ڤولبير | Volber «متوقفة»

By soul_p0

637 64 370

" إثر الآثام تُولد المُعاناة، تزرع المعرفة في العقول.. أن العذاب له أسبابه، وإن كان المُتلقي نقيًّا من كُل ال... More

اللمحة
١ | خوفٌ غير مسبوق.
٣ | صفحاتٍ من الماضي.
٤ | أخبارٌ سيئة.
٥ | المصائب تأتي تِباعًا.
٦ | كستنائي الشعر.
٧ | جانبٌ غير مألوف.
٨ | ما يفوق الخيال.
٩ | سلالةٌ من ذهب.
١٠ | أمير الشياطين.
إعتذار

٢ | حديثٌ غير مرغوبٍ به.

48 6 1
By soul_p0

قيل ذات مرَّة أن المُرّ ينتهي في لحظةٍ ما، تتلاشي ذكرياته رويدًا رويدّا، ثم طعمٌ حلو يكتسح مكانه في بطئ، و هدوءٍ رائق خفيف يُجاوره، لكن ما بال الأكاذيب تعمُّ هذا القَول؟

في فترةٍ ما من فترات حياتي الثقيلة والركيكة، خمسة أعوامٍ بائسةٍ وفاسدة، مريرة الطعم وإبتلاعها كإبتلاع الأشواك غصبًا، وما لي غير تقبُّلها في صمت، ولا توجيه لومٍ لغير نفسي، وكأن كل المسئولية تقع على عاتقي وحدي، ولم تكن لي حرية الإختيار حتى.

ثم ماذا؟

انتهتْ.

انتهى الطعم المرير في سقف حلقي، واستُبدل بنارٍ أحرقت بقاياه لتغدو رمادً، خُلقَت من بعده الصلابة المتناثرة على طيف روحي، والبرودٍ البهي الذي ملأ جوفي صاعدًا إلى ملامح وجهي، ونحت منها الجمود، بدون إرادة تُذكر.

الإبتسامة الفاترة تغزو الوجه من حينٍ لآخر، وأطراف شفتاي عاجزةٌ عن الإرتفاع في طبيعية، وكأن التصلب و الجمود حُكِما بالإنطباع قسْرًا عليها، يُكبِّلانها.

ثم الآن.. رأيت أطياف الماضي تلوح من خلف حدقتيها الزرقاوتان، والإبتسامة الصغيرة التي إرتسمت على وجهها زادت من الحرقة بداخلي، عضضت شفتاي.. لماذا تظهر الآن؟ بعد كل ما فعلته !

" مضى وقتٌ طويل.. ! " قالت متقصدة النظر لي عينًا بعين، أريان كانت مشوشةً تُبدل بصرها بيننا بعدم إستيعاب، هي لم تدرك سبب إصرار العجوز على دعوتنا؟ الآن توضَّح.. بالنسبة لي على الأقل.

" تعرفان بعضكما؟ " أريان تساءلت مع عقدة بين حاجبيها، كدت أنفي وأغلق الأمر برمته، لكن لن يكون هذا جيدًا لصالحي.

" معرفةٌ قديمةٌ لا أتشرف بها. " قلتها صراحةً بينما أعقد يداي أرمق تيسيانا بأعين باردة، تريد العبث معي كما كان يحدث بالماضي؟ حسنًا.. سترين نتائج أفعالكِ.

" لحظة__ "

" لا بأس أريان. " يان كادت تتأسف بدلاً مني كما يبدو، إلا أن تيسيانا نفت مع إبتسامة اتسعت، بحق الإله !

" هوي أنتِ، لا تناديها بإسمها مُجرَّدًا هكذا ! " شعرت بالإنزعاج كونها تتعامل بأريحية تامة مع أريان بهذا الشكل، تتصرف كأنها لطيفة لا تؤذي أحدًا، وهي في الماضي كانت كالشيطان تخرب الأرواح.

تلقيت قرصةً في جانبي جعلتني أتأوه بألم، هل نغزت إصبعها في جانبي لتوها؟ ألقيت نحوها نظرةً غاضبةً لأجدها كانت تناظرني مؤنبة، لكنِّي لستُ مخطئة !

