أنوبيس

By HabibaMahmoud25

99.4K 5.1K 4.6K

مرحبًا بكم في المملكة لا لا، يجب أن أحذرك أولًا من يدخل المملكة لا يخرج حيًا. يمكنك المغادرة الآن.. سأترك لك... More

تنويه
قوانين التنظيم (المملكة)
الشخصيات
الفصل الأول: المامبا الحامي لي
الفصل الثاني: نساء عائلة المُهيري.
الفصل الثالث: لماذا مُراد؟
الفصل الرابع: إلى اللقاء أمي.
الفصل الخامس: قصر الأشباح.
الفصل السادس: ثم لم يبقى أحد.
الفصل السابع: لا تترُكيني.
وشم المامبا +إعتذار
الفصل الثامن: وضع الغيرة
الفصل التاسع: يوم رفقة الأوغاد.
الفصل العاشر: انا الخاطف.
الفصل الحادي عشر: النجمة المسلوبة.
الفصل الثاني عشر: لتمتزج صرختنا معًا.
مسابقة 🔥
الفصل الثالث عشر: طبيب الطاعون.
الفصل الرابع عشر: رقصة أخيرة
الفصل الخامس عشر: فتيل القنبلة
الفصل السادس عشر: وتر أكيليس.
السابع عشر: رقصة الألم.
الفصل التاسع عشر: لنتزوج ماليكا!
الفصل العشرون: وحوشي وقعت لكِ.
الفصل الواحد والعشرون: خطوبة أم معركة حربية؟
الفصل الثاني العشرون: أنا الجحيم.
الفصل الثالث والعشرون: أحتضر ماليكا.
الفصل الرابع والعشرون: ليو الصغير.
الفصل الخامس والعشرون: بُتر قلبي.
الفصل السادس والعشرون: خنجر بروتس.
الفصل السابع والعشرون: مُروضة أنوبيس!
الفصل الثامن والعشرون: مرحبًا بالغجرية.
الفصل التاسع والعشرون: الموت أم.. الموت؟
إعتذار
الفصل الثلاثون: الذئب الذي أكل يُوسف.
الواحد والثلاثون: لن تكسريني، أليس كذلك؟
الثاني والثلاثون: نعم، أحبك.

الفصل الثامن عشر: الغجرية الساحرة.

1.2K 128 105
By HabibaMahmoud25

سلام عليكم جميعًا.
شكرًا لكل الناس اللي بعتتلي وقالتلي كلام حلو، أنا بجد ممتنة ليكم كلكم وعلشان كده نزلت الفصل النهاردة.
أنا كنت محتاجة أريح الأسبوع ده فعلًا لأني كنت تعبانة ومهلكة نفسيًا، الرواية خدت كل وقتي وبقيت بتنازل عن كل حاجة بحبها حتى الشغل علشان اكتب فصل قوي وأكون راضية عنه، وقصاد ده مش واخدة حقها ولا حد بيتكلم عنها ولا بيشرحها وحتى الفوت قليل جدًا.
فكنت محتاجة بريك أرجع أعمل الحاجات اللي بحبها وأسيطر على الأفكار السلبية، آسفة للأطالة

________________

فصل خفيف، متنسوش التفاعل.

__________________

قُلْ لِلطَّبيبِ الذي قد جاءَ يُسعِفُنا
لا تُهدِرِ الوقتَ ليسَ الجُـرْحُ بالبَدَنِ..

_مقتبس

__________________________𓂀
𝕄𝕒𝕝𝕚𝕜𝕒

⟬ ماليكا ⟭

_ إنتِ فاكرة إني مش هعرف أجيبك يا **؟!

قالها شاب يبدو في العشرينات من العمر بنبرة غاضبة وهو يقبض على مرفق نجمة التي ارتجف جسدها ونظرت له برعب بعدما خرجنا من المشفى تزامنًا مع صدوح صوت فارس من الشرفة بالأعلى يهتف بسعادة:

- يا شهد ليو فاق!

احتلتنا الصدمة جميعًا لكن هذه صدمة بمذاق الكراميل المُملح الممتزج البسكويت المفضل لدي بعد وقع كلمات فارس المهللة، فهرعت غزل للداخل على الفور بينما شهد أطلقت صيحة سعادة من فمها وتهلل وجهها الذي تحول لونه إلى الأحمر القاني وكأن الدماء اندفعت لوجهها بمضخة مياه قوية لكنها تيبست في مكانها بعد أن همت أن تتحرك، لا تعلم هل تركض أم تبقى مع نجمة.

- بابا هارون دايمًا يقولي يا رائف اوعى تستخدم عضلاتك مع اللي مش هيقدر عليك .. لكن قليل الأدب لازم تربيه.

أضافها رائف بنبرة جامدة بعد حديثه الهادئ وهو يلف ذراعه حول ذراع الشاب حول خاصته بعدما انتزعها من فوق خاصة نجمة ثم رفع كفه الآخر وضم أصابع يده قليلًا ثم ضربه به في منتصف وجهه ثم صدح صوت تهشيم عظمة أنفه وصرخة الشاب الذي يكون ابن عم نجمة عقبها نزول الدماء الداكنة من منخاريه.

سحبت شهد كف نجمة التي تكاد تفقد الوعي وهي واقفة متصخرة أثناء مشاهدتها سحق ابن عمتها على يد رائف ثم ركضت بها لداخل المشفى فلحقت بها رفقة باقي الفتيات.

سحبت نجمة للمرحاض حتى أنثر بعض المياه على وجهها وأغير من درجة حرارة جسدها حتى تذهب عنها نوبة القلق التي داهمتها بينما شهد أكملت طريقها حتى تصل إلى ليونار بقلب ملتاع لرؤيته.

- بتضحكي دلوقتي؟

قلتها بنبرة ساخرة إلى نجمة بعدما هدأت واتبسطت ملامحها ثم ابتسمت بهدوء أثناء شرود عيناها للأعلى حيث تفكر في ما فعله رائف مع ابن عمها وغيرته عليها بعدما لمسها الآخر، فضحكت نجمة من جديد لكن هذه المرة بصوت خفيض وهي تضع كلا كفيها على وجهها تخفيه بسبب خجلها، فقد حدث الكثير معنا في الأسابيع الماضية.

(منذ أسبوعين تقريبًا تحديدًا يوم محاكمة شمس)

جلست نجمة في فراشها أسفل الغطاء، متكورة على حالها وتبكي بصمت، طوال اليوم تلاحقها أشباح الماضي لتفتك بها، تذكرت كل شيء حدث معها أيام الخطف، عاد الألم يحرق جسدها كأسواط حارقة تنزل فوقها من رجل مفتول العضلات بمنتصف ساحة في قلب الصحراء بينما تتعامد عليها الشمس الملتهبة في السماء لتضفي المزيد من الألم فوق جسدها المحترق .. سيعدم؟

بهذه البساطة؟
هذا فقط؟ بعد كل ما فعله بي؟
إنه يستحق السلخ بل يستحق الموت عن طريق الكرسي الصاعق للكهرباء الذي كان يستخدم قديمًا في عمليات الأعدام.

ضمت حالها أكثر وذكرت حالها إنها قوية، وأن الله لن يترك حقها، ولن يتركها، حاولت تذكر شيء جميل مثلما نصحتها الطبيبة النفسية لكنها لم تقدر لذا اعتدلت في الفراش وأمسكت الدفتر الذي يقبع فوق الكومود وبدأت في تفريغ ما تشعر به.

⟪  أشعر بالألم يعتصر قلبي
الحزن ..فقط الحزن
رغبة عارمه في البكاء .. الصــراخ..
إنها تبكي .. المراهقة الصغيرة داخلي تبكي
لا تتقبل ما حدث بها، لقد كبرت فجأة وكأن أحدًا سرّع الوقت لأضحى انثى كبيرة عاقلة ومفتتة، بالأمس كنت أحتفل بعيد مولدي التاسعة عشر والآن صِرت في الأربعين.

ظننت إنها ماتت ذلك اليوم لكنها مازالت تحيا داخلي وهي حزينة، لكنني غاضبة حد الأشتعال.
أرغب في تمزيقه وتقطيعه ورميه إلى الكلاب في الطرقات.
لماذا تبكي يا صغيرة؟
هل ما أفكر به يخيفك أم إنك حزينة لما حدث معكِ؟
حسنًا يا صغيرة انا هنا معك، الله سيأخذ لكِ حقكِ، سوف يخلد بالجحيم، سوف نحنيا سعداء.   ⟫

نظرت إلي الحائط جانبها المزين بشريط من الأضواء الصغيرة باللون الأصفر ومعلق به أوراق صغيرة بها عدد من الآيات المحفزة التي صنعتها لها لنفسي ومررت نظراتها عليهم جميعًا:

{وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي}

{ فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا }

{ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا }

{ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ }

{ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا }

{ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا }

{ يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ }

تنهدت نجمة بثقل ثم أغلقت الدفتر وأمسكت الهاتف ثم ضغطت مطولًا على زر القفل لينير الهاتف في وجهها بانتعاش بعدما قتله بقفلها له وانسحابها من الحياة، انتظرت بتململ ظهور علامة الأتصال بالأنترنت ذات الثلاث شروط هرمية في الأعلى ثم تجاهلت كم الرسائل والمكالمات الفائتة وصغطت على المنطقة الزرقاء لموقع التواصل الأجتماعي "فيس بوك"

تجاهلت كذلك كل الأخبار التي تتحدث عن إعدام شمس الزناتي حيث إنها الأكثر شهرة الآن ثم ضغطت على منطقة البحث وضغطت على أول صفحة مثبتة بالأعلى والتي تكون صفحة رائف، فهي تتفحص حسابه الخاص منذ أن عادت للمنزل.

" الليل جميل والنجوم تلمع في السماء لكنني حزين فنجمي منطفئ اليوم "

ظهرت أمامها بعدما دلفت إلى صفحته الشخصية وتخطت بصعوبة صورته التي يبتسم فيها باتساع وتظهر قردته "لوزة" فوق كتفه، فشقت ابتسامة هادئة وجنتها رويدًا حتى ظهرت أسنانها، إنه مازال يفكر بها إذًا.

ضغطت على التعليقات حيث إن المنشور عليه أكثر من مئة تعليق، فظهر أمامها تعليقات أخوته الساخرة على المنشور الذي يتنافى عن منشوراته الهزلية.

Turki Al malki :
بلوك يا جماعة علشان الأكونت اتهنكر.

Jakob Al malki:
طيب ما تشحنه؟
Rae'if Al Muhairi:
تم الحظر.

Nemo:
هو متغداش النهاردة ولا إيه؟

ضحكت بشدة وهي تقرأ التعليقات أثناء شجاره مع أخوته على المنشور ثم ضغطت على صفحة ليونار حيث تحدث أخوته كذلك عن تعليقه على منشور ليونار الذي نشره قبل الآخر حيث كتب به كلمات مقتبسة من الشاعر محمود درويش:

" شيئان لا يجتمِعان، عيناكِ وهدوء نَبضي"

Rae'if Al Muhairi:
أنا أصلا مشكلتي في عينها.

Leonar Al Muhairi:

بيدق آخر انسل من بين أيدينا، فلتحل اللعنة على جميع الساحرات وخاصتًا النداهة خاصتي.

صدح صوت جرس الباب الذي أخرجها من شرودها ثم تلاشت ابتسامتها ببطء عندما سمعت صوت عماها الاثنين بالخارج، فهي لا تطيق وجود أحد من العائلة، الجميع ينظر لها على إنها مذنبة وكأنها هي من رمت حالها بين أنيَاب ذلك الذئب.

- بقولك يا طارق إحنا جايين نقول كلمتين، بعد ما بنتك فضحتنا وخلت سيرتنا في كل حتة أنا قررت أجوزها "جودة" ابن عمها علشان نلم الموضوع.

