف بأسماء جميع النساء الآتي ارتدته من قِبل عائلة المُهيري حيث أن هذا العقد تتوارثه زوجة أكبر حفيد في العائلة منذ أجيال وآخر من ارتدته كانت "شيرين" بعد "سارة المُهيري" ثم تم الإحتفاظ به حتى يتزوج الحفيد الأكبر للعائلة.

- فين الشبكة بتاعتي؟ ده عقد ليو.

قالها خوفو بنبرة مستنكرة وهو ينظر للعقد المتلألأ داخل الصندوق بعدما فتحته السيدة، فتدخل ليونار يهتف من خلفه بنبرته التراجيديا وهو يرفع يده للأعلى كعادته:

- يا إلهي، لماذا خلقتني وَسط هذه العائلة الحمقاء، أنت أكبر أبناء العائلة أيها الوغد الأبله.

ضمه خوفو بتأثر وامتنان واضح بعد حديثه ثم فصل العناق برفق وأتجه ناحية الصندوق بحماس، أخرج منها عقد كبير نسبيًا مُرصع بالألماس أبيض اللون يبدو وكأنه لملكة ما، اقترب من ريحان، فابتعد عنها عبد الرحمن حتى يتسنى لخوفو وضعه حول رقبتها لكنها تشبثت به من جديد، ضحك خوفو بخفة واقترب من موضعها والبسها العقد من أسفل القلنسوة بهدوء ثم أخرج قرط أذن لكنه أعاده مجددًا وهو يضحك عندما نظرت له وكأنها تسأله: كيف؟

- إيه ده يا أختي هما مش جايبين دهب ليه؟

- بس يا خالتي هنتفضح.

قالتها ليلة بنبرة متوترة من خلفي بصوت خافت ردًا على استنكار خالتها أحلام من العقد الذي ليس ذهبًا، فأضافت خالتها وهي تصدر صوت من فمها بطريقة شعبية كعادتها:

- ضحكوا عليكم حتى الواد ممضاش على القايمة، لو طلقها مش هترجعوا الجهاز انتِ عارفة الثلاجة بقت بكام دلوقتي؟

سحبتها ليلة بعيدًا وهي تتمتم بكلمات متذمرة تزامنًا مع امساك ريحان كف خوفو وتلبيسه دبلته الفضية بعدما انتهي من خاصته عقبها على الفور صرخات أخوته بمرح وكذلك صعود عدد من الشباب أصدقائهم وهم يرقصون تزمنًا مع صدوح الأغاني التي تسمى"مهرجانات" ومشاركة شباب عائلة المُهيري الرقص، فظهر الضيق على ملامح ريحان التي ذمت شفتيها وقالت إلى عبدالرحمن:

- مش قولت بلاش أغاني، مش عايزة أخد ذنوب في يوم كتب كتابي.

- دول الصيع صحاب جواد بيوجبوا معاه، أنا مالي.

قالها بنبرة حانقة وهو يشير ناحية "جواد" الذي ممسك بخنجر ويرقص بطريقة شعبية رفقة تركي الذي يحمل خنجرًا هو الآخر والصيحات الحماسية تصدح من حولهم، فأخرجت ريحان صوت يدل عن السأم من فمها وهي تعقد ساعديها أمامها بضيق من ما يحدث، فضحك عبدالرحمن بخفة ثم هتف وهو يضع قبلة حنونة فوق جبهتها:

- خلاص متزعليش أنا كده كده هنزل بالرجالة في مكان تاني علشان ناكل وتبقوا برحتكم.

- استني يا عبد الرحمن لما أشوف نيلان وهو شبح.

قالتها شفا بنبرة متشوقة بلهفة لتوقف عبدالرحمن حتى تشاهد نيلان وهو يرقص بالخنجر اثناء تثبيت نظراته به حيث يقف ويصفق ببطء وهو ينظر لهم بتقزز وكأن أحدًا قام بتهديده ليفعل ذلك.

- نيلان رقص ربع ساعة وده إنجاز في حد ذاته عايزة تشوفيه بيرقص تاني تعالي بعد أسبوع يكون شحن.

قالها عبدالرحمن بنبرة ساخرة مازحة بعدها أشار لخوفو ففهم ما يقصد وفصل الموسيقى عن المكان وفي خلال دقيقة خلى السطح من جميع الرجال عدا أخوتها الرجال الخمسة.

- يلا يا ماليكا.

قالتها رويدا بنبرة مرحة وهي تعطيني دف لنبدأ فقرة الغناء فأنا أحفظ بعض الأغاني النوبية بسبب صداقتي معها، ضحكت بخفة ووضعت كفي فوق الدف.

- أقسم أن خرجت كلمة من فمك في حضور الرجال لاقتلع حنجرتك بيدي وأصنع منها صافرة.

هتف بها ليونار الذي ظهر من العدم وهو يسحب الدف من بين أصابعي، فاطلقت صرخة خافتة من المفاجأة وأنا أنظر له بذهول ثم رمشت باهدابي عدة مرات عندما انسحب من أمامي وهو يعود للخلف أثناء تثبيت نظراته التي بدت لي مضحكة بي حتى اختفى أمام نظراتي، حركت رأسي بدون تصديق ثم أمسكت الدف الخاص برويدا حتى أعود لما كنت سافعله.

- أقسم إن لم ترجعي عن عنادك أن أخرب العرس، لا تغضبيني يا امرأة.

- أنت مالك، هو صوتي ليك لوحدك!

قلتها بنبرة غاضبة وأنا ارمقه بنظرة ساخطة غير راضية عن حديثه الذي خرج بنبرة جامدة بعدما عاد ركضًا من جديد، حرك رأسه بالموافقة وهتف بنبرة متذمرة بنحيب كاذب كعادته عندما يتلبس دور الممثل التراجيدي:

- ليو لا يحب المشاركة، لماذا أنت بهذه القسوة؟! سوف تجعلينه يبكي، يا إلهي لماذا يرغب الجميع في دفع ليو الصغير للبكاء إنه يحب صوتك بشدة ولا يرغب في مشاركته مع أحد! أمي انظري إلى تلك القاسية!

- يعني هو لو استنيتي لحد ما تنزل الرجالة هتموتي؟!

قالتها خالتي بنبرة متهكمة وهي تربت على ظهر ليو الذي تصنع الحزن وقوس حاجبيه في تعبير باكي، فعضضت شفتي العلوية حتى لا أصرخ في وجه الاثنين وأفسد العُرس، ثم عقدت ساعدي أمامي حتى يذهب ويترك لنا المساحة للأحتفال حيث يقف جميع الرجال من عائلة ريحان منتظرين انتهاء هذا العبث.

اعطى شادي دفوف لنساء عائلته من غير أخوته بعدما انسحب ليونار، وبدأت النساء في الدق على الدف تزامنًا مع التصفيق بنغمة متناغمة، على غناء شادي باللهجة النوبية، وقفت الفتيات أخوة ريحان من مجالسهم وخالتها، وقاموا الأخوة بمشاركة خالتهم والرجال برقصة "الأرجيد" المتوارثة، جلسنا جميعًا نشاهد هذا العرض باستمتاع على الرغم من عدم فهم الجميع للغة لكن الجو مليء بالسعادة.

جلست ريحان وسط النساء بخجل عندما صعد خوفو، فضحك بخفة وسحبها من يديها في المنتصف وأمسك كفيها الاثنين وبدأ الغناء بطريقة لطيفة كلمات عربية لكنها تعود للنوبة ثم حرك خصره بطريقة تشبه رقصهم تزامنًا مع التفاف جميع إخوتها الرجال حولهما ليبدأوا الرقص بشكل دائري وهم ممسكين بكفوف بعض، فتحركت ريحان معه بداخل الدائرة وشاركته الرقص النوبي.

