أنوبيس

By HabibaMahmoud25

99.6K 5.1K 4.6K

مرحبًا بكم في المملكة لا لا، يجب أن أحذرك أولًا من يدخل المملكة لا يخرج حيًا. يمكنك المغادرة الآن.. سأترك لك... More

تنويه
قوانين التنظيم (المملكة)
الشخصيات
الفصل الأول: المامبا الحامي لي
الفصل الثاني: نساء عائلة المُهيري.
الفصل الثالث: لماذا مُراد؟
الفصل الرابع: إلى اللقاء أمي.
الفصل الخامس: قصر الأشباح.
الفصل السادس: ثم لم يبقى أحد.
الفصل السابع: لا تترُكيني.
وشم المامبا +إعتذار
الفصل الثامن: وضع الغيرة
الفصل التاسع: يوم رفقة الأوغاد.
الفصل العاشر: انا الخاطف.
الفصل الحادي عشر: النجمة المسلوبة.
الفصل الثاني عشر: لتمتزج صرختنا معًا.
مسابقة 🔥
الفصل الثالث عشر: طبيب الطاعون.
الفصل الرابع عشر: رقصة أخيرة
الفصل الخامس عشر: فتيل القنبلة
الفصل السادس عشر: وتر أكيليس.
السابع عشر: رقصة الألم.
الفصل الثامن عشر: الغجرية الساحرة.
الفصل التاسع عشر: لنتزوج ماليكا!
الفصل العشرون: وحوشي وقعت لكِ.
الفصل الواحد والعشرون: خطوبة أم معركة حربية؟
الفصل الثالث والعشرون: أحتضر ماليكا.
الفصل الرابع والعشرون: ليو الصغير.
الفصل الخامس والعشرون: بُتر قلبي.
الفصل السادس والعشرون: خنجر بروتس.
الفصل السابع والعشرون: مُروضة أنوبيس!
الفصل الثامن والعشرون: مرحبًا بالغجرية.
الفصل التاسع والعشرون: الموت أم.. الموت؟
إعتذار
الفصل الثلاثون: الذئب الذي أكل يُوسف.
الواحد والثلاثون: لن تكسريني، أليس كذلك؟
الثاني والثلاثون: نعم، أحبك.

الفصل الثاني العشرون: أنا الجحيم.

1.5K 120 105
By HabibaMahmoud25

بنزل كل أسبوع بوست على الجروب علشان نتناقش في لو حد مش فاهم حاجة يدخل الجروب ويسأل.

آسفة على التأخير اليوم ده بس كنت بجمع أفكاري علشان اللغز الأخير، والألغاز القادمة بإذن الله.

متنسوش التفاعل
____________________

هذا العالم يسحق العدل بحقارة كل يوم
مأساتي ومأساتُك أنني أحبك بصورة أكبر من أن أخفيها وأعمق من أن تطمريها.

_غسان كنفاني

__________________________𓂀
𝕄𝕒𝕝𝕚𝕜𝕒

⟬ ماليكا ⟭

صليت الفجر وعدت من جديد للفراش لم يغمض لي جفن حتى الآن بسبب حديث جميلة عن عامر وكذلك سر حرق كف عامر لقد لاحظته منذ أول دقيقة رأيته بها لكنني لم أسأله حتى لا احرجه، هذا الحرق ليس بحديث بل أثر قديم، التقطت هاتفي العديد من المرات حتى أتحدث معه وأسأله كي أهنأ ببضع ساعات من النوم لكن في كل مرة أتراجع، لا يجب أن أحكم على شخص من خلال حديث فتاة أخرى، لماذا يجب أن يكون زعمها حقيقي؟

حسنًا، يجب عليَّ التأكد من الأمر لكن دون أن يعلم، كما يجب أن انتظر حتى يخبرني بشأن الحرق بمفرده، فربما أفتح باب مظلم لذكرى سيئة داخل عقله، فقد رأيت نظرته العابرة للحرق بعد قراءة الفاتحة، لقد كان يتألم من الداخل وهو ينظر له، وكأنه مازال يشعر بسخونته على جسده، إن كان الحرق عاديًا لماذا لن يقول ببساطة إنه مثلًا انسكبت مياه ساخنة فوق كفه؟

هل ليونار من حرقه بالفعل؟
لماذا فعل ذلك؟
آه، رأسي يؤلمني من كثرة التفكير، يا الله ساعدني، وربت على قلبي وعقلي حتى يهدأ.

رفعت كفي اليمنى وضعتها فوق رأسي كما كانت تفعل أمي معي عندما يجافيني النوم ثم بدأت في تلاوة آية الكرسي أولًا، أغمضت عيني حتى يتثنى لي سماع صوت أمي، أشعر بوجودها، وبملمس كفها الناعم؛ انتقلت على خواتيم سورة البقرة بعدما بدأت اسكن قليلًا بالفعل، ثم بدأت جفوني في السقوط ببطء.

صدحت صوت صرخة من شفا النائمة بجانبي عاليًا وتردد في سكون الليل، فتحت عيني بفزع تزامنًا مع ارتعاش جسدي وقلبي، أزحت الغطاء من فوق جسدي ونهضت على الفور بعدما ظننت إنها تعاني من كابوس أثناء نومها، وجدت شفا تقف على ركبتيها فوق الفراش تبكي بعنف وتضع كفيها فوق فمها وهي تنظر أمامها بعيون مذهولة.

حبست صرخة داخل حنجرتي ورفعت كفي وضعته فوق فمي عندما وقع بصري على ما تنظر له شفا حيث يقف "بدر المالكي" أخو جميلة يحمل خنجر بين أصابعه ونيلان يلف ذراعه حول رقبته بينما بدر يحاول تخليص حاله من قبضته القوية التي تشبه الشرك المعدني الخاص بالصيد في الغابة.

- نزّل أيدك، إنت مش وأخد بالك؟ أنا حفيد أبوفيس.

- ودي مرات القائد بتاعي وأنا مش باخد أوامر منك.

قالها نيلان بنبرة جامدة من بين أسنانه وهو يشدد على رقبة بدر تعقيبًا على حديث الآخر الذي خرج بنبرة مختنقة حادة خرجت من حنجرة مسدودة يأمره أن يتركه بعدها تحول لون وجهه للأحمر من أثر الإختناق.

تحرك نيلان للخلف وسحبه معه إلى خارج الغرفة تحت نظرات الفتيات حيث خرجن من الغرف تزامنًا مع فتح خالتي باب الشقة بسبب سماعها صراخ شفا بملامح قلقة متوجسة ثم ضربت بيديها فوق موضع قلبها وهي تشهق عاليًا عندما وقع بصرها عليهما.

- مفيش حاجة متخفيش.

هتف بها رائف بنبرة هادئة إلى نجمة بعدما تحرك للداخل وأمسك ذراعها حيث كان يقف أمام الباب بعدما مر نيلان من أمامها وبدأت نجمة في الارتعاد، بينما لم يظهر أي خوف على غزل وشهد وجميلة التي نظرت إلى أخيها بلامبالاة ونيلان يسحبه للأسفل، ثم ركضت شفا لحضن خالتي وبكت بشدّة.

- أنتِ كويسة؟ إيه اللي حصل؟ إيه اللي بيحصل.

خرجت هذه الجملة من مراد بنبرة مهتزة بعدما اقترب  مني بلهفة حتى وقف أمامي ليطمئن عليَّ، حيث إنه هبط مع خالتي، نظرت إلى قسمات وجهه الخائفة ولم أستطع البوح بشيء فقد شُلّ لساني، ماذا أفعل؟ ماذا أخبره؟

سمعت صوت سبّاب وصيحات وشجار من الأسفل فركضت بسرعة للداخل ولحق بي الجميع، يقف بالأسفل فارس، يعقوب، باسل، نيلان، و ليونار الجالس فوق كبوت السيارة وبدر يقف في الناحية الأخرى يمسد رقبته ويسعل بخشونة بينما يقف جانبه شباب بملامح أجنبية علمت إنهما "أبرهام أخ آريس" و "أرثر بن أريزونا" حيث إن الاثنين كانا في علاقة مع جميلة في نفس الوقت وكذلك يقف معهم ذلك القائد المدعو "ريبير" الكوري.

- هل أنت خائف أنوبيس؟ تلقي بالمامبا الحامي لك أمامي بينما أنت تجلس هكذا؟

صرخ بها "بدر المالكي" بنبرة حادة وهو يرمق ليونار بسخرية منه أثناء وقوفه في الجهة الأخرى، فصدحت ضحكات أخوة ليونار الهازلة على الحديث قبل أن يقف ليونار فوق السيارة من الأمام ويهتف بنبرة ساخرة:

- أنوبيس لا يخاف، لكنني لا أحب قتال الشوارع، سأمزقك أمام أنظار الجميع تمامًا كما فعلت مع أبيك، لكن الآن ستدفع ثمن إخافتك حبيبتي.

- سوف أقتلك أنت وهي وتلك الخائنة الـ"". (جومانا)

ضحك ليونار ضحكة عالية ثم توقف فجأة ونظر له بثبات وهو يشير برقبته إلى نيلان الذي نفرت جميع عروقه بطريقة مخيفة حتى صار يشبه رجل اصابته لعنة فتحول لوحش مخيف قبل أن يتقدم منه، كما أشار فارس إلى ذلك المدعو "إبراهام" وهو يتحرك ناحيته في نية داخله للشجار معه، تزامنًا مع صدوح موسيقى أجنبية عالية شغلها ليونار على مشغل الموسيقى بصوت رائف.

❞ نحرت عنق القائد الأخير
ووقفت أضحك بجنون.
دمائه الصدئة تملأ فمي لكني لا أهتم.
حذرته من الظلام داخلي.
الويل لمن يؤذي حبيبتي.
لم يستمع لي.
وأنا الآن ألعب كرة برأسه ❝

تحرك جسد نيلان مع الموسيقى باحتراف مع بعض الحركات الغريبة بذراعيه وجسده وكأنه أفعى مخيفة تتلوى قبل أن تغرز أنيابها المسمومة في عروق الضحية أثناء تسديده لكمة إلى بدر في صدغه من وسط حركاته، فحرك بدر جسده هو الآخر مع الموسيقى ثم قفز بحركة محترفة وسدد قدمه لرأس نيلان الذي أمسك بها ونزل به أرضًا، تزامنًا مع تحرك ليونار فوق الكبوت والرقص كالمختل.

على الناحية الأخرى، رقص فارس وتلوى بحركات مطابقة لنيلان أثناء الشجار لكن أبرهام يلعب بأسلوب قتالي آخر كان من الممكن أن تكون المباراة عادلة لكن فارس غاضب، أبرهام لم يستطع تسديد لكمة واحدة له.

فقد انتفخت أوداج فارس وأوسعه ضربًا بعنف شديد أدى لنزيف أبرهام من عدّة مناطق، ثم كسر قدمه عندما قفز فوقها، فهذا الأبرهام كان السبب في إصابة شهد بنوبة حزن شديدة بعدما أخبرها أن هارون قتل أمها لإنها خانته وهذه ليست الحقيقة، بينما على الناحية الأخرى حاول بدر الدفاع عن حاله مع فعل بعض الحركات تشبه نيلان لكنه الغلبة كانت لنيلان لكنه لم يفعل الكثير، سدد له بعض الضربات القوية بمرح وكأنه يلعب، نيلان ليس بالشخص الذي يفقد التحكم بحاله فهو يعلم ماذا يفعل.

- أنا نازل، محدش يتحرك.

قالها مراد بنبرة تائهة بعدما استعاد رابطة جأشه بعد صدمته من ما يحدث بالأسفل عقب اشتعال الشجار أكثر بتدخل الجميع في مباراة مصارعة عاتية عدا ليونار الذي بالتأكيد إذا شارك معهم سيخسر فجسده مازال في مرحلة الشفاء من الداخل.

- اشتراك الجيم مقوي قلبه.

قالتها خالتي بنبرة مازحة من مراد بعدما ركض للأسفل وهي تجول بنظرها على المعركة الدائرة بالأسفل والأشخاص الواقفين في الشرفات والشارع يشاهدوا ما يحدث دون تدخل؛ خرج مراد من العمارة ثم أتجه إلى ليونار وتبادل معه أطراف الحديث الذي لم يصل إليَّ بسبب الصخب.

- هيا أيها الأوغاد انتهت الحفلة.

قالها ليونار بنبرة عالية وهو يصفق بكلا يديه بعدما حرك رأسه بالأيجاب على حديث مراد وأغلق الموسيقى ثم قفز من فوق السيارة تزامنًا مع سحب أخوته الشباب للسيارات، وبعد برهة دلف مراد رفقة ليونار ونيلان ليطمئن الأخير على شفا التي كانت مازالت تبكي بجانب خالتي حتى الآن.

- رع رع رع رع  رع رع رع ر..

خرجت هذه الكلمات بشكل تمتمة غناء من فم ليونار وهو يحرك رأسه برقص عندما وصلوا الشقة وركض نيلان تجاه شفا وتوقف هو أمامي فتوقف عن الغناء على الفور عندما وقع بصره عليَّ وكأنه لم يراني إلا الآن ثم حمحم بخشونة وهتف ببساطة:

- لم أنم منذ يومين.

- هحاول أصدق إنك مش شارب.

قلتها بنبرة ساخرة وأنا أدقق النظر بملامحه لاكتشف هل تناول مشروبات كحولية أم لا؟ لكنني لم أشم أي رائحة خمور، فابتسم بسمة هادئة تراقصت بها السخرية وهمّ أن يتحدث لكن مراد وقف حائل بيننا ليسد عليَّ الطريق أمام ليونار بعدما نفرت عروقه بغيرة واضحة.

- ممكن أفهم إيه اللي حصل؟

هدر بها مراد بنبرة جامدة عالية قليلًا وهو يثبت نظراته بليونار الذي ضم قبضة يده بقوة وباليد الأخرى أعاد خصلات شعره للوراء وهو يقول بنبرة هادئة:

- دي مشاكل عائلية وآسفين جدًا إننا دخلناكوا فيها، إحنا هناخد البنات و..

- لا مش هروح .. مش عايزة أتجوزك.

قاطعته بها شفا بنبرة حادة لا تقبل النقاش بعدما رفعت رأسها من فوق جسد خالتي حيث كانت تبكي بين ذراعيها وهي تنظر إلى نيلان الجالس أمامها ويرتسم على وجهه ملامح قاتمة وحزينة في نفس الوقت، فحرك نيلان رأسه بالموافقة بهدوء وقال بنبرة متعبة:

- طيب، خلينا نروح دلوقتي بعدين نتكلم.

- خلاص يا نيلان خليها تهدى بعدين نبقى نتكلم، يلا.

قالها ليونار بنبرة هادئة بعدما حركت شفا رأسها بقوة ترفض عرضه من جديد وهي تتمسك بخالتي كطفلة صغيرة لا تريد ترك أمها والدلوف للمدرسة، فتنهد نيلان بعمق ثم نهض من مجلسه وأتجه للخارج لكن قبل أن يخرج من الباب أوقفه ليونار بيده ثم دس يده في جيبه وأخرج منها لوح شوكولاتة باللوز، التقطه منه أخيه ثم عاد أدراجه ووضعه أمام شفا بهدوء قبل أن يخرج.

- نجمة هتروح معانا؟

هتف بها ليونار بنبرة متسائلة إلى رائف الجالس فوق الأريكة وتقبض زوجته نجمة على ذراعه بخوف حيث إنها مازلت متأثرة من ما حدث، فحركت نجمة رأسها بالرفض بعدما نظر لها رائف بعيون متسائلة، فابتسم بهدوء ثم هتف بنبرة حنونة وهو يشملها بنظرة مريحة بعدما تركت نجمة ذراعه:

- إيه رأيك ننزل شوية بعدين اطلعك؟

نظرت نجمة تجاه شفا بعيون حائرة وعقل يحاول أخذ قرار سريع، فتحركت غزل خطوة ودفعتها بخفة تجاه رائف حتى ارتطمت به لتحثها على الهبوط معه، فنحن هنا مع شفا وهي لن تكون داعم بل ستحتاج إليه حتى تهدأ نبضات قلبها ويعود إلى سكينته من جديد، فقد دلف شاب المنزل وكان على وشك قتل صديقتها.

تعلقت نجمة بذراع زوجها ثم هبط بها للأسفل حيث إنه لا يمكنه البقاء معنا نحن الفتيات رفقتها، ثم انسحب مراد بهدوء عقب خلو الشقة من الرجال بعدما نظر لحالة شفا المذرية ونظر لي نظرة لم أفهم مغزاها، لكن لا يهم، كل شيء جيد إلى حد ما، فهو لن يسأل عن شيء شخصي ليس لنا علاقة به، بينما نظرت خالتي عزة لشفا بعتاب وقالت لها بنبرة مؤنبة:

- عملك إيه علشان تنزليه زعلان كده؟

- علشان أنا خاينة واستاهل أتعاقب، دي علامة علشان متجوزوش لأن دي مش أول مرة، كان ممكن يموت أول مرة، ربنا بيعاقبني.

قالتها شفا بنبرة مرتعشة متهدجة من بين شهقاتها قبل أن تعود للبكاء لتعلن صراحة عن جميع الوساوس التي دارت بخلدها في الفترة السابقة من خوف وندم بعد الهجوم علينا وإصابة نيلان بطلق ناري، فتوسعت عين خالتي وشهقت بقوة وهي تنظر لها بصدمة احتلت قسمات وجهها من ما هتفت به، خائنة؟!

سردت حكاية شفا بالتفصيل إلى خالتي دون التطرق لعمل زوجها المشبوه أو طريقة قتله، فقط الحقيقة الخارجية، إنه طبيب وعائلته لها رباط مع عائلة نيلان، كما أضافت شهد بعض البصل المقرمش إلى حكايتي التي تشبه علبة الكشري ذو المكونات الغريبة الممتزجة مع بعضها والذي لا أحبه لكن الجميع يفعل عن طريق إضافة تدخل ليونار بالاتفاق مع جميلة أن يتقابل كلًا من نيلان وشفا ليقنعها بالبوح بكل شيء إلى شقيق زوجها صالح المالكي ليساعدها على الطلاق من أخيه.

ومن هنا بدأت علاقتهم -في رواية شهد التي اختلقتها الآن- حيث إن نيلان حاول إقناعها بهذه الخطوة حتى تاني منها لكنها خافت أن لا يؤثر صالح على زوجها صافي المجنون ويتسبب في إبراحها ضربًا أو ربما قتلها، فتركت نيلان بسبب خوفها ولكن القدر ضحك لها فجأة ومات زوجها صافي في حادث سير.