قالها عمها الأكبر بنبرة جامدة فانتفضت من فوق الفراش وخرجت كالقذيفة حتى صارت بمنتصف الصالة حيث وصلها صوته الغليظ ذو النبرة العالية وهي جالسة بمكانها فوق الفراش، ثم قالت بنبرة خافتة معترضة على الأمر من بين شفتيها المرتجفتين:

- أنا مش عايزة أتجوز بالذات ده.

- إنتِ ليكي عين تتكلمي بعد اللي حصل، ما إنت لو كنتي لابسة عدل وماشية بحجابك مكنش كل ده حصل، بس نقول إيه؟ المهم فرحك على جواد بعد شهر مفيش نقاش.

قالها عمها بنبرة عالية في وجهها بعدما رمقها بنظرة مستحقرة ليلقي باللوم عليها وعلى أخلاقها، ثم أنهى حديثه بنبرة مؤكدة حتى ينهي النقاش في هذا الموضوع، فنظرت إلى أبيها تتلمس منه الدفاع عنها والأعتراض ببريق أمل تتمسك به، تقابلت نظراتهم لثانية وكأن الوقت تجمد في تلك اللحظة، نظراته تفيض بالعجز والدموع تُغلِف عينه مما أدي لإطفاء كل ذرة أمل كانت تشع داخلها، إنه سلبي لن يفعل شيء أمام سطوة أخيه الأكبر.

هل لأنها فتاة غير محجبة هذا يعطي الحق للبعض بأن يفتك بها؟!
تبًا لكل من يعتقد ذلك!
إن الله هو من يحاسبها وليس أنتم أيها المجتمع المريض!

ركضت إلى غرفتها وارتمت فوق الفراش قبل أن تنفجر في البكاء، كيف لهم أن يفعلوا بها هذا؟
كيف سوف تتقبل رجل خلال شهر بعد كل ما حدث معها؟

إنها تخاف جميع الرجال، صارت تراهم جميعًا بأنياب تشبه خاصة مصاصين الدماء، يتربصوا لها حتى يغرزوا أنيابهم في رقبتها ويتركوها جثة هامدة في دهليز صغير بعدما سحبوا جميع الدماء من جسدها.

وهذا الأرعن "جودة" ابن عمها ملك عشيرة مصاصين الدماء، لطالما أراد أمتلاكها، لكنها كانت تقف أمامه بكل قوتها وترفضه، لم تسمح له أبدًا أن يقترب منها قيد أنملة، والآن سنحت له الفرصة وتلاعب بالجميع حتى يحصل على مبتغاه.

أنا قوية.
مازلت قوية، لن أسمح لهم بالفتك بي.
لن أسمح لأحد بجبري على شيء لا أرغب به من جديد.

هكذا رددت داخلها ثم مدت يدها وسحبت هاتفها من جانبها حيث يقبع فوق الفراش، بحثت عن رقم الشخص الأقرب لقلبها: شهد، ثم هاتفتها.

- أنا مش هسيبهم يعملوا فيا كده، ههرب من هنا .. هو أنا ينفع أجي أعيش معاكِ علطول.

قالتها نجمة بنبرة مهتزة إلى شهد وهي تضغط على شفتها السفلية وتنظر لها برجاء خوفًا من رفض الأخرى بعدما حضرت من أجلها عقب مهاتفتها بسرعة عالية لتثبت لها إنها بالفعل جديرة بحبها، وإن الله قد بعثها لها لكي يربط على قلبها بها.

يقول دكتور محمد طه: عالمك الداخلي مهما كان بشع ومشوه، مهما كان ممتلئ بالوحوش، علاقة إنسانية طيبة يصلك من خلالها حب حقيقي غير مشروط، علاقة واحدة حقيقية بها قبول وحب، اهتمام، واحترام، تغيره وتلونه، تشفيه، وتعيد تكوينه من جديد، تحول الجحيم إلى جنة عدن.

هذا ما فعلته شهد مع نجمة إنها أعادت ترميم داخلها من جديد، أعطتها حب بدون مقابل، اهتمام دائم وكأنها أختها التوأم، لذلك اعتبر شهد إنها انقى إنسانة رأيتها في حياتي.

- بجد! هتيجي تعيشي معايا ؟! أنا متحمسة اوي.

قالتها شهد بنبرة عالية كعادتها عندما تتحمس مع سريان بريق لامع من مقلتيها وكأن شعاع الشمس تعامد فوق مياه البحر الصافية ولم تأخذ في حسبانها أن صوتها يمكن أن يخرج للخارج، فانتفضت نجمة من مجلسها ووضعت يديها على فم الأخرى لتمنع أسترسالها في الأمر حتى لا يتم كشفهما.

- روحي هاتي ملايات نربطهم ببعض ونحدفهم من البلكونة علشان نتسلل للخارج.

- هي فكرة جميلة وممكن تكسر رقبتنا بس عندي اقتراح تاني، إيه رأيك نفتح الباب ونزل أكننا رايحين مشوار عادي؟!

قالتها نجمة بنبرة ساخرة بعدما سيطرت على حالة الصدمة التي احتلتها وأخرجت الحديث المتجمدة على طرف لسانها عقب اقتراح شهد الذي خرج بلهفة بعدما أحمر وجهها كقنبلة انفجرت بسبب الحماس الذي ينبض داخلها، فانطفأت شهد كمن نفخ الهواء فوق شعلة شمعة بعد حديث نجمة وقالت بنبرة متذمرة:

- فين المتعة؟ يعني يوم ما يكون في مغامرة تبقى سهلة كده؟!

- تيجي نطلب أكل عقبال ما نحضر الشنطة؟

قالتها نجمة بنبرة خبيثة لتغير من حالة الأخرى التي توسعت عيناها ونظرت لها كالمشدوهة قبل أن تحرك رأسها بالأيجاب على طلب الطعام، فأمسكت نجمة هاتفها لتطلب الطعام بينما نهضت الأخرى ووقفت فوق المقعد الخاص بخزانة التزيين بعدما نقلته أمام خزانة الملابس ثم أنزلت حقيبة السفر الكبيرة التي تقبع فوق الخزانة حتى تضع بها ملابس نجمة.

_ يا حبيبتي إزاي بس اللي بتقوليه؟ هتهربي البنت من بيت عيلتها؟ أنا لا يمكن أسمح بكده أبدًا!

قالها هارون بنبرة غير مصدقة بعدما هاتفته شهد مكالمة من النوع "فيديو" وأخبرته بأمر تهريبها لنجمة من المنزل حتى لا يتفاجئ الجميع، فقلبت شهد شفتها السفلية وبدأت الدموع تتجمع في مقلتيها ببطء وهي تثبت نظراتها به عبر الشاشة حتى تنهد أبيها بعمق قبل أن يقول بقلة حيلة:

- خلاص هتكلم مع قاسم وارجعلك.

أغلق معها بعد حديثه ليذهب ويشاور في الأمر مع أخيه قاسم والذي يفكر أفضل منه في الأمور بعدما أمسك حاله في اللحظة الأخيرة قبل إن يوافق على قرارها، فأبغض الأمور لديه رفض طلب لها، كما إنها عنيدة وهو يعلم إنه بمجرد إغلاق المكالمة ستفعل شيء مجنون وسوف تنفذ ما تفكر به بالفعل وتضعهم أمام الأمر الواقع.

- الحل الوحيد إنها تتجوز واحد من المامبا علشان تيجي وناخدها رسمي تعيش معانا هنا، غير كده مينفعش يا شهودة.

قالها قاسم بنبرة هادئة في الهاتف عقب مهاتفته لشهد بعدما تشاور مع أخوته في الأمر وهدى عقلهم لتلك الفكرة حتى يتم حل الأمور بالطريقة الصحيحة، فظهر الأضطراب على وجه نجمة وخفق قلبها بشدة حتى كان يخرج من صدرها معلنًا يأسه من ذلك الجسد، لم يتم حل الأمر إلا بالزواج؟

هي لا تريد الزواج، لا تريد رجال، تريد العيش حرة كطائر مهاجر، لماذا يريدون أن يضعوها داخل قفص؟

- رائف، عايزين رائف يا قيصر قلبي يا جميل إنت.

- الموضوع مش بالسهولة دي، كده خرق في القوانين ولازم نقدم الأمر لكل المامبا علشان يكون عندهم فرص متساوية ومحدش يتضايق، عمتا هي هتختار بينهم لأني أكيد مش هغصبها على حد، لو رائف عرض الجواز هتتجوزه، المهم موافقة؟

هتف بسؤاله وهو ينظر إلى نجمة التي تقف خلفها عقب حديثة الذي خرج برزانة ردًا على حديث شهد الذي خرج بلهفة بنبرة تحتلها السعادة فهي تعلم إن نجمة منجذبة لرائف بالفعل، فحركت  شهد رأسها بالموافقة بعدما نظرت إلى الأخرى التي تدرج وجهها بالحمرة مع ازدياد وتيرة خفقات قلبها لكن شتان بين خفقه في البداية والآن، فهذه الخفقة محببة لها.

- أنا مش عايزة أتجوز.

قالتها نجمة بنبرة مرتعدة وتوسعت عيناها برعب بعدما استعادة ثباتها وتذكرت تلك الواقعة اللعينة ثم وضعت يديها فوق موضع قلبها وبدأ تنفسها يختنق عندما تلبستها حالة الهلع بالكامل وكأنها تمر بما حدث معها من جديد عقب إغلاق المكالمة.

- نجمة مخافيش رائف كويس عمره ما هيزعلك، بعدين إحنا هنكتب الكتاب بس ولما تحبي تتجوزي اتجوزي محدش هيغصبك على حاجة، متخافيش أنا معاكِ ومش هسيبك، وعمري ما هسيب حد يضايقك أو يزعلك.

قالتها شهد بنبرة هادئة وهي تضم نجمة لها وتربت على ظهرها حتى هدأت الأخيرة وانتظم تنفسها عندما تذكرته، ثم ابتعدت عنها ببطء ونظرت تجاه الدمية التي أحضرها لها والتي تقبع فوق فراشها حيث تحتضنها كل يوم لتساعدها على محاربة كوابيسها كل يوم.

إنه لطيف، عندما شعر أنني أخاف منه لم ينظر لي حتى، جميعهم مصاصين دماء عدا رائف.
إنه الصياد.

رددتها نجمة داخلها عدة مرات حتى تزيل تلك الفكرة عن رأسها ثم تذكرت ذلك الحلم الذي حلمت به حيث كانت تركض في الشوارع بهلع وقلبها يدق بعنف كإنزار احترق بناية ومن خلفها يركض جيش من مصاصين الدماء الذين يصدح صوت تنفسهم كالصرير داخل أذنيها.

وضعت يديها فوق أذنها لتمنع صوتهم من الوصول لها كي تستطيع المواصلة ولا يتوقف قلبها الذي ينذرها بقوة بحدوث ذلك في أقرب وقت حتى ارتطمت برائف الذي كان يرتدي ملابس تشبه الصيادين أو المحاربين فقد كانت تتكون من أقمشة سوداء ملتفة حول جسده المنفر بالعضلات ويمسك بيده سيف دائري على شكل خطاف كبير.

أمسك رائف يدها برفق وتحرك بها ناحية ما كان سابقًا متجر خبئها داخله ثم عاد من جديد وركض تجاه جيش مصاصين الدماء وبدأ بسلاحه العجيب في قطع رؤوسهم واحد تلو الآخر وبدأت تسقط فوق الأرض وكأن السماء تمطر رؤوسًا ودماء.