- خوفو عسل اوي بجد.

قالتها نجمة بنبرة متحمسة وهي تنظر للأجواء الغريبة عليها ولغنائه الذي خرج بنبرة جعلتنا نضحك الضحك الذي يخرج عندما تشاهد شيء جميل وليس بسخرية، ثم بدأت تحرك خصرها بطريقة مضحكة في محاولة منها لتلتقط الرقصة، ثم بعد قليل هبط جميع الرجال فسحبتني رويدا لمشاركة النساء الرقص مع الغناء مما أدى لتصدير الفتيات نجمة، شفا، غزل، شهد سهام نظراتهم عليَّ ومن داخلهن يتعودن لي لعدم تعليمهم الرقصة من قبل حيث أنني أستطيع الرقص مثل رويدا فهي صديقتي منذ الطفولة، لكن لا أستطع الرقص الشرقي وبالأساس لا أميل له.

______________ ︻╦デ╤━╼

يوم ٣١/ ١٢ ليلة رأس السنة.

أَنا لا شيءَ يُعْجبُني.
أُحاصِرُ دائماً شَبَحاً
يُحاصِرُني
أريد أن أبكِ.   
              
- محمود درويش.

𝕒𝕟𝕦𝕓𝕚𝕤
≼ أنـوبـيـس ≽

مرحبًا هل اشتقتم لي؟
حسنًا، لا يهم.

أتسطح بطول الفراش بينما يصدح صوت ماليكا المؤدي ابتهالي المفضل بصوتها العذب "أغيب وذو اللطائف لا يغيب" انتهيت للتو من نوبة بكاء عنيفة، أشعر بالسكون التام الآن بعدما خارت قواي بالكامل، عاد البرد يستلل إلى أطرافي الثابتة حيث أجلس بمكاني منذ وقت لا أعلمه، أضع أصابعي العشرة على أول خصلات شعري، جفت الدموع فوق وجنتي لكن مازالت أهدابي وزاوية عيني مبتلة، مسحت الباقي من دموعي بعدما تحركت أخيرًا.

أشعر بالبرد الشديد الآن على الرغم من إغلاقي الستائر فالشمس السعيدة لا تتناسب مع الظلام الذي يحيط الغرفة ويحُط فوق رأسي، نهضت بجزعي العُلوي برفق، أغمضت عيني بسبب الثقل والصداع الذي أصاب رأسي المترنحة بفعل التسطح هكذا بمنتصف الفراش دون وسادة، رفعت أصابعي وغللت خصلات شعري من الجانبين مع فعل حركات دائرية بأناملي لتخفيف من هجمة الصداع، تحول الوجع كله الآن في الجهة اليمني من رأسي مع نبض خافت للغاية في جبهتي اليسرى، التقط السترة القطنية الخاصة بي وارتديتها فوق جزعي العاري ذو الندوب البشعة.

" أشكــو إليك أمورًا
أشكــو إليك أمورًا أنت تعلمـها
مـالي على حملـها صبر ولا جلـد "

رددها رفقة ماليكا بعدما تغير الإبتهال وصدح الذي يليه، عدت من جديد ارتميت للخلف مستسلمًا لصوت ماليكا الذي يسحبني من الظمات إلى النور.

أنا حزين ماليكا، برائتي لم تتحمل بشاعة العالم من حولي، ليتني لم أشاهده على حقيقته، أنا خائف ماليكا، أحتاجك بجانبي.

عادت الدموع من جديد تنزل من زاوية عيني وتتدحرج ببطء حتى تجمعت عند أذني، رفعت كفي ومسحتها حتي لا تدخل بها وتؤلمني، أنفي يؤلمني، صار الصداع ينبض بكل قوتة في الناحية اليمنى، تنفسي ثقيل، أشعر بقليل من الدوار، البرد يحتل ركبتاي وأصابع قدمي، أشعر برغبة في الذهاب إلى المرحاض لكنني لا أقدر على التحرك. 

العالم مؤلم ماليكا، دعوت الله كل يوم أن يحصد روحي، لكنه لم يستجيب لي، أتعلمين ما الذي أخافه؟

أن يقبض روحي في اليوم الذي سأصبح به بخير، عندما أصبح معك، عندما أشعر بأناملك تمسح دموعي التي انسابت بغزارة فوق وجنتي بينما لا أرى في عينك الشفقة أو السخط، لقد أخبرني عبدالرحمن أن الله جميل لن يفعل بي هذا عندما قرأ خاطرة نشرتها من قبل على صفحتي محتواها:

انتظر اليوم الذي أشعر في بالسعادة من جديد، أرقص معك تحت المطر، أضحك بصخب بينما تحتويني عيناك لكن أخاف عندما يأتي هذا اليوم يقبض الله روحي عقابًا لي على ما اقترفته يدي.

الموت.. الموت.. الموت.

كلمة تتردد داخل عقلي منذ سنوات، كل شيء ينتهي بها حتى أحلامي عندما أفكر بها أشعر بعدم الرغبة في تحقيقيها، لا يمكنني التمسك بشيء في الحياة، لا يوجد شيء أبقى من أجله،  فقط انتظر وانتظر وانتظر، أن تنقبض روحي.

لا يمكنني التفكير في شيء بعيد كلما تركت لخيالي العنان أشعر بالخوف الشديد، أنا لا أريد أن أحيا كل هذه السنوات، لا، لا، لن أبقى حتى سن الثلاثين، لا أعلم لماذا سن الثلاثين؟ لكنه نهاية العقد الذي أنا بآخره الآن، لكن لم أمُت ماليكا.

الآن أرغب في البقاء على قيد الحياة إذا كنتي رفيقتي بها، منذ أن سمعت صوتك وأنا أحلم، نعم، أحلم من جديد، بمنزل هادئ وصغار، أجلس بجانبك أمام مدفئة قديمة بها أحطاب جلبتهم من الغابة بنفسي بينما أضع رأسي فوق كتفك أثناء امساكك برواية ما حتى يتسنى لي الرؤية معك بينما تقبع ابنتنا الصغيرة التي ولدت منذ شهر بين ذراعي ليتم رسم الصورة كاملة داخل عقلي.

في السابق كنت أرغب في تسمية ابنتي "تويا" لكن الآن غيرت رأيي، أحببت "لافندر" أكثر لأنها تذكرني بمفعول صوتك على روحي.

ماليكا لماذا لم تتقبلي أنوبيس؟
حسنًا، هذا ليس مهم الآن، أنا خائف ماليكا.
سحقًا، أعلم أنني أخبرتك بهذه الكلمة كثيرًا حتى الآن، لكن هذا ما أشعر به، لقد انحبست من جديد في ذكرى هذا اليوم المَشؤُوم، يشبه إحساس أن تتراقص أمام عيونك جميع المسوخ المخيفة في أبشع كوابيسك في الوقت ذاته.

سحقًا لكِ ماليكا، سحقًا لكِ.
أتعلمين لماذا؟
لأنني عندما يشتد بي الحزن أفكر بكِ وكأنك "الساموراي" الخاص بي الذي سيهزم جميع وحوش أفكاري، لكنك الآن تأتي داخل رأسي وأنت ترتدي تلك الدبلة البغيضة، على الرغم من أنني بدلتها بواحدة خاصة بي لكن مازلت تعود له، الجميع يظنك له ماليكا، أقسم أن أقتلك وأقتله ثم انتحر.

