أنوبيس

Por HabibaMahmoud25

98.4K 5K 4.5K

مرحبًا بكم في المملكة لا لا، يجب أن أحذرك أولًا من يدخل المملكة لا يخرج حيًا. يمكنك المغادرة الآن.. سأترك لك... Mais

تنويه
قوانين التنظيم (المملكة)
الشخصيات
الفصل الأول: المامبا الحامي لي
الفصل الثاني: نساء عائلة المُهيري.
الفصل الثالث: لماذا مُراد؟
الفصل الرابع: إلى اللقاء أمي.
الفصل الخامس: قصر الأشباح.
الفصل السادس: ثم لم يبقى أحد.
الفصل السابع: لا تترُكيني.
وشم المامبا +إعتذار
الفصل الثامن: وضع الغيرة
الفصل التاسع: يوم رفقة الأوغاد.
الفصل الحادي عشر: النجمة المسلوبة.
الفصل الثاني عشر: لتمتزج صرختنا معًا.
مسابقة 🔥
الفصل الثالث عشر: طبيب الطاعون.
الفصل الرابع عشر: رقصة أخيرة
الفصل الخامس عشر: فتيل القنبلة
الفصل السادس عشر: وتر أكيليس.
السابع عشر: رقصة الألم.
الفصل الثامن عشر: الغجرية الساحرة.
الفصل التاسع عشر: لنتزوج ماليكا!
الفصل العشرون: وحوشي وقعت لكِ.
الفصل الواحد والعشرون: خطوبة أم معركة حربية؟
الفصل الثاني العشرون: أنا الجحيم.
الفصل الثالث والعشرون: أحتضر ماليكا.
الفصل الرابع والعشرون: ليو الصغير.
الفصل الخامس والعشرون: بُتر قلبي.
الفصل السادس والعشرون: خنجر بروتس.
الفصل السابع والعشرون: مُروضة أنوبيس!
الفصل الثامن والعشرون: مرحبًا بالغجرية.
الفصل التاسع والعشرون: الموت أم.. الموت؟
إعتذار
الفصل الثلاثون: الذئب الذي أكل يُوسف.
الواحد والثلاثون: لن تكسريني، أليس كذلك؟
الثاني والثلاثون: نعم، أحبك.

الفصل العاشر: انا الخاطف.

1.4K 109 164
Por HabibaMahmoud25

تذكير لبعض الشخصيات:

- أبرهام ابن القائد آريس اللي ليونار قتله في الفصل الأول.
- الظابط منذر والظابط راشد ظهروا في الفصل الثالث مع ماليكا لما خبطت الراجل بالعربية.

لكل اللي اشتاق لسرد ماليكا، هترجع الفصل الجاي بأذن الله.

_ أرجو التفاعل على الفصل لأن التفاعل مُحبط جدًا، والدعاء لي.
_____________________

"الرجل الحقيقي عندما تسرق الريح خيمته؛ يصنع من ذراعيه بيتًا لأحبائه"

_ منى سلامة ♡.

_________________ ︻╦デ╤━╼
𝕒𝕟𝕦𝕓𝕚𝕤
أنـوبـيـس

يوم ١٤ الساعة الخامسة فجرًا.

مرحبًا من جديد.
هل اشتقتم لي؟
حسنًا، حسنًا، أعلم.
تريدون تلك القاسية؟
حسنًا، المرة القادمة.
لكن الآن وقت كشف الحقائق.

أنا من يخطف الفتيات.

الحقيقة لا أعلم لماذا؟
لكن هناك صوت داخل يصدر أزيز مرتفع وكأن ذبابة لعينة علقت داخل أذني تدفعني لفعل ذلك، قاومت الصوت بشدة مرارًا وتكرارًا، لكن في المرة الأخيرة استمعت له.

حدث كل شيء بسرعة .. كأنه ضربة من البرق.

كنت ثملًا وقتها، خرجت من النادي الليلي وأنا أغني أغنية أجنبية لرعاة البقر ذات لحن ريفي مميز، كان الجو باردًا وأشعر بالهواء المثقل بملمس الثلوج فوق فروة رأسي بعد مروره بين خصلات شعري، خطوت تجاه سيارتي التي تقف وحيدة كامرأة حزينة انفصلت للتو عن حبيبها أسفل عمود إنارة ذو إضاءة صفراء.

لمست مقبض السيارة بعدما فتحت قفلها بواسطة المفتاح الألكتروني عن بُعد الذي أصدر صوتًا عاليًا وسط السكون المخيم لكنني توقفت وحبست أنفاسي عندما تسلل لأنفي عطر ما بفعل الرياح ثم بعد ذلك سمعت صوت خطوات رنانة ناتجة عن حذاء ذو كعب عالي.

رائحة العطر ذكرتني بأشياء مؤلمة اندفعت لرأسي دفعة واحدة كفيلم يعرض بسرعة عالية، وضعت يدي فوق أذني لأسيطر على ضجيج أفكاري أغمضت عيني بقوة.

اقتلها... اقتلها.. اقتلها.. اقتلها أنوبيس.

تردد ذلك الصوت داخل عقلي مرارًا وكأنه صدى أصوات العالم اجمع اجتمع داخل عقلي.

لم أشعر بحالي وأنا أترك مقبض السيارة واتجه بخطوات هادئة تجاه صندوق السيارة، أخرجت مطرقة ضخمة، واتجهت ناحية الفتاة من خلف ظهرها أثناء حديثها في الهاتف وعندما أصبحت خلفها مباشرة رفعت يدي بالمطرقة للأعلى في نفس اللحظة التي استدارت بها فجأة، وجحظت عيناها من هول الصدمة مع حبس صرخة داخل حنجرتها لم تدرك الخروج بسبب المطرقة التي هوت فوق جمجمتها وشقتها نصفين.

وقعت الفتاة أرضًا لكنني لم أتوقف عن الضرب، رفعت المطرقة وهويت بها مرة ثم مرة ثم مرة حتى شعرت بجلد مخها الممتزج بالدماء يلطخ وجهي بالكامل.

