In The Next Winter

By callthemooon

709K 43.7K 15.1K

هذه الليالي باردة للغاية، مدفأتي مشتعلة و كتبي تتوسط الأرض، أفكاري تتأرجح بين الشيء و اللاشيء، أغراضك لا تزال... More

1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
قصة جانبية | Side story

23

5.5K 343 170
By callthemooon

إنه رجل صعب قليلا
يزعجه الصخب و الثلج و الأيام..تسعده أجرامها الفضية
_______

صوت لكمات متتالية، أشبه باصطدام قبضة حديدية في جدار ما، يتوقف الصوت تارة فيبدأ تذمر و ضحك خفيف في المكان، ثم يعود صوت اللكم أعلى من سابقه

"أثبت مكانك دييز!" صاحت ليليان بانزعاج حين أبعد زوجها كيس الرمل ثانية

نظر دييز لملامحها الممتعضة و لم يمنع نفسه من الضحك "احفضي ماء وجهي رجاء، إن بقيت ثابتا سأسقط بعيدا"

قلبت ليليان عينيها كأنها لا تعلم أنه يفعل هذا قصدا كي لا تجهد نفسها كثيرا في ضرب الكيس

أحكمت إغلاق القفازات التي أصر دييز على جعلها ترتديها بانزعاج و ذكرته مرة أخرى "مرت ثلاثة أشهر بالفعل دييز، أنا بخير الآن و أستطيع العودة لحياتي الطبيعية!"

تظاهر دييز بعدم سماعها و أمسك الكيس بإحكام من أجلها، إنه مصر على رأيه "هذا ليس كافيا، لقد كنت حاملا لتسعة أشهر كاملة و أنجبت تلك الفطيرة الممتلئة."

بمجرد انهاء كلامه سمع الاثنان صوت بكاء لوسيان من الغرفة المجاورة، نظرا لبعضهما لثانيتين ثم انفجرا ضاحكين

لوحت له ليليان بقفازها الكبير "لا يبدو أن تلك الفطيرة راضية عن هذا اللقب"

ترك دييز الكيس و استدار لالتقاط منشفة قبل أن يذهب لرؤيته "المدهش أنه يدرك تماما كونه المقصود"

ضحكت ليليان بينما تفك رباط القفاز "لا تبالغي في الأمر ليليان"

"حسنا حسنا" هزت المعنية رأسها إيجابا على تنبيهات زوجها الأخيرة قبل خروجه من صالة التدريب

لم يبتعد دييز كثيرا عن الباب حتى سمع صوتين، الأول لكمة للكيس و الثاني تناثر الرمل على الأرضية

"آسفة" لم يرد دييز على اعتذار زوجته الذي لا طعم له و لا شك أنها تبتسم الآن أساسا، هز رأسه بدون  أمل و أكمل خطواته نحو ابنه

إنه كيس الملاكمة الثاني التي تمزقه هذا الأسبوع.

في سريره المتنقل يفتح فمه ثم يغلقه ببطء، يبدو نوعا ما كأنه متردد في الصراخ، تخرج صرخة صغيرة أشبه بنداء ثم يلتزم الصمت ثانية

عينيه الجميلتين لا دمع بها، يحدق في السقف بملل كبير و يحرك رأسه ببطء شديد، كلما تحرك بضع خصل ذهبية على عينيه تزعجه، يرمش باستياء ثم يمد أصابعه الجميلة يحاول إزالتها

قبل أن تقترب تلك الأنامل الممتلئة من عينيه قبضة عملاقة أمسكتها، بعينيه الزرقاء يحدق في تلك اليد بمفاجئة، تنهيدة يائسة تأتي من فوق رأسه

أزاح دييز الشعر الذي يزعجه و لم يسحب يده، يحدق في تلك العيون الصافية التي تتفتح أكثر فأكثر بدهشة كلما حرك يده و هز رأسه بدون أمل متمتما "غبي جدا"

"إنه لطيف." نظر دييز باستياء لزوجته التي اتكأت على كتفه بابتسامة كبيرة بعد أن مزقت كيس الرمل

تظاهرت ليليان بعدم رؤيته و فرقعت أصابعها أمام وجه لوسيان، رمش ذلك الصغير بمفاجئة من الصوت و أخذ يحدق بتركيز في أصابعها، كلما فرقعت أصابعها رمش من جديد

في مرحلة بدى منزعجا من الصوت فمد يده بغضب ليمسك أصابعها، الملمس تحت أصابعه أثار إعجابه، ثانية من التفكير ثم سحب الأصابع لفمه بشراهة

انسحبت الأصابع اللذيذة من قبضته فجأة مما جعله يطالعها بلوم لسرقة طعامه

أسندت ليليان جبهتها لكتف دييز و أخذت تضحك بانكتام من تصرفات طفلها "إنه حقا يريد أكلي!"