حسنًا، أنا كاذب ماليكا، لا أستطيع قتلك لكنني سوف أحاول الإنتحار ربما أنجح هذه المرة، فأنا الآن لا أستطيع العيش بدونك، لا أرغب في المرور على ذلك الألم مجددًا، الإحتراق مجددًا، البكاء مجددًا والدعاء بالشفاء من فيروس الحب الذي أحتل كياني ودمره مجددًا.

ظننت إنني شُفيت، تخلصت من الفيروس الذي يتخلل في جميع خلايا جسدي، ظننت أنني نجوت،  لكن إتضح إنني اُصبت بفيروس أقوي انسل ببطء إلي جميع أوردتي، هزم الآخر ثم تربع على العرش وحده بقوة، تملك كل جزء داخلي، صرت مُحاصر لم ولن أستطع النجاة فلا يوجد ترياق لعلاجي؛ إذا كنت سابقًا مريض بالكامل بحب غزل، فأنا الآن أحتضر ماليكا.

ضغطت على شفتي السفلية بقوة حتى انغرست أسناني التي قاربت على شق اللحم، رفعت يدي وبدأت أربت على صدري كما أخبرتني ماليكا، أنا أحاول فعل ذلك وعدم إلحاق الأذى بجسدي، أحتاج إليها الآن لكن لا يمكن إحضارها بالحبوب لقد وعدت نيلان.

نظرت لزجاجة الخمر التي تقبع فوق الكومود ثم مدد يدي وأمسكت بها، وضعت أصابعي فوق فوهة الزجاجة قبل أن أعيدها من جديد للمرة الخامسة حتى الآن، ماليكا لا ترغب في زوج يشرب الخمر، أنا لا أشرب الخمر لكن أحتاج لغياب عقلي، أحتاج لتأثير شيء بمثل تأثير المخدر.

حسنًا، لنخطف ماليكا.

" أصمت أنوبيس، لا تؤذي حبيبتي! "

تعلم ليو أنني لن أمسها بسوء أموت قبل أن أفعل ذلك، فقط لنخطفها، نهددها بقتل عائلتها ونتزوجها حتى ترى حبها لك، إنها تراك وحش بقرون وكأنك الشيطان الذي يوسوس لها!
ماذا؟ هل ستتركها تتزوج بذلك المتحرش؟!
لقد تقبلته، لقد تقبلته ليو ولم تتقبلك أنت، أنت!

" أنوبيس، لا تؤذي حبيبتي ولا أمي حسنًا؟ "

ماليكا حبيبتي كذلك لكن سأحاول عدم قتل أمك اليوم، إنها أمك أنت فقط ليو.

أمسكت هاتفي وقررت مشاهدة مقاطع يظهر بها أبي فقد اشتقت له بشدة، شاهدت عدة مقاطع حتى وصلت إلى المفضل عندي، حيث ظهر أبي يحملني يوم ولادتي ويبكِ بهدوء بينما يجلس عمي قاسم جانبه يحمل فارس الذي وُلِد معي كذلك، وجلس عمي هارون بالمنتصف يربت عليهما بينما يمرر نظراته السعيدة علينا وكأن داخله لا يعلم ماذا يشعر، الحزن على أخوته أم السعادة بالصغار؟!

- لا بأس سالم كفى بكاءً لست حزينة بشأن تخريبك لليلة عُرسي وشهر العسل الذي انتظرته منذ سنوات .. تبًا لك يا رجل.

هتفت بها أمي شيرين حيث كانت تصورهم بلغة أجنبية ذات لكنة مميزة بنبرة ساخرة متهمكة حيث إن أمي انجبتني عقب إنتهاء العُرس الخاص بها رفقة عمي هارون وخربت عليها السفر، فضحك أبي سالم عاليًا بعدما مسح دموعه بظهر يده الحرة عقب تذكره الأمر.

- وأنت كيف لك أن تكون رجل عصابات ويتم النصب عليك من قِبل شيخ مسجد! أين الفتاة يا رجل؟

وجهت حديثها إلى عمي قاسم بنبرة متهكمة مرحة لتخرجه من تلك الحالة، فضحك بخفة وهو يحرك رأسه بدون تصديق ثم هتف بنبرة مازحة من بين دموعه:

- كان يجب عليّ مهاتفة شيخ في الحرم ليدعو لي، لكن الرجل كان وجهه بشوش أقسم.

ضحك الجميع من جديد ثم عادت دفة الحديث إلى أبي بعدما سألته كيف حدثت المصيبة، فتنهد بعمق قبل أن يعتدل في جلسته ويعود بظهره للخلف ويقول بنبرة مازحة:

- كان يمكن أن تنتظر قليلًا لكنني أغضبتها، لقد أخبرتني قبل العُرس ألا أتحرك من جانبها لأنها تغار، لكنني كنت أتذمر بشأن الأمر وطلبت منها أن تحل وثاقي وتدعني أرقص رقصة واحدة فقط، فوافقت كي لا تحزنني، وهذا دليل قاطع على أن زوجتي جميلة وليست متحكمـة كما يقول الجميع هـا، لكنني ذهبت ولم أعود، لقد خرج الأمر عن سيطرتي حقًا! لقد رأيتي شيرين بنفسك مجرد ما خطوت المسرح لم أنزل إلا عندما أغلقوا الموسيقى وقاموا بطردي.

رنّة ضحكات أمي شيرين والجميع من جديد في المكان فأبي بالفعل لم يتوقف عن الرقص كمن أُلقى عليه تعويذة سحرية جعلته لا يتوقف عن الرقص فهذا شيء لا نقاش فيه، وأمي كانت تغار عليه بسبب النساء الآتي يثبتن نظراتهن به بطريقة فجة، لذا استطرد أبي ببساطة يسرد عليهم ما حدث بكل أريحيهة فهو لم يخجل من ذلك الشيء:

- عندما عدنا للمنزل كانت تشتعل من الغضب وتشاجرنا، في الواقع ضربتني لكن تعلمون ضرب الحبيب مثل أكل المانجو، وأنا أعشق المانجو، ثم بعد ذلك قالت لي "أحضري لي طعامًا يا حقير" وهي تضربني بقدمها في معدتي، فعدت بظهري للوراء للوراء للوراء لـلـوراء حتى وصلت للحائط خارج الباب، يا اللهول كم أن حبيبتي بارعة!
ثم بعد ذلك صفقّت الباب في وجهي، نزلت لأحضر لها الطعام حتى لا تضربني من جديد وعندما عدت وجدتها تصرخ من الألم وهي تمسك ببطنها فقلت مرحى! مرحبًا ليو، لقد انقذت أبيك.

- يا فرحتي بيك يا سيد الرجالة.

قالها جدي سيّاف بنبرة ساخرة وهو يرمقه بنظرة ساخطة من إخبار الجميع هذا الشيء المغزي بفخر وكأنه حصل على جائزة نوبل بينما ضحك الجميع على أبي الذي هتف بنبرة باردة يستفزه كعادته:

- يارب أفضل دايمًا عند حسن ظنك يا عمي.

-أنا رايح أشوف بنتي قبل ما اتشل منكم، كملوا عياط، عاملين زي الستات اللي جوزهم مات وسابلهم ست عيال، ما أنا مجبتش رجالة.

قالها بنبرة متهكمة وهو ينظر لهم بغير رضى من البكاء هكذا أمام نظرات الجميع ولأسباب سخيفة للغاية، لقد ماتت أختي فقط واُصيبت أمي بانهيار عصبي، لا داعي لإظهار كل هذا الحزن ثم نهض من مجلسه في رغبة منه أن يذهب لرؤية أمي "دهب" لكن أبي أوقفه بقوله البارد وهو يرسم ابتسامة واسعة على وجهه:

- طيب اديني منديل أكمل علشان مناديلي خلصت.