[ هي سيدة كبيرةٌ في السِن، يُجدر بكِ التعامل معها بشكلٍ أفضل ! ]  تواصلت أريان معي عقليًا تؤنبني، قلبت عيناي بملل.

[ بلا بلا بلا، لا أهتم بذلك.. إن علمتِ حقيقتها ستندمين على اليوم الذي عرفتيها به، ثم أنها تستطيع سماعنا على أية حال !  ]  غفلت عن هذه النقطة لثانية، و رأيت التشويش عاد يملأ محياها، أوه أجل.. هي تظنها بشرية !

" على أية حال، السيدات بالداخل.. يمكنكن الذهاب قبلي، سوف أحضر بعض الأشياء ثم أعود. " تيسيانا أشارت لنا بالدخول بينما تسير للداخل، تِلك الإبتسامة الواسعة التي رمتها نحونا قبل التفاتها كانت مريبة، هذه المرأة لا تنكف تبتسم على الدوام، لماذا؟ لستُ أدري هي فقط تبدو مريبة !

لحظة..

هل قالت سيدات؟

تبا..

" أهو إجتماعٌ من نوعٍ ما، لما أنا مدعوة؟ " نبست في ضيقٍ نحو أريان أستوعب ما يحدث، هذا اجتماع أو حفلة شاي مضحكةٍ كما في العصور الوسطى؟ ما هذه التفاهة؟ ولما أنا بها !

سأبكي..

" أجل، على أية حال.. السيدة تيس أصرت على وجودكِ أيضًا، ثم.. ما الذي قصدتيه بكونها تستطيع سماع تواصلنا العقلي؟ " همست بإستنكارٍ في الجملة الأخيرة، حركت يداي بشكلٍ لامبالي، ثم أخذت خطواتي للداخل، " سأخبركِ لاحقًا، هذا ليس وقته.. لكن هناك شيء يُجدر بكِ معرفته..  "

إلتفت نحوها في منتصف طريقي بالداخل، حيث كانت تتبعني بأعين حائرة، تعابير صارمة إعتلت وجهي.

" السيدة تيسيانا تِلك، ليست شخصًا لطيفًا ! . " هززت كتفاي في النهاية، هي بالفعل ليست لطيفة ولا يمكنني قول شيءٍ آخر الآن، حركت عيناي في الأرجاء بحثًا عن المقصودة.

فكرة ما لمعت بعقلي جعلتني أتجمد بمكاني للحظات، هل يُعقل أنها كانت سببًا في إختفاء آلوس؟

" أريان، إسبقيني حيث السيدات، أريد إخبار العجوز شيئًا ما. " أخبرت أريان دون النظر نحوها، عيناي تجولان في الأرجاء، المكان مألوفٌ نوعًا ما..

" حقًّا أنجلينا؟ تعلمين؟ أنتِ حقيرةٌ من الأساس.. " إنعقد حاجباي بقوةٍ على حديث أريان البارد فجأة، إلتفت نحوها في ذهول، ما ذنبي أنا ؟!

كانت تنظر نحوي بأعين غاضبة، درجة الأزرق بها فاتحة على غير العادة، الدليل الأكبر على شدة غضبها وضِيقها مني، لما هذا فجأةً ؟!

" أفعالكِ تزداد غرابةً منذ إختفاء آلوس، تخفين الكثير عنِّي ولا أدري السبب، أتعلمين؟ فلتذهب أسراركِ للجحيم، لا أريد معرفة أي شيء ! " سقطت تعابيري أراها تلقي نظرةً يتطاير منها الشرر نحوي، بينما تتنفس بسرعة قبل أن تذهب حيث الباب الذي كان في نهاية رواقٍ جانبي، خمنت أنه يؤدي للحديقة حيث تِلك الجلسة العقيمة.

تنهيدةٌ طويلةٌ أخرجتها بينما أدلك جبيني، لماذا غضبت فجأةً؟ لم يكن يستدعي الأمر كل هذا التعصب !

