أنوبيس

By HabibaMahmoud25

98.7K 5K 4.6K

مرحبًا بكم في المملكة لا لا، يجب أن أحذرك أولًا من يدخل المملكة لا يخرج حيًا. يمكنك المغادرة الآن.. سأترك لك... More

تنويه
قوانين التنظيم (المملكة)
الشخصيات
الفصل الأول: المامبا الحامي لي
الفصل الثاني: نساء عائلة المُهيري.
الفصل الثالث: لماذا مُراد؟
الفصل الرابع: إلى اللقاء أمي.
الفصل الخامس: قصر الأشباح.
الفصل السادس: ثم لم يبقى أحد.
الفصل السابع: لا تترُكيني.
وشم المامبا +إعتذار
الفصل الثامن: وضع الغيرة
الفصل التاسع: يوم رفقة الأوغاد.
الفصل العاشر: انا الخاطف.
الفصل الحادي عشر: النجمة المسلوبة.
الفصل الثاني عشر: لتمتزج صرختنا معًا.
مسابقة 🔥
الفصل الثالث عشر: طبيب الطاعون.
الفصل الرابع عشر: رقصة أخيرة
الفصل الخامس عشر: فتيل القنبلة
الفصل السادس عشر: وتر أكيليس.
السابع عشر: رقصة الألم.
الفصل الثامن عشر: الغجرية الساحرة.
الفصل التاسع عشر: لنتزوج ماليكا!
الفصل العشرون: وحوشي وقعت لكِ.
الفصل الثاني العشرون: أنا الجحيم.
الفصل الثالث والعشرون: أحتضر ماليكا.
الفصل الرابع والعشرون: ليو الصغير.
الفصل الخامس والعشرون: بُتر قلبي.
الفصل السادس والعشرون: خنجر بروتس.
الفصل السابع والعشرون: مُروضة أنوبيس!
الفصل الثامن والعشرون: مرحبًا بالغجرية.
الفصل التاسع والعشرون: الموت أم.. الموت؟
إعتذار
الفصل الثلاثون: الذئب الذي أكل يُوسف.
الواحد والثلاثون: لن تكسريني، أليس كذلك؟
الثاني والثلاثون: نعم، أحبك.

الفصل الواحد والعشرون: خطوبة أم معركة حربية؟

1.6K 121 143
By HabibaMahmoud25

قبل بداية الفصل، إلى ميرنا:

كل عام وأنتِ بخير وسعادة يا شبيهة الورد، بل حتى الورد يغار من حُسنكِ.
____________

اعتذر على تأخير الفصل اليوم ده كان عندي ظروف ومكنتش هكتب بس مرضتش أتأخر عليكم، كمان في حاجة عايزة أقولها كلمة اللعين طلعت حرام وأنا مكنتش اعرف لذا سيتم تغيرها في جميع الفصول بإذن الله. 

فصل طويل تعويضًا عن التأخير وفيه سرد أنوبيس وماليكا مع بعض يعتبر فصلين مع بعض، متنسوش التفاعل بقى🤍

____________________

وإذا رأيت حسنه وهو يبتسم
قلت ربي: اغفر لعيناي إن ثملت

_ مقتبس.

__________________________𓂀
𝕄𝕒𝕝𝕚𝕜𝕒

⟬ ماليكا ⟭

مررت من خلال بوابة القصر الملعون بواسطة سيارة ليونار التي مازلت معي حتى الآن منذ أن أخذتها منه يوم المواجهة البغيض، لقد تركوها معي أخوته من جديد عقب عودتي إلى بيتي على ضفاف النيل ولم يتسنى لي الوقت كي أعيدها إليه فقد كان رائف يقلني للعمل معه في الأيام الماضية بدلًا من ليونار، أغمضت جفوني بألم بعدما صار رأسي تنغزني وكأنها وضعت بين فكي وحش وبدأ في غرس أسنانه بها، أكره صداع التفكير الكريه، لا يمكن لشيء أن يسكن الآمه، فكلما بدأ المخ في العمل تشعر بنزيف بإنغراس الأسنان على الفور.

لم يغمض لي جفن منذ الأمس بسبب التفكير في عرض زواج عامر ونوبة الحزن الساحقة التي داهمت قلبي، كلما حاولت التواصل مع الفتاة بالداخل اجدها تبكي، تبًا.

أشعر بالنعاس الآن، أفكر في الطلوع إلى غرفة شهد والتسطح بهدوء فوق فراشها، لكن تلك الفكرة حلم لن يتحقق، ليس لأنني يجب عليَّ أن أعمل فأنا يمكنني فعل كل شيء أرغب به في تلك الشركة، لأول مرة أشعر بسعادة كوني أعمل بشركة صديقتي المقربة، مرحبًا بالواسطة والنفوذ الجميلة!

لكن الوسطة لن تكون مجزية الآن أنا لن استطيع النوم في ذلك القصر الملعون، إنه يحتوي على طاقة تشعرني بالاختناق كهالة سوداء تحيط به بالكامل.

- صباح الخير يا مرات أخويا، انزلي وأنا هركن العربية في الجراج لحد ما تخلصي.

قالها واحد من رجال المامبا بعدما انحنى بجزعه العلوي ليظهر من خلال الشرفة حتى ينظر لي أثناء جلوسي بداخل السيارة بعدما توقفت بها، فرفعت نظراتي من خلال عيوني المتوسعة فوق وجهه بعدما شعرت بدفق الغضب من داخلي ثم هتفت بنبرة صارخة في وجهه:

- أنا اسمي ماليكا، اسمي مالـيـكـا، لو حد قالي مرات أخويا تاني هقتلـــه وأبيعه لطلاب كلية الطب يشرحوه واشتري بالفلوس برتقال أوزعه على روحه.

انتفض الشاب للخلف من أثر صرخاتي ثم خطى للوراء وهو يثبت نظراتي المرعوبة بي وكأنه يشاهد فتاة نهضت من ثلاجة الموتى، مرحى ماليكا لقد أخافتي الشاب!

حسنًا، كلما سمعت تلك الكلمة عقلي يربطني تلقائيًا بالوغد المدبلج، وعلى ذكر ليونار صدحت ضحكاته من الخارج فعلمت إنه كان يشاهد ذلك العرض، ففتحت باب السيارة وهبطت منها بوجه مقتضب الملامح.

- إيه الروب ده؟!

- جميل أليس كذلك؟! لقد حققت حلمي باستدراج فتاة للمنزل وأنا أخرج لها بهذا الثوب مثل الأفلام.

قالها ليونار بنبرة سعيدة وهو ينظر إلى المعطف الخفيف ذو اللون الأحمر الداكن الذي يرتديه فوق بنطال قطني باللون الرملي وسترة ذات قلنسوة خارجة من الخلف فوق الثوب تعقيبًا على حديثي المستنكر من أثر هيئته الغريبة التي أصبحت مضحكة الآن.

- هتستدرجني بمنزل كله ستات! وإيه الشعر ده؟

- كيرلي. (مجعد)

قالها بنبرة واثقة وهو ينتفخ في وقفته كديك رومي وحيد يستعد للصياح بعد آذان الفجر وهو يضع كفيه في جيوب الثوب الذي يرتديه بشموخ بعد حديثي المستنكر بسبب شعره الملتف بطريقة غريبة وكأنه يثبته بمخفوق بيض حتى يصبح على تلك الهيئة التي توحي إليَّ وكأنها ثعابين صغيرة داخل عش بيض ثعابين فُقسوا للتو.

- كيرلي إيه، ده طبق إندومي معجن.

- واحسرتاه قاسية الفؤاد، مما صنعتي يا امرأة؟ لم يصنع قلبي من حديد ليتحمل كل تلك الضربات الساخنة الهادرة منكِ بدون توقف فوق خفقاته المشتلعة.

قالها ليونار بنبرتة التراجيديا وهو يدلف للداخل من جديد فشعرت بالتعجب للمسي حزن نبرته وكأن الحديث خرج من قلبه بالفعل، حسنًا، أعلم أن لساني سليط معه لكنني كنت أمزح، هو كذلك يمزح معي مزحات تصيبني بتجلط الدماء!

- هو إنت زعلت؟ أنا أكيد مش قصدي اتنمر عليك، أنا مش بحب التنمر.

قلتها بنبرة خافتة بعدما شعرت بالضيق وبدأ ضميري يؤنبني أثناء اللحاق به إلى داخل المنزل ثم الرواق حتى وصل إلى المطبخ، فابصرت شهد تجلس أمام الحاسوب الخاص بها حول الطاولة الخشبية فعلمت إنها تكتب فصل الرواية الألكترونية، فخطوت ناحيتها وضمتها من الخلف بقوة.

- أنا لا أحزن منك قاسية الفؤاد يمكنك قول أي شيء دون تفكير، أنا فقط حزين، أشعر أن وتد اخترق قلبي.

قالها ليونار بنبرة مرتعشة بعدما تحركت المنطقة بمنتصف عنقه لتنذر بابتلاع الغصة داخل حلقه ثم أمسك العجين الذي صنعه بالفعل وبدأ بفرده فوق السطح الرخامي أمامه، فنظرت إلى شهد التي عادت إلى روايتها من جديد بعدما القت التحية عليَّ وكأنها لا تستمع للحديث الذي خرج من ليونار، فتابعت يد ليونار ووقع بصري على خطوط حمراء لجروح تمتد للأعلى فوق مرفقه لكنني لا أراها بشكل كامل.

- ليه زعلان؟

- كيف حصلتي على تلك الندبة؟

قالها ليونار بتساؤل وهو يشير بإصبعه ناحية رأسي حيث تظهر ندبة صغيرة جانب حاجبي تكاد تكون غير مرئية حيث ظهرت له واضحة لأنني رفعت غرتي وعقدت شعري بإهمال في رابطة على شكل كعكة غير مهندمة فوق رأسي كما ارتديت بنطال وسترة رياضية واسعة ومريحة.

- اتخبط في الترابيزة وأنا صغيرة.

قلتها بنبرة هادئة ببساطة وأنا أتحسس بيدي الندبة في حركة تلقائية بعدما تجاهلت باقي الحكاية حيث أنني حصلت عليها وأنا أتشاجر مع مراد عندما كنت في السابعة، ليس شجار بالمعنى الحرفي فقد كنت أجلس فوق معدته بركبتيَّ وأكل له اللكمات وهو حاول ابعادي عنه قبل أن أكسر قفصه الصدري عن طريق دفعي بقوة فارتطمت رأسي بالطاولة الزجاجية جانبي.

حسنًا كنت طفلة شريرة ومشاغبة، لا أذكر سبب الشجار فقد كنا نتشاجر دائمًا لكنني لم أرغب في ذكر مراد أمامه، لا أعلم لماذا؟

- إنها جميلة، لديَّ واحدة تشبهها في ذقني من نيلان، وهذه من آدم بن أوركا عندما كنت في العاشرة.

قالها ليونار بنبرة رخيمة وهو ينظر لي بعيون ملتمعة ثم أكمل باقي حديثه وهو يرفع ذقنه للأعلى ليشير إلى ندبة ذقنه ثم رفع جزء من جانب شعره فظهرت ندبة صغيرة تكاد تكون غير مرئية أسفل حافة خط شعره، فوقع بصري على ندبة أخرى فوق رسخ يده تنم عن انتحار مسبق رغبت في السؤال عنها لكن غيرت رأيي وهتفت بتساؤل بعدما استرعى انتباهي بشأن آدم الذي يكون زوج غزل السابق كذلك:

- كنتوا بتتخانقوا كتير؟ إنت وآدم.

- نحن كنا نتشاجر فقط ماليكا، حسنًا بما إني أرى الفضول ينسكب من مقلتيك سوف أسرد عليكِ ما حدث لكن .. أوه ما رأيك في سماع رواية صوتية؟

قالها بتساؤل مراوغ ألهب فضولي الذي صار عبارة عن كومة قش جانب عود ثقاب مشتعل فحركت رأسي بالموافقة بسرعة ردًا على حديثه وأنا أنظر له بعيون تكاد تتحول إلى عين موقد من الحماس، فأنا متحمسة لسماع ما سيسرده فهو يساعد شهد في الكتابة وأشعر إنه يمتلك تلك الموهبة.

- حسنًا قاسية الفؤاد لكِ هذا، اطلقي العنان لخيالك وأنتِ تستمعي لصوتي.

قالها ليونار بنبرة بها بعض الحماس على الرغم من إنطفاء ضوء عيونه، فتركت شهد كذلك ما تفعله كي تسمع ما سيسرده ليونار بعيون لا تختلف عن خاصتي.

_ لم تكن علاقتي مع أبناء القادة جيدة فقد كنّا دائمي الشجار ولأن بشر بن شمس، حسنًا هو ليس بن شمس لكن الجميع ينسبه إلى شمس لأن أبيه قُتل وهو بسن الثانية عشر وشمس من أكمل تربيته.

حسنًا دعونا نعود لموضوعنا الأساسي، بشر بن شمس كان معنا بالمدرسة وكذلك آدم وهذا لأن القائد أوركا كان يتركه هنا بمصر رفقة صافي المالكي حتى يدربه رفقة ابنه "بدر المالكي" لإنه كان يرغب في الحكم ويجهزه ليصبح ملكًا بعد عمي قاسم، المهم هنا لدينا ثلاثة أوغاد أساسيين: بشر، آدم، بدر  وهم من تظل الشجارات بيننا قائمة طوال العالم الدراسي.

كانوا هؤلاء الأوغاد دائمي التنمر عليّ وكلما شاهدوا وجهي بمكان يصدروا صوت يشبه القطط، هذا لأن جدي سيّاف - حرقه الله في جحيمه- يناديني بـ" لِيون " أي يتوقف عند حرف النون لعدم إقتناعه باسمي البغيض الذي أكره.

فلتتفحمي في الجحيم جدتي جلنار ونساء العائلة لأختيارك هذا الاسم لي، ليت لسانك شُلّ قبل هذا، لن أسامحك أبي، حسنًا أمزح بالطبع؛ أنا أحبك أبي أكثر من أي شيء بالعالم.

في يوم من الأيام المدرسية السخيفة كان أبي مسافر وكنت أتجنب الشغب في هذا الوقت بصفتي ألعب دور الطفل الجيد في غياب أبي لإنه كان دائمًا يخبرني قبل أن يسافر في كل مرة:

- خلي بالك من ماما ومتعملش مشاكل لحد ما ارجع ماشي؟

- علم وينفذ يا فندم.

أقولها دائمًا وأنا أرفع يدي جانب أذني مثل عساكر الجيش الذين ياخذوا أوامر من قادتهم، لذا أنا كنت أتحول لطفل لطيف هادئ أثناء غياب أبي لإنني أحبه ولا أرغب في جعله يحزن.

لكن هذا ليس مهم الآن، في ذلك الوقت تجاهلت تنمرهم عليَّ حتى يعود أبي من السفر، فظنوا هم إنني خائف منهم لعدم ردي على إهانتهم السحيقة لي، لكن هل اكتفوا بذلك؟

بالطبع لا، فالضربة الثنائية تكون مذاقها ألذ وتصدر رنين أقوى على الجسد، وفي اليوم التالي خرجت من الصف إلى المرحاض رغبة مني في غسل يدي بعدما تلطخت بالالوان بسبب حصة الرسم ولم تترك المعلمة فارس يذهب معي كالعادة حتى أعود بسرعة ويمر اليوم بسلام، مررت من أمام الفصل الخاص بالأوغاد الثلاثة فهم كانوا أكبر مني بعامين وتقابلت نظراتي مع آدم حيث كان يجلس في المقعد الأول أمام الباب بينما كان مفتوحًا.

دلفت المرحاض بعدما تجاهلت نظرته وضحكته الساخرة التي تشبه نباح الكلاب لتنبأ عن وجود جثة قريبة بالمكان، فتحت صنبور المياه وبدأت بتنظيف يدي وأنا أفكر في حديث أمي وماهية المصيبة القادمة التي أخطط لتنفيذها عقب عودة أبي.

- إحنا نتفق اتفاق، تتصل بسالم وتقوله أنه وحشك وتمثل إنك بتعيط، وفي المقابل مفيش عقاب المصيبة الجاية.

قالتها أمي بنبرة خبيثة وهو تنظر لي بثبات وهذا لأنها كانت تشتاق له بشدة لكنها بالطبع لن تتحدث معه وتجبره على العودة وترك العمل، لكنني طفل صغير برئ يمكنه أداء هذا الدور الأبله بكل بساطة، لذا بالطبع وافقت فهنا ضربت عصفورين برصاصة واحدة.

أبي يعود من السفر أسرع والذي يعلم بالطبع أن هذه أفكار أمي، وكذلك لن يكون هناك عقاب المرة القادمة لذا مرحى!

المصيبة القادمة يجب أن تكون هائلة عظيمة استغلالًا للوضع، يمكنني تفجير المنزل!

شعرت بثلاثة ظلال تغمر ظلي فوق الحائط أمامي أثناء انشغالي في التفكير بالمصيبة القادمة فعلمت بالطبع أن هذا وقت الشجار لكن قبل أن استدير لهم أمسك آدم رأسي من الخلف وهبط بها تجاه الحوض.

انفجرت الدماء من رأسي وانسابت بتحرر فوق وجهي وكأنها أشباح محبوسة داخل وعاء بتعويذة سحرية وتحررت، شعرت بألم ساحق، الدنيا تدور، لا أستطيع فتح عيني كلما حاولت احترق، لا أرى شيء سوى ضوء أبيض شديد فوق مقلتيَّ، هل اكتفى آدم بذلك؟

بالطبع لم يفعل فهذه فقط البداية، ضربني في معدتي بقدمه ثم ضربني "بشر" في قدمي من الأسفل، وقعت فوق الأرض الخزفية فتحت عيني بعدما استطعت ذلك، رأيت الثلاثة يقفوا حول جسدي وبدأوا في ركلي وكأنني كرة قدم، هناك صار كل شيء داخلي يسحقني.

- أكره القطط، إنها ضعيفة.

قالها آدم أو أوركا كما أصبح مستقبلًا بلغة انجليزية بعدما جلس القرفصاء جانب رأسي وهو ينظر لوجهي الذي تحول لونه إلى الأحمر برضى قبل أن يخرج من المرحاض وهو يطلق ضحكات عالية لا تخرج إلا من متنمر بشع.

جاهدت لسحب جسدي الذي يأن ألمًا حتى اعتدلت في جلستي وسندت ظهري بالحائط، شعرت بطعم الدموع الملامحة داخل حلقي، ضغط على شفتي السفلية بسبب شعور الكآبة الذي داهمني، أنا لم أفعل له أو لأي أحد شيء.

طوال حياتي لا أعلم لماذا يكرهونني؟ لم أبدأ شجارًا قط من قبل، فقط كنت أدافع عن حالي عندما يتطلب الأمر، المضحك أنني كل ما رغبت به دائمًا هو أن يتركوني وشأني، حاولت حماية الجميع من الوحش داخلي مرات لا حصر لها، لكنهم لا يتوقفوا حتى ينحر أنوبيس عنقهم.

- الراجل مش بيعيط، الراجل بياخد حقه بذراعه.

صدح صوت جدي سيّاف داخلي عندما بدأت دموعي بالهبوط، أثناء جلوسي بالمرحاض كنت أشعر أنني وحيد دون أخوتي، دون داغر، مسحت دموعي بطرف كمي نهضت من فوق الأرض بعدما اشتعل لهيب الإنتقام داخل صدري، لكن صبرًا حتى عودة أبي.