-استغفر الله العظيم يا رب، ربنا يخدني عشان ارتاح منك يا ابن بشّار.

قالها بنبرة منفعلة ثم تحرك من المكان وهو يضرب كفيه ببعض وبخطوات عنيفة وهو يسبّهم جميعًا داخله، فعادت الكاميرا من جديد على وجه أبي لتحثه أمي شيرين على إكمال باقي الحكاية، فعاد المرح من جديد يقفز من وجه أبي وهو يسرد عليهم ما حدث:

- لقد ظلّت تلد سبعة ساعات تقريبًا هذا الوغد الجميل لم يكن يريد الخروج، ثم انفعلت نفرتاري على الطاقم الطبي بالكامل وقامت بعضي وضربي وقذفت المعدات الطبية في وجهي لأنني السبب بكل كل ذلك الألم، لكن حمدًا لله لم يتشوه وجهي الجميل، فهي لم تكن تريد الإنجاب، كل ذلك رفقة مطر من السباب التي لم يسمعها الطاقم الطبي في حياته من قبل، لكن حبيبتي لم تسبني بأمي لأنها تعلم إنني لا أحب ذلك.
يا اللهول! كم تحبني حتى إنها تفكر في ذلك وهي تتألم، وأخيرًا وبعد طول انتظار لقد ولدت الفتاة، لكن مــفاجــأة لم تكن فتاة، ثم بعد ذلك الحمد لله.

قال آخر كلمة بابتسامة رضى هادئة ودموع تلمع بمقلتيه من ما حدث، هل تعلمون ما حدث؟

لم تكن أمي ترغب في الإنجاب لكن جدي قرر ذلك وأمر أمي نفرتاري ودهب بالإنجاب بعد شهور من إتمام الزيجة فوافق أبي لأول مرة في حياته على شيء بعدما شعر أن هذا المولود ربما يكون حلقة الوصل بين أمي وجدي سيّاف، كما إنه لم يرغب في زيادة الحروب بينهما، وكذلك كانت جدتي جلنار تضغط عليه ليقنعها حتى تنجب وريث العرش ويعود الحكم لسلالة الجابري من جديد.

بعد شهر رزق الله أمي بي وبأختي لكنها كانت تدعو أن نكون فتاتين، وكانت تهتف إننا فتاتين بإصرار رهيب.

- هما بنتين.

تقولها إمي بنبرة جامدة غاضبة كلما أوحى إليها أحد أن ما داخل أحشائها ربما يكونا ذكرين، حيث جلبت ملابس خاصة بالفتيات، غيرت ديكور غرفة الأطفال إلى اللون الوردي، اختارت اسم فتاتين، كانت تصدق بكل ذرة داخلها إننا فتاتين.

هل تعلمون ما حدث عندما وضعوني بحضنها واخبروها أنني ذكر وأختي توفيت؟

- انتو كدابين، فين بناتي، بناتي؟!

صرخت بها أمي وهي تدفعي عنها برعب ثم نهضت من الفراش وهي تحرك رأسها بالنفي بعنف وكأنها سمعت أبشع خبر في التاريخ، ركضت للخارج وهي تصرخ باسمي وأختي فحاول أبي إمسكها لكنه ضربته ودفعته، فاقتربت منها أمي دهب التي كانت حامل في الشهر السابع فدفعتها كذلك، كل ما كانت تفكر به وقتها إن المشفى سرقت فتياتها الاثنتين، لم يقدر عليها أحد حتى قيد حركتها أبي واعطوها الممرضين حقنة مهدئة.

صرخت أمي دهب من الألم وتم نقلها إلى غرفة العمليات فخرج عمي قاسم من المشفى وتوجه إلى المسجد أمام المشفى وطلب من الشيخ أن يدعو أن تلد زوجته فتاة في رغبة بريئة منه ليعطيها إلى أمي حتى تهدأ ثورتها العنيفة، فلا بأس الجميع أخوة بالمنزل لن يحدث شيء إذا أخبرها أن الفتاة ابنتها، لكن لم تلد أمي دهب فتاة بل نصف روحي الذي عوضني الله به عن نصفي الآخر المبتور وكأن الله بعثه ليربت على قلبي الذي انكسر بفعل أمي من رفضها لي وتخلي أختي عني.

- الولدين شبه بعض خده ادهولها قولها ابني أنا اللي اتوفي.

قالها عمي قاسم ببساطة إلى أبي وهو يشير لفارس حيث ظن أن هكذا المشكلة سوف تُحل فربما نفرتاري بحالة صدمة من فقدان ابنتها، أخرج أبي صوت ساخر من فمه ثم هتف بنبرة هازلة يستنكر بساطة حديث الآخر:

- لا حول ولا قوة إلا بالله، واد ايه اللي أخده يا قاسم هو أرنب؟ بعدين أصلًا هي مش مقتنعة إنهم ولد وبنت هي متأكدة إنهم بنتين والمستشفى بدلت العيال.

_ إذًا ما هو شعورك كأب سالم؟

قالتها أمي شيرين بغتة لتغير دفة الحديث بعدما عاد الحزن إلى نبرة صوت أبي حيث إنها فعلت كل هذا لتخرجه من تلك الحالة، فنظر لي أبي بتمعن قبل أن يقول بنبرة مازحة:

- أشعر إنه تم النصب عليّ شيرين إنه صغير للغاية، أين الطعام الذي كانت تأكله أمك فجرًا، فقد كانت توقظني لأنها جائعة! أين وضعته أيها الوغد اللطيف؟

هتف بها بنبرة ساخطة مازحًا وهو يهز برفق جسدي الصغير للغاية حيث إنه لا يمكن رؤيتي من بين ذراعيه من المرة الأولى، ثم طبع قبلة حنونة فوق جبهتي ونظر لي بابتسامة واسعة شعّت من عينيه قبل أن يهتف بنبرة صادقة:

- لو كان قَلبي ينبُض ألحانً، فَـأشعُر أنَّ قلبي ينبُض لحنًا خاصًا به وحده.

أطلق داغر ذو الخمسة أشهر أصوات من فمه غير مفهمة وهو يشير ناحية أبي ويضم قبضة ويفردها حتى يأخذه من عمي صالح الذي يحمله بعدما وقف أمامهم، ثم جذب شعر أبيه قبل أن يبدأ في البكاء عندما لم يتم تنفيذ ما يرغب به، التفت أبي بجسده ناحية عمي هارون ووضعني بين ذراعيه ثم أخذ داغر من عمي صالح وهو يهتف بنبرة مازحة لاثارة غيظ عمي صالح.

- ياتي ياتي دود حبيب خالو ياتي، وشبه خالو ياتي .. يلا، طبيلي ودق الدربوكة، هرقصلك فشر الكاريوكا.

غناها أبي كعادته فبدأ داغر يحرك جسده في رقصة طفولية وهو يضحك بمرح حيث إنه متعلق بأبي كثيرًا منذ صغره فهو يحب النوم بغرفته والبقاء معه منذ ولادته.