القيت المطرقة من يدي جانبًا عندما استفقت من الحالة التي سيطرت عليَّ، نزلت أرضًا على ركبتي جانب جسد الفتاة وقبضت على خصلات شعري وشددت عليها بعنف.

"لماذا فعلت ذلك أنوبيس؟"

إنها كانت تؤذيك ليو.. العطر!

"إنت كاذب، أنت أحببت ذلك"

نعم احببته، لكن لا تخف لن أفعل ذلك ثانيًا

نهضت من فوق الأرض الأسمنتية وحملت جسد الفتاة، وضعتها في صندوق السيارة ثم ذهبت إلى قصر عائلة المُهيري، نزلت إلى القبو وأمسكت المحرفة المستندة بإهمال على الحائط خلفي وكأنها تنتظرني ثم وبدأت الحفر.

بعد ساعة ظهرت أمامي حفرة مستطيلة نظرت لها برضى وأنا أمسح العرق المتصبب من وجهي مِن فرط المجهود بطرف قميصي القطني من أسفل، ثم صعدت للأعلى من جديد، أخرجت جسد الفتاة ونزلت بها للقبو.

رميت بقوة جسدها الملتصق به العطر الذي يدفع إلى عقلي ذكريات مقيتة داخل الحفرة، أمسكت المجرفة وبدأت بردم الحفرة التي تحتضن جسدها الذي أختفى بين التراب بعد برهة.

كانت هذه المرة الأولى، ولم تكن الأخيرة.

المرة الثانية كنت أخرج من المتجر و... مهلًا مهلًا.

هل صدقتم ذلك؟!

بالتأكيد أمزح، عيب عليكم جميعًا!
كيف لكم أن تصدقوا هذا؟!
لقد أخبرتكم أنني لدي مخيلة قوية!

آه، يا إلهي، لماذا يظن الجميع أنني سيئ؟
أنا لطيف!
حسنًا ربما قتلت عدة مرات، لكنني لطيف.
أنا لا اقتل النساء!
لن أسامحكم، لن أسامح أحد ظن بي سوء.

- خلصت السندوتشات؟! هجيب أكل إزاي دلوقتي؟

قالها فارس بنبرة حانقة بعدما انتفخت أوداجه إلى نيلان الذي يجلس في الخلف على أريكة السيارة بعدما أمسك الحقيبة الورقية باللون البني الفاتح التي كانت تحتوي على شطائر ولم يجد سوى العُلب الورقية فارغة، وصاحب جملته مده لذراعه للخلف بعدما استدار ليصفع نيلان على رقبته مثل ما يحدث بيننا جميعًا لكنه تجمد في موضعه عندما رمقه نيلان بإحدى نظرات القتلة المتسلسلين خاصته فعاد وجلس بهدوء من جديد وابتلع ريقه بتوتر.

نيلان وخوفو لا يتم صفعهم على رقبتهم من الخلف، فهم أكبر سنًا، هذا غير إنهم مخيفين.

اللعنة يجب أن آخذ موقف أنا الآخر، فأنا وأحد من أكبر أخوتي، لماذا لا يحترمني أحد؟

- خد ده صبّر نفسك بيه.

قلتها لفارس وأنا أُخرج من جيبي كيس صغير يحتوي على بعض المُكسرات كانت بالأصل لتميم فنحن لا نستطيع التحرك من أمام المنزل.

أخذها مني ووضع البعض في فمه ثم دس حبات في فمي في حركة معتادة، فارس لن يأكل شيء بدوني بالفعل، إذا اعترضت سينظر لي نظرة حزينة ممتزجة بالألم وكأنني أمنع عنه طعامه.

نظرت من خلال المرآة بمنتصف السيارة إلى نيلان الذي عاد لما كان يفعله بابتسامة واسعة حيث إنه يراسل فتاة ما منذ توقفنا، أشعر بالأرتياب منه، بالطبع هي ليست إجلال زوجة صافي لقد حذرته من تطبيق المراسلات عندما بعث لها رسالة، لم أرى شيء لكنه اخبرني بذلك.

إنها إحدى صديقات شهد لكنني أشك في ذلك، هناك صوت قوي يشبه حفيف الأشجار يقول لي إنه يفعل شيء -غير جيد- من خلف ظهري، لكن نيلان ليس بهذا الغباء، لكنني لاحظت نظراته لتلك المرأة ذات العيون التي تشبه خشب السنديان.

لا، نيلان ليس بهذا الغباء، لكنه مامبا كيف سوف يتحدث مع امرأة غير التي يخفق لها قلبه؟!

لا لا، يجب أن أزيح تلك الفكرة عن رأسي، فهناك ما هو أهم الآن.

نقف منذ خمسة ساعات أمام منزل الخاطف حتى نتعقبه عندما يصل لموقع الفتيات المخطوفات وذلك بعد تعقبه بعدما يخطف الفتاة المختارة اليوم، فنحن لا نعرف متى سوف يخرج؟

من هو الخاطف؟

هذا السؤال تردد داخل ذهني كثيرًا في الشهور الفائتة، كنت ألعب لعبة مُسلية داخل عقلي بسؤال حالي، إذا كان القاتل من المملكة من سيكون؟

جميع القادة وأبنائهم يمكن أن يكونوا، نعم.

لكن الخاطف شخص يتردد على مصر كثيرًا أو يقطن هنا، لذا قلّصت الاحتمالات إلى: شمس، هاديس، الحاوي، سليمان، صافي المالكي، بدر بن صافي، إبراهام بن آريس الذي قتلت والده في اليوم الذي أصبحت فيه قائد.

لكنني أخرجت الحاوي من الأحتمالات، ليس لإنه جيد، بل لإنه لن يجلب وجع الرأس لحاله لذلك فالحاوي يحيا ليسعد فقط؛ لكن سليمان المامبا الحامي له يمكن أن يكون هو، وهذا لأن الحاوي يعطيه كامل الحرية في أن يفعل ما يشاء دائمًا بدون قيود.