ذهبت إلى غرفة الطبيبة حتى تقطب لي جرحي ثم هاتف المدير عمي هارون كي يأتي ليقلني للمنزل بعدما زعمت أنني انزلقت في المرحاض وارتطم رأسي بالحوض، لم يقول لي عمي هارون شيء ولم يسألني حتى فقط قبّل الجرح بحنان كعادته، فالكبار لا تتدخل في شجارات الصغار كما يعلم بالفعل أن أخوتي لن يتركوا حقي.

لقد تم تربيتنا من قِبل أبائنا على بث حب الأخوة داخل قلوبنا حتى أصبح أخي هو الشخص الأقرب لقلبي، كما تم نهينا عن قول: ابن عمي أو صديقي بل أخي أقول أخي.

- علشان أي حد ممكن يكون صاحبك أو ابن عمك لكن مش أي حد ممكن يكون أخوك، أخوك هو أكتر حد بيحبك، هو المعنى الحقيقي للحب، يديك حياته وهو مبسوط، قابلك كلك على بعضك بعيوبك، ودائمًا موجود علشانك.

هتف بها عمي هارون بنبرة صادقة واثقة وهو ينظر إلى أبي سالم وقاسم بعدما سألنا لماذا أقول أخي وهو ليس أخي البيولوجي؟ ثم نظر إلى أبي ليكمل شرحه للمعنى عن طريق حوار دار بينه وبين أبي الذي خرج بنبرة محببة حيث قال:

- لو ضعفت؟
- هيقويك .

- ولو وقعت؟
- هيقومك.

- ولو خوفت؟
- هيطمنك.

- ولو عندك مشكلة؟
- هيحلها.

- ولو مقدرش يحلها.
- هموت وأنا بحاول.

- ولو رفض إنك تحلها؟
- هعمل نفسي مش سامعه.

قالها أبي بنبرة حاسمة لا تقبل النقاش وهو ينظر إلى أخوته بحب حقيقي بينما لمعت عين جدي سيّاف الذي يشاركنا الجلسة وهو يشملهم بنظرة فخر من تربيته لأسوده كما يطلق عليهم قبل أن يعود عمي هارون من جديد ليشرح لنا معنى كلمة "أحبك" عند المامبا وهي "أموت لأجلك" واذا هتفت بها يجب عليَّ الوفاء بها، لذا أنا ملزم بالدفاع عن أخي لأنني أحبه.

- يا رجالة كله يستعد علشان آدم لازم يتعلم الأدب بكرة.

قالها يعقوب بنبرة عالية مقتادة تشبه الحمم البركانية وهو ينظر إلى باقي أخوتي من المامبا المتجمعين حولي بعدما عاد الجميع وسردت عليهم ما حدث مقلدًا طريقة عمي هارون في الحديث حيث إن يعقوب أكثر أخواتي في سرعة الغضب وكذلك داغر، فهما يمكن أن يشعلا مدينة كاملة بسبب كلمة عابرة غير مهمة.

- مملكتنا لا تترك حقها يبيت، إحنا هنهرب، أنا مش هعرف أنام منغير ما أخد حق أخويا، محدش يضرب أخويا غيري.

قالها داغر بنبرة آمرة مقررًا وهو يمد يده للأمام حتى يبث الجميع على الموافقة وضع يعقوب كفه على الفور فوق خاصة داغر ثم تبعه باسل، فارس ثم الجميع، فتم وضع الخطة كي يتم تغطيتنا أثناء الهرب حتى لا تعلم أمي دهب أو داليا بالأمر ثم هبطت وهاتفت أبي كي أحصل على حصانة مقدمة من العقاب تنفيذًا لرغبة أمي.

- بابا إنت وحشتني اوي، هو الشغل مش هيخلص؟

- قول لجلالة الملكة سالم لن يعود قبل أن يسمع كلمة "اشتقت إليك أيها القائد" من فمها، خد بوسة وحضن كبير، بحبك، بحبكم كلكم.

قالها أبي بنبرة هائمة وهو يصدر صوت قبلة من فمه خرج من خلال السماعات بعد حديثه المراوغ الذي خرج بنبرة ضاحكة بعدما اخبرته بشأن اشتياقي له وأنا اتصنع البكاء، حسنًا أنا باكِ فاشل فأنا لا أبكِ كثيرًا، كان يجب عليَّ ترك هذا الدور لفارس فهو متلاعب ببراعة، لا أعلم كيف يجلب الدموع إلى مقلتيه بهذه السرعة، لقد تم العفو عنّا العديد من المرات من قُبل أمهاتنا بسبب دموع فارس التي يطلق عليها "دموع التماسيح" لكن أبي يعلم هذا الشيء على كل حال لإنه ورث التلاعب منه.

- بيقولك: سالم لن يعود قبل أن يسمع كلمة "اشتقت إليك أيها القائد" من فمك، الأتفاق اتفاق.

قلتها بنبرة مراوغة وأنا أمد يدي بالمصافحة إلى أمي التي تقف جانبي بعيون يتقافز التوتر الممتزج بالترقب بجانبي حيث أنني قمت بدوري على أكمل وجه ليس ذنبي إنه لم يصدقني، عانقت أمي كفي وهي تضحك بخفة قبل أن تقول بنبرة على الرغم من إنها آمرة إلا إنها حنونة وهي تنظر إلى الشاش الطبي الملتصق بجبهتي:

- كسّر عضمهم.

حركت رأسي بالموافقة ثم تحركت إلى مبنى المامبا من جديد بعدما تركتها خلفي تمسك بالهاتف، هي لا تعلم أننا سوف نهرب بالطبع لكنها متوقعة شيء كبير قادم في الطريق غدًا، دلفت إلى غرفة عمي صالح الخالية بالتأكيد بعد استدراج بعض "السنافر" له إلى الخارج وكذلك أمي داليا، فأنا كنت أطلق على المامبا لقب السنافر وعمي صالح "بابا سنفور"

وجدت أخوتي يحملوا الأريكة ثم أزاحوا البساط من فوق الأرض فظهر الغطاء العلوي للممر، هبطت أنا، فارس، باسل، يعقوب ثم داغر الذي أشار لباقي أخوتي أن يعيدوا كل شيء إلى مكانه حتى نتصل بهم عن طريق جهاز لاسلكي معنا.

خرجنا للشارع ثم ركضا بعيدًا عن المكان حتى لا يرانا أحد بعدها تحول ركضنا لمشي سريع في الطريق حتى نصل لمكان يُمَكننا من الحصول على سيارة أجرة بسبب موقع القصر البعيد نسبيًا عن السكان حيث إنه يقبع في منطقة شبه نائية، وقبل أن نصل للمكان توقفت سيارة سوداء أمامنا لتقطع علينا الطريق.

- افتكرت إننا هربنا منك.

- أنا سفن، أركب يلا.

قالها سفن بنبرة واثقة وهو يضحك على رد فعلي من رؤيته ثم غمز لي بمراوغة، فصعدنا للسيارة وأخبرناه بالمكان المتفق عليه، بالتأكيد الآن تظني قاسية الفؤاد أن سفن هذا نيلان؟

لكن لا هذا "سفن" المامبا الحامي لأبي سابقًا فهو كان يراقبني طوال الوقت لأنني كنت دائم الهرب من المنزل فقد كنت أحب المغامرات بالخارج، إنه ملاكي الحارس لا يخرج أسراري لأحد ويساعدني في جميع مصائبي تقريبًا لذلك لا يسافر مع أبي فهو يشعر بالاطمئنان أثناء سفره لعلمه أن "سفن" هنا معي وكان يأخذ معه مامبا آخر، لكنه قُتل وعندما يموت مامبا يحصل على رقمه آخر أصغر، وبما إن نيلان اقوى مامبا اعطاه عمي صالح هذا الرقم كشرف له أن يحمله.

نعم، إذا كان هذا السؤال يدور في خلدك.
من الشرف والفخر عند المامبا أن يحملوا أرقامًا كانت لمامبا قوي ومميز من قبل مثل رقم خوفو ١٠١ فهو رقم جدي راجح أبا عمي هارون، حسنًا، ما المميز في سفن حتى يكون هناك فخر برقمه؟ لقد ضحى بحياته من أجلي، لكن لن اتطرق لهذا الأمر حتى لا أصاب بنوبة هلع نحن في غنى عنها.

- دخلنا منغير ما حد يشوفنا سفن.

قلتها بنبرة آمرة إلى "سفن" عقب وصولنا أمام منزل صافي بعدما أشار لي داغر بعينه ليحثني على فعل ذلك، لإنه بالطبع مثل باقي المامبا يعلم بالطرق السرية الخاصة بمنزل صافي المالكي لإنه على الرغم من إنه ليس أبوفيس الحالي لكنه مازال رجل من عائلة أبوفيس ويجب حمايته، وسفن لن يتحرك ليساعدنا قبل أن أعطيه أمر بذلك لإنه مامبا والمامبا ينفذ جميع الأوامر وبما إني ابن قائده الصغير فهو سوف يذعن لي.

- استغلال كامل للسلطة! وغد صغير.

- أوه سفن! أنت تجرح مشاعري أنا وغد كبير.

قلتها بنبرة متذمرة وأنا أنظر إليه بتهكم من حديثه الذي خرج بنبرة ساخرة، فضحك سفن بخفة قبل أن يشير لنا كي نلحق به وبعد حوالي دقيقة أصبحنا داخل الممر أسفل منزل صافي المالكي ثم إلى الرواق.

- هشوف جميلة الأول قبل التنفيذ علشان نجري علطول.

قالها داغر بنبرة هادئة ثم تحرك تجاه غرفة جميلة دون أخذ الموافقة فقد قرر بالفعل وانتهى الأمر فهو زعيم العصابة أو القائد، هل يوجد قائد ينتظر الموافقة؟

دلف داغر إلى غرفة جميلة أعطاها الحلوى التي جلبها لها واطمئن عليها ثم خرج من جديد وأشار لنا أن نتبعه، فتحنا جزء من باب غرفة بدر بن صافي فرأيناه يلعب لعبة فيديو رفقة "أوركا" بينما "بشر" يجلس بجانبهما يشاهد المباراة بحماس، فشعرت أن الحظ ضحك لي بسبب وجود الثلاثة حيث إن "بشر بن شمس" يقطن في المنزل التالية لنا ثم يقبع منزل الحاوي حيث يحب شعب مملكتنا من نفس البلد البقاء في مكان واحد تحسبنًا لأي شيء قد يطرأ علينا.

- آدم ليك والباقي لينا.

قالها داغر بنبرة جامدة وهو ينظر للداخل بنظرات تشبه وهج النيران قبل أن يعطيني زجاجة مشروب غازي فارغة أحضرها من غرفة جميلة، ثم هجمنا للداخل بغتة وبدأنا الشجار مع الثلاثة بعدما تعادلت قوتنا، فنحن الخمسة كنا بقوة الثلاثة لإنهم أكبر سنًا وبنية جسدية مننا، فهذا الأوركا يشبه رجال الكهف قديمًا ببنيته الجسدية الضخمة والتي ليست دهون بالطبع.

- القطط نوعان هناك اللطيفة وهناك المفترسة.

قلتها بنبرة جامدة واثقة وأنا أرفع الزجاجة التي امسكها من عنقها وأنزل بها فوق رأس أوركا، فاصدرت طرقعة بشبه الانفجار الضعيف لصاروخ بارودي خاص بمفرقعات العيد قبل إن تنزل متهشمة فوق الأرض وتنفجر الدماء الحمراء من رأسه كبركان ثار.

- انسحاب يا رجالة.

صرخ بها داغر عندما صدح صوت صراخ آدم عاليًا ثم ركصنا للخارج قبل أن يمسك به عمه صافي المالكي الذي بالتأكيد لن يفعل شيء لنا قبل أن يعود لعائلتنا لكنه يمكنه إبراح داغر ضربًا لإنه ابن أخيه صالح المالكي.

عندما عدنا للمنزل كانت الأخبار وصلت لهم بالفعل فغضبت جميع أمهاتي بسبب هروبنا من المنزل لكن أمي نفرتاري هدّأت الأمر كالقاء شاحنة رمال فوق حريق عن طريق إخبارهن بوجود سفن معنا ثم تم تسويف العقاب لحين شفائي، أو بمعنى آخر لا يوجد عقاب فهذا ما يعنيه التسويف!

- أسود.

قالها جدي سيّاف بفخر وهو يشملنا بنظرة راضية بعدما انتفخ صدره كزعيم قبيلة يجلس بمنتصف منزله بشموخ وتتهافت عليه التهنئات بشأن ولادة ولي العرش ثم اقترب منّا وقال بنبرة خافتة حتى لا تسمعنا أمهاتي حيث إنهن مازلن غاضبات من هروبنا هكذا من المنزل دون حماية:

- هنروح الملاهي.

-  لا أنا عايز أروح الماتش في أسبانيا.

قالها داغر بنبرة متهكمة ليجيب على حديث جدي ويطفأ بريق الحماس الذي شع داخلي من ذكر الملاهي فأنا أكره كرة القدم البغيضة تلك، ما الذي سوف أشعر به وأنا أشاهد مجموعة شباب يركلوا الكرة بين بعضهم البعض؟ أين المتعة إذا لم أشارك في اللعب؟ لكن اندفع البريق من جديد للخارج ليعلن عن حله حتى إنه يمكنه أن يصيب أحد بالعمى عندما ينظر إليَّ عندما هتف جدي:

- نروح الملاهي والماتش أنا عندي كام حفيد يعني؟!

ومن هنا أخبرك قاسية الفؤاد أن حكايتي انتهـ..
مهلًا مهلًا، هل سيكتفي داغر بذلك؟
أوه! بالطبع لا.

عندما عاد آدم للمدرسة بعدما أخذ إجازة يومين أجبرني على تغير الأغنية التي من المفترض تأديتها في الإذاعة المدرسية حيث كنت اغني بها بشكل يومي، وعندما صعدت على الخشبة بدأ جميع السنافر بالتصفيق قبل أن أبدأ في الغناء:

"ماما قالتله سيب القطة وخليها فى حالها
ساب مدرسته ورمى كراسته وراح جر شكلها

راحت القطة مخربشة ايده لما مسك ديلها
وادى جزاة اللى مايسمعش كلمة ماما تقولها"

انتهى ليونار من سرد حكايته التي استمتعت بها حيث كنت أشعر أنني استمع لرواية صوتية من ممثل دبلاج حيث كان يغير نبرة صوته ويتفاعل مع الكلمات على الرغم من تهدج نبرته ببعض المناطق عند نطق اسم سفن مع شرود عينه التي التمعت باشتياق وسرعة حديثه الذي كان في سباق أثناء اعراب عن موت سفن من أجله، فعلمت أن هذا الشخص كان مقرب منه بشدة، ثم انهى حكايته وهو يغني بنبرة ضاحكة لم تكن أغنية بالمعنى الحرفي حيث كان يقول الكلمات فقط.

- هل تعرضتي للتنمر من قبل قاسية الفؤاد؟

- لا، بس كنت بضرب المتنمرين.

قلتها بنبرة هادئة تعقيبًا على سؤال ليونار السابق فتذكرت عدة مواقف، عندما كنا بالمدرسة كان ماهر أخو مراد يتعرض للتنمر بسبب وزنه الزائد وقتها وكأنه يأكل من براد أبيهم!

كنت دائما أقوم بضرب الأولاد الذين يضايقونه ثم أجري وأقف خلف مراد كقطة تحتمي بصاحبها كأنني لم أفعل شيء، كذلك كنت أقف في دور عالٍ من البناية بعدما أملأ حقيبة بلاستكية ماء وأقذفها فوقهم بمنتصف الشتاء وأعود خلف مراد كالعادة، كان هو يعاقب من المعلمين بدلًا مني بعد اعترافه على حاله من أجلي حتى يحميني.

ذات مرة قام واحد من الصبية والذي ضربته في اليوم السابق بجلب أخيه الكبير وعدد من المراهقين ثم أنتظرونا خلف المدرسة أثناء عودتنا نحن الثلاثة وأوسعوهما ضربًا فقد كانوا كثيرين والغلبة للجماعة، لكن مراد لم يدع أحد يصل لي، فقد دفعني بعنف لأركض بعدما وقع بصره عليهم فقد وقفت في وضعية قتالية حتى أدافع عن حالي، ماليكا الصغيرة لم تكن تخاف من شيء، لكنني ركضت لأنه اخبرني بذلك فقد كنت استمع لكل شيء يخبرني به لكن كذلك لم اتطرق بالحديث عن الإمر إلى ليونار حتى لا أتحدث عن مراد.

- هل من الممكن أن تغنّي لي ماليكا أنا أتألم؟

قالها ليونار بنبرة خافتة وهو يفرد العجين على شكل مستطيل طويل ثم بدأ بمسحه بالزبدة الذائبة ليبدأ في صنع لفافات القرفة أو "سينمون رولز" كما يطلق عليها بعدما ساد صمت بغيض على غرفة جعله يشرد في ذكرياته الأليمة، اغمضت عيني بترو وسحبت نفس طويل جعل رائحة القرفة والزبدة الممتزجة بعطر ليونار يضربوا أنفي بقوة قبل  أن أبدأ في الإنشاد.

❞ الصبر أنشودة للعزم رائعة
والصبر في ظلمات اليأس مصباح

وللمطالب أبواب مغلقة
لها من الصبر عند الضيق مفتاح ❝

توقفت يد ليونار التي كانت تثني العجين على شكل أسطوانة كبيرة بعدما انتهى من نثر القرفة وظهرت الآن بوضوح الجروح فوق رسخ يده التي تمدت إلى الأعلى وكأن ذئب مرر مخالبه فوق مرفقه، تجمعت الدموع بمقلتيه، وبدأ في عض شفته بعنف.

❞ فاجعله يارب حصنًا
من يلوذ به يأمن أو في اليأس يرتاح
واكتب لنا أجره
وانصر به فئة غدوا
إلى الحق أو في صحبة راحوا ❝

خرج ليونار من المطبخ بخطوات سريعة بعدما هبطت دمعة من زاوية عينه ومسحها بظهر كفه بعنف وهو يخرج من خلال الباب، فركضت شهد خلفه ولحقت بها  على الفور بعدما انقبض قلبي حيث داهمني هاجس بأنه سوف يأذي حاله عقب تذكري لندبة رسخ يده.

دلف غرفة نيلان لإنها كانت الأقرب وضرب الباب بعنف ثم سمعت صوت استداره قفل الباب فعلمت إنه أغلقه بالمفتاح من الداخل، بدأت أشعر أن صوتي نذير شؤم بالفعل، كلما غنيت تحدث كارثة!

- ما بك ليو؟ لماذا أنت حزين؟

قلتها بنبرة خافتة ودودة بلغته المفضلة حتى أتواصل مع ليو الصغير كما أعتقد بعدما دفعتني شهد تجاه الباب لتحثني على الحديث ورمقتها بنظرة غير مصدقة، لماذا تدفعني أمام فوهة السلاح بينما يمكنها هي فعل ذلك؟!