حسنًا، هناك فوائد جيدة من وجود كاتبة بيننا، لأنني بلا شك كنت سأبوح بكل شيء في أذن خالتي.

- اللي حصل حاجة كبيرة اوي وغلط كبير يستاهل التوبة، إنتِ مش ندمانة؟

- ندمانة.

هتفت بها شفا بنبرة مختنقة وهي تمسح أنفها الذي تحول لونه إلى الأحمر من البكاء ردًا على حديث خالتي التي هتفت به بتساؤل عقب إنتهاء شهد من قص روايتها، مسحت خالتي على ظهر شفا برفق ثم هتفت بنبرة هادئة بطريقة أوحت إليَّ إن أمي التي تتحدث:

- أول شروط التوبة هو الندم، تفكيرك غلط يا حبيبتي بدل ما تتوبي عن أعمالك بالطريقة الصح بتعاقبي نفسك بالبعد، ده مش عقاب دي تربية مُحب، ربنا سبحانه وتعالى يريدك أن تعودي له.

- تفتكري ممكن يسامحني؟

قالتها شفا بنبرة مرتعشة وهي تنظر إلى خالتي بلهفة تنتظر المزيد، فمسحت خالتي على خصلات شعرها مرورًا بوجهها حتى استقر كفها على وجنتها ثم هتفت بنبرة رخمية:

-  أيرد الله تائبًا؟ حشاه ربي، إن الله رؤوف بالعباد، غفور رحيم، ربنا بيقول في كتابة العزيز:

"بسم الله الرحمن الرحيم"

{ قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }

يغفر الذنوب جميعًا، ربنا جل جلاله هو اللي قال هتيجي إنتِ تقولي، لا، مش هيسامحني؟

كمان يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم :
عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «ما من عبد يذنب ذنبا فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر له، ثم قرأ هذه الآية:

﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ١٣٥﴾

صمتت خالتي لبرهة لترى وقع حديثها على شفا التي نظرت لها بجميع حواسها حيث ردت خالتي على جميع الوساوس التي لعبت برأسها وكأنه كرة قدم يتم ركلها من قِبل أطفال صغار بالشارع، بينما أنا لمعت عيناي بعدما تذكرت أمي حيث إنني شعرت أن روح أمي تلبست خالتي فالأخوة في بعض الأحيان تشعر إنهم نفس الشخص.

- أول شرط في التوبة هو ترك المعصية، والندم على ما فعل، والعزيمة الصادقة على عدم العودة إليه، ونعمل إيه بعد كده؟ نتولد من جديد بقى، نتغير للأفضل، نكثر من الأستغفار منه، وأعمل الصالحات، وأكثر من الحسنات، وخلي جواكي يقين تام أن ربنا قبل توبتك علشان ربنا جل جلاله مش زي البشر.

انتهت خالتي عزة حديثها الذي أثر بنا جميعًا ثم أمسكت كف شفا حثتها على النهوض، واحاطت كتفها بذراعيها الحنونتين وتوجهت بها إلى المرحاض حتى تتوضأ وتصلي صلاة التوبة من علاقتها المحرمة مع نيلان، فشعرت بحزن ينبض داخلي بعدما تذكرت علاقتي مع عامر فدلفت المرحاض الآخر بغرفتي بعدما خلعت الدبلة ثم ووضعتها فوق الكومود ثم توضأت حتى أصلي ركعتي توبة مثلها.

سحبت دبلتي من فوق الكومود بعدما انتهيت من الصلاة ثم دلفت الشرفة حيث تجلس شهد تنظر إلى شروق الشمس، فوقع بصري على نجمة التي تضع رأسها على كتف زوجها رائف أثناء جلوسهما أمام النيل فوق إحدى الأرائك الرخامية.

- مضايقاكِ؟

قالتها شهد بنبرة متسائلة فحركت رأسي ناحيتها أنظر لها باستفسار من سؤالها حيث أرغب في المزيد من التوضيح، فحركت بؤبؤا عيناها ناحية خاتم الخطبة الذي اخلعه واعيده من جديد بحركة متكررة أثناء شرود عقلي، فأنا لست من النوع الذي يرتدي تلك الأشياء في يدي لا أذكر آخر مرة ارتديت بها شيء بأصابعي غير خاتم أمي الذي كانت لا تخلعه من إصبعها حيث إنه كان هدية من أبي لها بعد الزواج مباشرةً، وقد ارتديته بعد وفاتها حتى يذكرني بها وأشعر بوجودها معي، ولأنني غير معتادة على ذلك كنت أخلعه وارتديه باستمرار وأتركه في أماكن عدة، حتى اضعته!

تبًا، كلما تذكرت الأمر رغبت في صفع وجنتي، لقد قلبت الشقة رأسًا على عقب حتى مراد رفع جميع الخزانات وفك خشب الفراش ولم أجده، لم أستطع تذكر آخر مرة خلعته بها كان متى؟

- عارفة إنك هتقولي إني غريبة الأطوار بس صباعي تخن من البرد تقريبًا لأن الدبلة كانت واسعة قبل ما أدخل اتوضى.

هتفت بها بنبرة مازحة وأنا أحرك الخاتم حول إصبعي الأوسط بشكل دائري حيث أنه صار فجأة على قياس إصبعي بعدما كان واسعًا قليلًا منذ ساعة، فعامر لا يعلم مقاس إصبعي وأنا لم اعقب على الأمر لأنني أعلم أنني لن استمر في ارتدائها على أي حال، لكن من الواضح إن البرد جعل أصابعي تتورم حيث إن كفي الآن عبارة عن قطعة ثلج هربت من القطب الشمالي.

- إيه رأيك في عامر؟

- بصراحة هو شكله لطيف، مش عارفة أحدد شخصيته لأني متعاملتش معاه.

هتفت بها شهد بنبرة هادئة بعدما تنهدت بعمق ونظرت للأسفل ناحية نجمة ورائف حيث كانت نجمة تضحك بملأ صوتها أثناء ركض رائف بها في الشارع بعدما حملها فوق ظهره وترتفع ضحكتها تباعًا كلما قفز بها عاليًا وعاد من جديد إلى الأرض.

- سرقت حركتي المفضلة، سحقًا، خيرًا تعمل سرقة تلقى، هي دي جزاتي؟

قالتها شهد بنبرة ساخطة مازحة وهي تشمل الاثنين بنظرة غير راضية حيث إنها تحب اللعب فوق ظهر أبيها وكانت تنتظر زوجها كي تفعل معه المثل كما اخبرتنا سابقًا، هل أسألها عن فارس؟ أم يجب أن انتظر حتى تفصح لي لحالها؟

__________________________𓂀

يوم الخميس الموالي(بعد أسبوع)

جلست على المقعد أمام المكتب الخاص بليونار الذي يجلس عليه نيلان الآن لعدم عودة ليونار للعمل بعد فمن المفترض أن يبقى بالمنزل لآخر الشهر وعاد نيلان بدلًا منه لذا عدت أنا الأخرى للشركة لسببان، الأول: إنني كنت لا أفعل شيء رفقة ليونار سوى لعب الشطرنج لأن نيلان عاد وأمسك كل العمل بالشركة.

الثاني: إنني فهمت الأمر لأنني لست غبية، ليونار لم يكن من يلعب معي الشطرنج بل نيلان عندما ربح أول مرة، فقد لعبت مباراة ضد نيلان وهزمني في خمسة دقائق.

ماليكا، إذا كان ليونار أشار إلى نيلان بشأن الشطائر بالإشارة وأنت لم تري ذلك، لما لا يمكنه أن يشير له أثناء لعب الشطرنج؟

كان هذا صوت" المحقق هبداوي" الذي دوى داخل رأسي لذا قررت التلاعب معه وبما أنني ربحت عليه عدة مرات خلال الأيام السابقة، إذًا لن يجازف في الخسارة هذه المرة.

- تيجي نلعب على حكم؟ لو أنا كسبت تنفذ أي حاجة أطلبها منك مهما كانت إيه ولو إنت كسبت هعمل كده.

- حسنًا، لكن يجب عليَّ تحذيرك، الحكم لدينا يجب أن يتم تنفيذه قاسية الفؤاد حتى لو طلبت منك توقيع عقد زواجك عليَّ.

قالها ليونار بنبرة واثقة بعدما أضاء بريق الحماس من مقلتيه وشعرت وكأنه من الداخل يقيم حفلة ويرقص بها بمرح تعقيبًا على حديثي الذي خرج بأكثر نبرة متحمية ومرحة لديَّ حتى أواري الخبث المتدفق من عيني، لقد أوقعت به بالفخ، أو أوقعت حالي لا أعلم.

ركزت ببصري على الرقعة أمامي بعدما رفعت كتفي بتحدي له لأبدأ اللعب، ثبت بؤبؤا عيني على الرقعة بينما ركزت معهم بعدما فتحت محيط مجال بصري حتى أتابع حركتهم، فلاحظت تحرك نيلان من مكانه بعدما نظر له ليونار، فاطمأن قلبي وشعرت بالأرتياح، ربما ليس المحقق هبداوي على خطأ دائمًا على الرغم من الألم ووجع الرأس الذين شعرت بهم أثناء اللعب بمجال البصر بتلك الطريقة البغيضة.

- هل تراني بهذا الغباء حتى لا أعلم مع من ألعب؟

- لماذا لا تستخدمي ذكائك الفتاك هذا في تحليل الأشياء المهمة بدلًا من التلاعب بي حتى تعلمي مدى صدق تحليلك للعبي السيء للشطرنج؟

هتف بها ليونار بنبرة ساخرة ظهر بها بعض السخط ثم انتشل ثمرة تفاح وقضم منها ببرود وهو يعود بظهره للخلف بعد حديثي الذي خرج بنبرة واثقة هازلة وأنا أرمق نيلان بطرف عيني لأخبره أن لعبته انكشفت بالفعل، فالتقطت واحدة من التفاح وعدت للأريكة بهدوء، لا أعلم لماذا صمتت وقتها لكن نبرته كانت منهكة وباردة، كان منطفئ والجروح تملأ ذراعيه في المناطق التي كانت تظهر بالصدفة عندما يحرك يده.

ظننت إنه سوف يتلاعب ويقسم بأخلاقه كما يفعل عندما يكذب مع عائلته، لكنه اعترف بكل بساطة، حسنًا، أنا لست من النوع الذي سيعرض هكذا عرض بهذه السهولة، بالتأكيد علم الخطة.

_ ينهار أبيض دي فريدة هتعمل منك فته شاورما.

قالها نيلان بنبرة ساخرة وهو ينظر إلى ليونار الذي دلف فجأة المكتب وهو يمسك كف تميم وطفل آخر يدعى ريان وهو يكون ابن فارس بالتبني ليرمي بحديثه على الطفلين الذان من المفترض أن يكونا بالمدرسة الآن، حرك ليونار رأسه بالنفي وهتف مفسرًا:

- لا تعلم بذلك، لقد هربت من المنزل، سحقًا، سأدعو ألا تعلم، أيتها الشمطاء إذا أخبرتها سأمنع عنك البيتزا.

قالها ليونار بنبرة مهددة إلى شهد الجالسة فوق الأريكة وتضع حاسوبها فوق قدمها تعمل، فرفعت الأخيرة نظراتها حتى استقرت عليه ثم قالت بزهو من حالها بعدما أخرجت صوت ساخر من فمها تسخر من تهديده:

- أنت عارف إني مش بتهدد وهتعملي اللي عايزاه غصب عنك، بس بترشي عادي، صينية تيراميسو؟

قالتها ببساطة وهي تعرض عليه الصفقة المربحة كموظف خدمة عملاء وهي تمد يدها أمامها بالسلام وعلى وجهها ابتسامة واسعة خبيثة، فمد ليونار يده وحركها للأعلى والأسفل كأنه يصافحها كدلالة على الموافقة بدون لمس يدها لتتم الصفقة بينهما على خير، الصمت مقابل الطعام.

- مالو ده؟

- الأستاذ قليل الأدب مش عايز يروح المدرسة وبيقول لماما "مروة" ملكيش دعوة، فاكر إني هعدي الموضوع .. مفيش كارتون لمدة أسبوع.

قالها ليونار بنبرة جامدة وهو يومق تميم بدون رضى تعقيبًِا على حديث شهد الذي خرج بنبرة قلقة بعدما نظرت إلى تميم الذي تظهر على وجهه إمرات الغضب، مقطب الجبين، مغضن الأنف ويعقد ساعديه أمام صدره، ثم أضاف آخر حديثه مقررًا العقاب إلى تميم.

- ده مش عدل، إنت ظالم.

- حسنًا، أنا رجلٌ ظالمٌ.

قالها ليونار ببساطة بعدما حمحم بخشونة بعدما ضم شفتيه للداخل ليستعيد ثباته ولا يضحك على جملة تميم التي خرجت بطريقة طفولية وهو ينظر له بوجه محمر من السخط، فتحرك تميم بعد جملة أبيه لبجلس فوق الأريكة وهو يضرب الأرض بقدميه ويتمتم بكلمات غير مفهومة.

- هيه راقب ألفاظك.

قالها ليونار بنبرة جامدة لأب أول مرة أسمعها تخرج منه حيث إن هذه الهيئة جديدة عليَّ ثم أتجه إلى مكتبه وجلس فوق المقعد خلفه بعدما نهض نيلان وعاد للمقعد أمام المكتب ثم هتف مفسرًا من جديد إلى شهد التي أشارت له بعينها ناحية ريان الذي لحق لأخيه وجلس بجانبه

- لا ده معملش حاجة، جي مع تميم عادي،  بيفكرني بأحدٍ ما.

ضحكت شهد بخفة على حديثه الذي يرمي به على فارس بالطبع حيث إنه بلا مبالغة عضو من أعضاءه، فطوال الأيام التي ذهبت بها لمنزله لم يتحرك فارس من جانبه، حتى إنه لم يذهب للعمل على الرغم من إنه يعمل بالمزرعة والمصنع وليس معنا بالشركة وكأنه لا يفعل أي شيء سوى مع ليونار.

- عايز أشوف المكتب بتاعك يا ماما.

قالها ريان بنبرة لطيفة بعدما هبط من فوق الأريكة وأمسك كف شهد التي لملمت أشيائها وهمت أن تخرج من المكتب، ابتسمت له وهي تبعثر خصلات شعره بمرح وتحركت به تجاه الباب بعدما رفض تميم الذهاب معهما بسبب حزنه.

- أنت مش ناسي حاجة؟

- آه لقد قرأت الفصل، جميل مثل كل شيء تكتبينه.

قالها ليونار ببساطة وهو يعيد خصلات شعره للخلف كعادته بعدما استراحت ملامحه المتقطبة بعدم فهم من حديثها السابق قبل أن يهدي له عقله بهذا الشيء تعقيبًا على سؤال شهد المباغت الذي خرج منها بعدما استدارت من جديد قبل أن تخرج من الباب، انطفأ ضوء عيونها التي تحمست لثانية ثم خرجت بهدوء بعدما رمته بابتسامة هادئة.

- علفكرة أكيد هتعرف إنك بتحور.

- أعلم إنها شمطاء وسوف تفسد عليَّ المفاجأة، لكن لا بأس من المحاولة، يا إلهي! سأقفز من السعادة بسبب ما وصلت إليه، أنا فخور بها.

قالها ليونار بسعادة حقيقية بالغة بعدما برقت عيناه لوهلة من الفخر أثناء الحديث عن شهد تعقيبًا على حديث نيلان الساخر ففهمت ما يقصد على الفور، لقد أتمت رواية شهد الألكترونية عشرة ملايين مشاهدة اليوم وهذا بالتأكيد شيء جيد بالنسبة لها، أنا كذلك فخورة بها، لذا أفكر في الاحتفال اليوم بمنزلي على ضفاف النيل رفقة الفتيات.

- أشعر إنها ليست بخير، ملامحها باكية، هل أخبرتك بشيء؟

قالها ليونار بنبرة متسائلة مهمومة بعدما تنهد بعمق وهو ينظر أمامه بشرود وكأنه يعيد إلى ذاكرته صورة شهد التي يظهر اللون الأحمر أسفل حواف خط أهدابها، وكذلك أنفها وعيونها حيث يبدو وكأن عيونها الزرقاء تسبح داخل بحر من الدماء الناتجة عن الحروب التي تحدث داخل عقلها، فهناك اثنين يتصارعان بالداخل، لم تخبرني بشيء لكنني أشعر بالقلق الشديد تجاهها على الرغم من أنني متأكدة من أن السبب هو رجل، حيث نشرت فجرًا أبيات شعر مقتبسة لشاعرها المفضل "نزار قباني" تقول:

إن كنت صديقي.. ساعدني .
كي أرحل عنك..
أو كنت حبيبي.. ساعدني .
كي أشفى منك.
لو أني أعرف أن الحب خطيرٌ جداً
ما أحببت.
لو أني أعرف أن البحر عميقٌ جداً.
ما أبحرت.
لو أني أعرف خاتمتي .
ما كنت بدأت.

السؤال هنا هل الرجل المقصود فارس أم ليونار؟
لا أعلم لماذا شعرت بالقلق فعلًا من هذه الأبيات فقد شعرت برميها ناحية ليونار أكثر من فارس، وهذا شيء منطقي بالنسبة لي لحزنها، تحب رجل يراها طفلته، أو إذا كان لفارس لماذا فعل كل ذلك؟ هل فعل لها فارس شيء؟

- إنت شوفت الاستوري بتاعة الواتساب؟ العيلة دي بتورث نكران مشاعر وعدم إعتراف بالحب، أنا مش فاهم ما دام تحب بتنكر ليه ده اللي يحب يبان في عينيه يا أخي.

- الحب فيروس خطير ينتشر بالجسد ويدمرة، الحب مخيف نيلان، الحب يؤلم، كلما خفق القلب انفجرت منه الدماء.

قالها ليونار بنبرة تحمل الكآبة بعدما انحنى للأمام وأتكأ فوق خشب المكتب المصنوع من خشب الماهوجيني بمرفقيه وأمسك رأسه بكفيه تعقيبًا على حديث نيلان الذي خرج بنبرة ساخرة من العائلة بعدما رمى بحديثه ناحية أبيات الشعر التي نشرتها شهد.

- الحب يؤلم إذا كان للشخص الخطأ لكن هذا الألم سيتحول لإدمان محبب ودماء القلب ستصبح بحور من مشروب الفراولة إذا علمت خفقاتك الطريق الصحيح التي يجب عليها السير به واختار انثى تماثل وهجها.