ابتسمت بحنين بعدما انتهى المقطع ثم بعثت رسالة إلى أمي بعدما تنهدت بعمق محتواها:

" مرحبًا جلالة الملكة، أتشرف بدعوتك اليوم للموعد الذي لم يكتمل من قبل، احرصي على ارتداء الفستان الأخضر، وحافظي على دقات قلبك لقد كَثُر عدد اللصوص"

" اتلهف لرؤياك أيها القائد العظيم
لقد تأخرت كثيرًا في النصيحة
لقد سُرقت نبضاتي بالفعل! "

بعثتها أمي على الفور فهي تنتظرني كعادتها الحديثة، لقد عادت لمنزل الحاوي من جديد بسبب تحسُن صحتي وكأن صحتي النفسية التي تحتاجها ليست مهمة، لكن لا بأس سوف تعود معي، أنا لم أعد أحتمل هذا البعد أكثر.

ضحكت بخفة ثم أغمضت عيني حتى أركز مع صوت ماليكا الذي دلف إلى صدر روحي مباشرة بعدما شغلته من جديد، لكن هذا غير كافي لذا نهضت ببطء وأنا أغمض عيني من عناق الصداع لرأسي ثم تحركت بخطوات مترنحة تجاه المكتب، أخرجت الدفتر الذي صنعته مثل فيلم "up" حيث يصنع من أوراق صفراء قديمة غلاف سميك بني اللون حتى اتشارك به الذكريات رفقة ليكاتا، أحب ماليكا أكثر من ليكاتا، أول اسم سمعته لها كان "ليكا" وخرج من فم أمها، لذا اسميتها ليكاتا لكن بعد ذلك عشقت باقي حروف اسمها.

نعم، أنا أراقب ماليكا منذ عامين ونصف، حاولت الإبتعاد عنها وعدم زجها بحياتي لكن أنوبيس هو من فعل ذلك، لقد سحبها لطريقي، لم يكن صدفة أبدًا، في البداية بعث لها روايات شهد ثم الرسائل، لم أستطيع الإبتعاد أقسم، لقد كانت تتمزق حزنًا، كنت أرغب في البقاء بجانبها، سحب الحزن من جسدها، لقد تمزقت وروحي صرخت بالداخل في كل مرة بكت فيها بالشرفة.

كانت خطتي هي أن تذهب لحفلة توقيع شهد بعدما تحب كتاباتها لأنني كنت متأكد من ذلك فصغيرتي المدللة موهوبة بشكل متفجر، لكن عندما حدث بالفعل وذهبت إلى حفلة التوقيع بمعرض الكتاب، وقفت أمامها كالأبله ولم أستطع إخراج كلمة واحدة من فمي، فقد داهمتني نوبة قلق، أفكار كثيرة انهالت فوق رأسي كالقروش التي مزقت جسد الطبيب!

لن تحبك ليو. لماذا ستفعل؟ غزل لم تحبك!
إنها مازالت تحب مراد.
ماذا تفعل أيها الوغد هل ستسحبها لحياتك القذرة؟!
هل ستقبل فتاة تحاول أن تمشي على خُطى دينها بشاب ينغمز بالمحرامات؟!
أنت لا تليق بها!

أنظر إليها، إنها بيضاء محلقة كأنثى تنين قوي تحلق بجناحيها القويتن فوق السحاب الأبيض النقي الذي يشبه نقاء روحها، وأنت تنين أسود لن تفعل شيء سوى إحالة نقائها لغبار رمادي في يوم ابتلعت السماء الشمس حيث لا يظهر في الأجواء سوى الضباب.

ابتعدت عنها معلنًا الإنسحاب من جديد للمرة التي لا أعلم عددها، لكن أنوبيس دفعني إليها ثانيًا ووضع خطة أخرى حتى تبقى بقربي لكن من بعيد، ولحسن حظي أن طُرقها تتشابك مع فتيات عائلة عبدالرحمن بسبب أمها المعلمة الطيبة، لذا ذهبت إلى "إسلام" أو سارق التوت كما تدعوه ماليكا لأننا صديقين، نعم صديقين ولن أخبركم ماذا حدث الآن!

- عايزك تقنع أختك إنها تعمل منشن لماليكا على إعلان شغل عندي في الشركة.

قلتها بنبرة هادئة إلى إسلام وأنا أجلس معه فوق سطح منزله أتناول القهوة البشعة التي صنعها وأقاوم رغبتي في سكبها بوجهه، فالتفت لي حيث إنه منشغل في الإهتمام بقصاصي الزرع وإزالة التالف منها قبل أن يقول بنبرة خبيثة:

- أنا هكتب رواية عن بطل، قاتل مأجور بيشتغل في تنظيم مافيا شغلته الأساسية القتل، وبيخطفوا الأطفال لتدريبهم منذ الصغر حتى يكون ولائهم للتنظيم علشان ينفذوا الأوامر منغير ما يحسوا بالذنب.

- حرامي يعني.

هتفت بها بنبرة ساخرة تعقيبًا على قصة روايته التي سرق بها فكرة جنود المامبا السوداء لكن مع تغير الأمر إلى قاتل مأجور والمملكة إلى تنظيم أسود مهنته الأساسية الخلاص من البشر.

- طبعًا بقى هيقع في حب الست اللي المفروض يقتلها صح؟

- إنت كليشيه اوي، مش هقولك إيه اللي هيحصل، المهم أنا عايز أحضر تدريبات المامبا علشان أكتب بعض مشاهد التدريب.

قالها ببساطة وهو يضع قدم فوق الأخرى بشموخ بعدما جلس بجانبي وسخر بشأن ما توقعته في بداية حديثي، سحقًا، لقد سلب فضولي بالفعل، يمكنني تهديده بكل سهولة لكن قصة روايته جميلة وهو كاتب موهوب من النوع الذي إذا كتب حتى قصة عادية ستشدك للغاية من أول صفحة فطريقة الكاتب هي أهم شيء بالعمل.

- إيه رأيك لو غيرت الفكرة شوية هتبقى احلى؟ نغير البطل لبطلة.

قلتها بنبرة هادئة بسبب شرود عقلي الذي جذب فكرة أخرى أجمل بكثير بعدما تذكرت أمر "سيسيليا" صديقة أمي المقربة حاليًا أو صديقتها الوحيدة والتي تكون زعيمة واحدة من أكبر منظمات المافيا بعد خاصتنا بالطبع لكن المنظمة بأكملها مكونة من النساء، نعم.

يتم تدريب النساء بها منذ الصغر للحصول على الولاء الكامل والطاعة للمنظمة، بالطبع ليس مثل المامبا لكن بشكل قريب منه، لكن عملهم بأكمله يكمن في القتل والأغتيالات ويتم استخدام النساء في ذلك بالطبع.

حسنًا، ما علاقة كل ذلك بأمي؟

سيسيليا في أيام شبابها كانت تعمل كقاتلة مأجورة من الفتيات قبل أن تصبح الزعيمة، عندما كانت أمي في سن السابعة عشر دخلت القصر رفقة "علاء الجابري" والذي يكون الشقيق الأصغر لجدتي إجلال - حرقها الله في جحيمه- وفي المساء قتلته، فهي بالأساس تم تأجيرها لقتله من قِبل أعداءه، سحقًا! هذا جزاء القذارة جدي!

لم يقدر عليك جميع الرجال لكن في الأخير هزمك قذارتك!

المهم، إنه تم الأمساك بـ "سيسيليا" أثناء محاولتها للهرب وتم إيداعها في الزنزانة أسفل القصر حتى يتم تعذيبها للإفشاء عن اسم الرجل الذي استأجرها، وبالطبع ما حدث بعد ذلك يمكن توقعه، لقد هربتها أمي من خلال الأنفاق وعادت لغرفتها وكأن شيئًا لم يحدث، لا أعلم لماذا؟

لكن أمي تحب النساء وتدافع عنهن وكأنها الزعيمة لهن، فهي أكثر من يدافع عن نساء المملكة، وصنع أسلحة خاصة بهن.