كذلك أخرجت هاديس، فكما قال تركي: هاديس يقتل النساء الخائنات فقط.

لذا تقلّصت الاحتمالات من جديد، من وجهة نظري كنت أرشح بدر بن صافي بالمشاركة مع إبراهام للفوز، فكما تقول الروايات البوليسية: القاتل هو الشخص الغير متوقع.

في الحقيقة لم أعطي الموضوع إهتمامًا كبيرًا، كنت أتعامل معاه كلعبة وتجاهلت الأمر حتى يوم عيد مولد شهد عندما سمعت عبدالرحمن يبكِ، فهو ليس من هذا النوع الذي ينهار بسهولة فعلمت إن هناك شيء ما وعندما شاهدت المقطع الذي عرضه أنس الجندي حيث تُخطف الفتاة في ظهر اليوم أمام أعين الجميع من بين صديقاتها داخل سيارة سوداء غالية الثمن وفي نفس الوقت الذي تبحث الشرطة عن الخاطف به في كل مكان.

إذا، الشخص غني، ذو نفوذ.

تحدي كامل للشرطة، سايكوباتية، جنون عظمة.

لذا علمت من الخاطف، وكذلك عبدالرحمن عَلِم.

فلا أحد يعلم ألآعيب القائد سوى المامبا الحامي له، وعبد الرحمن كان المامبا الحامي لـ شمس الزناتي أو القائد "سِت".

لذلك كان يبكِ، لإنه يعلم، ولا يستطيع البوح بشيء.
خائف من شر شمس، لديه العديد من النساء في عائلته الكبيرة، وحتى لو قال شيء، شمس بكل بساطة سوف يخبر عمي إنه ليس هو من يخطفهن، لا يوجد إثبات.

أو يخبره إنه قتلهن؛ لن يحدث شيء.

كان عبدالرحمن يفكر في أمرين.

الأول: العودة ليصبح من رجال شمس من جديد فهو يريد إعادته له بشدة، يقايض حاله بدلًا من الفتيات.

الثاني: يقتل شمس مما سيترتب عليه بالطبع قتله هو بعد ذلك على أيدي القادة لقتله لأحد قادة المملكة تنفيذًا للقوانين.

لقد اختار الثاني بالطبع فهو يفضل الموت على العودة من جديد لشمس.

لكن حمدًا لله لقد سمعته لأُمنع هذا العبث الذي كان سيحدث وقررت اِستلام المهمة منه بعدما تحدثت معه، لكن كذلك كان يجب علينا التأكد بالفعل من إنه شمس أم لا؟ فهو لم يكن موجود بالدولة أكثر من مرة؛ فقررت حل اللغز.

بعد بحث صغير علمت ما هو اليوم "١٤" الذي تخطف به الفتيات بالنسبة له، حيث إن أول فتاة خُطفت بواسطة منذ تسعة أشهر كانت باليوم الذي قُتل به فرعون عن طريق الضابط منير الجندي.

- طيب أنا مش لاقي أي تاريخ خاص بيه له علاقة برقم ١٩، اللي هو سن البنات، ولا ده السن المفضل عنده؟

قلتها بنبرة يطغى عليها الحيرة إلى عبدالرحمن الذي يجلس بجانبي يهز قدمه بتوتر وينظر للأمام بعيون شاردة مُلَكة، فتنهد بعمق قبل أن يقول وهو يفرك جبهته بتعب:

- فرعون لما اختاره كان عنده ١٩ سنة.

_ بص لقيت إيه.

قالها نيلان مقطعًا حديثنا وهو يضع الحاسوب الخاص به فوق قدمي حيث ظهر أمامي عيني حادث قديم من سنة ١٩٣٣.

(العثور على رؤوس الفتيات الخامسة عشر المخطوفات مساء أمس في إحدى الأراضي الزراعية بطريق.. )

لم أكمل قراءة الخبر بسبب نظراتي التي سُلبت داخل الصورة الملحقة مع الخبر حيث تصطف الرؤوس المقطوعة للفتيات جانب بعضهم البعض لترسم حروف كلمة.

"سِــت"

بالطبع لم يكن شمس هو الذي فعلها فهو ليس مصاص دماء يظل كل هذا الوقت على قيد الحياة، لقد مرت تسعين عامًا، كان هذا جده وهو قرر لعب نفس الدور الذي لعبه جده منذ سنوات.

- تبًا لذكائك اللعين أخي.

قلتها بنبرة ظهر بها ضيقي إلى نيلان الذي اختصر عليَّ الطريق في نصف ساعة بحث؛ الفتيات مازلت على قيد الحياة، سوف يقتلهن جميعًا عندما يكتمل عددهن إلى خمسة عشر كما فعل جده.

كنت أعلم إنهن على قيد الحياة فشمس ليس من النوع الذي يقوم بتخبئة جرائمه، بل يصنع منها لوحة إبداعية مريعة، ليعلم الجميع كم هو مزهل!

_ أنا هقتله.

قالها عبدالرحمن وهو يحرك بؤبؤ عينه بجنون في أرجاء الغرفة بعدما شاهد مقطع لشمس في مؤتمر طبي بأحد البلدان الأجنبية، فنظرت له بيأس وأنا أضغط على شفتي السفلية قبل أن أقول بنبرة مؤكدة:

- أنا هقتله، بس الصبر كده كده هيقع.

ضغطت أسناني ببعضهم عندما اندفع الغضب داخل عروقي، أرغب في قتله بشدة لكنه ينفذ دائما، لا يمكن استفزازه لسحبه في مواجهة سوف يخسرها بالتأكيد وكذلك لا يهمل القوانين.

مهلًا، لم أعرفكم بشمس بطريقة تليق به!

حسنًا سيداتي أنيساتي سادتي دعوني أعرفكم بأحقر قائد في المملكة: "سِت"

ترحيب.. ترحيب.. ترحيب.

شمس الزناتي: عالم مشهور، محبوب من المجتمع، صنع العديد من الأدوية للأمراض المستعصية، وآخر أعماله، علاج للزاهايمر، فهو أكثر من يعرف عن رأس الأنسان.