" مازلتِ تتعاملين مع الأمور بشكلٍ خاطىء ! " نبرةٌ هادئةٌ صدرت من خلفي جعلتني أجفل بينما أنظر نحوها سريعًا، تبدو وكأنها تسير على الهواء ولا تمتلك رائحة.. كأنها شبحٌ يحب التجول بالأرجاء وإخافة الناس.

أو أن مقدرتي على الشعور بالهالات والكائنات من حولي باتت منحدرة.

ماذا أتوقع من نفسي دون آلوس؟

وهذا وحده غير جيد، إعتمادي الكُليّ عليها.

" لا تنظري للأمر من جانبكِ وحدكِ أنجلينا، يجدر بكِ توضيح الأمر من حينٍ لآخر لصديقتك التي باتت قلقةً عليكِ دائمًا. "

" أوه الثعبانة باتت تُعطي النصائح، ماذا بشأن إعطائها لضحاياكِ فاقدي عقولهم؟ "

" مازلتِ شرسة، لا تتغيرين. " قهقهتْ قليلاً وكأن كلماتي لم تؤثر بها بتاتًا، قلبت عيناي.. هي تستمر بإستفزازي بطريقة سيئة.

" تتحدثين كعجوزٍ تجاوزت المائة من عمرها فأصابها الخرف، أوه أنا مخطئة.. أنتِ بالفعل كذلك ! " لم أكن أعلم أني بهذه الوقاحة إلا الآن.. بمجرد مقابلتها.

إلهي هذا يُعطي شعورًا منعشًا !

" منذ رأيتكِ وأنا أشعر بأن هناك إختلافًا غريبًا بكِ، و للتو لاحظته..  أنتِ غارقةٌ في محيط الجهل، والسبب جعلني في حيرةٍ قليلًا. " عقدت حاجبيها مع تعابير حائرة، بدت متصنعة إلا أنها حملت شيئًا من الحقيقة، ما الذي تقصده؟ أي محيط جهلٍ هذا؟

لم أحب شعور الحيرة والجهل حول ما تقصده، أصابني هذا ببعض الريبة، أيًّا كان ما تقصده بالأمر فأنا مدركةٌ تمامًا لكونه ليس خيرًا.

هي لن تحمل خيرًا من الأساس.

" هل تتعمدين فِعل ذلك لي و لآلوس؟ " قلت متقصدة إختفاء آلوس بفِعل تأثيرٍ خارجي، وخطر في بالي أنها قد تكون السبب، إلا أن تعابير الإستغراب التي ارتسمت على محياها بدت وكأنها تنفي ذلك.

" عن أي شيءٍ تتحدثين؟ " شككت لوهلةٍ أنها قد تمثل او ما شابه، " تعلمين أني لا أحب ألاعيبكِ السخيفة هذه. " همست ببرودٍ نحوها، من المستحيل أن أثق بكلماتها هكذا وحسب، أنا لا أثق بها من الأساس.

" لا ألاعيب أنجلينا، أنا بالفعل لا أعلم عن أي شيء تتحدثين، و إذا كنتِ لا تثقين بحديثي مني الأساس، فأرجو منكِ نسيان ما حدث بالماضي، لا يظل الشخص على نفس حاله دائمًا، هناك تغيرات، أحداث، مفاهيم ومعتقدات جديدة تُغـ__"

" أجل أجل، انتظري سأحضر منديلاً ما أمسح دموعي من كلماتكِ المؤثرة للغاية ! " تصنعت ملامح متأثرة بالفعل بينما أسخر علنًا في حديثي، ماذا تظنني؟ بلهاء؟

بعد أن ازهقت أرواح العديد من الأطفال في الماضي، المعاناة والدموع التي يذرفونها ليلا حتى كادوا يُصابون بالعمى جرَّاء ذلك، بعد جعلهم مرضى نفسيين يجري الجنون في دماءهم؟ بعد تدمير أرواحهم وكأنها مجرد تسليةٍ لأوقاتهم الفارغة !

هراء.. هراءٌ غير قابلٍ للتصديق.