- سَئِمت الصبر ماليكا، سَئِمتُ انتظار الحب .. انتظرت حب أمي بالطريقة التي أحبها، انتظرت حب غزل الذي لم احصل عليه، وانتظرت حب ليكاتا، لم تتقبل أمي كوني رجل ولم تتقبل غزل ليو ولم تتقبل ليكاتا أنوبيس، لماذا لم يحبني أحد بشكل كامل ماليكا؟

قالها ليونار بنبرة متهدجة من أثر احتباس البكاء بمنتصف حلقه، لم يترك لدموعه العنان حتى وهو بمفرده لأنني أقف بالخارج، ما الذي حدث معك ليو؟ ولماذا البكاء وحش مخيف هكذا بالنسبة لك؟

حل الصمت لدقيقة كاملة صدح فقط صوت تنفسه ثم شعرت به يجلس خلف الباب ويسند رأسه بالخشب خلفه، ففعلت المثل وجلست بالخارج تزمنًا مع استطراده من جديد:

- اتعلمين؟ أنوبيس لم يحب غزل قط، كان دائمًا يحاول أن يدفعني كي أؤذيها، آخذ حقي، لقد لعب بي مرارًا وقاومته في كل مرة حتى أحميها منه، لكن ليكاتا؟ إنه يحب ليكاتا ماليكا، أنا وأنوبيس نحبها، وهو يتألم كذلك لعدم تقبلها له، أنا أحارب من جديد ماليكا لكن هذه المرة مختلفة، هذه المرة أنا أحارب أنوبيس كي لا يذهب إليها وليس العكس.

" لا أعلم كيف فعلتي هذا؟
لكن حتى وحوشي وقعت لكِ "

ضربت في رأسي كلمات الأغنية التي كان يلعبها أمس، وارتفعت وتيرة نبضات قلبي بعدما
بدأت تظهر سويًا جميع الهواجس الغامضة التي تداهم عقلي منذ مدة، لقد كانت نفسيته جيدة أمس، كان يضحك بسعادة تتقافز من مقلتيه، هل علم بشأن خطبتي؟ هل أخبرته شهد بذلك؟

⟪ لا أعلم لمتى يمكنني قبع هذا الوحش داخلي، حتى لا ينفذ ما يفكر به ويحبسكِ أعلى برج ما حتى تقعي بحبي.
احبيني ماليكا، لماذا لا تحبيني؟ ⟫

حركت رأسي عدة مرات بنفي حتى أزيح تلك الفكرة المزعجة عن رأسي، ليونار ليس هو من يرسل لي الرسائل، لقد أخبرني أن ليكاتا تحبه، إذًا ليكاتا اعترفت له بحبها، أم إنه يتوهم ذلك؟
من ليكاتا؟ هل ليكاتا الحقيقية سيرا؟

لقد سمعتها تخبر شهد بحكاية عن لعب دور شطرنج معه انتهى بالحكم عليها بالطلاق من عمه حتى تستدرجها بالحديث وتعترف إذا كانت تعلم شيء عن السبب الذي جعله يفعل ذلك؟

تبًا، لقد تذكرت شهد تكتب في روايتها عن ليكاتا التي أوحى ليونار لها بها، يجب عليَّ الحصول على وصف ليكاتا التي كتبته شهد، فأنا لم أقرأ الرواية حتى الآن. 

- بابا.

هتف بها تميم الذي جاء بخطوات مهرولة وتوقف أمامي وهو يحك عينه بكلتا يديه حيث إن وجهه المنتفخ المحمر وملابسه المبعثرة توحي بأنه استيقظ للتو، نظر لي عندما توقف أمامي مباشرةً وهو يرمش بأهدابه عدة مرات ليستوعب ما يحدث حوله قبل أن يلقي بجسده عليَّ في عناق وهو يهتف بحماس:

- ليكا، وحشتيني اوي.

ضحكت بخفة على حديثه المراوغ، هل اشتاق لي بهذه السرعة؟ فهو لعب معي كرة قدم في الحديقة أمس أثناء تجهيز الفتيات حالهن حتى نتسكع، وضعت قبلة قوية فوق وجنته التي تشبه حبي للبسكويت تزامنًا مع فتح ليونار الباب ونظر لنا بابتسامة هادئة.

- فارس نام عليا، وأنا تايف.

قالها تميم بتلقائية يسرد عليه ما حدث بعدما حمله فوق ذراعه، فضحك ليونار بخفة ودلف إلى الغرفة من جديد ثم إلى المرحاض حيث فهم إنه يرغب في ذلك لكنه شعر بالخوف من دلوفه المرحاض بمفرده.

- شهد هاتي لبس لتميم علشان هياخد شاور.

قالها ليونار من داخل المرحاض بنبرة عالية نسبيًا حتى تصل إلينا، فأمسكت شهد ذراعي على حين غرة بعدما نهضت من فوق الأرض ثم سحبتني خلفها للأعلى وهي تتناقش معي بأحداث الرواية التي نقرأها معًا كعادتنا هذه الأيام.

- ببقى قاعدة في أمان الله بقرأ الرواية تقوم الكاتبة اللي جوايا تقولي: اقولك مين القاتل، فارد أقولها لا، فتكمل من نفسها، القاتل هو أكثر شخص غير متوقع في الأحداث وفي نفس الوقت له دور مهم علشان تتفاجئي، ها فكري معايا كدا، هتجبيها أهي على طرف لسانك، فاقولها: سحقًا لكي بقى زهقت عايزة استمتع!

قالتها شهد بنبرة مازحة تسرد عليَّ معاناتها حيث تتوقع بعض أحداث رواية الجريمة التي تقرأها عن طريق تحليل المواقف من خلال شخصية الكاتبة داخلها.

- معلش سؤال؟ هو أنتو ليه فاكرين إني بنت خالتكم؟

قلتها بنبرة متسائلة ساخرة وأنا أرفع حاجبيَّ بعدما دلفت بي غرفة في الدور العلوي ووجدت فارس يفترش الفراش حيث إنه يفتح كلا يديه وقدميه وكأنه يلعب في الثلج، عاري الجزع ويرتدي سروال قصير فقط في هذا الشتاء القارس، ثم استطردت عندما التفتت لي ورمقتني بنظرة متحيرة وكأنها لا تفهم عن ماذا أتحدث؟:

- يعني ابن عمك يخليني أشتغل معاه في بيته وقلنا ماشي كدا كدا إنتِ معايا، خدني على المطبخ قلت نمشيها، إنما تدخليني على ابن عمك التاني وهو مقتول؟! انتو تعرفوا إيه عن الخصوصية؟

- أيوه ما أنا جيباكِ محرم علشان مينفعش أدخل عليه لوحدي علشان بابا ميزعلش.

قالتها شهد ببساطة بعدما ضحكت بخفة ثم دلفت غرفة الملابس بلامبالاة وكأنني لم أتحدث من الأساس!، حركت رأسي بدون تصديق ثم لحقت بها للداخل بعدما رمقت فارس باستغراب حيث وضع قدم فوق الأخرى بشموخ وهو نائم بفم مفتوح.

هبطنا للأسفل من جديد إلى غرفة نيلان أو نفرتاري لكنها الآن تتدرب في المكان المخصص لذلك وجدت ليونار يجفف شعر تميم الذي يرتدي منشفة كبيرة حول جسده.

- ليكا غمض عينك عيب.

قالها تميم بنبرة خجولة وهو يرمقني بطرف عينه بعدما بدأ ليونار في تلبيسه الثياب التي أحضرتها له شهد، فضحك ليونار بخفة قبل أن يقول بنبرة ظهرت جامدة لتميم وصارمة لكنها مازحة:

- غضّي بصرك يا ماليكا علشان متتفتنيش.

انفلتت مني ضحكة عالية قليلًا بعد حديثه المازح ثم خرجت رفقة شهد التي عادت للمطبخ من جديد حيث تركت حسوبها حينما كانت تكتب فصل روايتها الألكترونية، ثم جلست من جديد وشرعت في تكملة ما بدأته بينما عاد ليونار من جديد وبدأ هو الآخر في تكملة الحلوى التي يصنعها رفقة ابنه تميم الذي ساعده في كل شيء.

ركزت على التفاعل بينهم حيث يقبل كلًا منهما الآخر بين كل حين، ويتوقف ليونار عن التقطيع ويمسك بيده ليفعل تميم ذلك، حتى بعدما نضجت جعله يسكب الصلصة البيضاء الخاصة بالوصفة.

- كما يقول جدي المُهيري خلقت النساء لتدلل.

قالها ليونار بنبرة رخيمة وهو يضع صحن من الحلوى أمامي وآخر أمام شهد التي تركت ما تفعله على الفور وانتبهت للحلوى كالمجذوبة بينما أنا لم اتصنع الثقل ودسست الشوكة بها على الفور، فرائحتها فقط أثارتني كقرش أبو مطرقة الذي ينجذب لرائحة الدماء ويتبعها بسرعة الصاروخ.

- بجد إنت شاطر اوي، أنا كده هدمن أكلك.

- هذا يسعدني قاسية الفؤاد، أنتِ فقط اطلبي ما تشتهيه وأنا اطبخ لكِ، هل لدي خمسين قاسية؟!

قالها ليونار بنبرة هادئة بعدما ابتسمت عينه باتساع قبل أن تومض بشغف تعقيبًا على حديثي الذي خرج بنبرة صادقة، فهو طباخ ماهر بحق، طعامه له نكهة خاصة تجعلني أرغب في المزيد، فابتلعت ريقي بتوتر عقب حديثه وعدت بتركيزي إلى الحلوى.
__________________________𓂀

جلست أمام ليونار ألعب ضده مباراة شطرنج من جديد بعدما انهينا العمل المطلوب مننا، شعرت بقليل من الريبة حيث إن مستواه أضعف قليلًا من أمس وكأنه ليس نفس اللاعب وهذا جعل وجهي يحتقن، هل يُخسّر حاله من أجلي؟!
هل تراني ضعيفة استحق الشفقة أيها الوغد المدبلج؟!

نظرت خلفي إلى الشاشة حيث يلعب نيلان رفقة شفا مباراة مصارعة على التلفاز وظهر إن نيلان بالكاد لا يلعب حيث إن شفا تضغط فقط جميع الأزرار حتى تضربه وهو يتركها تظن إنها تتفوق عليه باللعب مع ارتسام ابتسامة هادئة مستمتعة فوق ثغره وهو يرمقها بطرف عينه.

كما ترتفع أصوات طلقات النيران الخارجة من سماعات الهواتف حيث يلعب كلًا من فارس، شهد، يعقوب، غزل وجميلة لعبة الكترونية حربية بينما يجلس خوفو يعبث بهاتفه وعبدالرحمن يضع رأسه فوق كتفه ويغط في النوم حيث بدا عليه إنه لم يغمض له جفن أمس.

نجمة تذاكر في غرفتها رفقة رائف حيث إن قام قاسم المُهيري بنقل أوراقها لإحدى الجامعات الخاصة حتى تكمل دراستها فهي الآن في السنة الثالثة والأمتحانات على الأبواب.

- روح يا خوفو أحجزلي المسجد أخد عزاء في رجولة يعقوب، وهسميه هُوبَا بعد كده.

قالها هارون الذي دلف الآن بنبرة ساخرة بعدما شمل بنظراته يعقوب الذي يجلس بجانب غزل بوجه منبسط الملامح عقب تصالحهما ثم جلس على الأريكة جانب ليونار بعدما وضع يده على رأسه يطمئن عليه ثم قبّل رأسه بحنان، فنظر له فارس الذي ترك الهاتف وانحنى بجسده فوق جسد ليونار ليقرّب رأسه من هارون الذي ضحك بخفة ثم وضع قبلة فوق جبهته هو الآخر ثم نهض وقبّل الباقين وعاد لمجلسه من جديد تزامنًا مع قول يعقوب المازح:

- طيب بما إني بقيت هوبا فأنا عايزك تكلم بابا علشان يوافق يرجعني ليها.

- وأنا عايز أتجوز شفا، وخايف أفتح الموضوع مع بابا.

أضافها نيلان بنبرة هادئة تتنافى مع قوة وقع حديثه على هارون وقبل أن يجيب عليهم أضاف ليونار بنبرته الشغوفة التي برقت مع الحديث وكأنه يتخيل ليكاتا في فستانها الأبيض:

- و أنا عايز أتجوز ليكاتا، وأقتل بكر.

- أنا كمان عايز أتجوز واحدة صهباء عينيها زرقاء واغدة.

قالها فارس بنبرة مسرعة وهو يرمق شهد المنغمسة باللعب بنظرة على الرغم من كونها ساخطة إلا أن حبه لها انسكب من مقلتيه، فتدخل باسل في الحديث وأضاف وهو يرمق خوفو الذي يشاركه غرفته بضجر:

- وأنا عايز أوضة لوحدي علشان كده كتير، الأستاذ فاكر نفسة ناظر مدرسة.

- يعني أنا اللي هموت وأفضل معاك في الأوضة، أنا كمان عايز حد غير المزعج ده.

قالها خوفو بنبرة ساخرة تعقيبًا على حديث باسل   بينما هارون كان يمرر نظراته عليهم جميعًا أثناء الافصاح عن رغباتهم ثم حوّل نظره إلى عبدالرحمن الذي نهض من نومته للتو ولم يتحدث هو الآخر، فقال بنبرة ساخرة:

- أنا مش عايز حاجة، عايز أنام سبع ساعات على بعض.

- ما الذي تقوله أيها الوغد؟ لا يوجد لدينا رجال تنام، نحن نعمل مثل العبيد قديمًا لدى شمطاوات المنزل .. سحقًا فلتذهبن للجحيم جميعًا يا معشر نساء العائلة.

قالها ليونار بنبرته الدرامية بعدما انتفض من مجلسه وصفع عبدالرحمن على وجهه وهو يرمقه بنظرة ساخطة من طلبه الوقح جعلت الضحكات تنتشر في المكان، ثم تمتم بجملته المعتادة وهو يعود إلى مكانه ويحرك قطعة الشطرنج خاصته، يا الله! لقد قتل الفيل الخاص بي!

- علفكرة بقى أنتو ظالمين، علشان معشتوش مع داليا، يا ريتكوا جربتوا داليا علشان تعرفوا قيمة النعمة.

قالها هارون بنبرة ساخرة وهو يحرك رأسه بقلة حيلة وكأنه يتذكر ما كان يحدث، فنظر الجميع له بآن واحد والفضول يتدفق من مقلتيهم، حرك رأسه بالنفي بعدما ارتسمت نظرة فوق عينه كأنه وقع بالفخ قبل أن يقول:

- لا، مش هحكي حاجـ.. خلاص هحكي علشان شهودة.

قالها بنبرة مرحة وهو يبتسم لشهد بسمة عاشقة بعدما نظرت له نظرة القطط مع التواء شفتيها عندما هتف بالرفض ثم بدأ بسرد عليهم بعض اللقطات من حياته سابقًا.

كانت داليا تلعب دور الأم معهم وتتحكم بالثلاث رجال، لا تجعلهم يتأخروا بالخارج، كانت تدلف لغرفتهم أي وقت بدون طرق وكأنها ملكيتها الخاصة، وتقوم بالتفتيش بأشيائهم الخاصة، وكانت تضرب هارون بالعصا لتجبره على المذاكرة لعدم رغبته وكرهه لها.

كان سيّاف يرفض خروجها من المنزل بمفردها فكانت تأخذ معها قاسم أي وقت وفي أي مكان فجأة، حتى لو إنها قررت السفر تدلف إلى غرفتهما تحضّر حقيبته وتسحبه خلفها وهو لم يكن يستوعب ما يحدث حتى يجد حاله بالمطار، كأنها تعاقبه هو على رفض سيّاف سفرها بمفردها.

- لما أتجوزت كنت برقص من السعادة أني هخلص منها.

- علشان كده كنتوا قاعدين عندها طول الوقت بعد ما أتجوزت كان ناقص تنقلوا الإقامة عندها.

قالها فارس بنبرة ساخرة من عمه الذي انهى حديثه بتلك الجملة بنبرة مستريحة وكأن همه اِنتزَحَ من فوق صدره حيث إنه وأخواته كانوا يقضوا معظم أيامهم بمنزل المامبا حيث كانت تسكن داليا بعدما تزوجت بسبب عدم تحملهم بعدها.

- لا دي متلازمة ستكهولم زي ما بيقولوا لفريدة.

قالها هارون بنبرة مازحة أدت لارتفاع ضحكات الجميع عليه ثم ساد الصمت إلا من صوت دقات المؤقت الخاص بي الذي بدا وكأنه مؤقت قنبلة توشك على الانفجار من الترقب، يجب أن أفكر في خدعة كي أهزمه، لقد استمرت هذه المباراة وقت أطول من أمس.

لقد هزمني سبقًا بطريقة تشبه طرقعة الإصبع، لكن الآن هناك أمل في الفوز، فمن حركة قدمه الذي يهزها بتوتر وتركيزه الشديد في القطع أطاح بفكرة إنه يخسر من أجلي، بل إنه يلعب بالفعل، لكن لماذا أشعر أنني لا ألعب مع نفس الشخص؟

هل أنوبيس هو من كان يلاعبني أمس وليو الذي يلعب اليوم؟

-  سُحق الملك من جديد تمامًا كما فعلت ليكاتا برفضي، حسنًا هيا صغيرتي حتى أهزمك شر هزيمة مثل قاسية فؤاد شـريـرة وغدة وغدة وغدة وغدة ساحرة صعلوكة أم أربعة وأربعين حية بثلاثة رؤؤس .. وإذا خسرتي ستكتبي لي اعترافك بحبي منذ صغرك.

قالها ليونار بنبرة حانقة صارخة وهو ينظر لي بثبات عندما بدأ في سبّي وكأنني أنا من فزت عليه وليس العكس تحت نظراتي المستنكرة من وابل السباب الذي طرق فوق رأسي، هل كل هذا أنا؟ أربعة وغدة خلف بعضهم البعض.

- حب مين؟! حبك إنت! ليه الرجالة خلصت؟ إيه القرف ده.

قالتها شهد بنبرة ساخطة وهي تضع يدها بخصرها بعدما شهقت بصوت عالٍ من حديثه لتوقف حركتي حيث كنت أهمّ أن ألقي برقعة الشطرنج في وجهه بعدما استوعب عقلي ما حدث من قِبله، سقط فك ليونار من حديثها ثم رمقها بنظرته المنتحبة الترجيديا قبل أن يهتف:

- لقد جرحتي مشاعري أيتها الشمطاء، للجحيم أنت ولماليكا ولنسـ.... سحقًا عماه ألم تسمعها؟

هتف بها بنبرة متسائلة إلى عمه بعدما رمقه بنظرة مهددة من تكملة جملته السابقة التي بترها في الحال، فأخرج هارون صوت يدل عن النفي من فمه قبل أن يصفعه على رقبته من الخلف بخفة وهو يقول:

- لا، مسمعتش.

- يا إلهي انتشلني من هذه العائلة الظالمة، حررني من هذه الأصفاد، وحررني من حب ليكاتا الوغدة وأقتل بكر في الرواية، سحقًا.

قالها ليونار بنبرته الميلودرامية المنتحبة وهو يرفع يده للأعلى ثم عاد ببصره إلى شهد الذي حركت حاجبيها له على شكل موجة حتى تثير حنقه قبل أن يقول بنبرة متسائلة يمتزج بها الخبث:

- بما إنني لم ارتقي لحبك سمو الأميرة فما مواصفات الشاب الذي سيسرق نبضات قلبك ويبعثرها؟

أصدرت شهد تنهيدة مطولة من فمها وهي تعود بظهرها للخلف وتحرك رأسها بهيام ثم أغمضت عينها لبرهة قبل أن تفتحها بترو وتقول بنبرة حالمة:

- طويل بشكل معقول، خمري البشرة، صوت مميز رجولي، قوي البنية، عريض الصدر، مفتول العضلات حتى يحملنى ولا يصاب بالغضروف، يتميز بشعر بني لامع وعينان باللون نفسه مائلة للسواد.