نظر دييز للوسيان بحاحبين مرفوعين ثم رفع سبابته ليضغط على أنفه الدائري الصغير محذرا إياه "لا أحد يستطيع أكل والدتك غيري يا هذا"

"دييز!" أبعد المعني رأسه ضاحكا حين صرخت ليليان معارضة بجانب أذنه، نظر لها بأعين هلالية من الضحك و سألها كأنه لم يقل شيئا "ماذا!"

دفعت ليليان كتفه في حرج و نظرت للوسيان بجدية تخاطبه "لا تستمع لما يقوله والدك، إنه يتحدث هراء فحسب."

أخذ دييز يضحك بصخب أكثر بعد ذلك، بلطف سحب خصرها من الخلف لصدره و طبع قبلة خفيفة على رقبتها

رجفة مرت في جسد ليليان و بنصف عين ناظرته محذرتا، ضحك الآخر منكتما و توقف عن العبث معها، لكن أصابعه على خصرها لا تزال غير آمنة

"هذا ليس هراء، إنه حبي لزوجتي سيدة روسو" لانت نظرات ليليان بمجرد سماعها لذلك اللقب المتميز بصوته المحبب

أحس دييز باستسلام جسدها بين ذراعيه فأحكم حصارها و قبل عنقها ثانية، أسندت ليليان رأسها لكتفه و رفعت له عينيها الجميلتين بشفتها معقوفة للأسفل بدت لطيفة للغاية

هذا ما فكر به دييز و هو يستمع لتذمرها، من غيره له الحق في رؤيتها هكذا، لا أحد قطعا

"لا يمكنك قول هذا أمام الطفل، و لا يمكنك العبث كذلك" ابستم دييز باتساع و لا يبدو أنه يركز كثيرا في ما تقوله، كل ما يفكر فيه الآن هو كم هو محظوظ بالمرأة بين يديه

رغم ملامحها المستاءة ما زالت ليليان تسمح لزوجها باعتصارها بين ذراعيه، ارتفعت زاوية فمها دون أن تشعر في ابتسامة مطمئنة

حلاوة لا يمكن السيطرة عليها تنتشر في كافة أنحاء جسدها خاصة رقبتها التي تنال شرف استقبال قبلاته

دييز روسو، هذا الرجل....اه، إنها تحبه كثيرا.

"لكني أريده أن يعرف" اعترض دييز ثانية و هو يقرب ليليان أكثر لصدره، تنهيدة خرجت من ثغره حين استنشق رائحة الجوري، رائحة لو قدمت من هاوية لألقى بها نفسه

بصوت خافت مسالم مطمئن، صوت يتردد في أعماق ليليان ينتشلها من أعتم مخاوفها لنور عينيه "أن والده ميتم هالك تماما..في حب والدته."

للحظة أحست ليليان أن قدميها غير قادرة على دعمها، تلك السعادة التي تصعد من قدميك تعطيك إحساسا بالتحليق في السماء، ذاك تماما ما تحس به في هذه اللحظة

حمرة طفيفة تغطي وجنتيها و ريق حلو ينزل في حلقها، بصوت غائم نادته "دييز.."

بلطف مرر أصابعه على وجنتها قبل أن يريح كل يده الدافئ عليها، الملمس الخشن بسبب الندوب و سنوات من حمل السلاح و صوته الدافئ متناقضين للغاية، كيف يمكن لصوت بهذه الحرارة أن ينبع من هكذا شخص، لكنه يذكرها بمدى واقعية هذه اللحظة "أجل ليليان."