قالها نيلان بنبرة رخيمة واثقة وهو يثبت نظراته فوق وجه ليونار الشارد بنظراته بعيدًا بينما ترتعش شفتاه بطريقة توحي بأنه يرغب في البكاء قهرًا على قلبه الدامي، فحرك ليونار نظرته إلى نيلان وظهر بها قلة الحيلة قبل أن يستطرد نيلان من جديد بنبرة يغلفها الحنان على الرغم من إنها مؤنبة:

- أنت مذبذب ليو، أحبك وسأحصل عليكِ.
لا، أحبك لكنني سوف ابتعد عنكِ، أخاف عليكِ مني.
حسنًا لا بأس من حبك لآخر سوف أشاهدك من بعيد، المهم أن تكوني بخير.
لا، أقسم أن أقتل كل من تسول له نفسه للنظر لكِ، أنت لن تصبحي لغيري.
أعلم الحروب التي تدار بخلدك أخي وأنا هنا من أجلك، في اللحظة التي ستترك بها سيفك من يدك مقررًا الأستسلام سوف أحارب بدلًا عنك لأنني لن أدعك تعود للحزن من جديد، ليس بعدما علمت بحبها لك.

ابتسم له ليونار بامتنان بينما لمعت عينه بدموع زجاجية من صدق حديث نيلان بشأن الحروب الدائرة داخله الآن، حروب بين ليو وأنوبيس، الجميل والوحش، الخير والشر، لكن من منهم سينتصر؟ في أفلام الأطفال وحكايتهم الخير دائمًا ينتصر، لكن الواقع الذي نعيشه في بعض الأحيان أكثر قسوة من ذلك، لذا أنا أخمن فوز أنوبيس.

_ على المطبخ يا حبيبي.

قالها نيلان بنبرة ساخرة بعدما أمسك هاتفه وعبث به لثواني ثم بعث من جديد بنبرة هادئة عقب صدوح صوت رسالة جائت على هاتفه من شفا ردًا على جملته السابقة:

- زي ما سمعتي كده على المطبخ قولي لحد يعملك حاجه من اللي بخمسين ألف كالوري تخرجي فيها هرموناتك علشان أنا مش هعرف أعملك حاجة لإنك عملالي حظر تجول ومش عايزة تعبريني.

ضحكت بخفة على حديثه بعدما علمت ما يقصده بالأمر حيث إن شفا منذ الأمس تنشر أشياء حزينة بسبب حزنها عقب إنتهاء مسلسلها المفضل التي تشاهده منذ سنة تقريبًا حيث شعرت إنهم أصبحوا من عائلتها، لا أعلم كيف يتحملوا مشاهدة هذه المسلسلات، لكن نيلان لا يعلم السبب لأن شفا لا تتحدث معه بعدما أخبرتها خالتي عن العلاقات الصحيحة بين الرجل والمرأة وقررت الإبتعاد عنه حتى إنتهاء فترة العدة على خير.

- أنا مش عارف أطلبلها بيتزا تشيكن رانش ولا سي رانش، هطلب واحدة نص ونص وخلاص.

قالها نيلان ببساطة بعدما ابتسم برضى على تفكيره تعقيبًا على حديثه السابق الحائر الذي هتف به بعدما أمسك هاتفه يعبث به ليطلب لها الطعام، فظهر التقزز على وجه ليونار ونظر له بتشنج قبل أن يقول ساخرًا:

- ما هذه العلاقة؟! سحقًا هل ستجعلها تفطر بيتزا، فلتحضر لها ورود.

-أنت مالك؟ حاشر مناخيرك في حياتي ليه؟ بعدين هو الورد ده بيتاكل؟ يلا، أنا عندي مشوار كدا هروح ونتقابل لما تخلص علشان نروح نزين الروف.

أضافها بهدوء وهو ينهض من مجلسه ويضع الهاتف بجيب بنطاله القماشي الأمامي أسود اللون بعدما هتف بحديثه السابق بنبرة ساخرة ثم تحرك لخارج المكتب بخطوات سريعة متحمسة وشقت وجهه ابتسامة واسعة، فضحك ليونار بخفة وهو ينظر بأثره حيث إنه علم كهنة الشخص الذي يذهب لأجله *المشوار" كما قال إلا وكان أخبره كل شيء ببساطة.

- سحقًا فريدة، لماذا أنتِ بهذا الإفتراء، الصغار بالمدرسة لقد أوصلتهم بنفسي، هل يجب أن أحلف لكِ بأخلاقي كي تصدقيني؟ .. يا إلهي لماذا خلقتني في هذا العالم الظالم!
لماذا لا يتركني الجميع وشأني
لماذا يجب عليَّ فعل الكثير كي يتم تصديقي!

قالها ليونار بنبرته التراجيديا وهو يحرك رأسه بدون تصديق وكأنها تراه حيث إنه بعثها برسالة صوتية إلى فريدة بعدما أمسك هاتفه عقب صدوح صوت رسالة وصلت له، ثم ترك الهاتف ونظر إلى تميم الذي يثبت نظراته به وقال بنبرة هادئة جدية:

- أنا بهزر مع ماما بس، هي عارفة إني بهزر، الكدب مش حاجة حلوة، ماشي؟

- ستوبيفاي.

قالها تميم فجأة بصوت قوي وهو يحرك يده ناحية ليونار وهو يضم قبضة يده وكأنه يمسك بعصا وهمية داخل كفه، فتحرك ليونار بسرعة بالمقعد ذو العجلات ناحية اليمين ليتفادى الصاعقة الوهمية الخارجة من تعويذة تميم ثم ضحك عاليًا بتشفي، حيث إن الكلمة عبارة عن تعويذة لصعق العدو في رواية هاري بوتر.

- كروشيو.

تمتم بها تميم هو يحرك يده من جديد بنبرة عالية غاضبة بعدما ضيق جفنيه بضيق من ضحك أبيه، فأخرج ليونار أنين ألم من فمه وقطب وجهه في تعبير ألم شديد أثناء وضع كفيه على معدته حيث إن ما هتف به تميم تعويذة لتعذيب العدو والتي هي تعويذة غير مغتفرة في الرواية ومن ينطق بها يتم منعه من ممارسة السحر.

- آه، أيها الشرير الصغير، هذه تعويذة غير مغتفرة .. إكسبليارموس.

قالها ليونار بسرعة وهو يشير بالعصا الخفية تجاه تميم بعدما هتف بجملته الأولى بنبرة مختنقة من أثر الألم -الوهمي- بعدما ظهر الغضب على قسمات وجهه ، ففتح تميم كفه بسرعة ونظر بعيدًا تجاه الحائط خلفه ممثلًا طيران عصاه من بين أنامله حيث إنها تعويذة التجريد من السلاح المتمثل بعصا السحر.

- ينفع تقول لماما كده؟  يعني المفروض تعمل إيه؟

قالها ليونار بنبرة متسائلة حنونة عقب تحريك تميم رأسه بالنفي بالإعتراف بغلطته بعدما أشار له أن يأتي عقب إنتهاء دور اللعب بفوز ليونار، فركض تميم بسرعة ناحيته ثم صعد فوق قدمه وجلس داخل أحضانه واضعًا رأسه فوق صدر أبيه.

- تومي هيقول لماما sorry، ومش هقول كده تاني.

- شاطر، بما إنك عرفت غلطتك ودي أول مرة هخلي العقاب يومين بس مش أسبوع، هات بوسة بقى وحضن كبير.

قالها ليونار بنبرة هادئة وهو يقبل وجنته وجبهته تباعًا ثم ضمه لصدره بقوة وكأنه يرغب في حبسه داخل قفصه الصدري تعقيبًا على حديث تميم الذي خرج بنبرة نادمة وهو ينكث رأسه للأسفل بخزي من ما فعله.

- "بيجاد" مش بيلعب معايا في المدرسة، مامته قالت مش يلعب مع ولاد شارع، أنا ولاد شارع يا ليو؟

قالها تميم بنبرة مرتعشة مثل شفتيه وهو ينظر إلى ليونار نظرة مستجدية أن يرفض ما أخبرته به المرأة الفاسِقَة، ليعلن عن السبب الأساسي لحزنه وطريقته العصبية التي ظهرت في رفض الذهاب إلى المدرسة بعدما ابتعد عنه صديقه المقرب لإنه متبني ويتيم!

تبًا سوف أذهب لضرب تلك المرأة، كيف لها أن تُحزن صغيري اللطيف بهذا الشكل؟
تبًا لها، أين رقم هاتفها؟ لن أهدأ قبل أن أسبها.

- أنت روح روحي، فأنا أولد من جديد في كل مرة تضمني .. بعدين في ابن شارع حلو ومقطقط كده؟ إيه الحلاوة دي؟ هات حتة.

هتف بآخر حديثه بنبرة مازحة وهو يضع قبلات متفرقة فوق جسد الصغير ويدغدغه بأصابعه مما أدى لارتفاع ضحكات الصغير عاليًا على الفور وتلاشى الحزن من ملامحه تمامًا بعدما طمأنه ليونار بشأن أهميته بالنسبة إليه، ثم توقفت ضحكاتهما بعدما دلفت سيرا المكتب فجأة دون طرق الباب وشملتهما بنظرتها الساخرة.

- ما الذي تفعلينه سيرا بالمدرسة هل جاء لكِ استدعاء ولي أمر أيضًا؟

- آه جالي استدعاء من المديرة بخصوص أخلاقك.

قالتها بنبرة ساخرة تعقيبًا على حديث ليونار الذي خرج بنبرة جدية وهو ينظر لها بابتسامة هادئة، فنظرت حولي للتأكد إننا بالفعل بالمكتب بطريقة ساخرة حيث أنني أكاد أقسم أنني أن لم أجلس فوق الأريكة أمامه لصدقته، جلست سيرا على المقعد أمام المكتب بعدما ألقت عليا التحية، ونظرت له بابتسامة منتصرة وكأنها أَوقعت به.

- بقولك إيه يا تومي ما تروح تلعب مع ريان وتشوف مكتب شهد. 

- انت بتزوعني يعني. (بتوزعني)

قالها تميم بنبرة خبيثة وهو يضيق جفنيه فوق مقلتاه البنيتين تعقيبًا على حديث ليونار السابق، فرفع ليونار حاجبيه بدون تصديق قبل أن يضحك عاليًا بصخب من كلمة الصغير الغريبة ثم طبع قبلة فوق وجنته وأنزله للأرض حتى يذهب.

- العدة خلصت من مدة، طلقتني من هارون ليه؟

قالتها سيرا بنبرة متسائلة وهي تنظر له بثبات بعدما رمقتني بطرف عينها نظرة سريعة ظهر بها التخبط من الإفصاح عن الأمر الآن أم لا؟ تنهد ليونار بعمق وعاد بظهره للخلف ثم هتف بنبرة متسائلة:

- لسه بتحبيه؟

- بحبه كصديق مُقرب، علقتنا خلصت من زمان كزوج وزوجة، كنت فاكرة أني لسه بحبه بس لما قعدت مع نفسي عرفت أني بطلت أغير عليه، مش بتضايق أما بشوفه مع فريدة بالعكس بفرح بالتطور اللي حصل في علاقتهم، وإنه أخيرًا قدر يتخطى شيرين، عارفة إنها هتفضل الأولي في قلبه بس برضو هو حب فريدة.

قالتها سيرا بنبرة رزينة صادقة ظهرت من خلال ابتسامتها الهادئة وحركت جسدها المرتخي باستراحة ردًا على حديث ليونار المباغت السابق الذي خرج بنبرة متعبة جعلتني أتوجس من الأمر، هل سيرا هي ليكاتا الحقيقية بالفعل؟

- بينما أنتِ كُنتي تقعين في حُب الشخص الخطأ كَالخرقاء بكل ساذجة وتقدمين له قلبكِ علي طبق من فضة ليكسره، كان هناك قلبًا يتوق شوقًا لرضاكِ؛ لكنكِ مثل جميع النساء: عمياء وبلهاء.

قالها ليونار بنبرة رخيمة بعدما تنهد بعمق ليجيب على سؤالها الأول بلغز ثم أنهى حديثه وهو ينظر لي بطرف عينه وكأنه يسُبني أنا حيث شعرت بسخونة السبّة وهي تلحف وجهي، فأمسكت الهاتف أعبث به لملاحظتي أنني تقريبًا أنظر لهم بعيون يتراقص الفضول بها وكأنني على وشك الجلوس فوق قدم سيرا ومشاركتهم الحديث وهذا الموضوع شخصي.

- أنا بلهاء؟!

- هو ده اللي شاغلك، أنتِ بلهاء آه، في حد يقع في حب عمي هارون، ده ريد كاربت يا ماما مش ريد فلاج.

قالها ليونار بنبرة ساخرة وهو يحك فروة رأسه من الخلف وينظر لها بسخط من تركها لكامل حديثه وتركيزها على السبة الأخيرة فقط من خلال ترديدها المستنكر لها، شردت عيون سيرا لثواني بعدما استوعبت حديثه، ثم عادت بانتباهها له من جديد عندما قص عليها ما حدث مع تميم.

- اخبريها إن ابنها الحفيد الأكبر لأبوفيس ويجب عليه مصادقت المامبا حتى لا يصبح مثل أبيه، فلا يوجد أحد برغب أن يكون المامبا الحامي له.

هتف بها ليونار بنبرة هادئة إلى سيرا التي أخرجت هاتفها من حقيبتها وبحثت عن رقم زوجة بدر ثم هاتفتها، وضعت الهاتف فوق أذنها وهي تحرك رأسها بالموافقة على حديث ليونار.

- مرحبًا أيتها الحية، معكِ سيرا زوجة "رع"، من تظني حالك حتى تمنعي ابنك من اللعب مع أحد صغارنا؟ انظري أيتها الفاسقة أن لم يعود ابنك للعب مع تميم غدًا أقسم أن أحيل حياتك جحيمًا، لا تُراقصي نساء المُهيري حتى لا تخرجي من الحلبة دون قدميكِ.

أغلقت الهاتف في وجهها دون انتظار رد منها بينما برقت عين ليونار بابهار شديد قبل أن يصفق لها وهو يقول بفخر:

- نساء عائلة المُهيري.

دلفت للمكتب شهد والسعادة تتقافز من مقلتيها وكأن الشمس الغائبة اليوم أشرقت داخلها أثناء سيرها رفقة أبيها هارون الذي يحمل قالب من الكعك دائري بلون السماء، ويضع به شموع ذهبية اللون بحرف "10M" كناية عن عدد مشاهدات رواياتها الألكترونية ليقاطعا الحديث الدائر بين الاثنين.

- سحقًا عماه، هل فرغت جميع الأماكن كي تأتي لمكتبي حتى تحتفل به، يا إلهي! لقد خربت المفاجأة. 

- مـزاجـي.

قالها هارون بنبرة باردة وهو يشدد على الحروف ردًا على حديث ليونار الذي خرج بنبرة ساخطة من افساده لدور الغير مبالي الذي يلعبه حتى تعود شهد إلى المنزل وترى المفاجأة لكن شهد بالفعل علمت ذلك حيث إنها نشرت منذ قليل صورة تظهر بها غرفتها مزينة ببالونات زرقاء ومعلق بالونات مجسمة ذهبية بنفس الحروف فوق الكعك، كما تنتشر الهدايا فوق الفراش من الشباب أبناء عمومتها، وعلقت أسفلها:

" أخويا وهو عامل نفسه مش ملاحظ نجاحي، ٢٩ سنة، مطلق لديه طفل في الرابعة والنصف، رجل أعمال صباحًا ويعمل بالمافيا ليلًا، لديه العديد من المهارات مثل استخدام السيوف والخناجر، التصويب مغمض العينين، مروض أسود، ويخرج آشعة حارقة من عينيه، لديه تنين مجنح يدعى موشوسو يربض أسفل شرفته، كما إنه يُجيد إلقاء الشعر وطباخ ماهر، وراقص مذهل، للإرتباط تواصل خاص "

- فخور بيكِ صغيرتي المدللة.

قالها ليونار بنبرة حنونة إلى شهد بعدما فتحت هاتفها على الصورة الملتقطة بواسطة فريدة ووضعتها نصب عيناه حتى تخبره بأنها علمت بالمفاجأة بالفعل، فصفع هارون ليونار على رقبته من خلف برفق بعدها أحاط كتف ابنته بتملك واضح وهتف بنبرة مهددة أثناء ذلك:

- صغيرتي أنا يا ابن نفرتاري القرعة.

- يا إلهي، فليقنعه أحد أن أمي جميلة وليست صلعاء! أو أهتف بحديثك أمامها!

قالها ليونار بنبرة متهكمة وهو يبتسم بزاوية فمه ليرمي بحديثه إلى خنجر نفرتاري الذي سيجيب على حديثه وقتها، فأخرج هارون صوت ساخر من فمه وقال بنبرة واثقة وهو يجلس بلامبالاة فوق المقعد المقابل لسيرا:

- إنت فاكرني بخاف منها؟  الحاجة الوحيدة اللي مخلية راسها لحد دلوقتي فوق جسمها هي إنها أمك.

- قيصر قلبي بعتلي ورد على المكتب وبعت ليا كارت مكتوب فيه " نتشرف بدعوة سيادتكم على موعد عشاء مساء اليوم يا من خُلقت الورود لأجلها".. يـاه بقى عايزة أتجوز عمي.

قالتها شهد بنبرة حماسية فجأة كعادتها ثم انهت حديثها وهي تضع كفها على وجنتها وتتحرك بجسدها بهيام، فانتفض هارون في جلسته ونظر لها بتهكم ثم هتف بعدما رفع شفته العليا بتشنج:

- وحشة، ملزق اوي، بعدين عادي يعني كلنا ممكن نقول كده.

- إنت حبيبي.

قالتها شهد بنبرة حالمة بعدما ضحكت بخفة ثم اقتربت منه وطبعت قبلتين فوق وجنتيه بسرعة فتبدد تشنجه على الفور مع انشراح ملامحه، ارتخى جسده مع توسع بسمته رويدًا حتى ظهرت أسنانه البيضاء وهو ينظر لها بحب بالغ.

- ‏تَراهُ شَامِخًا كاللّيثِ حَتّى
إِذا قَالَتْ لهُ "حبيبي" تَراخَى.