- اشتهجي مائلة علشان مش عارف أكتبها.

قالها أبيها هارون بنبرة متسائلة حيث كان يدون ما تسرده على هاتفه بعدما أمسكه بسرعة عقب خروج الحديث من فمها، فنظرت له بابتسامة واسعة وعينان تشع حب وكأن عيونها تهتف بأنه حبيبها الأول الذي لن يكون هناك منافس لحبه داخل قلبها قبل أن تخبره بحروف الكلمة بنبرة هادئة، ثم عادت من جديد تسرد باقي صفات الرجل داخل رأسها.

- سحقًا أيتها الشمطاء فقط قولي يشبه أبي اختصارًا للوقت.

- مفيش حد شبه حبيبي.

قالتها شهد بنبرة متهكمة وهي تعقد ساعديها أمامها تعقيبًا على حديث ليونار الذي خرج بنبرة حانقة مقاطعًا لها أثناء أسهابها في وصف ملامح أبيها من جديد، حيث إنها بالفعل كانت توصف أبيها أو فارس وليونار بمعنى أدق فجميعهم يشبهوا بعضهم، لكن ببعض الاختلافات الصغيرة مثل شدة سواد شعر ليونار وكثافة حيث يشبه خاصة أمه وكذلك عيونه.

- نعم يا أختي؟! ده أحنا كلنا شبه بعض، الناس بتتلغبط بنا أساسا، روحي اكشفي نظر.

هتف بها فارس بنبرة متذمرة بعدما انتفض من مجلسه كمن لدغه عقرب بسبب زعمها أن لا يوجد أحد يشبه أبيها بينما هو يبدو وكأن هارون يجلس بجانب نسخته في مراهقته، نهض هارون وصفعه على رقبته صفعة قوية جعلت الضحكات تنتشر من جديد في المكان ثم نهض وصفع ليونار الذي ابتلع ضحكته من أثر الصفعة وهو ينظر لي نظرة وكأن كرامته انسكبت فوق الطاولة أمامي.

- ثور فيكوا يقاطعها تاني .. كملي يا حبيبتي.

قالها هارون بنبرة حنونة إلى شهد وهو يبتسم لها حتى تكمل حديثها بعدما قال جملته السابقة بنبرة مهددة لهم جميعًا، وضعت شهد كفها فوق وجنتها وهي تنظر له بهيام قبل أن تبعث له قبلة في الهواء وتصنع بإصبعيها السبابة والإبهام شكل قلب عن طريق وضعهم فوق بعضهم بزاوية.

- لو قولت كده قدام أبويا كان دبحني علشان يغسل عاره.

قالتها شفا التي جلست بجانبها عقب انتهاء المباراة بنبرة خافتة بعدما انحنت ناحية أذني وهي ترمق هارون وشهد بعينان متوسعتان من هول ما يصل إلى مسمعها، هل تتحدث عن صفات رجل ترغب به هكذا أمام أبيها؟!

- علشان أبوكِ متخلف ودي طريقة سوية في التعامل مع البنت وباباها.

- أقسم بالله؟!.

قالتها بنبرة متفاجئة وهي تضرب موضع قلبها بحركة شعبية تلقائية وكأني زعزعت كل ما تؤمن به بحديثي الذي خرج بنبرة ساخرة، ابتسمتُ بخفة على رد فعلها ثم حركت رأسي بالأيجاب على سؤالها لأضرب بمعادلتها التي ترسخت داخلها بل أنسفها من جذورها.

_ أهم حاجة يجبلي أكل كتيــــر ويشلني على ظهره زي بابا وأركب وراه الحصان، ويقول شعر و...

قالتها شهد بنبرة متحمسة مكملة صفات فارس أحلامها أو الزوج الذي ترغب به في المستقبل لكن حديثها اقاطع من قِبل فارس الذي هتف فجأة دون سابق إنذار بنبرة رخيمة أبيات شعر مقتبسة:

- ‏عيناكِ نهرٌ والجفونُ ضفافٌ
وأنا المتيّمُ والهوى أصنافُ

ابحرتُ في عينيكِ دونَ درايةٍ
كيف العبورُ وخانني المجدافُ؟

_أيوة يقولي شعر زي ده، شاطر يا فارس.

قالتها شهد بنبرة مرحة وهي تصفق له بكلتا يديها وكأنها فهمت إن فارس يضيف كلامًا إلى حديثها ليوصف للجميع ما ترغب به لكن عيناها الهاربتان منه تفضح أمر تلاعبها بالحديث، فنهض فارس من مجلسه بملامح متقضبة قبل أن بهتف بسخط.

- للجحيم أنتِ وفارس أحلامك .. متبصليش كده علشان جبت أخري بقى.

هتف بها بنبرة ضجرة إلى هارون وهو ينفض ملابسه بضيق من غبائها وكأنه سوف يمزقه بعدما نظر له الأخير نظرة مهددة بسبب حديثه السابق ثم خرج من المكان بخطوات أصدرت صوت صرير احتكاك خارج من خفة المنزلي المصنوع من القطن ويكون على شكل تمساح أخضر اللون الذي جعلني أشعر برغبة في الضحك، فنظرت هي بأثرة بملامح انطفأت من الحزن أثناء شرود عينيها في تفكير.

_ بيقولوا الأبوة بتكتف بس من يوم ما بقيتي بنتي وأنا طاير ..  مين أحلى؟

قالها هارون بتساؤل بعد حديثه السابق الذي خرج بنبرة عاشقة وهو يرمق ابنته بحنان بسبب غيرته من حديث فارس المغازل، فنهضت شهد من مجلسها ثم قبلته من وجنته الاثنين كأنها تخبره إنه أفضل من الجميع.

- كل ما أشوف الاتنين دول أحس إني عايزة أعيط.

قالتها شفا بنبرة متهدجة داخل أذني وهي تشير برأسها ناحية شهد وهارون، فضمتها بذراعي بهدوء بعدما شعرت بالحزن من أجلها، هي لا تغار منها بالطبع، شفا جميلة وغير حقودة هي تحزن على حالها من رؤية علاقتهما، فقد رغبت دائمًا في أب مثل هارون.

هارون الذي يحمل ابنته فوق ظهره، يخبرها بحديث جميل مغازل، يدللها وكأنها مازلت صغيرة، يطعمها في فمها، بغني لها، ويمشط شعرها، حتى إنه يخرج معها في موعد غرامي مرتين بالشهر يكونوا مع بعضهم البعض فقط، تتحدث معه في كل شيء كعادة ثابتة في حياتها منذ نعومة أظافرها، فقط، حتى يملأ احتياجها النفسي لطاقة الذكر في حياتها ولا تنظر أو ترغب في علاقة مع أحد حتى تتزوج.

فلما سوف تفعل ذلك إذا كان أبيها يفعل معاها كل ما ترغب به؟

- كُلي أكل كتيــر أهو، صنية مندي تستاهلك، يا رب بقى.

هتف بها فارس بقلة حيلة وهو يضع فوق قدمها حاوية طعام بعدما عادت من جديد وجلست بجانبي أنا وشفا، فبرقت عيون شهد بشدة وكأن سهم من السعادة اخترق قلبها ثم بدلت مكانها وجلست بالمنتصف بيني وبين شفا لنشاركها الطعام وهي تقول بنبرة متسرعة:

- ما تيجي نتجوز يا فارس، حبيتك فجأة.

- اللي يرجع في كلامه يبقى "شمس الزناتي".

قالها فارس بنبرة متلهفة فضحك الجميع بخفة بسبب استخدامه لاسم شمس وكأنه سبة بذيئة، أمسكت شهد معلقة من الطعام وحركتها وكأنها تصافحه لتؤكيد حديثها بشأن الزواج المازح من وجهة نظرها، تزامنًا مع صدوح صوت هاتف عبدالرحمن الذي أجاب عليه على الفور:

- وحشتيني يا زوز يا قمر ..  ليه كده طيب؟ لا إله إلا الله ما أنا جيت خدتها إمبارح مرضيتش .. حاضر أنا كدا كدا جي .. ورد إيه؟ عاليا دي أصالحها بحجر شيشة قص .. أمــال رقيقة جدًا دي حتى لما بتدلعني بتقولي يا زعيم .. خلاص هجيب ورد وأنا جي حاضر، عايزة حاجة؟

- ماما فين المربى بتاعتي.

قالها خوفو بنبرة متسائلة بعدها قرّب فمه من سماعة الهاتف الذي يضعه عبد الرحمن فوق موضع أذنه، ففتح مكبر الصوت حتى يتسنى له أن يستمع لحديثها حيث قالت بنبرة مسرورة مهللة تشبه خاصة خالتي عندما تتحدث مع ليونار:

- قلب ماما و روح ماما، ريحان عملتهالك، تعالى اتغدى معايا عايزة أشوفك متبقاش زي العاق اللي مش بيسأل علي أمه ولا بيشوفها.

توسعت عيون عبد الرحمن ورمق للهاتف بصدمة وكأنه يخبرها حقًا؟ حيث إنه يذهب لرؤيتها أكثر من مرة بالأسبوع ويبيت بالمنزل يوم الخميس كما إنه كان هناك أمس عندما ذهب لمراضاة عاليا لكنها عندما هبطت معه إلى أسفل المنزل هتفت:

- لا حاسة إني اتسرعت، ملحقتش اغضب، طـلـقـنـي.

هتفت بها بنبرة صارخة بعد حديثها الذي كان مثل حديث نفس ثم ركضت للأعلى تحت نظراته المستنكرة، فحرك عبدالرحمن رأسه بدون تصديق قبل أن يذهب إلى المتجر ويجلب لها طعام وحلوى بعدها أعطاها لها ثم عاد للمنزل بقلة حيلة.

_ بقولك يا عبدالرحمن بدون لف ولا دوران خوفو بيحب ريحان وعايز يتجوزها، إيه رأيك؟

هتف بها هارون بغتة بنبرة هادئة إلى عبد الرحمن بعدما نهض خوفو من مجلسه في نية منه لتغير ملابسه حتى يذهب لعزومة الغداء مع أخيه عقب إنتهاء المكالمة مما أدى لتجمد خوفو بموضعه لبرهة وهو يثبت نظراته المحترقة إلى عبد الرحمن الذي مسح بأصابع كفه في المنطقة بين ذقنه وشفتيه قبل أن يقول بنبرة هادئة:

- لو حد تاني غير خوفو كنت هرفض بس ده أكتر من أخويا، مش هلاقي حد يحميها ويحبها زيه، بس طبعًا هسأل ريحان الأول واللي في الخير يقدمه ربنا.

صاح جميع أخوته بسعادة وصفقوا جميعًا بمرح بعدما ساد جو من السعادة في الغرفة بينما لمعت عيون خوفو وسحب عبدالرحمن من مجلسه وضمه له بقوة ليعبر له عن امتنانه بسبب ثقته الكبيرة به، ثم خرج من الغرفة حتى يبدل ثيابه في نفس الوقت الذي جلب به ليونار دف وبدأ في الطرق عليه حينما بدأ الجميع بالغناء بمرح.

_ لا كله إلا الجاكيت ده.

- شيل إيدك علشان مقطعهوش.

قالها خوفو بنبرة جامدة وهو يسحب الجاكيت من كف باسل المقبوضة على قميصه بعدما انتفض من مجلسه كمن صعقه البرق وأنقض على جاكيت خوفو عقب وقوع بصره عليه بعدما عاد بعد برهة يرتدي ملابس ملونة على غير عادته مكونة من بنطال أسود وسترة صوفية مخططة باللون الأسود الرمادي الغامق ويظهر من أسفله قميص قطني أبيض اللون وجاكيت باللون الرمادي والذي علمت إنه يخص باسل، بل كل الملابس تخص باسل.

- بتاخد حاجتي ليه يا بارد؟

- معنديش لبس ملون.

- أنا ذنبي إيه إنك قررت تفك الحداد النهاردة، بابا خليه يقلع الجاكيت بتاعي.

هتف بها باسل بنبرة متذمرة طفولية إلى هارون وهو يعقد ساعديه أمامه بعدما وصل لحائط مسدود من الشجار مع أخيه، فنظر له هارون بتحير من شجاره الغير مبرر على الجاكيت قبل أن يهتف بنبرة مقررة:

- فيها إيه لما يلبس الجاكيت؟ هو هياخده؟ خليه يلبسه وهيبقى يرجعه ليك تاني.

- تلاقي جميلة كانت لابساه وهو مغسلوش المعفن.

قالها نيلان ببساطة بنبرة ساخرة وهو يرمق باسل بنظرة هازلة، فنظر له باسل بدهشة لبرهة من معرفته الأمر الذي لم يفصح عنه ثم خرج من شروده على تلقف وجهه الجاكيت الذي خلعه خوفو على الفور بعد حديث نيلان مع ظهور تعبير اشمئزاز على وجهه والقاه في وجهه، أمسك باسل الجاكيت بسرور ثم احتضنه كطفل صغير وجد لعبته الضائعة وعاد لمجلسه بهدوء.

- تعالى نشوف حاجة في دولاب ليو.

قالتها شهد بنبرة متحمسة إلى خوفو ثم أمسكت يدي وشفا وسحبتنا مثل النعاج خلفها كعادتها ثم لحق بنا خوفو على مهل، دلفنا غرفة ليونار التي تقبع في نهاية الممر ومنها لغرفة ملابسه الملحقة بغرفته.

- الله حلو أوي هاخده ليا.

قالتها شهد بنبرة متحمسة بعدما أمسكت سترة واسعة باللون الرمادي كانت موضوعة فوق الرف ثم فردتها ووضعتها فوق جسدها من الأمام وهي تنظر لهيئتها في المرآة ثم تركتها فوق المقعد حتى تأخذها معها وعادت تتفحص الخزانة التي يطغى اللون الأبيض الخاص بالملابس بها حيث إنه لون ليونار المفضل.

- ده ملون أوي.

قالها خوفو بنبرة متذمرة وهو ينظر إلى الملابس التي اختارتها شهد برفض وكأنها أفعى ستلتف حول عنقه وتخنقه حيث إنها تتكون من بنطال واسع باللون الأزرق الفاتح من قماش الدنيم "جينز"، قميص قطني أبيض، جاكيت بلون الرمال، حذاء رياضي أبيض اللون جديد، فتجاهلت شهد حديثه ومدت يدها له بالملابس بحماس وكأنه لم يعترض عليها من ثواني فأخذها منها على مضض.

- عجبك حاجة عايزة تخديها؟ متتكسفيش دي زي أوضتك عادي.

قالتها شهد بنبرة متسائلة ببساطة لشفا وهي تشير لها ناحية الملابس لتعرض عليها البضاعة وكأنها بمتجر للملابس وليس بغرفة شخصٍ ما، حركت شفا رأسها بنفي وعلى وجهها نظرة مذهولة من ما تعرضه عليها، إنها ملابس الرجل!

خرجنا من الغرفة الصغيرة إلى غرفة ليونار ليقوم خوفو بتغير ملابسه وتشاهده شهد بها حتى تستقر عليها، جلسنا على أريكة بالغرفة ثم سلبت نظراتي من قِبل مكتبته على الفور، نهضت من مجلسي وخطوت ناحية المكان الخاص بكتبه الذي يقبع جانب الحائط الزجاجي المطل على الحديقة بالخارج، برقت الرواية الخاصة بي في الوجهة حيث كان يضعها بوجهها بينما جميع الكتب مصفين جانب بعضهم البعض.

أيها اللص المدبلج، أنا لم أعطيها لك للأبد!

خفضت نظراتي على الأريكة المريحة البيضاوية أمام الحائط حيث توضع فوقها رواية " شجرتي شجرة البرتقال الرائعة" امسكتها لرغبتي في قرائتها ولم تتح لي الفرصة، فتحت صفحاتها وجدت بعض المقاطع المشار إليها عن طريق وضع خط ملون باللون الأزرق فوقها وكأنها تعبر عن حاله، قرأت فقرة بسبب الفضول.

" لم أعد أرغب بالحديث، وحتى رغبتي في الغناء انعدمت هي أيضًا، طار عصفوري الذي كان يغنّي داخلي"

تبًا هذه الرواية ستسبب لي اكتئاب، قرأت العديد من الفقرات ذات الجرعات العالية من الحزن حتى لاحظت فقرة مخطوطة باللون الأصفر المختلف عن باقي فقرات الحزن باللون الأزرق.

" حين أكون قربك .. أشعر بأن شعاعًا من الشمس يغمر قلبي بالسعادة "

خطّ ليونار جانب الفقرة بخط صغير" ليكاتا" فضحكت على فعلته المراهقة هذه تزامنًا مع قول شهد الذي خرج ببساطة:

- دي رواية ليو المفضلة من النوع ده، خديها لو عايزاها هو قرأها عشرين مرة.

حركت رأسي بالموافقة فأنا كنت أفكر في هذا الأمر بالفعل، لقد سرق روايتي لذا سوف أعوض عن الأخرى بواحدة جديدة؛ خرج خوفو وهو ينظر للملابس بدون راحة على الرغم من تناسبها مع جسده ومظهره فقد زادته وسامة.

- الدنيا بتمطر.

قالتها شهد بسعادة عندما صدح صوت طرق قطرات المطر فوق الزجاج حيث بدأ بقوة فجأة من العدم دون سابق إنذار، شعرت بالسعادة تسري داخل أوردتي كطفل صغير ينتظر المطر ليلعب به ثم خطوت من جديد تجاه الحائط ونظرت إلى الأشجار المبللة وأنا استنشق عبير المطر الذي عبّق الغرفة، أغمضت عيني ثم بدأت بالدعاء لأمي ولي ولكل من أحب.

"يارب إذا كان زواجي من عامر شرًا لي اصرفه عني"

هتفت بها داخلي بيقين كامل في أن الله لن يزوجني من شخص يكسر قلبي، ثم هبطت رفقة شهد للأسفل منتظرة المطر أن يتوقف حتى أستطيع الذهاب.

عدنا للأسفل إلى الغرفة المجتمعين بها وجدت عماه قاسم وصالح انضموا لهم كما تنازلت نفرتاري وجلست معهم، نظرت للشاشة حيث يشاهدوا فيلم من النوع الحركة وكل شيء داخله ينفجر، سيارات، درجات حتى الأشخاص.

انتبهت للفيلم حيث إنه من نوعي المفضل لكن قبل أن أبدأ في فهم الأحداث والأندماج بها دلف اثنان من المامبا يرتديان سروال قصير أسود يصل للركبة
وقميص من نفس اللون مفتوح بالكامل حيث تظهر عضلات معدتهم بالكامل في الشتاء! ويظهر على مرفقهم وشم الثعبان أسفل أكمام القميص المثنى، وأحدهم يحمل ورقة بين يديه.

- زعيمنا وزعيم المملكة كلها.

قالها الشاب الذي يحمل الورقة في يديه بنبرة مرحة إلى قاسم وقبل أن يكمل حديثه أشار لهم هارون بيديه ناحيتنا ثم إلى القميص ليقوموا بغلقه تزامنًا مع قول قاسم بنبرة ضجرة وهو ينظر لهما بتحفز:

- خيـر.

- إحنا قعدنا مع بعض وأتفقنا نقدم طلب تظلم بالنيابة عن باقي المامبا ومحتاجين إنك تقبله، وإنت أعدل الناس ولا تقبل بالظلم و..

