أنوبيس

By HabibaMahmoud25

100K 5.1K 4.6K

مرحبًا بكم في المملكة لا لا، يجب أن أحذرك أولًا من يدخل المملكة لا يخرج حيًا. يمكنك المغادرة الآن.. سأترك لك... More

تنويه
قوانين التنظيم (المملكة)
الشخصيات
الفصل الأول: المامبا الحامي لي
الفصل الثاني: نساء عائلة المُهيري.
الفصل الثالث: لماذا مُراد؟
الفصل الرابع: إلى اللقاء أمي.
الفصل الخامس: قصر الأشباح.
الفصل السادس: ثم لم يبقى أحد.
الفصل السابع: لا تترُكيني.
وشم المامبا +إعتذار
الفصل الثامن: وضع الغيرة
الفصل التاسع: يوم رفقة الأوغاد.
الفصل العاشر: انا الخاطف.
الفصل الحادي عشر: النجمة المسلوبة.
الفصل الثاني عشر: لتمتزج صرختنا معًا.
مسابقة 🔥
الفصل الثالث عشر: طبيب الطاعون.
الفصل الرابع عشر: رقصة أخيرة
الفصل السادس عشر: وتر أكيليس.
السابع عشر: رقصة الألم.
الفصل الثامن عشر: الغجرية الساحرة.
الفصل التاسع عشر: لنتزوج ماليكا!
الفصل العشرون: وحوشي وقعت لكِ.
الفصل الواحد والعشرون: خطوبة أم معركة حربية؟
الفصل الثاني العشرون: أنا الجحيم.
الفصل الثالث والعشرون: أحتضر ماليكا.
الفصل الرابع والعشرون: ليو الصغير.
الفصل الخامس والعشرون: بُتر قلبي.
الفصل السادس والعشرون: خنجر بروتس.
الفصل السابع والعشرون: مُروضة أنوبيس!
الفصل الثامن والعشرون: مرحبًا بالغجرية.
الفصل التاسع والعشرون: الموت أم.. الموت؟
إعتذار
الفصل الثلاثون: الذئب الذي أكل يُوسف.
الواحد والثلاثون: لن تكسريني، أليس كذلك؟
الثاني والثلاثون: نعم، أحبك.

الفصل الخامس عشر: فتيل القنبلة

1.5K 121 135
By HabibaMahmoud25

سلام عليكم
عارفة إن الفترة دي كله بيمتحن فحبيت أقولكم بالتوفيق جميعًا، ربنا يرزقكم بكل ما بتتمنوا🤍

متنسوش التفاعل
___________________________

إني أُحبك رغم أنف قبيلتي ومدينتي وسلاسل
العادات، لكني أخشى إذا بعت الجميع تبيعيني فأعود بالخيبات.

_ محمود درويش

______________ ︻╦デ╤━╼
𝕒𝕟𝕦𝕓𝕚𝕤
≼ أنـوبـيـس ≽

مرحبًا مجددًا
هل اشتقتم لي؟
اللعنة! يجب عليكم تقبل وجودي.
حسنًا، ربما تكون مقابلتنا الأخيرة.
هل تتوقعون الفوز لي في المواجهة؟
لا يهم.
أرغب في الخسارة.
التلاشي.. أن أقول لكم:
وداعًا.

ركضت من غرفتي إلى مبنى المامبا وقلبي يطرق بقوة كأنذار تفشي مرض مميت في قرية صغيرة للأعلان عن حذر التجوال، أنا ذاهب ركضًا ناحية حتفي.

لقد جاء تميم لي وأخبرني وهو يلهث إن عمي صالح يضرب كلًا من: باسل، موسى، وتركي، فنهضت من فوق الفراش دون تفكير وأطلقت العنان لقدمي تسبق الريح ثم فكرت في منتصف الطريق إن الثلاثة سوف يصبحوا أربعة بمجرد أن تطأ قدمي الرواق!

دلفت للمنزل ببطء ووقفت أشاهد الهرج الذي يحدث، الجميع يركض من أمام عمي الصالح وهو ممسك بحزام جدي سياف المفضل أثناء ركضه خلف باسل الذي يظهر على جزعه العلوي العاري خطوط حمراء متفرقة فوق جسده الذي كان أبيض من أثر الجلد.

- ما إنت لو راجل مش هتجري أبوك وراك كده.

- ما إنت لو سمعتني مش هجري.

قالها باسل بصوت متهدج من أثر اختناق البكاء بمنتصف حلقه تعقيبًا على حديث عمي صالح السابق الذي خرج بنبرة عالية غاضبة من ركض باسل وعدم وقوفه حتى يتم ضربه بهدوء!

أسرع عمي هارون الذي جاء خلفي ووقف حائل بينهما وهو ينظر إلى عمي صالح بتهديد أن يقترب، تزامنًا مع ركض عمي قاسم تجاه موسى الذي يجلس فوق الأرض متكور على حاله بعيون شاردة.

ضم عمي قاسم موسى لصدره بقوة بعدما جلس جانبه، فتشبث به موسى كطفل صغير قبل أن ينفجر في البكاء بشهقات متهدجة وصدره يعلو ويهبط بعنف.

حسنًا، إليكم أخي موسى من ألطف أخوتي وأكثرهم حساسية وأدبًا، أنا متأكد إنه لم يجعل عمي صالح يركض خلفه بل وقف بهدوء يستقبل ما حدث به.

اللعنة! لقد كدت أتسبب في اصابته بنوبة قلبية عندما كان يركض خلفي.

- خلاص يا حبيبي متعيطش.

قالها عمي قاسم وهو يقبل جبهة موسى ثم نظر إلى عمي صالح نظرة إذا كانت خنجر لاخترق قلب عمي صالح مباشرة قبل أن ينهض ويساعد موسى في ذلك ثم أخذه للأعلى بعدما رمق عمي صالح بنظرة مقيتة ثانية.

هناك شجار قادم بينهما لكن ليس أمامنا.
اللعنة ماذا حدث؟
حسنًا يمكنني توقع أن باسل قد كُشفت علاقته مع جميلة، لكن موسى؟
يا الهي موسى!!.

ما الذي فعله موسى ليضرب؟ إنه لا يتحدث مع امرأة جملة واحدة كاملة دون أن يحمر خجلًا، فهو خجول للغاية وإنطوائى، تبًا، إنه بالكاد يتحدث!

صرخت بملأ فمي عندما وقع بصر عمي صالح عليَّ ثم اندفع ناحيتي كدب مفترس وهو يرفع الحزام للأعلى ويسبني بسباب نابية ثم صرخت من جديد عندما حصلت على لسعة من السوط.

في الواقع كانت بتمثيل بالطبع، فجسدي يتحمل الألم جيدًا، لقد تدربت على ذلك، لكن هذا الحزام مؤلم بالفعل، أوه، لقد تذكرت الآن كم هو مؤلم، سوف نتقابل في الجحيم يا جدي.

- أوعى يا هارون هاتلي الكلب ده .. ده أنا هكسر عضمك يا ابن سالم، قولتلكوا ابعدوا عن أخويا .. قولت ولا مقولتش؟

صرخ بها عمي صالح وهو يحاول الوصول لي بعدما وقفت خلف عمي هارون أحتمي بظهره، اللعنة

أنا بالفعل أعلم لماذا هو غاضب على الجميع هكذا اليوم؟

هو لن يكون هكذا إذا علم الأمر في يوم الآخر لكن الآن هو بمأذق، سيخسر ابنه أو أخيه اليوم؛ نعم، في الواقع أنا ابنه بالرضاعة بالفعل لأن أمي داليا ارضعتني.

لكن ماذا أفعل؟
أخيه هو الحقير الوغد كان يضرب زوجته!

- أنا آسف، بس مكنش في حاجة في أيدي تاني أعملها، لو عايزني النهاردة ياعمي أدخل المواجهة وأسيبه يقتلني، عشانك هعمل كده.

قلتها بنبرة هادئة صادقة بعدما تهدل كتفي بيأس بسبب حزنه فأنا لا أحب أن يحزن أبائي، فتوسعت عين عمي صالح وحرك رأسه يمنى ويسرى بقوة وهو ينظر لي نظرة يتقافز منها الهلع قبل أن يقول مسرعًا بنبرة عالية من الغضب الممتزج بالتوتر:

- اوعى، اوعى تعمل كده، هو أخويا بس إنت إبني .. أنا خايف عليك، إنت فاكر إنك هتدخل تقتل صافي بالسهولة دي؟

مسح وجهه بتعب وألقى الحزام من يده ثم عاد خطوة للخلف بعثر نظراته على جميع أخوتي الذين يقفوا بصمت يشاهدوا ما يحدث وكلًا منهم منتظر دوره في اللعبة، ثم رفع أصابع يده العشرة وبدأ في تلاوة القوانين الخاصة بالمامبا بالكامل حتى وصل إلى مبتغاه:

- ممنوع على أيّ من المامبا أن يطيل النظر نحو امرأة من المملكة أو يتحدث معها بدون داعي، ومن يفعل ذلك يُعاقب عقاب عسير.
ممنوع على أيّ من المامبا أن يدخل في علاقة بأي شكل من الأشكال مع امرأة من المملكة ومن يفعل ذلك يُقتل .. يعني أنا دلوقتي المفروض أقتل الأستاذ باسل وتركي وموسى؟!

صمت لثواني وعاد ينظر لهم من جديد قبل أن يهدر بنبرة عالية مهددًا وهو يرفع إصبع سبابته أمامهم:

- كل واحد يلزم حدوده،  مش علشان أنا مدلعكوا تفتكروا إنها سايبة، لا، ده أنا هكسر عضمكوا، علشان أنا مش هدفن ابن تاني، التزموا بأم القوانين .. يعقوب بس هو المسموح ليه، علشان الحاوي بنفسه هو اللي مدي أمر بكدة.

- شوية كــلاب معندهمش دم، كل كلب يروح على أوضته، اتفو على دي تربـيـة.

خرجت هذه الجملة بغضب مفتعل من أخي "تركي" الذي يقف بسروال قصير، عاري الجزع، ويظهر على بشرته القمحية شرائط وردية اللون من آثار سوط عمي صالح فهو نال نصيبه بالفعل ثم بصق بصقة وهمية ناحية أخوتي.

أمسك عمي صالح الحزام من فوق الأرض من جديد وركض تجاهه لتكملة عمله الناقص بعدما اشعله الآخر بمزاحه.

- معلش يا حبيبي مش قصدي، أنا آسف.

قالها عمي صالح بنبرة حنونة لأخي "بكر الصغنن" بعدما نزلت ضربه فوق جسده كانت في طريقها لتركي لكنه تحرك في اللحظة المناسبة، ثم وضع قبلة فوق جبهة بكر ليعتذر له بحنان.

- أيوة ما علشان ابنك المفضل.

- لا يا حبيبي علشان مش ابن ** زيك.

قالها عمي صالح بنبرة عالية غاضبة تعقيبًا على حديث تركي السابق الذي خرج بطريقة ساخرة من ما حدث أمامه، ثم نظر لي عمي صالح من جديد وقال بنبرة جامدة:

- ساعتين كده وأخرج علشان أدربك.

- لا يمكنني ذلك لدي موعد مع أمي .. حسنًا عمي.

أضفتها بعدما رمقني بنظرة مخيفة وتأهب جسده في استعداد لتحويل بشرة جسدي القمحية إلى حمراء قانية بفعل سوطه، اللعنة!

حسنًا أمي، ربما لم يكتب لي تجربة حضنك في حياتي.

نظرت لباسل الذي بدأ البكاء الآن بشهقات عالية في حضن عمي هارون الذي خطى به ناحية الدرج وصعد به تجاه غرفته، فلحقت به وفارس ويعقوب ونيلان الذي جاء الآن وبعثر نظراته بدون فهم على الجميع وكذلك تركي الذي خطى تجاه غرفة موسى بوجه حزين حيث إنه أخيه المقرب.

نعم، نحن كُثر فكل أخ لديه أخ مقرب، مثلي وفارس، ويعقوب وباسل.

______________ ︻╦デ╤━╼

بعد ما يقارب الساعة من بكاء باسل المتواصل داخل حضن عمي هارون، أو الشبه متواصل فهو كان يتوقف ثواني يلتقط أنفاسه المختنقة بعدها يبدأ من جديد بطاقة جديدة لا أعلم من أين آتى بها لكنه معتاد على البكاء.

لا، لم يكن بسبب آلام جسده الذي يشتعل باحتراق مميت من أثر لسعات السوط، بل لأن عمي صالح لم يستمع له، فهو كان يطلب منه أن يستمع له لكنه لم يفعل! ..حسنًا هو حساس قليلًا.

لو كنت أنا الذي ضُرب كنت سأكون مثل أخي تركي عديم الأحساس الذي لولا بكاء موسى لأقام حفل وعاد للرقص، فهذا عادي بالنسبة لي على الرغم من أنه لم يتم ضربي من قبل من عمي صالح سوى بعض الضربات الخفيفة عندما كنت أصيبه بنوبة قلبية بسبب كوني طفل هادئ ولطيف للغاية!

أذكر تلك المرة الذي كان بها على وشك انتزاع أذني أنا وداغر بعدما احرقت فستان زوجة أريزونا.

كانت إيزابيلا أخت أريزونا ترغب في الزواج من أبي قبل أمي وبعدما تزوج أبي أمي، هل تستسلم؟

بالطبع لا، كان دائمًا تحاول التحدث معه ومغازلته، وكان أبي يبتعد عنها بهدوء حتى لا يحدث مشاكل بينه وبين أمي تنتهي بفصل جسده عن رأسه.
وفي أحد المرات كان الجميع مدعون داخل القصر للأحتفال بعرس أحد القادة حيث نقيم هنا زفاف جميع من بالمملكة وعلى حين غرة سحبت إزابيلا أبي من جانب أمي دون أن تطلب منه ذلك وبدأت في الرقص معه وهي تنظر إلى أمي بتحدي.

رقص أبي معها دقيقة ثم ابتعد بسبب حرجه من ما فعلته، فلم يكن أبي وقح مثلي، إذا كنت أنا لدفعتها بعيدًا ثم عدت حملت زوجتي ودلفت بها حلبة الرقص.

- ما تكمل الرقصة جيت ليه؟

قالتها أمي إلى أبي وهي تخرج صوت ساخر من فمها ثم عقدت ساعديها أمامها فضحك أبي بخفة وأخرج زهرة حمراء من جيبه وضعها جانب أذنها وهو يقول بنبرة رخيمة عابثة:

_ لقد فنيتْ روحي عليكَ صبابة ً
فَما أنتَ يا روحي العزيزَة َ صانِعُ

غَيرُكَ إنْ وَافَى فَما أنا ناظِرٌ
إليهِ وَإنْ نادَى فما أنا سامِعُ

كأني موسى حينَ ألقتهُ أمهُ
وَقد حَرِمتْ قِدْماً علَيْهِ المَراضِعُ

ابتسمت أمي بهدوء ثم وأدت بسمتها لتتصنع الثقل والغضب من جديد كأن ما فعله لم يؤثر بها، فأمسك أبي كفها وخطى بها بعيدًا ليرقص معها.

- اقترحات.

قالها أخي داغر بنبرة خبيثة وهي يرمق إيزابيلا بطرف عينه، بالتأكيد لن يمر حرق دم أمي مرور الكرام، فاتسحبنا ثلاثتنا من المكان وجلسنا نخطط سويًا ما المصيبة التي سوف تنزل على رأس "إيزابيلا" وعندما اتفقنا على شيء قررنا التنفيذ.

- ممكن ترقصي معايا؟

قالها فارس باكثر نبرة لطيفة لديه وهو ينظر للأعلى  في وجه "إيزابيلا" فابتسمت بسمة واسعة والخبث يتراقص في عينيها لإنها ظنت فارس أنا بالطبع وهذا يقربها من أبي لذا وافقت على الفور ووضعت يديها فوق كتف فارس وبدأت الرقص معه.

- أنتِ جميلة للغاية.

قالها فارس بنبرة منبهرة وهو ينظر لها، فبرقت عينها ببريق لامع قبل أن تقول بنبرة مراوغة:

- أنا أجمل أم أمك؟

- أنتِ بالطبع.

قالها فارس بنبرة مؤكدة فضحكت بسخرية وأنا أسكب فوق ذيل فستانها الأحمر الطويل وقود أحضرته من سيارة أبي ببطء شديد وأنا أحبس أنفاسي حتى لا تشعر بما أفعله، بينما داغر يرقص مع جميلة فوقي مباشرة حتى لا يرى أحد ما أفعله

- إنت حاسس اللي أنا حاسه؟

قالها عمي صالح في الناحية الأخرى إلى أبي الذي عاد وجلس جانبهم بعدما شعر أن هناك شيء مريب يحدث بسبب عدم قدرته على رؤيتنا جميعًا، فقال له أبي ببرود دو حتى أن يكلف حاله النظر إليه.