يُدعى شمس وهو لا يعلم شيء سوى الظلام والخراب، ربما سمّاه أباه شمس لأنه يمتص شمس الأشخاص لنفسه ويبدل حالهم للعتمة الحالكة.

يبدل نهارهم المضيء الزاهي إلى عواصف عاتية وأتربه تعمي عيونهم، يغرقهم في ظلام دامس، يتيهون داخله، يحاربون ليروا الضوء.

لكن هل الجميع يقدر على المحاولة والخروج للضوء من جديد؟

إذا كانت هناك جائزة في الحقارة سيكون هو الفائز بالمركز الأول، هو أخطر القادة، أكثرهم دموية، فهو سايكوباتي، يهوى القتل، مغتصب، مختل، كل يوم بشخصية مختلفة.

نعم يستيقظ في الصباح يفكر ماذا سوف يصبح اليوم؟

يلعب، قاتل متسلسل، خاطف، مغتصب، تاجر أعضاء، لص، قرصان_ نعم يسرق السفن_، نصاب، مغني روك،  في إحدى المرات قرر أن يصبح اليوم مرشد ووشىٰ للشرطة بالقائد "هيل هاوند" ورجاله جميعًا عندما كان على موعد معه من أجل تهريب المواد للخارج مما أدى إلى إمساك الشرطة لجميع الرجال وهروب "هيل هاوند" مع المامبا الحامي له بعدما اُصيب بطلق ناري في ظهره.

وفي مرة أخرى قرر أن يصبح ضابط شرطة فجعل منزله يشبه القسم وقام بمداهمة القائد هاديس وأريزونا وحبسهم في قبو منزله حتى الصباح؛ نعم، كما قلت لكم فهو مختل.

لماذا لا يفعل أحد شيء له ويوقفه؟

لإنه محبوب وَسط القادة وليس له عداء مع أحد منهم، فهو متلاعب، يغير جلده كالحرباء الملونة، يقف مع الجميع ولا يرفض لأحد طلب، أقرب أصدقاءه الحاوي وهو أكثرهم تفاعلًا مع إختلاله العقلي، يحضر معه معظم الأجواء الحماسية ليشاهد ويضحك بل وأحيانًا يشاركه في هذا الجنون!

هذا غير إنه واحد من أهم قادة المملكة لأن المملكة تعمل في ثلاث أشياء مهمة: السلاح، المواد المخدرة، والآثار.
كما لدينا ثلاثة قادة يرأسوا هذا العمل.

تعمل أمي في إنتاج السلاح في مصنع أبيها ومن ثم تقوم بتصديره إلى جميع القادة في البلدان.

وأنا القائد الأساس المسؤل عن الأثار وليس فقط الأثار المصرية بل بالعالم أجمع وكذلك الأشياء القيمة.

هل أخبرتك أنني سرقت لوحة فنان مشهور من المتحف؟
سوف أخبركم القصة فيما بعد.

أين كنًا؟
آه، تذكرت.

شمس هو المسؤل عن صناعة وإنتاج المواد المخدرة، ويقوم بتهريبها إلى جميع القادة، إنه أكثر من بارع، إنه يخترع أشياء تعمل على أجزاء معينة في العقل مبهرة ومواده الأكثر طلبًا؛ لذا لا يمكن الاستغناء عنه.

سابقًا قبل أن يصبح عمي قاسم الملك كان يتم تأجير المامبا للتخلص من الشخصيات المهمة وذات النفوذ كقتلة مأجورين لكن عمي صالح غيّر ذلك وصرنا نحتفظ برجالنا لحالنا.

_ ولو موقعش؟

قالها عبدالرحمن تعقيبًا على حديثي السابق بعدما صمت لمدة دقيقة تقريبًا فخرجت من شرودي وقلت به بنفاذ صبر بعدما وضعت يدي فوق كتفه وضغطت عليه برفق:

- هيقع أنا مش هسيبه، أنوبيس لا ينسى .. إنت بس فكر في بنتك ومراتك، هما محتاجين ليك.

_ أنا خايف أخلف وهو عايش.

قالها بنبرة متهدجة وشفاة مرتعشة بعدما نظر لي نظرة تقطر عجز، وتجمعت الدموع في مقلتيه، فسحبته على الفور في عناق أخوي قوي طويل ثم ربّت على ظهرة بحنان عندما شعرت بدموعة تبلل كفي وسمعت شهقاته المكتومة.

_ بنتك أو ابنك ده آخر حد تفكر فيه، علشان ده حفيد هارون المُهيري، اللي يقرب منه هيتحرق.

قلتها بنبرة مؤكدة وأنا أفصل العناق بهدوء ثم مددت أناميلي ومسحت دموعة التي تغرق وجهه وتتغلل بين خصلات ذقنه السوداء المشذبة.

حرّك رأسه بمعنى حسنًا، ثم نهض من مجلسه ودلف إلى مرحاض غرفتي ثم بعد دقائق خرج مبلل من الرأس والذراعين والقدم ثم دلف إلى غرفة ملابسي وعاد من جديد يحمل منشفة بيضاء كبيرة، فردها فوق الأرض العارية في زواية القبلة، وقف على أطرافها، ثم رفع يده في تكبيرة الصلاة.

إنه يفعل ذلك دائما عندما يحزن، يذهب إلى الله، يشكو له همه، يلقي بكل حمل على عاتقه بين أيدي الله.

أوه، رجل عصابات ومتدين؟!

هذا ما يدور برأسكم الآن، لكن عبدالرحمن في الواقع لا يعمل معنا، إنه فقط يبقى داخل جدران القصر الذي لا يشبهه.

سابقًا كان يعمل مع شمس لكن الآن عاد لجلده

إنه ليس منّا، لا يشبهنا، إنه نظيف.. نظيف كسحابة بيضاء زاهية في يوم مشمس لطيف، أحيانًا أمسك حالي في وضع غيرة منه.

إنه رجل بكل ما تحمله الكلمة من معنى، شجاع، مُثابر.

