أنوبيس

De HabibaMahmoud25

99.2K 5K 4.6K

مرحبًا بكم في المملكة لا لا، يجب أن أحذرك أولًا من يدخل المملكة لا يخرج حيًا. يمكنك المغادرة الآن.. سأترك لك... Mai multe

تنويه
قوانين التنظيم (المملكة)
الشخصيات
الفصل الأول: المامبا الحامي لي
الفصل الثاني: نساء عائلة المُهيري.
الفصل الثالث: لماذا مُراد؟
الفصل الرابع: إلى اللقاء أمي.
الفصل الخامس: قصر الأشباح.
الفصل السادس: ثم لم يبقى أحد.
الفصل السابع: لا تترُكيني.
وشم المامبا +إعتذار
الفصل الثامن: وضع الغيرة
الفصل التاسع: يوم رفقة الأوغاد.
الفصل العاشر: انا الخاطف.
الفصل الحادي عشر: النجمة المسلوبة.
الفصل الثاني عشر: لتمتزج صرختنا معًا.
مسابقة 🔥
الفصل الثالث عشر: طبيب الطاعون.
الفصل الرابع عشر: رقصة أخيرة
الفصل الخامس عشر: فتيل القنبلة
الفصل السادس عشر: وتر أكيليس.
الفصل الثامن عشر: الغجرية الساحرة.
الفصل التاسع عشر: لنتزوج ماليكا!
الفصل العشرون: وحوشي وقعت لكِ.
الفصل الواحد والعشرون: خطوبة أم معركة حربية؟
الفصل الثاني العشرون: أنا الجحيم.
الفصل الثالث والعشرون: أحتضر ماليكا.
الفصل الرابع والعشرون: ليو الصغير.
الفصل الخامس والعشرون: بُتر قلبي.
الفصل السادس والعشرون: خنجر بروتس.
الفصل السابع والعشرون: مُروضة أنوبيس!
الفصل الثامن والعشرون: مرحبًا بالغجرية.
الفصل التاسع والعشرون: الموت أم.. الموت؟
إعتذار
الفصل الثلاثون: الذئب الذي أكل يُوسف.
الواحد والثلاثون: لن تكسريني، أليس كذلك؟
الثاني والثلاثون: نعم، أحبك.

السابع عشر: رقصة الألم.

1.3K 116 128
De HabibaMahmoud25

سلام عليكم جميعًا.
عايزة اقول لكل البنات اللي بتتفعل شكرًا لأن كلامكم بيفرق معايا جدًا وبيخليني ابقى عايزة أقدمكم أفضل حاجة، خدوا حضن🫂🤍

متنسوش التفاعل ولا داعي للسباب أحبائي🥺

___________________

وضعوني في إنـاءْ
ثُمّ قالوا لي : تأقلَـمْ
وأنا لَستُ بماءْ
أنا من طينِ السّمـاءْ
وإذا ضـاقَ إنائـي بنمـوّي
..يتحطّمْ !
خَيَّروني
بَيْنَ مَوتٍ وَبَقاءْ
بينَ أن أرقُـصَ فوقَ الحَبْلِ
أو أرقُصَ تحتَ الحبلِ
فاخترتُ البقـاءْ
قُلتُ : أُعـدَمْ.
فاخنقـوا بالحبلِ صوتَ الَببَّغـاءْ
وأمِـدّوني بصمـتٍ أَبَـديٍّ يتكلّمْ !

_ أحمد مطر.

__________________________𓂀
𝕄𝕒𝕝𝕚𝕜𝕒

⟬ ماليكا ⟭

يوم المواجهة الساعة التاسعة صباحًا. (قبل المواجهة)

مددت يدي خارج الغطاء الذي يدثرني إلى الكومود، التقطت هاتفي ثم ضغطت على زر التشغيل لأرى كم أصبحت الساعة الآن؟ شعرت بألم في عيني من هجمة الضوء فأغمضت عيني لثواني ثم فتحتها على مهل، نظرت للشاشة المشوشة من رؤيتي الضبابية ثم اتضحت رويدًا، تبًا.

مازلنا في التاسعة صباحًا، لقد مرت نصف ساعة فقط منذ آخر مرة نظرت بها للشاشة، لم أستطع النوم طوال الليل بسبب صوت صخب ضربات قلبي، أشعر بالخوف الشديد، لماذا؟

لا أعلم، فقط أشعر بالخوف.

- أنا ممكن أبان عادي بس من جوايا نفسي في كشري من بلبن، ما تيجي ننزل نجيب.

قالتها شفا بنبرة حالمة ثم مررت طرف لسانها على شفتيها الجافة وبللتها بعدما تقلبتُ في الناحية الأخرى لتغير جانب نومي فوجدتها تفتح عيناها على وسعها وتبتسم لي بسمة بلهاء حيث إنها تنام بجانبي، فضحكت بخفة وحركت رأسي بدون تصديق على ما تقول قبل أن تستطرد:

- النهادرة احتمال يكون آخر يوم ليا في الحياة فأكيد مش هموت نفسي فيه.

حركت رأسي بالموافقة ثم نهضت من الفراش ودلفت المرحاض ومررت بجميع روتيني اليومي من التحمم والصلاة ونثر مياه الورد بالحجرة ثم توجهت ناحية الخزانة أخرجت فستان أسود واسع يعود لأمي وأخرجت فستان من ملابسي اعطيته لشفا، ثم سحبت غطاء رأس وطبقته ووضعته في حقيبتي.

سأذهب للمسجد، هذا ما أحتاج له الآن لتهدأ نبضات قلبي، عل بيت الله يدخل السكينة على قلبي.

نزلنا من العمارة صعدنا سيارة ليونار التي تركها معي ثم تحركت بالسيارة بسرعة عالية لألحق صلاة الظهر في مسجد الحُسين.

لملمت خصلات شعري الثائرة في رابطة خلف رأسي ثم ارتديت غطاء الرأس الخاص بأمي وترجلت من السيارة في نفس الوقت الذي صدح به آذان الظهر، دلفت للمسجد الذي كانت الطمأنينة تشع منه كغاز برائحة اللافندر الذي يهدأ للأعصاب.

نظرت حولي بانبهار من تصميمه الجميل بعدما دلفت، الأسقف المزخرفة، الآيات القرآنية البارزة باللون الذهبي، الثريات البيضاء التي تملأ السقف ومكتوب فوقها الشهادتين، السجاد العربي المميز.

تذكرت أمي عندما كانت تحكي لي قصة "معركة كربلاء" التي استشهد فيها الحسين وهو يقاتل الجيش الأموي، حيث قاتل هو وحوالي اثنين وسبعين جندي ضد جيش مقداره خمسة آلاف مقاتل، وعلى الرغم من عدم تكافئ المعركة إلا إنها استمرت من الفجر حتى الظهر، لقد ظل الحسين صامدًا ولم يستسلم أمامهم حتى النهاية.

أحب حكايات المعارك الأبطال الذين يظلوا صامدين حتى النهاية، لقد حكت أمي لي جميع المعارك التي حدث في تاريخ الإسلام وعن جميع الأبطال مثل "أسامة بن زيد" أصغر قائد في الأسلام حيث قاد الجيش وهو بعمر سبعة عشر عامًا فقط.

وقفت جانب شفا عندما أقام الشيخ الصلاة استعدادًا لنصلي معًا، شعرت بالسعادة قليلًا حيث أحب الصلاة بجانب صديقاتي على الرغم من الهموم التي تجثم فوق قلبي بدون سبب حقيقي.

"اللهم يا ذا الجلال والأكرام، أنت تعلم ما في نفسي أرفع عني، يا ولي يا حميد ارفع عني ما اصابني وسخر لي جنود السموات والأرض في تحقيق سعادتي"

رددتها في السجود ليرفع عني الله الهم الذي أشعر به ثم انهينا الصلاة وخرجنا من المسجد قبل أن أتحرك تجاه محل الحلوى لأحضر لشفا ما ترغب به حيث إنها شاهدت مقطع لأنس الجندي أمس يجرب به هذه الحلوى الحديثة التي هي عبارة عن: أرز بلبن، كنافة والعديد من الأشياء الأخرى التي تخبرني أنني لن أضع تلك الحلوى في فمي لأنني لا أتحمل كل هذا السكر دفعة واحدة.

لقد أحببتها منذ أمس فهي من الشخصيات التي تدخل القلب مباشرة بدون طرق لأتعلم درس مهم من جديد في عدم الحكم على الأشخاص قبل إن أعرفهم جيدًا، بالأمس كان لديَّ بعض التحفظات على التقرب منها بسبب كونها امرأة خائنة لكن كل هذا تلاشى عندما علمت القصة من جانبها.

كانت شفا تعمل ممرضة بأحد فروع مشفى عائلة المالكي، كانت تعمل بالقسم الخاص بابن زوجها "براء"، كانت في بادئ الأمر معجبة به مثل معظم الممرضات بالقسم، لإنه وسيم وجسده رياضي حيث يبدو وكأنه خارج مباشرة من بطولة فيلم ما لكنها تخطت ذلك بعدما علمت بشأن علاقاته المتعددة مع الطبيبات بالمشفى، فقد كان يرتبط بأكثر من واحدة في نفس الوقت لكنها لم تخبر أحد حتى لا تُطرد من العمل.

كانت شفا أكبر عائل لأسرتها المكونة من سبعة أخوة، أربعة فتيات وثلاثة صبية جميعهم أصغر منها وأم وأب يعمل فقط ليحضر ثمن لفائف سجائره ثم يترك العمل ولا يهتم بأحد منهم حيث إنه من أصحاب الحرف.

في أحد الأيام قابلت بالصدفة "صافي المالكي" في القسم حيث إنه ذهب ليتحدث مع ابنه في موضوع ما وكان هذت بعد سنوات من عملها بالمشفى حيث إنه جراح مشهور لا يتجول في المشفى كثيرًا، ويعمل تحت يديه ممرضين مختارين بعناية وهذا كان السبب الأساسي لشعورها بالريبة عندما قرر نقلها بقسمه الخاص في اليوم التالي وأصبحت تعمل تحت يديه مباشرة.

- أنا كلمت والدك علشان هاجي بكرة عندكم، مبروك يا عروسة.

قالها صافي بعد أسبوع من انتقالها معه بالقسم وهو يخلع قفازاته الطبية الممتلئة بالدماء حيث انتهى للتو من عملية جراحية معقده إلى شفا التي شعرت بالذهول وتوسعت حدقة عينيها بشكل ملحوظ من هول ما سمعت، ثم تحرك من أمامها بمهابة وتركها متجمدة في محلها.

عادت شفا للمنزل بذهن متخبط حيث إنها كانت تشعر بالحيرة من الأمر، لقد لعبت رأسها بها، تارة تخبرها برفض زواجها من براء الخائن وتارة تخبرها بمميزاته الكثيرة، ثم لماذا سيزوجها هي؟

بالتأكيد لأنها لم تعطيه وجه مثل باقي الفتيات.

هذا ما فكرت به ثم قررت في قرارة حالها إنها سوف ترفضه لكن عندما عادت للمنزل أمها لعبت في رأسها بسبب ماله بالطبع الذي سيسحب عائلتها من القاع التي تسبح إلى جزيرة فائقة الجمال تدج بكثير من الخيرات.

- يا ماما يعني هو علشان فلوسه استحمل إني اتخان عادي؟!

- يا بنت هو يعني هيختارك إنتِ ليه ويسيب كل الستات اللي من مستواه؟ أكيد بيحبك بعدين ما كل الناس بتتغير.

قالتها أمها بنبرة متعقلة وهي تضربها برفق في مرفقها بعد حديث شفا الذي خرج بنبرة حادة بعدما تذكرت أمر علاقاته المتعددة مع النساء لأن لا يمكن لأمراة تحمل هذا ومن تتحمل ذاك هي تحتاج لتذهب لطبيبة نفسية حتى تتعالج من مرض حبه.

في اليوم التالي ارتدت شفا تنورة باللون الأسود وبلوزة وحجاب بنفس اللون ثم أمسكت الحاوية الذي يقبع فوقها أكواب العصير والحلوى ثم خرجت بابتسامة واسعة لتقدمها لعريسها بعدما اقنعتها أمها بذلك لكن ابتسامتها تلاشت ببطء مع تصاعد خفقان قلبها عندما وجدت صافي جالس بمفرده مع والدها فوق الأريكة المتهالكة بمنتصف صالة بيتها ثم رمقها بنظرة لم تفعل شيء سوى جعل ركبتيها ترتجف.

- والله يا دكتور صافي أنا يشرفني إني أجوز بنتي ليك، هو أنا أطول؟!

قالها أبيها بنبرة محببة مرحبة من زواج صافي منها فتركت شفا الحاوية من يديها لتقع فوق قدم صافي مباشرة حيث نُطقت الكلمات في نفس اللحظة التي مدت يديها بها له بالحاوية ليتحول شكها ليقين وكوابيسها إلى حقيقة، وكأن صافي كان شبح يطاردها وكانت تقنع حالها إنها تتخيل ذلك قبل إن يقبض على معصمها ويحرقها لتعلم إنه لم يكن مجرد كابوس عابر.

- إيه الهبل ده؟! أنا مستحيل أتجوز الراجل ده.

قالتها شفا بنبرة جامدة بعدما استعادت ثباتها وهي تشير إلى صافي الذي يمسح ملابسه بمحارم ورقية بعدما ظهر الضيق على ملامحه، فرفع نظراته حتى ألتحمت بخاصتها مما جعل قلبها ينفجر وتسمع صوته من كثرة الخوف الذي بثته النظرة داخلها.

- بكرة هجيب المأذون وآجي اتجوزها يا حج، سلام عليكم.

قالها صافي ببرود وهو مازال مثبت نظراته المرعبة عليها أثناء نهوضه من مجلسه قبل إن يتحرك من أمامها ويتلاشي كسيجارة انتهى شاب من شربها لكن مازال دخانها السام يقبع في الأرجاء ويخنق المتواجدين.

في اليوم التالي زوجها أبيها الحقير من صافي رغمًا عنها دون حتى أن يطلب الشيخ رأيها بعدما ضربها بعنف عندما عارضت أمره وسبها هي وأمها بعدما دفع له صافي مهر يجعله يحيا حياته كلها ثري هو وأبنائه فقرر أن يضحي بواحدة من أجل الجميع.

انتقلت شفا لمنزل صافي وعلمت بشأن زواجه من إجلال وجومانا فشعرت بالسعادة لإنه لن يقضي معها الأسبوع بأكمله ثم اكتشفت عمله بعد ذلك وعلمت إن لم يفعل ذلك أبيها كانت ستتزوجه بعدما يقتل عائلتها على أي حال أو يهددها وكانت ستقبل بنفسها، لكنها كانت تريد من الذي يفترض أن يقوم بحمايتها أن يفعل أي أختلاجة لكنه رماها بين أنيَاب الذئب بنفسه.

فقد أذاقها صافي جميع ألوان الجحيم لكن ليس لإنه يضعها برأسه بسبب رفضها له بل هو مختل بشكل غير طبيعي، يقوم بضرب جميع من بالمنزل، زوجاته وبنته وحتى أبنائه الرجال.

ذات مرة قام بضرب ابنه" براء " وقام بكسر ذراعه، فقط لإنه ابتسم عندما علم بشأن خطف فارس لجومانا، وقام بضرب بدر المتحرش -كما تقول- لإنه كان يحدثه وبدر يمسك الهاتف ولم يجيبه.

كما إنه يقتل كل من يقوم بإغضابه من رجاله وهو ينفعل من كل شيء تقريبًا يقتل واحد كل أسبوعين، ذات مرة قتل شاب أمام أنظارها فقط لأن رفع نظره من فوق الأرض عليها وهي تقف بجانبه.

فكرت شفا في قتله عدة مرات لكنها خافت من ما سيحدث بعدها، بالتأكيد ستقتل قبل حتى أن تحاول فهو يشعر بصوت طرقات النمل لن تقدر على مجابهته، كما إنه شكاك ومسوس بطريقة مرضية، لا يأكل شيء قبل أن يأكل الجميع منه، فجميع من بالمنزل يكرهونه لذا يتوقع ذلك الشيء بالطبع فلم تستطع وضع السُم بطعامه.

- بس عارفة يا بنت يا ماليكا، أكتر حاجة قهراني في كل الي حكيته ليكِ، إن محدش قالي إني بقيت غنية.. كنت جبت الإندومي الكوري الغالية دي وكنت عملت تحدي النودلز الحار وصورت نفسي واتشهرت زي أنس الجندي .. يا خسارة رجعت مش غنية تاني.

قالتها شفا بنبرة مازحة تعقيبًا عن المأساة التي كانت تسردها عليَّ بكل تلقائية وهي تأكل من حلوى "المولتين كيك" بلامبالاة وكأنها تخبرني بقصة سعيدة قبل النوم، أثناء جلوسنا بمقهى أمام النيل بعدما تركنا ليونار ونيلان.