- أنا مش حاسس أنا متأكد، ليو حبيبي بيعمل مصيبة.

- الله يخربيت برودك يا اخي هقوم اشوفهم بيعملو أني مصيبة، أنا عملت إيه في حياتي علشان مراتي تخلف عيل شبه أخوها وواخد جيناته الشيطانية.

قالها بنبرة متهكمة وهو يضرب كفيه ببعض قبل أن ينهض من مجلسه ليبحث عنا بين الجموع، بينما عمي هارون نهض من مجلسه ثم ركض تجاهي عندما وقع بصرع عليَّ وأنا أحمل وعاء أبيض خاص بالوقود بعدما انتهيت وهو يقول بنبرة صارخة.

- يا نهار أبيض هيولعوا في البيت.

انتقلت عين أبي في الناحية الأخرى على الفور حيث كان يرقص فارس رفقة إيزابيلا لإنه متأكد إن الذي سيحترق ليس المنزل بل هي ثم انتفض من مجلسه وركض أثناء خلعه لجاكيت حِلته عندما وقع بصره على داغر الذي ألقى القداحة الحديدية المشتعلة من بين أنامله ليستقبلها ذيل فستان إيزابيلا كحبيب مشتاق لزوجته المسافرة بذراعين مفتوحين على مصرعيهما ليحترقا سويًا.

انقض أبي بجاكيته فوق ذيل فستان إيزابيلا الذي يتصاعد منه النيران ليطفئه مع صدوح صوت صرخاتها التي طربتني كصوت مغنيتي المفضلة عاليًا حتى قُتلت النيران وتم تخريب العُرس بنجاح.

ما حدث بعد ذلك كان متوقع لقد أمسكني عمي صالح أنا وداغر من أذننا بعد رحيل الجميع ثم خبط رأسنا ببعض لكن عمي هارون أنقذنا من بين براثينه قبل أن يبدأ الفتك بنا.

- أعمل فيكوا إيه؟ أنتوا متعاقبين أربعة وعشرين ساعة، أصلًا مفيش عقاب بيأثر فيكوا.

قالها عمي صالح بصراخ وهو ينظر لنا حيث نقبع بين ذراعي عمي هارون، فهمّ داغر أن يقول شيء لن يزيد إلا من احراق دمه لكنه ترقف عندما صدح صوت طلقات النيران من غرفة أبي وأمي.

- اسيب الست تولع يعني؟

قالها أبي من بين ضحكاته من الحديقة حيث إنه قفز من غرفته للأسفل عاري الجزع أمام نظراتها بالخارج من خلال الزجاج بعدما بدأت أمي باطلاق النيران عليه، ثم ركض بشكل متعرج للخارج عقب صدوح الطلقات عليه من جديد بعد تبديلها خزانة سلاحها وهي تقول بغضب:

- امشي يا ابن الـ ** من وشي، أقسم بالله يا سالم لو شفت وشك لحد الصبح لأقتلك.

- طيب حتى احدفيلي جاكيت، هموت بردان يا مفترية، هتروحي من ربنا فين؟

قالها أبي بنبرة عابثة وهو يضحك كعادته لكن كل ما قابله العديد من الرصاصات وبدأ الركض من جديد بعدما عاد خطوات ليحرق دمها.

ضحكت بخفة على ما يحدث بينهم حيث إن هذا المنظر طبيعي بالنسبة لي فأمي تغار بشدة على أبي، ثم هرولت لغرفة عمي هارون احضرت لأبي سترة ثقيلة وخرجت له وبدأت في الرقص رفقته حيث كان يرقص في الحديقة باختلال وهو يضحك بقوة، فأبي يحب غيرة أمي عليه.

خرجت من شرودي عندما دس عمي هارون يده في جيبه وأخرج حلوى العصا بنكهة الفراولة المفضلة عند باسل منذ كان صغير فهي لا تفارقه بتاتًا، وحركها أمام نظرات باسل بعدما هدأ قليلًا، فأخذها منه وهو يتنهد ليوقف اضطراب جسده ثم مسح دموعه بباطن كفه وأزال غلافها البلاستيكي ودسها بفمه بهدوء؛ فضحكنا جميعًا عليه.

- إيه اللي حصل يا حبيبي.

قالها عمي هارون بتساؤل وهو يضع قبلة فوق جبهته ليطمئنه بشأن ما سيسمعه، فارتعشت شفتي باسل لثواني قبل أن يبدأ في قص عليه ما حدث.

لقد رآه عمي صالح يقف رفقة جميلة خلف المنزل من شرفته حيث إنه قابلها ليعطيها سترته بعدما أخبرته إنها ترغب في التقاط صور بها رفقة عاليا.

حسنًا، علمت الآن لماذا كانت عاليا تتشاجر مع جميلة؟
لأن الآخرى كانت تريد مقابلة باسل داخل جدران القصر بينما يمتلئ بشعب المملكة جميعًا؛ اللعنة! إذا رآهما شخص ما لكان باسل في عداد الأموات الآن.

- وإنت إيه علاقتك بجميلة يا حلو؟

قالها عمي هارون بتساؤل وهو يضيق جفنيه بشدة وكأنه أمسكه بالجرم المشهود، فلا أحد من أعمامي بعلم بعلاقته مع جميلة لإنه لن يقبل أحد بذلك لأن هذا خطر عليه.

فإذا كان زواج نيلان من شفا مستحيل فزواج باسل من جميلة شيء خارق يماثل استيقاظي بجناحيّ ملاك.

إنها ابنه صافي المالكي، جميع رجال المملكة بكل قوتهم لم يقدروا حتى على رفع نظرتهم عليها أمامه، فهو مختل لا يفكر بعقله بل بخنجره.

لكن باسل لم يفكر في خنجر صافي عندما وقع لجميلة، هو يبكِ كثيرًا نعم، لكنه لا يخاف، المامبا لا تخاف من شيء، بل تتبع القوانين.

(منذ عامين)

كان باسل يجلس بالحديقة يلعب لعبة إلكترونية عبارة عن حرب ما على هاتفه فسمع صوت شهقات بكاء تقترب منه صدح صوتها أعلى من صوت القذائف النارية الخارجة من سماعة هاتفه، فرفع رأسه المنكبة فوق الشاشة حتى وقع بصره على جميلة التي مرت من أمامه مهرولة وهي تمسح عيونها بكم سترتها الواسعة.

جلست على إحدى الأَرَائِك الخشبية المتناثرة في الحديقة بمكان بعيد عنه نسبيًا لكن في حدود رؤيته، فعاد للعبة من جديد لكن بذهن شارد وعيون حاول جاهدًا أن تبقى فوق الهاتف أو الأرض وليست عليها كما يفعل جميع المامبا مع نساء المملكة.

-  ممكن أتكلم معاك، محتاجة اتكلم مع حد وعارفة أن المامبا مش بتخرج أسرار وأنا تعبانة.

قالتها جميلة إلى باسل بنبرة باكية بعدما نهضت من مجلسها وتقدمت تجاهه، فرفع باسل نظره إلى وجهها المتورم وفتح ثغره قليلًا استعدادًا لقبول الإستماع لها، لكنه نهر حاله بسرعة وقال بنبرة جامدة:

- مينفعش نتكلم مع بعض، قوانين المملكة.

- أنا هتكلم إنت بس هتسمعني ..  داغر هيسمعني، أنا لسه بحبه حتي بعد ما سابني، عارفه إنك صاحبه لسه فكراك أكيد، ممكن تسمعني مكانه؟

قالتها بنبرة بمنتحبة بعدما عادت للبكاء من جديد، فزاغت نظرات باسل الذي يحاربه عقله وقلبه في الوقت ذاته، فعقله يدفعه للرفض وقلبه الذي يخفق لأجلها أبى ذلك، على الرغم من شعور الذنب الذي يخنقه بسبب خيانته لداغر بخفقان قلبه لخطيبته السابقة.

- ممكن.

- مش هتخرج أسراري صح؟

قالتها جميلة بعدما جلست تعيبًا على حديث باسل الذي انتصر قلبه بنبرة متسائلة وهي تنظر له برجاء أن يؤكد حديثها لذا هتف بصدق:

- وعد.

تنهدت جميلة براحة وبدأت بسرد عليه تفاصيل كثيرة في حياتها لم يخبرنا بها باسل، لكنني أعلم الكثير من الأشياء عن جميلة.

أبيها يضربها بعنف منذ كانت صغيرة بدون سبب في الواقع فهو مختل، كان دائمًا يراقب حركتها، ملابسها، طريقة حديثها لدرجة جعلتها ترتجف رعبًا عندما يكون بجوارها وكأنه العفريت الخاص بها.

أعلم كذلك إنها تفعل أشياء غير لائقة كارتباطها بعدد كثير من الرجال في نفس الوقت، والرهان عليهم واللعب بهم في ذلك النادي اللعين.

لكنني كذلك أعلم لماذا تفعل ذلك؟
إنها تنتقم من أبيها في حالها، فهو كان يريدها نظيفة، بريئة وهي انتقمت منه في حالها، جعلته أخرق؛ يظن إن ابنته ذات أخلاق عالية، تمشي على قوانينه الخاصة ولا يعلم إنها ارتبطت بجميع الرجال بالمملكة.

نعم، جميلة ارتبطت بأغلبية رجال المملكة فهذا هو هدفها من البداية لكن ماعدا القائد سِت فهي تكرهه بشدة.

ظن باسل إن الأمر انتهى عند ذلك الحد وإنها لن تتحدث معه من جديد وكأن الأمر حلم جميل وانتهى، لكن في اليوم التالي بعد منتصف الليل وجد هاتفه يصدح برقم غريب فأجاب على المكالمة بوجه منكمش ثم ارتفع حاجبيه في دهشة عندما وصل له صوت شهقاتها عقبها صوتها المتحشرج تقول:

- باسل، أنا جميلة، صاحي شوية؟

- مالك؟

قالها باسل بنبرة هادئة ولم يطل التفكير في كيفية حصولها على رقم هاتفه ثم بدأ الاستماع لما تقوله بأهتمام، ولم يحاول تجاذب أطراف الحديث معها، فهو كان يستمع لها فقط وكأنها تتحدث مع حالها.

باسل ليس متمرد، تتراقص القوانين أمام أنظاره، فحتى كسره للقوانين لم ينزع الولاء من قلبه.

استمر هذا الوضع لما يقارب الشهر، تتحدث معه كل يوم في الهاتف تقريبًا، وهو بدأ يتفاعل معها تدريجيًا حيث تجاذب معها أطراف الحديث أخيرًا بعدما كان مثل الصخرة تعلم فقط إنه ليس جمادًا من خلال صوت تنفسه، لكن كذلك لم يتحدث عن حاله، كان يُجيب على حديثها فقط، يدعمها، يهدئها حتى تصبح بخير.

_ يعقوب، أنا في حاجة عايز أتكلم معاك فيها.

قالها باسل إلى يعقوب بعدما بدأ الشعور بالذنب يقرص جسده وكأنه مغطى بخلية نحل كاملة تقضم جلده، بسبب خيانته لأخيه داغر وكذلك عمه صالح، فهو لم يخترق القوانين فقط، بل يحادث ابنته، فجميلة لا تعتبر أبيها صافي بل صالح فهي تحبه أكثر من أي أحد آخر في حياتها.

- لازم تبعد عنها دلوقتي.

قالها يعقوب بنبرة جامدة عقب انتهاء باسل من سرد حكايته مع جميلة ولم يظهر عليه المفاجأة من الأمر، فحرك الأخير رأسه بالإيجاب وعزم داخله أن ينهي ذلك الأرق الذي تسلل إلى حياته الهادئة. 

بدأ الأبتعاد عنها بالتدريج حتى لا ينسحب فجأة أو كان يقنع حاله بذلك، فهذا حديث القلب بالطبع.

_ باسل ممكن تقابلني النهاردة انا تعبانه اوي .. محتاجة أشوفك.

قالتها جميلة وهي تحدثه بالهاتف بنبرة منتحبة ناتجة عن انهيارها الكامل بعد أسبوع من تقليل تحدثه معها، فتنهد باسل مطولًا قبل أن يقول بنبرة محملة بالهموم:

- مش هينفع، القوانين.

- عشان خاطري يا باسل أنا محتجالك، خايفة أعمل حاجة في نفسي.

قاطعت كلامه برجاء فوافق بسرعة بعدما خفق قلبه بعنف بين ضلوعه عندما فكر في إنها ربما تفعل شيء بحالها بحق، ثم ارتدى ملابسه على عجل وذهب لملاقتها في المكان المتفق عليه ليطعن فكرة الأبتعاد عنها التي كانت تتراقص داخل عقله في قلبها لتخر صريعة.

_ عملت إيه مع جميلة؟

قالها يعقوب بنبرة جامدة أكثر منها متسائلة حيث يعلم الأجابة وهو يثبت نظراته بباسل بعدما جاء للمنزل، فازدرم باسل ريقه بصعوبة وبعثر نظراته التائهة بالغرفة قبل إن يقول بنبرة متوترة:

- بصراحة مش هقدر أبعد عنها، خايف تعمل في نفسها حاجة .. لو حصل حاجة عمي صالح مش هيكون مبسوط أكيد.

- أكيد مش هيبقى مبسوط.

قالها يعقوب ببساطة وهو يحك وشم الثعبان الذي يزين مرفقه بالكامل برفق ثم قام بتغير الموضوع إلى شيء ليس له أهمية، ففهم باسل على الفور ما كان يقصده.

المبامبا لا يمكنه إخراج أسرار قائده لكن هناك طريقة متلاعبة بين المامبا لتوصيل رسالة سرية للمامبا الآخر لتحذيره دون النطق بما ينحبس داخل صدره، فحك الوشم يعني لهم.

" انتبه على حالك من قائدي"

بالطبع غزل لن تؤذي باسل لكنه فهم الحقيقة، يعقوب يعلم جميع الرهانات التي تُقام بين نساء المملكة بصفته المامبا الحامي لغزل ويذهب معها في كل مكان، ويعقوب لا يستطيع البوح بتلك المعلومات لإنه هذا ضد ولائه، وجميلة أخبرت باسل بكل شيء عنها لذا فهم.

هو الرهان الجديد!

_ جميلة بتلعب بيا، عايز أعرف إيه التفاصيل بالضبط.

قالها باسل إلى فارس دفعة واحدة بعدما دلف علينا الغرفة فجأة بوجه منتفخ وعين صارت بلون الطماطم من شدة البكاء وخلفه جاء يعقوب بوجه مضطرب.

- اهدى طيب وهنعرف كل حاجة.

قالها فارس وهو يضم باسل له في عناق قوي قبل أن يفصل العناق بهدوء ثم عانقته أنا الآخر بعدها أخرج هاتفه من جيبه وهاتف أثينا ابنه هاديس الصغرى فبينهما مصالح متبادلة.

هي تخبره الرهانات القائمة وهو يساعدها في الفوز، بهذه البساطة.

- مرحبًا سمو الأمير الوسيم، أي ريح دفعت سُفنك لي؟ أوه! هل اشتقت لـ أثينتكَ.

قالتها أثينا بنبرة متلاعبة بلهجة أسبانية متقنة، فأخرج فارس صوت يدل عن السخرية من حنجرته قبل أن يقول بنبرة لا تخلى منها:

- أثينتي؟! تقصدي أثينة الجميع يا أمراة!

- وما المشكلة؟ أنا أمل بسرعة سمو الأمير، لا يمكنني البقاء مع نفس الرجل لأكثر من شهر.

ضحك فارس بسخرية على صراحتها فهذه الفتاة واحدة من أكثر الفتيات تلاعبًا بالمملكة، فهي منافسة غزل وجميلة الأولى؛ ثم قال لها بنبرة عادية كي لا يتطور الحديث بينهما لأن فارس الآن يحب شهد:

- حسنًا أثينا لندخل في صلب الموضوع، ما هو الرهان القائم على المامبا.

- حسنًا، لكن أنت تعلم أنا لا أفعل شيء دون مقابل، يجب عليك دفع الثمن.

قالتها بنبرة مراوغة فقلّب فارس عينه بسخرية ثم وافق على الفور بعدما نظر إلى وجه باسل الذي يكاد ينفجر من الفضول والغضب، فهو اللعبة هنا.

المفاجأة: لم يكن رهان واحد بل ثلاثة خلف بعضهم البعض.

الأول: التحدث مع المامبا.
الثاني: الخروج مع المامبا.
الثالت: اعتراف المامبا بحبه لها.

وهذا كان أصعب رهان في تاريخ ناديهن، بسبب القوانين التي تمنع المامبا من التحدث مع نساء المملكة، فلم يذعن أحدًا من المامبا لهن؛ لقد بقى هذا الرهان قائمًا لمدة ستة أشهر بلا أي تقدم.