وُلد عبدالرحمن في أسرة كبيرة وطبقة إجتماعية تحت المتوسطة، لديه أختين من رحم أمه والعديد من الأخوة بالرضاعة، والعديد من الخالات.

كان أباه يعمل نقّاش ولم تكن علاقته به قوية، فلم يكن سوى أب بالمعنى الخارجي الكلمة فقط، فلعب زوج خالته "أنور الألفي" - الذي يكون في الواقع بطل ملاكمة سابق- هذا الدور ببراعة فصابت عبدالرحمن عدوى حب الملاكمة منذ صغره وأتخذ من بطولة العالم هدفًا له.

لكن تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن.

كان عبدالرحمن في الرابعة عشر عندما توفى عمه "حامد" والذي يكون زوج خالته المفضلة "عائشة" كذلك، بعدما وصىٰ عبدالرحمن على زوجته وابنتيه وابنه الصغير على الرغم من صِغر سنه.

- دول ولاد أخوك هتسيبهم يموتوا من الجوع؟!

صرخ بها عبدالرحمن ذو الرابعة عشر بنبرة عالية لا تليق على سنه الصغير في وجه أبيه الذي رفض إعطائه أموال من أجل أبناء أخوه الذي كان يعمل ميكانيكًا قبل وفاته مما أدى لأنقطاع دخلهم من بعده.

- أنا يا حبيبي فلوسي على قدي كفاية عليا مصاريف إخواتك اللي قطمت ظهري، صعبانين عليك، سيب مدرستك دي كده كده ملهاش لازمة واشتغل صنايعي معايا وهديك يومية بدل ما ياخدها حد غريب.

قالها أبيه ببساطة بطريقة حقيرة وهو يربت على كتفه عدة مرات ثم رحل من أمامه وتركه وسط ضوضاء أفكاره التي انتهت بقبول عبدالرحمن العمل مع والده لكنه لم يترك الملاكمة ولا دراسته على الرغم من درجاته المنخفضة بشدة.

لكن القدر قبّلة مرة أخرى وبقوة هذه المرة عندما توفى أباه وهو بسن السابعة عشر، فصار يقع على عاتقه مصاريف عائلتان، أم، خالة، أربعة فتيات، وأخ صغير.

- وقتها كان أي حاجة فيها شغل كنت راشق فيها علشان مخليش حاجة نقصاهم.

هذا كان قول عبدالرحمن عندما كان يسرد عليَّ ما حدث معه، فقد عمل بجانب النقاشة في مقهى وكذلك أي شغل سريع يقع تحت يده كان يعمل به.

كان يعود للمنزل لينام عدة ساعات لينهض حتى يعمل وترك الدراسة هذه المرة لكنه كذلك لم يتخلى عن الملاكمة فهي كل ما يحب في هذه الحياة.

لم يكن يتذمر أو يحزن، بل كان يشعر بالسعادة عندما يعود للمنزل ويقابله ابن خالته الصغير وأخ أخته ليلة بالرضاعة شادي الذي يركض تجاهه في فرحة عارمة وهو يهتف باسمه.

- وحشتني اوي.
- وأنت كمان واللهِ.

يقولها عبدالرحمن وهو يعطيه الحلوى التي جلبها له معه ثم تأتي أخته ليلة من الداخل تتمخطر بدلال ثم تحتضنه وتأخذ الحلوى خاصتها قبل أن يدلف للمرحاض.

يضع رأسه فوق قدم أمه التي تبدأ في تمرير كفها الرقيق فوق خصلات شعره بحب وهي تتمتم بتلاوة إحدى أيات القرآن بعدما عاد عبدالرحمن من الغرفة عقب تحممه وتبديل ملابسه لأخرى مريحة.

- ربنا يبارك فيك يا حبيبي ويعطيك أكثر ما بتتمنى، ويريح قلبك.

كانت هذه دعوة أمه المعتادة عندما تأتي ابنه خالته "رهف" السمراء ذات العيون المضيئة وكأن القمر انعكس داخل مقلتيها، حبيبة طفولته، سبب سعادته في الحياة في تلك الفترة  -كما يقول ولا تخبروا عاليا بذلك- تخطو تجاهه وهي تحمل حاوية طعام دائرية ممتلئة بالطعام ثم تضعها فوق الطاولة وتجلس على المقعد المقابل له.

- برضو مكلتيش؟

قالها عبدالرحمن بنبرة متسائلة على الرغم من إنه يعلم بالفعل الإجابة، فهي لا تأكل إلا معه عندما يعود في منتصف الليل.

- إيكا مُشكري. ( اشتقت لك)

- اتلمي يا بت علشان مادكيش بالقلم على وشك، بعدين لمي الطرحة دي رقبتك باينة.

قالها عبدالرحمن بنبرة صارمة وهو يرفع يده للأعلى وكأنه سوف يصفعها على الرغم كم السعادة التي اندفعت داخل أوردته بسرعة انحدر ماء الشلالات بعد قولها السابق الذي خرج بلغتها الأم حيث إن عائلته من النوبة في الأساس.

أغلقت رهف حجابها حول رقبتها حيث إنه كان مرتخي وقالت له وهي تشير ناحية الفطائر التي صنعتها.

- ايه رأيك في عمايل أيدي، سرقت الوصفة من ميس عبير كامل (أم ماليكا) وهي بتشرحلي في المطبخ.

- بتشرحلك في المطبخ؟! مش سايبين الست تطبخ براحتها حتى قاعدين معاها في المطبخ؟

قالها بنبرة متعجبة ثم انفجر بالضحك عندما تخيل الأمر، فأخته وبنات خالته يقضون معظم وقتهم بمنزل تلك المعلمة.

- ذاكرتي؟.. ليه؟!

أضافها بضجر من أفعالها وهو يترك المعلقة في الصحن فأصدرت صوت عالي جعل جسدها يجفل قبل إن تقول ببساطة وهي تطرق بيدها فوق الطاولة لتمثل حديثها:

- مش عايزة أكمل تعليم، أنا عايزة أتجوز وأفصص لجوزي السمك واخبطه على ظهرة كده وأقوله " بالهنا والشفاء يا تاج راسي"

- أقسم بالله ده أنا افتحلك راسك فيها .. اعمليلي كوباية شاي وهاتي الكتب وحصليني.