قالها ليونار بنبرة ساخرة وهو يشملهم بنظراته، فحركت شهد له حاجبيها على شكل موجة بينما نظر هارون إلى سيرا بعدما لاحظ شرود عينيها وكأنها لا تجلس معهم ثم قال بتساؤل قلق:

- مالك؟

انتفضت سيرا برفق يكاد يكون غير ملحوظ وكأن كلمته سحبتها من أعماق البحر حيث كان أخطبوط ضخم يلف ذراع حول قدمها ويغرقها ثم هتفت بتساؤل:

- مالي ؟!

- يعني سرحانة كده في حاجة مضيقاكِ؟ خلاص نتكلم بليل.

أضافها بنبرة هادئة بعدما حركت له رأسها بنفي على حديثه السابق ثم نهضت من مجلسها وخرجت من المكتب رفقة شهد ليقوموا بشراء حِلة خوفو الذي سيحضر بها كتب كتابة المحدد بعد غد، الذي يعلم الجميع بموعده إلا العروس نفسها!

لقد قرر خوفو دفع دفة العرس على الرغم من كل شيء وكأنه لم يستمع لرفضها له، ولا أعلم كيف حدث هذا؟ لكن عبدالرحمن أذعن لرغبته بكل بساطة، أدعو داخلي من كل قلبي أن يمر العرس بسلام وتوافق ريحان على الزواج، لإن هذا جنون!

تبًا، لا أصدق الأمر الذي يضعوها أمامه على الرغم من تأيدي للأمر لإنها تحبه وتريده وقبضة الخوف القاسية طوقت جسدها ورفضت أن تدعها تذهب إليه لكن الأمر برمته محضًا من الهُراء!

كيف يمكنها أن تستيقظ من نومتها تجد الشيخ يضع أمامها عقد القرآن والنساء تطلق الزغاريد حولها؟!

- عايز أعمل حاجة حلوة لفريدة بس مش عارف إيه؟ ساعدني.

- هو انا أسامه منير؟!

قالها ليونار بنبرة ساخرة تعقيبًا على حديث عمه هارون الذي هتف به بنبرة هادئة بعدما أخبره برغبته في السفر مع فريدة ليلة رأس السنة لتقضية بعض الوقت مع بعضهم البعض والأهتمام بها قليلًا لشعورها بالملل، وكذلك لإنه لا يرغب في البقاء رفقة القادة للأحتفال مثل كل عام.

رمقه هارون بنظرة حادة مهددة حتى لا يتمادى في الأمر، فحمحم ليونار بخشونة ليواري خوفه قبل أن يقول:

- أقولك عندي فكرة إنت تاخدها وتعملوا sky diving "قفز بالمظلات" وتقولها وإنت بتنط من الطيارة "علشان اثبتلك إن أنا بـحـبــــــــك"

هتف بها ليونار بنبرة مازحة وهو يفتح كلا ذراعيه في الهواء على مصراعيهم وكأنه ينتظر عناق محب تزامنًا مع دفع المقعد ذو العجلات للوراء بقدمه من الاسفل بطريقة مسرحية مع تلاعبه في طبقة صوته فظهر وكأنه صوته يبتعد كلما زحف للخلف وكأنه يسقط من فوق منحدر، فنهض هارون من مقعده بهدوء وهو يعدل من جاكيت حِلته الرمادية الأنيق برزانة.

- خلاص بهزر أقسم .. يا إلهي .. بيترفكس توتالس.

صرخ بها ليونار بخوف بعدما لف هارون حول المكتب وهو يخطو تجاهه بينما يعود ليونار بخطواته للخلف بتردد ثم القى بكلمته الأخيرة وهو يحرك كفه المضموم ناحية عمه ليلقي عليه التعويذة الخفية وكأنها سوف تجمده حيث إنها تعويدة تجميد من نفس الرواية.

- و ده إيه ده يا عنيا؟!

- تعويذة تجميد، أوه عماه لماذا لا تتجمد؟! هاري مأكد عليَّ، سحقًا، يا إلهـي!  فلينقذني أحد، هناك مـتـحـرش بمكتبي.

صرخ بها ليونار بصوت عالي نسبيًا تعقيبًا على حديث عمه الساخر بشأن التعويذة فضحك هارون ضحكة شريرة مخيفة تزامنًا مع وصوله له بعدما كان يتحرك ببطء ليضفي مزيدًا من الرعب للمشهد، أمسكه هارون من ربطة عنقه بينما يرتجف الآخر ثم نبث بنبرة تحمل التهديد:

- هتقعد تخطط معايا بأدبك ولا..؟

ترك تهديده مبهمًا حتى يتلاعب رأس ليونار به بشأن كهنة الفعل المقدم عليه عمه، فحرك رأسه بسرعة دليل على الموافقة عدّة مرات وهو يرمقه بخوف أثناء تثبيت نظرات الآخر به، ترك هارون رابطة عنقه وحرك يديه يربت على شعره ببطء وكأنه يخبره "فتى جيد" قبل أن يعود لمجلسه من جديد.

- في سؤال حير العلماء وحيرني أنا شخصيًا، لماذا تحبك كل هؤلاء النساء؟

قالها ليونار بنبرة متسائلة بعدما حل الصمت لبرهة عقب عودته لمجلسه وتنفسه الصعداء أثناء تثبيت نظراته التي حاول جعلها دامعة ليظهر في هيئة المظلوم والمغلوب على أمره وسط العائلة الظالمة التي لا تفعل شيء سوى إحزانه الوهمي بالطبع حتى يحبِك الدور الذي يلعبه لكن هارون تجاهله بالكامل مما أدى لعودته لحالته الطبيعة والبدأ في تشغيل دفة الحديث من جديد.

- تصدق فعلًا  مش لاقي سبب مقنع .. أكيد علشان توكسيك.

أضافها بنبرة مازحة بعدما برقت عينه بوميض وكأنه علم سر وصفة "سلطع برجر" عقب شرود عقله بحيرة من الأمر، فصدحت ضحكات ليونار العالية من بساطة حديث عمه مما جعل الأخير يستطرد من جديد بنبرة مازحة:

- متحكم وغيور وعصبي ومتملك، بس حنين.

قال آخر كلمة هو يغمز بعينيه اليسرى ممازحًا بنبرة واثقة فارتفعت ضحكات ليونار من جديد عليه وهو يعيد خصلات شعره للخلف كعادته، فهذا الهارون على الرغم من إنه حنون بالفعل إلا إنه صعب المراس ورجل غيور بشكل لا يصدق مع زوجاته، إننا لم نستقر على الفستان الذي سنرتديه في عرس ريحان إلا عندما وافق عليه هارون أولًا حيث إنه اعترض على السابق الخاص بعرس نجمة لإن فريدة كانت تشد حزام الخصر وقام بحل رباطه حول الفستان.

- أقولها إيه بقى؟ قولي حاجة حلوة من بتاعتكوا دي.

هتف بها هارون بتساؤل بعدما تبادل مع ليونار أطراف الحديث بشأن وضع خطة السفر رفقة فريدة وتم الإتفاق على كل شيء حيث تم تثبيت فكرة القفز بالمظلات لإنها تشبه جنون هارون كما بحث ليونار عن باقة زهور جميلة وبعثها له برسالة حتى يصنعها لها.

-  دي حاجات تتحس ومتتقالش ... رجلًا وما استسلمت.

هتف بها ليونار سريعًا وهو يضرب كفه فوق المكتب بشكل جعل جسدي ينتفض من أثر المفاجأة بعدما همّ هارون أن يقف من مجلسه عقب ارتسام جميع أمرات الشر على وجهه بسبب سخرية ليونار من جديد في أول الحديث.

نظر ليونار تجاهي بهدوء ممتزج ببريق خافت حتى تقابلت نظرتي بخاصته لثواني، أشحت بنظري عنه ناحية الهاتف سريعًا لمحاولة فاشلة لأقناعه أنني لا أحشر أنفي بينهم، فعاد بنظراته لعمه واستطرد بنبرة رخيمة قصيدة أمرؤ القيس:

- رجلًا وما استسلمْتُ قَبْلُ لفارسٍ
‏مالي أمام عيونها مستسلِمُ !؟

‏‏أأعودُ منتصِرا بكل معاركي
‏وأمام عَيْنيها البريئة أُهْزَمُ !

- حلوة.

قالها هارون ليحل نظرات ليونار التي عقدت بخاصتي بعدما عاد لي من جديد ثم تشابكت بشدة كفرعين من أسلاك سماعات الأذن الخاصة بالهاتف بعدما يلتحما مع بعضعها البعض بشكل مثير للغضب.

- رجل وما استسلمْتُ قَبْلُ لفارسٍ ‏مالي أمام عينها مستسلِمُ !؟ ‏‏أأعودُ منتصِ..

-بس يا عمي، انت بتسمع درس .. براحه، اعتبرني فريدة وقولها.

قاله ليونار بنبرة ساخرة على الرغم من كونها هادئة ومفسرة كمعلم يشرح معادلة صعبة لطفل أبله تعقيبًا على حديث هارون الذي خرج بطريقة سريعة حيث يلقي بالكلمات التي حفظها خلف بعضهن البعض بعدما كرر ليونار القصيدة على مسمعه أكثر من عشر مرات متتالية حتى حفطها.

-رجل .. وما استسلمْت .. قَبْلُ لفارسٍ .. ‏مالي أمام عيونها..

- كفاية ياعمي، كفاية، لا حول و لا قوة إلا بالله، إنت حالتك ميؤس منها.

قالها ليونار بنبرة يائسة تمتزج بالسخرية بعدما ضحك بعيناه فقط حتى لا يقتله عمه تعقيبًا على طريقة إلقاء هارون الشعر الذي خرج بطريقة جامدة وبطيئة وكأنه يلقي خطاب توديعي في جنازة رفيق دربه.

- أنا هقولها بطريقتي إنت مبتفهمش حاجة.

قالها هارون بنبرة حانقة بعدما أخرج صوت من حنجرته يدل عن السأم من سخرية ليونار منه، فحرك الأخير رأسه بالموافقة تزامنًا مع فتح ذراعيه على مصرعيها وكأنه يخبره: المسرح لك.

تحفز هارون في جلسته وابتسم ابتسامة بلهاء واسعة ذكرتني بخاصة رائف قبل أن يهتف وهو يحرك يده بتمزج رهيب:

- راجل .. راجل ومستسلمتش أبداً لفارس، لكن قدام عيونك الحلوين دول بستسلم، معقول؟ معقــول!! برجع منتصر في كل موجهاتي وقدام عيونك عيونك عيونك عيــونك بتهزم.

- وأهو أهو أهو أهو .. إنت واقف نبطشي في فرح في بولاق في إيه يا عمي؟! ده إحنا هيترفع علينا قضية.

قالها ليونار بنبرة ساخرة بعدما ضحك بهزل عقب نهوضه من مجلسه برقصة وهو يطرق على المكتب بمرح في بداية جملته ليقلد ما يطلق عليهم "النبطشي" الذي يُحي الأفراح الشعبية حيث إن هارون هتف بجملته بطريقة تشبههم، افلتت ضحكة من بين شفتي بعدما فشلت في كبتها ودمعت عيناي بشدة أصابتني بغشاوة بعدما حاولت السيطرة على ضحكاتي.

- استغفر الله العظيم هادمين لذات.

هتف بها هارون بنبرة متهكمة بعدما شملني أنا وليونار بنظرة غير راضية بسبب ضحكنا عليه حيث ضحك ليونار عاليًا بعدما أصابته عدوى الضحك مني، حرك ليونار رأسه بخيبة أمل وهو يجلس من جديد، ثم التقط هاتف عمه الموضوع فوق المكتب وهو يخبره إنه سيقوم ببعثها لها بعد فقدانه لبريق الأمل الذي أضاء لبرهة عقب إخبار هارون عن طريقته في الإلقاء.

- روحت عند سالم قعدت معاه شوية بعد كده جبت كيك لشهد وهروحلها المكتب، بتحكيها يومك بالتفصيل، ياه يا عمي، ناس تخاف متختشيش،  بتقولك أشطر أرنوب يا روني، روني!

- انت بتقرأ الشات بيني وبين مراتي ليه؟

قالها هارون بنبرة غاضبة بعدما انتفض من مجلسه وأستل هاتفه من بين أنامل ليونار الذي ألقى على مسمعه الرسائل التي بعثها عمه إلى زوجته وهو يضحك بخفة أثناء قراءته لها، فمد ليونار يده له من جديد وهو يقول بنبرة مازلت تحمل أثر ضحكاته:

- حسنًا عماه لن أقرأ أقسم.

أعاد له هارون الهاتف على مضض بعدما رمقه بنظرة مهددة، أخذ ليونار الهاتف وتحركت أصابعه بسرعة فوق لوحة المفاتيح بينما تراقص الخبث بمقلتيه بوهج طفيف قبل أن يعيد الهاتف من جديد إلى هارون الذي نظر له بعدم ثقة وهو يضيق جفنيه بقلق ثم فتح الهاتف بسرعة بعدما لعبت الهلاوس به، كيف يمكنه أن يثق بوغدًا مثله؟!

- مبعتش حاجة ليه؟  إنت عملت إيه؟

قلها هارون بنبرة متشككة متسائلة وهو ينظر له برعب بَعدما لم يفسر بحثه في الرسائل على شيء على الرغم من تأكده بشأن كتابة ليونار بسبب تحرك أصابعه، ابتسم ليونار بهدوء ثم قال بنبرة رخيمة بعدما حرك بؤبؤا عينه حتى وقعت عليَّ:

_ عندما رأيتكِ، ضربت قلبي صاعقة من الكهرباء، كَلبرق، فوقعت صريعًا في حُبكِ، فكيف لي أن أقوام سحر حُسنكِ؟!

دي خاطرة كتبتها دلوقتي لما افتكرت أول مرة شوفت فيها ليكاتا، فنزلتها عندك اسـتوري.

- إنت بتستهبل؟! كل الناس هتشوفها.

قالها عمه بطريقة حانقة بعدما نطق ليونار آخر كلمة ببطء وهو يشدد على الحروف ليفجر بوجهه القنبلة بشأن ما فعل في هاتفه، حرك ليونار كتفه كناية على وما المشكلة إذًا إذا رآها الجميع ثم نهض من مجلسه وخطى تجاه عمه الذي شردت عيناه لبرهة، وضع كفه فوق كتفه ونظر داخل عينه بحنان بعدما انحنى ليصل لقامته أثناء جلوسه قبل أن بهتف بهدوء:

- فيها إيه علشان لو حد من المملكة شافها فليذهبوا جميعًا للجحيم الحب مش ضعف ومش لازم تحس بخجل من مشاعرك يا هارون -بما إني سالم دلوقتي- الحب مش عار.

ابتسم هارون بسعادة وهو يبعثر نظراته الآتي يتدفق الحنين منهن فوق وجه ليونار ثم نهض من مجلسه وعانقه برفق عناق صديق أو أخ أكثر من عناق ابن وأبيه، علاقة الاثنين ببعض تشمل كافة العلاقات فهارون له، أب، عم، صديق، أخ كل شيء، يمكن أن تتحول علاقتهما لجميع الأشكال، وهذا أكثر شيء أحبه بعلاقتهما المميزة.

عاد كلًا منهم لمقعده بعدما انفصل العناق بهدوء ورفق ثم تنهد ليونار بعمق قبل أن يفتح مع عمه موضوع شائك خاص بعلاجه النفسي حتى يصبح أفضل وانهى حديثه بقول:

- بدل ما تسافر وترجع خليك هناك كام شهر بعيد عن كل حاجة لحد ما تبقى كويس.

- مين قالك إني مش كويس ومش مبسوط؟ أنا مبسوط إنت اللي مش مبسوط، إنت بتقارن اللي حصل معاك باللي حصل معايا فاكر إننا بنتألم زي بعض، بس عارف الفرق بيني وبينك؟ إن أنا راضي، ببص للحاجة اللي في أيدي مش للحاجة اللي خسرتها، ولما ببصلها بفرح وبقول الحمد لله كان ممكن أخسر كل حاجة، إنت شبه عمك قاسم النكدي، مش فرفوش زيي أنا أبوك.

قالها آخر حديثة بنبرة مازحة على الرغم من تهدج صوته ولمعة عينه في المنتصف عند ذكر ما خسر وكأن عينه وقلبه أعلنا التمرد على لسانه ليفصح عن حقيقة الألم الذي يعتمل داخل صدره لكنه يربت على حاله بتذكره ما في يده لإن هارون من الأشخاص الإيجابية حيث يركز على الاشياء الجيدة في الأمور ويتمسك بها كطفل صغير فرح بدميته التي وجدها سليمة أسفل ركام بيته المنسوف.

- بعدين عايزني أسافر وأسيب قاسم ده يموت فيها، ده بيتصل بيا أكتر من مراتي، ده واحد مش بيصحى يقول صباح الخير، بيقول هارون صحي ولا لسه؟!

- ده إنت شايل كتير.

قالها ليونار بنبرة ضاحكة وهو يعود برأسه للخلف عقب حديث هارون السابق بشأن أخيه قاسم
، فأمسك هارون جاكيت حِلته ونفضه بضيق كناية عن فيضان كيله بمزاح تعقيبًا على حديث ليونار، فضحك ليونار من جديد، وكذلك أنا بعدما تذكرت ما قصته علينا شهد عندما تحدثنا معها بشأن تقرب أبيها وعمها من بعض حيث إن قاسم عندما كنا بالمشفى يذهب خلف هارون في كل مكان بحركة تلقائية.

إنه يوقظه يوم الجمعة مبكرًا رغمًا عنه للأفطار لأنه لا يفطر لحاله، عندما يسافر يظل يضغط عليه لينهي عمله حتى يعود سريعًا، كما إنهما عندما كانا صغار كان قاسم دائما يترك غرفته وينام بغرفة هارون وحتى تقوم أمه بحل هذه المعضلة نقلت سرير قاسم بغرفة هارون، لكنه كان مساءً يندس في فراش هارون ويضم ذراعه بعد ترك خاصته، ظلوا على هذا الوضع حتى تم قاسم العاشرة وقتها أقنعته أمه إنه صار كبير كفاية لينام بفراشه بمفرده، فوافق على مضض، لكنه بقى يشاركه غرفته حتى تزوج من دهب.

__________________________𓂀

خرجت من الشركة وأتجهت للمطعم الذي يقبع بالبناية المقابلة للشركة حيث تنتظرني خالتي عزة هناك فنحن ذاهبات اليوم لرؤية الشقة الخاصة بعامر والتي سوف تكون شقتي في المستقبل، لمحت جسد مراد يجلس على الطاولة بمقابلها من خلال الزجاج الخارجي للمطعم، تبًا لم تخبرني إنه سيأتي معنا، حسنًا بالتأكيد لن يتركنا نصعد رفقة رجل غريب بمفردنا، لكن بالله خالتي لماذا لم تجلبي ماهر؟

لإنها ترغب في تخريب العرس ماليكا.