كلما حاولت واحدة التحدث مع المامبا يبقى عينه فوق الأرض وفمه مغلقًا وكأن أحد قام بحياكة شفتيه ببعض.

كما تم إخراج تركي من المنافسة لإن أثينا يمكنها الأتفاق معه بسهولة، وكذلك سليمان ولأن غزل كذلك يمكنها الأتفاق معه؛ ويعقوب بالطبع فهو يعلم كل شيء، وهذا هو سخرية القدر لأن يعقوب لم يكن ليأخذ خمسة دقائق في يد غزل حتى يفصح لها كل ما يعتمر داخل صدره.

- حسنًا الآن، يجب عليك إقناع موسى بأن يعترف لي بحبه في رسالة صوتية لأن جميلة فازت بأول اثنين وأنا لن أتركها تربح هذه السنة كذلك.

قالتها أثينا بنبرة آمرة بعدما انتهت من سرد الحوار بأكمله فوافق فارس وأغلق معها المكالمة بكلمات مقتضبة، حسنًا سيتعب قليلًا في جعل موسى ينطق الكلمات لكن لا بأس.

- أنا عملتها إيه علشان تعمل فيا كده؟! أنا ضحيت بحياتي علشان اطبطب على قلبها، هو ده جزاتي؟!

قالها باسل بنبرة متهدجة والدموع تلمع في مقلتيه قبل أن ينفجر في البكاء بعنف أكبر من سابقيه، فقد صار الأمر الآن أكيد وليس مجرد شك ينهش صدره.

لقد اعتبرت قلبه وكأنه لعبة بين يديها تتسلى بها لبعض الوقت حتى تربح ثم ترميه أرضًا وتدهسه بقدمها عندما تمل وتبحث عن لعبة أخرى لم تلعب بها بعد.

- انتقم منها أخي.

قلتها بنبرة جامدة بعدما شعرت بالغضب الساخن يسري في أوردتي كارتفاع اللون الأحمر لآخر درجة في مقياس الحرارة الذئبقي، أحسست به يحرق جسدي من الداخل، كان عنيفًا ومؤذيًا.

لم آرى عمي صالح الذي يحبها كابنته، أو أخي داغر، أو أي شيء.

كل ما فكرت به أن أذيقها ألمًا يمزقها من الداخل كما فعلت بقلب أخي اللطيف، باسل الأكثر لطفًا بين جميع أخوتي، لا يستحق كل هذا.

- أعمل إيه؟

قالها باسل بتساؤل وهو يرفع رأسه من بين ذراعي يعقوب حيث كان يبكِ بالداخل، فتنهدت بعمق حتى أستطيع السيطرة على قوة الغضب المتحكمة بي وقلت بنبرة جامدة:

- اقلب السحر على الساحر، أجلها تشعر بحبك لها، أهتم بها، بتفاصيلها، كن لها طوق النجاة، لكن لا تنطق الكلمة اللعينة وعندما تشعر بحبها لك .. انسحب كالماء المغلي.

- طيب لو محبتنيش؟

قالها باسل بنبرة تائهة وهو يحرك بؤبؤاه بغير هدى على كل شيء بالغرفة وهو يفكر في ما أخبره به، فتدخل نيلان للمشاركة لأول مرة منذ أن جلسنا:

- أنا مش مقتنع بالهبل ده، بس هي هتحبك.

نيلان الأفضل في قراءة الأشخاص بين جميع المامبا، فهو يعلم أن جميلة تعلقت به بالفعل، لأن كل ما أخبرته به كان حقيقيًا لتحبك الدور، وهي بالفعل تحتاج إليه.

لكنه يعلم باسل كذلك، وباسل لن يقدر على تنفيذ ما أخبره به، فهو سوف يسامحها إذا علم بحبها له كالأخرق.

في اليوم التالي طلبت جميلة من باسل أن يقابلها، لم يكن قد قرر بعد هل سينفذ الخطة أم لا، فوافق على مقابلتها لحين إتخاذ قرار في الأمر، وقضى معها اليوم بأكمله لكن لم يكن على سجيته معها فقد كان عابث الوجه طوال الوقت.

- جميلة .. أنا بحبك.

قالها باسل بنبرة هادئة صادقة فجأة قبل أن يترجل من سيارتها بعدها وضع يده على مقبض الباب عندما دفعه قلبه لذلك ثم بعثر نظراته على وجهها ليرى ردة فعلها تجاه الكلمة حيث كان داخله يصرخ بقول:

اخبريني إنكِ لم تتلاعبي بي.
لن تتركيني.
كل ما سمعته كذبة، أليس كذلك؟
وإنتِ تحبينني جميلة.
هل نبضات قلبي رخيصة هكذا بالنسبة لكِ؟

لكنها لم تخبره بذلك، كل ما قابله منها ابتسامة هادئة ثم حركت يدها على محرك السيارة لتنقل حركته من الوقوف إلى التحرك استعدادًا للأنطلاق، فهبط من السيارة بروح احترقت وقلب ينزف دمًا.

_ مالك يا حبيبي؟

قالها عمي هارون وهو يمسد خصلات باسل الذي ركض إلى غرفته بعدما ترك جميلة واندفع لداخل ذراعيه وبدأ في البكاء كعادته.

- قلبي واجعني يا بابا.

(عودة للواقع)

- ولا إنت لما جتلي بتعيط وقولتلي أن قلبك وجعك ومش عايز تتكلم كان بسببها؟ قولي لا قبل ما أتشل.

قالها عمي هارون بنبرة عالية غير مصدقة وهو يمسكه من تلابيبه ويهز جسده بعنف فصار جسد باسل وكأنها ثقالة في منتصف جرس ضخم أعلى البرج، باسل لم يخبره وقتها بسبب حزنه وعمي لم يضغط عليه حتى يخبره باسل بنفسه.

أخرج باسل الحلوى من فمه التي صارت صغيرة للغاية الآن ثم ابتسم بسمة واسعة بلهاء ليجيب على سؤال عمي.

- آه، قلبي، أنا عملت إيه في حياتي علشان أخد كل يوم عزاء في رجولة واحد من ولادي، مبتعيطوش غير بسبب الستات يا شوية كلاب.

قالها عمي هارون بدرامية وهو يمسك قلبه أثناء جلوسه فوق الأريكة بتمثيل السقوط بعدما ترك باسل ثم رمقني بنظرة من طرف عينه للتعبير عن فخره بذكوريتي، فأنا الوحيد بين الجميع الذي ظل صامدًا.

ماذا؟ ألم تصدقوني؟
هل أقسم لكم باخلاقي؟

حسنًا، في الواقع لقد أخذ العزاء في ذكوريتي قبل الجميع فقد بكيت بين ذراعيه بسبب غزل ثم عدت لها من جديد!

- ما أنا كنت عايزها متسبنيش، ومتديش التسجيل ليهم، كنت فاكر إنها هتفضل معايا ومش هتتخلي عني هي كمان، محدش بيختارني، ولا بيتمسك بيا هو أنا مستاهلش للدرجادي؟ مع إني حبيتها رغم كل عيوبها، شوفتها ضحية عادي ما كلنا بنغلط، بس هي برضو بعدت ومكلمتنيش تاني.

قالها باسل بنبرة قهر وبدأت الدموع تتجمع داخل مقلتيه من جديد وكأن ما حدث قديمًا يُعاد أمام أنظاره، وأن قلبه مازال ينزف.

اللعنة! لقد طرق على الجزء الحساس داخلي بمطرقة ساخنة، وكأنه كان ينقصني ذلك؟!

أنا أشعر بالذنب بالفعل بسبب ما فعلته معه هو ويعقوب، فعندما سافرت إيطاليا عقب زواج أمي من الحاوي ابتعدت عن الجميع، وكأنهم لم يكونوا جزء مني، هل يستطيع أن يعيش الإنسان دون بعض الأعضاء بجسده؟

لا، لم يحدث، لكنني كنت متخدر من الألم الذي يسحقني ويدمرني، كنت أرغب فقط بالموت، لم أستطع التحدث مع أحد ولم أستطيع المقاومة إلا عندما عدت ولملمت بقايا أعضائي الممزقة.

لكن بالطبع لم ابتعد عن فارس، وهذه هي المشكلة الكُبرى لديهم، لكن الحقيقة فارس الذي لم يتركني في الواقع، فهو كان يبكِ إذا لم أجيب على مكالمته.

أذكر عندما عدت لمصر في الأجازة، كنت متعب بشدة ومنطفئ وكأنني مصباح احترق، كنت أريد البقاء بمفردي بسبب ضجيج أفكاري فقلت لفارس الذي كان يمسك بذراعي وكأنه جزء من جسده هو كعادته:

- ممكن أقعد مع نفسي شوية؟

حرك فارس رأسه بالإيجاب وخرج من الغرفة فدلفت الشرفة وجلست على الأرض أنظر للهلال في السماء وبدأت أسمع صو..

- ممكن أقعد مع نفسك؟

قالها فارس الذي ظهر أمامي فجأة ثم جلس جانبي دون أخذ الرد وأحتضن ذراعي وأراح رأسه فوق كتفي بهدوء، فتنهدت بعمق قبل أن أريح رأسي فوق خاصته، لا يوجد شيء آخر أفعله.

إذا أخبرته أن يذهب سوف يبكِ ويظن أنني لم أعد أحبه مثل السابق.

_ رجعتلها إزاي بقى يا حلو؟ ابهرني.

قالها عمي هارون بنبرة ساخرة وهو يعقد ساعديه أمامه، فحمحم باسل بخشونة ليجلي حنجرته قبل أن يجلس بعيد عنه نسبيًا ليسرد ما حدث معه.

بعد ستة أشهر من انسحاب جميلة عن حياته وبدأ يتعود على غيابها أخيرًا، وجد هاتفه يضيء باسمها، فنظر للأسم بدون تصديق هازل قبل أن يضع الهاتف على أذنه ويجيب بنبرة ساخرة:

- إيه؟ في رهان تاني عليا؟

سمع صوت ضحكتها الخافتة الساخرة التي خرجت منها بطريقة مؤلمة عبرت من قلبها لخاصته، ثم شهقت للسيطرة على بكائها قبل أن تقول:

- كنت فاكرة إني كسبت، معرفش إن هيحصل معايا كده، أنا أتعود على وجودك.

- المفروض أصدقك؟!

- انت الشخص الوحيد اللي كنت بتكلم معاه بصراحة بتكلم معاك زي ما بتكلم مع نفسي بس نفسي بطلت ترد عليا من وقت ما إنت ظهرت، أنا محتاجة أتكلم معاك، ممكن أعتبرك أخويا الكبير وأقولك محتجالك وتسامحني، هما مش الإخوات بيسامحوا بعض؟

- بس إحنا مش إخوات.

هتف بها باسل بنبرة هادئة لينفي لها ما تقوله وكأن لم ينتبه سوى لتلك الكلمة التي جعلت قلبه يقف متأهب كمحارب ضخم ويستل سيفه للدفاع عن مشاعره لكنه أعاد السيف إلى خمده عندما ارتفعت شهقاتها عاليًا ثم قالت برجاء:

- اعتبرني أختك.

وكأي شخص وجد كرامته كهدية مع عرض لبيع جلاية الصحون عاد لها من جديد، إنه يشبه شخص آخر معدوم الكرامة أعرفه.

لا ليس أنا.
هل أقسم لكم بأخلاقي؟

لا أعلم لماذا يتحمل كل هذا، فهي تتلاعب به كدميتها، تظهر كل فترة وتختفي، تتحدث معه كل يوم، أو كل إسبوع، أو إسبوعين وتختفي شهر وتعود من جديد، تعامله كطبيبها النفسي المعالج، تتحدث معه على جميع مصائبها والآمها، تمتص منه طاقته التي يبذلها معها حتى تكون أفضل كمصاصين الدماء الذين يصطادون البشر لشرب دمائهم ثم تركهم جثة هامدة في الطرقات بعد ما يحصلوا على ما يريدون.

لكن الحديث معه لن يفيد بشيء فهو لن يتركها، لقد وقع لها وانقضى الأمر، فعمي صالح دائمًا يقول على حُب المامبا "لعنة المامبا" فهو يقع لامرأة واحدة فقط، ويحبها بشدة، لإن المامبا لا يحب مثل الجميع، بل يحب بشكل مضاعف للطبيعي بسبب الخلل الذي يحدث داخله.

اللعنة، إنه مدرب على الموت من أجل قائده.

_ إنت مش واخد بالك إنها لسه بتلعب بيك؟

قالها عمي هارون بنبرة هادئة وهو ينظر إلى باسل بعدما انتهي من سرد ما حدث لكرامته التي تبعثرت في جميع أنحاء الغرفة كالدخان، فتدخل يعقوب يقول بنبرة ساخرة:

- متحولش يا عمي ده مهزأ .. فاكر يا ليو البوست اللي نزله؟

أضافها وهو ينظر لي بتلاعب فضحكنا جميعًا عليه بعدما تذكرنا ما نشره عقب انسحابها من حياته، فقد نشر على جميع حساباته في مواقع التواصل الإجتماعي حتى تصل لها، فقد كاد ينزل لي المنشور من صنبور حوض المطبخ من كثرة رؤيته، حيث نشر إقتباس لمحمد درويش يقول:

" كنت سأحارب بك الاهل والقبيلة والعادات أما الان، لو جئتني ببلدان العالم، لا أريدك "

- يا جماعة هو كان قصده يحط الفاصلة بعد "لا، أريدك" بس اتلغبط.

قالها نيلان بنبرة هازلة وهو يرمق باسل بطرف عينه، فضحكنا مجددًا ثم علت ضحكاتنا عندما صنع باسل بوجهه شكل مضحك ليقلد نيلان بسخرية ثم ركض وجلس خلف عمي هارون عندما اعتدل نيلان في جلسته لمراوغته.

- نتكلم بجد، العلاقة دي لازم تنتهي، صافي هيموت بكرة وجميلة بنسبة كبيرة هتختار واحد من القادة الصغيرين تتجوزه.

قالها عمي هارون بنبرة جادة وهو ينظر لباسل الذي حرك رأسه عدة مرات بالموافقة قبل أن تغرق الدموع بؤبؤ عينه، فتنهد عمي هارون وضمه لصدره بعدما أحاط كتفه وقال بهدوء:

- والله أقدر اجوزهالك غصب عنها وعن أي حد، زعلكوا غالي عندي اوي مستعد أعمل أي حاجة ومشوفش واحد فيكوا موجوع بس قولتهالك زمان وهقولها تاني وللكل متحاولوش مع حد مش شايفكوا، أي حاجه ممكن تتاخد بالغصب ماعدا الحب .. عايزها بالغصب؟

قالها عمي هارون بنبرة متسائلة وهو يرفع ذقن باسل لتتصل نظراتهم ببعض، فهو يمكنه فعل أي شيء من أجل أبنائه، حتى إذا اضطر أن يحرق المملكة برمتها من أجل سعادته سيفعل.

- بس طلع قلبك ميت، بنت صافي مره واحدة، لو عرف كان باعك أعضاء، قولي كان بيجيلك في كوابيسك ولا لا؟

قالها عمي هارون بنبرة مازحة وهي يضرب باسل في كتفه بخفة لتغير دفة الحديث وإضافة بعض المرح بعدما حرًك باسل رأسه بالرفض للأجابة على سؤاله السابق.

غمز باسل بمشاكسة وانتفخ صدره بشموخ قبل أن يقول وهو يعدل من قميصه القطني الأسود:

- ما هو لو شافني معاها مبقاش مامبا، عيب عليك يا "رع" ده أنا تربيتك.

ضحكنا جميعًا بخفة على مظهره قبل أن تتلاشى ابتسامتنا عندما تحولت نظرة عمي هارون المرحة لأخرى مرعبة وهو يثبت نظراته إلى باسل ثم أمسك ذراعه وثناها خلف ظهره وهو يقول بفحيح:

- إنت قولت إيه بقى من شوية؟ آه، محدش بيختارك، وبيتخلو عنك، وأنا يا عيوني؟!

صرخ باسل برعب قبل أن يقول مسرعًا وهو يحرك رأسه بالنفي عدة مرات:

- والله يا بابا دي كانت أفكار سلبية وقتها، مش حقيقي.

- أيوه ما أنا هظبطهالك الأفكار دي .. هاتلي حقنة بسرعة يا خوفو.

قالها عمي هارون إلى خوفو الذي إنضم لنا منذ قليل، فضحك خوفو عاليًا بشر وبرقت عيناه بخبث قبل أن يخرج من الغرفة باستمتاع، فصرخ باسل من جديد وهو يقول أثناء ركضه:

- لا حـقـنـة لا، هعيط تاني أهو.

أمسك به عمي هارون ورفع جسده عاليًا ثم هبط به فوق الفراش في حركة تشبه خاصة المصارعين مما أدى لتحطم خشب الفراش بهما تحت ضحكاتنا التي ارتفعت بصخب.