- مرحبًا آسيا هذا ليو معك.

قلتها بنبرة بها بعض المرح بعدما هاتفت "آسيا" والتي تكون واحدة من الفتيات بالمنظمة والتي تكون صديقة غزل كذلك، أخرجت صوت مرحب من فمها ثم هتفت بنبرة ساخرة:

- ماذا جلالة الملك المستقبلي هل قررت قتل غزل أخيرًا والثأر لقلبك؟ لكن سآخذ ثلاثة أضعاف المبلغ فهي صديقتي يا رجل!

- تبًا لكِ، انظري أنا أرغب في كتابة رواية عنك.

قلتها بنبرة ساخطة ثم بدأت شرح لها أمر الرواية والفكرة في تحويلها لبطلة رواية إسلام القادمة، وتجميع بعض المعلومات عنها وعن تفاصيل المهمات السابقة التي نفذتها بالفعل، ثم أغلقت الخط بوعد اللقاء القريب بعدما تأخذ أذن زعيمتها التي ستوافق بالفعل لأنها تُحبني، لقد قابلتها في صغري عدة مرات.

- حسنًا، سوف تأتي لمقابلتك عندما تبدأ في كتابة الرواية.

- مقابلة مين؟ إنت عايزني أقعد مع قاتلة مأجورة!!

قالها إسلام بنبرة مستنكرة بعدما توسعت حدقة عينه بشدة وارتجف جسده  من الجنون الذي أخبرته به بنبرة هادئة، فضحكت بخفة على خوفه الغير مبرر منها وكأنه إذا تحدث معها ستقتله ثم هتفت بنبرة رزينة:

- سوف تخبرك معلومات دقيقة يا رجل! بالطبع يجب عليك التلاعب بالتفاصيل حتى تغير الواقعة الحقيقية ولا يتم الأمساك بنا، كما أنني سآخذك لبعض تديبات المامبا، التدريبات فقط وليس الأسرار.

حرك رأسه ببطء مع شرود عقله وتم الإتفاق بيننا، لقد تحدث مع ابنة خالته "رويدا" والتي تكون مقربة من ماليكا وأشارت لها بمنشور العمل بالفعل، لكن تلك القاسية كان لها رأي آخر، الصدفة جعلتها تقدم على الوظيفة الأخرى التي خاصة بمصنع الحاوي ولم أعلم الأمر إلا عندما قابلتها في عيد مولد شهد.

فهي بين يوم وليلة انشغلت بها عنها تبخرت كالرياح، ظننت إنها سافرت إلى عمها في الولايات المتحدة الأمريكية، حسنًا، لا أرغب بتذكر تلك الفترة لقد كانت ساحقة لقلبي.

أخرجت الرسالة التي كتبتها بشأن اعترافي كـليونار بحبها ولم أرسلها مثل سابقتها، تبًا لكِ ماليكا، لقد اخبرتك، أخبرتك أنني سأفعل ذلك يوم رأس السنة، لماذا لم تنتظريني؟

تنهدت بعمق وأخرجت ورقة قديمة محترقة الأطراف ثم أمسكت الريشة السوداء القديمة ودسستها في الحبر الموضوع فوق المكتب، وضعتها على طرف الورقة وبدأت في كتابة الرسالة الجديدة، لن أخبركم ماذا كتبت.

سحقًا، لا داعي للسباب!

وضعت الرسالة في منتصف الدفتر ثم بدأت بتصفح الدفتر من البداية حيث وضعت ذكرياتي مع ماليكا عندما تشاركنا الحلوى والشطرنج العديد من الذكريات الأخرى، لقد التقط لها العديد من الصور بالسرقة بالطبع، نظرت بتمعن في أول صفحة، كان هذا يوم عيد مولد شهد، اليوم التي تحدث معها به للمرة الأولى، في هذا اليوم حصلت على أعنف خفقة لقلبي حدثت بالتاريخ، لقد وقعت بحبها في ذلك اليوم من جديد، فطول العالمين السابقين كنت أراقبها فقط.

مررت أصابعي على الخاطرة المكتوبة بجانب الصورة حيث كتبتها بعدما رأيتها لأول مرة مباشرة.

⟪ أيتها الغجرية، ماذا فعلتي بي؟!
لقد صرت سِكِّيرًا بسببكِ
منذ أن سمعت ندائك غاب عقلي.
لكن بعد أن رأيت وجهك صرت مختلًا.
تُشبهين الخمر، فكلاكما يُذهب العقل. ⟫

لن أخبركم كيف قابلت ماليكا الآن لأنني متعب، نهضت من مجلسي حتى أتجه للمرحاض، يجب أن أذهب لرؤية ماليكا فأنا أنزف الآن وبقربها تلتأم جراحي، على الرغم من أنني حزين منها.

إنها سخرت من تصفيفة شعري بعدما بقيت أكثر من ثلاث ساعات أحاول تحويل خصلاتي إلى مجعدة مثل الوغد يعقوب! ما الذي جذبها خصلاته؟ كما إنها لم تدعوني إلى حفل خطبتها، كيف لها إن لا تفعل؟

حسنًا، أنا لا أستطيع إطلاق الزغاريد من فمي لكنني استطيع التصفيق بكلا كفاي بعنف، سوف أصفق لعامر حتى ينزف وجهه، أوه! أقصد حتى تنزف يدي!

دلفت المرحاض حتى أتحمم وأذهب للشركة لأنني لن أستطيع الذهاب إلى عمي هارون لإنه مسافر، هذا يقلقني أكثر من أي شيء حاليًا، إنه على وشك تفجير أبيات الشعر، لا أرغب في معرفة ما يحدث معه.

سحقًا لكِ ماليكا يا لك من امرأة قاسية!

وقفت أمام المرآة أجفف شعري، نظرت إلى عيني الحمراء و أهدابي الملتصقة ببعض بفعل المياه والدموع، فعيني لم تتوقف عن تفريغ الدموع على الرغم من أنني لا أبكِ، نعم، عيني تبكي لحالها.

نظرت إلى جزعي العلوي العاري ومرتت نظراتي على الندوب حتى استقرت على الندبة الأخيرة، لامستها بأطرف أناملي، ندبة حمراء عريضة وبعرض السيف وبشعة، أكرهها، ماليكا هل ستتقبلي هذا؟!

حسنًا، لا بأس يمكنني إجراء جلسات طبية حتى أقوم بإزالتها عن طريق الإشعاع من أجلكِ، أعلم إن ندوبي بشعة ومخيفة على الرغم من الحزن الذي سأشعر به، لقد كانت لديَّ رغبة طفولية في أن تتقبليني كما أنا، لكن حتى أمي لم تتقبلني ماليكا، أنتِ ستفعلي؟

ارتديت بنطال قماشي رمادي اللون، قميص صوفي ذو رقبة عالية باللون الأسود، معطف طويل بنفس اللون وحزام كذلك باللون الأسود يظهر بشكل واضح حيث إن القميص داخل البنطال، نظرت إلى حالي بتمعن، لقد صرت أشبه أبي بشكل كامل الآن حيث إن الملابس خاصة به، لكن لو وضعت وشاح حول رقبتي سأسرق شخصية نيلان.

______________ ︻╦デ╤━╼

دلفت للشركة بخطوات شبه راكضة إلى مكتبي فظهر أمامي نيلان الذي يجلس خلف مكتبي وماليكا التي تجلس أمامه وتتناقش معه بالعمل حيث إن هناك اجتماع مهم بعد قليل، تقابلت نظراتي مع القاسية فشعرت بالدفء والسكون من جديد، فبجانبها تتوقف جراحي عن النزيف ويصمت كل شيء داخلي بل يصمت الكون بالكامل لينتبه إليها.