" أنا لستُ بلهاء حتى ترمي الأكاذيب عليَّ وكأنني قد أصدقها بالفعل، حسنًا؟ " رمقتها بنظرةٍ باردةٍ جعلتها تصمت دون ردٍّ تحدق بي بالمقابل، إبتسامة صغيرة نمت على شفتاي.

" ' جميعكم ستلقون حتفكم على يديّ '  كان هذا وعدًا قطعته من قبل، مُقسِمَةً على تنفيذه. " اتسعت إبتسامتي أميل برأسي قليلًا، كانت النظرة اللطيفة على وجهي تناقض تمامًا كلماتي، ولاحظت إسوداد ملامحها، وتغيرها للأغمق رويدًا رويدًا، إستيعابها مدى واقعية الحديث.

" كما أنني شخصٌ لا يُخلف وعوده تيسي، وأنتِ أحق الناس معرفةً بذلك. " قلتها ألقى نظرةً سطحيةً أخيرة مع ابتسامةٍ باردة، قبل أن ألتفت للذهاب حيث الباب المؤدي للحديقة، والجلسة الثقيلة التي تنتظرني.

عندما فتحت الباب، وجدت الحديقة الخلفية التي امتلئت بأنواع النباتات المختلفة، لويت شفتاي بسخريةٍ مدفونةٍ أمرر بصري عليهم، قبل أن أوجهه نحو تجمع السيدات، اللاتي بَدَونَ وكأنهن لم يلاحظني من الأساس، كُنَّ مندمجات بالحديث مع أريان، التي لاحظت على الفور عدم ارتياحها نوعًا ما، بالرغم من كونها تحمل ابتسامةً واسعةً و لطيفة، شعرت بالذنب.

بالفعل هي كانت قلقة، إلا أنه لم يكن وقتًا مناسبًا أن أخبرها بالأمر أيضًا !

أخرجت تنهيدةً ثقيلةً و توجهت نحوهن، ألقيت تحية بسيطةً مع إبتسامةٍ حاولت جعلها مقبولةً قدر الإمكان، السيدات التفتن نحوي بتفاجؤ نوعًا ما،

أريان تجاهلتني.

" أوه أنتِ هي أنجلينا ! " أومئت بذات الإبتسامة واتخذت الكرسي المجاور لأريان متعمدة، [ يُجدر بي الشرح، وأنا أسفةٌ على تصرفي.]  تواصلت معها عقليًا على أمل ان تستجيب، إلا أنها ببساطة.. حظرتني.

" من المذهل كونكِ في الخامسة والعشرين، تبدين أصغر من عُمركِ ! " هذا التعليق الذي لا ينكف الجميع يرمونه بكل مرة يروني بها، نظرت بطرف عيني لأريان، هي أخبرتهم بالفعل !

" شكرا لكِ سيدتي. " هززت رأسي بإبتسامةٍ بالكاد، وهي ضحكت تلوح بيدها، " من الجميل الجلوس مع شباب اليوم، تُعطوننا شعورًا نحن العجائز بأننا مازلنا صغارًا.. " ثم ضحكت مرة أخرى وشاركتها السيدات الأخريات، هذا.. بأي شيءٍ يُجدر بي الرد بواسطته عليها؟

" يُسعدنا ذلكَ سيدة جورا، كما أن الجلوس معكن شيء جميلٌ بالنسبة لنا أيضًا ! " أريان قالت تقهقه قليلًا، كذبةٌ رائعة أريان، لكن على أية حال هذا أفضل من الصمت والضحك وحسب.. من الغير المريح الجلوس معهن، قليلًا فقط وسيبدأون في التدخل في حيواتنا الشخصية.

"إذا.. من أي جامعةٍ تخرجتما؟"  ها قد بدأنا.. جملةٌ مباشرة من السيدة الأخرى، أريان ستستغل ذلك ضدي حتى تنتقم.. فقط تبا.

" أوه هل تأخرت؟ " كان هذا صوت تيسيانا الذي جعل من ملامحي تسقط، هي جاءت بالفعل، دون أن أشعر بها.. فقط، أين آلوس بحق الإله؟!