حسنًا الآن دعوني أخبركم كيف إنضم باسل لنا؟
هل ترغبون في معرفة ذلك؟

في أحد الأيام المظلمة بمنتصف الشتاء حيث يختبئ قرص الشمس خلف السحب المُلبدة ظهرًا، ألبست والدة باسل ذو السادسة ردائه المُفضل وأحضرت له حلوى العصا بنكهة الفراولة، وكذلك سيارة صفراء لُعبة كان يريدها منذ مدة وهي وعدته بها.

أمسكت كفه الصغير ودلفت به إلى مبنى دار رعاية الأطفال التابع للجمعية الخيرية الخاصة بعائلتنا.

- إيه رأيك تروح تلعب مع الأطفال؟

قالتها والدة باسل له وهي تبتسم بهدوء وتمد يدها له بعلبة من حلوى العصا ليشارك الصغار حلوته المفضلة، فحرك باسل رأسه بالموافقة والتقط منها العلبة بكلا كفيه.

- بحبك اوي.

قالتها له أمه وهي تضمه لها بشدة، فابتسم باسل بسعادة كبيرة وأخبرها إنه يحبها أكثر من أي شيء في العالم قبل أن يذهب تجاه الصغار ويلعب معهم.

أثناء انشغال باسل باللعب مع الصغار حرك نظراته تجاه موقع أمه كما يفعل دائمًا ولم يجدها في مكانها، لذا ركض للداخل يبحث عنها بعدما سيطر الهلع على عقله الصغير وشعر إن أمه تركته وذهبت مثل تفكير جميع الصغار.

لكن الفرق بينه وبين باقي الأطفال، إن أمهم تعود لهم وتضمهم إليها وأمه بالفعل تركته.

_ ماما هتيجي تاخدك تاني، بس لازم تكون شاطر وتبطل عياط ماشي؟

قالتها إحدى مشرفات الدار إلى باسل الذي كان بدأ في البكاء بصوت مدوي صارخ بعدما علم إن أمه تركته بالفعل تحاول تهدئته قليلًا حتى لا يتوقف قلبه من البكاء.

- ماشي بس ممكن تقولي لمامي تيجي تاخدني دلوقتي وأنا مش هبقى شقي تاني؟

قالها باسل برجاء وهو يمسك دموعه بكم سترته، فابتلعت المشرفة ريقها بصعوبة لتحبس بكائها وحركت رأسها بالموافقة وهي تثبت عينها عليه قبل أن تطبع قبلة فوق وجنته الوردية، ثم حملته ووضعته في فراشه الجديد.

في اليوم التالي ذهب عمي صالح إلى الدار وحمل باسل الذي ظن إنه سوف يعيده إلى أمه، وجلبه معه إلى القصر، ثم أنزله في المنتصف حيث يقفوا جميع أبائي وأمهاتي فبعثر باسل نظراته على الجميع قبل أن يقول برعب وقلبه بتقافز داخل صدره:

- ماما فين؟

- أنا أهو يا حبيبي.

قالتها أمي داليا وهي تقترب منه بلطف وتضع يدها فوق كتفه، فبعثر نظراته فوق وجهها الذي لا يقترب حتى من وجه أمه قبل أن يفتح فمه بكل وسعه ويبدأ في الصراخ وهو يهتف بـ "ماما"

بالتأكيد تظنوا الآن إننا خاطفين أطفال؟
لكن بالطبع لا.

هذه المراة ليست أمه، لقد تبنته من الدار وهو بعمر شهرين، فهي لم يرزقها الله بأطفال فألحت على زوجها بشأن تبني طفل ووقع الأختيار على باسل ولم تخبره أبدًا إنه متبني، ومنذ أربعة أشهر رزقها الله بطفل داخل أحشائها بعد إحدى عشر عامًا من الزواج دون إنجاب، فقرر زوجها التخلي عن باسل لإنه لم يعد يريده وأجبرها على إعادته!

نعم، بهذه البساطة وكأنه هاتف جوال لم يكن يتركه من يديه طوال النهار لكنه أبدله بسهولة بواحد أحدث منه عندما نزل في الأسواق.

هاتفت المشرفة أمي داليا أخبرتها بحكاية باسل وبشأن بكائه، فاقنعت داليا زوجها صالح بأن يذهب للدار ويحضره لها في الحال، وبالفعل ذهب عمي صالح ورآه وعاد به بدون تفكير على الرغم من كبر سن باسل عن الحد الأقصى للمامبا وهو أربعة أعوام، لكن عمي صالح قرر كسر القوانين، تقريبًا بسبب عيونه الرمادية الساحرة ذات البؤبؤ والحواف السوداء ففكر في تحسن نسل أبنائه.

يا إلهي! الرجل يستيقظ كل يوم ليرى وجوه عائلتنا المتشابهة، بالتأكيد سينتهز هذه الفرصة التي تقدمت له على طبق من ذهب، لكنه لم يكن يعلم ما الذي خلف ذلك الوجه الجميل؟!

يا الهي! أذكر هذه الفترة جيدًا وكأنها أمس.

كان باسل يبكِ بشكل هستيري متواصل ولا يتشتت بأي طريقة مثل جميع الأطفال، كان عمي صالح يعطيه حلوى يأكلها وهو يبكِ، يأكل غدائه وهو يبكِ، لا يتوقف إلا عندما يسقط في النوم من التعب وعندما يفتح عينه يبدأ من جديد.

اللعنة! إنه لا يستوعب إن أمه تركته، فهو يظن إنه خُطف.

_ ثلاثي أشرار المدينة.

قالها عمي هارون بنداء علينا أنا وداغر وفارس فهو كان يطلق علينا هذا اللقب الجميل، فركصنا له على الفور ونظرنا له بشغف فهو سيطلب منا الآن شيء مُثلٍي، فبعثر عمي هارون نظراته على وجوهنا المترقبة ثم قال وهو يشير ناحية باسل:

- اللي هيخليه يلعب معاه الأول ويبطل عياط هو الكسبان.

- المقابل؟

قالها أخي داغر وهو يضيق عينه ويحك أصابعه ببعض بحركة لا تليق بسنه لكننا لم نكن أطفال، فابتسم عمي هارون قال وهو يغمز له بطرف عينه:

- المصيبة الجاية مفيش فيها عقاب؟

- علم وينفذ يا قائد.

قالها أخي داغر بنبرة عملية لجندي في الجيش وهو يضع كفه الصغيرة التي اختفت داخل كف عمي هارون ثم نظر لي وراقص حاجبيه على شكل موجة قبل إن يركض تجاه باسل.

أوه! لقد نجح الأمر أخيرًا وتوقف باسل عن البكاء!

بالطبع لا، لم نقدر على إخراجه من تلك الحالة، لقد بذلنا كافة جهودنا لنجعل باسل يتوقف، لكن كل محاولاتنا باتت بالفشل الذريع، حتى استسلم الجميع وصار باسل ينتقل بين أذرع أبائي من وقت لآخر حتى لا يتركوا بمفرده.

- طبيلي وشد الدربكة.

- أقسم بالله يا سالم لو كملت الأغنية لهقوم أكسر عليك البيت مش هو وإنت عليا!

قالها عمي هارون بنبرة غاضبة وهو يخرج آخر حبة مسكنة في شريط الدواء ويضعها في فمه إلى أبي الذي يربط رابطة فوق رأسه من الصداع، فقد مرت ثلاثة أيام وباسل مازال على حاله وقد طفح كيله، ثم حول نظرته إلى باسل بعينين تجاد تنفجر كالبالون وتقدم ثم حمله من فوق قدم عمي صالح وهو يقول برجاء:

- إنت عايز تروح لماما؟ أنا هوديك لماما، بس أبوس إيدك الرحمة، كفاية عياط.

خرج به هارون من المنزل ووضعه في السيارة أحاط جسده بحزام الأمان ثم قاد السيارة إلى منزل أمه.. أوه!، لن أقول أمه لأنها لم تكن ولن تصبح أمه، الأم لن تفعل ذلك الشيء لذا دعونا ندعوها السيدة.

هبط عمي هارون من السيارة وترك باسل بها وأغلقها جيدًا، ثم طرق باب منزل السيدة حتى فتحت له الباب، فنظر لها بغضب تفاقم داخله قبل أن ينطق بنبرة جامدة:

- جوزك هنا؟

- أيوة مين حضرتك؟

قالتها السيدة بتساؤل لكنه لم يجيب عليها، دلف لداخل المنزل وأغلق الباب بقدمه ثم أخرج سلاحه من ملابسه ووجه فوهته ناحية زوجها الذي خرج في نفس اللحظة بوجه تحتله الصدمه ثم قال بتهديد:

- أنا هارون المُهيري، اتبنيت باسل اللي أنتو اتخليته عنه، هو مش متقبلني دلوقتي بس قريب .. هو معايا برة، هجيبه يقعد مع أمه شوية وهاخده، هتلعب معاه وهتتعامل معاه كويس، وإلا.

ترك عمي هارون عبارته ناقصة ليتلاعب بهما ويترك عقلهما يصور لهما أبشع الأفكار التي يمكن أن تحدث ثم خرج من جديد إلى باسل بوجه مبتسم وحمله فوق ذراعه ثم قبله في وجنته الحمراء وهو يقول بنبرة مرحة:

- ماما مبسوطة اوي إنها هتشوفك.

أنزل هارون باسل داخل البيت فركض باسل تجاه السيدة التي استقبلته بعينين تتدفق الدموع منهما ثم قبلته عدة مرات.

في نهاية اليوم عاد من جديد مع عمي بعدما أخبرته السيدة إنها مريضة ويجب عليه قضاء بعض الوقت مع هارون حتى تتحسن صحتها، وكذلك أكد عليه هارون إنه سوف يعيده من جديد الجمعة القادمة.

- أصفر ولا أزرق؟

قلتها بسرعة وأنا ألهث بفعل الركض حيث ركضت من الحديقة إلى غرفته حتى أصل قبل داغر إلى غرفة باسل الذي كان يبكِ فوق فراشه بهدوء في اليوم التالي بسبب اشتياقه لأمه.

- أصفر.

قالها باسل وهو ينظر لي بدون فهم تزامنًا مع دلوف داغر الغرفة، فنظرت له وفردت ذراعي جانبي بانتشاء ثم بدأت الضحك بصخب ضحكة شريرة تشبه الساحرة في فيلم بياض الثلج، لإن باسل اختار اللعب في فريقي الآن، وربحت.

- أنتو اثنين.

قالها باسل بتساؤل وهو يوزع نظراته المتوسعة بانبهار بيني وبين داغر حيث إنه اعتقد إننا نفس الشخص بسبب عدم رؤيته لنا معًا من قبل، وكذلك لأننا شبه متماثلين، فضحكت بخفة قبل أن أقول وأنا أفكر في فارس الذي يجهز اللعبة بالأسفل:

- إحنا ثلاثة، ألبس بسرعة يا عسكري علشان الحرب هتقوم دلوقتي.

قلتها بنبرة آمرة مازحة وأنا أضع الملابس البيضاء بالكامل فوق الفراش، فعقد باسل حاجبيه في حيرة قبل أن يلتقط الملابس ويدلف المرحاض، ثم خرج بعد برهة وقلت له بهدوء وأنا أضع شارة فريقي الصفراء حول كتفه:

- إحنا هنلعب حرب، أنا قائد الفريق ماشي، خليك جنبي علشان محدش يصيبك .. بحبك.

اضافتها وأنا أضمه في عناق قوي كما أخبرني عمي هارون أن أفعل معه ثم عانقت كفه وهبطت للحديقة وأنا أشرح له قوانين اللعبة التي اخترعتها من أجله حيث ملأت بلونات بالماء الممزوج في لون الطعام الأحمر لنلعب بهم حرب.

الخاسر من تنفجر البالون بجميع أفراد فريقه.

- يا رجالة، أنا عارف إنكم خايفين، فريق رأس الأفعى أقوى مننا لكن مفيش حاجة مستحيلة، إحنا وحوش وهنفوز يعني هنفوز.

هتفت بها بنبرة عالية تحفيزية إلى فريقي مقلدًا نبرة وحديث عمي هارون كما أفعل دائما، فأطلق الجميع صيحات عالية بمرح بسبب خطابي العظيم الذي بثهم الشجاعة.

- يا رجالة، علموا القطة الأدب.

صاح بها أخي داغر قبل أن نبدأ اللعب مختصرًا خطابه في كلمتين فهو ليس مثلي يعشق الدراما، بالطبع تعلمون النتيجة.

نعم، نعم، لقد خسرت!

فقد كان رأس الأفعى داغر يضم إلى فريقه أقوى أخواتي بعد أقناعهم بذلك بطريقة متلاعبة، لكن لا بأس، فأنا أفضل منه؛ لقد جعلت من فريقي الضعيف بقوة فريقه في أقل من شهر وعدت للفوز من جديد، لكنني خسرت باسل.

كان هذا أول تفاعل بيننا وباسل وقد تطور هذا مع مرور الأيام وأصبح مقرب لنا، ولعمي هارون حيث إنه كان يجعله ينام جانبه كل يوم كي لا يخاف حتى يعتاد المنزل، لم يكن في قمة سعادته حيث إنه كان يرى أمه مرة واحدة في الأسبوع لكنه أحبنا وأحب عمي هارون كثيرًا.

- أنا مضطرة أسافر علشان أخوك يتولد، فأنت هتقعد مع بابا هارون لحد ما أرجع علشان المكان هناك مفهوش أطفال كبار، ماشي؟

قالتها السيدة إلى باسل بعد مرور أربعة أشهر من هذا الوضع الغريب لأن زوجها تحدث مع ضابط شرطة لوقف هذا الهرج وعمي هارون قرر الأنسحاب، بالطبع ليس لإنه خائف لكنه كان يرى إن باسل أصبح معتاد علينا الآن ويجب أخذ هذه الخطوة لإنها قادمة لا محالة.

فهو فقط كان يعطي باسل مخدر قوي ليوقف الألم الذي يشعر به وكان هذا الوقت المناسب لدخول باسل غرفة العمليات حتى يستأصل الألم من جذوره، بالطبع سوف تخلف العملية ندبة كبيرة لن تمحى لكن ألمها أقل وجعًا.

- أنتِ مش بتحبيني.

قالها باسل لها بنبرة باكية وهو يركض للخارج فلحق به عمي هارون وحمله فوق ذراعه وربت عليه ثم دلف به إلي السيارة وأجلسه فوق قدمه وضمه لصدره بحنان وقال بصدق:

- إنت عارف إني بحبك اوي .. أخواتك كمان بيحبوك، كلنا هناك بنحبك، هي لو مش بتحبك أنا بحبك، هي لو مش عايزاك أنا عايزك، الحب يا حبيبي مبيتسولش اللي مش عايزك أنساه، متحاولش مع حد مش عايزك، روح للمحتاجك، وأنا محتاجك وعمري، عمري في حياتي ما هتخلى عنك يا حبيبي.

هكذا صار باسل مدلل عمي هارون، فقد تعلق به كثيرًا، وأصبح أبيه المفضل عندما يخاف يذهب لينام في حضنه وعندما يبكِ يذهب له، حتى إنه مصاب بإضطراب الخوف (فوبيا) من الحقن فكانت تتصل به إحدي المعلمات  ليأتي من أجل باسل عندما يكون لدينا لقاح ما يجب أخذه، فكان يخبئه داخل أحضانه حتى تنتهي الطبيبة من ما تفعل ثم يحضر له حلوه المفضلة.

______________ ︻╦デ╤━╼

خرجت من غرفة باسل وأتجهت لآخر الرواق حيث غرفة أخي موسى حتى أطمئن عليه، وضعت يدي فوق مقبض الباب وفتحته بهدوء، أدخلت رأسي لداخل الغرفة فرأيت موسى متسطح فوق الفراش مغمض العينين ويجلس بجانبه عمي قاسم الذي يمسد خصلات شعره السوداء أثناء ترتيله بأغنية قديمة أمي دهب كانت تغنيها لنا في الصغر لننام.

خرجت برأسي من جديد عندما رمقني عمي قاسم بنظرة حانقة حتى أذهب كي لا يستيقظ أخي، فارتطم جسدي بخاصة فارس الذي كان يلتصق بي.

- أنا محدش بيغنيلي ليه؟ .. لا أريد أن أكون ناضجًا، أريد كعكًا وحليبًا، أريد سترة مطرزة بالحب.

قالها فارس بنبرة باكية مصطنعة وهو يخبط قدمه في الأرض كالأطفال بعد أن عقد ساعدته أمام صدره مقلدًا شخصية سبونج بوب الكرتونية، فضحكت بخفة ووضعت ذراعي حول رقبته وبعثرت شعره بمزاح وأنا أقول:

- يلا تنام يلا تنام وأدبحلك طير .. طير إيه مش هيكفيك، هدبحلك عجل.