- هو القمر بيطلع الصبح ولا إيــه.

خرجت هذه الجملة من فم شاب أرعن توقف بالسيارة جانبي بنبرة متغزلة حقيرة تشبه النيران جانب علبة من أعواد الثقاب، فنظرت له لأتأكد هل يحدثني أنا بالفعل أم فتاة أخري؟ فأضاف المزيد من تحرشاته اللفظية التي جعلت أعواد الثقاب داخلي تشتعل بتسلسل، نظرت  بجانبي بسرعة أمرر نظراتي حول المكان للبحث عن أي شيء يمكنني استخدامه لاحرقه بنيراني حتى وقع بصري على رجل يرتدي ملابس رجال أمن الشركة ويحمل في كلا يديه مطفأة حريق، حسنًا لقد طلبها وسينولها.

هرولت ناحية الرجل وسحبت مطفأة الحريق من يده ثم عدت التفت للسيارة الواقفة بسبب حركة السير المتعطلة حيث إن إشارة المرور تنبض باللون الأحمر، وبحركة سريعة ثنيت ركبتي وانحنيت قليلًا ليساعدني جسدي على الدفع قبل أن اقذفها ناحية زجاج سيارته بكل ما أوتيت من قوة مما أدى لتهشيم المنطقة التي امتزجت بالمطفأة وظهرت فجوة في المنتصف.

صرخ الشاب بغضب وانهال عليَّ بوابل من السِباب  وهو يفتح باب سيارته ويهبط منها بعنف بملامح لا تبشر بخير، فضحكت بسخرية لأنني سأحصل على مبتغاي، ووقفت بثبات أنتظر أن يصل إليّ لتحطيم عظامه لكن قبل أن يصل أمسكه مراد من ملابسه من الخلف ثم سحب جسده تجاه السيارة، أمسك برأسه وهبط بها تجاه السقف عدّة مرات وهو يسبه بغضب مما أدي لسيلان الدماء من أنفه.

تجمع عدد من الأشخاص وخلصوا الشاب من يد مراد وذهب في طريقه هربًا من غضب مراد والدماء توشم وجهه وكأنه أصبح الرجل الأحمر، تنهدت مراد بعمق ثم مسح وجهه بتعب وعاد للداخل من جديد لينضم لنا بعدما دلفت بمنتصف الشجار عانقت خالتي ثم جلست بشموخ وكأنني لم أفعل شيء:

- بذمتك مش وحشتك المصايب اللي بدبسك فيها.

قلتها بنبرة مازحة لتغير الحالة المشحونة السائدة بعدما نظر لي مراد وهو يضغط على فكه بغضب من ما أفعله بسبب انفلات أعصابي، فضحك بخفة وهو يحرك رأسه بدون تصديق تزامنًا مع حك ذقنه المشذبة ثم نبث بهدوء:

- حسبنا الله ونعم الوكيل.
 
ابتلعت شفتاي للداخل للتحكم في حالي تزمنًا مع توقف سيارة أمام المطعم، ترجل منها بكر من باب السائق ثم تحرك وفتح باب السيارة الخلفي لها فهبطت شفا بهدوء ومن خلال الإبتسامة التي تزين ثغرها أثناء دلوفها المكان علمت أن البيتزا قد قتلت الحزن الخاص بالمسلسل للأبد.

لقد تم تقسيمنا اليوم لعدة مهام، شهد ستذهب لشراء حلة خوفو بعدما رفضت تلك التي جلبها ثم ستذهب بموعد مع عمها قاسم، جميلة ستذهب لمنزل ريحان لترى الفستان التي صنعته واحدة من جيران ريحان حيث إنها تحب ارتداء الفساتين التي تصممها الأخرى وكذلك توصل الحذاء وباقي المكملات، كما تم إبعاد ريحان عن المنزل بواسطة عاليا، أما بالنسبة لغزل ونجمة فهما ذاهبتان لاستلام الفساتين من المصممة المفضلة عند غزل الى المنزل، وتم اختيار شفا للمجيء معي إلى شقتي المستقبلية، وغدًا هو يوم الأهتمام بالبشرة والتسطح بتكاسل فوق الأريكة.

- إيه العضلات اللي تشرح القلب دي؟ هما كلهم حلوين كدا؟

قالتها خالتي بنبرة متغزلة بصوت خفيض إلى شفا وهي تشير بعينها ناحية بكر الواقف أمام سيارته بعدما جلست شفا على المقعد جانبي ورحبت بها بحفاوة، فنظر لها مراد بوجه يكاد يتحول للون الأحمر مثل الرسوم المتحركة حيث وصل إليه صوتها واضحًا.

- لا يا واد خوفتني ما تيجي تضربني قلمين أحسن.

- هو ده غض البصر اللي كنتي بتعلمهولي.

هتف بها مراد بنبرة متهكمة بعدما أخرج صوت ساخر من فمه تعقيبًا على حديثها الذي خرج بنبرة هازلة من نظرته، فنظرت له بطرف عينها وهي ترفع حاجبها بتهكم ولم تعقب فقد أوقع بها في مأزق، هي بالأساس كانت تمزح.

أمسكتُ قائمة الطعام حتى اختار شيء كي أتناوله فقد كانت معدتي تبكي جوعًا، وقع الإختيار على أكثر الشطائر التي تحتوي على مكونات محببة إلى قلبي ثم تركت القائمة ورفعت رأسي حتى أطلب الطعام لكن لفت نظري توقف سيارة رياضية من دون سقف، يجلس هارون في مقعد السائق وليونار يقف على ركبتيه في المقعد جانبه ويحمل في يده عدّة بالونات بها مياه بينما يتراقص التلاعب بمقلتيه كطفل صغير حصل على عدية العيد وجلب بها مسدس مياه.

- يا صـغـنـن.

قالها ليونار بصوت عالي حتى يجذب انتباه بكر الذي كان يعبث بهاتفه ثم قذف البالونات بغتته بشكل متتابع تجاهه حتى استقروا برأسه وصدره وانفجروا مخلفين بركة من المياه حوله، قبل أن ينطلق هارون بالسيارة مسرعًا وتصدح ضحكاتهم عاليًا، ركض بكر خلف السيارة بغضب وهو يسب أخيه بلغة أجنبية بعدها عاد من جديد وهو يمسك بسترته المبتلة من الصدر.

نظر بكر إلى لشفا من خلال الزجاج وأشار لها بيديه ناحية متجر الملابس الرجالي الذي يقبع في الجهة الأخرى، ثم رفع يده التي تحمل مفتاح السيارة فحركت رأسها بالموافقة وهي ترفع يدها بخاصتها بعدما أخرجته من حقيبتها، فهناك قاعدة جنونية لديهم، إذا حدث هجوم ما يجب أن تذهب الانثى بالسيارة وتترك المامبا الحامي خلفها، بهذه البساطة!

- سكر والله، حبيب قلب أمه يا ناس.

- سكر محروق، ده هزار ده؟!

قالها مراد بنبرة حانقة بعدما رمق خالتي بنظرة حادة تتدفق الغيرة منها بسبب تدليلها ليونار ثم نفس من منخاره بقوة وكأنه تنين ينفس النيران من أنفه الغضب المكبوت داخله من تلك العلاقة التي تربط بين ليونار وخالتي.

- دول أخوات عادي مش بيزعلوا من بعض، هما هزارهم تقيل شوية ده كده معملش حاجة، دول إمبارح حدفوا جنب واحد قنبلة ... قنبلة ماية معرفش جايبنها منين بس هي حاجة بتحدف بتغرق الدنيا ده.

أضافتها شفا بتوتر لتعدل من حديثها بعدما نظر لها مراد بتأهب بعدما سقط فكه بذهول برق من مقلتيه بسبب حديثها الأبله عن القنبلة، ثم مدت يدها والتقطت كوب الماء من أمامها وارتشفت منه وهي تبتسم له ببراءة تتنافى مع صخب دقات قلبها الآتي اسمعهن بوضوح داخل طبلة أذني.

- البيتزا عامله شغل.

قلتها بنبرة مازحة لتغيير الموضوع، فابتسمت بشدة بينما تضاعف حجم بؤبؤيها الذي شعرت بوهج داخله وكأن حبه نيزك مشتعل مر من خلال الغلاف الجوي لقلبها وارتطم بالأرض بشدة فهز الصخور من أسفله وأحدث دوى هائل، ثم أخرجت ورقة باللون البنفسجي الفاتح من حقيبتها بحماس حيث كتبها لها نيلان ولصق المظرف بعلبة البيتزا من الأعلى حيث إنه بعثها مع إحدى العاملات احترامًا لرغبتها في الإبتعاد عنه.

❰ لا أعلم ماذا اكتب لكِ؟
لكنني شعرت في فعل هذا الشيء من قبل كلما شاهدت ليونار يفعله، لذا كتبت تلك الرسالة.

احترم القرار الذي اتخذتيه بشأن علاقتنا على الرغم من حزني الشديد للإبتعاد عنكِ كل تلك الفترة، لقد مر شهر وثلاثة أسابيع فقط من العدة ومازال أمامنا الكثير، لكن لا بأس زهرة اللوتس خاصتي ساتحمل من أجل أيامنا القادمة، لكن بشرط أن لا تحزني.

لا تحزني وأنتِ بعيدة عني لأنني أشعر بالعجز لعدم قدرتي على سحب الحزن من جسدك، لا يمكنني طمئنتك، ولا يمكنني مسح دموعك، لذا لنأجل الحزن لحين موعد اللقاء حتى تصبحي حلالي، حبيبتي، زوجتي وصديقتي المقربة.

زهرة اللوتس هل يمكنك أن تصبحي صديقتي حتى نلعب سويًا بالحبال الملونة؟                ❱   " ښڤڹ "
                                                      

ابتسمتُ بهدوء بعدما لمعت عيناي بدموع بسبب السعادة التي شعرت بها من أجل شفا عقب انتهائي من قراءة الرسالة ثم نظرت إلى شفا التي أخرجت من حقيبتها لعبة قديمة من جيل التسعينات وهي عبارة عن أحبال ملونة كان يطلق عليها "سكوبي دو" كان يتم صنع بها علقات للحقائب، المفاتيح وإكسسوارات.

كان يلعبن بها الفتيات بمدرسة شفا عن طريق ربط الخيوط بشكل دائري، وتقف اثنتان أمام بعضهما وكلًا منهما تقف داخل حدود الخيط ليكون على شكل مستطيل من الأسفل بينما تحاول فتاة ثالثة القفز لمنتصف المستطيل ثم للخارج دون لمس الخيط، في أحد المرات قامت بسرد الموقف على نيلان ببساطة كما تفعل دائمًا لكنه لم يمرر الأمر مرور الكرام بالطبع، فقد جلب لها اللعبة وطلب منها المشاركة في اللعب.

كانت شفا فتاة إنطوائية في الصغر ليس لديها أصدقاء قط ولا واحدة، كانت تهبط في الاستراحة بين الحصص وتشاهد الفتيات وهن يلعبن سويًا، كانت تتمنى داخلها أن تلعب معهن لكن لم يدعوها أحد للعب وظلت هذه الرغبة داخلها لكنها لم تحزن وقتها لإنه لم تكن تفكر في الأمر لكن عندما كبرت وعادت ذكرياتها انتبهت للأمر، روحها أخبرتها الحقيقة وهتفت:

كلما عدت لنفسي الصغيرة وجدتها شريدة تائهة، وكأنها تبحث عن كف ما، لا تنتمي لشيء، لديها عالم كامل في مخيلتها، لا تتفاعل مع أحد.
تاهة، شريدة، لا تشعر بالأمان.
لماذا العالم كله مخيف حولها؟
قلبها لا يهد، دائمًا نظراتها مذعورة.
وحيدة .. وحيدة بالكامل، غير مرئية بالمرة.

كنت طفلة وحيدة بائسة ظننت انني سعيدة، كنت أرى العالم كله زهور جميلة تتفتح لكني لم إرى السياج الشائكة التي تفصلني عنها.

لم يعبأ أحد بها، لم يهتم أحد بتحسين سلوكها الإجتماعي ومساعدتها في الانخراط مع البشر، لديها أم جيدة مثل أغلب الأمهات تهتم المنزل، غسل الملابس وأعداد الطعام لكنها لا تعلم شيء عن تبادل الحديث، القبلات، الهتف بالحب والعناق، وكان لديها أب لا يعلم شيء عن الأبوة غير تضخيم صوته بالأوامر والتحكمات.

_ إنتِ عارفة عمري ما حد أهتم بيا أصلًا، إن حد يسيب كل حاجه في إيده ويجي علشاني دي عمرها ما حصلت معايا، أنا مبسوطة أوي.

قالتها شفا بنبرة تشع سعادة وكأنه تجري داخل داهاليز عقلها بمدينة مصنوعة من الحلوى بعدما دمعت عيناها من جديد بتأثر من ما حدث من قِبل هذا النيلان الحنون الذي يتنافى ما بداخله عن مظهره الخارجي المخيف للبعض، وكأن كل البرود الخارجي الظاهر منه ما هو إلا كرة ثلجية لامعة تحتفظ بزهرة خلابة بداخلها حتى تقيها من الذبول.

-  ياختي إيه البنات الواقعة دي؟

- أوي أوي أوي يا خالتو، لما بسمع صوته بحس إن في حد بيطبل جوه قلبي.

قالتها شفا بنبرة مازحة وهي تضحك أثناء وضعها لكفها فوق موضع قلبها لتصف حديثها وتأكد وقوعها لنيلان بالفعل تعقيبًا على حديث خالتي الذي خرج بنبرة ساخرة بعدما أخرجت صوت شعبي من فمها يدل عن التهكم بمزاح، فقال مراد دون أن ينظر لها بعدما رمقني بنظرة من طرف عينه ليثبت لها أن الحب لا يدوم:

- دي حلاوة البدايات، بكرة هتتقابلو في محكمة الأسرة.

- لا عيلتهم مش بتطلق، اللي بيدخل مش بيخرج، بعدين مش حلاوة بدايات ولا حاجة دول عيلة ملزقة بيمشوا يحبوا فبعض طول الوقت، ده عمه هارون مراته بتصحيه من عز نومه الفجر علشان تشوف الشروق من فوق الجبل، لو أبويا كان فتح دماغ أمي بحاجة.

قالتها شفا ببساطة وهي تمسك ببضع حبات من البطاطس المقلية حيث تم وضع الطعام أمامنا ثم دستهم بفمها بتلذذ وهي ترفع كتفها للأعلى بلامبالاة، فأخرجت صوت ساخر من فمي وأنا أمسك شطيرتي وافتح الورقة عن جزءً منها استعدادًا لبدأ الجريمة مكتملة الأركان ثم هتفت بنبرة هازلة:

- ده علشان أبوكِ متخلف ما أنا قولتك.

- اقسم بالله؟! يعني ده عادي.

قالتها بدون تصديق كعادتها وهي تنظر لي بعينان متوسعتان ببلاهة، فحركت رأسي بقلة حيلة ثم شرحت لها أن ضرب أبيها لأمها هو التفكير الرجعي لكن استيقاظ هارون فجرًا ليس عاديًا لكنه ليس شيئًا غريبًا كذلك.
____________________ 𓂀

توقفت سيارة مراد خلف سيارة عامر مباشرةً فوضع عامر هاتفه بجيبه وهو ينظر من خلال الزجاج إلى مراد نظرة ثاقبة بينما ترتسم ابتسامة متحدية فوق شفتيه، أين كانت قوتك عامر عندما كان ليونار أمامك؟ فكل ما رأيته منك وقتها هو ظلك.

تنهدت بعمق قبل أن أهبط من سيارة "بكر" التي صفها خلف خاصة مراد حيث أركب رفقة شفا، ابتسم عامر لي بسمة واسعة وهو يلقي السلام عليَّ ثم تلاشت بسمته ببطء وكأنه رأى شبحًا يقف بجانبي عندما وقع بصره على شفا، أشاح بنظراته عنها سريعًا وعاد لمراد من جديد مد يده له بالمصافحة، فرفع الأخير كفه وهبط به فوق الآخر بقوة مما أصدر صوت فرقعة عالية ثم شدد على يديه بعنف وكأنه سيكسر أصابع عامر بين يديه وهو يبتسم بسمة باردة.

حيته خالتي عزة تحية باردة وهي تبتسم له بسمة مصطنعة صفراء ثم تحركت خلفه بعدما ارتسم الضيق على ملامحها حيث أشار لنا بالصعود دون إلقاء التحية على شفا! إنه حتى لم يكلف حاله بجملة ترحيب!

- ماليكا، دي شقتك بقى براحتك.

قالها عامر بنبرة هادئة وهو يفتح ذراعيه إشارة لنا بتأكيد على جملته ثم جلس على مقعد خشبي خاص بمائدة الطعام في أول الشقة، نظر له مراد بدون تصديق لوهلة قبل أن يجلس بجانبه وكأن رؤية الشقة لا تعنيه وأشار لنا برأسه لنرى الشقة.

بعثرت نظراتي حول الشقة الصغيرة لإنها صغيرة للغاية، في الدور الأسفل تقبع مائدة طعام صغيرة بجانب المطبخ المفتوح على الطراز الأمريكي ثم تقبع مائدة الطعام مباشرة، توضع أريكة على شكل حرف اللام باللغة الأنجليزية "L" وبالمنتصف طاولة خشبية باللون الرمادي وفي الوجهة شاشة تلفاز كبير.

أمسكت شفا يدي لنتجه ناحية الدرج حتى نشاهد الغرفة والحماس يتراقص بمقلتيها حيث إن حركة عامر لم تؤثر بها على الأطلاق، مشيت معها بهدوء بينما اقتربت خالتي من أذني تقول بنبرة مازحة على الرغم من الضيق البادي على ملامحها:

- أنتِ منكده عليه صح؟

برقت عيناها وكأنها تنتظر مني بشدة أن انطق بالموافقة وأسرد عليها أمر شجارنا حتى تضرب علينا اليوم وتكسر المقاعد فوق رأسه وتلقي بخاتم الزواج في وجهه لكنني أطفأت وهج عيناها عندما حركت كتفي للأعلى دلالة على: لا أعلم ماذا به؟

- أمال مالو مش طايق نفسه ليه؟ ده لو سمسار هيدخل يفرجنا الشقة، بس كويس ده في صالحنا برضو.