" لا أبدًا ! كُنَّا نخوض نقاشًا جيِّدًا مع الفتيات. " سيدة أخرى قالت بينما تلوح بالمروحية ضاحكة، نساء بريطانيا هؤلاء..

" هاتِ عنكِ سيدتي.. " أريان نهضت سريعًا تأخذ الصينية من تيسيانا التي ابتسمت نحوها بلطف، " أشكركِ أريان هذا لطفٌ منكِ. " ربتت على كتفها بعد أن ناولتها الصينية، مما دفع أريان لرسم إبتسامةٍ أوسع.

" أريان فتاةٌ لطيفة، سيكون من الجميل دعوتها مع سام في موعدٍ مدبر، هو فتى جيدٌ أيضًـ_" قاطعت همس السيدتين وإبتسامةٌ سريعةٌ رسمتها على وجهي.

" سيدتاي لا داعي لذلك أريان لديها حبيبٌ بالفعل.. " صمتٌ ثقيلٌ عمَّ المكان، السيدات توقفن عن الهمس مع أثر الصدمة والتفاجؤ منطبعٍ على وجوههن،

تيسيانا لمحتها تعض شفتيها وبدت وكأنها تكتم ضحكة،

أريان؟ كانت تقف متصنمةً في مكانها لازالت لا تستوعب حديثي، ثم ببطيء لفَّت رقبتها نحوي..

كانت عبارة عفوية لإنقاذ الموقف، لربما أخطأت..

" أوه ذلك.. لم أكن أعلم.. ! " المدعوة جورا قالت بإبتسامةٍ مستغربة، استمعت لصوت ضحكةٍ مكتومة انفلتت من جانب تيسيانا التي حمحمت تخفي أثر ضحكتها على الفور.

" أجل أجل، إنه مديرها في العمل، بالتأكيد هي كانت خجولةً لتقول ذلك.. " هززت رأسي قائلةً حتى بدا الإقتناع على وجوههن، الهى العزيز أنا أحفر قبري بنفسي.. " أوه هذا.. " هنا كانت أريان تنطق، وقد كان جسدها المتجمد قد ارتخى، ثم إبتسامةٌ واسعةٌ ارتسمت على وجهها الذي مال قليلًا.

بدت لطيفةً لهن، أما لي؟ فمتوعدةٌ أشد الوعيد.

من بين كل رجال العالم اخترت مديرها الفاسد ليكون حبيبها الوهمي؟ مُديرها الحقير التي تستحقره أريان أشد الإستحقار ! وأيضًا.. نفسه الشيطان الذي يعجز عن التحكم بقواه.

" الأمر أننا لم نعلن عن ذلك بشكلٍ رسميٍّ بعد.. لذا لم يكن من الداعي الحديث بشأن ذلك. " قالت كلماتها الأخيرة بنبرةٍ ذات معنى بينما تُلقي نحوي نظرةً حادة لم تلاحظها السيدات، إبتسمت بتورط.

أظن أنه لا بأس بذلك..

الفتاة مازالت عازبةً وهي في الثالثة والعشرين ! كيف لي أن أتركها هكذا !

حسنًا رأسي سيتم قطعه الليلة..

مازلت أظن فِعلتي جيدة.

" هذا لطيف للغاية. " لاحظت نظرات تيسيانا علىَّ بينما تقول جملتها الودودة، نظرتها كانت مستمتعة، لويت شفتيّ نحوها بإزدراء خفيف لا يُلاحظنه.

دارت الأحاديث العقيمة بينما أتابعها بملل و وجنتي تستند على كفي أرمش بخفة.

كانت السماء صافيةً من الغيوم وأشعة الشمس دافئةٌ ليس حارة بشكلٍ مبالغٍ به، جلدي كان يلسعني من الجو رغم عدم حرارته الشديدة، لم أحب أجواء الصيف على أية حال، الشتاء القارس كان ما أفضله.