- عايز مندي وكبسة.

قالها فارس ويحرك رأسه بتلذذ وكأنه يشعر بمذاق الطعام في فمه أثناء اتجاهنا للدرج لكننا توقفنا عندما رأينا عمي صالح الذي قدم ناحيتنا ثم مر من بيننا وهو يدفعنا ناحية الحائط بقوة ثم أتجه لغرفة موسى، فلحقنا به بالطبع فنحن لن نفوت ما يحدث.

يالهي لم أخبركم ماذا حدث مع موسى!

موسى هو المامبا الحامي لكاميليا زوجة هاديس الثانية والتي تكون أم الضابط منذر الجندي كما سردت سابقًا، المهم إن لديها فتاتين توأم من هاديس "فجر، فدا" وهما لديهما صديقة مقربة فاتنة_كما يقول تركي_ فأراد الأرتباط بها لكنها كانت تتجاهله بشكل كامل وكأنه محرمة متسخة.

فقرر تركي التقرب من الفتاتين ليصادقهما حتى يقترب منها ويحصل عليها، لكن "فجر" فتاة مغرورة ومدللة لم تسمح له أن يقترب منها فهو بالنسبة لها حارس أبيها فهي لا تعلم شيء عن المملكة حيث يبعد هاديس الاثنين عن باقي المملكة بشكل كامل، فلا تظهر كاميليا بيننا إطلاقًا إلا مرات قليلة لكنها تأتي مع هاديس للقصر عندما لا يكون أحد من القادة هنا.

  تركي بالطبع لن يستسلم فتقرب من "فدا" الأنطوئية والتي لديها صعوبة في النطق بشكل كامل فتخرج الكلمات متعثرة من فمها، لذا هي تبتعد عن الجميع، فخاف موسى أن تتعلق به وتحبه لذا طلب من تركي أن يبتعد عنها على الفور.

تركي لم يبتعد عنها وموسى بدأ الرعب يتسلل إليه بسبب حبه للفتاة الذي هو السبب الأساسي لرفضه التقرب منها، خاصتًا إن تركي جذاب ولديه لسان معسول مع الفتيات وهو كان متيقنًا من وقوعها له مع الوقت فأخبر عمي صالح حتى يبعده هو عنها لم يكن يعلم إنه سيضربه.

- طيب علفكرة بقى الملاك بريء اللي عامل فيها مش بيكسر القوانين بيقعد يتكلم مع كاميليا بالساعات منغير ما حد يعرف.

قالها تركي بنبرة غاضبة وهو ينظر إلى موسى ليأخذ حقه من ما فعله موسى معه، فكيف له أن يفعل ذلك؟!، فتوسعت عين عمي صالح وأنقض على موسى ليفتك به.

اللعنة! إنها زوجته.
إذا علم هاديس سوف يذبحه.
ما الذي بينه وبين تلك المرأة؟
وما الذي تريده منه؟

هذا ما فكر به عمي صالح وهو يضرب موسى عندما سيطر عليه الخوف الممتزج بالغضب من ما يحدث، لكن موسى بريء من كل ما يفكر به عمي صالح.

هل أخبركم سرًا لا يعلمه أحد غير أبوفيس وعائلتي بالطبع حاليًا؟
يتعلق المامبا بقائده بشده وتنشأ بينهم علاقة قوية، يتوحد مع قائده ليصبحوا شخصًا واحدًا بجسدين، ماذا عن النساء؟

يتعلق بها أيضًا لإن المامبا يحب الذي يختاره كثيرًا، فتولد داخله مشاعر لها قوية تختلف من انثى لأخرى وتكون إما حب، أو أمومه أو أخوه قوية مثل شهد وباسل.

أأخبركم سرًا؟
معظم المامبا يحبوا سرًا المرأة التي يختاروها.

بالنسبة لموسى فتحول الحب داخله لكاميليا مشاعر حب ابن لأمه بسبب فرق السن بينهما فهو يعتبرها أمه وهي تعوض به افتقادها لابنها منذر الذي تركته بنفسها، فصارت تتحدث معه وهو يتحدث معها محطمًا القوانين.

_ بعد أذن حضرتك ممكن تخرج؟

قالها موسى بنبرة هادئة بعدما استيقظ وهو يشيح بنظره بعيدًا عن عمي صالح الذي حاول مصالحته وهو يرفض ذلك بقوة.

- لا، ميهونش عليا تنام زعلان مني يا حبيبي.

قالها عمي صالح وهو يجلس فوق الفراش مكان موضع عمي قاسم بعدما نهض من أجله ثم ضم موسى لصدره بقوة، فانفجر الأخير في البكاء من جديد بسبب حزنه منه وقال من بين شهقاته:

- أنا معملتش حاجة علشان حضرتك تضربني.

- أنا آسف مكنش المفروض أعمل كده، بس إنت برضو مكنش ينفع تكسر القوانين وتقرب من مرات هاديس، محدش يعرف إنهي شخصية هتشوفك معاها، كان ممكن يقتلك وأنا مش هتحمل ده أبدًا، إنت عارف أنا بحبك قد إيه.

قالها عمي صالح بنبرة صادقة نادمة وهو يمسح دموع أخي موسى بأطراف أنامله، فحرك موسى رأسه بمعنى لا بأس، ثم رفع يده الساقطة بجانبه ليعانق عمي صالح ليعبر عن قبوله إعتذار الآخر.

قرّب فارس فمه من أذني وقال بنبرة خافتة مازحة بسبب أخلاق موسى التي لا تشبه خاصتنا بقيد أنملة:

- قال مرتين حضرتك في خمس دقايق، الواد متربي عشر مرات.

ضحكت بخفة وانسحبت من الغرفة وأنا أشد فارس من ذراعه فلحق بنا عمي صالح وأخبرني أن انتظره في الأسفل حتى أتدرب قبل أن أنام وأتجه لغرفة باسل حتى يصالحه هو الآخر.

- استني هنا أنا بكلمك .. إنت يا زفت.

قالها عمي هارون بنبرة عالية منفعلة وهو يهرول خلف أخي خوفو الذي خرج من الغرفة بوجه غاضب كقنبلة مسحوب فتيلها ومر من بيني وفارس بعدما دفعنا جانبًا ثم دلف غرفة أحد أخوتي وأغلق الباب بعنف.

- طيب متفتحش، أنا هروح أقول لعبد الرحمن إنك بتحب أخته.

قالها عمي هارون بنبرة مهددة بعدما طرق باب الغرفة عدة مرات وهو يصرخ بخوفو أن يفتح له، لكن الأخير لم يفعل، ففتح خوفو الباب بسرعة وعقد ساعديه أمامه ثم قال بتهديد وهو يثبت نظراته به:

- روح قوله، وريني.

- افردلي وشك كده ومتنفخليش نفسك.

قالها عمي هارون بنبرة حانقة وهو يمسح وجه خوفو بكفه ليستفزه، فأطلق خوفو صيحة غاضبة من فمه وهو ينظر له بشرر يتطاير من عينه.

- خلاص متزعلش، أنا عايز مصلحتك والله.

قالها عمي هارون بعدما سحب خوفو بين ذراعيه في عناق قوي وهو يربت فوق ظهره، فابتعد عنه خوفو وفصل العناق بهدوء ثم قال بنبرة عالية غير مصدقة من ما أخبره به عمي:

- مصلحتي إني أبعد عنك؟! مصلحتي إني افضل في حضنك، أنا مش هسيبك علشان حد ولا علشان قلبي، يتحرق قلبي، إزاي بتقولي اسيبك؟ إزاي؟! لما الدنيا كلها قفلت بابها في وشي ورمتني في الشارع إنت عملتلي من حضنك بيت.

فرت دمعة من زاوية عينه اليمنى بسبب المشاعر التي هاجمته، فندوب الروح لا تلتئم أبدًا؛ فضمه عمي هارون له برفق ثم دلف به الغرفة وأغلق الباب خلفه لأن خوفو لا يحب إظهار مشاعره أمام أحد، فهو كتوم بشدة.

اللعنة، لقد أخبرت عمي هارون سابقًا أن هذا ما سيحدث لكنه لم يستمع لي!

لا أعلم أي سحر ألقته عليه تلك السمراء فوقع صريعًا لها، فخوفو الذي لا يهتم بالنساء منذ صغره، لقد صدمت به أكثر من صدمتي من وقوعي بحب أخرى، بل أكثر من وقوع فارس بحب شهد.

كيف له أن يحب صغيرتي المدللة؟
أنا مازلت حتى الآن أشعر بأنامل كفها الصغير المتكور حول إصبعي، لا يمكنني تقبل فكرة إنها صارت انثى كبيرة!

حسنًا، لا بأس في الواقع هذا أفضل فنساء المملكة لا تتزوج إلا من رجال المملكة، أو زوجها ينضم لنا ويصبح من رجال أبيها فنحن منغلقين على أنفسنا، لذا يحاول الجميع دفعها ناحية فارس للزواج منه.

فمن أين نجد رجلًا جيدًا ذو خلق يقبل الأنضمام إلى منظمة مافيا؟
أقسم إن كنت أنا من يتقدم لها لما وافقت عليَّ، لكن فارس ليس مثلي وأنا أثق إنها ستصبح سعيدة معه.

حسنًا، نعود للموضوع الأساسي الآن، لقد تشاورت مع عمي هارون أمس بشأن جمع شمل خوفو مع معذبة فؤاده السمراء.

- أنا هقوله يسيب البيت ويروح يتجوز ريحان بعيد عننا علشان عبدالرحمن مش هيوافق إن أخته تتحط في خطر، كده كده محدش هيحس بيه.

قالها عمي هارون بنبرة هادئة مقترحًا الحل، فخوفو في الواقع ليس مامبا مثل الجميع فهو متمرد منذ الصغر، لم يكن يتدرب إلا عندما يكون عمي هارون متواجد أو حتى يستمع لأحد غير عمي هارون، فهو يحبه بشدة، لذا هو ليس مامبا لأن المامبا ولائهم الأساسي لأبوفيس والجميع يعلم هذا، لذا يمكنه الزواج أو المغادرة لإنه تائب بالفعل.

هل أخبرتكم أن عمي هارون تائب لم يعد يعمل معنا؟

حسنًا هو كذلك منذ عامين فقد حدث شيء لن أخبركم به الآن - لا داعي للسباب- لذا خوفو تاب معه بالتبعية كما يفعل كل شيء معه، لكن عمي هارون يجب أن يظل معنا حتى لا يعلم أحد بالأمر فمن يدخل المملكة لا يخرج منها حيًا، لكن خوفو لن يشعر به أحد من القادة.

لقد أخبرته إن خوفو لن يتركه، وهو لم يستمع لي.
حسنًا، يجب أن أفكر بطريقة تجعل خوفو يتزوج من ريحان دون الذهاب من المنزل.

المشكلة تكمن في عبدالرحمن لأن ريحان لا تعلم بشأن عملنا فهي تظن إننا جميعًا تائبون مثل أخيها!

______________ ︻╦デ╤━╼

جلست جانب أمي على الأريكة المريحة بعدما انتهيت من التدرب مع عمي صالح على المبارزة لنشاهد إحدى الأفلام سويًا تعويضًا عن الموعد الذي خربه عمي صالح عليَّ، تبًا لك عماه.

- الفيلم اكشن ولا رعب؟

قالها فارس وهو يجلس جانبي في الناحية الأخرى ليقطع عليَّ أنفرادي مع أمي ثم لحقته كوبرا التي وضعت بعض المقرمشات فوق الطاولة أمامنا وجلست جانب أمي في الناحية الأخرى لتكدس أربعتنا فوق الأريكة وتصبح كلمة "بمفردنا" حلم جميل لن يتحقق.

قلّبت عيني بملل ثم أمسكت جهاز التحكم عن بعد وبحثت عن الفيلم الذي قررت مشاهدته والذي يكون من النوع الرومانسي حيث إنه النوع المفضل عند أمي، نعم!

أمي تحب هذه الأفلام أكثر من الحركة والرعب والرصاصات لقد أخبرني أبي بذلك و تفاجأت بشدة، لكن بعد التفكير في الأمر شعرت أن لديها وجهة نظر، فهي تعيش في هذا بالأساس لماذا ستشاهده؟

اعتراف سريع:
أحب أفلام الرسوم المتحركة، فهي لطيفة، جميلة، ونظيفة بعيد عن كل هذا العبث الذي يحاوطني، تمتزج ببرائة الأطفال، الشرير يخسر والبطل يفوز، لم تواجه بعد قسوة العالم الحقيقي.

عندما كنت صغير، كان لدي تنين أصعد فوق ظهره وأبحث عن الأشرار وأحبسهم في القبو، كنت ألمس النجوم وأضحك بسعادة، لا أعلم متى تلاشى كل شيء فجأة، وكيف أُزيلت الغشاوة من فوق عيني.

_ ليو.

هتفت بها أمي بصوت خافت في أذني وهو تحتضن ذراعي بأكمله وجسدها يرتجف برعب بعدما انقطعت الكهرباء عن المنزل فجأة عقب صدوح صوت انفجار بالقرب منّا مباشرة، فعلمت أن أحد اخوتي الأوغاد أحدث ماس بالكهرباء في مكان ما بغبائه.

- متخفيش يا ماما أنا معاكِ.

قلتها بنبرة خافتة وأنا أشعر بالسعادة تدفق إلى اوردتي بسبب تمسكها بي بهذه الطريقة وكأنني درعها الحامي على الرغم من وجود كوبرا بجانبها، اللعنة أرغب في الرقص الآن.

يا إلهي! لقد حصلت على عناق بالفعل!

- هروح أشوف في إيه.

قالتها كوبرا وهي تضيء هاتفها وتبتعد قليلًا لكن قبل أن تخرج عاد النور من جديد، فاغلقت عيني عندما آلمتني بسبب النور المفاجئ لها ثم فركتها بيدي الحرة وفتحتها من جديد.

- أنا مكنتش خايفة علفكرة.

قالتها أمي بنبرة خافتة في أذني بعدما تركت ذراعي واعتدلت في جلستها بشموخ ثم حركت يديها فوق خصلات شعرها التي نمت قليلًا، فضحكت بخفة ثم انحنيت تجاه أذنها وقلت لها بمراوغة:

- إذا لم تكوني خائفة إذًا كنتي تدعي الخوف لتجربي حضني جلالة الملكة، لكن لماذا كل هذا؟ فقط أطلبي ذلك فحسب وستحصلين على حضني وقُبلة.

ضحكت بخفة وهي تحرك رأسها بدون تصديق ثم مدت يدها وبعثرت خصلات شعري كما كانت تفعل معي وأنا صغير عندما تسعد من شيء أفعله معها، ثم مدت كفها عانقت خاصتي وهي تعود بانتباهها للفيلم من جديد؛ فابتسمت بهدوء وقلت بخفوت:

- أنا أيضًا أحبك أمي.

______________ ︻╦デ╤━╼

سمعت صوت باب غرفتي ينغلق ففتحت عيني ونظرت من فوق رأس فارس الذي يضعها فوق صدري وينام كانثى باندا تجلس فوق صغارها لتقتلهم بسبب كسلها بعدما فشلت في إزاحة جسده من فوقي وهو نائم، فكلما فعلت ذلك عاد من جديد.

بالطبع لم أتعب حالي وأضربه أو أقوم بايقظه لأن هذا مجهود بلا معنى لإنه لن يستيقظ حتى إذا انفجر بنا الفراش.

اقترب نيلان وأزاح رأس فارس عن جسدي ثم حملني، نعم، حملني كأنني دمية باربي من فوق الفراش ودلف بي المرحاض ثم نثر بعض الماء فوق وجهي وهبط بي للأسفل.

بالطبع لن أقاومه، فهذا مجهود آخر بلا معنى، لأنني سأفعل ما يريده مني على كل حال لكن الفرق سوف يؤلمني جسدي بعدما سيفعله بي.

- أعمل البتاع ده علشان حرقته.

قالها نيلان بنبرة آمرة بعدما أنزلي أمام الموقد الذي يوضع فوقة مقلاة ممتلئة بالزيت الساخن وجانبها صحن فوقه محارم بيضاء ويقبع داخله شيء محروق لا أعلم معالمه، فحولت نظراتي له وأنا أقول بتساؤل من الكائن الذي أمامي:

- إيه ده؟

- فنكوش.

قالها ببساطة وهو يضع كيس بلاستيكي يحتوي على حبات مقرمشة تشبه نوع من المعكرونة في كف يدي، فعقدت حاجبي في حيرة وأنا أقول:

- فـ إيه؟!

- هو اسمه كدة، شفا بتحبه، أنا حاولت اعمله بس أتحرق.