تنهدت السيدة روسو و لم ترد للحظات، تضع يدها على خاصته و تنظر له في صمت، تتأمل الرجل الذي اكتفت بمراقبته سنتين كاملتين، الرجل الذي حملته جثة بين يديها مرتين، الذي حملت طفله في أحشائها و هو بعيد تسعة أشهر، لم يكن الأمر سهلا

أغمضت عينيها بسرعة خشية أن تنزل دموعها ثانية، ثلاثة أشهر ليست كافية لتعوضها عن الثلاث سنوات التي مضت، لأنه كان بعيدا ظلت تقنع نفسها أنها بخير و أنها تستطيع تحمل ذلك

لكن حين يكون هنا أمامها ثانية، تتضخم كل المظالم في قلبها، كان الأمر صعبا للغاية، كانت بحاجته كثيرا

أحس دييز باضطراب زوجته بين يديه و لكنه لم يقل شيئا، يمكنه مواجهة الياكوزا و فولكوف من أجلها، لكنه لا يستطيع تحمل رؤية أعينها المبتلة

حين كان عقل دييز على وشك أن ينجرح في هواجسه جاءه صوتها الضعيف "لا تبتعد ثانية دييز، لا تتركني بمفردي مرة أخرى"

رجفة مرت في يد دييز أحست بها ليليان على خدها و بذعر ضمت يده، نظرت له بقلق لكنه لم يستطع تهدئتها

حدق بها دييز لثانيتين ثم ضمها لصدره، لا يلوم من زرع حبها في قلبه، جعله عاجزا حتى على التحكم في جسده، حين يسمع نبرة الضعف في صوتها تنهار جدرانه، يتوه و لا يعلم أين يذهب بنفسه

يخشى من يوم تمضيه بدونه، يعاتب نفسه على لحظة بحثت عنه و لم تجده، هو الذي يحبها أكثر من نفسه يخاف عليها، يخاف من ضعفها الذي يقتله

لم يكن بمهووس و لا بعاشق يقدس أرضا تمشي عليها، لم يرد الاحتفاظ بها في صندوق داخل منزله و لا أراد منها أن لا تنظر لأحد غيره

لكنه يحبها بشكل بسيط للغاية، يتمنى لو يقف أمام ما يؤذيها، لو يغمض عينيها عن كل ما يحزنها، يريد فقط أن يقف على هامش قريب من قلبها، تتجول في القرية العذراء و هو خلفها يحمل الثقل عنها

أحبها بلطف شديد، و هلع أشد ينهش دواخله كلما تأذت.

"حتى آخر نفس ليليان، سأحرص على أن يكون بين ذراعيك." لم يكن وعدا رومنسيا و لا لطيفا

لكن قلب ليليان سيدة الياكوزا لم تحتج لسماع أقل من هذا، أنه سيعود لأحضانها دائما، حتى آخر نفس.

راقبت لوسيان كل التفاعلات بين والديه بأعين كبيرة نائمة، فقط بعد أن انتهى كل شيء أصدر بعض الأصوات يذكرهم أنه هنا، دفع بقدميه دفعتين ثم توقف

نظر له كل من دييز و ليليان و لم يستطيعا التوقف عن الضحك

"أحيانا أعتقد أنه يفهم كل شيء لكنه فقط لا يريد تحمل المسؤولية" قال دييز من الجانب باقتناع تام

هزت ليليان رأسها توافقه الرأي "أو ربما فقط كسول لمواجهة الحياة كوالده"

قلب دييز عينيه من سخريتها لكنه لم يضحد، اكتشف مؤخرا أنها محقة في ما تقوله، ربما يكون أكسل درجتين من الأشخاص العاديين

"رحلتك بعد ساعتين صحيح؟" سألت ليليان و قد تذكرت الأمر فجأة، خرجت من حضن دييز و انحنت للاتقاط ابنها الذي مد لها يديه بطاعة

"اوه..ذلك صحيح" أكد دييز بتعابير غير متحمسة على الإطلاق، أصلح شعر لوسيان الذي وضع وجهه المنتفخ على كتف والدته ما إن حملته يريح خديه الكبيرين

"ما كان الغرض من الرحلة ثانية؟" أخذت ليليان ابنها متوجهة للغرفة و تبعها دييز بشكل طبيعي

"رحلة عمل.." أجاب دييز غير مقتنع تماما بما يقول

ابتسمت ليليان مستمتعة و هي ترى خليفة روسيا يتماطل عن القيام ببعض الأعمال الروتنية و واصلت السؤال بنية واضحة في السخرية منه "عمل ماذا؟"

دييز الذي علم بنيتها رفع يديه و أخبرها مباشرة ما تريد سماعه "أنا لا أمتلك أي فكرة، أجل، خليفة روسيا لا يفهم شيئا في إدارة الأعمال."