- لا تخافي أيتها الحسناء أنا الصياد فايف (خمسة)

قالها رائف إلى نجمة عندما عاد لها من جديد ملطخ بالدماء وتتقاطر من سلاحه الذي أخفاه خلف ظهره حتى لا تخاف، ابتسمت له نجمة بهدوء ثم نظرت لرقم خمسة الذي يزين رسخ يده وهمت أن تشكره لكنها لم تستطع لأنها استيقظت.

ربما، ربما تقوم باستكمل الحلم على الحقيقة يومًا ما على الرغم من أن هذا الصياد الجاد يتنافى مع هذا الأبله رائف ذو الأبتسامة الطيبة.

- تفتكري عمامي هيوافقوا؟ أنا خايفة.

- هيه أنت لا تعلمين من هو هارون المُهيري يا فتاة!

قالتها شهد بنبرة واثقة وهي تنتفخ بذهو من أبيها بعد حديث نجمة الذي خرج متوترًا وكأنها تذكرت الآن أن موافقة عمها على طلب رائف من الزواج منها أمر يشبه عشم إبليس في الجنة.

وكما يقولوا: تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن، لم تكتمل الخطة، ففي اليوم التالي لعبت نجمة دور الفتاة المطيعة أمام عائلتها ونزلت تتسكع مع شهد بعدما زعمت إنها سوف تبتاع أشياء من أجل العرس لكنهما تأخرا للغاية على موعد العودة، فأغلقت نجمة هاتفها حتى تؤجل الشجار لوقت لاحق لكن عندما حدثت بلبلة ليونار، سافرت رفقة شهد لتعود الخطة الأولى تحلق في الأرجاء؛ لقد هربت من المنزل.

لم تفتح هاتفها منذ ذلك الحين منتظرة أن يفيق ليونار ليذهب قاسم بها حتي تتم الزيجة فهي تعلم أنه لن يستطيع السفر وطلبها من أهلها في ظل هذه الظروف ولم تأخذ في حسبانها أن يبحث عنها ابن عمها وخطيبها -كما يعتقد- حتى يعيدها إليه ويتزوج بها.

(عودة)

خرجنا من المرحاض ومشيت بخطوات سريعة حتى وصلت إلى غرفة ليونار، وقفت بالخارج أشاهده من خلف الزجاج حيث يمرر نظراته على الجميع من بالغرفة وكأنه يبحث عن شخص بعينه بعدما انتهى الأطباء من فحصه، ثم عاد بنظرته إلى هارون من جديد، رفرفر بأهدابه عدة مرات ثم ارتعشت شفتاه بطريقة غير مباشرة وضغط عليها حتى يمنع حاله من الأنفجار في البكاء لكن كانت ضغطه هذه بمثابة الضغط على جرح نازف فبدأ في البكاء بأنتفاضات عنيفة.

هرول هارون ناحيته وجلس جانبه بحذر حتى لا يؤلمه بسبب جرحه وبدأ بضم جسده له وكأنه يرغب في دفنه بين أضلاعه، فوضع ليونار يده فوق الجرح فمن الواضح إن جرحه يؤلمه بسبب شدة
بكائه.

رفعت رأسي للأعلى لأبحث عن الهواء بسبب الأختناق الذي شعرت به وكأن أحد حشر جورب ملتف بمنتصف حلقي، ثم شعرت بأن هناك ألف شوكة تنغز عيني في نفس الوقت، تبًا لن أبكي.

سحبت شهيق بطيء وأخرجته بشكل أبطأ ثم كررت الأمر حتى سيطرت على انفعالاتي الغير مبررة، رفعت نظري المثبت على الأرض ناحيته مجددًا فألتحمت نظراتنا لثواني قبل أن يرفع يده ويمسح دموعه بعنف وكأنه يأمر حاله بعدم البكاء أمامي، وكأن يقول لحاله: لا تخرجي، أأمرك أن تبقي بالداخل، لقد انتهى وقت البكاء.

__________________________𓂀

جلست جانب شهد على الأريكة بداخل غرفة ليونار بعدما توقف عن البكاء وعاد الجميع للغرفة حتى يجلسوا معه، نظرت حولي بارتياب حيث أنفض الجميع فجأة وخرج الجميع واحد تلو الآخر من الغرفة، ما الذي يحدث؟
هل هناك خطب ما؟

خرجت من شرودي بعدما صدح صوت هاتف شهد عقبه انسحابها إلى الشرفة بهدوء لتجيب على المكالمة، منذ متى وهي تبتعد عني لترد على المكالمة؟

هل أمي توفيت من جديد ويحاولوا الأتفاق على طريقة للبوح بهذا الشيء؟
لا أعلم أين ذهبت خالتي هي الأخرى لقد كانت على بعد خطوة واحدة من ضمه بين ذراعيها منذ ساعة تقريبًا، تبًا، إنها تحبه أكثر مني!

نظرت تجاه ليونار الجالس فوق الفراش متسطحًا بعدما رفع الممرض مقدمة الفراش من ناحية الرأس ليجلس بأستراحة، فشعرت برغبة عارمة في صفعه لإنه يشيح بنظره بعيدًا عني وكأنه لا يقدر على النظر تجاهي، إنه يخجل من دموعه التي انسكبت من مقلتيه أمامي وكأنه فعل شيء دنيء، إنه لم يفعل ذلك عندما اخبرني بعمله القذر!

نظرت إلى يده أثناء تمسيده للدمية التي تقبع جانبه والتي تكون على شكل أرنب أزرق اللون، لقد أحضرتها له شهد ووضعتها بين ذراعه في فترة غيبوبته.

هذه الدمية كانت تعود له منذ صغره فقد جلبتها له أمه شيرين لكن شهد أخذتها منه وهي بعمر العامين فقد أحبتها بشدة وصارت لا تنام إلا وهي تحتضنها، وفي يوم من الأيام عندما كانت شهد في السادسة دلفت الشرفة ليلًا لترى القمر فوجدت ليونار يجلس في الأرض بالشرفة حيث جميع غرف القصر الآخر الخاص بعائلتهم تطل على نفس الشرفة الملتفة حول القصر بأكمله.

- إنت بتعيط ليه؟ خايف؟

قالتها شهد بنبرة متسائلة بعدما جلست بجانبه فوق الأرض، فحرك ليونار رأسه بالموافقة على حديثها وهو يمسح الدموع من بين أهدابه الكثيفة، فوضعت شهد الدمية التي تمسك بها فوق قدمه بحنان ثم قالت له بهدوء وهي تربت على كتفه:

- نام جنب "بنبن" وإنت مش هتخاف، إنت عارف إنه ساحر؟ عنده مدينة من الشوكولاتة وبيحارب الأحلام الوحشة.

ابتسم ليونار باتساع على تفكيرها الطفولي الذي يشبه خاصته فهو يمتلك خيال قوي كخاصتها -كما اخبرتني- ثم نهض من مجلسه وهو ممسك كفها وأعادها إلى فراشها ثم أخذ معه الدمية حتى تنام بجانبه وفي اليوم التالي وجدتها فوق الفراش بعدما أعادها لها من جديد لأنها لا تستطيع النوم من دونها ووجدت ورقة موضوعة أسفله خُط بها:

" لقد حارب "بنبن" الأشرار في خيالي جميعهم داخل السجن الآن لذا لا داعي للخوف، شكرًا لكِ صغيرتي المدللة، أحبك بشدة أكثر مما تظني"

_ عامل إيه دلوقتي يا ليو؟

قلتها بنبرة هادئة وأنا أنهض من فوق الأريكة وأجلس على المقعد الخشبي جانب الفراش الخاص به بعدما تنهدت بعمق وأخرجت فكرة صفعه على وجهه من رأسي، فحرك رأسه تجاهي حتى وقع بصره عليَّ وقال بنبرة مُهلكة:

- روحي متعبة هائمة تحتاج لصوتك كي تستكين، غنّي لي ماليكا عَلَّ صوتك يعيدها لي من جديد.

شعرت بالوتر جانب أذني ينفر بتراقص بسبب ارتفاع وتيرة نبضات قلبي، فسحبت نفس عميق أخرجته ببطء ثم رفعت بؤبؤ عيني تجاه السقف بتفكير في ابتهال كي أقوله:

❬صارت روحي لا تهدأ حتى تسمع صوتك❭

شعرت بوغز في صدغي فالآن صار قلبي ينبض به كذلك، حركت رأسي عدة مرات بعنف حتى أزيح تلك الفكرة عن رأسي وكأنها ستنسكب للخارج كالماء ثم أغمضت عيني وبدأت في قول الأبتهال الذي أحتاجه الآن.

❞ قصدت باب الرجـا والنـاس قـد رقـدوا
وبت أشكـو إلى مولاي مـا أجـد

وقلت يـا أملي فـي كـل نـازلــة
يـامـن عليـه لكشف الضر اعتمـد ❝

فتحت عيني ونظرت له فرأيت الدموع تغلف مقلتيه من جديد فهو لم يخرج كل الألم الذي ينبض داخله بعد، أغمضت عيني من جديد حتى يتسنى له تحريرها جميعًا، تبًا لك ليو، أقسم أن كنت زوجي لصفعتك.

همتت أن أبدأ في المقطع التالي لكنني توقفت وانحبست أنفاسي عندما بدأ هو الغناء معي المقطع، صوته هادئًا، جميلًا للغاية، وساحرًا.

❬❬ أشكــو اليك .. أشكــو اليك
أشكــو اليـــــك
أشكــو اليك أمورًا .. أشكــو اليك أمورًا
أشكــو اليك أمورا أنت تعلمـها

مـالي على حملـها صبر ولا جلـد  ❭❭

لم يقل آخر بيت بل أنا، فقد توقف عن الأبتهال فجأة وكأنه علم الآن فقط إنه يغني فعدت للغناء من جديد لأكمل الأبتهال حتى آخره:

❞وقـد بسطت يدي بالـذل مفتقـرا
اليـك يـاخير مـن مدّت اليـه يـــد

فـــلا تـردنـها يـــارب خـائبــة
فبحــر جـودك يروي كل مـن يرد ❝

_ صوتك يغلف روحي بالأمان كرضيع صارخ استكان بمجرد أن نفذت لأنفه رائحة أمه.

قالها ليونار بنبرة خرجت متحشرجة بسبب كتمان بكائه وهو يفرك عينه بأصبعيه ثم نظر لي وأمال رأسه قليلًا وحاول سرقة ابتسامة واهنة قبل إن يستطرد بمزاح ليواري حالته:

- لو كنت ساحرًا لسرقت صوتك ثم وضعته داخل قوقعة تغني لي طوال اليوم، لكن مرحى! لا بأس أنا رجل مافيا يمكنني خطفك وجعلك تغنين لي طوال النهار.

- ابكي ليو إذا كنت ترغب في ذلك.

قلتها بنبرة هادئة باللغة العربية الفصحى كما يتحدث بعدما تذكرت يوم رحلة المركب عندما اخبرني أن أصرخ عندما كنت أرغب لذلك، وتذكرت صراخنا معًا.

- كتمان البكاء والمشاعر السلبية سيئ للغاية سوف يجعلك تصاب بأمراض عضوية ليس لها علاج كـوجع أذنك ورفض معدتك للأكل ليو.

قلتها بنبرة متعقلة وأنا أعقد ساعدي أمامي بثقة، مشاعر الحزن التي نكتمها داخلنا، الصدمات، والصمت، الجسد يأتي عليه وقت ويرفع رايته البيضاء وتخرج عن طريق أمراض مثل ألم أذنه الذي علمت عنه من شهد بالصدفة عندما تحدثت شفا عن ألم العضلة القطنية بمنتصف ظهرها التي تؤلمها بشكل دائم وعندما ذهبت للطبيب أخبرها أن المرض نفسي وليس عضوي.