قالها بنبرة هادئة وهو يبعثر بؤبؤ عينه في المطبخ بأكمله بدون هُدى بسبب ما يشعر به من اضطرابات داخليه احتلت كيانه على هيئة فتاة ذات عيون بلون خشب السنديان جعلته يهبط للمطبخ لأول مرة في حياته ليصنع لها شيء لا يعلم كهنته.

ضحكت بخفة على خجله من ما يفعله وأخرجت بعض من المقرمشات من الحقيبة البلاستيكة ووضعتها داخل المقلاة وراقبتها تنتفخ وأنا أقول بعبث لأمازحه:

- البُنُّ في عينيكِ يغلبُ قهوتي
لا تحرميني لذة الفنجانِ

عربيةٌ تلك العيون أليمةٌ
جمعتْ مذاق البُنّ والهذيان

ويطول ليلي والعيون تروح بي
ما بين سحر العين والإدمان.

- ابعتهالي في مسدچ علشان أما اتجوزها بقى.

قالها نيلان ببساطة وهو يعقد ساعديه أمامه بجدية ويتكئ بظهره على البراد خلفه، ثم ضحكنا معًا عندما حركت عيني لتقابل خاصته بسبب جسده المتشنج الذي لا يليق حركته مع ما يخرج من لسانه، وكأنه يعلن صراحة حقيقة ما يشعر به من اضطراب داخله على الرغم من سهولة نطقه.

أخرجت المقرمشات من المقلاة فوق صحن به محارم ليمتص منها الزيت ثم وضعتها في برطمان زجاجي شفاف بعدها اتجهت للدرج الخاص بالتزين وقلت له بتساؤل:

- لونها المفضل؟

- الموف.

حركت رأسي بالموافقة وقطعت شريطة طويلة باللون البنفسجي ثم ربطها حول البرطمان، وأخرجت ورقة سميكة صفراء على شكل ورق الباردي وكتبت بها:

" كما يقول جدي المُهيري، خُلقت النساء لتدلل فلكِ الدلال

- لكِ الدلال يا إيه؟

قلها بنبرة متسائلة عندما توقفت يدي برأس القلم في المنطقة الفارغة لأستيقظ وأعلم إن ما افعله ليس لحبيبتي ليكاتا، بل لزوجة أخي نيلان؛ فنظر لي نيلان بتيه وقطب حاجبيه في تفكير عميق قبل أن يتهلل وجهه عندما اهتدى عقله لشيء وقال بهدوء:

- زهرة اللوتس خاصتي.

الوغد! لقد سرق زهرتي المفضلة، اللعنة.

إنها زهرته المفضلة كذلك، لقد أحببنا الزهرة من الحكايات الخاصة المثيولوجيا المصرية القديمة اللآتي كان يسردها علينا أبي سالم في الصغر، حيث ارتبطت زهرة اللوتس بالفراعنة، أينما نظرت فى التراث الفني لقدماء المصريين وجدت زهرة اللوتس في أياديهم.

وجد المصري القديم في هذه الزهرة رمزًا عميقًا يحكي قصة الخلق حيث تنمو في المستنقعات والوحل، وجوهر القصة يقوم على انبثاق النور من الظلمة، وخروج النظام من الفوضى وخروج الجمال الإلهي على شكل زهرة لوتس من الوحل.

" كما يقول جدي المُهيري، خُلقت النساء لتدلل فلكِ الدلال زهرة اللوتس خاصتي"

انتهيت العبارة بأكملها ثم لففت الورقة وعلقتها بالرابطة، ثم اتجهت للبراد أخرجت حاوية صغيرة من حلوى "الترميسو" التي صنعتها أمس وعدت من جديد للأوراق، استللت واحدة وكتبت بها.

"ربما لن نرى بعضنا البعض ثانيًا، لذا أرغب في قول:
سحقًا لكِ قاسية الفؤاد، للجحيم أنت ولنساء العائلة"

لففت الورقة وثبتها بالحلوى ثم مددت يدي بهما إلي نيلان، فاخذها مني ثم ضمني بإمتنان وخرج من المطبخ.

تنهدت بعمق وخرجت من المطبخ لأتحمم وأبدل ثيابي فوجدت الحاوي يهبط من فوق الدرج حيث كان ينام في غرفة فارس لإنه لم يكن يريد رؤية أحد من القادة، هيئتة المذرية، مبعثر الشعر متهدل الكتفين، يظهر لون رمادي خفيف أسفل حواف عينه ليدل عن حالته النفسية السيئة.

لم يخرج الحاوي من المنزل منذ مقتل سليمان وقرر الأنعزال عن العالم وفتح يده حتى يحصل على عناق حزن قوي ودافئ، آه يا سليمان، أوجعت قلبي يا رجل؛ من الوغد الذي قتلك؟

_ إنت راضي عن نفسك؟ شايف شكلك.

قلتها بنبرة جامدة له بعدما دفعته ناحية الحائط فارتطم ظهره بصوت خافت ثم نظرت له بثبات مقلدًا ما كان يفعله معي في الماضي، بعدها أخرجت صوت من فمي يدل عن النفي قبل أن أخبط يدي جانب رأسه بقوة وأنا أهدر بنبرة عالية:

- لوكي (الحاوي) الأنهيار ممنوع، عايز تخرج للقادة بالمنظر ده؟!

- كل حاجة عملتها معاك علشان تبقى قوي، وعلشان تبقى ملك، علشان تعرف تعيش بنّا، ولو إنت كنت ابني بجد كنت عملت معاك نفس الحاجة.

قالها الحاوي بنبرة متعبة وهو يمسح وجهه بكفه بأرهاق بعدما حرك بؤبؤ عينه بملل من ما أفعله، فضحكت داخلي بسخرية فأنا أعلم هذا بالطبع، أبناء القادة لا تسلم من شر أبائها، الوحش لم يولد وحشًا، عندما تربى الأسد "سيمبا" مع تيمون وبومبا لم يكن بأخلاق الأسود.

ابتعدت عنه وتحركت للأعلى ثم توقفت قدمي بمنتصف الطريق عندما انبثقت داخلي فكرة مقيتة حاولت قتلها لكنها سيطرت عليَّ، لذا عدت أدراجي من جديد ووقفت أمامه ثم ضممته بغتة.

أهتز جسده من المفاجأة وفتح فمه من وقع الصدمة ووقف متجمدًا كلوح من الثلج، شعرت بالأختناق بالفعل من تلامسه فأنا أكره تلامس من غير عائلتي بالطبع، وقبل أن أبتعد عنه حتى أحصل على دفعة من الأكسجين رفع يده وأحاط جسدي بعدما استوعب الأمر.

- ده الحضن اللي إنت معرفتش تحضنهولي يا حاوي.

قلتها بنبرة جامدة وأنا أبتعد عنه بهدوء، ثم رفعت رأسي للأعلى وسحبت نفس طويل عميق ملأ رئتي حتى كادت تنفجر وزفرته ببطء للسيطرة على حالة الأختناق التي أصابتني، ثم أمسكت مرفقه لأصعد به إلى غرفة فارس من جديد.

- صباح الخير مولاتي الجميلة.

قلتها بنبرة مرحة إلى أمي التي خرجت من غرفة فارس حيث كانت تنام بالداخل كذلك، فضحكت بخفة وقالت بطريقة أرستقراطية وهي تضع يديها خلف ظهرها:

- صباح النور أيها القائد العظيم، يبدو أن يومي سيكون جميلًا حيث بدأ برؤياك.

- حبيبتي تسلمي، والله الشرف ليا.

قالها الحاوي متدخلًا في الحديث بنبرة مازحة تمتزج بها السخرية حيث إنها رمقته بطرف عينها بنظرة مستحقرة قبل أن ترد على حديثي، فتقدمت أمي ناحيته وأخرجت خنجرها من ثيابها وضعته فوق عروق رقبته في حركة سريعة وهي تقول بتهديد:

- لو قولت حبيبتي تاني حتى لو بهزار..

أصدرت صوت طرقعة بلسانها للتعبير عن باقي الحديث بتهديده بالقتل قبل أن تبتعد عنه وتدفعه للخلف وكأنه قطة جرباء ثم هبطت للأسفل حيث إن أمي والحاوي منفصلين لكنهم مازلا متزوجين، فضحك الحاوي بخفة وهو ينظر إلى أثرها لكنه وأدها وحمحم بخشونة عندما نظرت إليه بعيون ستحترق من الغيرة ثم قال بسخرية:

- ساحبة خنجر على رقبتي وغيران، أمال لو قالتلي يا حبيبي هتعمل إيه؟

- هقتلك.

قلتها بنبرة مقتضبة وأنا أدلف للغرفة فارتفعت ضحكات الحاوي بصخب وهو يلحق بي، استدرت ورمقته بنظرة ضائقة ثم أخرجت هاتفي من جيبي وبعث رسالة لأخي "نيمو" المامبا الحامي له الجديد، وانتظرت قدومه.

- أنت حالتك مذرية أكثر مني.

قلتها بنبرة ساخرة إلى الحاوي الذي أمسك الرواية التي تقبع فوق الكومود والتي كانت تقرأ منها أمي بابتسامة هادئة.

- صباحو يا أبو الأوغاد.

قالها أخي نيمو الذي دلف الغرفة بطريقة مرحة، فضحكت بخفة والقيت عليه التحية بابتسامة واسعة ثم حركت بؤبؤ عيني تجاه الحاوي، ففهم مقصدي على الفور وتقدم منه ثم أخبرته أن يلحق به للمرحاض.

- إيه ده! أنتو هتعملولي حمام مغربي؟ كنتوا قُلولي كنت جبت الليفة معايا.

قالها الحاوي بنبرة مازحة وهو يلحق به تجاه المرحاض فضحك أخي نيمو بخفة ثم وضع مقعد خشبي أمام المرآة بالداخل وأشار له بيديه أن يجلس فوقه، ففعل الحاوي بملامح حائرة.

أخرج نيمو ماكينة حلاقة كهربائية من الدرج القريب منه أسفل الحوض ثم بدأ في تشذيب ذقن الحاوي الذي تركها تطول بشكل بشع بسبب حزنه على رفيق دربه الذي قتله وغد لا نعلم ماهيته.

آه يا سليمان، آه.

- كله إلا شعري.

قالها الحاوي بنبرة مرتعبة وهو ينتفض واقفًا من مجلسه بعدما انتهى نيمو من تشذيب ذقنه التي أصبحت مهندمة الآن ثم أمسك خصلة بنية طويلة من شعر الحاوي بعدما أستل مِقص من الدرج.

- متخفش.

قالها نيمو بنبرة هادئة ظهر بها الحزن الذي يملأ صدره ويثقله فنظر له الحاوي وتقلصت المسافة بين حاحبيه في حيرة من طريقته وحالته قبل أن يجلس من جديد فوق المقعد ويترك له شعره العزيز.

وضع نيمو دهان ذو لمعة خفيفة فوق خصلات الحاوي وهو يقف خلفه أمام المرآة بغرفة الملابس، ثم نظر إلى هيئة الحاوي برضى حيث يقف بشموخ يرتدي حِلة سوداء وقميص بنفس اللون، لحية مشذبة وشعر لامع مهندم؛ لقد عاد الحاوي.

- شكرًا يا نادر.

قالها الحاوي بنبرة هادئة ممتنة إلى أخي نيمو الذي أحضر له ساعة يد وأمسك يده ثم وضعها حول معصمه، فرفع نيمو نظراته له ثم قال بهدوء بنبرة تحمل الحزن الممتزج بالخذلان:

- إنت مش عايزني؟

هل تعلمون ما أكثر شيء يحزن المامبا؟

أن يعلم أو يشعر بأن قائده لا يريده أو لا يحبه، فهذا يجعله حزين للغاية، فهو يقسم على حب قائده، الأهتمام به وحمايته وعندما لا يجد تقبل من الطرف الآخر قلبه يتألم بشدة من ذلك.

الحاوي منذ قتل سليمان -حرقه الله في جحيمه- وهو لا يتعامل مع نيمو بتاتًا، وهذا هو السبب الأساسي لوجودي بالغرفة حيث إن أخي نيمو منذ اختياره للحاوي وهو حزين بسبب عدم تقبل الآخر له وأنا أحاول أن يجعله يفهم إن الحاوي يتقبله لكنه حزين.

- طبعًا عايزك، كفاية إنك اختارتني .. بس قولي بقى إنت خازوق زي حليم صح.

قالها الحاوي بنبرة مازحة وهو ينظر بتفحص إلى نيمو، فضحكت داخلي حيث بعث عمي صالح إلى شمس أخي "حليم"، لم يرغب أحد من المامبا أن يكون مع شمس لذا اضطر لأقناع حليم بذلك لإنه مناسب له بشدة، فهو من أكثر أخوتي أحترامًا حتى لا يتأثر أو يتفاعل مع شمس رفقة الفتيات.

هذا غير إنه بارد كالثلج، لا يتأثر بأي شيء ولا يمكن تغير أفكاره أو مبادئه ولا يهتم بأي شيء حوله، إذا قتل شمس دزينة من الرجال أمام عينه لن يحصل منه على أي ردة فعل سوى رمشة من عينه، وبالطبع لن يخطف معه الفتيات فهو لا يهتم بالنساء، أو حتى يتحدث معه فهو قليل الكلام.

أخرج نيمو صوت يدل عن النفي من فمه ثم قال:

- لا، مش زي حليم بس أكيد مش هخطف معاك البنات، وإنت عارف بقى.

- أنا يا ابني؟! حد الله بيني وبين الحرام، أنا مبخطفش بنات، أنا بهددهم.

قالها الحاوي بنبرة حاول أن تخرج مدهوشة وهو يضرب كفيه ببعض تعقيبًا على حديث نيمو، فضحك نيمو بخفة وحرك رأسه بدون تصديق ثم ضربه على صدره هو يقول بنبرة مازحة:

- كنت عارف إنك مش زيهم.

ضحك الحاوي ضحكته الصاخبة المميزة كعادته ثم خرج من الغرفة وجلس على الأريكة التي كان ينام عليها وهو يجيب على أسئلة نيمو الذي ألقاها عليه دفعة واحدة بشأن حياته، الأشياء المفضلة عنده وغيرها.

- وإنت بقى يا نيمو بتعمل إيه في حياتك؟

- برقص وبراب.

قالها نيمو ببساطة بعدما ابتسم باتساع وكأنه يرى حبيبته أمام عينه ويوصف عيونها الفاتنة تعقيبًا على سؤال الحاوي السابق حيث أدار دفة الحديث ليعلم أكثر عنه، فعقد الأخير حاجبيه في حيرة ثم قال بتساؤل:

- بتراب إزاي؟

انتفض نيمو واقفًا من فوق الأريكة كمن أصابه ماس كهربائي وهو يبتسم باتساع بعدما برقت عينه بوميض قوي ثم خلع قميصه القطني وألقاه فوق الأريكة، فظهرت قلادة ضخمة فضية مُرصعة حول رقبته، ومجسمه بحروف اسمه بالأنجليزية (Nemo) ثم أخرج مكرفون فضي اللون مزين بلآلئ شفافة تزامنًا مع قفزه عاليًا ثم بدأ الغناء بلغة إنجليزية بطريقة سريعة وهو يفعل حركات راقصة بيده وقدمه مثل جميع مغنيين ذلك النوع.

❝ Yeah, ayy
Yeah, ayy, yeah, yeah
القائد الخاص بي القديم.
Yeah, ayy
كان مدمن سكير.
Yeah, ayy
يريدني أن أحلق شعري.
Ayy,
لم يعلم أن هو أهم منه.
Ayy,
لا أريد أطيل الأمر عليكم.
Ayy,
لكنه كان لديه عمي ألوان.
Yeah, ayy

فعندما حل الشروق استيقظ فحقل الخيار.

Ha,hah,hahah, تبا لك ❞

انهى نيمو الأغنية بضحكة عابثة داخل الميكروفون تابعة للعرض الذي يقدمه، ثم نظر إلى الحاوي الذي يثبت نظراته به بفك ساقط ووجه متنمل قسماته من ما حدث أمام نظراته قبل أن ينفجر بالضحك بصخب بسبب ما رأته عينه بعدما استوعب الأمر، فالحاوي معتاد على الجنون بسبب صداقته بشمس، وكما قلت سابقًا هو يحيا ليلهو.

لو كان قائد آخر لحمله فوق كتفه وألقى به تحت قدم عمي صالح بسبب هيئته وطريقته حيث إنه ذو بشرة سمراء وملامح إفريقية ويطيل شعره نسبيًا ويصنع جدائل عديدة في خصلات شعره ويرتدي الملابس الغربية الخاصة بمغنيين (الراب)، لذلك نيمو مناسب ليكون مع الحاوي فهو واحد من أكثر أخوتي جنونًا.