- علفكرة إنتِ مازلتي غنية، مش هتتجوزي نيلان؟

قلتها بنبرة ساخرة بعدما أغلقت ثغري المفتوح من الصدمة بفعل ما سمعت، ففتحت ثغرها بدون تصديق قبل أن تصيح باستنكار:

- أقسم بالله؟!! .. هروح أكتب ورقة بقى بالحاجات اللي نفسي فيها، أصل ابن الكلب مكنش بيخرجني من البيت، حسبنا الله ونعم الوكيل فيك يا صافي، إلهي تموت محروق.

- احكيلي حوار نيلان.

قلتها بعد أن هزيت رأسي بدون تصديق على ما قالته قبلها بسبب فضولي الرهيب لمعرفة ما حدث بينهما، فظهرت ابتسامة واسعة جميلة على ثغرها أدت لظهور بعض التجاعيد جانب عينيها بسبب صدقها فعلمت إنها تحبه بشدة.

لم تخرج شفا أو أي واحدة من زوجات صافي من المنزل إلا لقصر المملكة -كما يطلقوا عليه- كل أسبوع كعادة زوجها في قضاء يوم الجمعة في بيت أخيه صالح، لأن الأخير يصر على ذلك لإنه يحاول بشدة تحويل ذلك الخيط الواهي الذي يربطه بأخيه صافي لخيط مصنوع من الذهب لا ينقطع، لكن كل هذا بلا معنى لأن صافي كان يشعر بالغيرة الدائمة منه بسبب حب الجميع له.

لم يعلم أنه يجب عليه تقديم حب، احترام، ود، ليحصل على ذلك في المقابل، لإن الحب الذي يكون دون مقابل هو حب الأم لابنها فقط والآخرين ليسوا أمه.

لو تلبست دور المحققة مثل روايتي المفضلة وقمت بتحليل شخصية صافي المريض، فأتوقع بالطبع أن طفولته لم تكن جميلة وهي ما أثرت عليه لكن هناك نوعين من البشر الذين يعانون في حياتهم.

الأول: مثل صافي الذي يتحول لوحش يخيف الجميع وينقض عليهم.

والثاني: مثل صالح الذي يحاول بكل جهده أن لا يمرر الآخرين بما حدث معه ويتحول للبطل الخارق المنقذ لهم.

منذ عام وفي أحد المرات التي ذهبت بها شفا للقصر، صعدت إلى غرفة شهد ليشاهدن معًا إحدى حلقات المسلسل الذي يتابعونه مع بعضهما كل أسبوع، جلست على الأريكة المريحة وسحبت شريحة من "البيتزا" اللذيذة التي يصنعها ليونار وهمت أن تأكلها بتلذذ وهي تثبت نظراتها المشدوهة على التلفاز حيث يعترف البطل بحبه للبطلة.

_ كنت متأكد إني هلاقيكِ هنا، آسف يا حبيبتي علشان اتأخرت عليكِ، عملت فيكِ إيه الشريرة دي؟!

قالها نيلان الذي دلف فجأة الغرفة دون أن يطرق على الباب مما جعل يدها تتوقف قبل إن تصل إلى فمها بعدما شعرت بمذاق الشريحة على لسانها، فتحت ثغرها بدون فهم لأنها لم تكن تفهم في بادئ الأمر إنه يتحدث مع البيتزا حتى تقدم نيلان وأمسك الصحن التي تقبع البيتزا فوقه وجلس على المقعد جانب الأريكة التي تجلس فوقها وهو يقول بنبرة متهكمة إلى شهد:

- هحكيلك حدوتة علي بابا والأربعين حرامي أنا علي بابا وأنتِ الأربعين حرامـ..

بتر عبارته عندما رفع نظره لينظر إلى شهد الجالسة بجانبها فرأى شفا التي مازلت ترفع الشريحة وتفتح ثغرها، فتبدلت تعابير وجهه المنشرحة إلى الصدمة وهربت الدماء من وجهه وكأنه رفع نظره ورأى وحش ذو قرنين قبل أن ينتفض واقفًا بسرعة أدت لصدوح صوت تهشم الصحن الذي وقع من يده قبل أن يتسطح جانبه بعدما علقت قدمه في الطاولة بعدما حاول الركض.

نهض نيلان من جديد بوقار وكأنه لم يُقبّل الأرض منذ ثواني ثم خطى برزانة وهو يهندم ثيابه التي تلطخت بالطعام تجاه الشرفة وقفز منها للأسفل بهدوء.

- أنا آسفة يا شفا، هو مكنش يعرف إن أنتِ هنا، هو طلع علشان سرقت البيتزا منه بعد ما رفضت أخلي ليونار بعمل ليا واحدة لأني عاملة دايت، بس غيرت رأيي لما شفتها في المطبخ .. مش لازم عمو صافي يعرف ماشي.

قالتها شهد بهدوء بعدما سيطرت أخيرًا على ضحكتها التي ارتفعت عقب قفز نيلان من الشرفة بسبب خوفها من وقوع نيلان بمشكلة بسبب دلوفه هكذا الغرفة على زوجة صافي أثناء جلوسها على راحتها وتفرد خصلات شعرها القصير الذي يصل لكتفها بعدما خلعت حجابها، فابتسمت شفا لها بسمة مطمئنة فهي أكثر من يعلم جنون زوجها وغيرته المرضية ثم هتفت بهدوء:

- أكيد مش هقوله يعني، أصلًا محصلش حاجة.

في الأسبوع التالي صعد نيلان إلى غرفة شهد من جديد أثناء تواجدها بالداخل لكنه هذه المرة كان يعلم بوجودها لذا طرق الباب وثبت نظراته للأسفل عندما فتحت له شهد الباب.

- اكتشفت عربية برجر يانهار، تحفة.

قالها نيلان بنبرة خافتة مرحة إلى شهد وهو يمد يده لها بحقيبة ورقية يقبع بداخلها الطعام بعدما احضره لها حيث إن شغف الاثنين هو الطعام ويمضوا حياتهم بالبحث عن مطاعم جديدة، فضحكت شفا بخفة عندما وقع بصرها عليه بسبب تذكرها ما حدث الأسبوع الماضي، فرفع نيلان نظراته ناحيتها حتى قابلت خاصتها لثانية قبل إن يخفض عينه من جديد، ويبتلع ريقه في محاولة منه لكبت ضحكته قبل أن تنفلت منه.

- احلى باني واللهِ، إنت اللي اتقال فيك شعر

" وَبِقُربِه تُشْفَىٰ الجِرَاحُ فَإِنَّه
طِبٌّ إذَا عَجِزَ الطَّبيبُ عَن الدَّوَا"

قالتها شهد بنبرة ساهمة وهي تحتضن حقيبة الطعام وتتحرك بها يمنى ويسرى وكأنها تهدهد صغيرها بعدما توسعت عينيها بانبهار وأستلتها من بين أصابعه، فقال لها نيلان بنبرة متشككة ممازحًا وهو يضيق جفنيه:

- ده ليا ولا للأكل؟

- للأكل طبعًا.

قالتها شهد بنبرة مؤكدة مازحة ردًا على حديثه، فضحك نيلان بخفة وهو يحك ذقنه المشذبة قبل إن يذهب من أمامها بهدوء وكأنه لم يسرق قلب شفا معه، فقد كان الهدوء الذي يسبق العاصفة التي بعثرت نبضات قلبها.

ما هذه الضحكة الجميلة؟!
إنه وسيم للغاية، وقوي.
يشبه الأبطال في الروايات الألكترونية التي أقرأها.

قالتها شفا داخلها بعدما رحل نيلان فهي لم تراه بتمعن من قبل لأن المامبا لا يدخلوا القصر أثناء تواجدهم به، وكذلك فارس وليونار فمرات قليلة للغاية الآتي يجلسوا معهم حول مائدة الطعام أثناء تواجدهم بالمنزل بسبب جنون صافي.

عندما عادت شفا للمنزل حلمت إنها تزوجته وتكرر الحلم بشكل شبه يومي معها، وظلت طوال الوقت تفكر به وتتحدث معه داخل عقلها ثم تتخيله حبيبها وكأنها مراهقة وليست في الخامسة العشرون من العمر، وتطور الأمر معها بالتدريج حيث إنها أصبحت تجلس في شرفة شهد كلما ذهبت لها فقط لكي تلمحه من الشرفة على الرغم من شعورها بالذنب نتيجة خيانتها لزوجها، لكنها كانت تقنع حالها أن زواجها من صافي باطلًا، فهي لم توافق عليه ولن تتقبله زوجًا لها أبدًا.

لم تكن تعلم أن مشاعره تجاهها متبادلة، وإنها جذبت أنظاره لها بإفعالها تلك لأن نيلان يستطيع قرأه لغة الجسد جيدًا وكل حركة تفعلها تخبره بها إنها معجبة به، لذا لم يظهر أبدًا أمام صافي وهي معه حتى لا يعلم زوجها مشاعرها تجاهه التي سوف تظهر واضحة للآخر بكل تأكيد.

مرت الشهور وهي على حالها حتى جاء اليوم الذي كان بدايته كابوس بالنسبة لها، شعرت شفا بالإعياء الشديد والدوار ثم بدأت بالتقئ، فدلفت جميلة لها وهي تحمل المعدات الطبية وقامت بفحصها بجدية وهي تتسطح في الفراش بتعب.

- بابا، بعد إذن حضرتك هاخد شفا المستشفى علشان شكلها حامل .. هاخد رائف معايا حاضر.

قالتها جميلة بنبرة هادئة لأبيها بعدما تحدثت معه في الهاتف بسبب سفره لخارج البلاد لعمل جراحة طبية عاجلة لأحد المرضى بعد أن انتهت من فحص شفا التي شحب وجهها وتوقف قلبها عن العمل وحبست أنفاسها بفعل الرعب الذي تلبسها بعدما علمت خبر حملها من صافي.

- براء أبوك هيكلمك يسألك إحنا جينا المستشفى ولا لا؟ قوله روحنا ماشي.

قالتها جميلة لأخيها الذي قابلته في المرأب بعدما خرجت من المنزل بشفا عقب تبديلها لملابسها وهبوطها معها بذهن شارد حيث يصدح الآن داخل عقلها صوت ارتطام قدمها بالأرض بعدما قفزت من فوق مقعد خشبي بمنتصف غرفتها لتقوم بتنزيل الطفل فقط داخل مخيلتها البلهاء التي صورت لها ما ستفعله بعدما تعود من المشفى.

كيف يمكن لممرضة بمشفى أن يهدي لها عقلها تلك الفكرة الغبية لتنزيل طفل؟!

- حسابك تقل بس تمام، افتكريها.

- واللهِ بحبك يا برقوقي .. هجبلك حاجة حلوة ونتفرج على فيلم مع بعض بليل.

قالتها جميلة بنبرة مرحة وهي تلقي له قبلة في الهواء فابتسم براء بهدوء وحرك رأسه بالموافقة قبل إن يتحرك بالسيارة من أمامها، فصعدت جميلة في الأريكة الخلفية للسيارة وجاورتها شفا كالمخدرة، ثم بعد برهة من الزمن توقفت السيارة أمام مقهى بمكان مفتوح ثم هبط رائف من السيارة وفتح الباب لشفا وحثها على النزول.

- رئوفه روح شوفلك مكان ترقص فيه شوية لحد ما نخلص.

- تمام بس متتأخروش علشان أبوكِ ميعملش مني شاورما، حـرفـيًـا.

قالها رائف بنبرة هادئة وهو يشدد على الحروف تعقيبًا على حديث جميلة السابق أثناء ضمه إصبع السبابة والأبهام مع فرد باقي اصابعي في حركة تدل على تأكيد قوله حيث إنه لا يمزح، فأبيها سيفعلها بالفعل، فضحكت جميلة بخفة قبل إن تسحب يد شفا وتدلف بها لداخل المقهى تحت نظراتها المستنكرة حيث إنها لم تستوعب حديثها مع أخيها بعد، فهتفت بتساؤل:

- إحنا مش رايحين المستشفى؟

- مستشفى إيه يا عسل أنتِ مش حامل أصلًا .. بس إيه يا بت الحلاوة دي؟ العيون دي خسارة في بابا عليا الطلاق، علشان كده هوديها للي يستاهلها.

قالتها جميلة بنبرة مشاكسة وهي تغمز لها بطرف عينها بعدما نظرت إلى عيونها التي تشبه حبات القهوة بتفحص، ثم ضحكت من جديد بعدما ارتسم الأرتياب على وجه شفا مع تحرك بؤبؤ عينيها بحركات دائرية في محاولة منها لفهم ما يحدث.

_ هو ده مش كان كابوس إيه اللي دخلني في الأحلام الوردية.

قالتها شفا بصوت خافت وهي تبتسم ببلاهة بعدما توقفت جميلة أمام طاولة بزاوية المقهى ووقع بصرها على نيلان الجالس بهيبة فوق المقعد بعد أن ظنت إن عقلها تلاعب بها وهيأ لها وجود نيلان ليخفف الضغط عنها.

- يا بت اتقلي شوية هتفضحينا.

قالتها جميلة بنبرة خافتة في أذنها وهي تلكذها في مرفقها بعدما ضحك نيلان بخفة وظهرت أسنانه على حديثها مما جعلها تضع يدها على وجهها وتنظر له بهيام بسبب تأثير ضحكته الرجولية التي سرقت قلبها، فنظرت له شفا بتوتر وقالت لجميلة بنبرة مهتزة:

- أنتِ شيفاه؟!

- هو لابس طاقية الأخفة ما هو متنيل قدامنا أهو.

- يعني ده مش حلم؟ .. أقسم بالله؟! .. يا لهـــوي.

قالتها شفا بنبرة عالية مرتعدة وتوسعت عينيها حتى كادت تخرج من محجريهما بعدما حركت جميلة رأسها بتأكيد على وجود نيلان أمامها بالفعل، فضربت شفا وجنتها بكلتا يدها في حركة شعبية عقب استيعابها ما يحدث حولها وبدأت بالصراخ بسبب خوفها من القادم وهي تهتف:

- أبوكِ هيقتلني، هنموت .. يا لهوي .. هنموت.

- أهدي الناس بتبص علينا.

قالتها جميلة بنبرة متوترة وهي تضمها لها في محاولة منها لتهدئتها بعدما نظر الجميع صوبهم في آن واحد بسبب العبث الذي يحدث، لكن كانت محاولتها كضمة قبضها فوق الماء بمنتصف كفها لتمسكه وبدأت شفا في النحيب بصوت عالٍ وكأنها فتاة صغيرة تركتها أمها في منزل خالتها بعدما تمسكت هي بذلك ولكن بعد ساعة بدأت في البكاء وهي تهتف باسم أمها لتأتي وتأخذها لمنزلها الآمن.

بعد برهة توقفت عن البكاء أخيرًا وجلست على المقعد أمامه على مضض بعدما طمئنتها جميلة بأن شيئًا لن يحدث، وأخبرتها أن رائف المامبا الحامي لوالدتها وولائها لأمها وليس لزوجها صافي، لذا لن يخبره وسيحمي جميلة منه حتى لا يفعل بها صافي شيء يُألم إجلال، فهدأت قليلًا.

- تلعبي الكومي و لا واحد وثلاثين؟

- إنت أهبل؟! إنت عايز إيه مني أصلا؟!

قالتها شفا بنبرة حادة وهي ترمق نيلان بضيق بعد حديثه العابث الذي قاله وهو يخرج أوراق لعب من جيبه ويقوم بخلطهم جيدًا، لكنه تجاهل حديثها وقام بتوزيع الأوراق حيث وضع ورقتين أمامها وأُخرتين أمامه ثم ترك باقي شلة الأوراق في منتصف الطاولة الزجاجية.

- لو كسبتي همشي ومش هتشوفي وشي تاني، إما بقى لو كسبت أنا هحكم عليكِ وهتعرفي عايز منك إيه؟

قالها نيلان بهدوء وهو يشير لها أن تبدأ اللعب أثناء تعليق نظراته فوق الورقتين التي يمسكهما، فظهر التخبط على ملامحها وشعرت إن عقلها سينفجر من الألم بسبب كثرة التفكير ثم مدت يدها وأستلت الأوراق من فوق الطاولة بعدما حثتها جميلة على ذلك بنظراتها.

- الحكم بكل بساطة إنك .. تتجوزيني.

قالها ببساطة وهو يفتح يده جانبه ويعود بظهره للخلف وكأنه يقدم عرضًا مسرحيًا بعدما هزمها هزيمة ساحقة في ثلاثة أدوار متتالية، فحركت شفا رأسها بطريقة ساخرة منه ورفعت يدها اليسرى المزينة بخاتم زوجها أمام عينه لتخبره بما ترغب في الصراخ به في وجهه.