ضحكت ليليان بصوت عال حين سمعت إجابته المستسلمة، شاركه دييز الضحك فأمام زوجته لا يجد ما يخجل منه

"ما الذي كنت تفعله في كندا إذا؟" فتح دييز باب الغرفة لليليان التي دخلت و وضعت لوسيان على السرير الواسع

الفطيرة الممتلئة لم تزعج نفسها في التقلب حتى و أخذت تنظر للسقف تستكشف ألوانه

"أبحث عن طرق لأعود بها إلى روسيا" اعترف دييز بصدق شديد و قصد الخزانة يعد ثياب ليليان مضيفا "كما أني نلت شهادة الثانوية فقط في كندا، سنواتي الجامعية كانت كلها في الجيش الروسي، البنود الوحيدة التي أجيد كتابتها هي بنود السلام قبل مباغتة العدو"

شكرت ليليان زوجها و أخذت الثياب من يده لتستحم، لم تتفقدها حتى فذوقه في الثياب جميل حتى لو اختار لها كفنا

"من قائد في الجيش إلى رئيس تنفيذي" مازحت ليليان قبل أن تغلق باب الحمام

"أرأيت سخرية القدر." ضحكت من نبرته الحزينة و فتحت صمام المياه الساخنة بينما تنزع ثيابها الرياضية

فقط دييز من سيفضل الجيش على الأعمال المكتبية المريحة "لا تفتقر لمن يدير أعمالك التجارية كما تعلم"

ارتفعت زاوية فم دييز ملتقطا النقطة الأساسية من هذه الجملة "تريدين مني البقاء بجانبك أكثر؟"

لكنه ينسى دائما صراحة زوجته، ردت عليه في نفس الثانية بالفعل "نعم."

سمعت قهقهات دييز من الخارج بينما تضرب خيوط الماء الدافئ جسدها، استرخت قليلا و لم ترغب في فتح عينيها، ربما لو فعلت يختفي كل شيء

صوت دييز، ابنها و هذا المنزل الدافئ، ثم تعود لقصر العائلة في طوكيو، الدم و الموت الصامت، من تجلس معه على طاولة الغداء لا يرافقك للعشاء، جسده الممزق ملقى بالفعل في الساحة

الحذر طوال الوقت، إن غفلت عينك دخل خنجر بين حاجبيك، نفس خاطئ و قد لا تتنفس ثانية، السيف في يدها لا يجف أبدا، داخل أسوار قصر الياكوزا لا ترتفع البنادق، بل فقط بأكثر الطرق بدائية، حتى لا يتسنى لك يوما أن تنسى نوع الدم الذي يجري في عروقك

"ليليان" فتحت عينيها فجأة على إثر صوت دييز يناديها، تلك النظرة حتى مع المياه بدت مختلفة تماما، باردة حادة و فارغة، لكنها سرعان ما اختفت كأنها مجرد وهم

نظرت بهدوء للماء أسفل قدميها..شفاف اللون و أصابعها بيضاء، لا وجود لذلك اللون المقيت هنا

"أجل دييز" ردت ليليان بنبرة حنونة و متفائلة، لكن تعابير وجهها كانت باهتة للغاية كأنها لا تخصها

"ترافقينني للمطار رفقة لوسيان؟" سألها غير مدرك لأي شيء، في هذه اللحظة كان قد استلقى بالفعل بجانب ابنه يحدق معه في السقف

"طبعا، سأجفف شعري بسرعة إذا" أجابت ليليان و أعادت فتح المياه تسرع في إنهاء حمامها

"خذي وقتك الكافي" أمال دييز و لوسيان رأسهما في انسجام حين تم دفع الباب، نظر لرأس جوليان الأبيض يطل عليها و أكمل جملته "لا أحد مستعجل هنا"