- إيه المخيف في الخيار مش فاهم؟

قالها الحاوي بتساؤل بعدما انتهى من نوبة الضحك التي داهمته، فنظرت له وأخبرته بشأن خوف القطط من الخيار حيث تحسبه نوع من الأفاعي بسبب إصابتها بعمى الألوان.

- إنت بتهددني بقى؟

قالها الحاوي بنبرة ضاحكة بعدما فهم كلمات الأغنية حيث إن نيمو لم يسبق له وأختار قائد من قبل، فضحك نيمو بخفة وهو يحرك رأسه بالموافقة.

______________ ︻╦デ╤━╼

صدح كالعادة من مبنى المامبا العديد من أصوات الأغاني بلغات مختلفة من غرف أخوتي أثناء تقدمي ناحية المبنى حتى وصلت للبهو وجدت عدد من أخواتي الذين يرتدوا جميعًا سروال أسود قصير يصل إلى الركبة فقط كعادتهم وكأنه زيٍ موحد يرقصون، في المنتصف يرقص تركي على إحدى الأغاني الركيكة من نوع "المهرجانات" ويمسك في يديه خنجره.

- أنا عملت إيه في حياتي علشان يبقى عندي أخ سرسجي كده؟

خرجت هذه الكلمة من فم أخي بكر الواقف بجانبي ينظر له بتقزز وكأنه قطة جرباء، فضحك عمي هارون الذي دلف معي في نفس الثانية ودخل دائرة الرقص بينهم هو وخوفو، لكنه لم يكمل الرقصة بسبب فصل فريدة مشغل الصوت لتقطع عليهم المتعة القذرة، فنظر لها الجميع بحدة وهم يطلقوا أصوات حانقة:

- العيال مش عارفة تذاكر.

تقدم منها رائف وهو ينظر لها بتهديد وشغل الموسيقى من جديد، فاخرجت فريدة سلاح من ملابسها وأفرغت رصاصاته على السماعات ببرود وهي تنظر للأعلى له بتحدي، فهي تصل لمنتصف معدته تقريبًا، تبدو كأرنب صغير يقف أمام دب بسبب عضلاته المنتفخة مما أدى لضحكي بخفوت بسبب مظهرها، فرائف يليق عليه مثل "طويل وأهبل"

- إنت فاكرني هخاف؟ امشي من وشي، و استر نفسك بحاجة.

قالتها فريدة بنبرة متهكمة وهي ترفع حاجبها الأيمن للأعلى وتنظر له بتحدي، فتهدلت أكتاف رائف وتحرك من أمامها بيأس وهو يقول بنبرة باكية مصطنعة:

- ماشي يا مرات أبويا، ماشي، أنا هسبلكوا البيت وامشي، مش هتشوفوا وشي تاني، أنا عايز أرقص، أنا حر، عايز أرقص .. أرقص.

ضحكت بخفة قبل أن تتحجر ابتسامتها على وجهها ثم هرولت تجاه تركي الذي انسحب من دائرة الرقص وأتجه ناحية العاملة الجديدة الفاتنة_ من وجهة نظر الجميع عدايا_ أثناء وضعها فناجين القهوة فوق الطاولة، وقال لها بغزل فج:

- بيقولك مرة واحد رفع قضية على واحدة علشان سرقة قلبه .. آه.

تأوه بها تركي وهو يقوس ظهره بعدما ضربته فريدة بالمسطرة الحديدية التي تحملها بين يديها حيث كانت تذاكر للصغار فوق ظهره بقوة.

-يا بنت السلطان حنى على الغلبان الميه فى ايديكِ ونيمو عطشان.

قالها أخي نيمو وهو يلحق بالفتاة في الناحية الأخرى بعدما ابتعدت قليلًا فخلعت فريدة حذائها وألقته به ثم نظرت للجميع وقالت بنبرة مهددة لا تحمل النقاش وهي تحرك المسطرة في يديها:

- لو ثور منكوا جه جنب البنت تاني هطلع عينه.

قالتها وتحركت تجاه الفتاة سحبتها من يديها معها للأعلى، بالتأكيد ستنقلها للقصر لكن ليس اليوم وهو ممتلئ عن آخره بجميع الوحوش المفترسة؛ فنظر تركي في أثارها وهو يحرك رأسه بأسف مع وضعه لكفه فوق موضع قلبه.

- حبي، عاملة إيه... لا مش هينفع نتقابل الساعة ثمانية يا دارين عندي date تاني .. بهزر ..  وأخلاق ليونار عندي ميتنج .. تمام خلاص هتصرف.

قالها أخي تركي للفتاة التي يحدثها في الهاتف عقب رده عليها بعدما صدح هاتفه بأغنية من أغانيه الملوثة للسمع ثم هاتف فتاة أخرى وقال لها بمرح:

- حبي، عاملة إيه .. بقولك هو ينفع نتقابل الساعة ثمانية، معلش طلع عندي ميتنج فجأة .. لا مش هينفع بعد ساعة، أنتِ عارفة إني نازل مصر يوم واحد بس وعندي مواعيد كتير .. طيب علشان خاطرك هحاول سلام.

أغلق معها ثم هاتف فتاة ثالثة ليبدل مواعيده معها حتي استقر أخيرًا وحل مشكلته ثم جلس جانب عمي هارون الذي ضحك عاليًا على ما يفعله، فنظر له تركي بابتسامة واسعة وعبث في هاتفه وهو يقول:

- تعالى أوريك البنات اللي هقبلها.

- كلهم حبك؟! ده قلبك ولا ميدان التحرير.

قالها أخي رائف وهو يبصق عليه بصقة وهمية بمزاح بعدما عاد من جديد عقب خروجه من المكان وكأن الدور الذي لعبه انتهي، همّ أن يجيب عليه تركي لكن انتباهه سُرق عندما دلف هاديس قائده بوجه لا يبشر بالخير وجلس جانبه بأكتاف متهدلة:

- قتلت مراتك صح؟ مش قولتك متروحش لوحدك؟

قالها تركي بنبرة مؤنبة أكثر منها متسائلة، فحرك هاديس رأسه برفض لينفي التهمة عن حاله قبل أن يتنهد ويقول بنبرة ثقيلة تنم عن ما يعتمر داخل صدره.

- لا لقد قام هاديس بضرب لاجويتا (زوجته الأولى) بعنف وهي الآن بالمشفى، لقد أخبرته سابقًا أن يدع زوجاتي وشأنهم .. يا ربي يا رحيم، لا أريد أن تكرهني فتياتي، تبًا.

- متقلقش يا زعيم هتعدي، إنت فك كده بس، أقولك أنا هفكس للبنات وهطلع بيك على محل حواوشي تحفة.

قالها أخي تركي بنبرة مرحة ليغير من حالة هاديس بعدما عانقه بلطف وربّت على ظهره، فشدد هاديس العناق قبل أن يفصله بهدوء ويقول بلهجة مصرية انفجر بها قنبلة قبل أن تخرج من فمه:

- لا يا عم إنت آهر مرة مألكني س.. سجق كلاب.

- بس كان حلو وعجبك، مالك بقى كلب ولا قطة.

قالها أخي تركي ببساطة وهو يضع كفه فوق كتف هاديس ليؤثر عليه ويقنعه بالأمر، فصمت هاديس ثواني وشردت عينه لبرهة في تفكير عميق لأتخاذ هذا القرار الذي ربما سوف ينتهي به مسطح على أحد أسرة المشفى قبل أن يعود بنظراته له من جديد.

- يا ربي الرحيم ما هذا؟ هل ضربك هاديس أيضًا؟

قالها هاديس بنبرة عالية من الأنفعال الممتزج بالخوف وهو يوسع عينه بدهشة عندما وقع بصره على جسد تركي عاري الجزع حيث تظهر خطوط وردية اللون من أثر ما حدث أمس، فحرك تركي رأسه بالرفض وقال ببساطة:

- لا ده بابا صالح ضربني علشان كنت بحاول أظبط بنتك فدا.

- ماذا؟ فدا؟! تبًا لك، من بين جميع فتياتي لم تختار سوى هذه أيها الوغد، إنها البريئة الوحيدة بينهن.

قالها هاديس بنبرة غير مصدقة وهو يهز جسد تركي بعنف بعدما أمسكه من ذراعيه برفق، فضحك تركي بخفة ونهض من مجلسه ثم قال أثناء إتجاهه للخارج.

- هناك سوء تفاهم، سأشرح لك في الطريق، سوف أبدل ملابسي.

- هل ستتزوج فتاتي أم لا؟

قالها هاديس لي بنبرة جامدة وهو يثبت نظراته التي تحولت للغضب، فأخرجت صوت من فمي يدل على النفي ببرود، فاقترب بجسده للأمام بعدما كان يجلس باستراحة وظهرة للخلف ثم قال بنبرة حانقة وهو ينظر لي بنظرات متّقِدة:

- ولماذا قمت بضربها؟ كنت سأسمح بذلك إذا كانت زوجتك، فقد حذرتها منك مرارًا وأخبرتها أن تبتعد عن ذلك الحقير لكنها لم تستمع لي، لكن الآن لي كلام آخر مع قيصر فأنا لن أسمح باللعب مع فتياتي.

قلّبت عيني بملل ردًا على حديثه وضحكت داخلي بسخرية، اللعنة، فتاته هي التي تلعب بي!

هل ضربتها؟
تبًا، تلك الحية اخبرتهم أنني ضربتها، هل جذبي من شعرها للدفاع عن شفا قبل أن تنحر عنقها يعتبر ضربًا؟!

- أنت أيها الـ أبوفيس لماذا ضربت صغيري؟ هل طلبت منك هذا؟ لا لم أفعل، أبعد يدك القذرة هذه عن صغيري ولا تدخل بيننا، حسنًا.

قالها هاديس بنبرة عالية مهددة وهو يرفع إصبع سبابته في وجه عمي صالح بعدما نهض من مجلسه وهرول ناحيته عندما دلف عمي صالح الردهة، فأشاح له الآخر بيده بلامبالاة وقال بنبرة ساخرة:

- يا أخويا اولعوا في بعض.

ظهرت الراحة على وجه عمي صالح الذي جلس بمنتصف البهو من رد فعل هاديس على الرغم من تصنعه اللامبالاة، فهاديس لا يهتم بشأن القوانين عندما تتعلق بتركي فهو يعطبه كامل حريته ويتعامل معه كابنه وكذلك تركي يحبه كأبيه.

دلف عمي قاسم وجلس جانب عمي صالح وطلب من الجميع الإنتباه له تزامنًا مع نزول أخي تركي.

- أنا عايز أتكلم معاكوا في موضوع مهم، كلكوا عارفين طبعًا حوار البنات اللي شمس خطفها.

بعثر نظراته على أوجه الجميع الذين ينظروا له بكامل حواسهم قبل أن يخبرهم برغبته في جلب إحدى الفتيات التي سبق وقام شمس بخطفها إلى القصر والتي تدعى "نجمة" لتكون واحدة من نساء المنزل، لأنها تعلم الكثير عن المملكة كما إنها صارت قريبة بشدة من شهد لكنه لا يمكنه فعل ذلك بهذه البساطة لأنها لديها أسرة، وانهى حديث بقول:

- أنا جمعتكوا علشان واحد فيكوا يتقدم للبنت دي، بس طبعًا لازم تكونوا عارفين إنها مش هتبقى طبيعية وهتكون متعبة للي هيتجوزها.

صمت لبرهة ليرى وقع أثر كلماته على أوجه الجميع الذين أحتلت الدهشة تعابير وجههم ونظروا لبعضهم البعض قبل أن يعود للحديث من جديد برزانة:

- أنا عارف إن الموضوع صعب وتقيل، البنت دي هتكون بنتي مش مجرد واحدة هتقعد في أوضة وخلاص، فاللي هيقدر فيكوا يشيل المسؤولية الكبيرة دي ويرجع ليها ضحكتها، يكتب اسمه علشان اخليها تختار، بس طبعًا اللي مع قائد هيضطر يسيبه لأن الموضوع ده بنّا.

رمق عمي قاسم هاديس بعد حديثه ليوصل له رسالته لأن هذا يعتبر خرق للقوانين فأغمض هاديس عينه بالموافقة ليعطيه الرد عن أمره، فحل الصمت على الجميع وشردت عيون البعض في تفكير عميق، بينما وقف البعض وعاد لما يفعله مقررًا الأمر من البداية، لن يترك مامبا قائده من أجل فتاة ليتزوجها داخل جدران القصر حتى لا يعلم أحد القادة بذلك.

- امشي يا ابن الـ** من هنا، هو أي حاجة فيها روح؟ ده أنا لو أمي عايشة كنت خفت عليها منك.

قالها عمي قاسم بنبرة منفعلة وهو يصفع أخي تركي على وجنته بعدما تقدم تركي منه وأمسك القلم ليكتب اسمه في الدفتر الذي أخرجه عمي قاسم من جيبه.

- طيب عليا الطلاق ما حد هيعرف يبسطها قدي.

قالها تركي بنبرة متعالية وهو يبتعد عنه ويضع يده فوق وجنته، فوقف هاديس أمامه وقال لعمي قاسم بنبرة حانقة وهو يضع يده فوق خصره:

- هيه قيصر اعطي صغيري الفتاة، إنه أكثر شاب مضحك في العالم، سيجعلها تقع أرضًا من كثرة الضحك وسوف تسعد بالعيش رفقة فتياتـ.. أوه يا ربي الرحيم.

أضافها وهو يركض للخارج ولحقه تركي بعدما أخرج عمي صالح سلاحه وأطلق رصاصة جانب وجهه ثم نهض وفرّغ باقي خزانة سلاحه عليهما أثناء ركضه خلفهما.

______________ ︻╦デ╤━╼

وضعت الكاميرا فوق سطح مبنى المامبا لأقوم بتصوير مقطع لي ثم شغلّت الموسيقى وبدأت الرقص بمفردى بعد أن هربت من الجميع.

جلست على حافة السور  بعدما انتهيت من رقصتي وأنا أمسك هاتفي لأقوم برفع المقطع على إحدى تطبيقات التواصل الأجتماعي ثم وضعت الهاتف جانبي بعدما انتهيت ومررت إصبع أبهامي فوق أثر القطع بيدي اليسرى الذي مازال أثره موجود حتى الآن وأنا أنظر للحديقة من الأعلى.

كل شيء يبدو جميلًا من فوق، لطالما أحببت البقاء هنا في الأعلى والطيران.

هناك رغبة داخلي ترغب في التخلص من هذا العالم، صوت يخبرني أن أترك صافي يقتلني ولا أقاوم، لكنني مازلت أشعر بكف فارس تعانق خاصتي لذا لا يمكنني ذلك.

أرجو أن يستطع صافي أن يقتلني فهو ليس خصم هينًا بالمرة، إذا ربحت على صافي اليوم سوف يعتبرني الجميع الملك بالفعل، ولن يكون هناك مواجهة لأختيار الملك في المستقبل.

فهذا صافي المالكي واحد من أقوى خمسة قادة في المملكة، مدرب المامبا، القائد الأعلى للجيش الملقب بـ أبوفيس سابقًا، قبل أن يخلعه جدي فخر -احرقه الله في جحيمه- من الحكم ويعين أخيه صالح بدلاً منه.

لماذا؟
لإن خالي الوغد كان واحد من أقذر رجال المملكة وكانت تعجبه إجلال زوجة صافي وكان دائمًا يغازلها، وفي أحد المرات رآه صافي يقف بجانبها ويقول لها شيء ما جعل وجه إجلال تتغير ملامحه، فتقدم منه كصاروخ نووي ووضع خنجره فوق رقبته كخروف.

- إذا قتلته سوف تُقتل في الحال، قوانين المملكة تنص على ذلك.

قالها جدي "فخر" بنبرة مجلجلة قبل أن يقطع الخنجر رقبة ابنه بثانية بعدما نهض من مجلسه بهلع وتقدم ناحيتهم، فنظر صافي إلى فخر بتعالي وقال من بين أسنانه:

- حسنًا، فلتكن مواجهة الآن إذًا.

حرك جدي فخر رأسه بالموافقة خوفًا من أن يأمر صافي المامبا بنحر عنقه هو شخصيًا، فأخبرتكم سابقًا أن ولاء المامبا بالكامل لعائلة "أبوفيس" فقد إتفق المؤسسون منذ البداية أن يقر أبوفيس ولائه ورجاله للملك الحاكم، وهذه أول مرة يكسر أحد العهد المبني بين عائلة أبوفيس والعائلة المالكة بسبب خالي القذر.

سحب صافي خالي من شعره كالذبيحة حتى المكان المخصص للمواجهات وألقى به بمنتصف الحلبة.

- أعطيه بعض الوقت ليتنفس.

قالها جدي فخر بنبرة آمرة جاهد أن تخرج ثابتة وهو يضع يده المرتعشة خلف ظهره، فضحك صافي عاليًا بجلجلة ثم جلس فوق أقرب مقعد قريب منه، وضع قدم فوق الأخرى بثقة منتظرًا خالي أن يتماسك.