- هل أعتبر هذا رسالة خفية منكِ لتعلني عن حبك لي؟

قلتها بنبرة مراوغة وأنا أجلس فوق الأريكة الجلدية فأنا هنا لابقى بجانبها وليس للعمل بعدما أخبرتها "اشتقت إليك" بلغة الإشارة كعادتي عندما يقع بصري عليها لكنها لم تفهم ذلك بالطبع فهي تظنني ألقي عليها التحية لإنها حمقاء.

" أنوبيس لا تسب حبيبتي"

تبًا لك ولحبيبتك ليو، إنها حمقاء!
كيف لها أن لا ترى حبك الذي ينسكب من مقلتيك؟

" أنوبيس، إنه وقتي الآن! أغمض أنت عينيك، لا مجال لك بجانب ماليكا "

تبًا لك ولقلبك! أنا الذي يربت عليك في النهاية عندما تجلس في زاوية الغرفة تبكِ عندما يتم كسر قلبك!

- ما قولتها ليك قبل كدا، ده عشم أبليس في الجنة!

قالتها بنبرة ساخرة عقب أشارتي لها بيدي على ملابسي ثم ملابسها بعدما عقدت حاجبيها بدون فهم من حديثي السابق حيث إنها ترتدي ملابس تماثل خاصتي، وترفع شعرها في كعكة مهملة فوق رأسها لتظهر ندبتها المحببة لقلبي بشكل واضح، أنا أذوب في تلك الندبة كما أذوب في كل شيء بها وكأن الجمال تجلّى بها، فسبحان الخالق المبدع.

أأخبركم سرًا؟
أنا الذي أقلدها في الملابس لقد بعث لي أخي رائف صورتها في الصباح فتذكرت أمر ملابس أبي التي تقبع بالخزانة.

- أنت فطرت؟

قالتها ماليكا بنبرة هادئة من الخارج لكن نظرة عيونها توحي بأنها تسب حالها من الداخل لخروج ذلك السؤال من فمها، مالي أنا إذا أكل أم لا؟!
هل أنا أمه؟

- لا، لكنني لست جائع.

قلتها بنبرة متعبة مُثقلة بالهم فأنا لم أتناول شيء أو أنام منذ عُرس أخي خوفو الذي توقف الحزن به في هدنة سريعة، لقد سعدت كثيرًا من أجل لم شمل أخي مع معذبة فؤاده، خوفو يستحق السعادة وزوجة حنونة مثل ريحان، مازلت أتذكر كيف كان يضعني بالعربة يركض بي في الحديقة عندما كنت صغير، كنت أضحك بصخب، كما كان يحملني فوق كتفه ويركض.

زمت ماليكا شفتيها في نية منها لتعترض على حديثي وتعطيني شيء أتناوله لكنها كبلت حالها للداخل وعادت للجمود من جديد، اشفق عليكِ ماليكا، أعلم أن الحروب التي تصدح صوت صلصلة سيوفها داخلك عاتية، ربما أقوى من ما يحدث داخلي.

أعلم إنك تحبينني.
وأعلم إنك لا تتقبلي ذلك.
وأعلم إنك لن تتقبلي ذلك.
بل أعلم إنك في اللحظة التي ستعلمي بها ذلك ستكرهين الحب، قلبك، وجميع المشاعر داخلك.

أخرجت دفتر ملاحظات صغير من جيب المعطف ودونت به كلمات الأغنية التي داهمت عقلي الآن ككتيبة هجمت على عشيرة إرهابية وقبضت عليهم، سكبت كل شيء فوق الورقة ثم نهض من مجلسي وضعت الدفتر الصغير أمام ماليكا فوق أوراق العمل.

- هل يمكنك غناء هذه الأغنية بدلًا مني، لقد كتبتها وأرغب في الغناء لكن تعلمين الساحرة سرقت صوتي، وأنا أرغب التأكد من لحن الكلمات.

قلتها بنبرة هادئة بعدما رفعت نظراتها إليَّ فحركت رأسها بالموافقة بلامبالاة وأمسكت الدفتر لتقرأ الكلمات الأنجليزية الآتي كتبتها تزمنًا مع خروج نيلان من المكتب بعدما هتف برغبة كاذبة في إحضار الطعام وهذا لإنه يعلم بغيرتي على صوت الغجرية الساحرة.

سحقًا، لقد وقعت لها من صوتها!
أخاف أن يسمعها أحدًا آخر فتصيبه التعويذة وتسحره كما سحرتني، لكن لا أغار من نيلان فهو غير مبالي كما إنه يحب شفا.

❞ أنظر إلى عيني
قل لي ماذا تري؟
يمكنك رؤية وحوشي داخل مقلتيَّ
لكن هل يمكنك رؤية حبي؟❝

غنتها ماليكا بعدما أغمضت عينها بصوتها الدافئ الساحر، الذي يشبه قبلة أبي الحنونة فوق جرحي النازف والتي هي عبارة عن أقوى مسكن نفسي لآلآمي، ليتك تفهمين الكلمات ماليكا، أنا اكتب لأجلكِ فقط.

❞ العالم غير آمن ملئ بالمسوخ.
كان يجب عليَّ التحول لواحد منهم.
حتى أحيا بينهم. ❝

توقفت عن الغناء مع ظهور تلجلج واضح في عينها وظهر تنفسها المضطرب من حركة جسدها، فابعدت عيني عنها وابتلعت ريقي بتوتر فقد كنت أنظر لها بولع رسّام شغُوف يتأمَّل لوحته الإبداعية، بالتأكيد شعرت بالقلق من نظرتي، لكن أقسم كانت نظيفة ماليكا لا تدعي الوساوس تخدعك، فأنا برئ من أفكارك كحيوان الآيآي.

تنهدت بإرهاق وأعدت خصلات شعري للوراء ثم نهضت من مجلسي وتسطحت فوق الأريكة بعدما دلف نيلان وأشار لها حتى تدخل إلى غرفة الإجتماعات، نهضت ماليكا بنشاط وحماس حاولت جلبه لجسدها ثم دلفت الإجتماع بدلًا مني فهي مديرة أعمالي وأنا منهك جدًا على مقابلة البشر.

وضعت ذراعي فوق عيني بعدما شغلت ابتهال بصوت ماليكا من جديد، أغمضت عيني وأنا أحاول التركيز على صوت ماليكا وليس على ذكرياتي في ذلك اليوم، غاب عقلي لبرهة، فقدت الشعور بكل شيء حولي، أصوات كثيرة وبعيدة تصل إلى أذني حيث منطقة اللاوعي.

دماء.. دماء
أجساد
إنها تؤلم.
رصاصات
سفن.. سفن.
إنت احلى حاجة حصلتلي في حياتي.
القلب يعـشق كـل جميل

استيقظت بفزع من نومتي، وضعت يدي فوق موضع قلبي وأنا أتنفس بعنف، لا يمكنني التنفس، أين الهواء؟

- ليونار، أنا معاك، كل حاجة هتبقى كويسة، دي مجرد أوهام، إنت كويس، كل ده خيال، إنت كويس .. خد نفس بالراحة.

قالتها ماليكا بنبرة مطمئنة عندما علمت أنني أمر بنوبة هلع حيث دلفت المكتب بعدما انتهى الإجتماع، سمعت تمتمات غير مفهومة خرجت من فمي لذا اقتربت مني حيث كنت أتنفس بصعوبة وصدري يعلو ويهبط بعنف ووجهي مبتل من العرق بفعل الكابوس بينما أضم قبضة يده بشدة وأتمتم بشيء لم تفهمه قبل أن استيقظ بهلع.