قالها بنبرة متهكمة وهو ينظر لها بضيق ثم ونهض وحمل صحنه ووضعه بالمطبخ ثم غسل يده وعاد للخارج من جديد.

- ماما أنا عايزك تركزي معايا كده، أما اشاورلك استخدمي موهبتك في نشان الشباشب.

قالها بنبرة مرحة إلى أمه وهو يحرك كف يده للأمام كأنه طبق طائر للتمثيل الوضع أثناء جلوسه بجانبها فوق الأريكة حتى يظل الاثنين تحت عيونها ولا ينفرد بها، فضحكت بخفة وقالت له وهي تشير إلى عيونها:

- عيوني يا حبيب قلبي.

عادت "رهف" من جديد تحمل كتبها فوق ذراعها وكوب الشاي الأحمر في اليد الأخرى ثم وضعته أمامه وجلست على المقعد المقابل بعدما تركت كتبها فوق الطاولة وبدأت المذاكرة بجدية.

- تسلم أيدك يا رهف احلى كوباية شاي بشربها، والأكل كان حلو تعبتي نفسك.

قالها عبدالرحمن بنبرة ممتنة لما فعلته بعدما حمل الكوب وارتشف منه بشغف صائم وهو يستشعر مذاق التمرة التي دهست أسفل أسنانه فانتشر طعم العسل الممتزج بسعادة الأفطار داخل فمه.

ابتسمت له رهف بسمة هادئة قبل أن تبدأ الدراسة بشغف وحب، فهو بالأساس لن يذاكر لها، لإنه لن يقدر، وهي تحب التعلم لكنها تريد أن تخفف عنه عاتقه مصاريف دروسها.

- إيه دول؟

قالها عبدالرحمن بتساؤل وهو ينظر إلى الأموال التي وضعتها رهف فوق الطاولة أمامه بعدما أخرجتها من بين دفتي كتاب، فرفعت كتفيها ببساطة وقالت:

_ دي فلوس درس الأنجليزى مش هحضر مع المدرس ده مش بفهم منه حاجة .. ميس عبير قالتلي هتشرحلي هي.

- ميس عبير بتاعة العربي اللي هي أصلًا مدرسة أبتدائي هتشرحلك إنجليزي؟! رهف إنتِ ثانوية عامة مش هنهزر!

_ إنت متعرفش حاجة، ميس عبير دي شاطرة اوي بعدين ما أنا هحضر المراجعات معاه وهصور الملازم من صاحبتي متقلقش.

قالتها ببساطة تعقيبًا على حديث عبدالرحمن الذي خرج بنبرة غير مصدقة على ما يحدث، فالمعلمة بالأساس تعمل بمدرسة إبتدائية لكنها مازالت تذاكر لهم حتى المرحلة الثانوية.

- خلاص خليهم معاكِ، اشتري بيهم حاجة، علشان عندي ماتش ملاكمة مهم يوم الخميس .. بس تشتري بيهم حاجة ليكِ إنت مش ليا.

أضافها بنبرة مؤكدة لأنها دائمًا ما تفعل ذلك حيث إنها تدخر المال ثم تبتاع له أي شيء، فأخذت الأموال وهي تحرك رأسها بالموافقة وهي تبتسم بهدوء؛ لن تبتاع شيء لها، يعلم ذلك.

نعم، كان سعيد، على الرغم من كل شيء.

كان مازال مُحافظ على شغفه الملاكمة جانب عمله، لم ينسى ذاته وسط كل شيء حوله، حتى إنه فاز بالعديد من البطولات وتم ترشيحه للعب في بطولة العالم لكن .. لقد لعبت معه الحياة المباراة الأخيرة.

قبل سفره لبطولة العالم بأسبوع كان عبدالرحمن يجري على ضفاف النيل القريب من منزله قبالة الفجر حيث الطرقات الخالية من المارة، وصل لأذنه صوت صراخ مكتوم من امرأة وكأن أحد يكمم فمها فالتفت بسرعة بعدما ارتفعت وتيرة ضربات قلبه فوجد سيارة تقف في الظلام أسفل عمارة بالشارع المقابلة ويقف أمامها خمسة رجال أقوياء البنية أحدهم يكمم المرأة ويحاول دفعها لداخل السيارة وهي تقاومهم بشراسه وتتلوى كدودة.

ركض عبدالرحمن في الحال وقام بلكم أول رجل قابله عندما استدار له ثم بدأت معركة بينه وبين الرجال الذين قضى عليهم ولم يقدروا عليه على الرغم من عددهم الكبير.

أمسك عبدالرحمن كف المرأة بذراعه السليمة حيث إن الأخرى كُسرت وركض بها من المكان على الرغم من إنه لا يلمس النساء الغير مُحلات له لكنها كانت فرصتهم الأخيرة بعدما وقع الجميع أرضًا لكنه سحبت يدها منه وعادت للسيارة من جديد حيث يقبع ابنها بالداخل يرتعش، فعاد عبدالرحمن أدراجه ونحى المرأة وحمل هو الطفل ثم شعر بضربة قوية فوق جمجمته بواسطة عصا غليظة لأحد الرجال الذي نهض بعدما استعاد توازنه.

لم يشعر بالألم، رأى ضوء أبيض أمامه مشع ابتلع كل الأوان من حوله ثم بعد ذلك، غمر الظلام كل شيء.

يمكنكم توقع من الخاطف؟

شمس بالطبع، أو بالأحرى رجال شمس الذي قتلهم جميعًا بعد ذلك لمقدرة عبدالرحمن على ضربهم جميعًا، فهو كان يتابع كل شيء من مكان قريب حتى يرى ماذا سوف يفعلوا رجاله الأغبياء؟!