تنهيدةٌ قصيرة أخرجتها، و يا ليتني ما فعلتها، " بالمناسبة عزيزتي أنجلينا.. " وجهت بصري الهادىء نحو السيدة التي تساءلت بنبرتها الودودة، تبدو وديعة.. إلا أن سؤالها لم يكن كذلك البتة.

" من أي جامعةٍ تخرجتي؟ " لاحظت نظرة أريان الخبيثة وكأنها تقول ' نَالي ما أناله الآن.. ! ' حسنًا، يا ليتني لم آتي لهذه الجلسة من الأساس، كُنت سأوفر حِرقة الدم التي سأشعر بها !، ثم لماذا هي مصرَّة على هذا السؤال؟

" آ-ه..جامعةٌ غير معروفة في روسيا." بإختصار قلت بينما ألتقط قطعة بسكويت أحدق نحوها بدقة قبل أن أقضم منها، أفضل طريقة لتجنب الحديث.

" بالمناسبة تبدين صغيرةً للغاية ! ظننتكِ أصغر من أريان بالفعل لولا أنها أخبرتني بعُمركٌ ! " كان هذا دوري للإبتسام في خباثةٍ لم تلاحظها سوي أريان التي عضت شفتيها ببعض الغيظ، قهقهت في داخلي.

" أشعر بالإهانة، أتقصدين سيدتي أنني أبدو كبيرةً إلى هذه الدرجة؟ " قالتها أريان بنبرةٍ مازحةٍ تُمثل الصدمة وهي تضع كفَّها على قلبها.

حسنًا، ملامح وجهي أصغر من أن تكون لفتاةٍ في الخامسة والعشرين من عُمرها، أبدو كأُخرى في التاسعة عشر، لذا تكون ردود أفعال الناس شبيهةً برد فِعل السيدة تِلك، وفي المُقابل، تبدو أريان عكس ذلك، هي في الثالثة والعشرين ومحياها مناسبٌ تمامًا لسِنها، لكن عند المقارنة.. أبدو وكأنني من أصغرها.

الأمر ممتعٌ نوعًا ما..

" أوه بالطبع لا ! فقط أنجلينا تبدو صغيرةً فـحسب لذا تعجبت من ذلك. " قالتها مازحةً تقهقه، بينما تلوح بيدها، أريان قهقهت في المقابل وأنا اكتفيت بإبتسامة.

" إذا.. من الغريب دراستكِ في روسيا، لماذا اخترتِ روسيا بالذات؟ " قالتها سيدةٌ أخرى بهدوءٍ تبدو غير مقتنعةً بحديثي، بينما ترتشف من كوب الشاي خاصتها وكأنها امرأةٌ أرستقراطية من العصور الوسطى، ا-ه تبًا سأضحك.

لما يُحب أهل الريف معرفة كل شيءٍ عن الناس من حولهم؟

الأمر يستفزني.

إلا أنني إبتسمت في رزانةٍ أُجيبها بشيءٍ من الحقيقة، " روسيا بأجوائها الباردة كانت الخيار الأمثل كوني لا أحب الأجواء الحارة، كما أنها أفضل جامعاتها.. " كذبةٌ صغيرةٌ بشأن الأمر لن تضر.. مع كوني لا أحبذ الكذب على أية حال.

أريان رفعت حاجبها نحوي فهززت كتفاي بلامبالاة، أنا بالفعل كُنت في روسيا لفترةٍ ليست بالطويلة، لنعتبرها فترة دراسة بما أنها اقرب لذلك.

" اوه..  الأمر غريب. " تمتمت بنبرةٍ متعجبةً فأملت برأسي قليلاً مع ذات الإبتسامة، " الظروف و ما تفعل. "

" على أية حال، ما رأيكن بالبسكويت سيدات؟ أعددته خصيصًا لهذه الجلسة التي لن تتكرر ! " تدخل صوت المشؤومة جعلتني أعود بظهري للخلف أعقد يداي لصدري مع تعابير محايدة، مازلت لا أستطيع تقبلها، كما أن بسكويتها هذا لم يُعجبني.. به حموضةٌ غير مقبولة.

كان إندفاعًا غريبًا مني، أن أتناول شيئًا صنعته هي، ربما يكون مسمومًا.