- جوازك ده مؤقت لحد ما صافي يموت في المواجهة، وده يدخلنا في الموضوع الأساسي مباشر.

قالها نيلان بنبرة هادئة ثم قطع حديثه ومد يده والتقط كوب الماء المثلج من فوق الطاولة، وشربه بأكمله بعدما جف حلقه وصار ينغزه كأشواك الصبار ثم أعاده من جديد، ورفع نظره لها لثواني لأول مرة منذ أن جلست أمامه بعد أن ظل محافظًا على خفض نظره المعتاد، ثم قال بهدوء بعدما خفض بصره من جديد:

- أنا مليش في اللف والدوران، ومعنديش خبرة في الكلام مع البنات، هما كلمتين جاي أقولهم، مش هقول إن اللي حاسه ناحيتك حب، هو إعجاب إحنا لسه منعرفش بعض، بس .. بس إنتِ البنت الوحيدة اللي شغلت تفكيري وخلتني أحس إني عايز أتجوزها .. أنا عايزك تطلبي الطلاق من القيصر علشان ليونار يدافع عنك وأتجوزك.

نهض نيلان بعدما انهى حديثه والتقط مفتاح سيارته من فوق الطاولة، وأخرج من جيبه حاوية نقوده أستل منها أوراق نقدية وضعهم أسفل كوب الماء ثم تحرك للخارج بهيبة كعادته بعدما أخبرها أن تفكر في الأمر.

- أنا لو منك أوافق، الواد قمر الصراحة ومعندوش ماضي قذر وتقيل كده وجنتل، حاجة مبنشفهاش كتير.

قالتها جميلة بتلقائية وهي تنظر في أثره بعدما أمسكت كوب مشروب القهوة المثلجة من فوق الطاولة وارتشفت رشفة كبيرة من العصا البلاستيكية بأنتعاش، فرفعت شفا حاجبيها بدون تصديق ثم قالت بنبرة متشككة وهي تنظر لها بتمعن بعدما هدى لها عقلها تلك الفكرة لتقبل جميلة بذلك فهذه ابنه زوجها! :

- هو ماسك عليكِ حاجة؟ بيهددك صح؟!

- ماسك عليا جوز عيون! إنما إيه!.. قنابل بتقصف قلبي.

قالتها جميلة بنبرة متغزلة فجة وهي تبتسم باتساع وتنظر بشرود وكأنه ترى باسل بكامل هيئته أمام عينيها، فقطّبت شفا جبينها في حيرة لأنها لا تعلم بعلاقتها مع باسل تم توسعت عينها من المفاجأة عندما سردت لها جميلة علاقتها بباسل أخبرتها بشأن تهديد نيلان لها بفضح علاقتها مع باسل لعمها صالح إذا لم تجاريه وهذا ما يريده بالأساس لأنها متلاعبة وسامة فوافقت على ذلك.

- يعني هتسبي أبوكِ يتقتل عادي علشان متخسريش باسل؟!

- أنا بابا اسمه صالح التاني ده يموت ولا يغور في داهية تاخده، بعدين أنا مش بعمل كده علشان تهديد نيلان لإنه أصلا مش هينفذ، أنا بعمل كده علشان فارس وليونار لأن الاثنين غاليين عليا.

قالتها جميلة بنبرة حانقة وهي ترفع ذقنها بطريقة ساخرة ردًا على سؤال شفا الذي خرج بنبرة مستنكرة، فجميلة أخبرتنا عن علاقتها مع فارس وليونار فهم أصدقاء طفولتها مع داغر حيث كانت ترتبط به في علاقة طفولية منذ الصغر، وهي مازلت تحبهما كما هما كذلك، فهي تعلم أن حدث أي شيء لها لن يترُكها أحدهما حتى لو قتلوا وهما يحمونها.

أحببت علاقتهم ببعض، جيد أن يكون هناك شخص لم تعد قريب منه، لا تتحدث معه كثيرًا، لكن تعلم أنه إذا احتاجت إليه سيهرع من أجلك .. شعور الأمان جميل.

أخبرت جميلة أباها إن حمل شفا كان كاذبًا عندما عادتا للمنزل ثم أعطتها هاتف خلوي لتتحدث مع نيلان وتتفق معه لأن زوجها صافي يراقب هاتفها بالطبع.

ظلت شفا تتحدث مع نيلان عبر رسائل تطبيق "الواتساب" لفترة، حاول دفعها مرارًا لتنفيذ الأتفاق لكنها كلما شعرت بالشجاعة تدب بأوصالها وتمسك هاتفها لمحادثة ذلك القيصر ترتخي أعصابها من جديد وكأن طرف حقنة مخدرة أنغرز في رقبتها ونشر السموم في أوردتها.

تعلم إن إذا قُتل ليونار في المواجهة سوف تعود مع صافي وسوف يقتلها ولن يخبره أحد ماذا يفعل؟!
هذا يحدث عادةً عندما تطلب انثى الطلاق وزوجها يربح المواجهة لإنه تحدته، هو بالأساس يقبل بالمواجهة لكي يعيدها إليه ويقتلها لإنها تجرأت وفعلت به هذا! فجميع رجال تلك المملكة القذرة يعتبروا الانثى لعبة يمتلكونها.

_ شفا، أنا عرفت بعلاقتك مع نيلان هو حكالي.

قالتها شهد بنبرة هادئة وهي تحدث شفا في الهاتف باليوم التالي لرحلة المركب عندما علمت من نيلان الأمر، فتصاعدت ضربات قلب شفا وهرب منها صوتها فلم تقدر على الرد عليها، فاستطردت الأخرى:

- أنا عارفة إن عمو صافي اتجوزك غصب عنك، وعارفة إنك صغيرة وعارفة حاجات كتير بس .. بس اللي بيحصل دلوقتي غلط يا شفا، إنتِ لازم تطلبي الطلاق أو تسيبيه لأنك ست متجوزة ودي خيانة.

لم يصل لشهد سوى صوت بكاء شفا الخافت، هي بالأساس كانت تشعر بالذنب الذي يلتف حول رقبتها ويخنقها بحبل سميك وكأن سفّاح دخل بيتها ليلًا وقرر قتلها ليتسلى، تعلم إنها مخطئة، هناك حل ليقتل كل هذا الأثم، لكنها خائفة، خائفة بشدة تريد كل شيء.

تريد الطلاق، والبقاء مع نيلان، تريد شخصًا آخر غيرها يفعل ذلك بدلًا منها، لا تريد الحرب لقد أهلكتها الحروب فكلما أمسكت سيفها استعدادًا للدفاع عن حالها يبتروا لها ذراعها، وتعود تحيكه من جديد بجسدها.

- طيب متعيطيش علشان مش هعرف أجيلك، إحنا عندنا حوار مهم، كل حاجة هتبقى كويسة .. أقول لبابا قاسم يجي ياخدك دلوقتي؟

قالتها شهد بنبرة خافتة لتخرج الأخرى من بئر الذنب العميق التي وقعت بداخله ولم تستطع الخروج، فأخرجت شفا صوت يدل عن النفي من فمها وأغلقت معها الهاتف بهدوء بكلمات مقتضبة

هي آثمة، قذرة، لا تستحق نيلان في حياتها، لا تستحق أن تسعد في حياتها، ليتها ماتت قبل ذلك.

هذا ما فكرت به أثناء بعثها لرسالة إلى نيلان قبل إن تكسر الهاتف وتلقي به بسلة المهملات حيث محتواها:

"أنا آسفة، مش هقدر أعمل اللي إنت عايزه، ربنا يسعدك في حياتك"

حاولت العودة لحياتها الطبيعية خلال الشهرين الماضيين لكنها لم تستطع، لقد تملك منها الحزن وقضى عليها هذه المرة، فهي بالأول تزوجت رجل لا يمكن معاشرته يكبرها بأربعين عام تقريبًا ثم يظهر من العدم فارس أحلامها الجذاب فوق حصانه الأبيض يمد يده لها لكي تصعد خلفه لكنه عندما أمسكت بيده مر كفها من خلال كفه وكأنها أمسكت بشبح فهو ليس حقيقي، هو فارس أحلامها.

والأحلام لا تتحقق.
الأحلام وهم.
الأحلام حبال واهية نتمسك بها حتى نمضي قدمًا، لكننا نفيق في النهاية بفزع ونحن نسقط من فوق جبل شاهق بعدما انقطع الخيط في المنتصف قبل الوصول للقمة.

لم تتحدث معها شهد في الموضوع من جديد لأنها كانت تعلم من ليونار إنه الأمر أصبح عنده ثم قررت في قرارة حالها أن لم يفعل ليونار شيء سوف تستخدم سحر دموعها مع أبيها ليفعل هو المستحيل.

_ نيلان، إنت صاحي؟

قالتها شفا بنبرة هادئة في الهاتف وهي تحادث نيلان فجر اليوم بعدما قام صافي بأبرحها ضربًا لإنه هاتفها عدة مرات وهو بالعمل لكنها لم تجيب عليه لأنها تركت الهاتف في الغرفة ودلفت غرفة جميلة تشاهد معها مسلسل ما، فترك المشفى وعاد لها للمنزل كقنبلة موقوتة باقي لها ثواني معدودة على الأنفجار.

- بتعملي إيه ها؟ أنا مش قولتلك لما اكلمك أي وقت تردي عليا؟

قالها صافي بعدما دلف غرفة جميلة وأمسك مرفق شفا بعنف بعدها انهال عليها الصفعات والركلات وكذلك جميلة لأنها حاولت الدفاع عنها.

- هي عملتلك إيه؟! أقسم بالله هقول لعمي.

- أنتَ بتهددني بعمك يا ابن الـ

قالها صافي بنبرة غاضبة وهو يصفع براء الذي قدم للغرفة ركضًا ووقف حائل بين أبيه وجميلة ثم تحولت نوبة غضبه تجاهه هو بعدما ترك الاثنتين وركز مع الوقح الذي تحداه.

- تعالي ناخد سيلفي ونكتب الـ us التمام.

قالها براء بنبرة مازحة إلى جميلة أثناء تقطيبها للجرح النازف فوق حاجبه الأيسر حيث الاثنين تملأ الكدمات وجههما، فضحكت جميلة وأخرجت هاتفها بسعادة ثم بدأت بالتقاط عدة صور لها مع أخيها.

- خرج خنجرك علشان نعقب.

قالتها جميلة بنبرة مرحة وهي تبحث عن الأغنية التي سوف ترقص عليها مع أخيها ثم تركت هاتفها جانبًا بعدما صدحت منه الموسيقى وجلبت خنجرها ثم بدأت الرقص رفقة أخيها براء بطريقة لا تليق بفتاة من المفترض إنها طبيبة وقورة.

انسحبت شفا من الغرفة بهدوء فقد كانت روحها تصرخ بالداخل، لقد طفح الكيل، لذا هاتفت نيلان لتنتقم من زوجها بخيانتها معه بسبب نِيران الأنتقام التي نشبت داخلها من العدم ووسوسة الشيطان الذي أحكم سيطرته على عقلها.

_ أصحالك يا شفا .. حتى لو نايم أصحالك، مالك.

قالها نيلان بنبرة خافتة مطمئنة ليخرجها من شرودها في ما حدث معها منذ قليل، فلم تتمالك حالها وانفجرت بالبكاء، ثم سردت عليه كل شيء حدث معها، شَكَت حالها له، شكت له من دنياها، وبعدما هدأت قليلًا بدأت بقص عليه أشياء حمقاء - كما تقول- عن بطل المسلسل وعن مقطع على الإنترنت لأنس الجندي يجرب مطعم في محافظة أخرى، وعدة أشياء أخرى.

- كان عندي وأنا صغيرة عروسة اسمها "ملك" كانت لابسة فستان أحمر وطاقية حمراء، كانت جميلة اوي، بعدين اتقطعت وبقت حالتها يا عيني تصعب على الكافر فغيرت اسمها وخليتها "أحمد"، المهم الواد احمد ده كان الجامد بتاع الدباديب وكان متجوز مارلين منرو بتاعة العرايس كان اسمها ساندي.

- وإيه كمان؟

قالها نيلان بنبرة خافتة تعقيبًا على حديث شفا الذي خرج بتلقائية، فارتجف جسد شفا بقوة وكأن جسدها أصابه زلزال عاتًا وانحبست صرخة داخل حنجرتها بعدما وقع بصرها على نيلان الذي قال جملته وهو يقفز من الأعلى لمنتصف شرفتها حيث تجلس بأرضية الشرفة وترتدي إسدال الصلاة لأنها لا تخرج من دونه للشرفة.

- قبل ما تنهاري زي المرة اللي فاتت لو فتحتي بوقك أنا وإنتِ هنتقتل وقتي .. أنا آسف يا شفا بس إنتِ اللي اضطرتيني أعمل كده.

أضافها بنبرة حزينة وهو يقترب منها ثم جلس على ركبته أمامها حيث تفتح ثغرها برعب وهي تنظر له ببؤبؤ عين متحجرين بعدما قال جملته الأولى بنبرة خافتة محذره وهو يرفع إصبع يده أمام شفتيه دلالة على أن تصمت وهو ينظر لها بثبات حتى لا تصرخ.

- نينا هوه يا حبيبي.

قالها نيلان بنبرة خافتة وهو يخرج من جيبة بخاخ مخدر ويقوم بنثر رذاذه في وجهها لتفقد الوعي على الفور في مكانها بعدما كادت أن تصرخ.

_ إنت هتعمل فيا إيه؟! أنا كنت متأكدة إنك مش كويس، حسبنا الله ونعم الوكيل.

قالتها شفا بنبرة عالية صارخة في وجهه عندما استفاقت بسيارته ونظرت حولها ولم تجد أي شيء سوى رمال الصحراء حيث صف نيلان السيارة في مكان ناءٍ، فأخرج نيلان صوت ساخر من فمه وهو ينظر أمامه ثم حرك بؤبؤ عينه فقط مع إمالة رأسه ناحيتها وقال بتهكم:

- أنا جايبك هنا علشان تنهاري براحتك ومنتفضحش علشان خلاص يا شفا مبروك عليكِ المواجهة.

- أقسم بالله؟ طيب كنت قول من بدري.

قالتها شفا بنبرة هادئة وهي تنظر له ببلاهة قبل أن تنفجر بالصراخ والنحيب وهي تضرب وجنتها في حركة شعبية لتخرج كل الخوف الذي يتراقص داخل قلبها؛ وعندما انتهت ذهب بها لمتجر ملابس كي ترتدي شيء ما غير ملابس الصلاة ليذهب بها للشركة.

__________________________𓂀

هبطنا من المصعد بعدما عدنا للسكن وابتعت لشفا الحلوى التي كانت ترغب بها، فضرب أنفي رائحة عطر نيلان المميز قبل أن يقع بصري عليه يجلس فوق الدرج الصاعد جانب باب الشقة المغلق ثم نظر لشفا بابتسامة خرجت من عينه قبل فمه.

- عايز أتكلم معاكِ.

قالها نيلان بنبرة هادئة إلى شفا بعدما نهض من مجلسه ونفض الغبار الذي التصق بملابسه السوداء ثم حمل صندوق ورقي خاص بالهدايا من الدرجة خلفه واقترب منها حتى توقف أمامها مباشرة فظهر فارق الحجم بينهما، حيث إنها صغيرة مقارنةً بجسده الطويل ذو العضلات البارزة.

- متقولش إن في مصيبة؟!

قالتها شفا بنبرة مرتعدة وهي تنظر للأعلى قليلًا حتى يقع بصرها عليه بعيون متوسعة فحرك رأسه نافيًا بالتزامن مع تحركي تجاه الباب، ثم أدخلت يدي داخل حقيبة يدي وحركتها قليلًا لأسمع صوت صلصلة المفاتيح وأعثر عليها بسهولة بعدما ألقيته بالداخل في إهمال كامل، وضعت المفتاح بموضعة ثم فتحت الباب ودلفت للداخل.

- يا بنات في راجل معايا، الكل يستخبى.

قلتها بصوت عالٍ بعدما دلفت لمنتصف المنزل فركضت جميع الفتيات الآتي معي بالسكن إلى غرفهن ثم عدت من جديد لهما وأذنت لنيلان بالدخول حتى يتحدث معها بأريحية.

دلفت المطبخ لأصنع له شيء يشربه فشعرت بالسعادة لأنني سمعت صوت تكة انتهاء غلاية المياه لتدل عن فراغها من الغليان حيث إن إحدى الفتيات كانت على وشك صنع كوب من الشاي المنعنع.

مرحى! هيا يا نيلان لتشرب شاي منعنع.

صببت الماء في الكوب المحضر بالفعل مع صدوح ضحكة شريرة داخلي كالتي تشبه خاصة ليونار بسبب سرقتي لمشروب الفتاة ثم دلفت للشرفة حيث يجلس نيلان فوق المقعد البلاستيكي ينظر للأشجار بهدوء.