قالها الشاب بنبرة مهللة يعظم قاسم وهو يمرر أصابعه فوق أزرار القميص ليغلقها، فرفع قاسم إصبع سبابته وحرّكه بشكل دائري أشاره له كي يدخل في صلب الموضوع، نظر الشاب لمرافقه بتوتر قبل أن يستطرد بعدما حثه أخيه بإماءة من رأسه:

- بما إن موسى هيسيب كاميليا زوجة هاديس أو بابا هيخليه يسبها بمعنى أدق، إحنا شايفين إن من حق كل المامبا إنهم يختاروها مش المتدربين للنساء بس، فأحنا بنقترح نعمل قرعة جماعية واللي عايز يكون معاها يحط اسمه واللي هيكسب هو اللي هيحميها علشان إحنا كتير اوي، ده العدل وشكرًا.

- خلصت؟

قالها قاسم بنبرة هادئة رزينة وهو يثبت نظراته به بعدما توقف عن الحديث، فحرك الشاب رأسه دليل على الموافقة وهو يعود خطوة للوراء بتحفز أثناء تعليقه بنظراته المتوجسة بعمه، نظر قاسم إلى صالح الذي وضع يده على حِزام بنطاله وبدأ بخلعه.

- الله يخربيت كاميليا اللي شاغلة المملكة كلها دي بقادتهم برجلتها.

قالها هارون بنبرة حانقة بعدما ضحك عاليًا عندما ركض الاثنين إلى الخارج قبل أن ينهض صالح ويبرحهم ضربًا تزامنًا مع دلوف رائف الذي يرتدي ملابس مشابهة للآخرين لكنه يغلق قميصه، فقال له صالح بنبرة ساخرة:

- خير يا رائف يا حبيبي عندك تظلم جاي تقدمه.

حرك رائف رأسه بالنفي وهو يبتسم بسرور ثم أشار بيده إلى الخارج لتدلف نجمة التي تحمل القردة لوزة التي  ترتدي فستان أسود يشبه حِلة الرقص حيث يُفتح من الجانبين ويلتف حول خصرها حِزام ذو أجراس صغيرة، وضعتها نجمة فوق الطاولة وهي تضحك بخفة تزامنًا مع قول رائف الأستعراضي:

- أنا جي اوري بابا هارون رقصة لوزة .. يلا يا لوزة متتكسفيش وري جدو اللي علمتهولك.

قالها بنبرة محفزة إلى لوزة ثم سحب الدف الموضوع فوق الطاولة أعطاه إلى نجمة بينما أمسك هو آخر وقال بنبرة مرحة إلى أخوته بعدما بدأ في الطرق عليه.

- يلا يا شباب معايا.

لوزة جنزير .. لوزة جنزير.
عليها رقص جميل ومثير.
لوزة جنزير.. لوزة جنزير..
بص عليها عشان بتطير. 

رقصت لوزة على غنائه رفقة تصفيق الشباب وهي تحرك خصرها الذي يصدر صوت رنان بسبب حزام الأجراس خاصتها بحركات تشبه رقص نجمة فعلمت إنها قد أرهقت حالها للغاية في المُذاكرة، ثم صدح تصفيق الجميع المرح مع إصدار صوت صافرة من فمهم كتحية على فقرتها المبدعة بينما هتف صالح الذي كان ينظر لها بحسرة:

- اللهم إني لا أسألك رد القضاء لكن أسألك اللطف فيه... حسبنا الله ونعم الوكيل فيك يا سالم.

- لا لا لا إيه العظمة دي كلها يا لوزة، برافو .. تاني يلا.

قالها هارون بنبرة مرحة وهو يصفق بيديه من جديد، فعاد رائف يطرق من جديد مع الشباب الذي نهضوا وبدأوا بالرقص مع رائف أثناء انتشار الضحكات من جديد.

____________________ 𓂀

"نسمع في لحظات الفرح الغامر صرخات الرعب أو البكاء الموجع اشتياقًا إلى شيء ما فقدناه بلا رجعة"

- نيتشة

جلست ريحان في شرفة منزلهم تنظر للمطر المنهمر بابتسامة واسعة راضية وهي تتمتم بالدعاء لكل من تحب، وضعت كوب مشروب "السحلب" بين كفيها اللذان تحولا إلى قطعتي من الثلج لتستشعر دفء الكوب الذي انسلت سخونته إلى كفيها فشعرت بالألم ينغز جلدها كالأبر من تفاجئ جسدها بالحرارة، رفعت الكوب ورشفت منه رشفة خفيفة تستشعر سخونته حتى لا تلتسع بسبب احتفاظ المشروب بالحرارة، ضرب لسانها عدة أطعمة في آن واحد وكان الغالب هو طعم جوز الهند المبشور.

- عبدالرحمن وحشني اوي، هو مش هيجي ولا إيه؟!

قالتها عاليا بنبرة متذمرة وهي تنظر إلى الشارع الفارغ إلا من بعض الأطفال الذين يلعبون أسفل المطر غير عابئين بالبرد أو المرض الذي سيصيبهم، ثم نفخت بضيق وجلست جانب ريحان على مقعد خشبي عريق موضوع فوقه وسادة مذركشة ملونة وتضع فوق كتفها شال صوفي ثقيل صنعته لها أم زوجها الحنونة حتى يقيها البرد.

- مش إنتِ قولتي إنك ملحقتيش تغضبي؟!

- يعني أي حاجة أقولها يصدقها، المفروض كان يجري ورايا ويشيلني يركبني العربية غصب عني.

قالتها عاليا بنبرة ضجرة حزينة وهي تنظر إلى الطريق بكآبة تعقيبًا على حديث ريحان الذي خرج بنبرة متسائلة مازحة تذكرها بما حدث من قِبلها أمس، فضحكت الأخيرة على حديث عاليا ورغبتها الغريبة.

- طيب لو كان عمل كده كنتي هتعملي إيه؟

- كنت هصوت وألم عليه الشارع.

قالتها عاليا بتلقائية وهي ترفع كتفيها ببساطة تعقيبًا على حديث ريحان السابق الذي خرج بنبرة خبيثة وليست متسائلة مما أدى لارتفاع ضحكات ريحان عليها تزامنًا مع توقف سيارة أسفل المنزل التي اغرقت الحائط جانبها من المياه القذرة بسبب توقفه المفاجئ بالسيارة، وقفت ريحان حتى يتسنى لها رؤية قاطن السيارة عند وصول صوتها إلى أذنها في نفس الوقت الذي هبط به خوفو من باب مقعد السائق فارتفعت ضربات قلبها على الفور قبل أن تشيح بنظرها عنه وتدلف للداخل.

- إيه اللي جابك ها؟ مش قولت عايزة اغضب؟

- معرفتش أنام منغيرك قولت آجي أنام هنا .. الورد للورد.

قالها عبدالرحمن بنبرة رخيمة صادقة وهو ينظر إلى زوجته بشوق من بُعدها عنه اليوم السابق وهو يمد يده لها بزهورها المفضلة بعد حديثها المندفع الذي خرج بنبرة متهكمة عقب وقوع بصرها عليه، فضحكت عاليا بسعادة بالغة قبل أن تهتف مسرعة:

- وحشتني اوي، تعالى شوف عملت ليك إيه.

سحبته من كفه إلى الغرفة ثم سحبت السترة الثقيلة القطنية ذات القلنسوة ورفعتها أمام عينه حيث خزلت حرف العين بالخيوط البيضاء مكان موضع القلب بمساعدة واحدة من شقيقات عبدالرحمن، فتوسعت عين الأخير بانبهار وسحبه من بين كفها وارتداه على الفور.

- كل يوم بتأكد إن كل دعوات أمي ليا استجابت بوجودك في حياتي.

قالها عبدالرحمن بنبرة صادقة وهو ينظر إلى زوجته بحب بالغ متدفق من عينيه ممتزج بامتنان لوجودها في حياته تحرك ناحية الخزانة الخشبية واحضر من فوقها طائرة ورقية ملونة وعاد لها من جديد وهو يقول بنبرة هادئة:

- عملتها ليكِ بس كنت مستني الجو يتعدل علشان نطيرها مع بعض.

شهقت عاليا عاليًا وهي تنظر إلى الطائرة الورقية المصنوعة من الخوص الأكياس البلاستيكية الملونة والتي يتم صنعها باليد حيث إنها كانت ترغب في واحدة متشابة لتلك سابقًا وهو صنعها من أجلها.

- بنت، لو خرجت كلمة طلقني من لسانك تاني هقطعهولك، تمام؟

هتف بها عبدالرحمن بنبرة ساخطة ويمسك عاليا من قلنسوة سترتها السوداء ويرفعها قليلًا للأعلى حيث إنها قصيرة بالنسبة له، فحركت رأسها عدة مرات بخوف كاذب ثم هتفت وهي تبتسم ببلاهة:

- تمام يا زعيم.

في الخارج وقف خوفو يقطع الخبز إلى فتات صغيرة داخل صحن رفقة زينب والدة عبدالرحمن وهو يقضم من جزرة أخرجها من الثلاجة فهو معتاد على ذلك حيث يتعامل وكأنه بمنزله، سكبت زينب "العدس" فوق الخبز في الطبق الخاص بها ولعبدالرحمن كذلك ثم قالت له بتساؤل:

- اعملك فتة زيي ولا هتغمز العدس بالعيش؟

- اللي ريحان هتاكله.

قالها خوفو بتلقائية وهو يحك فروة رأسه من الخلف ليواري خجله فضحكت السيدة زينب بخفة ثم سكبت له طبق بدون خبز كما تأكل ريحان التي وقفت متسمرة بمكانها في الخارج لاستماعها ما هتف به عبدالرحمن مع صدوح دوى رعد خفقات قلبها التي احالت هدوء بلدته إلى ضوضاء مزعجة.

- إيه الهزار ده هو علشان الدنيا مطرت يبقى أكل عدس، أنا مش بحب العدس.

قالتها "ليلة" أخت ريحان بنبرة متذمرة عندما ناولها خوفو الأطباق، فرمقتها أمها بنظرة غير راضية بينما قال خوفو بنبرة متعالية يمازحها:

- أنا ممكن أنزل أجيبلك بيتزا بس هتعملي ليا قهوة وتغسلي الفنجان لمدة خمس مرات متتالية.

- بيتزا إيه؟ أنا عايزة صينية مشويات.

هتفت بها ليلة باستهجان تعقيبًا عن حديث خوفو السابق فضحك بخفة عليها ثم رفع إصبع إبهامه للتعبير عن توثيق الأتفاق ثم جلس على الطاولة الصغيرة أمام ريحان لتناول الطعام تزامنًا مع خروج عبدالرحمن الذي يعانق كف زوجته ثم سحب لها المقعد لتجلس عليه كما يفعل رجال عائلة المُهيري حيث إن هذه الأمور غير معتاد عليها في حياته السابقة لكن نساء عائلة عاليا لا يعاملوا غير هذه المعاملة.

سحب عبدالرحمن كف أخته ريحان إلى غرفتها بعدما نزل خوفو ليحضر الطعام إلى ليلة ثم مسح على ظهرها بحنان ليطمئنها حيث نظرت له بتيه من فعلته قبل أن يقول بنبرة هادئة وهو يبتسم بسرور:

- خوفو طلب أيدك مني.

انتفضت ريحان في جلساتها وكأن لسعة سوط نزلت فوق جسدها عقب إنتهاء عبدالرحمن من جملته ثم نظرت له بجسد متجمد يتنافى مع الشجار الذي يحدث داخلها حيث يرقص قلبها رقصة "الدبكة" بينما يرتعش عقلها من الخوف.

- أنا مش موافقة يا عبدالرحمن.

هتفت بها ريحان بنبرة حاولت أن تخرج جامدة لكنها خرجت مهتزة قبل أن تترك الغرفة وتصعد إلى ملاذ العائلة الدائم: السطح.

دلفت الغرفة الصغيرة الملحقة به والخاصة بإسلام أو سارق التوت لكنه ليس بالغرفة الآن، فتحت الشرفة المطلة على الخارج قبل أن تنفجر في البكاء بعنف، لقد لعب بها الشيطان وبث داخلها وساوس في خمس ثواني يكفيها مدى الحياة.

لن يكمل معي، بعد برهة سوف يمل.
بالتأكيد سيرغب في أطفال.
سوف يخونني مع انثى أخرى تنجب ويتزوجها من خلف ظهري.
هل يتزوجني لأنه يشفق عليَّ؟
لن أتحمل، لن أتحمل فكرة مشاركتي انثى أخرى.
أنا غير كافية لرجل.

ارتفعت شهقاتها أكثر كلما تسارعت الأفكار داخل عقلها، لقد تلبسها الخوف ومنعها من التفكير الصحيح، تمثل في هيئة ساطور في يد رجل جزارة يمسك بقلبها ويثبته فوق قطعة من الخشب الدائرية ثم رفع يده للأعلى وهوى بساطور الخوف في منتصف قلبها لتتفجر الدماء منه ويصبح قطع متناثرة.

الخوف يقتل، الخوف يجمد التفكير، الخوف هو أبشع الوحوش التي يمكن أن يقابلها البشر.

_ آنسة ريحان.

خرج صوت خوفو الذي وقف أمامها من خارج الشرفة بنبرة متحشرجة فرفعت رأسها حيث كانت تضم قدمها إلى صدرها وتدفن رأسها داخل مرفقها تحبس حالها داخل قوقعتها كسلحفاة مرتعدة، ابتلع خوفو الغصة داخل حلقه من هيئتها قبل أن يقول بنبرة ثقيلة:

- ليه؟ رفضتيني ليه؟ حقي إني أعرف.

- آسفة يا محمد، إنت مفيش فيك حاجة وحشة والله، بس أنا مش عايزة أتجوز.

قالتها ريحان بنبرة مهتزة وهي تنكث رأسها للأسفل، فحرك خوفو رأسه بالموافقة ثم أخرج كيس محارم من جيبه ثم القاه بخفة جانبها ثم قال بنبرة هادئة:

- دموعك غالية على قلبي يا ريحان مفيش حد يستاهل دموعك حتى لو كان أنا .. أنا مش زعلان متحسيش بالذنب علشاني أنا كويس.

أضافها خوفو بنبرة هادئة وهو يبتسم ابتسامة خفيفة حقيقية قبل أن يتحرك من أمامها تجاه قصاصات الزرع المنتشرة فوق السطح حيث تزرعها رفقة فتيات العائلة وإسلام الذي يهتم بهم ثم قطف عود من النعناع ثم هبط وتركها متحيرة من حالته الطبيعية وكأنها لم ترفضه، هل أجبره أحد على التقدم إلى الخطبة؟

إذا كان يحبني بالفعل كان يجب أن يحزن على الأقل، أم إنه شعر بنجاته من الزواج من امرأة لا تنجب؟

- عملتك شاي علشان الدنيا برد وجبتلك الشال، كان نفسي البسه ليك بنفسي بس الصبر كل حاجة بتكون احلى في وقتها.

قالها خوفو بنبرة دافئة الذي عاد بعد برهة من جديد ليوقف سيل أفكارها الذي يهطل داخل جمجمتها ثم وضع كوب الشاي المنعنع فوق حافة سور الشرفة بعدما مد جزعه العلوي لداخل الغرفة ووضع الشال جانبها بهدوء.

_ آنسة ريحان خوفو مبيترفضش، إنَّافياتو قُرَّندِتو. (إلى اللقاء يا رمز الفرح)

قالها خوفو بنبرة متلاعبة ثم غمز لها بطرف عينه قبل أن يرحل ببساطة كأنه لم يبعثر نبضات قلبها بحديثه، ماذا يعني بأنه لا يُرفض؟

__________________________𓂀

دلفت إلى شرفة شهد العالية أشاهد المطر وأنا أشرب من مشروب الشاي الأخضر حيث تناولت الغداء الذي صنعه ليونار رفقة الجميع منذ ساعة تقريبًا، سَرت قشعريرة بجسدي بسبب برودة الجو المفاجأة بعد المجهود الذي بذلته بالداخل حيث كنا نرقص احتفالًا بخطوبتي المستقبلية لقد تم الاتفاق على موعد المقابلة الخاصة بعامر يوم الجمعة القادم حينما يكون مراد بإجازة، لم يصدر من خالتي رد فعل عندما هاتفتها منذ قليل بعدما بعث لي عامر رسائل يسألني عن الموعد.

كانت هادئة بشدة وهي تتحدث معي، هذا مقلق للغاية لإنه ينذر بقدوم عاصفة، أغمضت عيني بترو وقربت الكوب من وجهي حيث ينبعث البخار منه إلى أنفي التي تحولت إلى كرة ثلج حتى أدفئه، فتحت عيني وارتشفت رشفة ساخنة من الكوب شعرت بها وهي تهبط للأسفل داخلي أثناء مشاهدتي للمطر من تلك الشرفة حيث إن المظهر باهر.

غردت السعادة داخلي حيث أن المطر يعزف لحنًا يدخلني في سكرات حب مباغت، رائحة المطر تثمل عقلي، المياه تبلل كل شيء، الشجر والورود، شعرت بهم يرقصوا على نغمات المطر.

- الأجواء الشتوية هذه بدها زوجي المستقبلي.

قالتها شهد بنبرة مازحة وهي ترتشف من مشروبها الساخن فضحكت بسخرية داخلي حيث إن هناك شاب كل همه هو أن تقبل وجوده بينما هي تتصنع البلاهة وقبل أن أسخر منها وأهتف بما يجول داخل رأسي سمعت صوت صرخات مرحة تصدح بالأسفل فنهضتُ من فوق المقعد لأرى ما يحدث

أجتمع الأطفال من صغار المامبا مع الشباب أخوة ليونار جميعًا بالطبع الوغد المدبلج معهم، كان الجميع يرتدي سروال أسود قصير فقط أسفل المطر عدا ليونار الذي يرتدي سترة ثقيلة ذات قلنسوة ونيلان كذلك بينما يرتدوا الأطفال معاطف جلدية صفراء ذات قلنسوة خاصة بالمطر.

صنعوا مربع كبير بواسطة صناديق ودخل الجميع داخل حدوده عدا ليونار ونيلان وقفوا بالخارج وكلاً منهم يحمل كرة بين يديه، بعدها بدأوا اللعب والغناء والمرح بالطبع لعبة "صياد السمك"  حيث يقوم ليونار ونيلان برمي الكرة عليهم ومن تصيبه يخرج من اللعبة.

- برافو يا رائف إيه العسل ده!

قالتها نجمة بتشجيع وهي تصفق بيديها بعدما قفز رائف للأعلى عقب إلقاء ليونار الكرة تجاهه فمرت من بين قدميه، نظر رائف لها للأعلى ثم قبّل دبلة زوجته وأشار لها بيديه فضحكت نجمة بسعادة لكن ضحكتها تلاشت عندما اصطدمت كرة نيلان بصدره أثناء انشغاله بهذا المشهد مما أدى لصدوح ضحكات الجميع.

- بتحيوا مين؟ باني وحببكم مين؟ بـانـي.

هتفت بها شهد بتشجيع وهي تطرق على الحاوية المعدنية لتشجيع نيلان وصفقت شفا معها بمرح، فسحبت غزل الحاوية من بين أصابعها وهي ترمقها بحدة ثم هتفت بملأ صوتها:

- هيلا هيلا وهيلا هيلا هو يعقوب المالكي مفيش زيه.