ركض نيلان تجاهي بعدما دلف للمكتب، أخرج خنجره وشق القميص الصوفي بالكامل من بداية الرقبة حيث كانت تعيق تنفسي، أرجع رأسي للخلف حتى أستطيع التنفس وهتف لماليكا بنبرة قلقة:

- غني يا ماليكا .. ليو ركز مع صوت ماليكا، أنا معاك، خليك معايا.

﷽  : {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيمانًا مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}

قالتها ماليكا بنبرة هادئة بسيطة لتتلو على أذني آيات السكينة، لم تطل في النطق ولم تحاول تجميل صوتها لكنها نجحت في سلب تركيزي بالكامل، هذا إحساس مختلف، غريب ومطمئن.

﷽  { لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا. }

ركض نيلان بعدما نجحت ماليكا في تشتيت تركيزي وسحبي من فك الوحش المفترس الذي ابتلعني مع تكرار كلمة (فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ)، أحضر عبوة عصير ومكعبات ثلج، وضع قطعة ثلج في كلا كفاي ثم أمسك واحدة أخرى ومررها في المنطقة بين رقبتي وصدري.

{ إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾

- سبحان من جعل جروحي تلتأم بسماع صوتك.

قلتها بنبرة رخيمة وأنا ابتسم لها بهدوء بعدما جلست أمامي، فوضع نيلان علبة العصير في يدي وأمسك الدلاية المتعلقة بالسلسال بخفة واسقط الخاتم خلف ظهري، لقد مزق القميص! سحقًا السلسال!

- هيه، أنا لم أصاب بنوبة هلع، فقد كنت اختبر سرعة بديهيتك وأنت فشلتي!

قلتها بنبرة حاولت أن تخرج مازحة بعدما سيطرت على رعشة كفي من التوتر الذي أصابني، اتمنى إنها لم تمعن النظر بالسلسال بسبب القلق الذي تلبسها من حالتي، سحقًا، إنه خاتم أمها!

أخرجت صوت ساخر من فمها وهي تدور برأسها بطريقة هازلة بعدما جلست بتعب فوق المقعد وهي تمسح وجهها، حمدًا لله على الخوف الذي يشل التفكير وإلا لم يكن ليحدث خيرًا!

- حسنًا، لقد كانت نوبة هلع فقد تعرضت لصدمات كثيرة في طفولتي، أتعلمين عندما كنت في الرابعة كنت أظن أنني بطلٍ خارق ولعبت هذا الدور بشغف بسبب إيماني الشديد بذلك، كما كان جدي سيّاف يقول لي دائمًا "يا بطل" مما أدى لزيادة زهوي بحالي.
وفي أحد الأيام كنت أتقمص دور البطل وقرر عقلي الصغير تجربة الطيران اليوم، فصعدت على طاولة عالية ورفعت يدي لفوق وقفزت من فوقها بشموخ "وهــوب" أحتضنتي الأرض واعتصرت أضلُعِي، وهذا كان أول خنجر أنغرز داخل قلبي:

"ليـو مش طيـر، ليـو مش بطل، ليو مش خارق، ليو مش طيــر؟!

من قال إنه يمكنك الطيران دون جناحات كان يجب عليه أخبارك أن الأرض ستقبلك بعدها! سحقًا، لقد بكيت كثيرًا يومها داخل حضن أبي كعادتي عندما تُحزنني الحياة، كان حضنه دائما جاهزًا ليتلقفني، بعدها أخبرني إنه يمكنني أن أكون بطلًا دون طيران.

- باباك جميل اوي.

قالتها ماليكا بنبرة هادئة وهي تبتسم بسمة رقيقة تعقيبًا على حديثي الذي خرج بنبرة تشبه ممثلين المسرح حتى أجذبها إليَّ من جديد ولا يعيد عقلها ما حدث، مررت لساني على شفتي الحافة وأنا ابتلع ريقي عندما لاحظت أن جذعي العلوي يظهر منه جزء كبير أمامها ثم حركت يدي ببطء حتى أغلق المعطف ولا أجذب نظراتها إلى جسدي، لست مستعد لرؤية الرفض في عيناها الآن.

- مش معاك لبس في العربية؟ كدا ممكن تبرد.

قالتها ماليكا بنبرة هادئة وهي تجلب من حقيبها العلبة البلاستيكية التي تحتوي على الشطائر وتضعها أمامي فوق الطاولة، سحقًا، لقد لاحظت بالفعل، نظرت لها بتمعن حتى أبحث في عينيها عن أي شيء يدل عن الرفض أو الشفقة لكني لم أجد شيء.

- لقد رأتك بالمشفى!

قالها نيلان بلغة الإشارة عندما نظرت له بعدما مد يده وأخذ واحدة من الشطائر وضعها بين أصابعي، فضحكت بسخرية داخلي لأنني لم أتذكر ذلك الأمر ثم نظرت إلى ماليكا التي ظهر ضوء شغف في عيناها وهي تنظر لي من جديد، فعلمت إنها تنتظر لتسمع مني المزيد فهي تحب حديثي، وتعلم أنني لن أتوقف عند ذلك الحد، فأنا ثرثار كبير.

لكن ثرثار مع الأشخاص المحببين لقلبي واصاب بالخرس مع الباقين.

- هل يمكنك تقبل رجل يمتلك هذا العدد من الندوب في جسده؟

قلتها بنبرة حاولت أن تخرج ثابتة وليست مهتزة وأنا أفتح زر الجاكيت من جديد ليظهر جسدي من الأسفل بينما صدري يعلو ويهبط بعنف من الخوف والترقب.

- يمكنني تقبل كل شيء بالرجل الذي أحبه فأنا لست مثالية كذلك ليو.

قالتها ماليكا ببساطة دون أن تنظر لجسدي من الأساس، فقد نسيت إنها لن تفعل لذا أغلقت الزر من جديد وتنفست الصعداء بسبب إجابتها التي أسعدت قلبي، بالتأكيد يوجد شيء رومانسي أكثر دار بخلدها لكنها لم تفصح عنه، لقد قرأت ذلك في عيناها.

حسنًا الآن، إنها تشعر بالملل وتحتاج لحكاية مشوقة لذا سوف أعطيها واحدة، تنهدت بعمق وقلت بنبرة متلاعبة:

- هل حكيت لكِ عن اليوم الذي خطفت به وأنا صغير؟

- أنت اتخطفت؟!

- اتخطفنا.

يتبع..

الفائزات بإجابة سؤال الجروب.
شهد جابتها صح كلها.
رويدا.
نيمو
اعتذر لو نسيت حد تاني.

★ متنسوش التصويت (vote) 

________________________
_ لا تنسوا الدعاء لأخوتنا بغزة في جميع صلواتكم، رفع الله عنهم ونصرهم.
للتذكير: سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، نِعمَ الزادُ هذا يا رب.

Continue Reading

You'll Also Like

247K 10.1K 25
"မောင် မဆိုးစမ်းနဲ့ကွယ်" "ကျုပ်ကိုမချုပ်ခြယ်နဲ့"
52.1K 2K 94
Coming Into Your World I Fell In Love With You| "I'm...In love with someone who's in a TV show?! And he's not even in the show he's supposed to be a...
495K 10.8K 56
Izuku Midoriya was walking home when he was taken by a random stranger, then, everything changed. How exactly? Well, Izuku is now a female. . . . Fem...