هل تأخرت؟
تبًا، يا الله، أرغب في سماع ما كان يقوله!
أنا لم أتأخر سوى دقيقتين.
انطق .. انطق .. انطق.

رددتها داخل عقلي بعدما جلست على الأرجوحة التي تشبه عش العصفور وثبّت نظراتي عليه وكأنني أجبره بطريقة سحرية على النبث بما يرغب في البوح به.

تبًا، قل شيء ما، أنا أكاد أجن من الخوف هنا!!

- ليه تعبت نفسك بس، مكنش له لزوم خالص.

قالتها شفا بنبرة مرحة وعيناها برقت بشدة بعدما فتحت الصنوق وأخرجت منه المقرمشات التي كانت تتحدث عنها حيث إنه وعاء بلاستيكي يحتوى على مقرمشات صفراء، ثم فتحتها ودست يدها بالداخل أخرجت واحده ووضعتها في فمها بتلذذ وحماس ينافي حديثها السابق، ثم تركتها وشهقت بمفاجأة عندما وقع بصرها على وعاء زجاجي يحتوي على مقرمشتها المفضلة كطفلة صغيرة أحضر لها أبيها الحلوى وهو عائد من العمل.

- الكلام ده ليا؟!

قالتها شفا بنبرة غير مصدقة بعدما قرأت ما بداخل الورقة التي فكتها برفق حيث كانت معلقة برابطة بنفسجية اللون ملتفة حول الوعاء، ثم ارتمت على المقعد خلفها وهي تترك يدها لتسقط جانبها وكأن أصابتها نوبة قلبية بعدما حرك نيلان رأسه بالموافقة على سؤالها السابق.

تبًا، إنها حقًا فتاة ثقيلة!
تذكرني بحالي عندما تقدم لي مراد، لقد بقيت يوم كامل أطلق الزغاريد من فمي وأنا أعلم إنه يقطن بالغرفة فوقي مباشرة وكأن ملك تقدم لخطبتي، تبًا!!
أنا لا أرغب في مقابلة ماليكا القديمة من جديد!

ارتفعت ضحكات نيلان الرجولية عليها وهو يحرك رأسه بدون تصديق ثم حمل صنوق آخر من فوق الطاولة واستدار نصف استدارة بجسده حتى وقع بصره عليَّ ومد يده لي بها.

فتحت الصندوق الورقي فوجدت بالداخل حلوى "التراميسو" ووفوقها تقبع ورقة ملتفة حول حالها، فتحت الورقة وقرأت ما بداخلها:

"ربما لن نرى بعضنا البعض ثانيًا، لذا أرغب في قول:
سحقًا لكِ قاسية الفؤاد، للجحيم أنت ولنساء العائلة"

تبًا لك أيها الوغد المختل المنفصم الوقح المدبلج، أنا مازلت غاضبة من ما فعله معي أمس بسبب مقلبه لي بانتحار بطل الرواية، لكن حسنًا، لقد سامحتك أيها الوغد بسبب تلك الحلوى.

لماذا لا يجلبوا لي طبق أم علي بدلًا من الكرواسون وتلك الحلويات؟!
حسنًا، هذا متوقع من ليونار لإنه لا يعلم ماذا أحب؟ لكن بالله مراد لماذا لم تجلب لي حلوى أم علي؟!
تبًا، لماذا لم تضع معلقة بالداخل أيها المدبلج!

نظرت إلى نيلان الذي يجلس بهدوء في وضع يوحي بأنه سوف يتحدث بشيء هام، ثم عدت بنظري للحلوى التي تقبع بين يديَّ، أرغب في سماع ما سيقوله، وأرغب في تذوق تلك الحلوى، إنها تتحدث معي.

هيا ماليكا، تذوقيني .. تذوقيني .. تذوقيني، أنا لـذيـذة.

تيك توك .. تيك توك.
الوقت يمر، فضولي أم معدتي؟

وقفت من مجلسي بتعجل ثم ركضت للداخل بأقصى سرعة لديَّ حتى وصلت للمطبخ، أحضرت شوكة وعدت من جديد لمقعدي ألهث وصدري يعلو ويهبط بفعل المجهود الذي بذلته.

دسست الشوكة داخل طبقات الحلوى ورفعتها إلى فمي متجاهلة نظرات شفا التي تنظر لي وكأنني قرد متكلم ونيلان الذي يحاول كبت ضحكته، لكن تبًا أن الحلوى تستحق؛ لماذا لا أمتلك منزل مصنوع من الطعام؟

عندما خذلني الجميع لم يخذلني الطعام، الوحيد الذي يتقبلني بجميع حالاتي، حزينة، سعيدة، أو غاضبة، يفتح ذراعيه على وسعهما ويستقبلي بالداخل بكل حب.

حسنًا، هذه عبارة جيدة سوف أقوم بنشرها بعدما انتهي على حساباتي.

- أنا جاي أقولك إني آسف يا شفا، أنا لازم أفكر في كل الأحتمالات، لو ليونـ .. لو صافي كسب النهاردة لازم تعرفي اللي هيحصل.

قالها نيلان بهدوء بعدما بتر عبارته الأولى وكأن لسانه يرفض فكرة هزيمة ليونار وهو يثبت نظراته على طائر يقف فوق شجرة أمامنا ويتنقل بحرية من غصن لغصن وكأنه يمتلك العالم أجمع بين جناحيه، ينظر له نيلان بتمعن وكأن يرغب في سرقة حياته لحاله، وكأنه يحسده على الحرية، أو يحسده على إنه مازال يمتلك جناحان بينما هو تم قص خاصته فلم يعد يستطع الطيران من جديد.

- لو ليونار حصله حاجة الدنيا كلها هتولع، حرب هتحصل في المملكة وأنا هقتلهم كلهم، فأنا آسف مش هرجع تاني، بس اتفقت مع عماد على كل حاجة إنتِ هتبقي كويسة هتسافري.

- هبقى كويسة منغيرك؟! أنا بقيت كويسة علشان إنت دخلت حياتي!

قالتها شفا بدون تصديق وهي تترك الوعاء الزجاجي فوق الطاولة البلاستيكية فأصدر صوت عالي كأنفجار خافت مثل الذي حدث داخل صدرها بعدما توقفت يديها الحاملة لحبة المقرمشات في المنتصف قبل إن تصل لفمها ثم تركتها من جديد عقب حديثه.

رفع نيلان رأسه للأعلى للسيطرة على مشاعره التي داهمته، وتحركت المنطقة بمنتصف عنقه لتدل عن ابتلاع الغصة داخل حلقه قبل أن يقول بصوت مختنق من أثر كتم البكاء حيث إنه من النوع الثقيل الذي لا يظهر ضعفه بسهولة:

- شفا القرار ده مش وليد اللحظة، لما كنت صغير قررت أقتلهم كلهم علشان كده أتدربت كتير وخدت قرار إني ابقى أقوى حد في المملكة، بس بعد كده لما بقيت مع ليو حسيت إنه محتاجني فغيرت رأيي وفضلت معاه ومع شهد، حاولت انسى اللي حصل.

فتح عينه وعاد برأسه من جديد بعدما تحولت نظرته الحزينة لأخرى قاتمة وأحتلته هالة سوداء وكأنه الشر متجسد أمام أنظاري ثم نظر لها وقال بنبرة جامدة:

- زمان خدوا مني أكرم وقتلوني وسكت بس لو خدوا مني ليونار هحرقهم كلهم.

تقافز الخوف من مقلتي شفا ومرت رعشة طفيفة في جسدها من هول ما تسمع، فأغمض نيلان عينه لثواني عندما لاحظ ذلك ثم نهض من مجلسه ورفع سترته من الأسفل لتظهر عضلات معدته بالكامل بعدها أشار لأثر ندبة بجانبه مازلت أثرها موجود قبل أن يقول بهدوء:

- هما قتلوني زمان، بس إنتِ حيتيني من تاني يا شفا، أنا بحبك .. فربما لن نرى بعضنا البعض من جديد وربما أعود لكِ لاستمع إلى باقي حكايات الدمى خاصتكِ، وأتزوج بساندي أجمل واحدة بين النساء.

أضافها وهو يبتسم بسمة متلاعبة وهو يرمي بالحديث ليخبرها بطريقة غير مباشرة إنها أجمل النساء قبل إن يرحل من المكان ويتركها تجلس مشدوهة من ما سمعت.

- هو إيه كلام سبيستون قناة شباب المستقبل ده؟!

أضافتها بنبرة ساخرة بسبب حديث نيلان الذي تحول للغة العربية الفصحى في المنتصف، ثم ابتسمت باتساع بسمة بلهاء تحولت لضحكة عالية لتذكرها إعترافه لها بالحب متجاهلة باقي الحديث ثم أستلت الوعاء الزجاجي من فوق الطاولة وبدأت بأكل المقرمشات من جديد.

__________________________𓂀

دعست على دواسة المكابح فصدر صوت صرير احتكاك عالٍ كصرخة امراة تهاجمها مجموعة من الضباع بمنتصف الصحراء القاحلة بعدما توقفت فجأة أمام المشفى، منذ عشرة دقائق تقريبًا علمت شفا بشأن قتل زوجها على يد ليونار وإصابة الآخر إصابة بالغة ربما لن ينجو منها عن طريق رسالة بُعثت بواسطة جومانا.

فسحبت شفا غطاء رأسها بدون تفكير وركضت للأسفل لتبقى بجوار نيلان، فلحقت بها بعدما جاهدت في السيطرة على نوبة الهلع التي حاولت مداهمتي وصعدت للسيارة ثم قدت بأقصى سرعة لي على الأطلاق حتى وصلت للمشفى.

هبطت من السيارة بسرعة أمام العديد من رجال المامبا كبار السن قليلًا، علمتهم من ملابسهم السوداء، فقد صرت خبيرة بعالمهم القذر، ثم مررت من أمام عدد من الرجال الذين يرتدوا ملابس غريبة وتظهر من ملامحهم أن جنسياتهم متعددة، شعرت برجفة خفيفة سرت بجسدي بسبب نظراتهم الموجهة نحوي بثبات وكأنهم قطيع من الموتى الأحياء ينظرون إلى فريستهم التالية قبل إن ينقضوا عليها ويغرزوا أسنانهم بجسدها لتتحول مثلهم.

- مرحبًا جلالة الملكة المستقبلية، تعالي معي سوف أوصلكِ لغرفة عمليات أنوبيس، إنه مازل بالداخل، لكن لا تقلقي نحن جميعًا نصلي من أجله.

قالها ذلك الرجل المدعو "ريبير" الذي قابلته في الملهى بالساحل عندما كنت رفقة الفتيات بنبرة هادئة لكنني شعرت إنها مسممة بالسخرية بعدما تقدم ناحيتي ثم أشار لي أن أتبعه، ففعلت ذلك على الفور، أنا ليس لدي وقت كي أبحث عن غرفة ليونار في الداخل.

هل قال جلالة الملكة المستقبلية؟!
نصلي من أجله!!
مرحى! المعجزة ستحدث في الحال!!
إنه من الأشخاص الذين لا يُرفض لهم دعاء، الفتى جيد للغاية!
حسنًا ماليكا لا داعي للسخرية الآن، تبًا قلبي صار يطلق نكات من شدة الخوف!

دلفت لداخل المشفى فداهمت عقلي رائحة المرض، الأدوية، التعقيم، والمعطرات، تقافز قلبي داخل صدري ودوى صوت نحيب عالٍ شعرت به، يريد أن يخترق صدري ويفر هاربًا، جدران المشفى تضيق بثبات كلما توغلت في الرواق، أسمع صرخات المرضى المدفونين بالداخل، يمدون لي أذرعتهم ليسحبوني معهم، وكلما تقدمت صرت قريبة من الأمساك بي لأحبس بالداخل مثلهم.

❞ وَكَم لِلّهِ مِن لُطفٍ خَفيٍّ
يَدِقُّ خَفاهُ عَن فَهمِ الذَكيِّ
وَكَم يُسرٍ أَتى مِن بَعدِ عُسرٍ
فَفَرَّجَ كُرْبَة القَلْبِ الشَجيِّ" ❝

خرج صوت الأبتهال من صوت المذياع بغرفة أمي بالمشفى عندما دلفت للغرفة كأول شيء أشعر به قبل أن تتضح الرؤيا على مهل بسبب ضوء الشمس المشع من الشرفة وإنعكاس أشعتها على عيني مما جعلت الرؤيا تتبدد.

❞ وَكَم أَمرٍ تُساءُ بِهِ صَباحاً
وَتَأتيكَ المَسَرَّةُ بِالعَشيِّ
إِذا ضاقَت بِكَ الأَحوالُ يَوماً
فَثِق بِالواحِدِ الفَردِ العَلِيِّ ❝

نظرت إلى أمي الجالسة فوق الفراش بهدوء تردد الأبتهال بتناغم وهي تعطيني ظهرها وتنظر للخارج من خلال الشرفة، دققتُ في معالمها بتعمق جعلني أشعر بأن صدري شُق نصفين بواسطة خنجر سام من الألم.

ملابسها متهدلة وكأنها تسبح داخلها بسبب فقدانها الكثير من وزنها في فترة قصيرة، التمعت فروة شعرها بفعل تخلل الشمس لها بسبب تساقط شعرها الذي لم يبقى منه سوى القليل، صوتها متعب، وكأنه الكلمات تخرج من وتر واحد بحلقها كمحارب وحيد بقى واقفًا في المعركة وسط أجساد باقي الجيش المتناثرة حوله.

_ وَلا تَجزَع إِذا ما نابَ خَطبٌ
فَكَم لِلّهِ مِن لُطفٍ خَفيِّ.

قالتها أمي بابتسامة واسعة بنبرة محببة سعيدة وكأنها تمتلك العالم بما فيه بعدما التفتت ووقع بصرها عليَّ، فحاولت السيطرة على دموعي وأمرتها إن تبقى بالداخل ثم قلت لها بنبرة جاهدت أن تخرج سعيدة:

- شكلك مبسوطة النهارة اوي، إيه جالك عريس وهتعمليها ولا إيه؟

- جاتلي رسالة فرحتني، ربنا يسعدك ويحميكِ دايمًا، أنا تركتك لمعية الله وربنا طمن قلبي، الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه.

قالتها بنبرة هادئة ممتنة والدموع تلمع في مقلتيها وهي تضع كفها الناعم الرقيق حول صفحة وجهي بعدما جلست بجانبها، فتحرك بؤبؤ عيني على الكومود حيث يقبع ظرف بني اللون قبل أن أضمها برفق.

_ ابلغ عزيزًا فى ثنايا القلب منزله
إني وأن كنت لا ألقاه، ألقاه

وإن طرفى موصول برؤيته
وإن تباعد عن سكناي سكناه

يا ليته يعلم إني لست أذكره
وكيف أذكره إذا لست أنساه؟!

قالتها أمي بنبرة رخيمة متقنة حيث تجيد إلقاء الشعر بطريقة تجعل الكلمات تنسكب من فمها إلى قلبي مباشرة، فابتسمت بهدوء وضممتها من جديد بعدما تجمعت الدموع داخل مقلتيّ لظني إنها تودعني بطريقة غير مباشرة عن طريق أبيات الشعر لشاعري المفضل "المتنبي"

- دي أمانة كان في حد عايز يوصلها ليكِ.

قالتها أمي بنبرة ضاحكة وهي تنظر تجاه الرسالة الموضوعة فوق الكومود بطرف عينها، فتقلصت المسافة بين حاجبيَّ بدون فهم، فقالت بنبرة مازحة بعدما تهلل وجهها بسعادة أنارته:

- بيعترفلك بحبه، بس الواد شكله واقع اوي.

- هو مين ده؟!

قلتها بنبرة مستنكرة وأنا أمد يدي ناحية الكومود وأستل الرسالة من فوقه بفضول سيطر عليَّ كالمنومة مغناطيسيًا لكن قبل إن أفتحه انتشلت أمي الظرف من بين أناملي وقالت بنبرة جامدة مازحة:

- الرسالة ليا، دي خصوصيات يا ليكا، ومش هقولك مين، إنت هتعرفي لوحدك لما تقابليه.

_ إنه بآخر الرواق جلالتكِ.

قالها ذلك المدعو "ريبير" بنبرته الهادئة الحاملة السخرية وهو يشير ناحية الرواق بعدما توقف في مقدمته ليخرجني من ذكرياتي التي سحبتني إليها كأمواج البحر التي غرقت بين أحضانه فجأة.

مررت أمام أخوة ليونار من المامبا الذين يجلسون أرضًا على طول الرواق بوجوه مغبرة يحتلها الحزن، ونظرات تائهة لطفل يبحث عن أبيه وسط الجموع، ودموع مقيدة بأغلال ثقيلة في عيون البعض.