هز يعقوب جسده برقصة مرحة على هتفها الصاخب قبل أن يقفز لخارج حدود المربع ويركض إلى الناحية الأخرى ثم تبعه الجميع أثناء صدوح الصرخات المرتعدة العالية بصخب أثناء هروبهم من صالح الذي جاء ركضًا وهو يمسك حزام جلدي سميك بيديه ثم بدأ صالح يضرب كل من تطاله يده حتى وقع بصره على ليونار وركض خلفه.

- الجرح، مازلت مريضًا، يا إلهي، النجدة، عماه النجدة، ما الذي سوف تشعر به إذا فُتحت جراحي؟

هتف بها ليونار بنبرة صارخة مازلت محتفظة بطريقته التراجيديه وهو يركض من صالح ببطء قليلًا وينادي على عمه هارون، توقف صالح عن اللحاق به ثم قال وهو يحرك رأسه بقلة حيلة هادرًا:

- أنا مش عارف أعمل فيك أيه يا ابن سالم؟ هتموتني مشلول، حسبنا الله ونعم الوكيل، حد يلعب كورة مع عيال صغيرة تحت المطر.

- عماه اسمها صيادين السمك، هل هناك أسماك لا تسبح في المياه؟

قالها ليونار بطريقة مرحة بصوت عالٍ حتى تصل له من بعيد حيث ركض، فصفق صالح كفيه ببعضهم بدون تصديق ثم صاح بصوت جهوري بهم جميعًا يأمرهم بالعودة حتى يأخذوا الأطفال ويحمموهم ويدفئوهم حتى لا يصيبهم المرض، فعاد الشباب من جديد كل واحد منهم حمل طفل وذهبوا الناحية الأخرى حيث مبنى المامبا.

_________________________ 𓂀

توقفت الأمطار أخيًرا حمدًا لله، لأنني لن أبيت بين جدران هذا القصر الملعون من جديد، حملت حقيبتي بعد رفضي المبيت بطريقة قاطعة للنقاش مع الفتيات، لم أجد سيارة على أحد المواقع الخاصة بالسيارات ورفضت أخذ سيارة ليونار من جديد معي هو ليس زوجي كي احتفظ بسيارته.

- أصلًا مينفعش تمشي لوحدك في الوقت ده والجو ده، هقول لحد يوصلك.

قالتها شهد بنبرة حانقة لا تقبل النقاش ثم حملت هاتفها للتتواصل مع أحد المامبا ثم بعد دقيقتين هبطت من الغرفة ثم خرجت من المنزل وجدت السيارة تنتظرني ويقف أمامها رائف الذي فتح الباب الجانبي للسائق بمجرد رؤيتي، فضحكت بخفة عندما تذكرت ما حدث، تبًا منذ الصباح وأنا أغني" لوزة جنزير" داخل عقلي وكأن الأغنية تلبستني.

- أنا هوصلها يا رائف، تسلم.

قالها ليونار الذي جاء يحمل تميم على كتفه بنبرة هادئة، فابتسم رائف ثم تحرك للداخل عندما وقع بصره على نجمة التي تقف أمام الباب بعينان تشعان وكأنه ذاهب في رحلة فضائية إلى نجمة حقيقية كما كان يحلم.

- هاجي معاك.

- مش هينفع ماما فريدة مرقباني، يا إلهي! دي جاية أعمل نفسك نايم.

قالها ليونار بصوت خافت تزامنًا مع قدوم فريدة تجاهه بعد حديثه السابق المترقب تعقيبًا على رغبة تميم في القدوم معنا بعدما أخبره ليونار أن يقفز من فوق كتفه، حملت فريدة تميم من فوق كتف ليونار ثم قبلت وجنته بحب، ثم همّت أن تتحرك به قبل أن يوقفها ليونار بقول:

- هينام جانبي النهاردة.

- لا إنت متسيب، هتسيبه يفضل صاحي طول الليل والصبح هيقولك مش قادر أروح المدرسة عايز أنام شويه هتقوله ماشي يا حبيبي كمّل نوم. 

قالتها فريدة بنبرة حانقة وهي تنظر له بغضب مكبوت من تسيبه مع الصغير وهي تضم تميم لها اكثر وكأنها تحميه منه، فتح ليونار فمه بصدمة وهو يشير بإصبعه ناحية صدره وكأنه يخبرها حقًا؟
أقسم أن لم أعلم إنه ممثل بارع لصدقت إنها تدعي الأمر! لقد أتيت في الصباح وجدت الصغير نائم بجانبه!

- لن يحدث وأخلاقي.

- وأخـلاقــك آه،  لو حصل هقول لهارون يعلقك على الباب برة بالمقلوب.

قالتها بنبرة مهددة وهي ترفع إصبع سبابتها في وجهه تزامنًا مع خروج هارون من المنزل بخطوات سريعة متعجلة أثناء إتجاهه لسيارته التي تقف خلف سيارة ليونار، اوقفته فريدة قبل إن يدلف لمقعد السائق بعدما فتح الباب بقول:

- رايح فين يا هارون؟

- ما قايلك شمس عامل حفلة فجأة وعزمني هروح نص ساعة وآجي، كل القادة هناك.

قالها هارون مفسرًا بنبرة هادئة بعدما قطّب جبينه بحيرة حيث إنه أخبرها بالفعل، فرفعت فريدة حاجبها الأيسر للأعلى وهتفت بنبرة جامدة لا تحمل النقاش وهي تنظر له بتصميم يتدفق من مقلتيها:

- وأنا قولت لا، شمس مش تمام وأنا عارفة اللي فيها.

- أنتِ هتمشي كلامك عليا؟ إيه الهبل ده! متخلقش اللي يمشي كلامه علي "رع" طيب عليا الطلاق بالتلاتة يا فريدة .. ما أنا خارج، فشار وحصليني علشان نكمل الحلقه المليون من المسلسل التركي اللي بتفرجيني عليه بالغصب.

أضافها بنبرة جامدة آمرة وهو يعود للداخل من جديد تتنافي مع مزاحه عقب صراخه بالجملة السابقة بحدة في وجهها، فضحكت فريدة بخفة ولحقت به بعدما انزلت تميم، رفعت حاجباي بدهشة من الأمر حيث إنني صدقته بحق، لكن يبدو أن موهبة التمثيل وراثية في هذه العائلة.

- ايوة كدا عرفها غلطتها، معندناش ست تمشي كلامها علي راجل.

صرخ بها ليونار بنبرة عالية جدية ممازحًا، ثم حمل تميم من فوق الأرض وقربه مني حتى يقبل وجنتي قبل أن أذهب، فطبع قبلة فوق وجنتي أشعرتني بأن فراشة طارت بعيدًا من موضع القبلة ثم أنزله فوق الأرض من جديد ليعود للمنزل وهو يقول بنبرة هادئة:

- يلا روح نام جنب فارس وأنا هاجي أشيلك.

- فالس نام وسبني، أنا تايف .. بحبك أوي يا ليو.

أضافها الصغير وهو يضم قدم ليونار في عناق قوي بعدما همّ ليونار أن يعلق على حديثه بشأن ثقل نوم فارس ليقاطعه بفعلته هذه التي جعلت ليونار يتوهج كالشمس، فضيق ليونار جفنيه فوق مقلتي عينه السوداوان ثم هتف بخبث:

- ده أبتزاز عاطفي علشان أخدك معايا صح؟ حسنًا إذا كنت تظن أن بفعلتك هذه سأذعن لك .. فأنت محق هيا أحضر شيء ثقيل كي لا تبرد أيها الوغد الصغير.

ركض الصغير لداخل المنزل بسرعة وهو يضحك عاليًا على حديث ليونار السابق ثم صعدت للمقعد جانب السائق بعدما فتح لي الباب بعدها أغلق الباب خلفي ولف حول السيارة، جلس في مقعد السائق وانتظر.

- إيه ده؟! أنت هتستناه فعلًا مش بتقوله كده علشان يدخل وتجري بالعربية وتجيب له تراست أيشوز طول حياته؟

قلتها بنبرة ساخرة من ما يفعله الأباء والأمهات مع أبنائهم الصغار، فنظر لي بدون تصديق ثم انشقت وجنته عن ابتسامة هادئة قبل أن تتحول لضحكة عالية ثم حرك يده للأعلى أعاد بها خصلات شعره الكثيف المبعثرة للخلف، يبدو جميلًا عندما يضحك.

" وإذا رأيت حسنه وهو يبتسم، قلت ربي اغفر لعيناي إن ثملت "

ضرب هذا البيت -الذي دونته في ملاحظات هاتفي بعدما نسخته من إحدى صفحات الشعر على موقع "تويتر"- داخل رأسي بصوت رخيم دوى صداه في حجرات عقلي المظلمة، فانتفضت نفضة صغيرة تكاد تكون غير مرئية وكأن إبرة نحلة انغرزت بجلدي من ما فكرت به، تبًا! ما الذي أفكر به.

مرحبًا جميلة، أوه أنا لا أرغب في ذلك لكنك اصبتني بتلك العدوى الخاصة بقلة الحياء ويجب علينا أن نقطع علاقتنا بسلام.

حسنًا هذا كلام جيد سوف أخبرها به، خرجت من حديث عقلي عندما وقع بصري على تميم الذي خرج من المنزل وهو يحمل فوق رأسه غطاء ثقيل قطني "لحاف" حتى لا يبتل من الأرض، ظهر إنه ثقيل عليه حيث بدأت ذراعاه ترتعش بينما يترنح في مشيته وكأنه يمشي فوق أرض طينية تنغرز داخلها قدمه التي تشبه قدم الكتاكيت الصغيرة، فضحك ليونار عليه ووضع يده على وجنته بدون تصديق.

- سيبيه علشان يتعلم يعتمد على نفسه.

قالها ليونار بنبرة هادئة بعدما وضعت يدي على مقبض الباب في نية للنزول ومساعدته، فحركت رأسي بالموافقة وتركت الباب ثم تابعت الصغير حتى وصل وفتح الباب الخلفي، دس به الغطاء ثم قفز للداخل بصعوبة ثم تنهد بعمق هو يرتمي بظهره للخلف بإرهاق وكأنه هذا العمل أكثر شيء شاق حدث معه في الحياة، ضحك ليونار بخفة ثم استدار له بجزعه، ومد يده وبدأ في تمريرها على أنحاء جسده يدغدغه بينما ترتفع ضحكات تميم عاليًا.

- هات بوسة .. دي صغيرة هات بوسة كبيرة.

أضافها بنبرة متذمرة بعدما وقف الصغير بين المقعدين وقبّل وجنته بسرعة بعد طلبه فضحك تميم ثم قبلة واحدة أكبر وهو يصدر صوت من فمه ثم عاد لمقعده ودس حاله بين الغطاء ليغطس داخله.

-  هل يمكنك الغناء قليلًا؟

قالها ليونار فجأة بهدوء بعد ربع ساعة من الصمت بعدما تحرك في الطريق المبلل المظلم، حركت رأسي بالموافقة أثناء فرك كفاي ببعض أتلمس بعضٍ من الدفء فأنا أكاد أتجمد بسبب ملابسي الخفيفة حيث أنني لم أظن في الصباح أن الجو سوف يضمنا فجأة داخل أحضانه المثلجة.

بدأت الغناء بصوت خافت ناتج عن أحبال صوتي المرتعشة، لم أغني ابتهال هذه المرة بل أغنية أجنبية حتى لا يحدث شيء، أغمضت عيني ثم بدأت نبرة صوتي ترتفع عندما بدأ جسدي يشعر بالدفء ثم اندمجت تمامًا في الغناء ووتبدلت طبقات صوتي من الارتفاع والانخفاض باستمتاع وأنا أنظر للطريق بالخارج.

- صوتكِ.

- مالو؟

قلتها بتساؤل عندما هتف ليونار بكلمته بعدما انتهيت من الغناء وتوقف عن تكملة الحديث تزامنًا مع توقفه بالسيارة حيث شعرت بالريبة، هل علم أن صوتي نذير شؤم كلما غنيت تحدث مصيبة؟

- كالشُهب يضرب كل من يسمعه ليحترق شوقًا حتى يسمع المزيد.

قالها بنبرة رخيمة وهو يحرك رأسه ناحيتي حتى وقع بصره عليّ وأضاءت عيناه بوهج خافت مع توسع بؤبؤاه، فبدأ قارع الطبول في إحياء حفلته داخل قلبي وابتلعت ريقي بتوتر بينما هو خلع معطفه الطويل ثم مد يده به لي، فقلت بنبرة خافتة بعدما نظرت إلى السترة القطنية الخفيفة التي يرتديها من الأسفل:

- لا، مش عايزة.

- هيا ماليكا لا وقت لتصنع الثقل، أنتِ تتجمدين، أخاف أن أنظر جانبي المرة القادمة أجدكِ تمثالًا من الثلج.

قالها ليونار بنبرة متهكمة وهو يضع المعطف فوق قدمي، حملته وارتديته على مضض لأنني أعلم إنه عنيد مثلي، شعرت ببعض الدفء تسلل إلى جسدي على الفور حيث إنه كانت حرارته تحمل حرارة جسد ليونار وغمرت رائحة عطرة أنفي بشكل أقوى، دستت يدي في جيوب المعطف في أمل مني كي أذيب الجليد من حولهما لكن قُتل الأمل لعدم وجود مكان لكفي بالداخل.

صدح صوت مزعج من احتكاك الأغلفة البلاستيكية بعدما لامست بعض من قطع الحلوى المغلفة داخل جيوبه، أخرجت يدي بالأشياء الموضوعة بالداخل، حلوى العصا "اللولي بوب" بسكويت من النوع "الويفر"، بسكويت خاص بالشاي بطعم جوز الهند، شكولاتة باللوز، كعكة صغيرة مغلفة بالشيكولاتة، أنبوب شكولاتة على شكل دهان علاجي "مرهم"، حلوى مطاطية على شكل دبدبة صغيرة وكيس صغير به بعض المُكسرات المتنوعة.

- دي جيوبك ولا بقالة أم أحمد؟

- أنا أب يا قاسية الفؤاد.

هتف بها ليونار بنبرة ضاحكة بعدما ضحك بخفة على حديثي السابق الذي خرج بنبرة ساخرة وأنا أعيد الحلوى إلى جيوبه من جديد، نظرت في حركة تلقائية خلفي على تميم الذي ذهب في سبات عميق منذ خروجنا من المنزل، أحب جانب الأب داخله، إنه أب حنون ومهتم، عندما علمت إنه ليس ابنه البيولوجي من شهد صُعقت فليس الجميع يمكنهم تقديم الحب والأهتمام لابن ليس منهم.

توقفت السيارة أمام مقهى مصري معروف وهبط ليونار منها ثم فتح حقيبة السيارة من الخلف أحضر شيء ما منها ثم دلف للمقهى، وبعد دقائق خرج يحمل كوبين يتصاعد البخار بهما وكوب مشروبات من النوع الذي يحتفظ بالحرارة فعلمت إنه خاص بتميم.

- مش بحب القهوة.

قلتها بنبرة هادئة وأنا أنظر إلى يده الممدودة بالحاوية الورقية التي يغطس الكوب الورقي ذو الغطاء الأسود داخلها، فأخرج صوت ساخر من فمه وهو يحرك يده بالأكواب وكأنه يهتف: سحقًا، فلتأخذينه يا امرأة.

لقد سمعتها منه على الرغم من إنه لم ينطقها، التقطت الكوب من حاملة الأكواب فتسلل لأنفي رائحة الكاكاو عندما قرّبت الكوب مني، فعلمت إنه مشروب الشكولاتة الساخنة.

- ممكن تاخدي حاجة من بقالة أم أحمد تتسلي فيها، بس هتدفعي تمنها علشان إحنا لسه بنستفتح.

قالها ليونار بنبرة مازحة فانفلتت مني ضحكة عالية قليلًا بعدما فشلت في كبتها داخلي كما أفعل دائمًا، ابتسم بهدوء وهو ينظر لي بطرف عينه عندما وضعت يدي على فمي حتى أكتم ضحكته ثم أخرجت بسكويت الشاي بالجوز الهند من جيبه لشعوري بالجوع.

"مش مصدق إن يوم الجمعة خطوبتنا، مش عارف أنام من الفرحة"

قرأتها على هاتفي الذي أصدر صوت ينم على استلام رسالة من عامر والتقطه من أمامي فوق "التابلوه"، فتنهت بعمق ثم بدأت في كتابة رسالة له أرد عليه لكن أصابعي تجمدت فوق لوحة المفاتيح عندما بدأ ليونار بالغناء.

❞ أرغب في سحب سيفي والدفاع عنك
لكن ذراعي تنزف
وأوتاري ممزقة
صعب عليَّ تقبل الهزيمة
صعب عليَّ تجميد مشاعري ❝

نبرة صوته ضعيفة وخافتة وكأنها تخرج من حنجرة مختنقة حيث يقبض كفيين غليظين فوق عنقه تمنع خروج الكلمات بشكل قوي، ثم توقف لبرهة سحب نفس طويل داخل رأتيه ونظر للطريق أمامه بشرود قبل إن يستطرد أثناء تغليف عينه بدموع زجاجية متجمدة بأمرًا منه كي تظل بمكانها.

❞  أرغب في الصراخ
أرغب في الانهيار.
أرغب في التمسك بحبك
لكن خنجر الحب الآخر
مازال منغرز داخل قلبي ❝

_ ما رأيك قاسية الفؤاد؟ لقد كتبتها في الصباح.

قالها ليونار بنبرة مختنقة بعدما حمحم بخشونة ليجلي حنجرته لتخرج ثابتة لكنها خرجت مختنقة رغمًا عنه، فرفعت إصبعي أمامي لإشارة على إنها جيده بعدما بحثت عن صوتي لكنني لم أجده من أثر الصخب الذي يحدث داخلي.

" بس، كفاية"

هتفت بها داخلي بصراخ حتى أوقف سيل الأفكار التي تدمي عقلي كمسامير يتم تثبيتها داخله بواسطة عامل نجارة، شعرت بصداها يرتج داخل ثنايا عقلي من قوة وقع الكلمة، كل شيء داخلي تجمد وكأنني ضغطت زر وقوف مقطع أشاهده على هاتفي.

- هل يمكنك ارتداء دور ليكاتا؟ هل يمكنك إغلاق عينك وتخيل حالك ما أقصه عليكِ؟

قالها ليونار بنبرة هادئة وهو ينظر لي برجاء فحركت رأسي بالموافقة ثم أغلقت عيني بترو وأنا استمع لصوت تنفسه المضطرب قبل أن يهتف بنبرة هادئة:

- اللعبة بسيطة، تخيلي حالك زوجتي ليكاتا، تخيلي حالك جزءً من حياتي، تجلسين فوق الأريكة في غرفتي .. ما هو الإحساس الذي تشعرين به الآن؟

أضافها بعد برهة من حديثه بعدما تخيلت حالي أجلس فوق الأريكة بغرفته الدافئة على الرغم من المطر المنهمر بالخارج خرج شعاع من الحرارة خارج وجنتي بسبب الدفء المطبق على الغرفة، أرتدي فستان ثقيل من قماش المخمل الأحمر بلونه الداكن، أترك خصلات شعري متحررة فوق وجهي، تنفست بعمق وأنا أحاول التركيز أكثر على المشاعر داخلي حتى أجيب على سؤاله.