فهو بهذا الوقت لم يكن لديه مامبا حامي عقب مقتل فرعون لإنه كان معاقب بسبب عدم تنفيذه لأوامر "القيصر" وقتله للضابط "منير الجندي" على الرغم من كل شيء.

والقائد بدون مامبا كأنها بدون ذراعين بالضبط.

كان دور البطولة الذي لعبه عبدالرحمن السبب في وَلع شمس به، إنه تحداه وضرب جميع رجاله!

فقرر صنع من عبدالرحمن مامبا حامي خاص له.

بدأ بمراقبته ومعرفة كل شيء عنه، فعلم إنه متدين وذو أخلاق عالية، لذا لن يستطيع إغراءه بالمال لينضم له، فقرر إن يجعله يحتاج للمال؛ قام بدفع مال لمالك المقهى وقام بطرد عبدالرحمن من العمل.

وأغلق جميع الأبواب في وجهه، صار كلما تقدم عبدالرحمن لوظيفة يتم رفضه بها، كلما تحدث معه أحد على العمل في شقته يتم الرجوع في الأمر.

بقى شهرين كاملين بدون عمل، صرف جميع مدخراته القليلة والتي كانت من أجل زواجه من رهف، لم يبقى معه شيء حتى جائته مكالمة عمل من رجل ثري يريده أن يعمل بقصره فقبل على الفور.

ظنّها اليد التي سوف تنقذه من الغرق وكانت هي اليد التي ترفعه للأعلى لينظر للعالم نظرة أخيرة قبل أن تغرق رأسه من جديد تحت الماء وتثبته بالأسفل حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة.

- عبدالرحمن مش كده؟

قالها شمس الذي يمسك بين أنامله سجارة غير مشتعله وهو يقف خلف عبدالرحمن الذي ينغمس في طلاء الحائط ويرتدي ملابس ملُطخة بالعديد من ألوان الطلاء.

- من وقت ما بدأت شغل وأنا بشبه عليك .. استغربت إزاي ملاكم معروف زيك يشتغل نقّاش؟

- مالو الشغل؟! مش شايف إن فيه حاجة تخجل يعني.

قالها عبدالرحمن بنبرة لامبالية وهو يعيد ملأ الفرشاة من السطل الذي يحتوي على دهان أبيض اللون ويعود للعمل من جديد بعد حديث شمس الذي خرج بنبرة متحيرة متصنعة بالفعل.

- مالوش، بس شايف إن حرام تضيع نفسك في الشغلانة دي .. بصراحة عندي شغل ليك وأنضف من المرمطة دي.

_ شغل إيه؟

تسائل بها عبدالرحمن بنبرة مهتمة بعدما استدار له يعطيه كامل تركيزه على الرغم من الضيق الذي شعر به من حديثه السابق الذي خرج بنبرة عادية لكنه شعر إنها تحمل الأستعلاء بين طياتها.

- أنا عايزك تبقى دراعي اليمين.

- دارعك اليمين إزاي مش فاهم؟ آه إنت عايز تعملني فار تجارب وتجرب عليا الأدوية، شوف غيري ربنا يسهلك.

قالها عبدالرحمن باستياء عندما تذكر كون شمس طبيب ولديه معمل يقوم بتصنيع به الدواء بعدما ظن إنه يريده ليجرب عليه الدواء الذي يصنعه حتى يكون متاح للجميع فيما بعد بعدما يثبت صحته وأهمل فكرة إنه غير مريض بالأساس، كيف سوف يجرب عليه الدواء؟ لكن هذا ما هداه عقله له.

- عبدالرحمن، أنا عالم آه بس من نوع آخر، الناس بيقولوا عليا ديلر.

قالها شمس ببساطة بنبرة تحمل الفخر بين طياتها وهو يخرج قداحته من جيبه ويشعل السجارة التي يمسكها بيده ثم سحب منها نفس واقترب بخطواته اتجاه عبدالرحمن الذي يقف متجمدًا يرفع يده الممسكة الفرشاة التي يتقطر منها الطلاء فوق الأرض بقطرات تصدر صوت لزج من وقع المفاجأة.

- أنا مش هقدر أكمل شغل، مش هأكل عيلتي من فلوس حرام.

قالها عبد الرحمن وهو يترك الفرشاة بعدما استعاد رابطة جأشة بعد احتلال معالم الدهشة وجهه من هول ما سمع ثم اتجه ناحية ملابسه النظيفة بذهن يوشك على الانفجار وأكتاف محنية للداخل وهو يبتلع الغصة داخل حلقه بعدما سيطر عليه شعور العجز لفقدانه العمل الوحيد الذي سوف يحصل منه على أموال ليجلب الطعام لعائلته.

- إنت معاك جنية واحد في جيبك يا عبدالرحمن؟ طيب بلاش، إنت فاكر خالتك اللي جوزها تاجر قماش هتفضل تبعتلكوا أكل لحد أمتى؟

- هو إنت اللي بتعمل فيا كل ده؟!

قالها عبدالرحمن بنبرة غير مصدقة أكثر منها متسائلة بعدما استدار له منتصب الجسد وبؤبؤ عين يتحرك بجنون بعدما ترابطت أفكاره مثل لعبة أحجية الصور "البازيل" عندما مر أمام ناظريه ما حدث معه طوال الفترة السابقة.

- مش أنا، بس عارف مين بيعمل معاك كده.

قالها شمس بنبرة هادئة وصمت لبرهة ليعلم مدى تأثير وقع كلماته على أذن عبدالرحمن مما أدى لاقتراب عبدالرحمن منه بجسد متحفز وذهن شارد وروح أوشكت على التلاشي، نظر له بلهفة ليكمل شمس حديثه التي ألهب أوتار الآخر.

- إحنا منظمة كاملة واللي بيعمل معاك كده واحد من المنظمة.

صمت شمس من جديد حتى يضيف الإثارة للحوار فهو يحب التلاعب بالأشخاص، ثم بعد ذلك أخبره إن كل ما فعله هو بالتفصيل من صنع قائد آخر وهو سمع ما حدث بالصدفة عندما كان القائد يتحدث عن الأمر كنوع من أنواع الزهو بحاله، وأُعجب شمس بشجاعته وقرر إن يحميه من القائد ويضمه له.