تركت شفا ذراعي الذي كانت تحتضنه وركضت إلى موضع نيلان الجالس فوق الأرض العارية البيضاء جانب باب غرفة العمليات يستند بمرفقيه فوق ركبتيه ويسقط رأسه بين كفيه ويشدد على خصلات شعره، فجلست شفا بجانبه بعدما تركت مسافة بينهما، فرفع نيلان رأسه لها عندما شعر بها حتى وقع بصره عليها وتحررت دمعة من عينه وكأنه يخبرها بمدى خوفه الذي يشعر به حاليًا.

بعثرت نظراتي على الجميع، باسل يبكِ بعنف بين ذراعي يعقوب الذي تغلف الدموع المحبوسة مقلتيه، فارس لا يختلف عن الآخر شيء سوى إن صوت بكائه عاليًا وصدره يعلو ويهبط بعنف يوحي بأن قلبه على وشك التوقف بين ذراعي أبيه قاسم الذي يضمه له بقوة ويرتسم الخوف والحزن على وجهه مع ارتعاش جفنيه بطريقة توحي بأن داخله ينهار كعمارة قصفت بصاروخ أحالها لفتات.

يجلس عمه هارون جانبه كالموتى على الأريكة المعدنية ينحني للأسفل وهو يتكأ بكلا ساعديه على ركبتيه، كفيه متخضبان بالدماء وكذلك قميصه، يثبت نظراته على كفه المصطبغ باللون الأحمر ونظرة عينه توحي إنه ليس معنا، يبدو وكأنه انحبس داخل كابوس، لا، بل ذكرى حية في حياته الماضية، يمر بنفس الرعب، قلبه يتزلزل، يحاول الخروج لكنه لا يستطيع فقد جثمت الذكرى فوق عقله.

في الناحية الأخرى تجلس نفرتاري أم ليونار بجلسة وذهن لا يختلفان عن هارون لكن شتان بما يدور في ذهنهم، هناك بسمة هادئة تزين وجهها الشاحب ونظرة عينها توحي بأنها ترى ذكرى سعيدة لها مع ليونار، ربما تراه وهو في الثانية من العمر يبتسم لها بمشاغبة وهي تطعمه في فمه؛ حبست حالها داخل ذكرى سعيدة للهروب من الواقع المرعب الذي تعيشه.

يجلس جانبها ذلك المدعو حاوي يستند بظهره للخلف يبدو هادئ لكن حركة قدمه من الأمام حيث يرفع أول قدمه للاعلى والأسفل توحي بأنه متوتر ويحاول السيطرة على انفعالات جسده الذي على وشك الأنفجار.

تجلس جانبها كوبرا من الناحية الأخرى ترتدي ملابس سوداء وشعرها قصير يشبه قصة الرجال تنظر بشرود للحائط أمامها لكن هناك بريق أمل في عينيها تتمسك به، علمت من غزل إن هناك مامبا امرأة وحيدة في المملكة وهي كوبرا المامبا الحامي لنفرتاري عندما كنا نتحدث عن البطولات التي فزتُ بها ثم تطرق الحديث عن نفرتاري وقوتها العاتية حيث كانت منذ صغرها تعتبرها مثلها الأعلى ثم كوبرا.

تحركت من موضعي عندما وقع بصري على غزل التي ترتدي سترة سوداء واسعة وتضع قلنسوة فوق رأسها لا يظهر وجهها من خلالها حيث تدفن حالها بالسترة لكن إهتزاز جسدها الطفيف يعبر عن بكائها من الأسفل.

- مقدرتش أنقذه يا ماليكا.

قالتها غزل بنبرة منتحبة بعدما جلست بجانبها وضممتها إليَّ وهي تنظر لي بدموع تدفق من مقلتيها كالسيول ثم بدأت شهقاتها ترتفع تباعًا وتغمغم بما حدث بعدما نظرت لها بدون فهم.

كانت غزل تجلس بالصف الثالث جانب جميلة تتابع المواجهة وهيدا تجلس في الصف الذي يسبقها على بعد قليل منها، ثم نهضت من مقعدها وهبطت للصف الأول وبدلت مقعدها مع أختها أثينا لكنها لم تبقى كثيرًا في مقعدها ونهضت من جديد وبدلت مقعدها مع فتاة أخرى ثم نظرت بتمعن من خلال جلستها للحلبة فشعرت غزل أن هناك شيء ما يحدث غير طبيعي.

نهضت غزل من مقعدها وجلست في المقعد خلف خاصة هيدا بنفس الصف الثالث لتراقب ما يحدث وتحاول معرفة ما يدور بذهن الأخرى لكنها لم تلبث إن تفكر في سبب انتقال هيدا حتى رأتها تخرج خنجر من حذائها الجلدي العالي فعلمت على الفور ما يحدث فأخرجت خنجرها وألقت به تجاهها حتى استقر بمنتصف ظهرها ووقعت فوق الأرض تلهث وتأن ألمًا.

لكن كان رد فعل غزل متأخر للغاية فهيدا ألقت بخاصتها في نفس الوقت فاخترق الخنجر قدم ليونار كذلك، كانت هيدا الخرقاء - كما تقول غزل- تظن إنها يمكنها أن تنفذ من بين أيدي الجميع، فهي لم تقتله فقط كانت تنتقم منه لما فعله معها عن طريق عرقلة سير المباراة، وبالطبع سوف تضيف بعض الفلفل للحدث وتخبر أشياء عن ليونار لم تحدث.

- أقسم بالله ما هسيبها، أما نشوف هتعيش ولا لا؟

قالتها غزل بنبرة جامدة بعدما انتهت من سرد ما حدث وهي تنظر أمامها بقتامة على الرغم من صوتها المتهدج من أثر البكاء ودموعها التي تبلل وجنتها، حركت رأسي بالأيجاب فقط لتهدأ ثم ضممتها لي من جديد وبدأت أربت على ظهرها.

خرج خوفو من الغرفة التي أمامي يحمل سطلين خشبين في كل يد واحد فارغ والآخر ممتلئ بالماء، وضع الفارغ أسفل يد هارون مباشرة والآخر جانبه ثم جلس على ركبتيه أمامه وأمسك الوعاء البلاستيكي من داخل السطل الفارغ، وبدأ في سكب الماء فوق يد هارون بيد وبالأخرى يحك الدماء المتجمدة فوق كفه برفق حتى صارت نظيفة، ثم خلع السلسال المتدلي من رقبة هارون والمتخضب بالدماء من الشيء الذهبي المعلق بأسفلها والذي لم تتضح معالمه ثم وقام بغسلها جيدًا ثم ألبسه إياه من جديد.

جاء عبدالرحمن يحمل في يده قميص قطني أسود اللون وضعه فوق كتف خوفو وأخذ السطلين ودلف للغرفة من جديد، فبدأ خوفو بفك أزاز قميص هارون الشارد بالكامل حيث لا يشعر بشيء من ما يحدث معه ثم بدّله بالقميص النظيف.

- بابا.

قالها خوفو بنبرة هادئة وهو ينظر لوجه هارون ويمسك بيده بعدما جلس على ركبته أمامه، فانتفض جسد الآخير بحركة خفيفة بعد ثانيتين من هتف خوفو باسمه وكأن صوته وصل له متأخرًا وبعيد ليخرجه من كابوسه الذي كان على وشك قبض روحه.

- يلا نصلي وندعي له مع بعض؟

قالها خوفو بنبرة حنونة فحرك هارون رأسه بالأيجاب وقام من مجلسه ودلف الغرفة التي أمامي، فنهضت من مقعدي بعدما تذكرت آذان الفجر الذي صدح وأنا في طريقي للمشفى.

- بتدوري على حاجة؟!

قالها رائف بنبرة ثقيلة مخدرة وكأنه أجبر شفتيه على الحديث بعدما نهض من فوق الأرض وتقدم مني حيث كنت أبحث بعيني عن مكان المرحاض وكذلك مكان كي أقضي صلاتي به.

- عايزة أصلي الفجر.

قلتها بنبرة خافتة فحرك رائف رأسه بالأيجاب ثم أشار لي كي أتبعه فتحركت خلفه حتى آخر الرواق وتوقف أمام غرفة خاصة بالمرضى فارغة، فتح الباب ثم قال لي بهدوء:

- ادخلي مفيش حد جوه، لو عوزتي حاجة نادي عليا.

حركت رأسي بالإيجاب وحاولت الأبتسام له بامتنان لكن وجهي تمرد عليَّ ولم تتحرك سوى رعشة خفيفة بمنتصف وجنتي ثم دلفت للداخل ومنه إلى المرحاض رفعت أكمام سترتي وخلعت الجوارب ثم فتحت الصنبور ووضعت يدي أسفل الماء.

شعرت بوخز داخل عقلي وتوقفت يدي لثانية عن العمل أسفل المياه المتدفقة بعدما احتلني شعور غريب لا أفهمه، كأن عقلي يحاول أن يوصل لي رسالة ما لكنه مشوش بسبب الأضطراب الذي أشعر به، شيء مثل عندما أدلف لشقتي وأشعر أن هناك شيء ليس بوضعه ثم بعد عدة ساعات أعلم أن خالتي غيرت مكان إحدي المزهريات وأنا بالخارج فيما بعد.

تبًا، هذا ليس وقت تلبس دور المحقق بوارو في روايات أجاثا كريستي.

خرجت والماء يتساقط من شعري بعدما جففت ذراعي وجهي بالمحارم وتركته، وجدت منشفة بيضاء مفرودة فوق الأرض بزاوية وأمامها زجاجة مياه ليدل على موضع القبلة وعلى الفراش يقبع وشاح أسود يمكنني تغطية به رأسي، فعلمت أن رائف أحضرهما حيث تنبعث رائحة عطر رجالي من الوشاح ليدل على إنها يخص أحد أخوته .. إنه لطيف للغاية.

وضعت غطاء الشعر فوق رأسي ووقفت فوق المنشفة، رفعت يدي وبدأت صلاة السنة.

- يا رب.

هتفت بها بشفة مرتعشة بعدما سجدت كما أفعل دائمًا حيث أحب الدعاء في السجود، لكنني لم أستطع طلب شيء توقف الكلام في منتصف حلقي، بدأ جسدي يرتعش بالكامل قبل أن أنفجر في البكاء بعنف وكأن ما حدث هو هزة الكرة الأرضية لتنبأ عن كارثة كونية قادمة بسرعة.

لا أعلم ما الذي يحدث لي؟
كل شيء داخلي مشتت.
كل شيء داخلي يصرخ.
كل شيء داخلي يبكي، وكأنني قميص مبلل يتم تجفيفه داخل مِغسلة، لم أبكي بذلك العنف منذ إن توفيت أمي.

_ يارب ياذا الجلال والإكرام أريني عجائب قدرتك في تحقيق ما تريده روحي ولا أعلمه، اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك وحبيبك ونبيك سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم صلاة أهل السماوات والأراضين عليه، واجري يا مولانا لطفك الخفي في أمري وارني سر جميل صُنعك في ما آمُله منك يا الله يا سميع يا قريب يا مجيب يا رب العالمين.

قلتها بنبرة راجية بعدما استطعت التحكم في شهقاتي لأكمل الصلاة ثم انهيت صلاتي وجلست بمكاني بهدوء والدموع تتساقط من عيني بوتيرة ثابتة وكأنها قررت عصيان أوامري أو إنها تحاول التوقف لكن لا تستطيع، لكن الجيد عيني فقط هي ما تبكي لكن قلبي عاد لوتيرته الطبيعية.

- عملته ليكِ، اشربيه علشان زورك.

قالها رائف بنبرة هادئة وهو يمد لي بكوب ورقي يحتوي على مشروب أعشاب الينسون بعدما فتحت الباب ووجدته يقف أمامي عقب استجماعي لقوايا التي خارت وتبعثرت كقلعة رملية ضربتها موجة بحر، حركت رأسي بالموافقة ومددت يدي أخذته منه فمر دفء الكوب ليدي حيث الجو الآن بارد قليلًا في المكان فنحن بالخريف.

حسنًا، هذا متوقع لقد كنت ابكي بعنف لذا الجميع سمع ذلك، لكنني كنت أبكي لم أصعد إلى خشبة المسرح كي أودي فقرة غنائية، بحق الله لماذا لم تجلب لي كوب شكولاتة ساخنة يرفع هرمون السعادة داخلي؟!

تبًا، لقد عادت القطة ناكرة الجميل من جديد!

- متخفيش، ليونار هيقوم أنا متأكد.

- بإذن الله، شكرًا يا رائف على تعبك.

أضفتها بنبرة هادئة تعقيبًا على حديث رائف الذي خرج بنبرة مؤكدة واثقة لا أعلم من أين أتى بها على الرغم من الدموع التي غلفت عينه بمجرد ذكر اسم أخيه وكأن قلبه ارتجف بالداخل، ثم خطوت خلفه وعدت من جديد جلست جانب غزل التي توقفت عن البكاء وتجلس تحرك يديها بتوتر.

خرج إحدى الممرضين من غرفة العمليات بوجه قلق ثم ركض باقصى سرعة لديه في الرواق، فانتفض الجميع من ما يحدث حيث إن الأمر يبدو غير مبشر بالمرة، حبس الجميع أنفاسهم حتى عاد الممرض من جديد يحمل أكياس دماء ودلف للغرفة.

تبًا، إنه فقد الكثير من الدماء.

- يا الله يا ذا الجلال والإكرام أرفع عنه من أجل الجميع.

رددتها داخلي بقلبي وليس بلساني بعدما أغمضت عيني ثم فتحتها عندما شعرت بحركة غير طبيعية تحدث فقد توقف رائف جانبي مباشرة وكذلك نهض ذلك المدعو بكر ووقف أمام شفا بعدما أبعد نيلان عنها أكثر وكأنه يخبئها.

مسح المدعو موسى بأنامله دمعة فرت هاربة من عين قاسم برفق بعدما تلاشى ثباته عقب خروج الممرض من الغرفة حيث إنه كان يقف جانبه مباشرة، وكذلك فعل يعقوب مع باسل الذي اعتدل في جلسته بثبات.

- لم يخرج أنوبيس بعد؟!

قالها ذلك المدعو هاديس بنبرة قلقة بعدما تقدم ناحيتنا، فتجمدت بموضعي بعدما قرر جسدي لعب دور مفيد في تحوله إلى شجرة برتقال بعدما وقع بصري على شمس الزناتي الذي تقدم رفقة هاديس ويرتدي معطف أبيض خاص بالأطباء ثم شعرت بأن قلبي يطلق جميع السباب الذي يعلمها في وجهي عندما تقابلت نظراته القاتمة مع خاصتي لثانية بسبب الرعب الذي وضعته به.

تبًا لكِ ماليكا!
أقسم أن اترك جسدك وأذهب بدون رجعى.
يا إلهي لماذا من بين كل أجساد البشر لا يكون من نصيبي سوى تلك الحمقاء؟!

تبًا لقد صار قلبي الآن ملك دراما مثل ليونار!!
أي عدوى تلك أصابتني!
حسنًا ماليكا، لنرحل من هنا.

_ لا لم يخرج بعد، اذهب هاديس وادعو ربك أن يخرج ابني سالمًا وإلا أقسم أن أذبح جميع فتياتك أمام أنظارك.

قالتها نفرتاري بنبرة تشبه الفحيح إلى هاديس بعدما نهضت من مجلسها كالرصاصة عقب وقوع نظراتها عليه ثم ثبتته بالحائط ووضعت نصل خنجرها على رقبته، ثم ابتعدت عنه بعنف بعد أن جرحت رقبته جُرح طفيف أدي لهبوط خط من الدماء رقيق عقب تهديدها.

- أقسم قيصر أنا لم أفعل شيء، هذه أفكار لاجويتا (أم هيدا) الحقيرة، لماذا؟ سأفعل ذلك بك؟ أنا أكثرهم ولاءً لك، ولماذا سأفعل ذلك بصغيري؟ فهو من أقرب أخوته.

- لاحقًا هاديس، سنتحدث لاحقًا، المهم ابنتك بخير الآن؟

قالها قاسم بنبرة هادئة ثابتة تعقيبًا على حديث هاديس الذي قاله بنبرة متوترة وهو يمسح الدماء بمحرمة أخرجها من جيبه عقب وقوع بصره عليه حيث كان الآخر ينظر له بقتامة، فحرك هاديس رأسه بالإيجاب على سؤال قاسم بشأن حالة هيدا الصحية.

نظر هاديس تجاه تركي الجالس على الأرض وظهر الحزن على ملامحه وتهدلت أكتافه بيأس ثم خطى تجاهه وجلس بجانبه وضمه لصدره وبدأ في التربيت عليه بحنان، فتشبث به الآخر بأذرع مرتعشة من أثر ما يشعر به.

- مش فاهم عملية إيه اللي قاعدة كل ده، لو كنتوا رضيتوا إني أدخل أعملهاله بنفسي كان زماني مخلص من بدري، أنا هدخل أعمله العملية وهيخرج زي الحصان يجري دلوقتـ.