للحظة ظهر طيف مارك الغاضب مع نار تشتعل في رأسه أمام عينيه لكنه سرعان ما طرده بنظرة فزعة

أشار بأصابعه لجوليان الذي كان يرقد في مكان ما، راقبته أعين كل من الأب و الإبن يتقدم بخطوات بطيئة حتى صعد على السرير

واضعا كل جسده على دييز و رأسه على بطن لوسيان، دون تفكير مد دييز يده ليمسك بذيله كما فعل لوسيان مع أذنيه

لمسة خفيفة ثم سحبة قوية قليلا، يتحسس الأطراف و أخيرا يضع راحه يده بأمانة، كانت هذه تحركات كل الأب و الإبن، من عدم مبالاة جوليان يبدو معتادا جدا على الأمر.

حين خرجت ليليان من الحمام بالمنشفة على رأسها قابلها منظر الثلاثة يغفون على السرير، تنهدت بيأس و قصدت طاولة الزينة لتجفف شعرها، لا فائدة من التذمر، عدوى دييز تنتقل للبشر و الحيوانات.

***

أصوات الكعب تطرق بحدة على الدرج، من الصوت يبدو الاستعجال و الصرامة، العجوز الذي يحرس باب البناية رفع عينيه على إثر الصوت

لمح المرأة التي اضحى معتادا على هيأتها، تلك البذلة القياسية كالسيدات على التلفاز و شعرها الملتهب، لسيد من جيله بدا مظهرها مبالغا للغاية، لكن ملامحها الحادة و غير المصطنعة كانت ملائمة لما ترتديه

"صباح الخير آنسة" ألقى عليها التحية قبل أن تصل عنده ببضع خطوات، فكما توقع بالكاد ألقت عليه نظرة و هزت رأسها، حتى استقامة ظهرها لم تنثني

واصل قراءة جريدته ما إن ابتعدت، لم يكن تصرفها وقحا في الواقع، شخص مثلها لا شك أنه مشغول كلما تنفس، و هو مجرد حارس بوابة عجوز، كانت النزيلة الوحيدة التي تلاحظ وجوده كل يوم، بدت شخصا صارما لكن ليست بطفل سيئ.

"سأكون هناك فورا." لكنتها الإنجليزية بدت مثالية للغاية، ألقت جملتها الأخيرة بينما تأخذ مقعد السائق، وضعت حزام الأمان لكنها لم تنطلق مباشرة

طرقت أصابعها بمهل على العجلة كأنها تنتظر شيئا ما، نظرت من النافذة للسماء فوقها، بدت غائمة قليلا، ربما تمطر بعد قليل، جو طوكيو متقلب دائما

"صباح الخير آنسة جيسيكا! هذه قهوتك." رائحة قهوة ساخنة اخترقت حواسها قبل أن تنزل عينيها لرؤية وجه الفتاة الباسم

تلك الغرة التي تلائم كل الوجوه الآسيوية و أطراف شعرها الفضي ملتف يتأرجح أسفل ظهرها، ظنت أنها لن تحب رؤية هذا اللون ثانية، لكنه بدا فريدا في الواقع

لم تطل النظر إليه و ركزت ثانية على وجهها الذي لم يبدو مختلفا عن وجوه كل سكان هذا البلد، لكنه أكثر راحة و جمالا "شكرا لك."

ابتسمت الفتاة باتساع و لوحت لها بحماس بعد تسليم القهوة "طاب يومك آنسة جيسيكا!"

ابتسمت جيسيكا قليلا و هزت رأسها، إنها تبدو كفتاة من إعلان ما، تردد ذات الجملة باستمرار

أضفت تلك الابتسامة جمالية خاصة على وجهها الحاد، و اتضح أن عينيها الحادة ستنغلق قليلا كلما ابتسمت و لن تبدو حادة على الإطلاق

بعد استلام قهوتها الصباحية التي أصبحت جزءا من يومها في الثلاثة أشهر الماضية لم تتأخر أكثر و قادت السيارة مبتعدة

واصلت الفتاة التحديق في السيارة حتى اختفت، وضعت كلتا يديها على خديها اللذان أضحيا محمرين و هزت رأسها للجانبين بعدم تصديق "إنها جميلة للغاية!"