سرى البرد بين أطرافي فجأة بينما ارتفاع صوت المطر في الخارج _داخل خيالي_ الغرفة فارغة منه، تحركت بخطواتي المتوترة في أرجاء الغرفة، احتضنت حالي ثم مسحت فوق ذراعيَّ بكلا كفاي حتى أعيد الحرارة لجسدي، ثم علمت ما أشعر به الآن فهتفت بنبرة خافتة:

- الخوف.

- لماذا أنتِ خائفة ليكاتا؟

قالها ليونار بنبرة رخيمة مهتزة قليلًا بعدما أخرج نفس منحبس داخل صدره، فعدت بتركيزي لما فكرت به من جديد، الغرفة خالية منه، سمعت دقات ساعة الحائط الاثنى عشر من منتصف الليل، ثم هتفت بنبرة هادئة ببساطة:

- أنت رجل عصابات ليونار، خائفة أن لا تعود، خائفة أن يدخل أحد الرجال عليَّ يخبرني بأنك قُتلت.

- إذًا من وجهة نظرك أن ليكاتا تخاف على أنوبيس وليس منه؟

قالها ليونار بنبرة متسائلة ففتحت عيني بعد سؤاله الذي أصابني بالإضطراب، لا أعلم إذا كانت ليكاتا تخاف على أنوبيس أو منه؟ لكن هذا ليس ما يجعلني أتخبط، لماذا تخيلت حالي أحب ليونار وأخاف عليه؟

قطع تفكيري توقف سيارة ليونار أسفل السكن الخاص بي تزامنًا مع استيقاظ تميم الذي تعلق برقبتي وهتف بنبرة راجية إلى ليونار:

- تومي عايز يبات مع ليكا.

- سيبه يبات معايا.

قلتها بنبرة هادئة بعدما حرك ليونار رأسه بالرفض على طلبه تزامنًا مع تمسك تميم بي أكثر، فتنهد بعمق قبل أن يقول بنبرة خبيثة له وهو يضيق جفنيه:

- طيب ولو فضلت تعيط بعد ساعة علشان آجي أخدك؟

- تعالى نام جنبنا.

قالها تميم ببساطة فسقط فكي وارتخى ذراعيَّ الاثنين الملتفين حول جسده الصغير من بساطة حديثه الطفولي بينما انفلتت ضحكة من فم ليونار ثم أدار السيارة من جديد وتحرك بها ببطء وهو يقول بنبرة مازالت تحمل أثر ضحكاته:

- حسنًا ماليكا، أنا لا يمكنني رفض طلب لصغيري إذًا سنتزوج الآن.

- في موسم صيد التنانين أن شاء الله، وقف العربية خليني أنزل.

هتفت بها بنبرة ساخرة بعدما ابتلعت سبّة كانت ستخرج من فمي وشعرت بمخالبها فوق شفتي لكنني قبضت عليها بأسناني، فهناك طفل صغير يحتضنني وهو ينظر لي بسعادة بالغة من الأمر وكأنه يطوق لتلك اللحظة، فتوقف ليونار وهو يضحك بصخب، ثم بعد عدة مناورات بينه وبين تميم هبط من السيارة بقلة حيلة فلحقت به وأنا مازلت أحمل تميم.

أخرج حقيبة ظهر من السيارة ووضع بها الحاوية الحرارية التي تحتوي على المشروب الساخن الذي احضره وعلقها على كتفه ثم دلف إلى العمارة.

- حسنًا ماليكا هنا كل شيء يمكن أن يحتاجه، لا تجعليه يأكل حلوى حتى لا يتوهج كمصباح طوال الليل ولن تستطيعي النوم، الزجاجة تحتوي على لبن ساخن، لديه حساسية من الفراولة والموز، إذا بكى طوال الليل من أجل العودة لا تتصلي بي لأنني لن أعود.

هتف بها بنبرة جامدة يتخللها الخبث وهو يثبت نظراته بتميم الذي شدد ذراعيه حول رقبتي بتحدي حتى يتركه ثم ابتسم لي بهدوء بسمة ذات مخزى فعلمت إنه يقول هذا الحديث أمامه فقط لكنه سيأتي بالطبع، ثم رحل بهدوء كالرياح.

دلفت للداخل وبدلت ثياب تميم بأخرى من الحقيبة أو بالأحرى بدّل هو ثيابه بعدما اخرجتها لإنه شعر بالخجل مني، ولم أشعر بالأندهاش من وجود ملابس احتياطيه معه بالصندوق فأي أم سوف تفعل ذلك عندما تخرج رفقة طفلها لأن الأطفال يلوثوا ثيابهم بسرعة.

تحممت بعد ذلك وبدلت ثيابي باخرى مريحة بعدما فتحت الحاوية الحرارية التي تحتوي على اللبن واعطيتها له حتى يتناولها ولم انسى بالطبع تخبأة الحلوى على الرغم من أنني أعلم إنه لن يتناولها إلا عندما أخبره بذلك لأن نساء المنزل بذلوا مجهود كبير في تربيته لكن الأحتياط واجب.

- بحبك اوي يا ليكا.

هتف بها تميم بعدما سحبته لداخل حضني بعدما تسحطنا في الفراش ودثرته جيدًا، فوضعت قبلة قوية فوق وجنته ثم أخبرته أنني أحبه أكثر قبل أن أبدأ في التربيت عليه بخفة حتى يسقط في النوم.

_ عايز بابا، أنا تايف.

قالها تميم بنبرة باكية بعدما غفى لنصف ساعة ثم فتح عينه ونظر حوله بتيه حتى استوعب الأمر، حسنًا لم اتفاجئ فهذا شيء متوقع للغاية، لذا مسحت دموعه بهدوء ثم وضعت رأسه فوق موضع قلبي وبدأت في التربيت عليه ومسح ظهره وأنا أقول بنبرة مطمئنة:

- مفيش حاجة بتخوف أنا معاك أهو ومش هنام واسيبك.

- عايز بابا، هو بيحبني وهيجي ياخدني.

قالها تميم بنبرة واثقة على الرغم من ارتعاش شفتيه وهو ينظر لي بعيون تغلفها الدموع بعدما رفع رأسه وتقابلت نظراتنا، هل قمت بخطفك؟ أنت من تمسكت بي!

تنهدت بعمق وأمسكت هاتفي الذي القيته بإهمال فوق الكومود عندما دلفت إلى المنزل فوجدت رسالة من ليونار بعثها لي بعدما هبط مباشرةً منذ مدة محتواها:

" أنا انتظر بالسيارة إذا بكى اتصلي بي"

" اطلع"

بعثتها له حتى أعلم إذا كان مستيقظ أم نام بالسيارة حتى لا اقلقه، فظهرت علمتين باللون الأزرق على الفور جانب الرسالة وكأنه كان ينتظر بفارغ الصبر رسالتي ثم بعث ملصق له وهو يجلس فوق الأرض يضحك بشدة ويمسك معدته، فضحكت بخفة على رسالته وهيئته ثم أضفت الملصق إلى الملصقات المفضلة.

- بابا طالع.

قلتها لتميم الذي توقف عن البكاء ونظر لي بفضول حتى يعلم هل سيأتي ليونار أم لا؟ ثم ضحكت عاليًا وأنا أحرك رأسي بدون تصديق على ما حدث معي، نهضت من الفراش ثم البسته جاكيته وكذلك قبعة صوفية خاصة بي ووشاح حول رقبته ثم خرجت به للخارج بهدوء حتى لا أوقظ باقي الفتيات بالسكن.

- ما كان من بدري ليه الاكشن؟

قالها ليونار بنبرة ضاحكة إلى تميم الذي احتضن قدمه على الفور بعدما فتحت الباب وجدته يتكئ بكتفه على الحائط جانبه ويعقد ساعديه أمامه بعينان ملتمعتان من الضحك، فرفعه فوق ذراعه بينما توق تميم رقبته وهو يضع رأسه فوق صدره، ثم نظر لي ليونار وهتف بنبرة مازحة:

- الروب بتاعي احلى.

- إنت هتقارن روبك بالتايجر بتاعي؟

قلتها بنبرة ساخرة مازحة وأنا أنظر إلى الروب الثقيل الذي ارتديه والمصنوع من القطن الخاص بالأغطية أو كما يطلق عليه باللغة الدارجة "دفاية" حيث إنه منقوش بجلد النمر الدائري باللون الأسود ثم رمقته بنظرة مستحقرة من سخريته من "روبي" وأغلقت الباب، أعلم أن خاصته أجمل بالطبع فأنا أشبه الأرز داخل ورق العنب بذلك الروب لكن خاصتي يدفئ أكثر.

__________________________𓂀

بعد أسبوع تحديدًا يوم الجمعة.

وقفت أمام منزلي القديم لمدة خمسة دقائق رفقة الفتيات حتى انتظر نجمة حتى يقوم رائف بالتقاط الصور لها أمام النيل لأنهن جائوا حتى يكونوا معي بهذا اليوم على الرغم من عدم شعوري بسعادتهم تجاه الأمر وكأن الجميع كان ينتظر زواجي من ليونار مثل خالتي!

دفعت قدمي للمضي للداخل بعدما انتهت نجمة من التصوير، اليوم سيأتي عامر ليتقدم لي، أشعر بالقلق الشديد، ضربات قلبي في سباق، هل ما أفعله هو الشيء الصحيح؟ لا أعلم، أنا حائرة للغاية، عندما أَضْحى الموضوع جدّي بهذه الطريقة صرت أشعر بالخوف الشديد.

ترجلت الفتيات في الدور الخاص بشقتي وأنا أكملت طريقي حتى صعدت للدور الذي تقطن به خالتي، ترددت قليلًا في الضغط على زر الجرس، يا الله اعني على هذا.

ضغطت الجرس الخاص بالشقة الذي أصدر صوت زقزقة عصافير لطيف، ولم البث أن أرفع يدي من فوق الزر حتى وجدت خالتي تفتح الباب وتخطفني بين ذراعيها ثم شددت العناق حتى شعرت بعظامي تكاد تتفت من شوقها لي، آه كم اشتاق لها، وكم اشتاق لمنزلي، وللنيل ومراكبه.

آهٍ الجميع يقع في حب أشخاص وأنا أقع في غرام النيل.

فَصلت خالتي العناق بهدوء بعدها نظرت لي بإمعان، مررت يديها على خصلات شعري وانحنت لتقبل جبهتي بحنان بالغ ثم سحبتني من يدي للمطبخ حتى تكمل إعداد الطعام وبدأ التحقيق حيث تسألني عن كل شيء وكأنني لا أتحدث معها كل يوم.

خرجت خالتي لتفتح الباب بعدما صدح صوت زقزقة العصافير ليعبر عن حضور شخصًا ما بينما أنا بدأت أهز قدمي بتوتر بعدما شعرت بالقلق، بالتأكيد هذا مراد، تحركت لباب مدخل المطبخ واسترقت السمع لما يحدث بالخارج بعدها تنفست الصُعداء لسماع صوت ماهر أخو مراد الكبير وزوجته تبعه ركض فريد إليَّ بحماس وهو يهتف باسمي.

- وحشتني اوي.

- وأنتِ كمان وحشتيني .. هو ليو جاي؟

قالها بتساؤل وهو ينظر لي بعيون متحمسة فحركت رأسي بالنفي وأخبرته بشأن قدوم عامر ثم عدت للطعام من جديد حتى لا يحترق بينما هو خرج ليلعب في الخارج، ما هذا الأرعن الذي سرق حب جميع عائلتي؟! 

تجمدت يدي التي كانت تسكب الطعام داخل الصحن بعدما نضج عندما اخترقت أنفي رائحة عطره من خلفي، ارتعشت المغرفة بين أصابعي لكنني تماسكت سريعًا وعدت إلي ما افعله بجمود ولامبالاة خارجية، بعدما انتهيت استدرت رأيته يضع علبة حلوى في البراد، ثم مددت له يدي بالأطباق ليضعها على طاولة الطعام في الخارج بعد أن أعتدل وأغلق البراد.

- عريسك جي يطلبك مني.

قالها بنبرة ساخرة بعدما بعثر نظراته على وجهه لثواني ثم نظر إلى الأطباق بيدي وحملها ثم ضحك عاليًا بألم وهتف من جديد والدموع تلمع في عينيه بعدما تجمعت ببطء ليعرب عن حقيقة ما يحدث داخله:

- أنتِ عارفه أنا حاسس بإيه دلوقتي؟

ابتلعت ريقي بصعوبة بعدما جف حلقي وشعرت بألم مماثل له داخل قلبي، أنت من اوصلنا لهذه الحالة مراد، لقد حاولت معك مرارًا، جرحت حنجرتي من كثرة الحديث معك، لماذا يجب عليَّ مسامحتك الآن لأنك شعرت بأهمية وجودي؟

دلفت خالتي عزة للمطبخ ونظرت له بتحذير بعدما نظرت لي حيث أقف متجمدة لم أعلم هل اتحدث وأفتح بوابات الماضي أم أصمت، تأفف بضيق ثم خرج من المطبخ كالأعصار أدى لصدوح صوت ارتطام الأخشاب الصغيرة الخاصة بستارة المطبخ حيث تُصنع منها.

- يلا نساعد ماليكا تحط الأكل، عشان جوعت أوي، مكلتش حاجة من الصبح غير سندويش جبنة ودونتس وشيبسي وعصير وبسكويت وفطار ليو.

هتفت بها شهد بتلقائية وصلت لي بعدما صعدت جميع الفتيات إلى شقة خالتي وقامت بإلقاء التحية على ماهر ومراد أبناء خالتي و"خلود" زوجة ماهر ثم سمعت صوت يعقوب، باسل ورائف بعدما صعدوا بعدما اخبرت الفتيات بذلك.

اتجهت شهد للداخل حتى وصلت لي بحماس، دلفت شفا ونجمة كذلك لمساعدتي بالطبع غزل وجميلة لن يدلفا المطبخ وبعد دقيقتين من الزمن بدأنا بنقل الأطباء على طاولة السفرة مع غناء شهد بسعادة أثناء ذلك.

"هم النم يا روحى يلا جيبالك مم
كل واكبرلى يا روحى يلا هم النم"

- يا نهار أبيض! ابقي قوليلهم إنهم بيأكلوها في البيت والله علشان اتفضحنا.

قالتها شفا بنبرة خافتة داخل أذني بعدما مالت عليَّ حيث إنها المرة الأولى التي نتشارك بها الطعام رفقة الشباب وخلود على الرغم من بقائنا بمنزلي أسبوعين، فضحكت بخفة ثم جلسنا حول طاولة الطعام، بدأت أكل بشهية كبيرة وكأنني لم أتأثر بحديث الأرعن الذي اخترق قلبي ومزقه بسهم مشتعل، حسنًا الحزن يمكن أن ينتظر حتى اُنهي هذه المكرونة ذات الصلصة البيضاء الشهية، الدسمة ذات الجبن المطاطتي والممتزجة باللحم المفروم (مكرونة بالبشاميل)

- يــاه الكلام خدنا ونسيت أحمر البطاطس عارفة إنك بتحبي تاكليها مع المكرونة.

قالتها خالتي عزة فجأة بنبرة ضجرة بعدما أخرجت صوت من فمها يدل عن السأم لتنتشلني من شرودي ونظراتي الهائمة للطعام وكأنه حبيب يضمني بين ذراعيه، فأخرج مراد صوت ساخر من فمه وهتف بنبرة ساخرة مازحًا وهو يشيح بيديه:

- ليه كده بس يا ماما؟! البنت نفسها مسدودة ومش عارفة تاكل يا عيني.

- ناولني طبق الجلاش اللي قدامك.

قلتها بنبرة هادئة بهدف استفزازه بعدما تجاهلت حديثه، فمد يده لمنتصف الطاولة ناولني إياه وهو يحرك رأسه بسخرية مني فاخذت قطعة ثم مررته إلى شهد، وبعدما انتهيت من الجريمة نهضت من مجلسي ثم قلت لمراد بنبرة هادئة المقصود منها مشاكسته:

- أعملي شاي أخضر بقى عقبال ما أطلع.

- ليه يا أختي وإنتِ كنتي أتشليتي ولا حاجة؟ مجتمع أنثوي حقير عايز محرقة جماعية.

قالها بنبرة حانقة يقلد طريقتي معه وهو يضع يده في خصره ورفع حاجبه باستعلاء ثم نهض من مجلسه ورمقتي بنظرة مستحقرة من أسفل قدمي حتى وجهي عدة مرات بعدها تحرك إلى المرحاض مثلما كنت أفعل معه بالضبط، فضحكت فخفة عقب تذكري الأمر.

- قال شاي أخضر، هيعمل إيه في الجريمة دي؟ الشاي أول ما ينزل معدتك هيقول "أروح فين وأشكي لمين إلي حصل فيا"

هتف بها بنبرة ساخرة وهو يحرك يده بطريقة شعبية أثناء دلوفه الرواق فارتفعت ضحكتي أكثر على طريقته، تبًا، لقد اشتقت إليه، لا أعلم هل مازلت أحبه حقًا وأضحك على حالي أم لا؟ مشاعري متخبطة، لكن أعلم إنني اشتقت لرفقته، أعلم أن ما يشتاق إليه هو إحتياجي النفسي له، لقد توفي أبي وأنا بسن صغير وأتخذته هو بديلًا له وكان هو الرجل الوحيد الذي اعلمه طوال حياتي.

____________________ 𓂀.

هبطت إلى شقتي رفقة الفتيات لتبديل ملابسي لشيء أكثر أنوثة من البنطال الرياضي والسترة الواسعة التي أرتديها، اخترت ان أرتدى إحدى فساتين أمي الرقيقة كالعادة، أعشق ملابس أمي الكلاسيكية القديمة كما أحب كل شيء قديم، كنت أرغب في أن أولد بالعصر الفيكتوري.

صدحت صوت الموسيقى كالعادة من الخارج وكذلك تصفيق وصيحات الفتيات فعلمت أن الراقصة شفا هبطت للمسرح رفقة غريمتها في الملاهي الليلية نجمة بينما أنا انتهيت من ارتداء الفستان ووقفت أمام المرآة حتى أرى هيئتي النهائية، حسنًا أبدو جميلة -كعادتي- لكن لا أرى ابتسامتي، هل أنا سعيدة؟  لا أعرف حقًا.

تذكرت يوم خطبتي على مراد، كنت طائرة كالفراشة من السعادة، حتى أنني رقصت يوم خطبتي طوال اليوم من الصباح للمساء في شقتي، حتى نزلت خالتي عزة وطلبت مني بمزاح:

- يا بت اتقلي شوية ومتبينيش ليه إنك فرحانة كدا، صويتك واصل لأوضته.

  لكن هيهات كيف يمكنني أن أتصنع الثقل والسعادة تشع من مقلتيَّ؟

كنت سعيدة بشدة أعلم ذلك، لكن الآن لا أشعر بشيء كأنني أُصِبت بفقدان المشاعر، هل توقف قلبي عن الحب؟ أم أنا خائفة فقط من الفشل؟ حقًا لا أعلم.

" بركن العربية، يعني قدامي خمس دقايق"

بعثها عامر لي فركضت للخارج ثم صعدت لشقة خالتي وركضت خلفي جميع الفتيات تزامنًا مع إطلاق شفا الزغاريد العالية من فمها، شعرت بالخوف وتسلل البرد لأطرافي، يوجد إحساس داخلي بأن مراد سوف يهدم كل شيء فوق رأسي.