قالها شمس بنبرة غير راضية عالية وهو يضرب كفيه ببعض ثم تقدم ناحية غرفة العمليات في نية منه ليلج بالداخل لكنه لم يكد يصل أو يكمل جملته حتى استقر خنجر أسود اللون في كتفه من نفرتاري، وانغرز بالكامل مما أدى لتحول معطفه الأبيض إلى اللون الأحمر القاني، ثم ركض بسرعة قصوى للخارج واختفى بلمح البصر عندما استدار ووجدها تخرج خنجر آخر من ملابسها.

خرجت ضحكة خافتة من فم الحاوي وهو ينظر في أثر شمس لكنه ابتلعها بسرعة وحمحم بتوتر بعدما نظرت له نفرتاري نظرة مخيفة ثم نهض واتجه للمرحاض خوفًا من أن يستقر الخنجر الآخر في قلبه هو.

يا الله هل هذه أمه أم " الكاتعا " التي تخطف الأطفال؟

حسنًا ماليكا ماذا إذا كنّا في مسلسل هندي؟

خرج الطبيب من الغرفة منكث الرأس وتمتم بقول "البقاء لله" فصرخت بملأ حنجرتي وحركت رأسي بالنفي عدة مرات ثم ركضت للداخل، نظرت إلي ليونار المتسطح فوق الفراش ومفرش أبيض يغطي جسده بالكامل ووجهه، ثم تقدمت تجاهه وأنا أقول بنبرة باكية:

- ليونار يا شجر البرتقال، لا تتركني في الحياة وحدي!! أنا أحبك ليونار أحبك أحبك أحبك.

- أنا أيضًا أحبكِ يا عشق، لا تبكي عشقي لا تبكي فقد صارعت الموت ونهضت عندما سمعت صوت بكائك.

قالها ليونار بعدما نهض من الفراش بجذعه العلوي بطريقة مخيفة ثم أنزل الغطاء الذي مازال عالق بوجهه، فضحكت من بين دموعي ومددت يدي لأمسك بكفيه معًا وأنا أقول بهيام أثناء تثبيتي لنظراتي في عينه السوداء ورموشه الكثيفة:

- كنت أعلم إنك ستفيق من أجلي يا شجر البرتقال بل يا احلى من شجر البرتقال، بل احلى من البرتقال نفسه.

خرجت من حالة التخدير العابثة الذي وضعني بها عقلي ليحميني من حقيقة ما أشعر به على صوت بكاء شهد الذي تقدمت وهي تهرول في الرواق لحقت بها نجمة فقد علمت بشأن المواجهة صدفة.

حدث هذا عندما كانت تتحدث مع نجمة عن بطل روايتها القادمة والذي سيكون واحد من قادة المملكة تحديدًا هاديس ثم فتحت الهاتف الآخر الخاص بالمملكة حتى تبحث عن صورة هاديس لترى نجمة كيف يبدو لإنها لا تمتلك صورة له، وعلمت إنها بالتأكيد ستجدها هناك حيث حصلت عليه بعدما عدنا من الساحل لتتابع ما يحدث معهم لكنها لم تكن تستخدمه كثيرًا .

"تم قتل القائد" يورمونغاند" وإصابة أنوبيس إصابة بالغة وهو الآن بالمشفى، ادعوا له أيها القادة"

قرأتها شهد مباشرة بعدما فتحت الهاتف حيث بعثها أحد الأشخاص على المجموعة الخاصة بالمملكة ليعلم الذين لم يحضروا المواجهة بما حدث، فنهضت من فوق الصخور بذعر تلبسها بالكامل وجعل الدماء تهرب من وجهها ثم صعدت للسيارة وأتجت لهنا مباشرة بعد أقل من ساعة بسبب قيادة المدعو جبار الخارقة لإنه كذلك يريد العودة لقائده، ولم تمر على منزل نجمة لتوصلها.

- أنتو كلكم كدابين، بتكدبوا عليا طول الوقت، بكرهكم كلكم.

صرخت بها شهد بنبرة عالية من وسط انهيارها بعدما علمت إن ليونار مازال بالداخل، ثم عادت للخلف وهي تبكي بهذيان نابع من الحالة النفسية المضطربة التي تدعى "هيستريا" عندما حاول أبيها الإقتراب منها ليهدأ من روعها، ثم قالت وهي تنظر لهم جميعًا حيث يظهر الحزن على قسمات وجههم.

- زعلانين دلوقتي؟ ده المتوقع أنتو اللي عملته فيه كده، سيبوه في حاله بقى هو مش عايز كل ده.

قالتها بنبرة صارخة، فحرك هارون رأسه بالموافقة على حديثها وهو يتقدم منها من جديد تزامنًا مع عودتها للخلف كلما اقترب حتي وصلت للحائط ثم سحبها من مرفقها لداخل صدره وضمه بقوة، حاولت تخليص حالها من قبضته ورفعت يدها لدفع حالها للخارج وهي تصرخ بأنها تكره الجميع حتى سقطت يدها جانبها باستسلام واستكانت بين ذراعي أبيها ثم شددت هي العناق عليه وبدأت في البكاء بعنف.

- حليم أخبر قائدك أن يذهب من المشفى.

قالها قاسم بنبرة هادئة بلغة أسبانية بعدما نظر إلى نجمة الواقفة ترتجف ودموعها تهبط من مقلتيها وهي تنظر إلى شهد حتى لا تفهم معنى حديثه، فنهض حليم من فوق الأرض وخرج من الرواق بهدوء، فوقفت من مقعدي وتحركت تجاه نجمة ضممتها إليَّ ثم أجلستها بجانبي في نفس الوقت الذي جلس هاورن في المقعد المقابل لنا وهو يضم شهد ويهدئها.

- متقلقيش هيقوم ده زي القطط عنده سبع أرواح مش هيموت.

- إطلــع بــرة .. بـــرة.

صرخت بها شهد بعدما نهضت من مكانها في وجه الحاوي حيث أشعلها من جديد بحديثه الذي خرج بنبرة مازحة ليخفف عنها الخوف بعدما خرج من المرحاض على صوت صراخها لكن بسبب حالتها لم تستوعب إنه خائف مثلها ولا يمزح، بسبب حالة الهلع التي تلبستها كما إنها لا تحبه.

لا أعلم إذا كنت قريبة من شخص لهذه الدرجة ثم علمت إن سيف ثقب جسده وأنا أجلس باستمتاع أمام البحر ماذا سأفعل؟!

- أنا مش هخرج غير لما أطمن على ابني.

- نعم يا عنيا، ابن إيه؟!

قالها هارون بنبرة عالية تراقص بها الغضب بعدما انتفض واقفًا بعد حديث الحاوي الذي خرج بنبرة مؤكدة لا تحمل النقاش؛ فحرك الحاوي رأسه بالإيجاب ووقف من مجلسه بتحدي هو الآخر وقال بنبرة متهكمة تحمل الضيق:

- اه ابني غصب عن أي حد، وطريقتك دي هي اللي مكرهاه فيا.

- هو إنت فاكر بالكام سنة اللي قعدهم معاك يبقى كده بقى ابنك!

قالها هارون بنبرة عالية مستنكرة وهو يمسك بتلابيب الحاوي ويقربه إليه بضيق في نية منه لتفريغ خوفه بجسد الآخر، فتدخلت نفرتاري تقول بنبرة هادئة بعدما نظرت لهم بطرف عينها كأم تفصل بين أبنائها المشاغبين:

- سيبه يا هارون هو مقالش حاجة غلط، وإنت يا حاوي أقعد ومتردش.

- مقالش إيه؟! ليونار ابن ســـالم وابني، لا أنتِ ولا هو ليكوا حق فيه، أنا أكتر حد ليه حق فيه .. أنا كنت بأكله من وهو عنده أيام، وبحكيلو حكايات، وبغنيله، بينام في حضني أنا، بيخاف في حضني أنا، وبيزعل في حضني أنا.. وبيعيط في حضني انا.

أضافها بنبرة هادئة تحمل الحزن بعد حديثه المنفعل الذي فجّره في وجهها بعدما ترك الحاوي ونظر لها بثبات، ثم استطرد من جديد بانفعال أكبر عن سابقيه ليدل على إن غضبه ليس وليد اللحظة، بل هو بركان كان خامدًا قبل أن تسقط بداخله ريشة طائر مهاجر بالصدفة لينفجر ويعلن عن وجوده.

-انتِ إيه بالنسباله؟ تعرفي عنه أيه؟ تعرفي عن ابـنـك إيه؟ بيحب إيه؟ بيكره إيه؟ بيخاف من أيه؟ إيه اللي بيضايقه؟ .. أنا أعرف عنه كل حاجة، بحس بكل حاجة بيحس بيها، حتى لو مش عارف السبب اللي مضايقه بس بحس بيه .. ابنـي وبحس بيـه، وهو هيقوم علشاني أنا، عشان هو عارف أني مش هقدر أعيش منغيره.

هتف بالجملة الأخيرة بصوت متهدج بعدما تجمعت الدموع في مقلتيه بعدها حول نظراته تجاه باب غرفة العمليات وعاد بظهره وجلس على الأريكة المعدنية وضم شهد له من جديد، ثم تمتم بشيء خفيض لم يصل لي لكنني شعرت إنه يتعجل ليونار أن يخرج فقد نفذ صبره واشتعل.

__________________________𓂀

فُتح باب غرفة العمليات وخرج منه صالح عم ليونار بوجه مرهق للغاية وكأنه رجل سرقت منه سيارته بمنتصف الصحراء ومشى هائمًا في الطريق بدون ماء أو طعام لعدة أيام، فتأهب الجميع ووقفوا من مجالسهم وانظروا له بلهفة.

- عايش، إن شاء الله خير.

قالها صالح بتعب ردًا على نظراتهم المتسائلة وارتمى فوق الأريكة بإنهاك بعدما تجمعت الدموع في مقلتيه، ففهمت إنه لم يتجاوز مرحلة الخطر بعد، فجلس جانبه هارون وأمسك مرفقه بلطف منتظرًا المزيد، فأخبره إن ليونار الآن بغيبوبة فقد توقف قلبه لمدة في منتصف العملية.

- أنت عملت اللي عليك يا صالح، خفف عن نفسك.

قالها هارون بنبرة هادئة وهو يضم صالح له حيث تهدج صوت الآخر وبدأ جسده في الأرتعاش وهو يسرد ما حدث عليهم بسبب الرعب الذي عاشه داخل غرفة العمليات.

تبًا، الشاب الذي يعتبره ابنه توقف قلبه أمام عينه!

- كنت هقول لداليا إيه؟ هقولها مقدرتش أنقذ ابنك؟

- والحمد لله عدت أهي، وهو هيقوم بس إنت عارف إنه بيعشق الدراما أكيد مش هيخرج كده عادي، لا، لازم خارجة مميزة.

قالها هارون بنبرة مازحة وهو يمسح على ظهر صالح بعدما فصل العناق تعقيبًا على حديثه الذي خرج بنبرة تحمل الألم، فضحك الجميع على ما قاله هارون ثم سرق انتباههم من جديد عندما خرج الممرضون وهم يدفعون الفراش الذي يقبع فوقه جسد ليونار ثم تحركوا به لغرفة أخرى في آخر الرواق فلحق به نيلان ووقف خارج الغرفة يتابع ما يحدث.

- فارس.

هتف بها قاسم بنبرة خافتة إلى فارس الذي يجلس فوق الأريكة بعيون نصف مغلقة ووجه أحمر ملتهب وهو يضع كفه فوق جبهته، ثم حمله بهدوء ودلف به الغرفة جانبه بعدما تمتم إن الحمة أصابته من جديد فلحقت به شهد وباسل ويعقوب.

- يلا كل واحد يروح على بيته وقائده مفيش داعي للقعدة دي، يلا يا رائف إنت وبكر خد البنات روحهم بيت عيلتنا علشان يبقوا براحتهم، وإنت يا حاوي خد مراتك وبنتك وروح يلا.

- أنا مش هتحرك من هنا غير لما ابني يفوق.

قالتها نفرتاري بنبرة جامدة لا تحمل النقاش تعقيبًا على حديث صالح الذي خرج بنبرة متعبة، فانفض الجمع بعدما نظروا تجاه غرفة ليونار بنظرات قلقة وفي نية داخلية للعودة من جديد صباحًا.

إنه داخل غيبوبة! هل هذا مشفى أم فندق؟!

تقدمت مني نفرتاري ثم أمسكت مرفقي وتحركت لداخل الرواق فشعرت بالخوف من ما يحدث، هل سمعت سخريتي؟!
تبًا ماليكا، سوف يخترق قلبك خنجر منها الآن.
لم يكن عليَّ السخرية منها هكذا!
آسفة، آسفة، أقسم.

- أنا مش باكل الستات، باكل الرجالة بس
.. مش عايزة تشوفي ليو قبل ما تمشي؟

قالتها نفرتاري بنبرة جدية وكأنها لا تمزح في أول حديثها وهي تترك يدي أمام غرفة ليونار، فتقدمت تجاه الشرفة الزجاجية التي يظهر عبرها جسد ليونار المسطح فوق الفراش والمحاليل الطبية معلقة بأوردته وكذلك عدد من الأجهزة يحتل جسده وكأنه أسير والأجهزة أصفاد تحبسه بالفراش، وجهه شاحب للغاية وشفتيه زرقاء اللون.

شعرت بالدموع تتجمع في مقلتي ببطء قبل إن أتحرك عائدة من جديد، تبًا للهرمونات التي تجعلني أرغب في البكاء بدون سبب أو الضحك بدون سبب.

تبًا لكِ أيتها الهرمونات، أنا لستُ بهذه الرقة!!
مديري في العمل يمر بوعكة صحية، ما المحزن!!
هل هو زوجك كما تذعن خالتي؟!
تبًا لكِ، تبًا، تبًا.

__________________________𓂀

(بعد أسبوعين)

استيقظت بتململ على صوت الأغاني الأسبانية التي تصدح من الخارج فزفرت بضيق دون فتح عيني ومددت يدي جانبي لأبحث عن الوسادة الصغيرة لأضعها فوق وجهي، ثم فتحت عيني بجزع عندما شعرت بملمس شيء مطاط وناعم أسفل يدي.

- عارفة؟ النفسية محتاجة صينية كنافة بالقشطة.

قالتها شفا بنبرة حالمة وهي تنظر لي من أسفل يدي التي تقبض على وجنتها بعدما أمسكتها بدلًا من الوسادة وأنا نائمة فرفعت يدي ونزلت فوق وجنتها بصفعة بسبب حديثها الذي يتكرر كل يوم بنوع حلوى مختلفة كلما فتحت عيني وتقابلت نظراتنا، حيث إنها تنام معي بغرفة أمي بعدما انتقلنا إلى هنا لأن شهد ونجمة ينامان في غرفتي بينما جميلة وغزل في الغرفة الثالثة، فقد قررنا البقاء معًا حتى يفيق ليونار من غيبوبته وعدت لمنزلي حتى ابقى بالقرب من خالتي لأنني أشعر بالحزن بسبب طاقة الفتيات.

تبًا لك ليونار، ألن يأن لك أن تفيق؟
إن غيبوبته نفسية لا يرغب في الأستفاقة، حالته مستقرة لكنه هو من يرفض أن يخرج من غيبوبته، تبًا لك أيها الوغد الوقح المدبلج المختل.

"ليو لا يريد البقاء على قيد الحياة، أنا خائف ماليكا، خائف من أنوبيس ماليكا، إنه يشبههم"

" قلبي يؤلمني بشدة، العالم لم يحبني ماليكا، حتى صغيرتي أخذها مني، أنا لم أرغب في كل هذا، كنت سعيد قبل أن يُقبّلني الدمنتور .. لم يحدث أن أعود بخير، قبلة الدمنتور لا ترياق لها "

أغمضت عيني لأمنع صوت ليونار الذي يتحدث داخل أذني بكلماته التي سبق وقالها لي، يتكرر هذا الأمر كل يوم معي، صوته واضح بشدة لدرجة أنني أشعر بأنفاسه جانب أذني على الرغم من إنه لم يقترب مني لهذا الحد من قبل.

تبًا لك أيها الوغد المدبلج، الجميع يكاد يتمزق من أجلك وأنت ترغب فقط في البقاء داخل قوقعتك اللعينة.

بالتأكيد هذه عيون الفتيات الوقحات الآتي يتغزلن بك وأنت تهز خصرك، تبًا لك.
هل تسعد بتغزل الفتيات بك؟

دلفت المطبخ بعدما تحممت وتوضأت حتى أغلق الموسيقى لكي أصلي الظهر ففتحت ثغري وحبست أنفاسي بانبهار عندما وقع بصري على غزل التي ترتدي فستان أحمر ذو طراز أسباني قديم واسع مزركش ومنقط باللون الأسود ذو أكمام، وحذاء أسود ذو كعب عال قليلًا، تعقد شعرها للخلف برابطة حمراء اللون.