مع ازدحام طرق طوكيو وصلت جيسيكا وجهتها بعد ساعة من السياقة، لم تبدو منزعجة في الواقع، أجواء المدينة المزدحمة لائمتها أكثر مما توقعت

اكتشفت انها اعتادت سجن نفسها في المدن الهادئة و المناسبات ذات الحضور المعدودة على رؤوس الأصابع، بينما هي روح تحب الضجيج و الازدحام، تتألق بشكل رائع في بين الحشود

كهذه المرة، بمجرد وصولها  قصر الترف تحيط بها كل أنواع الأجناس، مساعدها سويسري و موظفيها يابانيون و ضيوفها من الهند

تلقي تحيات روتنية على هذا و ذاك و تتلقى تطورات اجتماع اليوم بينما تأخذ المصعد للطابق الأخير، لا تبدو متعبة و لا منزعجة، بالعكس تنسى نفسها تماما في هذه الأجواء.

"تعاون سعيد آنسة روزيف."

"تعاون سعيد سيدة روون" ختمت الاجتماع و سمحت لمساعدها بمرافقة آخر ضيوفها، لم تجلس احتراما لهم حتى غادروا حيز نظرها

أراحت ظهرها قليلا على المقعد و عبثت بخصلات شعرها الذي يتدلها خلفها، كان يوما لطيفا

أدارت رأسها تنظر للعالم من الجدار الزجاجي للطابق الأخير من قصر الترف، عملها الفني الذي بدأته قبل ثلاثة أشهر، أفخم و أرقى مجمع ترفيهي ليلي في اليابان، إنه مفتوح طوال اليوم لكنه لا يظهر سوى ليلا، حين تتحلى لك فرصة رؤية طوكيو من القمة، في غرفة منفصلة، رائحة أعواد البخار الخافتة من الأركان و أصوات البيانو الخافتة حسب الرغبة، قطع الشكلاطة المرة و الحلوة في أماكن عشوائية، على الطاولة و بجانب المزهرية

لقد أبدت اهتماما خاصا بالتفاصيل، إنها امرأة تحب ما تقوم به، تشفى بعملها، سرحت قليلا و تذكرت سبب قدومها، الشفاء

تنهيدة خافتة خرجت من صدرها، وضعت يدها الرقيقة على معدتها تحس بالجوع قليلا، الأمل على الطاولة لم يلمسه أحد بعد، لكنها تريد تبليل ريقها أولا

في هذه اللحظة بدت لبوة فولكوف شخصا مختلفا عن عادتها، بدت شخصا متسامحا جدا مع الحياة، مع الألم و الفقدان، بعد الخسائر تعيد للنفس روحها

لكنها لا تزال تبدو وحيدة قليلا، في غرفة خاصة بطوكيو، تتناول العشاء بمفردها و تراقب العالم اللامع دون رفقة

مدت يدها تلتقط كأس المياه الفوارة الذي لم تنهه، لا تحب الخمر كثيرا، بكسل تمد يدها التي لم تصل للطاولة، حتى بدا عليها الانزعاج و كانت على وشك الإستقامة أحست بكأسها البارد يوضع في راحة يدها

نظرت للرجل الذي اقتحم غرفتها دون استئذان بطرف عينها لكنها لم تكن متفاجئة من ذلك الأسمر و ابتسامته الغبية، من سيكون غير زعيم سوميسي الذي يواصل ازعاج عينيها منذ قدومها

تناولت الكأس منه و لم تعره اهتماما كبيرا "أليس لديك منزل تذهب إليه؟"

لم يبدو نازاكي منزعجا منها على الإطلاق، ابتسم أكثر و أخذ ينزع سترته "بلى، فوقك مباشرة، يمكننا العودة معا لاحقا"

أدارت جيسيكا عينيها بامتعاض لكنها لم تستطع دحضه، إنه بالفعل يعيش في نفس المجمع، بل و نفس البناية!

"تناولت العشاء؟" سأل نازاكي بينما يرفع أكمامه قليلا، من طرف عينيها حدق فيه جيسيكا بتحذير "ليس بعد.."