فالجسد يبكي، الجسد يصرخ، الجسد يعبر عن الحزن بطريقته مهما حاولت كتمان المشاعر سينفجر في النهاية.

حرك رأسه ناحيتي من جديد بعدما كان ينظر أمامه وبعثر نظراته فوق صفحة وجهي بهدوء، هذه النظرة جديدة، فأنا صرت أعلم شخصياته من خلال نظرة عينه، فهي مميزة، لا تكذب مثل لسانه.

فهو لديه نظرة ليو الصغير دائمًا تكون خبيثة ومتلاعبة ويأتي بعدها مرحلة حرق دمي بأي شيء، عندما يكون ليو أشعر أن الطفل الصغير داخله يتحرر يكون .. متوهج.

ولديه نظرة أنوبيس تلك قاتمة للغاية عندما تتلبسه تلك الحالة يبدو مخيف بحق لكنه لا يخرج منه كثيرًا، آخر مرة منذ شهر تقريبًا عندما عقدنا اجتماع مع عميل مهم، لكنه كان قذر وعينه تشبه الذئاب إنه لم يترك انثى وإلا بعثر نظراته عليها وهو يتحرك في الردهة.

وعندما ألتففنا حول الطاولة لنبدأ الأجتماع جلس أمامي ثم رفع نظرته تجاهي بطريقة أثارت غضبي وقبل أن أنهض وأضربه بشيء في وجهه قال له ليونار بنبرة هادئة وتلك النظرة القاتمة تتراقص بمقلتيه:

- إنت مش عارف إنت داخل شركة مين؟

انهى حديثه وأمسك رأس الرجل ونزل بها تجاه الطاولة لتنفتح رأس الآخر وتدفق الدماء منها بغزارة وكأنها كانت تتوق للخروج من الداخل لكنه لم يكتفي بذلك بل أعاد الضربة مرة أخرى وأخرى حتى أبعده نيلان عن الرجل وحال بينهما قبل أن يقتله بين يديه.

- في المرة القادمة يجب عليك أن تعلم مع من تتعامل.

قالها ليونار بنبرة تشبه حفيف مخالب ذئب فوق الرمال أثناء دفع نيلان الرجل خارج الغرفة وهو ينزف بغزارة وتتساقط دمائه فوق الأرض وتحول المكتب لموقع جريمة داخل فيلم ما ضباط الشرطة تعاين مسرح جريمة.

لماذا تأخرت شهد في المكالمة هكذا؟
مع من تتحدث في الأساس الجميع بالخارج؟!

- مالك؟ أقصد ماذا بك ليو؟

- قلبي يؤلمني ماليكا، لقد ظننت أنني عندما أفيق سأجد أبي لكنه لم يأتي.

قالها بنبرة ثقيلة محشرجة عندما داهمته تلك الرغبة من جديد وغلفت عينه غشاوة رقيقة من الدموع، فشعرت بأن قلبي قد شُق نصفين بواسطة خنجر صادئ، فأنا أعلم هذا الأحساس بالضبط، عندما أفيق بمنتصف الليل أبحث عن أمي لكنني لن اجدها.

لا أعلم أين أبيه؟ لقد ظننت في بادئ الأمر إنه متوفي لكن سمعت هارون يخبر شهد إنه ذاهب للتحدث مع سالم كما يفعل كل يوم، ومرة أخرى أخبر باسل أن يذهب إلى سالم حتى لا يحزن لأنه لم يذهب له اليوم وهو لا يريد ترك ليونار بمفرده، فعلمت إنه ربما في غيبوبة مثل ليونار لكن هذه عميقة.

سالم هذا، تبًا، إذا قلت على ليونار مختل فأبيه الزعيم، لقد وضعوا مقطع له على الشاشة حيث كان يحيي حفلة في أحد البلدان فهو مغني قديم من الثمانينات يغني نوع ما يعرف بـ "روك أند رول" ويطلق عليه "سولي" اختصار لاسم سالم.

كان يظهر أبيه في المقطع يرتدي بنطال أسود من قماش الدينم عاري الجزع بقصة شعر منتفخة وكان يغني وهو يرقص بصخب وحماس وكأن الشمس تشرق داخله بل كأن الشمس تشرق من خلاله، وعيناه تعبر عن مدى جنونه.

- الجميع هنا من أجلك ليو، يجب أن تركز على ذلك، هل جربت أن تربت على حالك بدلًا من عقابك لها.

قلتها بنبرة رخيمة وأنا أنظر له بهدوء، بعدما بدأ في  مضغ شفته السفلية أسفل أسنانه حتى أوشك على جرحها، فحرك نظرته الخاصة بليو الصغير تجاهي لكن هذه كانت متسائلة، فرفعت كف يدي الموضوع فوق قدمي ثم بدأت في التربيت على كتفي عدة مرات لأجعله يرى كيف يتم ذلك؟

- إذا كان هذا آخر يوم في حياتك ماذا كنت ستفعل؟

قلتها بنبرة متسائة حتى أغير من حالته وأعيد ليو الصغير له من جديد، فهو الآن سيخبرني شيء مشاغب له علاقة بالصغار، ثم ابتسمت بهدوء عندما برقت عينه بوميض خفيف ثم نظر لي وقال بنبرة تحمل الحماس:

- سوف أذهب إلى الملاهي ثم أرقص وأرقص وأرقص وأغني، وأغطس رفقة الحيتان، اوه هل تعلمين؟ لقد كنت أرغب في حوت أزرق بالمسبح لدينا لكن عمي هارون اخبرني أن أُخبر أبي وأبي أخبرني أن أذهب لعمي وعمي أخبرني أن اذهب للآخر.

صمت لبرهة وقلب عينه بسخرية لازعة ثم رفع يده وأعاد خصلات شعره السوداء التي طالت في الفترة الأخيرة للخلف كعادته قبل أن يعود لي من جديد ويسطرد بنبرة مستاءة:

- هذه كانت طريقتهم اللعينة عندما يتم حشرهم بالزاوية! لكن اتعلمين؟ لقد أخذ عمي هارون تلك الشمطاء الصهباء لرؤية البطاريق ولم يأخذني حتى أرى الحوت! اللعنة، لن انسى له ذلك، آه يا إلهي لماذا خلقتني وسط تلك العائلة الظالمة؟
كنت طفل صغير برئ يرغب في حوت واحد فقط!

قالها بطريقتة التراجيديا وهو يرفع يده للأعلى، ها قد عاد الوغد المدبلج من جديد!

عاد إليَّ بنظراته وفتح ثغره قليلًا وهم أن يتحدث بشيء لكنه تراجع في اللحظة الأخيرة ونظر أمامه، فتذكرت ذلك المقطع الذي شاهدته رفقة شهد الأسبوع الماضي حيث تم تصويره في طفولته، ظهر ليونار ذو الخامسة في يجلس بمنتصف الفراش ويتحدث عن ما حدث معه طوال اليوم بنبرة متحمسة إلى هارون المتسطح جانبه.

- أحمدك يا رب وأشكر فضلك.

قالها هارون وهو يرفع يده بتضرع إلى الله عندما انتهى ليونار من سرد ما حدث معه لكنه لم يكن يعلم إنها استراحة محارب قبل أن يحكي له ليونار ما حدث معه بالمدرسة:

- إنت نام؟

- لا مت.

- إنت كلم إزاي؟

قالها ليونار بنبرة متسائلة وهو يضيق جفنيه بتفكير فيما قاله هارون حيث إنه أغمض عينه لينام وترك ليونار يتحدث مع حاله لكن الأخير لم يتركه يهنأ.

- دي روحي .. بهزر يا فارس متخافش.

قالها هارون مسرعًا بعدما ارتجف فارس الذي ينام جانبه وابتعد عنه قليلًا بعد حديثه السابق الذي قاله تعقيبًا على سؤال ليونار، فضحك فارس بخفة ثم بدأ في الغناء بمرح وهو يطرق على معدة هارون العارية:

- دربوكه إيه ياه دربوكه إيه؟ نام إنت كمان ارحموني يرحمكم ربنا بقالي ساعتين ونص بسمع، أنا عندي شغل الصبح عايز أنام .. آه يا ابن سالم يا ابن الـ**

هتف بها هارون بطريقة نابية بعد حديثة السابق الذي خرج بنبرة متهكمة بعدما ركض ليونار من فوق الفراش وهو يهتف برغبته للبسكويت، فركض خلفه هارون بوجه غاضب ثم بعد ثواني عاد من جديد وهو يحمله بيده من ملابسه للخلف ثم ضربه على أسفل ظهره برفق وهو يعيده للفراش من جديد:

- ليو عايز حوت في  الـ pool.

قالها ليونار بعدما رفع رأسه لينظر لوجه عمه الذي يسطحه فوقه ويكبل جسده حتى لا يتحرك، فأخبره هارون أن يخبر أبيه بعدما حاول السيطرة على حالة الصدمة التي أحتلته من طلب ليونار اللطيف.

- ليو نام حضن ماما.

قالها ليونار وهو يتلوى بين ذراعي عمه هارون، فتركه على مضض ثم نظر له بتحفز منتظرًا ركضه للخارج من جديد حتى استقر بين ذراعي أمه شيرين.

- بصي يا شيرين الواد بيكيدني إزاي؟!

قالها هارون بنبرة متذمرة وهو ينظر إلى ليونار الذي يخرج له لسانه ويغيظه بشقاوة، فضحكت شيرين بخفة وضمت ليونار لها أكثر ثم طبعت قبلة حنونة فوق وجنته.

- ليو حارب شريرين.

قالها ليونار بنبرة متحمسة بعدما نهض من جديد وبدأ في القفز فوق الفراش ثم قفز عاليًا وتشقلب فوق جسد عمه هارون، فكبله عمه جيدًا هذه المرة ثم بدأ في قص حكاية من كتاب ألف ليلة وليلة:

- حدوتة لا، ليو مش نام.

صرخ بها ليونار وهو يتلوى ليفك حصار عمه عن جسده الصغير لكن الأخير لم يسمح لها بذاك وأكمل سرد الحكاية بلامبالاة حتى سرق انتباه ليونار وسكن جسده لينام بين ذراعيه بأمان.

من تشاهد تلك المقاطع وتتزوج منه يجب عليها أن تمضي ورقة إنها فعلت ذلك وهي بكامل قولها العقلية لأن جيناته التي ستنتقل إلى أبنائه سوف تلقي بيها إلى مشفى الأمراض العقلية.

_ هيه قاسية الفؤاد هل يمكن أن تصبحي صديقتي المقربة؟

قالها ليونار بنبرة مترددة بعدما دفع حاله وأخرج الكلام من فمه وهو ينظر لي نظرة متقلبة يتدفق منها الخوف والرجاء الممتزج بفقدان الأمل فهو يعلم الأجابة بالطبع، فحركت رأسي بالنفي وقلت بهدوء بعدما أخرجت تنهيدة من فمي:

- أكيد لا.

- واحسرتاه يا قاسية الفؤاد واحسرتاه، كيف يمكنك كسر قلبي اللطيف هكذا، تبًا لكِ، يا إلهي لماذا من بين جميع النساء لا يقترب مني سوى الشمطاوات، وأنا الذي كنت على وشك مشاركتك الحلوى؟!

قالها بنبرته الميلودرامية وهو يحرك رأسه بيأس ويتصنع البكاء أثناء رفعه ليده للأعلى وانهى حديثه وهو يرمقني بتهكم ويعقد ساعده أمامه بعدما حرك بؤبؤ عينه ناحية لوح البسكويت الموضوع فوق الكومود والذي جلبته له "عاليا" حيث أخبرته وهي تبكي إنها من "فراشة عمها" لإنها اشتاقت له بشدة.

- ما إحنا ممكن نتشارك الحلوى منغير منتصاحب عادي!