وإن يكن..

حتى مع تعابيرها اللطيفة ومحاولتها في إظهار وِدِّها معي، لكن لا.. ما حدث في الماضي لا يجعلني أطمئن لها بأي شكلٍ كان.

وحتى مع كلماتها بأنها تُريد التغيير، لستُ طفلةً بلهاء حتى أصدِّقها، لا أحد يعمل معهم بإرادته ثم بعد سنواتٍ يقول أنه يُريد التغيير.

لا يُمكنني تصديق ذلك بتاتاً.

« حتى أنا لا أستطيع التصديق..»

لحظة..

ماذا؟!

قاومت إطلاق صوتٍ متفاجئ وكبحت تعابير التعجب من الإرتسام على وجهي، كان ذلك صوت آلوس أم أنني أتوهم؟

« هذا ليس وهمًا عزيزتي، لقد عُدُّت بالفعل..»  كان صوتها مُتحشرجًا مبحوحًا وكأنها كانت صامتةً لوقتٍ طويل، بعض التعب تخلل نبرتها مما جعل التعجب والقلق يلتهماني أكثر.. لا أنكر أن الغضب كان جوارهما.

إلا أن الحالة لا تسمح الآن..

« ما الذي حدث بحق الإله؟ أين كُنتِ كل ذلك؟!  وما هذه العودة المُفاجئة دون أن أشعر؟ »  أخبرتها أبتلع لعابي دون إدراك ما حولي، آلوس تنهدت بخفة تصمت لثانيتين.

« إختصارًا لكل شيء، هناك طاقةٌ ما تُحكِم الخناق علىَّ، شيءٌ ما يمنعني من الخروج، و لسوء الحظ.. لا أستطيع معرفة ماهية هذه الطاقة، منبعثة من أي كائن كانت.. لا أستطيع معرفة ذلك. " قالتها ثم زفرت مرَّةً أخرى وكأنها ضائقةٌ من كُل ذلك.

تبًا..

أريان كانت شبه محقة.

هناكَ شيءٌ ما يحدث في هذه القرية المُريبة، ولا أظنني سأستطيع الذهاب منها دون المعرفة.

« هل يكون بالصدفة أنها مُنبعثةٌ من تيسيانا؟»

« لا، ليست منها، مصدرها بعيدٌ لكنه في حدود القرية.»  قالتها آلوس في ثباتٍ دون ذرة شكٍّ واحدة، الأمر يزداد سوءًا.. إذا لم تكن تيسيانا إذا من؟

« أظن أنه يُجدر بكِ سؤالها، ربما هي تعرف شيئًا.. " امتعضت ملامحي على كلمات آلوس، أكره ذلك، لم ألبث شيئًا حتى أتتني زمجرتها الغاضبة بينما تقول، « لا وقت لذلك أنج، هي تعرف الكثير لذا سؤالها أفضل خيار، دعكِ من هراء الماضي الذي لن تُحب إحدانا إظهاره في كل شيءٍ من حياتنا الحالية، كما أنني لستُ واثقةً من بقائي لفترة أطول.. ربما أختفي في أية لحظة.»

سقطت تعابيري بإستيعاب،« لكن كيف أنتِ متواجدةٌ الآن؟»  تنهدت بخفة ثم أجابت، « تردد الطاقة وتأثيره علىَّ أصبح أضعف لذا إستطعت بسرعةٍ التواصل معكِ لتنبيهكِ بكل شيء، و آ-ه، خُذي حِذركِ لأن المكان غير آمنٍ البتة.»  قالتها تهسهس.

حديثها سريعٌ وكأنها تخشى الإختفاء في أية لحظة، سأجد أيًّا كان ذلك المصدر قبل رحيلي.

« لا تتهوري أنجلينا.»  كانت تِلكَ نصيحة آلوس قبل أن يتلاشى صوتها، وأشعر بها تختفي من جديد.. الأمر أزعجني وجعلني أُطلق شتيمةً خافتة.