- إذا قتلته صافي سوف أعزلك من منصبك، لا يمكنني الثقة بك بعد الآن.

قالها جدي فخر بنبرة جامدة في محاولة أخيرة لإنقاذ ابنه الأبله من بين براثين صافي، من بين جميع نساء المملكة لا يعجبك سوى هذه؟!

لكن كل ما قابله من صافي هو تقدمه ناحية الحلبة من جديد بنظرات قاتمة قبل أن ينقض على خالي العزيز كفهد مفترس.

- لا أحد يمكنه أن يأتي تحت يد أبوفيس ويخرج حيًا.

قالها صافي بعدما أحضر خالي أمام وجه أبيه مباشرةً ثم جذبه من شعره للخلف ومرر نصل خنجره الحاد فوق رقبته ممزقًا جلده وكافة شرينها ثم أحباله الصوتية مما أدى لاندفاع الدماء من رقبة خالي في وجه أبيه كصنبور مياه انكسر وأغرق وجهه بالكامل.

قام جدي فخر بعزله من منصبه كـ أبوفيس قائد الجيش وعين عمي صالح بدلًا منه، هل يمكنه ذلك؟

نعم، يمكنه إذا كان هناك فرد آخر من سلسلة أبوفيس وقتها يمكن للملك عزل واحد ووضع الآخر، كان يعلم صافي إنه سيعود لمنصبه قريبًا لأن فخر ليس لديه ابن ذكر آخر، لذا لن يطيل بقائه هكذا.

وعندما صار جدي سيّاف الملك أراد صافي أن يعود لمنصبه بالطبع لإنه الأكبر والأحق بالحكم، لكن جدي سيّاف كان خبيث بالطبع فقال له:

- أنا شخص ديموقراطي مش زي فخر علشان كدة هخلي المامبا نفسها تختار عايزين مين فيكوا.

بالطبع اختار جميع المامبا صالح وليس صافي لأن عمي محبوب وسط الجميع على عكس أخيه الدكتاتور المتغطرس، ومن وقتها يكره صافي أخيه.

حسنًا هو لم يحبه على أي حال فهم ليسوا مقربين فأعمامي وأبي أقرب له منه، فقد كان أبي صديقة المقرب طوال حياته.

أمسكت هاتفي لأرى هل شاهدت قاسية الفؤاد المقطع أم لا، فقد أبتكر أخي بكر تطبيق يمكنه معرفة الأشخاص الذين شاهدوا المقاطع ثم هاتفتها عندما علم إنها شاهدت المقطع بالطبع.

- خير يا أستاذ ليونار؟ حسيت إنك فاضي فقولت تحرق دمي تاني؟

قالتها ماليكا بنبرتها الساخرة والمنفعلة قليلًا فهي مازلت غاضبة بشأن الرواية، فضحكت بخفة وقلت لها بمراوغة:

" هيه قاسية الفؤاد لا تدعي الثقل يا امراة، فأنت ترقبينني"

هذا ما كنت أريد أن أقوله لكنني إذا نطقتها ستتوقف عن مراقبة حسباتي لتعاند حالها فقط، لذا قلت بهدوء للأفصاح بما يعتمر داخل صدري:

- أنا متعب ماليكا، هلّا غنيتي لي من فضلكِ.

صمتت ماليكا لثواني ولم يصل لي سوى صوت تنفسها قبل أن تبدأ بغناء ذلك الأبتهال الطاعن لقلبي:

_اطلقوني من سياج الأسر، حتى أتلاقـ..

- أقسم أن غنيتي هذا الإبتهال من جديد لأزبحنكِ وأصنع من رأسك كرة للأطفال ليتم ركلها باستمرار.

قلتها بنبرة غاضبة بنفاذ صبر بعدما اشتعلت من الداخل فجأة بدون سبب، لا ينقصني أن تفرغ أنبوبة أكسجين فوق لهيب نيراني من الداخل لتزيد من قوة الأشتعال.

- سحقًا لكِ.

هتفت بها من بين أسناني عندما صدح صوت صافرة داخل أذني ليعبر عن إغلاقها المكالمة في وجهي، فهاتفتها من جديد، فخرج صوتها الغاضب تقول بنبرة منفعلة:

- إنت فاكرني شغالة عندك؟ .. أنا آه شغالة عندك بس ده مش موضوعنا دلوقتي، قولتلي غنّي وبكرم أخلاق مني غنيت إنما تصرخ في ودني وتزعقلـ..

- أنا آسف قاسية الفؤاد، هذا الأبتهال يؤلم قلبي، لدي ذكرى بشعة مع ذلك الأبتهال، عندما اسمعها أعود من جديد لتلك الذكرى وأنحبس داخلها.

قلتها بنبرة هادئة لتفسير سبب صراخي في أذنها مقاطعًا حديثها الغاضب، فصمتت لثواني علمت بهم إنها مازالت على الهاتف من صوت تنفسها الخافت قبل أن تتنهد بعمق وتبدأ في قول واحد من الأبتهالات الآتي أدمنت سماعها منها:

❞ يا رَبِّ إِن عَظُمَت ذُنوبي كَثرَةً
فَلَقَد عَلِمتُ بِأَنَّ عَفوَكَ أَعظَمُ

إِن كانَ لا يَرجوكَ إِلّا مُحسِنٌ
فَمَن الذي يَدْعُو ويَرْجُو الأثِمُ ❝

أغمضت عيني حتى أشعر بصوتها يتغلغل داخل روحي، استنشقه، يسرى داخلي ليصبح جزءً مني، تخدرت وكأنني شربت زجاجة كبيرة من الخمر.

❞ أَدعوكَ رَبِّ كَما أَمَرتَ تَضَرُّعاً
فَإِذا رَدَدتَ يَدي فَمَن ذا يَرحَمُ

ما لي إِلَيكَ وَسيلَةٌ إِلا الرَجا
وَجَميلُ عَفوِكَ ثُمَّ أَنّي مُسلِمُ ❝

- هيه قاسية الفؤاد، سبحان من جعل أشواك عقلي تصبح هلامية الملمس بسماع صوتكِ.

قلتها بنبرة صادقة بعدما توقفت عن الغناء لكن لم أحصل منها على شيء سوى صوت تنفسها، تبدو مضطربة اليوم، أو ربما خائفة، هل تقلق عليَّ؟

- عايز حاجة تاني؟

- أوه! ما هذا اللطف قاسية الفؤاد.

قلتها بنبرة ساخرة لمشاكستها تعقيبًا على سؤالها السابق الذي خرج بنبرة هادئة، فأخرجت صوت ساخر من فمها قبل أن تقول:

- بحققلك أمنية أخيرة قبل ما تموت وأخلص منك.

- أوه تذكرت، بما إن هذا ربما يكون آخر يوم في حياتي أرغب في معرفة شيء  مهم .. هل سقيتي الكعكة؟

أضفتها بنبرة هادئة على الرغم من رغبتي في الضحك بعدما أخرجت صوت من فمها تحثني فقابلني صوت القطار بعدما أغلقت في وجهي ردًا على سؤالي، فضحكت عاليًا قبل أن أفتح صفحة رسائلها على تطبيق رسائل "واتساب" وأقول بنبرة درامية:

- واحسرتاه يا قاسية الفؤاد واحسرتاه، ماذا فعلت لكِ، أنا فقط أرغب في معرفة هذا الشيء اللعين قبل أن أموت.

" تبًا لك"

أرسلتها بعدما سمعت رسالتي فضحكت من جديد ثم بعثت لها وأنا أتذكر صوتها الذي مازال تأثيرة يخدر حواسي:

"شكرًا على الأغنية"

"شكرًا علشان التراميسو، أنا بحثتلك بقى على قصيدة علشان أرد على رسالتك الجميلة ليا.

" أياذا الفضائل واللام حاء
وياذا المكارم والميم هاء
ويا أنجب الناس والباء سين
وياذا الصيانة والصاد خاء
تجود على الكل والدال راء
فأنت السخي ويتلوه فاء "

قرأت أبيات الشعر ثم بدأت بالضحك بجلجلة عالية لكن ضحكتي تلاشت ببطء عندما اخترق أنفي رائحة عطر غزل التي سبقتها إلي ثم شعرت باقترابها مني.

- مش وقتك يا غزل.

قلتها بنبرة هازلة وأنا أخرج من جيبي عُلبة السجائر الحديدية وأستل منها واحدة أضعها بين شفتي، أنا لا أدخن إلا مرات قليلة لأن هذا ممنوع عليَّ حيث إنه يجب المحافظة على جسدي وصحتي لأصبح الملك.

- دي فاضية، ما تولع واحدة حلوة.

قالتها غزل بنبرة متذمرة لعدم إمتزاج السيجارة بمادة مخدرة بعدما جلست جانبي وسحبت السيجارة من بين شفتي ثم أشعلتها، سحبت منها نفس عميق ونفسته على شكل دائرة فارغة من المنتصف ثم وجهتها لوجهي فمرت من حول وجهي وتلاشت فهي تستطيع اللعب بالدخان، فأخرجت من علبتي سيجارة أخرى وأشعلتها ببرود، فرمقتني بنظرة حانقة حيث إنها كانت تريد مشاركتي السيجارة نفسها كما كنّا نفعل في السابق.

لكنني بالتأكيد لن أفعل ذلك الآن، أنا رجل لامرأة واحدة فقط، هي من أشاركها كل شيء.

- ما تيجي نتجوز شهر ونسيب بعض تاني.

قالتها بنبرة متحمسة فجأة وهي تنظر لي بعيون تبرق من الخبث، فاطلقت ضحكة صاخبة لا مرح فيها من طريقتها، هذه الحية لن تتغير.

- تعالى نلعب، لو كسبت نتجوز ولو خسرت منتجوزش.

قالتها بنبرة مندفعة وهي تفرد كف يدها المضموم أمام وجهي فظهرت عملة معدنية بمنتصف راحة يدها، فحركت رأسي بالنفي وأنا أنفس دخان سيجارتي للأعلى، ثم ضحكت داخلي ساخرًا من حالي.

لو كنت في وقت آخر لوافقت على الفور، لا يمكنني التصديق إنني أجلس بجانبها الآن ولا أشعر بشئ وكأنها هواء والأكبر أنني أفكر في فتاة أخرى.

اشتقت لكِ ليكاتا.
هل أذهب وأعترف لها بحبي لأن هذا ربما يكون آخر يوم في حياتي؟

لا، هذه فكرة غبية، ماذا ستستفيد إذا قُتلت في المواجهة، سوف أزيد من حزنها لا أكثر، حسنًا سوف أجلبها إلي.

- عايزة أخلف.

قالتها غزل بصوت خفيض بالكاد وصل إلي لتخرجني من حالة الشرود وتتسبب في تلاشي ليكاتا من جانبي بعدما أحضرتها، تبًا لكِ غزل، للجحيم أنت ولنساء العائلة.

- اتجوزي وخلفي، مش هتغلبي يعني، ده إنتِ بسم الله ما شاء الله مفيش راجل بيقف قصادك.

قلتها بنبرة جامدة بعدما أخرجت صوت ساخر من حنجرتي، فرمقتني بنظرة مقيتة قبل أن تجيب بنبرة غلفها الحزن:

- عايزة اخلف منك إنت يا ليو، أنا كنت حامل من آدم (القائد أوركا) ونزلته علشان مش منك.

- اللعنة! مما صنعتي يا امرأة؟ قتلتي طفلك حتى لا تنجبي من الشخص الذي اختارتيه بكامل إرادتك.

قلتها بنبرة ساخرة وبعدما رمقتنا بنظرة مستحقرة، لقد تزوجت الرجل بكامل إرادتها لكي تجعلني أغار، فأحتل الغضب قسمات وجهها وكأني سحبت فتيل القنبلة داخلها ثم ضربتني في كتفي بكلا كفيها لأفقد توازني لبرهة كانت ستسبب في وقوعي من فوق البناية ثم قالت:

- أنتَ السبب، أخرج من دور الضحية اللي إنت عايش فيه ده وفوق شوية، و شوف إنت عملت إيه فيا يا ملاك يا برئ؟ أنا غلطانة عارفة بس إنت كمان غلطان، اللي إنت عملته معايا ده اسمه قذارة، أنا كنت معاك بجد كنت مصدقة علاقتنا وإنت كنت بتلعب بيا بطريقة حقيرة.

- غزل انا و أنتِ خلاص، اقفلي الموضوع ده ومتفتحوش تاني.

قلتها بنبرة مقتضبة لأنهاء النقاش، العتاب لن يجدي نفعًا، يمكنني الدفاع عن حالي واخبارها أنني كنت أثأر لحالي من ما فعلته بي، أنا لست ملاك، أنا أنوبيس، هي أحبت أنوبيس ورأت ما يمكنه فعله.

إذا رفعت يدي وحاولت صفعها ستمسك بيدي قبل أن تصل لوجهها ثم تصفعني هي، وهذا ما فعلته معها!

لكن هذا كله مجهود بلا معنى فأنا لن أعود لها، وما فعلته بي لم يعد يؤلمني، تلاشى مثل حبها من داخلي.

- هتجوزك، برضاك أو غصب عنك هتجوزك يا ليو، إنت ليا أنا لوحدي.

قالتها غزل بنبرة مؤكدة وهي تمسك سترتي لتجعلني أنظر لها، فسحبت سترتي من بين أناملها وأخرجت صوت يدل عن السخرية من فمي فآخر مرة قالت بها هذه الجملة تزوجت من آدم ورقصت بُعرسها.

- يدك عني غزل، إنت تعلمين أنني لا أحب أن تمسني امراة غير حبيبتي وأنت تعلمين من هي حبيبتي.

قلتها بنبرة جامدة وأنا أنظر أمامي ثم انتفض قلبي رعبًا عندما وقع بصري على تميم الذي يبكِ وهو يركض قادمًا لداخل البناية، فنهضت بسرعة وهرولت للأسفل حتى قابلت تميم بمنتصف الدرج واحتضن قدمي بشدة وهو يتنهد من البكاء.

- وقعت ولجليلي أوجعني. (وقعت ورجلي بتوجعني)

قالها من بين شهقاته بعدما حملته فوق ذراعي وضممته إليّ، فجلست فوق الدرج ووضعته فوق قدمي ثم رفعت بنطاله برفق لتظهر أمامي دماء متدفقة من جرح بمنتصف ركبته.

- أنا تايف الناس الوحشة خوفوني.

قالها تميم وهو يتشبث بملابسي، فضغط على أسناني ونهضت من فوق الدرج وأنا أحمله بعدما تحولت نظرتي إلى القتامة، سأقتلهم جميعًا وأحرق المملكة حتى تصير رمادًا ليس له وجود، الويل على من يمس شعرة من صغيري.

وضعت قبلة هادئة فوق وجنته تميم قبل إن أنزله أمام الشباب أبناء القادة الذين يقوموا بتخويف أطفالي للتسلية لأنهم يشعروا بالمملل، بعدما أخبرني عن ماهيتهم ثم أخرجت خنجرين من ملابسي لأمرح معهم أنا الآخر مع صدوح صوت انفجار مدوّي داخلي، قبل أن ينطفئ كل شيء.

يتبع..

★ متنسوش التصويت (vote) 

الفصل طول مني فملحقتش اكتب المواجهة، الفصل اللي جاي بإذن الله.

_ الشعر المذكور مقتبس.
________________________

_ لا تنسوا الدعاء لأخوتنا بغزة في جميع صلواتكم، رفع الله عنهم ونصرهم.

للتذكير: سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، نِعمَ الزادُ هذا يا رب.

Continue Reading

You'll Also Like

184K 4.2K 30
𝐎𝐫𝐩𝐡𝐚𝐧𝐞𝐝 𝐚𝐭 𝐚 𝐯𝐞𝐫𝐲 𝐞𝐚𝐫𝐥𝐲 𝐚𝐠𝐞, 𝐘/𝐧 𝐡𝐚𝐝 𝐭𝐨 𝐡𝐢𝐝𝐞 𝐡𝐢𝐬 𝐬𝐭𝐫𝐚𝐧𝐠𝐞 𝐚𝐫𝐦 𝐟𝐫𝐨𝐦 𝐨𝐭𝐡𝐞𝐫𝐬. 𝐁𝐮𝐭 𝐚𝐟𝐭𝐞𝐫...
156K 2.7K 36
"But I can't seem to settle down, cause' I'm waiting on you to come around" Callie Stevens. She's a Northsider. Sweet pea. He's a s...
5.2K 555 21
ჯონგუკს მშობლების გარდაცვალება დიდ, მოუშუშებელ ჭრილობას უტოვებს. ამას მისი ძმის უეცარი თვითმკვლელობაც მოჰყვება და როცა ჰგონია რომ უარესი ვეღარაფერი მ...