قلتها ببراءة مصطنعة وأنا أرفرف بأهدابي عدة مرات بدون تصديق على حديثه بطريقة مازحة، فحرك رقبته بطريقة دائرية ساخرة وهو يضحك ضحكة عالية قليلًا بعدما تخلى عن غضبه مني ثم مد يده تجاه الكومود وأمسك اللوح بين يده التي تزينها الكالونة الطبية ثم فتحها ومد يده لي بقطعة من البسكويت.

- انتظري لنصور هذه اللحظة حتى أقوم بإزلالك بها في المستقبل.

قالها ليونار بنبرة جدية يحتلها المزاح وهو يلتقط هاتفه من فوق الكومود وفتحه على وضع التصوير ثم أمسك بقطعة البسكويت خاصته وقام بضربها بالتي في بين أصابعي بحركة بطيئة وكأننا نقوم بقرع كؤوسنا، فابتسمت بهدوء وشعرت بهجمة من السعادة داهمتني فجأة وأنا أراه يأكل البسكويت فقد رفض الطعام منذ قليل، في الواقع إن لم يكن هذا محرم لكنت صدقتك ليونار.

لكن حمدًا له إنه محرم وإلا وقعت في حبك، وهذا أكثر شيء سيئ ممكن أن يحدث لي بحياتي، فآخر ما احتاجه الآن الوقوع في حب قاتل.

- حبيبي عملتلك شوية شربة من إيدي هتاكل صوابعك وراها، أنا عارفة إن أكل المستشفى طعمه مش حلو علشان كده نزلت عملتهولك بنفسي، ما هي مستشفى عمك بقى.

قالتها خالتي بنبرة مرحة وهي تدلف علينا الغرفة فجأة وهي تحمل حاوية موضوع فوقها صحنين من الطعام ثم أشارت لي برأسها أن أنهض من فوق المقعد ففعلت وأنا أنظر لها باستنكار من ما صنعته، لقد هبطت للمطبخ الخاص بالمشفى وصنعت له الطعام!

- لا أقدر على الأكل خالتي.

- لا هتقدر علشان خاطري هتكسف إيدي؟ بعدين إنت شكلك محسود، أنا هرقيك وهتبقى زي الفل.

قالتها خالتي بنبرة هادئة بعد حديث ليونار الذي خرج بنبرة مرهقة تزامنًا مع دلوف باقي أفراد العائلة وعودة شهد من الخارج بطريقة جعلتني أشعر بالريبة، هل انسحبوا ليتركونا سويًا؟!

تبًا لكِ خالتي، أقسم إنه ليس ابنك!

رددتها داخلي عندما وضعت خالتي كفها فوق جبهة ليونار وبدأت في تلاوة القرآن بتمتمة خافتة لتقوم بتحصينة كما تفعل معنا دائمًا، فأغمض ليونار عينه بهدوء وسحب نفسًا عميقًا يدل عن الراحة التي انسلت إلى قلبه بفعل خالتي.

- مالك؟ شوفت قولتلك محسود.

- لا، اشتقت إلي أمي.

قالها ليونار بنبرة حزينة وشفة مرتعشة وهو يبعثر نظراته على وجهها بعد حديثها الذي خرج بنبرة مؤكدة عندما تجمعت الدموع في مقلتيه، فابتسمت خالتي بهدوء وجلست من جديد ثم أمسكت صحن الطعام وزودت المعلقة بالحساء قبل أن تمد يدها له تطعمه وهو تقول بنبرة مرحة:

- ما أنا كمان أمك ولا علشان مش ملونة وفرنسية منفعش؟

حرك ليونار راسه بالنفي وهو يأكل من يدها الطعام بهدوء وينظر لها بأمتنان من فعلتها، تبًا، إنها تطعمه بيدها!!
كما إنها تعلم أي أم يقصد؟
ماذا أخبرها أيضًا؟

انسحبت أمه نفرتاري التي كانت تجلس فوق الأريكة إلى الشرفة بعدما ظهر الضيق على محياها وارتعشت أهدابها للسيطرة على دموعها حتى لا تهبط للأسفل أمام الجميع.

- هي خالتو أكيد مش قصدها تاخد مكانك، متزعليش.

قلتها بنبرة خافتة إلى نفرتاري بعدما لحقت بها إلى لشرفة ووجدتها تنظر للأعلى وتتنفس بثقل بينما تحيط كوبرا بكتفها حيث دلفت خلفها كالمغناطيس، فهبطت بنظراتها حتى استقرت فوق صفحة وجهي وقالت بنبرة يغلفها الحزن:

- أنا مكنش ليا مكان أصلًا يا ماليكا .. ومش زعلانة من خالتك أكيد.

أضافتها وهي تبتسم لي بهدوء ثم مرت من أمامي وعادت للداخل من جديد متظاهرة بالقوة فهي بالتأكيد لن تضعف أمامي أو تريني ضعفها بأي شكل، فقطبت جبيني بدون فهم من حديثها، حسنًا، هو كان يحب أمه شيرين أكثر منها كما أخبرني من قبل لكنه يحبها كذلك!

__________________________𓂀

في المساء.

نهضت من الفراش عندما انطفأ داخلي أي شعاع أمل في النوم بسبب الفكرة التي سيطرت عليَّ بالكامل، خرجت من الغرفة بهدوء حتى لا تستيقظ شفا حتى أدلف للشرفة التي بالخارج وأغني قليلًا كعادتي القديمة، ثم بدأ صوت صخب الفكرة التي سيطرت عليَّ يزداد بوتيرة عالية وكأنني داخل بيت تصدح في جميع أنواع ولهجات الأغاني بصوت عالي لتصل داخل اذني مزعجة ومخيفة وغير مفهومة عندما مررت أمام غرفتي وسمعت صوت شهد ونجمة يتحدثا.

- هو أنا ممكن أخد حاجة؟

قلتها بنبرة خافتة إلى الفتاتان بعدما أدرت مقبض الباب ودخلت برأسي فقط ثم دلفت للداخل بعدما حصلت على الموافقة، واتجهت ناحية الخزانة ثم أخرجت الصندوق الذي يحتوي على الرسائل التي بعثت لي من مراد أو سارق التوت.

- لا ما إنتِ متشغليش فضولي وتخرجي، تعالي قولي الصندوق ده فيه إيه؟!

قالتها شهد بنبرة متذمرة وهي ترمقني بغيظ وتعقد ساعديها أمامها عندما هممت أن أخرج من الغرفة بعدما حصلت على مبتغايا، فعدت من جديد جلست فوق الفراش بينهما وبدأت في سرد قصة الرسائل التي تبعث لي منذ عامين ونصف الآن.

بحثت بين الرسائل على الواحدة المنشودة منذ البداية بعدما انتهيت من قص حكايتي الغريبة ثم فتحتها برفق حتى لا تنقطع بسبب الرجفة التي سرت داخل جسدي وكأنني أقف بملابس خفيفة بمنتصف القطب الشمالي.

⟪لقد أدمنت صوتك أيتها الساحرة!!
تبًا لكِ، كنت أعلم أن الغجر يمارسوا السحر.
ماذا فعلتي لي بحق السماء؟
أي نوع من السحر ألقيته على روحي أيتها الغجرية؟!
صارت لا تهدأ حتى تسمع صوتك.
فسبحان من جعل لروحي التائة ملاذًا بحنجرتك⟫

خطفت شهد الورقة من بين أناملي بعدما ارتعشت يدي بسبب نبض قلبي الذي بدا وكأن هناك زلزال مر داخلي وصدحت أصوات الصرخات المستغيثة من الأشخاص التي تدك بهم المباني بسبب قوة الرجة.

تنفست بعمق وحاولت السيطرة على تلك الفكرة الغبية التي تداهمني عندما تذكرت متى حصلت على تلك الرسالة؟

حدث هذا عندما عدت من المشفى في بداية مرض أمي لأحضر لي ثياب نظيفة وأتحمم فعلت ذلك ثم دلفت المطبخ حتى أصنع لي شطيرة فوجدت صندوق ورقي يحتوي على بسكويت من النوع "البيتي فور والسابيله" حيث إننا كنا بالعيد الصغير وقتها وهذا النوع المفضل لديَّ، فأنا لا أحب بسكويت الكعك لإنه ثقيل، كما وجدت ورقة أخرى ملتصقة بالصندوق من فوق، خُط داخلها:

⟪ كل عيد وأنتِ بخير يا غجرية، ربما.. ربما العيد القادم نصنع مع بعضنا بسكويتكِ المفضل.
فرفقًا بِقلبي حين ياتيكِ .. لا ترفضيه ⟫

- إنتِ أكيد عارفة إن مش مراد اللي بيبعت ده، مراد مستحيل يعرف يقول كده!

قالتها شهد بنبرة تحمل الشك في قدراتي العقلية بعدما حركت بؤبؤ عينها ناحيتي لتخرجني من حالة شرودي، حسنًا، كل ما أفكر به هو محضٍ من الهراء وتأثير الروايات، كان الصندوق بمنتصف مطبخي!

- الكلام ده حقيقي، مشاعر حقيقية، يعني لو إسلام اللي بيكتب يبقى بيحبك.

قالتها شهد بنبرة تحمل السخرية بعدما ذكرتها بأمر سارق التوت الذي يكتب الرسائل لمراد، فتجمدت بموضعي لثواني بعدما فكرت في حديثها لبرهة، لماذا اعتقد بالفعل إنه ليس إسلام؟!

كان مراد بإجازة من العمل لمدة شهر في ذلك الوقت كي يكون متفرغ لأمي وكنت في ذلك الوقت أغني بشكل دائم في الشرفة كلما سنحت لي الفرصة لذا ظننت إنه مراد، كيف سيدلف أحدًا غيره إلى شقتي؟!

لكن خالتي تمتلك المفتاح ويمكنها إدخال إسلام للمنزل، كما إنه كان يأتي للمشفى كثيرًا، فلماذا لم يكن هو الشخص الذي كانت تتحدث عنه أمي؟!

تبًا، تبًا، كيف لم ألحظ ذلك! أمي سوف تكون سعيدة هكذا إذا اعترف لها إسلام بحبه لي فهي كانت تعتبره ابنها وهو كان يحبها مثل أمه لإنه فقد خاصته بسن صغير للغاية.

لو كنت امتلك تلك الرسالة اللعينة لعلمت من هو؟ لكنني لم أجدها في أي مكان بالمنزل، لذا هي مع خالتي بالفعل وأمي وصتها أن لا اقرأها.

لماذا أمي؟ هل هي تعويذة ما؟
لماذا كل هذا الغموض بالأساس؟

- إنت لسه بتحبي مراد؟ عايزة ترجعي ليه؟

قالتها شهد بتساؤل بعدما شردت لبرهة ومن الواضح إن ارتسم الحزن على ملامحي لعدم كون مراد هو من يبعث لي الرسائل بل إسلام، لكنها فهمت الحزن بطريقة خاطئة، أنا حزينة من أجل إسلام فأنا لا أشعر بأي شيء تجاهه وليس حزينة أن مراد لم يكن العاشق باعث الرسائل، فحركت رأسي نافيًا على حديثها بعدما عدت من شرودي.

- بصراحة هو مراد شخص كويس بس مش لايق عليكِ .. أنتِ جامحة، شخصيتكِ الحقيقية جامحة كـتنين مجنح يطير فوق السحاب بجناحيه القويين، أنتِ تقيدي حالك داخل الصح والخطأ، القيم والمبادئ وهذا جيد، لكن المرأة داخلك ترغب برجل في مثل جموح روحها، لذا هو لا يناسبكِ فهو عادي.