  فتح ماهر الباب بعدما ركضنا نحن الفتيات لداخل غرفة خالتي عقب صدوح صوت الجرس لينبأ عن وصول عامر، تركت الباب مفتوح حتى يتسنى لي سماع ما يحدث بالخارج بينما أقف أنا بترقب، سمعت صوت تبادل ترحيب بينهم بعدها أجلسه بالصالون.

- تعالي قدمي العصير.

قالتها خالتي بنبرة هادئة تفتقر للسعادة وهي تحمل صينية تقديم بيضاء خزفية، فوقها بعض العصائر والحلوى ثم مدت يدها تحركها تجاهي لأحملها.

- مبحبش شغل الأفلام القديمة ده، أدخلي أنتِ.

قلتها بنبرة ساخرة متذمرة، فنظرت لي نظرة حانقة وحركت رأسها بسخرية ثم تحركت إلى الصالون فلحقنا بها على الفور، جلست على الأريكة وجلست هي بجانبي بعدما قدمت له ما تحمله وتفرقت الفتيات بالمكان وهن يرمقونه بتفحص شديد.

- وأنت بقى يا ليو نـ.. آه معلش غلطت في اسمك أصل ده اسم جوزها.

قالتها خالتي باعتذار كاذب بعد حديثها الذي بدأ بنبرة ودودة، فسعل عامر واحتقن وجهه بعدما اختنق بسبب حديثها الذي قالته بينما هو يشرب العصير، فضحكت بخفة وآرتها بمهارة قبل أن تستطرد:

- وإنت بقى يا عمر نومك ثقيل ولا خفيف؟ علشان ماليكا بتمشي وهي نايمة ولازم حد يكون متابع معاها، إنت عارف؟ مرة دخلت المطبخ وجابت سكينة وكانت هتدبحني وأنا نايمة لولا ستر ربنا.

- خالتو عـامـر مش متعود على هزارك، معلش يا عامر خالتو بتهزر.

قلتها من بين أسناني بنبرة حاولت أن تخرج ودودة أثناء تشديدي على حروف اسم عامر التي أخطأت فيها عن عمد بعدما شحب وجه عامر ونظر لي بدون تصديق بفك سقط بسبب حديث خالتي الذي خرج بنبرة هادئة عادية وكأنها تتحدث بصدق بالغ، ثم ابتسمت له قبل أن  أشيح بنظري عنه حتى أتظاهر بالخجل لكن في الحقيقة كنت أريد رؤية رد فعل مراد الذي كان يضم قبضة يده بعنف وهو يثبت نظراته به، ومن الطريقة التي يغلق بها فمه فعلمت أن أسنانه تسحق الآن، حسنًا أنا أعلم مراد جيدًا إنه يشعر بالغضب الشديد ويريد لكمه الآن، يالله ساعدني.

- بس هو إنت جي لوحدك ليه مش المفروض عيلتك تيجي معاك؟ ولا هي والدة حضرتك مش موافقة؟

قالها مراد بنبرة جامدة إلى عامر الذي جاء بمفرده، فحرك الأخير بؤبؤ عينه ناحيتي حتى وقعت عليَّ ثم ارتشف من العصير ببرود وترك سؤاله معلقًا لثواني قبل أن يهتف بنبرة هادئة بينما يتراقص الخبث بمقتليه:

- لا موافقة بس هي ست كبيرة وتعبانة مش هينفع أسفرها ومعنديش غير أخت واحدة متجوزة مش هينفع تسيب عيالها .. بس إحنا فيها ممكن أكلمهالك تسمع رأيها.

- لا يا عمرو مفيش لزوم.

قالتها خالتي بابتسامة خفيفة بعدها نظرت لمراد بتحذير حتى لا يتحدث ويترك الأمر لماهر فشعرت بالريبة منها، هل تنازلت عن تخريب العرس أم ماذا؟

بدأ ماهر بتبادل الحديث مع عامر عن عمله، شقته، موقعها وكل شيء يخص ذلك وعن جميع طلباتهم،  وافق عامر عن كل الطلبات التي طلبتها منه خالتي كالشبكة التي اعترضت عليها فأنا لست من هذا النوع الذي يهتم لكل أولئك الأشياء، لكن نظرت لي خالتي بتهديد حتى لا أتكلم.

كما أتفق على إقامة عُرس كبير، وأصرت خالتي على تغير أساس الشقة بأكمله فوافق عامر على مضض، لم يكن يرغب بذلك لسبب لا اعلمه لكنه أذعن لها ثم نظر لي بابتسامة جانبية وهتف:

- علشان ماليكا أنا ممكن أعمل كل حاجة، اصلها مميزة أوي.

نظر بطرف عينه لمراد بعدما أنهى جملته حيث إنه يستفزه عمدًا، تبًا هو يعلم؟! كيف؟ الكارثة! لا أحب هذه الطريقة؛ صدح صوت جرس الباب فنهضت من مجلسي حتى أفتح الباب حتى أهرب من حرب النظرات بين عامر ومراد بالداخل وحديث خالتي.

- إنت بتعمل إيه هنا؟

- مرحبًا قاسية الفؤاد، لقد هاتفني فريد وأخبرني عن رغبته في الكوكيز لذا صنعتها له.

قالها ليونار بنبرة هادئة وهو يبتسم بسعادة أثناء تحريكه للعلبة بين يديه فاصدرت صوت احتكاك البسكويت بالحديد تعقيبًا على حديثي الذي خرج بنبرة مستنكرة ثم تخطاني ودلف للداخل دون أن أسمح له بذلك!

- مرحبًا أمي اشتقت إليكِ.

- حبيب أمك والله.

قالتها خالتي بنبرة مهللة عقب وقوع نظراتها على ليونار الذي دلف وهتف بحملته بحب وهو ينظر لها بابتسامة واسعة بينما حمحم مراد بخشونة ونهض من جلسه ثم صافحه بجفاء وهو يشدد قبضته على كفه، فابتسم ليونار بسمة جانبية ساخرة ثم صافح ماهر وحمل فريد وقبل وجنته بعدما جلس ووضعه فوق قدمه، وفتح علبة البسكويت فوق قدم فريد حتى يتناول منها ما يشاء.

بينما ظهر الاضطراب على وجه عامر ثم تحركت المنطقة بمنتصف حلقه التي يطلق عليها تفاحة آدم تنبأ عن ابتلاع الغصة داخل حلقه عندما رفع ليونار نظرته وتقابلت مع خاصته.

تبًا لقد تحولت خطبتي إلى ساحة حرب!

- إذا حدثت حرب في البلاد وانتشرت الصراعات ولعبت أنت دور المحارب لعائلتك، ثم هجم عليكم بعض الرعاع فخبأت زوجتك بمكان سري بالمنزل ثم َخرجت أنت لهم، السؤال هنا: هل إذا هددوك بالقتل سوف تخبرهم بمكانها؟

هتف بها ليونار بثبات وهو يلاحم نظرته الواثقة بخاصة عامر المهتزة حيث بدا الخوف واضحًا داخل مقلتيه، فابتلع عامر ريقه من جديد وهو ينظر له نظرة مذهولة من سؤاله بينما حوّل مراد نظراته الهجومية من فوق ليونار إلى عامر لينتظر إجابته.

- ما أنا خبتها وخرجت هقولهم ليه؟ بعدين هخرج ليه ما ممكن استخبى معاها؟

- السؤال الثاني: إذا كنت بطائرة وحصل بها عطل وليس معكم سوى براشوت واحد فقط هل سوف تعطيه إلى زوجتك أم سوف تطمع به لتنقذ حالك؟

هتف بها ليونار برزانة بعدما ارتشف من العصير الذي قدمته له خالتي بوجه متوهج من السعادة بعدما جاوب عامر على سؤاله السابق بنبرة مازحة حاول موراة توتره بها، من أين يأتي بتلك الأسئلة الكارثية؟! هتف عامر بنبرة ساخرة من حديثه بقول:

- هو أنا بسمع فيديو حلل شخصيتك في خمس دقايق ولا إيه؟

- سيختار حاله، السؤال الثالت: أنت عارف إن البلد مبقتش أمان دلوقتي، فلو افترضنا إنك بعدما تتجوز ماليكا يظهر واحد حقير زعيم مافيا وهددك إنك تطلق مراتك علشانه أو يقتلك هتعمل إيه؟

قالها ليونار بتساؤل وهو يثبت نظراته الخبيثة إلى عامر ليصل إلى السؤال الأهم الذي لعب من أجله كل هذه اللعبة السخيفة كما فهمت، لكن السؤال هنا، من يقصد ليونار بزعيم المافيا؟ أنوبيس أم شمس الزناتي؟

- أكيد مش هطلقها يعني.

هتف بها عامر بنبرة مهتزة وهو يخرج محرمة من جيبه مسح بها جبهته التي تعرقت بفعل التوتر ثم مرر إصبع السبابة لداخل رقبة قميصه الصوفي ذو الرقبة العالية وسحبها عن عنقه بسبب شعوره بالأختناق، فشعرت بالضيق من خوفه البغيض هذا، لا أعلم لماذا هو خائف منه لهذه الدرجة؟ أكره الرجل الضعيف، هتف ليونار من جديد دون سماع الجواب وهو ينظر إلى أثر الحرق الذي يظهر على كف يده:

- مين حرقك؟

- نقرأ الفاتحة؟

قالها ماهر بنبرة بها بعض المرح الذي حاول جلبه ليقطع حرب النظرات الدائرة بين الثلاثة رجال التي اشعرتني أنني فتاة سيئة ارتبطت بثلاثة رجال في آن واحد وقابلتهم في المقهى بنفس الوقت، لكنه تأخر للغاية فقد التهب فضولي لمعرفة سبب الحرق فقد ظهر من نبرة صوت ليونار إنه يعرف من فعلها بل كإنها هو من فعلها.

انتشرت الهمهمات الخافتة التي تنم عن قراءة الجميع الفاتحة ثم أخرج عامر علبة المخملية من جيبه بعدما نهض من مجلسه ثم وقف أمامي ومد يده لي بابتسامة واسعة يحثني على مد يدي له، فانتفض مراد من مجلسه ووقف حائل بيننا ثم دفعه من كتفه بخفة للخلف.

- معندناش بنات بيتمسك إيدها.

قالها بنبرة جامدة من بين أسنانه وانتشل العلبة من بين أصابعه أعطاها لي وهو يضغط على فكه بعنف بينما تناول ليونار واحدة من البسكويت بتلذذ جعلتني افكر في ماهية مذاق البسكويت؛ عاد عامر لمجلسه بلامبالاة وهو يبتسم له ببرود، كذلك فعل مراد.

أخرجت خاتم الخطبة الذهبي ووضعته بإصبعي الأوسط الذي حاولت جاهدةً أن يبقى ثابتًا ولا يرتعش، نظرت إلى ليونار الذي توقف فمه عن المضغ وتجمعت دموع زجاجية داخل مقلتيه وهو يتابع حركة الخاتم في إصبع يدي ثم أغمض عينه لثواني والتقط واحدة أخرى من البسكويت ودسها بفمه بتلذذ.

هل تجمعت الدموع في عينه أم توهمت ذلك؟
هل هي دموع حزن من الأساس أم دموع ناتجة عن التهاب الجيوب الأنفية كما يحدث معي عادةً؟

- طيب مفيش زغروطة؟ أزغرط أنا ولا إيه؟ ما تزغرطي يا حماتي.

قالها عامر بنبرة مازحة فوضعت شفا يديها فوق فمها لتبدأ في إطلاق الزغاريد لكنها انزلت يدها على الفور بعدما حرك ليونار رأسه ناحيتها ورمقها بتهديد ثم سحبت يد نجمة التي كانت على وشك اللحاق بها فصدحت الزغاريد بواسطة خلود.

انتهت الجلسة بسلام حمدًا لله، لم يُكسر شيء، نهض عامر وحيّا الجميع، وتحرك للخارج، مشيت خلفه حتى أقوم بتوصيله وكأنه سوف يضيع بالشقة ولن يعرف باب الخروج!

- عمري ما تخيلت في حياتي إني ممكن أخد الخطوة دي وأتقدم لبنت.

- ما ده الطبيعي يعني ولا إيه؟

هتفت بها بنبرة هادئة إليه وأنا أفكر في طريقة للهرب من نظراته المسلطة نحوي تعقيبًا على حديثه الذي خرج بنبرة سعيدة بعدما خرج من باب الشقة واستدار من جديد ونظر لي بتمعن.

- نفسي أسمع منك كلمه حلوة.

- في الجنة إن شاء الله.

قلتها بنبرة مازحة وأنا أمسك بطرف الباب حتى اطرده بطريقة لطيفة بعد حديثه الذي خرج بقلة حيلة من جفائي معه، فضحك عاليًا وهو يمسح جبهته بكفه ثم  تنهد بعمق وهتف بمراوغة قبل أن يدلف للمصعد:

- عارفة إنك تعبتيني أوي معاكِ؟ .. بس تستاهلي.

إنه يرغب في كلمات غزل وأنا لن اغضب الله من أجله، مراد الذي احببته أكثر من الجميع لم افعلها من أجله فهو لم يسمع كلمة أحبك من فمي.

عندما كنت في الرابعة عشر أيام المراهقة أمي أخبرتني بجانب الشرح الديني للعلاقات الصحيحة بين الرجل والمرأة أن احتفظ بكلماتي لزوجي، ستكون ذات نكهة مختلفة وقتها.

فخورة بهذا القرار الذي إتخذته سابقًا، فها أنا الآن  تركت مراد وأنا لم أكن أريد البوح بنفس الحديث لرجلين، سيفقد معناه ورونقه بالنسبة لي، انا أريد إخراج كل ما أكنه داخل قلبي من مشاعر وكلمات إلى شخص واحد فقط: وهو زوجي.

أغلقت الباب ثم استدرت بتيه وجدت مراد يقف مقابلًا لي وجميع إمارات الغضب تظهر على وجهه،. ثم حرك رأسه ناحية الشرفة لأتبعه ثم خطى للداخل بينما يقف ليونار أمام باب الصالون يمسك بعلبة البسكويت يحركها برفق ليحثني على الاقتراب وتناول واحدة؛ البسكويت أم مراد؟

- الراجل ده لازم تسبيه حالاً.

قالها مراد بنبرة حانقة بعدما ركضت ناحية ليونار التقطت واحدة من البسكويت ولحقت به بسرعة، انزلت يدي التي كانت في طريقها لفمي بالبسكويتة ثم اخرجت صوت ساخر من فمي وهتفت بنبرة لا تخلو منها:

- يا سلام؟! ومالو مش عيب.

- ماليكا أنا مش بهزر الراجل ده قذر.

هتف بها بنبرة غاضبة وهو يخبط قبضة يده بسور الشرفة جعلت فتات البسكويت تتوقف بمنتصف حلقي بعدما قضمت قضمة كبيرة وابتلعتها، ابتلعت ريقي عدة مرات حتى انزلها إلى معدتي ثم رفعت إصبع سبابتي وهتفت بنبرة متهكمة متغاضية عن ألم حلقي:

- بقولك إيه! احترم نفسك وملكش دعوه بخطيبي.

- معلش نسيت إنك متخلفة، يا غبية مش بشتمه أنا بوصفه الواد ده قذر فعلًا، أنا راجل وفاهم .. افهمي بقى.

صرخ بكلمته الأخيرة في وجهي بعد حديثه الساخر السابق الذي هتف به وهو يضرب كفيه ببعض بدون تصديق من غبائي، فزفرت مطولًا ونظرت تجاه النيل بشرود.

حسنًا أحيانًا أشعر بأن عامر قليل التهذيب وعديم الحياء، لكنه لم يتعد حدوده معي بعد أن نبهته، فمررت له هذه الصفة، أعلم إنه لا يشبهني ومن عالم غير عالمي، وعندما انبهه لشيء لا أحبه يتوقف عن فعله فظننت إنه يمكنني إصلاحه.

- متعداش حدوده معايا وجه علشان يتجوزني قذر إزاي يا مراد؟

- ماليكا لو بتعملي كده علشان توجعيني فأنا بقولك كفاية.

قالها مراد بنبرة هادئة يغلفها الحزن وهو ينظر أمامه ناحية مركب يهتز شراعها الأبيض بسلام يتنافى مع الحروب الهادرة داخله تعقيبًا على حديثي الذي خرج بنبرة خافتة بتفسير لي أكثر منه هو.

- أنا مش هتجوز واحد علشان أضايقك، الكون مبيلفش حوالين سيادتك يا بشمهندس مراد.

قلتها بنبرة غاضبة بعدما نفخت وجنتي بقوة من حديثه البغيض الذي اشعلني من الداخل، أنا لست من النوع الذي يستخدم هذا الأسلوب وهو يعلم ذلك، التفت لي بابتسامة واثقة ثم هتف بنبرة هادئة:

- أنتِ مش بتحبيه يا ماليكا باين عليكي،  لما كنتي بتبصيلي عينك كانت بتنور، عينك كانت بتقولي بحبك حتى لو مخرجتش من لسانك، مشوفتش ده في عينك له.

من الواضح إنك أطفأت ضوء عيني للأبد مراد، لم أعد أشعر بأي شيء داخلي، ولم أعد استطيع تفسير مشاعري، أعلم أن قلبي لم يخفق لعامر لكن صوت ماليكا العاقلة هو ما يدفعني لذلك.

- هل ترغبي في المزيد؟

قالها ليونار ببساطة وهو يمد لي يده بالعلبة بعدما خرجت ووجدته أمامي مباشرةً وكأنه كان يتابع ما يحدث بيني وبين مراد، فالتقطت واحدة ثم انضممت من جديد للفتيات.

- دمه تقيل اوي يا ماليكا.

هتفت بها خالتي وهي تحرك رأسها بدون رضى فتنهدت بعمق وجلست جلسة مريحة بعدما رفعت قدمي فوق الأريكة وبدأت في أكل البسكويت ببرود بعدما تجاهلت حديثها، لا أصدق إنها بالفعل اخبرته أنني امشي بنومي حتى تخرب الزيجة!

- هو قمر وعضلات وكاريزما، موصفات أقل player يعني.

قالتها جميلة ببساطة وهي تأكل من الحلوى التي لم يمسها عامر ثم استطرد بعدما نظرت لها بتساؤل لتكمل حديثها الناقص:

- يعني بتاع بنات يا ماليكا بس هو شكله من النوع اللي عايز واحدة محترمة يحطها في البيت علشان تخلف وهو يـ enjoy بقى.

يتبع..

★ متنسوش التصويت (vote) 

________________________
_ لا تنسوا الدعاء لأخوتنا بغزة في جميع صلواتكم، رفع الله عنهم ونصرهم.
للتذكير: سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، نِعمَ الزادُ هذا يا رب.

Continue Reading

You'll Also Like

2.3M 70.6K 98
Previously called Older Brothers Part 1 Completed (Alternate version) part 2 Ongoing "T-trust me?" "Always." It was the promise that they were never...
10.3K 579 15
❝ I Love You ❞ ❝ But I - I Don't Even Know You ❞ Ishita lands up in Raman's house due to unforeseen circumstances. She lies her way into the house, b...
24K 1.1K 18
إن كُتِب قدر شخصين معاً فسيتقاطع طريقهما ذات يوم حتماً ليحوما حول الدنيا إذا ارادا للعثور على بعض وليختبئا للهروب من البعض وهجنا وثابتنا دكاترنا ا...
247K 10.1K 25
"မောင် မဆိုးစမ်းနဲ့ကွယ်" "ကျုပ်ကိုမချုပ်ခြယ်နဲ့"