قالتها بنبرة خبيثة بينما برقت عيناها من جديد ثم صعدنا الدرج الصغير للغاية الذي يلتصق بالحائط الجانبي حتى أصبحنا بغرفته وبعثرت نظراتي على محتواياتها، الغرفة جميلة كلاسيكية ذات حائط أسود والسرير والشراشف بنفس اللون، الحائط خلف السرير أبيض اللون به بعض الظلات السوداء والرمادية لترسُم شكل سحاب به غيوم، حائط جانبي للفراش مصنوع من الزجاج بالكامل، فنظرت للخارج بانبهار حيث تضوي أضواء المدينة ليلًا بتراقص مذهل حيث تقبع الشقة بالدور الأخير لناطحة سحاب صغيرة.

- إيه النكد ده.

قالتها خالتي بنبرة متهمكة فضحكت وشفا على رد فعلها ووجهها المتشنج، تحركت خالتي إلى الغرفة الصغيرة الخاصة بملابسه ثم دلفت داخلها بهدوء كاللصوص وأخذت تتفحص كل شيء، ففتحتُ ثغري بدون تصديق ثم تقدمت منها وهتفت بنبرة هادئة ظهر بها القلق حيث إن غرفته فوق المكان الذي يجلس به مباشرةً حتى أنني يمكنني رؤيته من الأسفل إذا وقفت أمام الفراش خلف السور الحديدي لأن كل شيء مفتوح على بعضه:

- إيه يا خالتو اللي بتعمليه ده عيب، ده غير إنه هيشوفنا.

- بس يا بنت ملكيش دعوة.

قالتها خالتي بنبرة متهكمة وهي تشيح بيدها لي ثم عادت لعملها الأساسي تتفحص جميع الأدراج والملابس وحتى الجيوب وكأنها محققة شرطة تتفحص شقة قاتل مأجور مشتبه به بعدما دلفت من الشرفة بطريقة غير قانونية، أغلقت الخزانة ونفخت بضيق من عدم وجود جثة مُقطّعة بالداخل ثم خرجت وانتقلت للجولة الثانية.

فتحت درج الكومود جانب الفراش بهدوء وهي تحبس أنفاسها حتى لا يسمعنا عامر من للأسفل على الرغم من وصول همهمة خارجة من فم الرجال بالأسفل لكنني لم استوعب الكلمات بسبب صخب صوت ضربات قلبي الذي غطى على كل شيء بسبب الخوف من ما تفعله.

- وحشتنا يا عموري عليا الطلاق، تصدق؟! من يوم ما مشيت مش لاقين حد نضربه.

قيلت داخل عقلي من جديد بنبرة مازحة خارجة من فم بكر حيث قام عقلي بإعادة تشغيل الجملة ثانيًا داخل رأسي وكأنه ينبهني لشيء لم استوعبه في وقته مثل ما يطلق عليه "فلاش باك" حيث يحدث هذا معي دائمًا عندما يتحدث معي أحد بينما عقلي شارد في مكان آخر وعندما أعود يعيد عقلي تكرار الأمر.

لماذا كانوا يضربونه؟
تبًا، ما هذا الإفتراء.

- طلع مدمن نظرتي متخيبش أبدًا، انا هنزله.

قالتها خالتي بنبرة فرحة وهي تحرك أمامي علبة ورقية تحتوى على ورق أبيض خاص بصنع لفافات التبغ ويرتسم الإنتصار على معالم وجهها وكأنها وجدت شعرة رأس بها الحمض النووي للجثة التي تقبع بثلاجة التشريح.

- هتقوليله إيه كنا بنفتش في حاجاتك ولقيناها؟ بعدين ما هو أصلا بيشرب السجاير كدا مش بيشتري علب.

قلتها بنبرة ساخرة وأنا أرفع حاجبي بدون تصديق على تمسكها الرهيب بتخريب الزيجة، هل يجب عليَّ اخباركِ أن ليونار رجل عصابات وقتل منذ شهرين رجل، ويعمل بتهريب السلاح للخارج ويسرق آثار وتاريخ البلد ويبيعه للكلاب المسعورة التي ليس لها أصول، كما أن أمه تمتلك مصنع لصنع الأسلحة، وأصدمك بحقيقة كونه وغد حقير يسبح داخل المحرمات حتى تخرجيه من رأسك؟!

- آه صح هو حاطت سجايره في علبة صفيح سوداء لازم نمسك السموم الأول علشان نثبتها عليه، وأطلّع عينه.

قالتها بنبرة خبيثة والشر يتراقص بمقلتيها ثم تحركت للكومود الآخر وتفحصته كأخيه ثم أطلقت صوت يدل عن السأم من فمها لعدم وجود شيء ثم هبطت للأسفل بحالة كآبة تلبستها لكن توهج وجهها فجأة عندما وقع بصرها على المطبخ ثم سحبتني من يدي أنا وشفا وهي تقول ببشاشة كاذبة:

- الشقة جميلة اوي يا عامر يا حبيبي، عندك شاي؟

- هعمل لحضرتك حالًا.

قالها عامر بنبرة مرحبة وهو ينهض من مجلسه لكن خالتي اوقفته بلطف كاذب وهي تملأ غلاية المياه الكهربائية من الصنبور بقول:

- خليك مكانك، إحنا خلاص بقينا أهل، ودي شقة ماليكا، هنعمل إحنا.

حرك عامر رأسه بابتسامة مرحة وعاد من جديد لمقعده وهو يثبت نظراته التي تشبه الرماح التي يلقيها الجنود في الحروب لبكر الذي إنضم منذ برهة ويبادل نظرته بأخرى باردة، ما الذي يعنيه بعدما رحل؟ هل كان عامر مامبا؟
هذا يزيد من احتمالية كون ليونار هو من حرقه، لكن لماذا عامر لم يخبرني؟ لكن إذا كان مامبا لماذا لا يمتلك وشم؟ كما إنه لديه عائلة.
هل عامر مثل عبدالرحمن؟

- يا نهار أبيض يا خالتو هيشوفنا كده.

تمتمتُ بها من بين أسناني بنبرة حانقة أثناء توجيه نظراتي ناحية عامر حتى أراقبه بعدما بدأت خالتي بتفحص سلة المهملات الخاصة بالمطبخ حيث كان هدفها الأساسي، فاعتدلت من جديد بلامبالاة ثم هتفت بنبرة ضائقة:

- فاضية، ما الواد ده لنضيف فعلًا لحويط اوي، الشقة دي لسه متنضفة حالًا ريحة المنظفات لسه في مناخيري، هنزل لحارس العمارة.

قالتها خالتي بنبرة خافتة لتحدث حالها وليس نحن أثناء شرود عينها بتفكير وكأنها شارلوك هولمز الذي سيحل القضية ويمسك عامر بالجرم المشهود، وضعت يدي على رأسي وهززت رأسي بمعنى لا فائدة، حسنًا يجب عليَّ الإعتراف بحقيقة ليونار.

هبطنا من الشقة للأسفل وأنا أفكر في ديكور المنزل الصغير الذي اعجبني فقررت أن ابقيها هكذا فقد تم صنع كل شيء على حسب حجم الشقة، فقط سأغير غرفة النوم أضيف غرفة للأطفال حيث يقبع في الناحية الأخرى من غرفته قطعة مربعة تشبه الغرفة موضوع بها طاولة لعبة "بينج بونج" ويتم الذهاب لها عن طريق جسر صغير من غرفته إليها ملتصق بالحائط، لا أعلم لماذا سأفعل هذا أنا أحب اختيار كل شيء بنفسي، لكن أشعر إنني فقط لا أُريد.

- إيه شقة كفار قريش دي، ده مفيش آيه قرآنية ولا مصحف حتى، علفكرة الواد ده مبيصليش مفيش سجادة في البيت.

قالها خالتي بنبرة مؤكدة بعدما خرجنا من المصعد وهي تنظر لي نظرة المحقق هولمز خاصتها تزامنًا مع وضع يديها في خصرها، لتخرجني من شرودي وتنبهني لأكثر شيء مهم بالنسبة لي.

إنه لا يُصلي حقًا لم ارآه سابقًا عندما عملت بالمصنع، لا أريد أن أتزوج من رجل لا يُصلي لإنها دلالة على عدم قدرة تحمله مسؤلية العلاقات الكبيرة المقدسة حيث إنه لا يوجد اغلى من علاقة العبد بربه، وأهم شيء في علاقتي بالله هي الصلاة، إذا كان لا يعرف كيف يتحمل مسؤلية شيء مهمًا كهذا كيف سيتحمل مسؤليتي ومسؤلية المنزل؟

كما ما الذي ساخبره لصغيري عندما أطلب منه الصلاة ويخبرني أن أبي لا يصلي لماذا أفعل أنا ذلك؟
كيف يتم تربية أبناء صالحين في منزل به أب ليس قدوة ابنه وليس البطل الخارق في وجهة نظر ابنته؟

- مين بينضفلك الشقة يا عامر.

- مرات الحارس.

قالها بنبرة هادئة تعقيبًا على سؤال خالتي المباغت الذي أخرجني من غرفات عقلي المظلمة حيث تجلس ماليكا الخائفة من المستقبل به وهي تحتضن ركبتيها، هزت خالتي عزة رأسها برضى ثم أتجهت لداخل العمارة ووقفت أمام باب شقة الحارس وهتفت بنبرة هادئة تجيب على سؤال عامر الذي نطقته عيناه وليس شفتيه:

- هسأل عليك، مش دي الأصول برضو ولا إيه؟

ابتسم عامر بثقة ثم أشار لها أن تفعل بكتفيه وكأنه لا يهتم لذلك، قابلت خالتي زوجته التي أشادت بأخلاقه الحميدة التي أيدها زوجها فعادت لنا بنظرة يائسة وخطوات ثقيلة تُجرجر أذيال الخيبة، لا أعلم هل خالتي تريد إفساد الخُطبة لأنها لا ترتاح له بالفعل أم من أجل ليونار؟

- عجبتك الشقه يا حبيبتي؟

- معقول بتتكلم عادي! إنت إزاي متسلمش على شفا؟!

قلتها بنبرة حادة يتراقص لها السخرية بعدما تحدث أخيرًا وكأن القطة أعادت له لسانه من جديد بعدما خرجنا من العمارة وسحبني خطوتين بعيدًا عن الجميع، أخرج عامر علبة سجائره السوداء، أخرج منها واحدة ثم وضعها بين أصابعه بينما جالت أصابع يديه فوق جيوب حِلته ليبحث عن القداحة وهو يقول بنبرة ضائقة:

- ماليكا في قوانين عندهم، شفا منهم، ممنوع أتعامل معاها من غير إذن أنوبيس، يعني هو اللي يقولي آه أو لا.

- هو إنت مامبا؟

سألته بنبرة مندهشة ممتزجة بالذعر بعدما اضطربت معالمي وشعرت بنقص الأكسجين من حولي وأنا أتابع حركة يده التي أخرجت القداحة وسحبت رأسها التي تكون على شكل رأس أفعى، فانطلقت النيران من الشعلة ثم تحولت النيران لفم الأفعى بطريفة سحرية ومنظر مهيب حتى ظهر الأفعى وهي تنفث النيران من فمها.

- لا طبعًا، بس اللي بيمشي عليهم بيمشي على أي شخص ليه علاقة بيهم من قريب أو من بعيد، والموضوع ده أنا عارفه من أول دقيقة اشتغلت فيها معاهم .. المهم الشقة عجباكِ ولا لا؟ أنا عارف إنها صغيرة بس أنا بحبها علشان دي أول مكان أحس إنه بتاعي.

استحضرت صورة الشقة من جديد داخل عقلي، حسنًا إنها جميلة لكنها، لا أعلم لم تعجبني ليس بالشكل لكن بالراحة، شعرت بالضيق عندما دلفت إليها إنها تملك هالة القصر، وكأن بها شيء منفر، شعرت وكأنني لا انتمي لهذا المكان، إنني غريبة عنه وإنه لن يصبح جزءً مني، لكنني قلت بنبرة خافتة بعدما تنهدت بعمق:

- حلوة الشقة.

- افتكرتك هتشربيها.

هتف بها عامر بنبرة مازحة بعدما ممدت يدي له حتى أتناول السيجارة منه بعدما نفث دخانها بالناحية الأخرى مني فناولني إياها بابتسامة واسعة قبل أن تتلاشى على وجهه عندما رميتها أرضًا وسحقتها أسفل نعل حذائي، فهتفت بنبرة ضائقة حيث أنني لم أرغب أن يكون زوجي مدخنًا:

- مش بحب ريحة السجاير ولا بحب اللي بيشربوها.

- خلاص مش هشرب تاني وأنا معاكِ.

قالها عامر بنبرة هادئة وهو يبتسم ابتسامة مطمئنة حتى يهدأ من اضطرابي الداخلي الذي طفق ليعلن عن حاله بدون سبب، ثم تناول مني المحرمة التي مددتها له حتى يحمل السجارة الميتة من فوق الأرض لأنني لا أحب رمي شيء بالشارع، لا يجب على أحد أن يفعل هذا الأمر المقزز، الشارع ليس سلة مهملات بيته، أشعر بالغضب الشديد عندما أشاهد أحد المقززين يرمي بورقة في الشارع بعدما اقنع حاله أنه ليس الوحيد الذي يفعل ذلك بل الجميع وهو بالفعل غير نظيف.

تبًا، لماذا لا تكون أنت أول مسمار يتم طرقة في باب بيت متآكل ليتم تثبيته وتقويته من جديد بدلًا من ركله لتزيد من تحطيمه؟

- عامر إنت بتصلي؟

- بقطع، بس إن شاء الله هنتظم ومش هقطع تاني علشانك.

قالها عامر بنبرة هادئة واثقة بعدما حك ذقنه بطرف أظافره بخجل من إجابة السؤال الذي باغته به بنبرة متسائلة خرجت حادة بعض الشيء بسبب الهرج والمرج الذي يحدث داخلي الآن، كل شيء داخلي يتحطم كمصاب بمرض الاضطراب الإنفجاري جائته نوبة عنيفة فأمسك عصا غليظة وبدأ بتهشيم المنزل، تنهدت بعمق ثم نظرت إلى عامر وقلت بنبرة رزينة:

- علشانك إنت مش علشاني دي حاجة بينك وبين ربنا مينفعش تربطها بحاجة أو بشخص لازم تبقى نابعة عن حب علشان تفضل معمرة في قلبك حتى لو محصلش نصيب بيننا.

_ يعني أيه ضيعتي الواد مش فاهم، إزاي مخدتيش بالك منه.

خرجت من مراد الذي يضع الهاتف فوق أذنه بنبرة صارخة بينما يرتسم الهلع بمقلتيه، وتقف خالتي جانبه تنظر له بلهفة وتضع يديها فوق موضع قلبها، ركضت ناحيتهم بجزع بركبتين ترتعش من الخوف بسبب ما آل إليه حدسي والذي علمت بصدقه عندما وصلت:  " فريد" ابن ماهر مفقود.

__________________________𓂀

- يا فـريـد.

هتفت بها بملأ حنجرتي للمرة التي لا أعلم عددها أثناء ركضي فوق الأرض الأسفلتيه بدون هُدى في الطرقات، أشعر بوخز مؤلم في قلبي وكأن سن ديناصور انغرزت به من فرط الركض، لكنني لن أتوقف، أتنفس بعنف وصدري يعلو ويهبط وأنا أبعثر نظراتي في الطرقات في أمل داخلي أن أجده بينما تصدح صوت طرقات حذائي الرياضي بين صمت الليل المطبق، توقفت لدقيقة التقط أنفاسي بقوة فملأ صدري هواء بارد كالثلج أشعرني بوقوع كرة ساخنة من اللهب بمنتصف مكعب ثلج لكن بطريقة عكسية حيث داخلي ساخن من الركض.

صدح صوت صفارة مراد التي تدوي بشكل مستمر بالقرب مني أثناء ركضه في الطرقات بجنون، عيون دامعة وقلب يوشك على التوقف من فرط الخوف، فقد تفرقنا لنبحث بشكل أدق في المنطقة حيث أن فريد نزل ليلعب مع أحد أصدقائه في الحديقة أسفل المنزل وقد قالت خلود إنها شاهدته يلعب الكرة قبل أن تدخل لتغير ملابس أخته بعدما سكبت اللبن على حالها ولم تتأخر سوى عشرة دقائق فقط، إذًا من المرجح أنه خرج من المنزل لشراء شيء.

يا الله يا ذا الجلال والإكرام رده إلينا، اللهم إني استودعتك أيها فأعده إلينا سالمًا وأربط على قلبه حتى لا يخاف، اللهم اجعله في معيتك واكفيه شر الأنس والجان.

- مش لاقيه يا ماليكا.

هتف بها مراد بنبرة متهدجة مبحوحة من أثر النفخ داخل الصفارة التي تربطه بفريد حيث أن فريد لا يهبط من المنزل إلا وهو يضع صافرة بجيبه تحسبًا لأي شيء قد يطرأ ويضيع في الطريق ولا يستطيع العودة للمنزل، فقد ابتكر مراد هذه الطريقة حتى يصفر فريد ويرد عليه مراد ليجد مكانه بسرعة، لكن الآن لا يستطيع، فريد ليس ضائعًا.

خطوت في طرقات مغفر الشرطة بقلب متلهف ثم دلفت مكتب الضابط راشد بدون استئذان بينما ركض خلفي العسكري الجديد، رفع راشد نظراته المثبتة بالصور المنثورة فوق المكتب حيث ظهر إنها خاصة بقضية قتل بسبب الدماء الحمراء البارزة من الصور، رفع راشد يده للعسكري حتى يتوقف ثم لملم الصور البشعة بسرعة من فوق المكتب.

- هات السلاح بسرعة أحطه في الشنطة منغير ما حد ياخد باله، بدل ما حد يعرف إنك مجرم وبتشتغل في المافيا، إنت عليك سوابق؟ وشك معروف في الداخلية؟

خرجت هذه الجملة من شفا بنبرة خفيضة جدية إلى بكر الذي يقف بجانبها فظهرت الدهشة على ملامحة ورمش ببلاهة عدّة مرات ليسوعب وعاء البلاهة الذي يقف بجانبه، بعثرت نظراتي على هيئة بكر الذي يرتدي بنطال أسود سترة بنفس اللون ويظهر قميص أبيض من أسفل السترة، ويرتدي حذاء رياضي أبيض اللون وجوارب بيضاء طويلة تظهر من فوق البنطال بينما يضع سماعات إذن حول رقبته، ويغطي جزءً منها شعره الطويل نسبيًا بتموجات لامعة، إنه يبدو جذاب وراقي، بحق الله ما الذي تقولينه!