قالتها شهد بنبرة واثقة وهي تنظر لي نظرة محببة وكأنها تضمني بعينها بعدما تحول حديثها للغة العربية الفحصى حيث تعبر بها أفضل، فهي تنتقل بين الفصحى والعامية عندما ترغب في توصيل مشاعر معينة، فابتسمت بهدوء على تحليلها شخصيتي.

حسنًا، أعلم أن شهد تستطيع قراءة الأشخاص لكنها لا تظهر ذلك، مراد بالطبع شخص طبيعي كنت سأحيا معه حياة هادئة طيبة، فهو ليس سيئًا بالكامل، لن يضربني مثلًا أو يدخل في علاقة محرمة مع أخرى، فهو مازل لديه بعض المبادئ التي تتدفق داخله من خلال أمي، وهذا ما جعله لا يُنفّذ ما كان يخطط به معي.

ما هو الرجل الذي أرغب به؟

_ إيه الصوت ده؟

قالتها شهد بنبرة مهتزة بعدما انتفض جسدها بسبب صوت الطرق الذي صدح في الغرفة، فانتبهنا جميعًا لما يحدث عندما تكرر الأمر وطُرق باب الشرفة بطريقة توحي بأن أحدًا يلقي بحجارة عليه، فارتعشت نجمة وكذلك شهد وتمسكوا ببعضهما بقوة وكأنهما توأم ملتصق بعدما تمتمت شهد بكلمة "عفريت" لأننا بالدور الثالث وليس أمامنا أي شيء سوى النيل.

- سلام عليكم يا مرات أخويا، أنا آسف إني جيت في وقت مش مناسب بس معلش ممكن تندهي نجمة؟

قالها رائف بنبرة ضاحكة بعدما تحركت تجاه الشرفة وفتحت دفتي الباب وصعقت عندما رأيته متعلق كالقرود بالنخلة التي تصل لغرفتي بعدما شعر بالغيرة من لوزة تقريبِا، فرفرفت بأهدابي عدة مرات أحاول استعاب ما يحدث حولي، وقبل أن أتحرك وقفت جانبي نجمة بعدما ركضت من الداخل واطلقت صرخة خافتة من فمها خوفًا عليه وليس استنكارًا!

- متخفيش يا نجمة مش هقـ.. إيه الخوازيق دي؟

قالها رائف بتساؤل وهو يفتح عينه بتوسع بعدما بتر عبارته الأولى عندما وقع بصره على شعر نجمة الذي تصففه بطريقة غريبة حتى تجعله مجعد بطريقة طبيعية بدون حرارة والتي هي عبارة عن كعكات صغيرة منتشرة فوق فروة شعرها بالكامل، فلامست نجمة شعرها بحركة تلقائية وظهر الخجل على ملامحها لرؤيته لها هكذا ثم قالت بنبرة مازحة:

- كنت بعمل عمل فني مختصر يعبر عن حياتي في شعري.

- واللهِ سكر.

قالها رائف بنبرة مازلت تحمل أثر ضحكاته من حديث نجمة ثم حمحم بخشونة عندما تدرج وجهها بحمرة الخجل وقال بتساؤل ليعبر عن سبب تسلقه النخلة في ذلك التوقيت:

- أنا جاي أعرف منك إنتِ موافقة عليا بجد وعايزاني؟ ولا علشان مضطرة، لو مش عايزة قوليلي وأنا هساعدك برضو متقلقيش.

فتحت ثغري باستنكار من ما يحدث، هذا الحديث لم يكن ينتظر حتى الصباح بدلًا من لعب دور اللصوص، بل لعب دور القرود هذا؟!

نظرت لي نجمة حتى أنقذها من الموقف لإنها تخجل من البوح بالأمر حيث من المفترض أن نذهب غدًا صباحًا إلى الأسكندرية كي نعيدها لمنزلها ويتقدم رائف لها بطريقة رسمية بعدما أرسل ابن عمها بالخبر.

- ربنا يقدرني وأقدر أرجعك تاني منورة وبتلمعي يا سيريوس.

قالها رائف بنبرة هادئة بعدما فهم ما ترغب في البوح به لكن الخجل يسلسلها ثم تسلق باقي النخلة حتى وصل للأعلى وأستل عدد من البلح ثم هبط من جديد، وضع قبلة هادئة فوق البلحة الحمراء ودسها داخل الحقيبة البلاستيكية التي يعلقها بخصره.

- كما يقول جدي المُهيري خلقت النساء لتدلل، فلكِ الدلال نجمتي اللامعة.

قالها رائف وهو يلقي بالحقيبة لداخل الشرفة ثم هبط للأسفل بعدما غمز لها بعبث فضحكت نجمة بخفة وانحنت بسعادة لتلتقط الحقيبة التي يقبع بداخلها نوع من التسالي المعروف بـ "اللب السوري" حيث إنه المفضل لديها ثم أخرجت البلحة التي وضعها وقضمت منها باستمتاع.

- طيب اغسليها على الأقل .. خلصنا من حرامي التوت علشان يطلعلي حرامي البلح.

قلتها بنبرة ساخرة وأنا أدلف للداخل فلحقت بي نجمة وهي تصدر فرقعة من فمها خارجة من المقرمشات التي بدأت في تناولها بالفعل.

__________________________𓂀

الساعة العاشرة قبل الظهر.

وقفت أمام المرآة أتمم على هيئتي حيث سنذهب إلى المشفى حتى نطمئن على ليونار قبل أن نسافر إلى الأسكندرية، ارتديت تنورة من قماش الدنيم "الجينز" طويلة وقميص قطني باللون الأحمر، فقد اتفقنا على ذلك جميعًا لكن كلًا منًا ترتدي قميص باللون المفضل لديها.

حيث ارتدت شهد واحد بالأحمر الداكن النبيذي فهو لونها المفضل الآخر، وجميلة باللون الأزرق، وغزل بالأسود وشفا باللون البنفسجي وارتدت حجاب باللون الأبيض مثل الحذاء، بينما نجمة بقت بملابسها القطنية الواسعة التي تعود لي لأنها سوف ترتدي فستانها بالمنزل.

- هجيب حاجة وآجي تاني ادخلوا أنتم.

قالتها غزل بنبرة هادئة وهي تبتسم ابتسامة غير مريحة بالمرة عندما وصلنا أمام المشفى ثم سحبت كف جميلة وابتعدت عنّا على الفور، نظرنا أربعتنا لبعضنا البعض لبرة بدون فهم قبل أن ندلف للداخل فهي تحولت فجأة في الطريق وعبثت ملامحها بعدما بعث لها رسالة، بدأت خفقات قلبي تزيد كلما اقتربت من الغرفة فمازلت الفكرة مسيطرة على رأسي حتى الآن.

- نسيت الرواية في العربية، هروح أجبها.

قلتها بنبرة هادئة إلى الفتيات قبل أن أركض للخارج من جديد بتعجل حيث احضرت إلى ليونار واحدة من رواياتي المفضلة والتي تكون من النوع الفانتازيا حيث إنه النوع المفضل لديه حتى يقرأها َيتسلى فالمشفى ممل للغاية، لماذا فعلت ذلك؟

لا أعلم، فقط فعلت، لكنها ليست هدية فهي من رواياتي بالفعل وأنا قرأتها لذا تعتبر استعارة قصيرة؛ جلبت الرواية من السيارة وعدت من جديد مررت أمام رائف الذي فتح السيارة بواسطة المفتاح الألكتروني من بعيد، لا أعلم لماذا أشعر بذلك؟

لكنني أشعر إنه يهتم بي بطريقة غريبة ويراقبني كذلك، فكلما رغبت بشيء يظهر أمامي من العدم وكلما تحركت أشعر به يتبعني، لكن لماذا يفعل ذلك وهو يحب نجمة؟

تبًا ماليكا! ما هذه النرجسية؟!
الجميع يتبعكِ، والجميع يرسل لكِ رسائل، يجب أن تكفي عن التفكير مثل المحقق بوارو في روايات أجاثا كريستي!
أنتِ لست الشمس والجميع كواكب يدورا حولكِ!

دلفت الغرفة التي تشبه غرف الفندق كما سخرت من قبل حيث إنها واسعة وبها أثاث عديد، مررت نظراتي على الجميع حيث تقع أريكة جلدية في بداية الغرفة وتجلس فوقها الفتيات وأمه نفرتاري وكوبرا، بجانبها طاولة صغيرة بأربعة مقاعد خشبية يجلس فوقهم خوفو، باسل، يعقوب، نيلان الذي يجلس فوق المقعد بالطريقة العكسية ويستند بمرفقه فوق ظهر المقعد ويرمق شفا بطرف عينه.

في الناحية الأخرى تقبع أريكة جلدية أصغر يجلس فوقها عاليا، سيرا، فريدة وشهد ومقعدين يجلس فوقه عمه قاسم وصالح بينما يجلس فارس على مقعد خشبي بجانب فراش ليونار الذي يقبع بالمنتصف ممسك بكف ليونار!

- طيب مالك زعلان من إيه؟ زعلان على صافي .. طيب خفت من اللي حصل؟

قالها هارون بنبرة متسائلة قلقة وهو يجلس جانب ليونار فوق الفراش ويلف ذراعه حول رقبته ليقبع ليونار داخل حضنه بعدما رفض أن يأكل الطعام من يده حيث كان يحاول أن يطعمه، فحرك ليونار رأسه للمرة الثانية بعد الأولى بطريقة بطيئة ردًا على حديث عمه هارون السابق.

- طيب مش عايز تاكل ليه من إمبارح مكلتش حاجة.

قالها عمه هارون بنبرة يغلفها الحنان وهو يضع كف يده على كتفه ويمرر نظراته على صفحه وجهه وكأنه يضمه بقوة بواسطة نظراته، فتدخل صالح يقول بنبرة متهكمة وهو ينظر لهم بدون رضى:

- ابعد عن الواد يا هارون كده غلط على الجرح لسه ملمش كويس.

- إنت مال أهلك؟ هو كان اشتكالك.

- شكى مني وقال كلام .. فرح أهل الملام.

قالها فارس بغناء بنبرة فرحة وهو يرقص بمكانه ويصفق بكلا كفيه بطريقة مرحة وشاركه باقي أخوته - عدا نيلان- تعقيبًا على حديث هارون الذي خرج بنبرة وقحة كعادته فهذا الهارون لديه لسان يليق بضابط شرطة، فبرقت عين هارون وتهلل وجهه وكأن لعنة ما أصابته بينما رفع ليونار يده وحرك خصره يمينًا استعدادًا للرقص لكنه تأوه ووضع يده على بطنه بسبب الألم الذي باغته.

- اللعنة لا تجعلوني أرقص وأنا مريض أيها الأوغـــاد، تباً لكم فلتذهبوا للجحيم جميعًا ولنسـ..

قالها ليونار بنبرة حانقة وهو ينظر إلى أخوته بسخط لكنه ابتلع باقي جملته بعد أن نظر له عمه هارون نظرة مرعبة تشبه خاصة الدمى في أفلام الرعب قبل أن تفصل رأس المجني عليه بمنشار، بعدها نهض من مجلسه ولف حول الفراش ثم صفع فارس على وجهه وهو يقول بنبرة متهكمة:

- كده كنت هترقصني وأنا قاعد جنبه على السرير، مسكت وسطي بالعافية.

انتشرت ضحكات الجميع على فارس الذي رمق عمه بشر وهو يضع يده فوق وجنته من أثر الصفعة، فنظر له هارون بلامبالاة قبل أن يسحبه من يديه ويلقيه فوق الأرض ببساطة ثم حمل المقعد الخشبي الذي كان يجلس عليه وعاد من جديد الناحية الأخرى وضع المقعد جانب الفراش وجلس عليه بهدوء بعد أن سحب طاولة الطعام ذات العجلات معه وكأنه لم يفعل شيء.