رفعت بصري المُنزعج، فـوجدتها، تُحدق نحوي بأعين باردة وكأنها تقرأ ما بداخل روحي، نظرتها الزرقاء متفحصةٌ وتعابيرٌ حيادية مُرتسمةٌ على وجهها.

هل إستمعت لما قالته آلوس؟

عجزت عن معرفة ذلك.

تِلك الحَيَّةُ الخبيثة، والتي أرغب في شَنقها بكِلتا يداي.

صوتُ رنين هاتفي صدح في الأرجاء بنغمته العالية، أشحت ببصري نحوه بعد أن أخرجته من جيبي، حديثهم إنقطع.

" لحظات فقط، أكملوا حديثكن. " قلتها بلُطفٍ تعجبت منه قليلاً، إلا أنهن إبتسمن وحسب، أريان نظرت نحوي وكأنها تعلم أن هناكَ خطبٌ ما..

طمئنتها بإبتسامةٍ صغيرة، ثم ذهبت لركنٍ ما أجيب على الهاتف، كان ڤينتر.. ذلك الساحر الخبيث.

" ما الأمر؟ " بنبرةٌ روسية باردة جعلته يصمت قليلاً قبل أن يُجيب، ربما شعر بالإستغراب من كوني أتحدث الروسية ونحن في العادة نتحدث بالإنجليزية.

تمنيت بداخلي أنها لا تفهم الروسية.

" خبرٌ سيء. " لهجته المتوترة جعلتني أبتلع بينما أُرخي جفناي قليلاً، أي خبرٍ سيءٍ الآن؟

" تحدث، ما الأمر؟! " كانت لهجتي هذه المَرَّة حادة مُستجوبة، بدأت أشعر وكأن كل شيءٍ يسير نحو الأسوء.

" بدايةً لا أستطيع التحدث على الهاتف بشأن هذا الأمر، هو مُتعلقٌ بـهايان و الملوك، لن أنطق كلمةً هنا، يُجدر بكِ المجيء عِندي. "

" أنا في منطقةٍ ريفية بعيدة الآن ڤينتر، بحق الإله كيف سآتيكَ الآن ! " قُلت بعصبيةٍ حاولت كبحها، هايان و الملوك، ليس من عادته إحضار أخبارهم من الأساس، وفكرة أنهم إقترنوا بجملة ' خبرٍ سيء ' زادت من قلقي.

تبًا..

تبًا لتيسيانا الثعبانة.

تبًا لمِيا و والدتها الحرباء الأخرى.

تبًا للعالمين بأكملهما.

" إلى أي درجة الأمر سيء..؟ " قُلت بقلة حيلة أضع يدي على خصري أحاول الإتزان، هو زفر لوهلةٍ يصمت، ثم قال بهدوء، " إلى درجةٍ كبيرة، يُجدر بكِ الإسراع. "

أرجعت رأسي للخلف أغلق جفناي..

هل أعود؟ وأنا مازلتُ لا أعلم أي شيء يُخفيه هذا الريف المُريب؟

أعود دون أن أعرف سرَّ إختفاء آلوس المُتكرر؟

الطاقة الغريبة التي تصدح في الأرجاء وتيسيانا ليست مصدرها؟

أم أحاول معرفة..

لماذا أعين ذهبية مُشعة تحدق بي الآن من بين الشُجيرات الكثيفة الخلفية؟

فوضى..

إنها فوضى بحتة.

Continue Reading

You'll Also Like

165K 6.3K 22
Oc female Jackson x Hermes x Apollo x Ares
798K 22.7K 59
Warning: 18+ ABO worldကို အခြေခံရေးသားထားပါသည်။ စိတ်ကူးယဉ် ficလေးမို့ အပြင်လောကနှင့် များစွာ ကွာခြားနိုင်ပါသည်။
63K 548 19
( Editing right now) Synopsis When Malenia, a betrayed middle-aged woman, is transported to a magical world, she becomes the Dungeon Mistress of a pe...
85.9K 936 10
Izuku Midoriya Is The Son Of All Might And Inko Midoriya Known As Green Psychic And The Brother To Izumi When Izuku Diagnosed As Quirkless His Parent...