تبًا، هي من ستكون السبب في حبسه وفضيحتنا حيث إن هناك ضابطين آخرين بالغرفة غير راشد، حمدًا لله أن مراد ذهنه مشتت ولم يركز سوى في الحديث مع الضابط "منذر الجندي" أثناء قص عليه ما يحدث.

- أنا حاسة إني شوفت الوش ده في مكان.

قالتها شفا بنبرة متحيرة وهي تشير بإصبع سبابتها ناحية راشد الذي رفع نظره لتتقابل مع أخيه بكر لثانية وعاد لما يفعله من جديد وكأنه يخبره أن يطلق النيران على رأسها بالإشارة، فسحبتها من يدها وخرجنا من المكتب لأنضم لعامر وخالتي التي تبكي وهي تحتضن خلود المنهارة كليًا.

خرجت من القسم وأنا أخرج هاتفي من جيبي بينما تحرك عامر خلفي على الفور لكنني لم أبالي به وقررت فعل أول شيء خطر على بالي عندما فقدنا الأمل في وجود فريد، بحثت عن اسم "الوغد المدبلج" ثم هاتفته.

- مرحبًا ماليكا، هل أنتِ بخير؟.

- فر.. فريد اتخطف.

قلتها بنبرة مرتعشة خرجت من فم مرتجف مثل كل شيء داخلي وخارجي قبل أن انفجر في البكاء بعنف بنحيب عالٍ، لقد وصلت للحد الأقصى لتحملي عندما خرجت تلك الكلمة من فمي وعندما وصلت صوته إلى أذني، فريد هذا ابني، أول من حمله عندما وُلد، الأفكار تفتك برأسي حتى تضخم صوتها إلى زئير انثى وحش أسطوري لم تجد بيضة ابنها داخل العش.

- هيه ماليكا لا تبكي، فريد سيعود لكِ أقسم، لقد علمت مكانه بالفعل.

- بجد؟

نطقت بها بلهفة وأنا أنظر أمامي تجاه الأضواء الملتمعة حيث لا أرى أي شيء من خلال دموعي بعدما سحبني ليونار من بئر غيابة الجب المظلم الذي أُلقيت داخله، فقال ليونار بنبرة رخيمة من جديد شعرت بأنها دروع قوية توضع أمام قلبي لتحميه من الخناجر الهادرة:

- والله، لقد اخترق "بكر" الكاميرات وعلم بالخاطفين، نحن نفكر أسرع في تلك الأمور، من فضلك ماليكا توقفي عن البكاء وامسحي تلك العبرات البغيضة لا يمكنني التركيز.

هتف بآخر كلمة وهو يمد يده بالمحارم حتى صارت أمام وجهي مباشرة، انتفض جسدي برعب وعدت خطوات للخلف مع توسع مقلتاي بشدة حتى كادت تخرج عن محجريهما من أثر المفاجأة وأنا أخرج صوت شهقة من فمي لقد ظننت أنني أحدثه من خلال الهاتف، لم أشعر به وهو واقف بجانبي حيث بدا وكأنه هبط من السماء!

- هل أنتِ بخير الآن؟ أرغب في الانضمام إلى أخوتي، لقد علمت بمكانه.

قالها ليونار بنبرة هادئة بعدما مسحت دموعي واستعادت ثباتي من جديد بعدما اطمئن قلبي قليلًا فحركت رأسي بالموافقة، لقد أصبحت بخير الآن، أنا أثق بأنه سوف يعيده.

____________________ 𓂀
بعد ساعة

توقف سيارة ليونار السوداء في منطقة نائية على بعد قليل من مخزن قديم لمصنع ملابس، بعثر ليونار نظراته على المكان المخيف المظلم وصوت الرياح الصافرة العالية حيث يظهر لي إننا بقصر يطبق الضباب الكثيف عليه بعدما لعنته ساحرة، زفر ليونار بضيق عاليًا وهو ينظر لي من خلال المرآة بتهكم بسبب إصراري على الذهاب معه وبعثت برسالة فقط لخالتي بشأن معرفة ليونار لمكان فريد.

- شايفة المكان عامل إزاي؟! اقعدي في الدواسة لحد ما نخلص يلا.

- بقولك إيه متعليش صوتك عليا علشان الحاجة الوحيدة اللي مخلياني ماسكة نفسي ومخبطش دماغك في الدركسيون إنك رايح تجيب فريد.

قلتها بنبرة عالية صارخة في وجهه بسبب الغضب الذي تدفق داخلي من العدم تعقيبًا على حديثه الذي خرج بنبرة متهكمة عالية نسبيًا وهو يرمقني بسخط ويعقد حاجبيه بشدة بسبب عنادي، فنظر لي ليونار بعينان متوسعتان قبل أن يقول بحدة:

- ويحك يا امرأة!

- استهدوا بالله يا جماعة ده شيطان ودخل بينكم.

قالها فارس الذي يجلس في الأريكة الخلفية بعدما انضم لنا عقب وصولنا بنبرة مازحة حتى يخفف من وطأ الشحنة الكهربائية الدائرة بيننا، لا أعلم لماذا أنا غاضبة هكذا؟
لا أحب أحد أن يصرخ في وجهي، لكنه بالفعل يشعر بالخوف فالمكان مخيف، وهو ذاهب للإشتباك، ربما غاضبة بسبب ذلك الأهوج عامر.

- روّح يا عامر مش محتاجينك.

قالها ليونار بنبرة حادة وهو يضع كفه فوق كتف عامر الذي كان يقف بجانبي طوال الوقت عندما فقدت السيطرة على حالي وسمع الحديث كله وكان يهم بالمجيء معنا لننقذ فريد لكن ليونار منعه من ذلك بقوله، فارتجف جسد عامر وكأن كف ليونار كان كوب ماء مغلي انسكب فوقه ثم حرك رأسه بالموافقة وذهب ببساطة وتركني، لقد تركني!

تركني أذهب بمفردي مع رجل عصابات لمكان خطير خاص بتجار الأعضاء لاستعادة ابن أخي المخطوف! بهذه البساطة!

_ تقريبًا ثلاثين راجل مسلّح، يلا.

قالها نيلان بنبرة باردة لامبالية وكأنه يخبرنا بعدد الأجوال التي دخلت في شبكة الفرقة التي نشجعها بعدما انحنى للأسفل ناحية شرفة ليونار حيث ذهب لمعاينة المكان أولًا قبل التدخل والهجوم، حرك ليونار رأسه بالموافقة وأخرج سلاحه من ملابسه ووضعه أمامي قبل أن ينزل بهدوء ولحق به فارس، أخرج كل واحد منهم أسلحه من صندوق السيارة، ثم عاد ليونار من جديد يقف خارج الشرفة من ناحيتي وانحنى حتى تتسنى له رؤيتي ثم القى بمسدس آخر غير قاتل خاص بإغماء الضحية فوق قدمي.

- ربما هذه المرة الأخيرة التي ستري وجهي فيها لذا، سُحقًا لـكِ قاسية الفؤاد، وسحقًا لليكاتا وسحقًا لقلبي الذي يخفق لها، للجحيم أنتِ ولنساء العائلة.

هتف بها بنبرة ساخطة قبل أن يركض من أمامي بسرعة ناحية السور وتبعه نيلان وفارس، تسلق الثلاثة حتى اختفوا من أمام عيناي، حل الصمت لدقيقة تسلل الخوف لقلبي من جديد وأنا أتخيل ما يحدث بالداخل بالتأكيد يتسلل الثلاثة بحرص شديد، ينقض ليونار على رجل من الخلف وهو يغلق على رقبته بذراعه وباليد الأخرى يكتم أنفاسه حتى يفقد الوعي ثم يتجه للآخر.

صدح فجأة صوت دوى إطلاق النيران بكثافة فعلمت أن الأمر تطور من مجرد تسلل خافت إلى حرب كاملة بعدما شاهدهم أحد الرجال، شعرت أنني أشاهد فيلم أجنبي عن الحروب لكن الفرق أن هذا بجودة عالية وحقيقي لدرجة مرجفة، بعد دقائق حلّ الصمت من جديد إلا من صوت صرير الرياح الذي يشبه عزفي على "الربابة" التي كنت ابتاعها من الرجل المار الذي يعزف بها بشكل جميل في كل مرة وأنسى أنني لا يمكنني العزف مثله وأظن إن الذي بين يدي هي قطعة فاسدة.

ماذا حدث؟ هل هم بخير؟
هل تأذى ليونار؟
تبًا، لقد قال ثلاثين رجلًا، ثلاثين أمام ثلاثة رجال!!
يا الله احميهم واعدهم إليَّ سالمين جميعًا.

التقطُت المسدس الخاص بليونار من أمامي وهبطت من السيارة، خلعت الجاكيت الثقيل المنفوخ والمصنوع من القطن حتى لا يعطلني، علقت سلاح ليونار ببنطالي كما أشاهد في الأفلام، فارتعش جسدي من برودته حيث انبعت حرارة من خلال القميص الصوفي من الأسفل لجسدي، أمسكت السلاح الآخر الخاص بالإغماء بكلتا كفاي ومددت يدي به للأمام استعدادًا لإطلاق النيران في أي وقت، شعرت باحتراق طفيف بوجنتي بسبب برودة الجو التي ضربت جسدي في تلك المنطقة المنعزلة.

أتجهت ناحية البوابة بخطوات بطيئة، سندت ظهري على الحائط جانب البوابة فشعرت وكأن رجل ثلج فضمني من الخلف، حبست أنفاسي ترقبًا، سمعت صوت دقات قلبي بوضوح في سكون الليل، مددت رأسي لأنظر للداخل فشاهدت عدد من الرجال المتسطحين بالأسفل.

تحركت للداخل ببطء وأنا أنظر للأجساد المتسطحة في الأرض بترقب، الدماء تملأ أجسادهم لكن من مناطق غير قاتلة، مثل القدم والكتف لكن جميعهم فاقدين للوعي، اكملت طريقي وأنا أبعثر نظراتي من جديد بركبتين مرتجفتين وكأنني أمشي داخل حقل ألغام، أترقب انفجار في أي لحظة لكن الإنفجار هنا هو أن أجد ليونار وسط هذه الأجساد.

صدح صوت انفجار ناتج عن طلق ناري مر من جانب رأسي، فانكمش جسدي وتقلص حجمه من هول الرعب، وشعرت بأن خصلاتي تحولت للون الأبيض وأنا أنظر للجسد الذي وقع أرضًا في المنطقة المظلمة أمامي.

- ليونار هيفصل راسك ويحطها ديكور في اوضته.

هتف بها فارس الذي أطلق النيران من خلفي على الرجل الذي كان على وشك قتلي منذ ثواني بنبرة ساخرة وهو يقترب مني تزمنًا مع خروج ليونار من الداخل وهو يحمل فريد ويدفن وجهه بكتفه حتى لا يرى ما يحدث.

- يا إلهي! ماذا تظنين نفسكِ يا امرأة، هل إنتِ سُلحوفةُ نينجا أم ماذا؟!

قالها ليونار بنبرة صارخة في وجهي بعدما ارتسمت الدهشة الممتزجة بالغضب على وجهه من وجودي بالداخل وبعثر نظراته على السلاح في يدي والآخر الموضوع ببنطالي لكنني لم أهتم بالرد عليه واقتربت منه، وضعت يدي فوق عين فريد وحملته منه بلهفة حيث كان يبكِ بشدة.

- أنا ليكا حبيبتك، متخفش يا حبيبي.

قلتها بنبرة هادئة داخل أذنه وأنا أربت على ظهره برفق كي اهدأ من روعه، فتمسك بي فريد بشدة ودفن رأسه بجسدي وازدات حدة بكائه بشدة بعدما شعر بالاطمئنان وكأنه يشكِ لي بدموعه ما حل به.

صعدت للسيارة وضممت فريد لي بشدة لاخبأه بالداخل وأنا أُربت عليه بحنان ثم أخرجت هاتفي واتصلت بخالتي التي ردت على الفور وسألت بلهفة بنبرة منتحبة:

- قوليلي إنك لقتيه.

- معايا أهو بس هو بيعيط.

قلتها بنبرة متعبة ثم وضعت الهاتف على إذن فريد حتى يتواصل معه أمه لكنه لم يجيب على أحد، فأغلقت بهدوء بعدما طمئنتهم عليه بينما أتمتم بالحمد لله داخلي بشكل مستمر، صعد ليونار لمقعد السائق بعدما انتهى مما يفعله بالداخل ثم أخرج من جيبه بالونة باللون الأزرق وقام بنفخها حتى تضاعف حجمها ثم مد يده بها لفريد حيث سرق انتبهاهه بالفعل، مد فريد يده المرتعشة التقطها منه بهدوء بينما مد ليونار كفه وبعثر خصلات فريد البنية بمرح وهو يغني.

أَنَّ أَنَّ أَنَّ  إِنَّ إِنَّ إِنَّ
أَنَّ أَنَّ أَنَّ  إِنَّ إِنَّ إِنَّ
وَالشَّمْسُ البُرْتُقَالِي  نَزَعْتُ يَوْمًا سِنَّةْ
وَالشَّمْسُ البُرْتُقَالِي  نَزَعْتُ يَوْمًا سِنَّةْ

نظر لي ليونار نظرة من طرف عينه بعدما توقف فالتقطها على الفور أكملت الأغنية أنا بعدما ضخمت صوتي المتحشرج بتمثيل مع كلمات الأغنية بعدما سرقنا ابتسامته:

كُنْتُ قَدِيمًا فَتِيَا  ذُو عَضَلاتٍ قَوِيَّةْ
أَمْشِي وأَهُزُّ الأَرْضَ  لِي أَسْنَاٌن عَاجِيَّةْ

وفِي يَوْمٍ مَطِيرِ  نَزَلْتُ مِنْ سَرِيرِي
حَتَّى أَلْهُو ولَكِنْ  تَعَثَّرْتُ بِسَيْرِي
أَسْقَطْتُ هُنَالِكَ سِنَّا.

أنَّ أَنَّ أَنَّ  إِنَّ إِنَّ إِنَّ
أَنَّ أَنَّ أَنَّ  إِنَّ إِنَّ إِنَّ

هتفت بها وليونار مع بعض بعدما ضحك فريد بخفة على طريقتي في الغناء فتحرك ليونار بالسيارة بعدما خرج فارس ونيلان من الداخل تزمنًا مع صدوح صوت سيارات الشرطة التي يقطن راشد في إحداها بالأتفاق مع أخيه ثم عاد للغناء من جديد.

وصلت أسفل بنايتي حيث كان يجلس الجميع أسفل العمارة ينتظرونني فعندما ذهبت لمركز الشرطة لم تكن الفتيات عادت للمنزل بعد وأنا لم اتصل بهن، ركضت خلود عندما وقع بصرها على فريد، أستلته من بين ذراعيَّ وضمته لها وهي تبكي بعنف تزامنًا مع تقبيلها له عدّة مرات في أماكن متفرقة، ولحقته باقي العائلة.

- وداعًا سُلحوفة.

قالها ليونار من خلفي بنبرة رخيمة فالتفت له بابتسامة هادئة ثم شكرته بصوت خشن مبحوح بامتنان حيث إن أحبالي الصوتية رفعت رأية السلام البيضاء معلنة تورم حلقي من أثر الصراخ والبكاء، لكن لا بأس، أعطيه صوتي بأكمله إذا كان سيعيده هذا الشيء.

- سحقًا لكِ يا امرأة، لقد خربت وجهي الجميل قبل عُرس أخي وكل ما حصلت عليه هو ابتسامة الموناليزا البغيضة خاصتك، للجحيم إنتِ ونساء العائلة.

- عايزني أعملك أيه اشيلك فوق كتفي وأجري بيك؟!

قلتها بنبرة متهكمة على الرغم من اختناق الحروف وأنا أرفع حاجبي له بسخرية تعقيبًا على حديثه الذي خرج بنبرة هازلة تمتزج بالضيق وهو يشير ناحية وجهه حيث هناك بقعة حمراء أسفل عينه ناتجة عن شجار باليد.

- اطبخي لي طعام من يديك، الفـريـدو، ريـزوتـو.

- ريزوتو! ومالو مش عيب.

قلتها بنبرة ساخرة تعقيبًا على حديثه الذي خرج بنبرة حالمة وهو يحرك يديه بدرامية مع ظهور شعاع من الشغف بمقلتيه، لو كنت أريد الأنتقام منه سأطبخ لك ليس لشكرك أيها الوغد المدبلج، ربما عليَّ الطبخ له بالفعل بسبب عدد المرات الآتي حرق بها دمائي.

- شكرًا يا أستاذ ليونار مش عارف أشكرك إزاي والله.

قالها مراد بنبرة ممتنة صادقة وهو يمد يده إلى ليونار بالمصافحة بعدما اطمئن على فريد، ابتسم ليونار بهدوء قبل أن يعانق كف مراد برفق ثم هتف بنبرة هادئة يرفع عنه الحرج:

- مفيش حد بيشكر عم على حاجة عملها لابن أخوه، بما إن ماما أمي يبقى فريد ابني أنا كمان.

بينما اقتربت خالتي منهما وهي تنظر إلى ليونار بعينان دامعتان قبل أن تدعو له وهي تبتسم باتساع.
_________________________𓂀

في اليوم التالي.

نظرت لحالي في المرآة حيث أرتدي بنطال رياضي وسترة كعادتي ومن فوقها المعطف الثقيل المنقوش بجلد النمر بينما تختفي معالم وجهي أسفل قناع بني اللون خاص بالبشرة صنعته من البن واللبن والعسل حتى ينير بشرتي غدًا، كما أضع طوق بلاستيكي سميك باللون الأحمر فوق شعري لأرفع غرتي.

- إنتِ هتنزلي كدا بجد؟ لو بتطفشيه مش هتعمليها!

قالتها شفا بنبرة ساخرة بعدما نهضت من فوق الأريكة ونظرت لحالي في المرآة بعدما هتفت بوجود عامر بالأسفل، فرفعت كفي بلامبالاة قبل أن أهبط للأسفل، فهو سيراني بعد الزواج هكذا على كل حاله، هل يجب أن أكون جميلة طوال الوقت؟!