تطرق بقدمها طرقات مدروسة وهي ترفع طرف الفستان وتحرك جسدها بمهارة عالية وحركات سريعة وتصفق مع الإيقاع.

إنها جميلة وجذابة للغاية بحق!
أعلم إنها حزينة وتخرج هذا الحزن في الرقص، إنها من الأشخاص الذين يتجاهلون الألم ويدهسوا فوق مشاعرهم ليبدوا أقوياء للغاية على الرغم من الهشاشة الداخلية لهم؛ لا أعلم حبها لهذه الرقصة هو حب عادي أم لأن ما تعبر عنه في الحقيقة، ترقص وكأن روحها تعترض.

حيث إن مصطلح رقصة فلامنكو يرجع إلى فلاح منكوب مِن فلاح من غير أرض وهم الفلاحين الموريسكيون الذين أصبحوا بلا أرض، فاندمجوا مع الغجر وأسسو ما يسمى بالفلامنكو كمظهر من مظاهر الألم والاكتئاب كتعبير عن الظلم الاجتماعى ومشاق الحياة والبؤس العام الذي يشعر بها الناس بعد إبادة ثقافتهم.

- بسم الله ما شاء الله هي دي رقصة الطاووس اللي بيعبروا بيها عن الألم؟

قالتها خالتي الجالسة فوق طاولة المطبخ بنبرة منبهرة وهي تصفق لها عقب انتهاء غزل من رقصتها، فوضعت الأخيرة يدها على موضع قلبها وانحنت قليلًا في تحية لها تزامنًا مع صدوح جرس الباب، فتحركتُ لكي أفتح للطارق الذي أعلم من هو بالطبع، فقال مراد صارخًا في وجهي بمجرد وقوع بصره عليَّ:

- إحنا يوم الجمعة يا جماعة، أنتوا كفرة؟! أنا لا عارف أنام الصبح ولا بليل، ولا في الشغل ولا حتى يوم أجازتي!

- جرا إيه يا واد يا مراد كنا بنعبر عن الألم.

قالتها خالتي بتلقائية وهي ترمقه بنظرة متهكة بعدما خرجت من المطبخ حيث تحدثت معها غزل أمس بشأن أصول الرقصة بعدما سألتها خالتي، فرفع مراد شفته بتشنج وهمّ أن يتحدث لكن الحروف تجمدت على طرف لسانه عندما خرجت جميلة وغمزت له بطرف عينها بطريقة فجة.

- استغفر الله العظيم، استغفر الله.

تمتم بها مراد وهو يصعد على الدرج لشقته بعدما انسحب من الشجار كعادته هذه الأيام، فصدحت ضحكات جميع الفتيات عليه حيث إن جميلة تتلاعب معه منذ أول يوم، فكلما اعترض على حالة الأزعاج التي تتلبس المنزل منذ أن خطت قدمنا داخله تجعله جميلة يبتلع لسانه، فمراد ليس من هذا النوع من الرجال لقد ربته أمي جيدًا.

الآن تذكرت لماذا كنت أحبك مراد؟

_ لا بجد شكرًا يا طنط على الإنتاج والتربية، الخالق الناطق بدر أخويا.

قالتها جميلة بنبرة مازحة فصدحت ضحكات الفتيات على مزاحها بعد سخريتها من تربية أخيها ذو الأخلاق الحقيرة.

دلفت لقضاء صلاة الظهر ثم عدت للمطبخ أفطر رفقة الفتيات بعدما وضعن الفطور الغير متجانس فوق الطاولة، حيث تفطر غزل رقائق الأرز المفرود فوقها "زبادي يوناني" بنهكة التوت، وجميلة تصنع شطيرة جبن بالخبز المربع (توست)، ونجمة تأكل الفول الأسكندراني بالخبز الأبيض الذي يطلق عليه عندنا "خبر شامي" ، بينما آكل أنا وشهد وشفا وخالتي من الخبز المصري الدارج والفول والبيض بالبسطرمة الذي صنعته خالتي بالفعل.

شعرت بالسعادة وأنا بينهن على الرغم من أختلاف شخصيتنا لكنني شعرت أن أصبح لديَّ أخوات، لو لم يكن الحزن يسكننا جميعًا في الأسبوعين الماضيين لكنت صنفتهم من أفضل الأيام التي مرت عليَّ في حياتي، فقط ينقصنا أمي.

هناك إقتباس محبب لقلبي للكاتبة فيرونيكا روز، تقول:

"جميعنا معرضون للألم في هذه الحياة و لا يمكننا تجنبه؛ لكن الشفاء ممكن إذ يداوي بعضنا بعضًا"

وهذا ما حدث معنا في الأيام الماضية نحن داوينا بعضنا البعض لكي تمر علينا تلك الأيام، فكلًا منا حزين بطريقته، وكلًا منا لديه سبب للصراخ بملأ صوته، كلًا منا لديه ندوب لا تزول.

صنعت شاي أحمر مُنعنع ودلفت الشرفة حيث تجلس شهد تمسك بالهاتف وتتجمع الدموع بمقلتيها وجانبها تجلس نجمة تربت على ظهرها، وضعت الشاي فوق الطاولة حملت مقعد بلاستيكي ووضعته جانبها من الناحية الأخرى كي أرى معها ما تشاهده والذي كان مقطع قديم لها وهي صغيرة رفقة ليونار.

ظهرت شهد التي في عمر عام تقريبًا جالسه فوق قدم أمها التي تصورها، ثم تحركت الكاميرا تجاه ليونار الذي كان يركض تجاههم وهو يمسك زهرتين واحدة بيضاء والثانية من نوع عباد الشمس أعطى لأم شهد البيضاء وأعطى إلى أمه دهب -والدة فارس وعمته- زهرة عباد الشمس لإنهما المفضلة إلى كلًا منهما.

- أوه، لماذا تبكين صغيرتي؟

قالها ليونار بنبرة لطيفة عندما بدأت شهد الصغيرة في البكاء وهي تمد ذراعيها له لكي يحملها، فحملها ليونار على الفور وقبل وجنتها.

- هل تؤلمكِ؟ آسف.

قالها ليونار بنبرة محببة وهو يقبل كف شهد التي مدته له حيث إنها خبطت يدها في الطاولة منذ نصف ساعة وتذكرت الآن عندما رأته، ثم جلس بها فوق مقعد جانبهن فوضعت شهد رأسها فوق صدره وهي تقبض بأناملها فوق فتحة رقبة سترة ليونار، فخرج صوت أم شهد الساخر يقول:

- انظرو للوغدة الحمراء، إنها تدلل على أخيها! اللعنة من أين جئتِ بتلك الدموع أيتها المحتالة؟!

انتهى المقطع فنظرت شهد أمامها بشرود لبرهة لتسيطر على مشاعرها، إنها تشتاق له حد التلاشي، حيث إن روحها تتلاشى ببطء لتذهب له في عالمه الآخر، تراه، تتحدث معه، وتضحك بصخب، إنها صارت تشرد بشكل كبير، لم أكن أعلم إنها متعلقة به لهذا الدرجة.

عادت من جديد للهاتف وحركت إصبعها على الشاشة ليظهر المقطع التالي، فضغطت عليه ليصدح صوت همهمتها الطفولية وهي تشرب اللبن من قنينة الرضاعة الشفافة أثناء تناول أمها حلوى مطاطية على شكل دب، ثم قبضت على واحدة من الوعاء على حين غرة وهبطت من فوق قدم أمها، ثم زحفت على يديها وقدمها -حيث إنها لم تكن تستطيع المشي بعد- تجاه ليونار الذي كان يلعب مع أخوته على بعد منهم.

- تبًا أيتها الوغدة الحمراء، كيف سوف يأكلها بعدما حدث بها .. اللعنة دهب إنه يأكلها بالفعل.

إضافتها بجزع وهي تترك الكاميرا فوق الطاولة وتركض فظهرت في مجال الرؤيا كوب العصير الذي يقبع فوق الطاولة بعد حديثها المازح السابق بعدما وصلت شهد إلى ليونار وحملها فوق ذراعه ثم مدت يدها بالحلوى تجاه فمه، ففتح صغره وأكلها منها بدون تفكير.

- هيه لا تخافي يا امرأة لقد كانت تقبض عليها داخل كفها، ثم إن هذا ليونار حبيبتي!!

قالتها دهب بنبرة ساخرة تعقيبًا على حديث الأخرى التي ركضت من الخوف عليه، وهذا لأن ليونار كان طفل شقي فبالتأكيد أكل العديد من الأشياء التي لا يجب أن تُأكل.

أظلمت الشاشة لثانية حيث بدا إن أمها أوقفت التصوير ثم فتحته من جديد فظهر ليونار الذي يلعب مع أخوته كرة القدم على بعد منهم لكن يبدو أن كرة القدم ليست من هوايته، إن لعبه مذري بحق!

- اللعنة، تلك الوغدة الحمراء لن تترك أخيها يهنأ بحياته!

قالتها والدة شهد بنبرة غير مصدقة هازلة بعدما هبطت الأخرى من فوق قدمها وزحفت من جديد تجاه ليونار وهي تمسك كرة صغيرة في يدها أثناء ذلك حتى وصلت له، فتوقف عن اللعب وحملها من جديد بابتسامة واسعة وعاد بخطواته إلى الطاولة ثم وضعها فوق الغشب بعدما قبّل وجنتها الحمراء وجلس مقابلًا لها بعدها بدأ بدحرجة الكرة الصغيرة تجاهها وهي تفعل المثل لتلعب معه مع ارتفاع ضحكاتها الساحرة عاليًا.

_ أوه انظري دهب إنها تخطو أول خطواتها تجاه أخيها .. قلبي سينفجر من السعادة، اللعنة سوف ابكي.

- أنتِ تبكي بالفعل أيتها الحمقاء.

قالتها السيدة التي تدعى دهب بنبرة ساخرة تعقيبًا على حديث أم شهد المتحمس ذو النبرة الباكية بعدما تغير المقطع لتظهر به شهد تخطو خطوات متعثرة تجاه ليونار الذي يجلس على ركبتيه على بعد منها ويفتح لها ذراعيه على مصرعيهما حتى وصلت لمبتغاها داخل حضنه وهي تضحك عاليًا بسعادة.

_ وحشني اوي بقى.

قلتها شهد بنبرة متهدجة قبل أن تبدأ في البكاء من جديد بعدما انتهت من مشاهدة المقاطع فضممتها إليَّ وبدأت في التربيت على ظهرها برفق حتى انتهت من تفريغ حزنها ثم نهضنا لنبدل ثيابنا حتى نذهب إلى ليونار ونتحدث معه حيث إن التحدث مع مريض الغيبوبة أربع مرات في اليوم من قبل عائلته يساعد على شفائه.

دلفت إلى غرفة المعيشة لأخبر الفتيات حتى يجهزن فاختنقت أنفاسي بسبب رائحة دخان السجائر اللعينة المنبعثة من السيجارة المشتعلة فوق المنفضة وموضوعة فوق الطاولة.

_ مسبش ليا حاجة حلوة افتكرها ليه يا غزل.

قالتها جميلة بنبرة متهدجة من البكاء وهي بين ذراعي غزل حيث يجلسن على الأريكة جانب بعضهما وتجلس شفا تأكل من حلوى "البسبوسة" التي صنعتها خالتي أمس في المقعد المقابل لهن وهي تبكي.

إنها حتى لم تتنازل عن الحلوى أثناء بكائها!

حسنًا، الشيء المشترك بيني وبين شهد وشفا هو: الطعام؛ فجميعنا نعلم إنه أشبه بضمة قوية حنونة من أكثر الأشخاص حبًا لنا على وجه الخليقة.

- هو لا عرف يكون زي بابا صالح ولا حتى زي الحاوي.

هتفت جميلة بحديثها بنبرة متحشرجة تحمل القهر أثناء شرود عينها في ذكريات بشعة تجمعها مع أبيها الذي لا يعلم شيء عن الأبوة، ليتلاشى ثباتها الواهي الذي كانت تتصنعه بشأن عدم شعورها بشيء تجاه قتل أبيها أمام عيونها.

أعلم ماذا تشعر من الوهلة الأولى: لقد انتظرته مرارًا أن يعود لرشده، أن يضمها، أن يربت عليها حتى، لكنه لم يستخدم يده سوى في الصفع.

كم هو مخيف بحق أن تنتهي حياتك ولن تجد من يذكرك بالخير؛ وكم هو مؤلم أن يكون أكثر من تكره هو الذي من المفترض أن يكون الشخص رقم واحد على قائمة المحبين.

- مالو الحاوي بقى؟! ليه الغلط طيب، ده الراجل من وقت ما سليمان مات وهو بيبعتلي صباح الخير.

قالتها غزل بنبرة متهكمة مازحة وهي تضرب كتف جميلة برفق، فرفعت جميلة عينها للأعلى لترمق الأخرى بنظرة ساخرة، فالحاوي ليس أفضل أب، لا يتحدث مع غزل مثل أب طبيعي وابنته، لا يضمها، لا يطمئن عليها إلا وهي أمام أنظاره فهو يعلم إنها بأمان رفقة يعقوب.

لكنه ليس سيئًا كذلك، إنه يجلب لها كل شيء تريده، يفعل لها أي شيء تطلبه حتى لو رغبت بجزيرة، يتعامل معها برفق، ويحبها.

حكت لنا غزل في إحدى المرات إنه جلب لها جميع الألعاب التي في المتجر عندما أخبرته إنها تريد أن تلعب، وجلب لها جميع الحلوى كذلك، لكن كانت نبرتها تحمل بعض الحزن المدفون في قلبها، أعلم إنها كانت ترغب في أن تقول له:

"لم أكن أريد كل الألعاب لكنني كنت أريدك أن تشاركني اللعب"

لهذا تعلم جميلة إنها لديها ندوب كذلك، ربما ليست بعمق الأخرى لكن مازال أثرها مرسوم فوق الروح كالوشم.

- مربة الفراولة عايزك.

قالتها خالتي بنبرة متغزلة في باسل بطريقة جميلة وهي تبتسم باتساع إليها وهي واقفة أمام باب غرفة المعيشة بعدما فتحت الباب الذي طُرق منذ برهة، فتهلل وجه جميلة وسحبت سيجارتها التي أوشكت على الأنتهاء من المنفضة وخرجت للخارج بحماس دون حتى إن تكلف حالها بهندمة شعرها أو مسح باقي دموعها.

وقف باسل ينظر أرضًا كعادة المامبا أمام الباب وهو يرتدي بنطال قطني باللون الأسود وسترة بنفس اللون مغزول فوقها أبيات شعر باللون الأبيض:

"وجئتُ إليكَ لا أدري
أتقبلُ بي، بعلّاتي؟ "

- جبت دول ليكِ، علشان لما تلبسيه تحسي إني معاكِ.

قالها باسل بنبرة حنونة وهو يمد يده بحقيبة ورقية إلى جميلة، فأخذتها منه وهي تبتسم بسمة واسعة تتنافى مع الدموع التي تدفق من مقلتيها، ثم أخرج من جيبه محرمة ورقية ومد يده لها بها.

- أنتَ إزاي بتيجي في وقتك كده؟!

- ما إنتِ سرقتي روحي يا جميلة، طول الوقت بتطوف حواليكِ وهي قالتلي إنك مش كويسة.

قالها باسل بنبرة هادئة صادقة ردًا على حديث جميلة الذي خرج بنبرة مستنكرة وهي تنظر له نظرة مغلفة بالحب أثناء مسح دموعها بالمحرمة قبل إن ينسحب من المكان بهدوء.

- عليا الطلاق مربة فراولة، هو إزاي قمر كده؟! ياربي دول عيون ولا نيزك دمر قلبي؟!

قالتها جميلة بنبرة متغزلة فجة وهي تخرج دخان السيجارة من أنفها مما جعل عقلي يرسخ المشهد ويضعها في دور بطولة فيلم حيث تمثل فيه دور فتاة ليل!

تبًا لكنّ جيوبي الأنفية تسبكم بجميع اللهجات.
حسنًا ماليكا سوف نتحملهم هذا الأسبوع فقط ثم نبرحهم ضربًا، لقد قُطعت رأس أبيها أمام عيونها.

- شخلل علشان تعدي يا حُب.

قالتها خالتي بنبرة فتوة يقف على مقدمة حارة في إحدي المناطق الشعبية وهي تعقد ساعديها أمامها إلى يعقوب الذي ملأ الفراغ أمام الباب بعدما رحل باسل أثناء وقوفها كحائل بينه وغزل.

- دقيقتين علشان إحنا بيت طاهر.

قالتها خالتي وهي تتشدق بطريقة مازحة بعدما دس يعقوب يده في جيبه وأخرج ورقة نقدية من محفظته وأعطاها لها ثم أخذتها منه وقبلتها ووضعتها في جيبها.