"رائع!" ابتسم نازاكي باتساع و التقط الشوكة و السكين "جئت في الوقت المناسب إذا"

حدقت فيه جيسيكا بعدم تصديق "لا أحد دعاك كما تعلم!"

من الواضح أنه لم يكن يعلم فقد تجاهلها تماما و غرس الشوكة في طبق السلامون الوحيد أمامها، طبقها المفضل "واو سلامون"

استقامت جيسيكا في جلستها بسرعة و أمسكت بيده التي كانت على وشك أخذ القطعة كاملة "أيها الوغد! هل الياكوزا فقيرة حتى لا تتحمل وجباتك أم ماذا!"

سحب نازاكي يده عن السلامون بينما يضحك و ذكرها "إن كنت تعلمين ذلك يستحسن أن تسرعي"

نظرت له جيسيكا بعدم تصديق لكنه لم يعطيها وقتا للرد حين رأته يقصد طبق اللحم، بل و يضع كلا القطعتين فوق بعضها!

"أيها الشبح الجائع!" صاحت جيسيكا باستهجان و أخذت شوكتها بسرعة تتدارك ما بقي من الأطباق

تعالت ضحكات نازاكي في الغرفة و التي سرعان ما صاحبتها خاصة جيسيكا، و هو يرافقها منذ ثلاثة أشهر لم تعد تصده كالسابق، حتى لو نظرت له بقرف فهو يعلم أنه لا تكره حضوره

نظر لها تأكل بسرعة قبل أن يسرق الطعام منها و ارتفعت ابتسامة صادقة من أعماق قلبه، لا يعلم ما حدث لها و ما الذي جاء بها إلى هنا، كما يدرك جيدا أنها ليست بخير

مختلفة كثيرا عن السابق لكنه لا يكره الأمر، وجودها هنا أمامه في غرفة خاصة، تصرخ في وجهه لأنه يأكل طعامها المفضل، سترافقه لاحقا لشقتها في سيارته و تتشاجر معه ثانية لأن ذوقه في الأغاني فضيع

لا يعلم ما حدث لكنه ممتن، لأي كان الذي أعطى أملا لجزءه من الحكاية، و ما دامت لديه هذه الفرصة فلن يضيعها.



________


انظروا من عاد بعد كل هذا الغياب✨

آسفة كثيرا، لا أعذار، الحياة تأخذني فحسب ')

لا تقلقوا لن أغيب كثيرا هذه المره، استمتعوا بالفصل 3>

لا شك أنكم لاحظتم تغيير اسم الرواية، لا تحاولوا إنه قرار نهائي، مجرد اسم كما تعلمون الأحداث لا زالت كما هي، أخبروني برأيكم حول الإسم و الغلاف الجديد✨

و أجل طلب أخير، سأكون سعيدة برؤيتكم على الانستغرام كثيرا، حساب callthemooon، هناك تسريبات و محتوى لطيف عن كل أعمالي، سأكون ممتنة لدعمكم هناك أيضا، رابط حساب الانستا في البايو 💕

كل الحب 3>

Continue Reading

You'll Also Like

383K 18.4K 25
صهباءً مُتمردة كاملة ، وَ اصهبً ناقص . اغفر على روحكَ السلام ، واعتقني من الجحيَم كـُن لي قبوً لـَ سُري ، وساكونَ لكَ حُرًا جبـَرُ عضيم ، لـسردابً ع...
356K 15.3K 40
قصه حقيقيه حدثت في عام ٢٠١٧ فتاهً مسيحيه في احداى الايام تقع بيد رجل مجرم هل ياترى ماذا سيحدث معا الابطال مختلفين...!!!
48.1K 4K 9
طـَاغي، أشوَسٌ، هَو الخفَاء لهيبٌ وسط برود الثـَلج يَشتـَعلُ وهو في اعمـَاق برودِه لعـَل الدَرب كـَان لايَبثُ بالرَحمة وسّط ديجـُور الذنـُوب قد غـَاص...
52.2K 4.3K 32
منَ أَنــا ؟ -ظاهرَ نحــتتّه الملائكهَ بُدقه ، وقلبَ ابدعِ المُكر بعمِلهه بينَ ازُقة الماضيَ بُنية أَنـا من جراحَ الأَلم صُنعت ولدتَ بِنت حوَاء لــِم...