لم أجيب على اتصالاته منذ الأمس فقد هاتفني عدد مرات لا حصر لها حتى ضبطت هاتفي على وضع الطيران، ومنذ دقيقتين بعث لي رسالة أخيرة على تطبيق "واتساب" محتواها:

- أنا تحت، انزلي خمس دقايق بس.

صعدت لسيارته بعدما وصلت وفتح لي الباب جانبي للسائق من الداخل ثم أغلقت الباب بعنف كعادتي، شعرت برغبة في الضحك عندما تذكرت سيارة ليونار التي كسرت الباب الخاص بها من قبل لكنني أمسكت حالي بسرعة لكن لم أستطع الثبات من جديد عندما نظرت له ووجدته يرمقني بملامح مرتعبة من هيئتي.

- ممكن أعرف فيه إيه؟ أنا مش فاهم مالك؟

- بجد! مش فاهم مالي؟ إنت إزاي تسيبني معاه عادي كدا؟

قلتها بنبرة صارخة وأنا أرفع حاجبي بتهكم من حديثه الذي خرج بنبرة هادئة وهو ينظر لي بدون فهم من خلال عيونه المتعبة حيث بدا وكأنه لم يتذق النوم منذ الأمس بعدما استعاد ثباته من وقع هيئتي الفاتنة.

- علفكرة أنا اللي المفروض أسال، خطيبتي علاقتها إيه بيه؟ واحد جه الخطوبة فجأة وإنتِ روحتي كلمتيه علطول منغير حتى ما تاخدي رأيي في الموضوع وكأني هواء يا ماليكا مستنتيش حتى تعرفي أنا هقدر أجيبه ولا لا؟ وبالمناسبة كنت هقدر، ممكن أعرف هو إيه بالنسبالك؟

- مديري، هيكون أيه يعني.

قلتها بنبرة خافتة بعدما تصاعدت ضربات قلبي تباعًا وانخفضت حرارة جسدي فجأة تعقيبًا على حديث عامر الذي خرج بنبرة رزينة وليست عالية على الرغم من حدة الكلمات مما جعلني احترامه داخلي، حسنًا، إذا فكرتُ بالأمر من جهته فهو على حق!

ليونار يتعامل معي وكأنه واحد من عائلتي بالفعل، أي رجل شرقي سيغضب من ذلك، لكن هذا ليس مبرر لفعلته، إنه جبانًا، لقد رأيت الخوف منه بمقلتيه.

- مين حرقك يا عامر؟

قلتها بنبرة جامدة وأنا أنظر للحرق الظاهر فوق ظهر كفه الأيمن، فتحركت المنطقة بمنتصف حلقه لتدل عن ابتلاع الغصة داخل حلقه الذي تحول إلى صبار، ثم مسح وجهه بكفه قبل أن يقول بنبرة مرتعشة:

- كنت عارف إن اليوم ده كدا كدا جي، هقولك الحقيقة أنا أحسن.

أغمض عامر عينه بألم ثم بلل شفته الجافة قبل إن يبدأ بقص عليَّ حقيقته؛ كان عامر بسن الخامسة عندما تم القبض على أمه في قضية سرقة حيث إنها كانت لصه تسرق النساء في الأسوق ثم تم إداع عامر في أحد دور الرعاية لعدم وجود أفراد من عائلته آخرين حيث لا يعلم أين أبيه، وبعد عام توفيت أمه بين جدران زنزانتها بعدما قتلتها واحدة من أعدائها بالداخل وبقى عامر بالدار الرعاية الذي لا يعلم شيء عن الرعاية.

فقد كان يُعامل مثل الحيوانات التي لا يرحمها البشر وكأنه حصان يجر عربة خشبية قديمة وتتعثر خطواته بسبب ثقل الحمولة لكن رب العمل لم يرحمه من لسعات سوطه حتى يسرع من حركته.

وفي أحد الأيام عندما كان بسن السادسة عشر هرب من الدار كعادته وخرج يبحث عن طعام يسرقه حتى يسد صرخات معدته التي تؤلمه بسبب قلة الطعام الذي يحصل عليه من قِبل عامين الدار بعدما يتم إبراحه ضربًا منهم، وقف في زاوية في بداية تقاطع شارعين بمنتصف السوق الشعبي يراقب عامل المخبز حتى يدلف للداخل ويسرق رغيف خبز كعادته، وبينما هو واقف يعض شفتيه من الجوع وصل لأنفه رائحة شواء خارجة من المطعم بجانبه، أثارته بشدة وبدأ عقله يلعب به ليحيد عن هدفه الأساسي ويفكر في طريقة لسرقة أي شيء من المطعم.

توقفت امرأة أمامه تنحني للأسفل لتملأ حقيبة بلاستيكية بالخضار الموضوع داخل أوعية مصنوعة من الخوص بالأرض أمام البائعة الجالسة بالأسفل ثم فرقعت حقيبة يدها المفتوحة بألوان عديدة أمام عيون عامر المراهق الذي لعب الشيطان برأسه وتحكم به حتى اقترب من المرأة ودس يده برفق داخل حقيبتها ليسرقها حتى يشتري الطعام.

- حـرامـي، الحقوني، حـرامـي.

صرخت بها المرأة بعدما أمسكت عامر وهو يخرج يده من حقيبتها بعدما حصل على مبتغاه وفي غصون خمس ثواني صار جسد عامر وسيلة لتنفيس جميع من بالسوق عن غضبهم، حتى أُصيب جسده بتلبد من أثر الضرب فلم يعد يشعر بالألم ثم سحبوه كالذبيحة إلى قسم الشرطة.

- لو بتحب ربنا يا باشا بلاش تحبسني، والله ما هعمل كدا تاني ومش ههرب من الدار تاني، مش عايز أموت جوه زي أمي.

قالها عامر بنبرة باكية إلى الضابط يتوسلة كي يتركه يعود للدار من جديد وهو يحرك رأسه بالنفي عدة مرات ليؤكد على عدم عودته للسرقة من جديد، فتنهد الضابط بعمق ثم أحاط كتفه بذراعه وهو يهتف بنبرة هادئة:

- متقلقش يا عامر أنا ظابط طيب، قولي حصل معاك إيه بالتفصيل؟

حرك عامر رأسه بالموافقة ثم سرد عليه بتوتر ما حدث معه في السوق وعندما انتهى عامر من سرد قصته نظر إلى الضابط بعيون مغلفة من الدموع وهو يهتف بنبرة منكسرة:

- هتحبسني صح؟

- لا، هاخدك تعيش معايا، إيه رأيك؟ ومش عايش لوحدي علشان متقلقش، إحنا بيت عيلة كبير.

قالها الضابط بنبرة هادئة وهو ينظر له نظرة مطمئنة فصمت عامر لبرهة يقارن الجحيم الذي عاش به طوال حياته بالمستقبل الذي لا يعلم هل سيكون باب النجاة أم فك حيوان مفترس يفتح فمه على مصرعيه ليوهم الجميع إنه كهف فارغ يمكن أن يحميهم بالداخل حتى يطبق أسنانه فوقهم بعدما يدلفوا للداخل بعد ظنهم إنه ملاذهم الآمن الذي سيقيهم الحيوانات المفترسة.

- إزيك يا عامر، أنا صالح المالكي أب الكل هنا وأبوك إنت كمان.

قالها صالح بنبرة مرحبة وهو يبتسم لعامر ببشاشة بعدما عاد به الضابط الذي يكون من المامبا وشرح لأبيه الموقف برمته، اقترب صالح من عامر بعد جملته وضمه برفق، فارتجف جسد عامر من المفاجأة قبل أن يترك حاله يشعر بالحنان والعناق لأول مرة في حياته، هل هذا ما يعنيه العناق؟!

علم عامر كل شيء عن المملكة بعدما وعن المامبا وعن دوره في المستقبل عندما يكبر قليلًا حيث سيعمل ضمن رجال هارون المُهيري لأنه قائد وليس الملك لذا يعمل تحت يديه رجال آخرين منغير المامبا، حاول عامر الإنخراط مع الجميع لكنهم جميعًا رفضوه، لم يستطع التعامل مع المامبا لإنهم لم يسمحوا له بذلك، فقد كانوا ينظروا له وكأنه أقل شأنًا منهم، كما إنهم منغلقين ويحفظوا أسرارهم بين أخوتهم المقربين فقط.

لكنه حاول التعايش مع الأمر على الرغم من الشجارات الكثيرة التي تحدث بينه وبين المامبا التي تنتهي بتورم جسده لأن المامبا لا تعلم شيء عن اللسان بل تتعامل بالذراع وهم جميعًا أقوى منه، لكنه كان يربت على حاله بتذكير حاله بالفراش الدافئ والطعام الساخن الذي صار يملكه وكذلك حضن صالح المالكي الذي أحبه أكثر من أي شخص بالعالم.

وفي أحد الأيام بعد أعوام دلف عليه هارون المُهيري الذي كان وجهه محمر من الغضب الشديد ونظر له بشر وكأنه ينظر إلى قاتل أمه قبل أن يهجم عليه كديناصور هائج ويبدأ في إبراحه ضربًا، لم يفهم عامر لماذا فعل ذلك أو ماذا فعل؟

دلف صالح وحاول الدفاع عنه قبل أن يقتله هارون بين يديه لكن الأخير لم تهدأ النيران داخله ثم سحبه من بين ذراعي صالح وهبط به للمطبخ، أمسك يده ووضعها فوق عين الموقد المشتعل، صرخ عامر بملأ حنجرته، كل شيء صرخ به لكن الأخير لم يعبأ بصرخاته ثم تركه بعنف فوق أرض المطبخ العارية وبصق في وجهه.

عندما عالجه صالح علم من خلال الحديث المؤنب له إن أحدًا ما فعل شيء قذر لفريدة حيث كانت تعمل بالقصر قبل أن يتزوجها، لم ترى من الفاعل وبما إنه الغريب الوحيد بالمنزل ظن إنه عامر بالتأكيد لن يصدق أن أحد أبنائه من فعل ذلك لكن عامر علم بعد ذلك إنه واحد يُدعى "نيمو" بمساعدة "تركي" لكنه لم يخبر أحد لأن أحدًا لم يصدقه حتى إذا أقسم على كتاب الله.

وبعد أسبوع تم نقله للعمل رفقة الحاوي وترك المنزل ومن وقتها لا يتعامل مع أحد ويركز فقط على إدارة المصنع كما إنه بحث بجد عن موضوع نسبه وعائلته حتى وجد عمة طيبة تقطن في أحد محافظات الصعيد، وقد ذهب لها واستقبلته بكل حب، نسى عامر حياته السابقة وأحب كونه مدير مصنع ذا شأن كما إنه بعيد نسبيًا عن مستنقع الحقارة الغارقين به.

- أنت ليه محكتليش كل ده؟ كنت هتعمل إيه لما أسألك عن عيلتك بعد الجواز وأكتشف إنها عمتك مش مامتك؟

- خفت، خفت يا ماليكا، مين هتقبل بواحد أمه ماتت في السجن ويتيم وكان بيسرق أكل علشان يسد جوعه وكل الدنيا جت عليه؟ كان نفسي آجي أحكيلك وأعيط، أقولك متسبنيش زي ما الدنيا كلها سابتني، بس عارف إن مفيش واحدة هتقبل بيّا على حقيقتي.

قالها بنبرة متهدجة والدموع تلمع بمقلتيه تعقيبًا على حديثي الذي خرج بنبرة حادة غير مصدقة بعدما استوعب عقلي ما وصل لمسمعي منه أثناء قصه عليَّ حقيقة الأمر، كل ما اخبرني به كان كذبة؟!

- أنا آسف يا ماليكا إني لغبطلك حياتك ودخلت كدا بقذرتي، ممكن تخلي الدبلة معاكِ لأني كدا كدا مش هعمل بيها حاجة.

هتف بها بنبرة مرتعشة وهو ينظر أمامه لينهي العلاقة بيننا بهدوء ويرفع الحرج عني، فصمت لبرهة أنظر للنيل الساكن والطيور التي تطير فوقه بحرية قبل أن أقول بنبرة صادقة بعدما اتخذت قراري:

- أنا، أنا كنت هقبل يا عامر، لو كنت جيت حكيت ليا كنت هقبل، مش بحب الكدب بعد إذنك دي آخر مرة.

رفع عامر رأسه المنكثة وحرك بؤبؤاه حتى وقع على وجهي بينما ارتسم تعبير ذهول كامل على وجهه حيث بدا وكأنه ينظر إلى حيوان الماموث المنقرض، فاستطردت بنبرة رزينة:

- بعد الشتاء والرعد والأعاصير بيجي الربيع وتفتيح الورود فربنا يقدرني أكون الربيع ليك، وكمان ربنا بيقول  { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا }
ربنا يقدرني كمان وأكون سكن ليك يا عامر .. إنت معزوم على الغداء بعد بكرة متتأخرش.

هتف بها بنبرة مهددة مازحة قبل أن أهبط من السيارة وأدلف لداخل البناية بينما ترتفع ضحكاته عاليًا، ولجت المصعد ثم خرجت منه عندما وصلت ودلفت شقتي، شعرت بالأرتياب عندما وجدت جميع الفتيات يتكدسن أمام التلفاز الموصول بالأنترنت والرعب يرتسم على وجههن.

نظرت للشاشة حيث ظهر رجل مرعب يرتدي قماشة فوق وجهه تظهر كقناع باللون الأبيض بدون فتحات للعيون فيظهر وكأنه مسخ دون عينان وفم مخيف بشفتين سوداوين اللون، يرتدي عباءة سوداء ويضعها فوق رأسه بينما يمسك بين يديه قناع خشبي مرسوم عليه فتحات عينان وأنف باللون الأسود ويظهر على ذراعه خيوط حمراء وكأنها دماء، ظننت في بادئ الأمر إنه فيلم مخيف حتى أخبرتني غزل بما يحدث.

إنه سفاح يتحدى طبيب الطاعون في لعبة مختلة أمام أنظار الجميع ببث مباشر!

- مرحبًا بالجميع، أنا الفيروس الحديث الذي تفشى بين الجميع، أنا الشر الكامن في نفوس البشر أجمع، أنا الجحيم.

قالها الرجل بصوت خشن ضخم مخيف بنبرة باردة ثم أنفلج وجهه عن ابتسامة واسعة مرهبة للقلوب أظهرت أسنانه السوداء ثم تحولت لضحكة خاطفة للأنفاس قبل إن تظهر صورة كريم الذي يرتدي قناع طبيب الطاعون ويجلس بغرفته ويمسك بيديه "مكعب روبيك"، بعدما طلب منه ذلك منذ ساعتين قبل إن يبدأ البث.

- مرحبًا بالطبيب، حرك قطع المكعبات حتى أخبرك متى تتوقف.

حرك كريم رأسه بالموافقة ثم بدأ بمزج الألوان المكعبات ببعض لمدة دقيقتين تقريبًا حتى أوقفه الرجل المخيف قبل أن يختفي من الشاشة ويظهر بدلًا منه بث آخر يظهر به رجل معلق من يديه بحبال على طرف سفينة وجسده يدلى من الأسفل بمنتصف المحيط خارج البلاد بينما تظهر عدد من القروش أسفل السفينة حيث يتم إلقاء قطع من اللحم النيء التي تطير في الهواء وتستقر بالمياه باستمرار حتى تظل القروش بالمكان.

- إنه الدكتور "جاسر العمري" عالم صالح، قام بصنع دواء لمرض السرطان نسبة الشفاء به عالية .. لديك خمسة دقائق حتى تحل المكعب وإلا قتلته.

هتف بها الرجل بنبرته الغليظة ليبدأ كريم في حل لغز مكعب الروبيك بجنون بينما ترتعش يده بشكل ملحوظ، ويهتز جسده ليدل عن تحرك قدمه كذلك، يمكنني سماع دقات قلبه من مكاني هنا.

- مرت ثلاث دقائق.

هتف بها الرجل بصوت ظهر به المرح بينما زاد ارتعاش أصابع كريم الذي يوشك على الموت بسكتة قلبية بينما حبسنا نحن أنفاسنا برعب ونحن ننظر للمؤقت الأحمر الظاهر فوق الرجل على الشاشة الذي بنخفض كل ثانية، دلف رائف علينا فجأة ثم حمل نجمة التي ترتجف من بيننا ثم هبط بها تزامنًا مع ظهور يد التقطت المكعب من كف كريم بغتة وبدأ في حلها هو، ظهر جزء من وشم أنوبيس على مرفقه حيث يرفع الأكمام إلى منتصف ساعديه، فعلمت إنه ليونار.

- خمسون ثانية.

هتف بها الرجل من جديد ثم صدحت ضحكته المخيفة بينما ركز ليونار التي تتحرك يده بسرعة ورشاقة فوق المربع وكأنه معتاد على ذلك حتى بدأت الألوان تتجانس من جديد ثم اصطفت بتناغم جانب بعضها البعض ليتم حل اللغز بسلاسة.

أطلقنا صيحة عالية فرحة حيث توقف الوقت على عشرة ثواني قبل انتهاء المؤقت لكن فرحتنا تجمدت وتلاشت بلا عودة عندما قال الرجل بمرح:

- لقد طلبت حل المكعب من الطبيب، حظ سعيد المرة القادمة.

ظهر سهم مشتعل طار من مكان خلف الكاميرا المثبتة على الطبيب، اخترق الحبل المعلق به وامتزجت به النيران حتى اشتعل ببطء، نظر الطبيب للأعلى يتابع حل الخيط بلحظة مهيبة قبل إن ينقطع ويسقط الطبيب بعنف داخل المياه الزرقاء التي تحولت للون الأحمر بعدما مزقت القروش جسده بين أنيابها وطافت أطراف الرجل الذين يتشاجروا عليها القروش أمام عيوننا.

.. يتبع.

★ متنسوش التصويت (vote) 

________________________

_ لا تنسوا الدعاء لأخوتنا بغزة في جميع صلواتكم، رفع الله عنهم ونصرهم.
للتذكير: سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، نِعمَ الزادُ هذا يا رب.

Continue Reading

You'll Also Like

73.9K 6K 36
U+Z ဒီနေ့မင်းလွင် + ဒီယောရာဇာဓိရာဇ်
2.7M 117K 48
*** Ansel Adams, or Ance as those he knows tend to call him, is a bad man though he didn't consider that to be his fault. His father had been a bad m...
268K 10.4K 30
Just a Drarry fanfiction! Completed 30/07/17. TRIGGER WARNING: Suicide, Parental Verbal Abuse. None of these characters or places are mine but the st...