- لا بقى يا ابن سالم، ما أنت هتاكل يعني هتاكل، عايز أبوك يقول إني مش مهتم بيك؟! هيهزقني وهو لسانه أطول من نهر النيل.

قالها هارون بنبرة متهكمة وهو ينظر إلى ليونار بدون رضى بعدما رفض الطعام من جديد عندما حاول معه مرة أخرى، فوضع ليونار يده فوق الجرح وقال بنبرة متعبة ممازحًا لتغير الموضوع:

- هاتولي عيالي عايز أشوفهم .. عايز عيالي يا عمي خليهم يجبهملي خمس دقايق.

- العيال لسه في المدرسة شوية وهجبهملك حاضر.

قالها هارون بتلقائية تعقيبًا على حديث الآخر ونظر بدون فهم لجميع أخوته الذين ضحكوا على مزحة ليونار السابقة حيث إنه لم يفهم مقصد ليونار الذي كان يمزح بشأن جرحه وكأنه خرج من عملية ولادة ويرغب بأبنائه من حضانة الأطفال، فرفع ليونار يده للأعلى وقالب بنبرته التراجيديا:

- يا إلهي لماذا رزقتني بهذا العم الذي لا يفهم مزحاتي!

_ جلالة الملك المعظم شهريار.

قالها عمه قاسم بنبرة درامية بعد أن وقف من مقعده  ووضع وشاح حول كتفه بطريقة تشبه الأبطال الخارقين ثم خطى بوقار عدة خطوات وهو يرفع رأسه بشموخ وكأنه الملك، بعدها نظر نظرة ذات مغذى لهارون الذي حاول قبل ذلك إطعام ليونار من جديد ورفض.

- اشمعنا إنت تعمل شهريار وأنا شهرزاد؟ ... جلالة الملك المعظم شهريار.

قالها هارون بنبرة تمثيلية تشبه خاصة قاسم بعدما سحب الوشاح من حول رقبة الآخر ووضعه حول كتفه عقب حديثه الأول الذي خرج بنبرة متهكمة، فرمقه قاسم بنظرة ساخطة قبل أن يعود للدور من جديد ويبعثر خصلات شعره المهندمة كالعادة وقال بصوت أخف من نبرته السابقة:

- بلغني أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد، أن كان يا مكان، عاش في قديم الزمان، سلطَان عظيم القدر والشأن، اسمه السلطَان «محمود»، كَانَ لِلسُّلْطَانِ «مَحْمُودٍ» أَوْلَادٌ ثَلَاثَةٌ: «حُسْيَنٌ»، وَكَانَ أَكْبَرَ أَوْلَادِ السُّلْطَانِ، «عَلِيٌّ» وَهُوَ أَوْسَطُهُمْ، «أَحْمَدُ» وَهُوَ أَصْغَرُ أَوْلَادِهِ.

قالها قاسم وهو يشير إلى خوفو، باسل ويعقوب بطريقة تمثيليه وكأنه يقدم جائزة ما بمهرجان في نفس التوقيت الذي أمسك فارس الصحن والمعلقة ومد يده بالطعام إلى ليونار.

- هل أنا طفلٍ في الخامسة ليتم تشتيتي بهذه الطريقة؟! .. حسنًا أكمل من فضلك عماه.

أضافها بنبرة مقتادة من الحماس وهو يلتقط المعلقة بفمه من يد أخيه بعدما قال جملته السابقة بنبرة ساخرة وهو يبعثر نظراته المتهكمة على الجميع ويعيد خصلات شعره للخلف، فضحك قاسم بخفة وبدأ في أسترسال ما يفعله:

- كَانَ لِلْأُمَرَاءِ الثَّلَاثَةِ: أَبْنَاءِ السُّلْطَانِ، بِنْتُ عَمٍّ ذَكِيَّةٌ حَسْنَاءُ، تُدْعَى: «نُورَ النَّهَارِ»..كَانَتِ الْأَمِيرَةُ «نُورُ النَّهَارِ» — فِيمَا يَقُولُ رُوَاةُ هَذِهِ الْأُسْطُورَةِ الْمُبْدَعَةِ — آيَةً مِنْ آيَاتِ اللهِ فِي جَمَالِ الْخَلْقِ وَالْخُلُقِ، وَكَمَالِ الْفَضْلِ وَالْعَقْلِ.

قالها قاسم بعد أن عاد للتمثيل بيده وهو يشير ناحية هارون بطريقة مسرحية ليقدمه على إنه "نور النهار" الفاتنة، فأخرج هارون سبة نابية من فمه موجهة لقاسم وهو يرمقه بسخط، فانتشرت الضحكات من جديد على المزاح الذي يحدث بينهما.

- يا للهول يا عماه لقد ظلمت نور النهار، اللعنة! أين الأخلاق و العقل؟! فهو يمكن أن يسبب لي سكته قلبية من ذكاءه الفتاك.

قالها ليونار بنبرة ساخرة وهو ينظر إلى عمه هارون، فرمقه الآخر بنظرة حادة ثم تقدم ناحيته بشر ورفع يده للأعلى ونزل بها على وجه فارس فصدح صوت الصفعة بقوة في المكان، فوضع فارس يده على وجهه وقال بنبرة صارخة:

- أنا عمـــلت إيـــه؟!!.

- ده بالنيابة عنه علشان هو تعبان وبالنيابة عن أبوك علشان هو مهزأ .. غير الحدوتة دي أقسم بالله مالاعبها.

قالها هارون ببساطة وهو يرفع له حاجبه بتهديد ثم عاد بنظراته إلى أخيه يأمره بذلك بينما نظر له فارس بشر وهو يجز على أسنانه فضحك ليونار بألم وهو يضع كفه مكان الجرح على العبث الذي يحدث بين أفرد عائلته، ثم حرك عينه تجاهي حيث أجلس فوق ذراع الأريكة لتلتحم نظراتنا سويًا وارتسمت ملامح الصدمة على وجهه وكأنه رآني الآن فلم يشعر بوجودي عندما دلفت، فابتسم لي بهدوء ابتسامة شعت من عينه قبل أن يعود لعمه من جديد الذي غير الحكاية.

بدأ حكايته الجديدة بنبذة صغيرة عن نشأة الكون في المثيولوجيا المصرية القديمة ليعلم الجميع عن ماذا يتحدث، حيث اعتقد المصري القديم أن الكون كان عبارة عن "نون" وهي المياه الأبدية، السكون والفراغ، ومن بين المياه ظهر تل بدائي ثم بعد ذلك ولد من خلاله "رع" حاكم الكون.

شعر "رع" بالملل لكونه الشخص الوحيد في العالم فقام بصنع باقي الآله (لا إله إلا الله) من بينهم "نوت" و"جب" وهما أم وأب أربعة من أشهر الشخصيات في المثيولوجيا المصرية: إيزيس، أوزوريس، سِت ونفتيس، وبعد ذلك قام بصنع البشر.

_ إيه الزهق ده؟ أنا عايز حاجة أعظم.

قالها هارون الذي يجلس بشموخ وهو منتفخ الصدر على مقعد خشبي في منتصف الغرفة وتقف جانبه فريدة ممسكة بجريدة وتقوم بتحريكها جانبه وكأنها تمسك ريشه حتى تقوم بالتهوية على وجهه مثل الملوك قديمًا.

- بقولك إيه أوزوريس يا حفيدي متاخد إنت الحكم علشان زهقت وأنا شايف فيك الحكمة والعلم، وأنا هشوف حاجة أعظم.

- تحت أمرك يا زعيم، الكون في عيوني.

قالها خوفو بنبرة مازحة بطريقة جدية وهو يحرك اصبعه أسفل عينه اليمنى ثم اليسرى بعد حديث هارون أو رع كما يمثل الذي خرج بنبرة حالمة بعدما نهض من مجلسه بمهابة بتمثيل مقطع تنازل رع عن الحكم لـ أوزوريس؛ فوقف قاسم في المنتصف وبدأ بقص ما حدث بعد ذلك.

قرر "رع" بعد ذلك تولي مهمة أعظم وهو: إنارة العالم فهو رمز الشمس، فأخذ مركب عتيقة وقوية يطلق عليه "قارب الشمس" أو "المبارك لملايين السنين" وأبحر بها بمساعدة بعض من الآلة من الشرق حيث تشرق الشمس ثم الجنوب وإلى الغروب ككناية عن ما يحدث مثل دوران الشمس حول الأرض.

تتكرر هذه العملية كل يوم حيث يعتقد المصري القديم إن رع يولد من جديد كل يوم من "جب" المتمثل في الأرض ويبحر حول الكون ثم عندما يصل إلى الغروب يموت من جديد عندما يبتلعه "جب" من جديد لينتقل للعالم السفلي وتبدأ رحلته في عالم الموتى حتى يولد  في الشروق التالي.

- وهنا تكون مهمة رع العظمى وهي محاربة عدوه الأبدي الثعبان الوحشي " أبوفيس" في العالم السفلي الذي يطارد مركب الشمس حتى يقوم بتدميرها لأنه يرغب في إظلام العالم وانتشار الظلام الأبدي.

قالها قاسم بنبرة دامية تشبه الفحيح وهو يحرك يده بطريقة مسرحية تجاه فارس الذي وقف ليمثل دور أبوفيس وجلس نيلان بدلًا منه ليكمل إطعام ليونار بعدما رفض صالح لعب هذا الدور.

لم يذكر قاسم جميع التفاصيل حتى لا يتم تخريب المسرحية لكن حسب الأساطير لا يستطيع أبوفيس الوصول إلى مركب الشمس كل يوم لكن في أحد المرات يستطيع ذلك وتقوم حرب هائلة بينهم ويكون بطلها اثنين من الآلة المساعدين لـ رع وهما "باستت" و"سِت" الذي دخل تلك المعركة للتكفير عن ذنبه.

- مرحبًا بعدوي الأول، مرحبًا بك في الظلام رع.

قالها فارس أو أبوفيس -كما يلعب- بنبرة جامدة عميقة وهو يرمق هارون بنظرة قاتمة ويفتح ذراعيه على مصرعيهما، فأطلق هارون ضحكة عالية رنانة يسخر منه، ثم حرك رأسه ناحية اليمين وقال له بثقة:

- من يقول لا يفعل ومن يفعل لا يقول، آرني ما تفعل أبوفيس.

اقترب منه فارس وهو ينظر له بشر وهو يضم قبضة يده ثم رفع يده ووثب تجاه هارون ليلكمه في وجهه لكن الأخير أمسك يده وقام بضربه بركبته في معدته مما أدى لتأوه فارس قبل أن يضربه بعظمة مرفقه في وجهه تحت نظراتنا المستنكرة.

انهما يضربان بعض بالفعل! فارس يضرب عمه.

_ ليس بهذه السرعة أبوفيس.

قالها باسل بنبرة ساخرة حيث وقف فجأة أمام فارس الذي كان على وشك ابتلاع الشمس -كعكة- المتمثلة في رع بعدما تخطاه حيث يلعب دور "سِت" واحد من أبطال المعركة، فطرقع فارس رقبته يمنى ويسرى وابتسم بسمة واسعة مخيفة وهو يفتح فمه على وسعه ثم تقدم ناحية باسل لتبدأ بينهما معركة أخرى، كما حدث في الأسطورة.

- قوة باستت العظمى.

قالتها شهد أو باستت بنبرة عالية محفزة وهي تشير بيديها ناحية فارس أو أبوفيس وكأنها تطلق صاعقة كهربائية فوق جسده بعدما ضرب فارس باسل بالمقعد فوق ظهره وكان سيهزمه، فوقع فارس أرضًا وهو يصرخ من الألم بتمثيل من صاعقة شهد الوهمية مما أعطى فرصة إلى باسل أو سِت للعودة إلى المعركة من جديد لكن أبوفيس نهض وركض للخارج ليهرب وتنتهي المعركة.