_ حلو اوي يا يعقوبي بجد.

قالتها غزل بنبرة فرحة بعدما مد يعقوب لها يده بالحقيبة الصغيرة التي كان يمسكها وأخرجت منها عدة خواتم ذهبية ومن بينهم واحد ذهبي دائري محفور فوقه شجرة ذات أغصان متشعبة، ثم ارتدت الخواتم في أصابعها ومررت إبهامها فوق خاتم الشجرة بحنين حيث إنها ذكرى من طفولتهم التي تجمعهم سويًا.

- سيجارة؟!

قالها يعقوب بنبرة جدية على الرغم من الضحكة التي تتراقص بمقلتيه وهو يمد يده لها بعلكة دائرية على شكل سيجارة ثم أمسك واحدة بين أنامله ووضعها في فمه ثم سحب نفس وهمي وأطلقه بهدوء تحت نظراتها المستنكرة:

- إنت جبتها إزاي بجد!!

- أنا يعقوب المالكي يا.. غزل.

قالها يعقوب بثقة وهو ينفس دخانه الوهمي من جديد بسبب سؤالها الذي خرج بنبرة عالية غير مصدقة حيث إن هذه الحلوى قديمة من أيام التسعينات ومرتبطة بطفولتهما كذلك قبل إن يرحل وهو يغمز لها بعبث، فاطلقت ضحكة صاخبة وهي تضع العلكة بين شفتيها لتتصنع شربها مثله.

_ بت يا نجمة تعالي خدي دورك الأستاذ دفع خلاص.

قالتها خالتي بنبرة عالية حتى تصل إلى نجمة التي تقبع بداخل الغرفة بعدما صعد رائف ووقف بموضع يعقوب السابق ثم مد يده لها بورقة نقدية، فخرجت نجمة من الداخل بوجه تدرج بالحمرة ثم وقفت أمامه تنظر إلى الأرض بخجل.

- عارف إن البحر وحشك علشان كده جبتهولك.

قالها رائف بنبرة حنونة وهو ينظر إلى نجمة ثم دس يده في جيبة أخرج علبة مخملية باللون الأزرق القاني وأخرج منها قلادة بها دلاية دائرية ممتلئة بمنتصفها بحجر أزرق شفاف يبدو وكأنه ماء البحر ويظهر في النصف الآخر ذيل دولفين ليبدو وكأنها يقفز داخل البحر.

- شكرًا يا رائف تعبت نفسك.

- أنا هعمل نفسي مسمعتش حاجة، ده أصلًا مش تعب، وحتى لو تعب، لو مش هتعب علشانك هتعب علشان مين يا سيريوس؟

قالها بنبرة ضائقة وهو يشيح لها بوجهه عقب حديثها الذي خرج بنبرة متحشرجة ممتنة ثم مد يده لها بحقيبة بلاستيكية بها رقائق البطاطس بطعم "الجبنة المتبلة" المفضل لديها وعدة أشياء أخرى.

_ عليا الطلاق هعيط من اللطف.

قالتها جميلة وهي تنظر لحالها في المرآة بعدما ارتدت الملابس التي جلبها باسل من أجلها وتتكون من بنطال قطني واسع ذو مطاط يمسكه بقدمها من الأسفل باللون الأسود، وسترة واسعة ذات قلنسوة مغزول فوقها باللون الأبيض باقي أبيات الشعر المقتبسة التي طبعها باسل على خاصته وكأن كلًا منها يرتدي جملة قالها الآخر.

" وجئتَ إليَّ في لُطفٍ
يُهدهِدُ رَوعي العاتي "

- فكرتوني بالمرحوم، أول خروجة ليا معاه بعد كتب الكتاب روحنا شربنا فخفخينا واداني الفراولة اللي في الكوباية بتاعته علشان بحبها .. كانت أيام.

أضافتها خالتي عزة بعدما أخرجت صوت من فمها شعبي وهي تنظر للسقف بحنين عقب حديثها الذي خرج بنبرة حالمة بعدما مررت نظراتها على الفتيات حيث كلًا منها ترتدي الأشياء التي حصلت عليها، فرددت عليها بنبرة مازحة تتنافى مع نظرات الفتيات المستنكرة المصوبة نحوها:

- تصدقي يا خالتو هو ده نوعي المفضل، ده سابلك الفراولة هو ده الحب الحقيقي اللي بجد، أنا لو جوزي المستقبلي جابلي هودي يدفيني هقوله هو صينية البطاطس قصرت معاك في إيه؟! ما هي بتدفي برضو.

__________________________𓂀

- إنت مقتنع إني لما أغني الأغنية المتخلفة دي هيفوق؟!

قلتها بنبرة غير مصدقة إلى فارس وأنا أقف بخارج غرفة ليونار بعدما ذهبنا إلى المشفى وجعلني أحفظ أغنية بلهجة فرعونية لأن ليونار يحب فتاة خيالية تُدعى ليكاتا تغني هذه الأغنية في أحلامه، وهو يريد أن يخدعه بشأن وجود ليكاتا في الحقيقة عن طريق الأذعان أنني هذه الفتاة!

منتهى العبث! أقسم أن هذه أكثر فكرة غبية سمعتها على الإطلاق!

حرك رأسه بالإيجاب وهو يبتسم ببلاهة وكأنه لم يفهم أنني أسخر منه، فحركت نظري إلى نيلان لكي أبحث عن أي أحد عاقل يفهمني، فحرك رأسه هو الآخر بأقتناع على الرغم من عيونه التي ابتسمت بسخرية وكأنه يمسك حاله من الأنفجار ضحكًا على هذا الغباء.

وكأنه كان ينقصني هؤلاء البُلهاء في حياتي!
تبًا، أنه يحب امرأة وهمية!
ما مدى إختلالك ليونار؟
أكاد أقسم إنه يحتاج أن يتم علاجه نفسيًا طوال حياته، إنه مصاب باضطراب تعدد الهاوية، ويحب امرأة وهمية!

تنهدت بعمق ودلفت غرفة ليونار رفقة أخوته ثم بدأت غناء الأغنية الفرعونية، أغمضت عيني وأنا أتخيل حالي أرتدي ملابس بيضاء مذهبة وأجلس بثبات فوق وسائد موضوعة فوق هودج يحمله أربعة رجال أشداء ويمشون بي في موكب مهيب يحبس الأنفاس.

- الله أكبر، حرك صباعه.

قالها نيلان بنبرة عالية منفعلة وهو يفتح عينه بانبهار ويقبض على خصلات شعره بكلا كفيه بعدما انتهيت من الغناء، فأطلق رائف صيحة سعادة غير مصدقة قبل أن يرفع يده جانبه ويسجد شكر للمولى عز وجل لظنه أن نيلان يتحدث بصدق.

تبًا، إنه "عبيط خالص" كما قال بالفعل!

- تبًا لك.

قالها فارس بنبرة حانقة وهو يضرب نيلان في معدته بعنف لإنه بالفعل علم أن نيلان يسخر منه ليس مثل الأبله الآخر الذي وقف ونظر لهم بحيرة من ما يحدث قبل إن يتجهم وجهه بعدما فهم أن نيلان لم يكن يتحدث بصدق.

- هو لو بيحصل زي الأفلام وهيصحى لما حبيبته تكلمه، أكيد مش ليونار لإنه بالفعل بيتعامل معاها في الاوعي.

- برة علشان عايزة أتكلم مع ليو براحتي.

قالتها خالتي التي تقف على الباب بنبرة جامدة وهي تعقد ساعديها أمامها فهي تأتي لتتحدث معه كل يوم تقريبًا وكأنه ابنها بحق! كما إنها صنعت له طعام وقامت بتوزيعه صدقة له حتى يشفى عملًا بمقولة "داووا مرضاكم بالصدقة"، لكنها لا تعلم بالطبع إن سيفًا اخترق جسده بل حدث معه حادث سير فقط.

خرج الجميع من الغرفة بينما دلفت خالتي غزة للداخل وأغلقت الباب خلفها فشعرت بوخز الفضول الذي يتفاقم داخلي كل يوم حيث يزاد حدة من السبب الذي يجعلها تغلق عليها الباب معه!

ماذا تقول له ولا تريد مني أن اسمعه؟
هل تخبره أسراري؟

تحركت تجاه الباب وحبست أنفاسي ثم فتحت جزءً منه برفق وأدخلت رأسي في المنطقة الصغيرة بين الباب والحواف الخشبية لأسمع ما تقوله له.

- أنا طلعت فستان خطوبتي على المرحوم جوزي علشان ألبسه في فرحك إنت وماليكا .. بس على فكرة الفستان تري شيك مش زي ما إنت فاكر، إنت متعرفش أنا كنت جيباه بكام ده؟

- لا متقوليش إن ده الفستان المينت جرين الملعلع أبو لآلئ.

قلتها بنبرة غير مصدقة بعدما دلفت الغرفة بملامح تحتلها الصدمة ورفعت حاجبي باستنكار من ما قالته خالتي له بزهو من فستانها البشع باللون الأخضر الفاتح المصنوع من قماش حرير لامع للغاية والجزء العلوي منه مرصع بالآلئ كبيرة الحجم وصغيرة الحجم ومنفوش من الأسفل بقصة غريبة وكأن هناك كيس قمامة بلاستكي أسفل الخصر متجاهلة حديثها عن زواجي بليونار الذي لن يحدث سوى بخيالها.

- أسكتي إنتِ مبتفهميش حاجة .. عارف يا ليو يا حبيبي.

- هو كمان بقى حبيبك؟!

قلتها بنبرة عالية مستنكرة بعدما فتحت ثغري من قربها منه لهذا الحد بعد حديثها الحانق الذي قالته وهي تشيح لي بيديها ثم عادت تتحدث معه من جديد بعدما تجاهلتني وكأنني ذبابة طنانة غير مرغوب بها، فنهضت من فوق مقعدها الخشبي ثم دفعتني للخارج وأغلقت الباب.

جلست على المقعد الخشبي بمنتصف غرفة ليونار بعدما خرجت خالتي ودلفت أنا لأتحدث معه لكنني لا أعلم ماذا أقول؟ يصر نيلان عليَّ أن أتحدث معه كل يوم لكنني لا أجد حديث يمكن قوله له لذا بدأت في سرد ما حدث في الرواية التي أقرأها حاليًا بعدما اعادتُ قرائتها للمرة الثانية وهي الجزء الثاني من رواية بينارو العصفورة الحمراء.

- المهم إن الجزء خلص وجاكيروس وقع على الأرض جنب بينارو بعد ما خسر المعركة وأنا هموت بقالي سنة علشان أعرف باقي القصة الحمد لله إنها هتنزل المعرض ده، طبعا عارفة إنه مش هيموت لإنه البطل! بس هو عسل اوي بجد من أبطالي المفضلين، عارف كان بيقول لها أيـ

بترت عبارتي عندما مرت موجة حزن إلى قلبي وكأن البحر هاج بعد سكونه فجأة عندما وقع بصري عليه نائمًا وكأنني اتحدث مع بيضاء الثلج داخل تابوتها الزجاجي، ثم أغمضت عيني وبدأت في قول ابتهال مثل ما أفعل كل يوم، لإن هذا الشيء الوحيد المتأكدة إنه يحبه.

" غنّي لي ماليكا، عَلَّ نبضات قلبي تهدأ "

❞يَا من لهُ سترٌ عليّ جميلُ
هل لي إليكَ إذا اعتذرتُ قبولُ

أيّدتني وَ رحمتني وَ سترتني
كرَماً فأنتَ لمن رجاك كفيلُ

وَعصيتُ ثمّ رأيتُ عفوكَ واسعاً
وَعليّ ستركَ دائماً مسبولُ. ❝

دلفت شهد بعدما انتهيت من قول الأبتهال وقفت جانبي ثم قالت بنبرة تحمل الحزن للتعبير عن ما تشعر به أخيرًا حيث إنها تتحدث معه عن أشياء عديدة ليس لها علاقة بإحساسها لظنها إنها قد تحزنه:

- قوم بقى علشان إنت وحشتني أوي، لو قومت مش هبقى شمطاء مش هطلب منك حاجة تاني، إنت بتضايق؟ أنا عارفة إنك مش بتضايق علشان كده بطلب منك، علشان بحب اقضي وقت معاك .. من وأنا صغيرة وأنا بتلكك علشان اقضي وقت معاك يا ليو .. أنا بحبك.

هتفت بها بصدق والدموع تتجمع في مقلتيها بسرعة كالعادة ثم مسحت دموعها بأناملها وأمسكت كفي كي نغادر حيث إن تحدث معه الجميع عدا غزل، فقد قال لها فارس إنه لن يفيق إذا سمع صوتها.

شعرت بالحزن حقًا من أجلها لكنها تدلف للغرفة ولا تتحدث كما إنها بدلت عطرها المفضل حتى لا يصل له ويعلم بوجودها.

هل قالت شهد إنها تحبه؟
هل تحبه شهد كأخيها أم حبيبها؟!
لماذا أشعر أن تعلقها بليونار أكثر من مجرد حب أخوة، ولذلك تتجاهل فارس، تبًا إذا كان هذا الشيء حقيقي! لكنها لم تترك فارس كذلك عندما كان مصاب بالحمى وظهر خوفها واضحًا عليه.

لو لديَّ حدث كما أذعن فأنا أشعر إنها تحب أحدهما، لكن من بينهما؟

- علفكرة كده كتير، إحنا متفقناش على كده، إحنا اتفقنا نعيش مع بعض ونموت مع بعض مش تسبني لوحدي وتنام .. ليو أنا خايف اوي، العالم كله بيخوف منغيرك.

قالها فارس بنبرة حزينة بعدما دلف للغرفة عقب خروجنا منها حيث أنني عدت من جديد من أجل هاتفي الذي نسيته فوق الكومود، فهو لا يغادر بالأساس، ينام على الأريكة بالغرفة، لقد مر بثلاثة أيام من الحمة التي لا تنخفض لكن عندما أخبره الطبيب إن ليونار سيفيق أسرع إذا تحدث معه، نهض من رقدته وانتقل لغرفة ليونار.

كذلك نفرتاري لا تغادر المشفى لكنها تنام في غرفة أخرى بعدما تجلس تقرأ طوال اليوم على المقعد بجانبه، لكنها لا تتحدث معه، كأن حديثها هرب منها، أو إنها لا تقدر عليه حيث تشعر بالثقل يجثم فوق صدرها، ربما أثر عليها حديث هارون.

أخذت الهاتف من فوق الكومود وخرجت من الغرفة ثم عانقت ذراع شفا التي تنظر إلى نيلان بحزن حيث إنه لا يتحدث معها بتاتًا منذ الحادث، وهي تشعر إنه ندم على علاقته بها، لكنه في الواقع ينهار داخليًا، إنه يرتعد من أجل أخيه ولا يستطيع التركيز في شيء سوى في كيفية نهوض ليونار من رقدته؟

_ إنتِ فاكرة إني مش هعرف أجيبك يا **؟!

قالها شاب يبدو في العشرينات من العمر بنبرة غاضبة وهو يقبض على مرفق نجمة التي ارتجف جسدها ونظرت له برعب بعدما خرجنا من المشفى تزامنًا مع صدوح صوت فارس من الشرفة بالأعلى يهتف بسعادة:

- يا شهد ليو فاق!

يتبع.. في الأسبوع بعد القادم بإذن الله.

للأسف مفيش فصل الأسبوع اللي جاي لأن كلكم بتمتحنوا وأنا نفسيتي تعبانة شوية فقولت أستغل الفرصة واخد الأسبوع ده أجازة، هكتب بإذن الله لكن مش بنفس القدر ولو نزلت والله أعلم هيكون فصل صغير، ربنا يوفقكم جميعًا.

★ متنسوش التصويت (vote)

________________________

_ لا تنسوا الدعاء لأخوتنا بغزة في جميع صلواتكم، رفع الله عنهم ونصرهم.
للتذكير: سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، نِعمَ الزادُ هذا يا رب.

Continuă lectura

O să-ți placă și

495K 10.8K 56
Izuku Midoriya was walking home when he was taken by a random stranger, then, everything changed. How exactly? Well, Izuku is now a female. . . . Fem...
24.2K 1.1K 18
إن كُتِب قدر شخصين معاً فسيتقاطع طريقهما ذات يوم حتماً ليحوما حول الدنيا إذا ارادا للعثور على بعض وليختبئا للهروب من البعض وهجنا وثابتنا دكاترنا ا...
104K 3.8K 10
Sana loves her model girlfriend, Tzuyu, very much. She just doesn't like the fact that guys are on her all the time and she doesn't do anything about...
5.9K 128 6
The POV's will switch a bit. RUN, DON'T LET IT CATCH YOU!" I scream to the other scientists. Loud, blood curdling screams were heard everywhere. The...