انتهت المسرحية التي استمتعت بها كثيرًا وضحكت أكثر، هذا الهارون لديه طريقة سرد اضحكتني من كل قلبي وبدلت حالي من القلق للسعادة كما شعرت بالدفئ من الجو العائلي اللطيف فعائلتهم متمسكة ببعض ومتفاهمة بطريقة ساحرة فجميعم يفهموا بعضهم من النظرات فقط.

حسنًا، أنا سوف أتمسك بالسعادة، اليوم أنا سعيدة.

أمسكت شفا بيدي بعدما نهضت وأتجهت إلى الشرفة بعدما انسحب نيلان للداخل وأشار لها برأسه كي تتبعه لأنها تخجل من مقابلته بمفردها مباشرة على عكس حديثها معه من خلال الهاتف، نظر لها نيلان وعلى وجهه ابتسامة هادئة ثم قال بها بنبرة تحمل الندم:

- أنا آسف عارف إنك زعلانة مني باين عليكِ بس .. بس أنا لما بضايق ببقى رخم أوي محبتش تشوفي الجانب التاني مني.

- أنا مستعدة أشوف كل جوانبك يا نيلان.

قالتها شفا بنبرة مسرعة وهي تحرك رأسها بالرفض لتنفي ظنونه بشأن كونه غير متقبل أثناء حزنه، فانشقت وجنته ببسمة حقيقية واسعة أظهرت أسنانه ثم مد يده للخلف وأحضر حقيبة ورقية صغيرة كانت موضوعة فوق السور ثم أخرج منها علبة سوداء متينة:

- عمري ما كنت أتخيل إني أعمل الحاجات الهبلة دي، بس من الواضح إنك غيرتي حاجات كتير يا شفا.

قالها نيلان بنبرة تحمل السعادة بعدما فتح العلبة وظهرت أمام عيونها ساعتين معصم متطابقين في الشكل بلونهم الأسود والعقارب الذهبية والأرقام التي هي عبارة عن نقاط باللون الذهبي لكن المختلف بينهما أن خاصة نيلان الكبيرة مكتوب اسم شفا بالأنجليزية بحروف صغيرة ذات لون الذهبي بالأسفل فوق الساعة السادسة مباشرة، وخاصتها مكتوب اسم نيلان.

- هو إنت عسل ليه؟!

قالتها شفا بتلقائية وهي تلبس الساعة حول معصمها ثم شهقت بخفوت بعدما انتبهت لما تفوهت به، فضحك نيلان بخفة وهمّ أن يتحدث لكن انتباهه سرق لشيء يقبع خلفي قبل أن يركض بأقصى سرعة ويقفز فوق الفواصل الحديدية التي تفصل شُرف المشفى عن بعض.

وضعت يدي فوق فمي كي أكتم صرخة كانت ستخرج من فمي عندما رأيت ما يحاول الوصول له، على بعد منّا تقف غزل خلف سلاح القناصة خاصتها وتضع عينها فوق العدسة وتوجه السلاح للأسفل ناحية الفتاة التي تُدعى هيدا أثناء أتجاهها إلى السيارة التي تقف أمام المشفى وهي تمشي بخطوات صغيرة ويسندها أبيها المدعو هاديس وحولهم بعضٍ من الرجال المسلحين بالطبع.

توقف نيلان في المنتصف عندما ظهر يعقوب فجأة  من خلفها ثم سحبها بعيدًا قبل أن تطلق النيران وقام بتكبيل حركتها لبرهة حتى صارت هيدا داخل السيارة بأمان وتحركت بها ثم ترك يديها.

فعادت غزل تنظر بلهفة للأسفل ثم دخلت في نوبة غضب وعادت ليعقوب تصرخ في وجهه وهي تضربه بكلتا يديه فوق كتفه بعنف قبل أن تصفعه على وجهه صفعة دوى صوتها عاليًا حتى وصل إليَّ، فتجمد الاثنان لبرهة وظهر التوتر والرعب على ملامح غزل التي لم تدري ما فعلته سوى الآن، وتمتمت بشيء لم يصل لي وهي تمد يدها له بتوسل أثناء رجوعه بخطواته للخلف لكن يعقوب انسحب وهرول للداخل.

فعاد نيلان أدراجه بوجه يحمل الغضب قسماته وخرج من الشرفة في نية منه ليذهب إلى يعقوب الذي دلف للغرفة في نفس اللحظة بعينان شاردتان وملامح مصعوقة وفم مزموم، وقف جامدًا كالتمثال لبرهة ثم ارتعشت شفتاه وهو يمرر نظراته على الجميع حتى استقر بؤبؤ عينه على وجه صالح وتقدم بخطواته تجاهه بلوعة وارتمى بين ذراعيه وانفجر في البكاء.

يعقوب ليس من الأشخاص التي تبكي بسهولة إنه جامد قليلًا، لكنه فاض كيله، لم يكن مُدرب على أن يكون مامبا حامي للنساء لكنه اختارها، كان يعلم أن ليونار من الممكن أن يحزن لأنها طليقته لكنه قرر خوض ذلك من أجلها، تحمل علاقتها المتعددة وحبها يشتعل داخله كشمعة سحرية لا تنطفئ، تحمل رؤيتها تحب أخيه، ثم تحمل وتحمل وتحمل وكان هذا الفعل بمثابة النفخة الأخيرة التي فجرت البالون المطاطي لقلبه.

_ عملتيلو إيه يا غزل.

قالتها نفرتاري إلى غزل بعدما انسحبنا نحن النساء من الغرفة حتى نترك يعقوب على راحته عندما وقع بصرها عليها تستند على الجدار بنظرات شاردة، فحركت عينها التي تدفقت منها الدموع حتى وقعت عليها مما أدى لاقتراب نفرتاري منها ثم ضمتها لها بهدوء ثم أمسكت مرفقها ودلفت بها غرفتها ولحقت بها جميلة وكوبرا.

- بتعيطي ليه؟!

خرجت هذه الجملة من سيرا بنبرة غير مصدقة إلى شهد التي بدأت في البكاء بسبب حالة يعقوب لأنها حساسة للغاية وحزنت من أجله، فضمتها سيرا بهدوء وبدأت في التربيت على ظهرها بحنان أمومي.

- آه، حد يجبلي دونتس بسرعة، مش قادرة، جالي اكتئاب.

قالتها "عاليا" بنبرة جدية والدموع تغلف مقلاتيها وهي تجلس ببطء على الأريكة المعدنية ممسكة ببطنها المنتفخة وتنظر أمامها بحزن بسبب حالة الحزن التي قتلت خيوط السعادة ببراعة وكأن أبوفيس نجح في ابتلاع الشمس بالفعل، فشعرت برغبة في الضحك بسبب هرمونات الحمل هذه، لكن لم أفعل ذلك بسبب تشدد الأجواء.

_ مرحبًا قاسية الفؤاد، هل اشتقتي إليَّ؟

قالها ليونار بنبرة هادئة تحمل المزاح بعدما دلفت غرفته من جديد لأعطيه الرواية بعد أن هدأت الأجواء وأخذ صالح يعقوب وخرج به من المشفى، فأخرجت صوت ساخر من فمي وأنا أضع الرواية فوق الكومود جانبه ثم قلت بنبرة لا تخلى منها:

- ده عشم أبليس في الجنة.

- حسنًا لا بأس، لنذهب للجحيم معًا.

قالها ببساطة وهو يرفع كتفه للأعلى وينظر لي ببريق مشع من عينه أثناء بعثرة نظراته على صفحة وجهي.

أشعر إن أذني ستنزف من شدة قوة خفقان قلبي، تبًا لتلك الفكرة وذلك الأحساس وتلك النظرة التي تنظرها إليَّ ليونار، أمرت جسدي للتحرك من مكاني ففعل بعد ثانية من ذلك بعدما ذاب الجليد الملتف حولي ويكبلني.

- لماذا لا تعترفي لي بحبك ببساطة بدلًا من كل هذا التعب قاسية الفؤاد.

قالها ليونار بنبرة خبيثة ليوقف من حركتي، فاستدرت له بوجه ساخر وأنا أرفع حاجبي الأيمن، فحرك الرواية التي حملها من فوق الكومود أمام وجهه وأشار بها لي ليؤكد صدق حديثه، فرفعت حاجبي باستنكار وقلت بهزل:

- ابقى اتغطى وإنت نايم.

- لقد شاركتكِ الحلوى! يا لكِ من ناكرة جميل أيتها القاسية، للجحيم أنتِ ولنساء العائلة.

وصلت لي صوته المتذمر وأنا أخرج من الغرفة وأُغلق الباب خلفي ثم ضحكت بخفة عليه بعدما فشلت في كبتها تزامنًا مع اقترب أنس وكريم الجندي ناحية الغرفة ثم دلفا للداخل بعدما القى كلًا منهما التحية عليَّ.

- كُل دول إنت مكلتش حاجة من الصبح.

قالها قاسم بنبرة هادئة إلى هارون الجالس على الأريكة المعدنية جانب شهد يتحدث معها في موضوع ما وهو يمد له بحقيبة بلاستيكية تحتوي على الطعام، فتوجه هارون بنظراته لأخيه ثم أخذ منه الحقيبة وأخرج منها شطيرة أعطاها له بينما هو أخرج واحدة أخرى ليأكلها، ففهمت من أين جائت علاقة ليونار وفارس فأمام عيني النسخة الأكبر منهما.

- ما تقعد إنت مع ليو وأنا أروح مع رائف.

- قولت لا، إنت لو روحت هتخرب الدنيا .. يلا يا بنات علشان أتأخرنا.

وجه كلمته الأخيرة لنا نحن الفتيات بعد حديثه السابق الذي خرج برفض من ما قاله هارون بنبرة متذمرة، فنهضنا جمعيًا تنفيذًا لحديثه ثم خرجنا من المشفى ومنها إلى طريقنا إلى الأسكندرية.

أشعر بالخوف الممتزج بالحماس.
لا أعلم كيف سيقنع قاسم عماها بعدما قام رائف بتكسير عظام ابن أحداهما أمس.

يتبع..

في الخِتام أرغب بِِذكر أن الأساطير هي قِصص تناقلتُها الأجيال في مكان ما دون دليل ملموس على حدوثها، لا مُؤلف لها بل هي نَتاج خيالٍ جمعيّ أي هي ظاهرة جمعية تُعبر عن تأمُلات الجماعة وحكمتها وخلاصة ثقافتها، وقد آمن الإنسان القديم بكلّ العوالم التي نقلتُها له الأسطورة؛ وليس لأنّنا تحدثنا عنها يعني إنّنا مؤمنون بها.

★ متنسوش التصويت (vote) 

________________________

_ لا تنسوا الدعاء لأخوتنا بغزة في جميع صلواتكم، رفع الله عنهم ونصرهم.

للتذكير: سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، نِعمَ الزادُ هذا يا رب.

Continue Reading

You'll Also Like

104K 3.8K 10
Sana loves her model girlfriend, Tzuyu, very much. She just doesn't like the fact that guys are on her all the time and she doesn't do anything about...
222K 6.8K 31
You've always been reckless and have taken risks, dangerous risks, especially when your older brother was Owen Grady; an ex-Navy officer. Owen always...
5.9K 128 6
The POV's will switch a bit. RUN, DON'T LET IT CATCH YOU!" I scream to the other scientists. Loud, blood curdling screams were heard everywhere. The...
10.3K 579 15
❝ I Love You ❞ ❝ But I - I Don't Even Know You ❞ Ishita lands up in Raman's house due to unforeseen circumstances. She lies her way into the house, b...