- هو بيعمل معايا كده ليه؟ أنا عملتله إيه؟ ما هو خدها، بينتقم مني من إيه؟

تسائل بها عبدالرحمن بجنون دفعة واحدة وهو يقبض خصلات شعره بكفه اليمنى ثم أغمض عينه ليمنع دموعه من السيلان أمامه، لإنه لا يظهر ضعفه لأحد، ثم عاد من جديد لموضع ثيابه وخلع بانفعال قميصه القطني الذي كان في السابق أسود اللون، غسل يده ليزيل عنها بقع الطلاء العالقة بها داخل سطل ماء موضوع على بعد خطوتين منه ثم بدل ثيابه وقال لشمس الذي يقف بثبات وابتسامة هادئة قبل إن يتحرك للخارج:

- انا مليش في الحرام، عايز تساعدني منغير ما اشتغل معاك يبقى كتر خيرك، وجميلك مش هنساه.

- أنا مش هعرف أساعدك غير لما تبقى من رجالتي علشان كده هعمل عداء مع القائد، لكن لو بقيت معايا هو اللي هيخاف يقرب منك علشان كده هيبقى بيعاديني أنا لأنك راجل من رجالتي.

قالها شمس بنبرة هادئة حاول إظهار بها قلة الحيلة وهو يبتسم له بوهن ويرفع كتفه للأعلى، فحرك عبدالرحمن رأسه بتفهم ثم تخطاه للخارج.

- عبدالرحمن، هو لسه معملش حاجة، هو كده بيلعب معاك على الهادي، أنا موجود أي وقت لما تعقل .. قول جزر هتلاقيني في وشك.

أضافها بنبرة مرحة تتنافى مع غيمة السحاب الملبدة التي تمطر فوق رأس عبدالرحمن تلال من ثلوج الحزن المختنق.

_ رايجْرِى (كيف الحال؟)

- الراجل صاحب الفيلا طلع شمال .. ادعيلي يا ماما عشان أنا تعبت اوي.

قالها عبدالرحمن بانهاك تعقيبًا على سؤال أمه السابق الذي خرج بنبرة قلقة عندما ارتسم اليأس المراسم على وجه عبدالرحمن عندما عاد إلى منزله، ثم ألقى برأسه فوق قدم أمه التي حركت كفها الحنون ذو التجاعيد على خصلات شعره السوداء بهدوء.

- عندنا فكرة شغل هتعجبك.

قالتها رهف حماس بعدما دلفت لشقة خالتها التي تقبع بمقابلة شقتهم وهي تمسك بذراع ريحان، فقاطعها عبدالرحمن بضجر بعدما نهض من فوق قدم أمه:

- قولت مفيش واحدة فيكوا هتشتغل غير لما تخلص دراستها ولا أنا مش راجل؟!

- سيد الرجالة يا بودي.

- بوظتي هيبة الكلمة.

قالها عبدالرحمن بنبرة مازحة وابتسامة هادئة حاربت ببسالة وانتصرت على براثين الهموم الذين يحملهم داخل صدره، بعد حديث رهف الذي خرج بتلقائية بنبرة فرحة فانتشر الضحك بين الجميع عقب ما حدث، ثم قالت ريحان بحماس.

- اسمعوا يا جماعة الفكرة، أنا ورهف هنعمل بسكويت زي اللي ميس عبير بتعمله وإنت بيعه، وقبل ما تقول حاجة، مش هيأثر على الدراسة خالص.

- ماشي بس ده وضع مؤقت لحد ما ربنا يفرجها.

قالها عبدالرحمن على مضض بعدما صمت دقيقة كاملة يفكر بالأمر، فهو لا يحب هذا الوضع، يرى إن الرجل هو من يعمل ويكفي حاجة منزله، والمرأة إذا أردت العمل، لا بأس، لكن أموالها لها وحدها.

وفي الأيام التالية بدأت الفتيات في صنع البسكويت وتغليفه له وهو يحمله في حقيبة فوق ظهره ويقوم ببيعه في المقاهي والمحلات، ففرج الله عليه وتيسر له عمله وعادت له من جديد سعادته المسلوبة.

وهنا كان يجب أن يتدخل شمس للمرة الثانية ويلعب بطريقة أحقر، فعمل عبدالرحمن هذه المرة ليس بمكان بعينه بل للمارة السائرين في الشوارع بالتأكيد لن يهدد الجميع!

في إحدى الأيام الممطرة ذات السُحب الملبدة التي بدت وكأنها تبكي على حاله، دلف عبدالرحمن رفقة أمه للمشفى الحكومي التابع للدولة، لعمل جلسة غسيل الكلى المعتادة لها حيث إنها كانت مريضة كلى تقوم بعمل ثلاث جلسات غسيل أسبوعيًا.

- مش هنقدر نعمل الجلسة.

- يعني إيه مش هتعمل الجلسة؟! لو معملتش الجلسة دلوقتي حالًا هكسر المستشفى دي فوق دماغكوا.

قالها عبدالرحمن بنبرة غاضبة صارخة وهو يمسك الطبيب ذو النظارات من تلابيبه ويسحبه ناحيته بعنف مما أدى لوقوع نظارته من فوق أنفه أرضًا، بعدما أخبره برفض المشفى عمل الجلسات لأمه.

- اهدى يا أستاذ عبدالرحمن علشان نعرف نتكلم، أنا عايز ادخلها واللهِ، بس .. من الآخر في حد ثقيل وراء الوضوع، أنا بقترح تروح بيها أي مستشفى خاص النهاردة.

قالها الطبيب بنبرة هادئة فهو بالأساس ليس له يد في الأمر فتركه عبدالرحمن وعاد إلى أمه الواقفة بالخلف أمسك يدها وخرج من المشفى وإتجه لآخر قريب خاص، لكنهم كذلك لم يقبلوها فذهب لمشفى ثالث، ثم رابع فقبلوها به فورًا.

- إزيك يا عبدالرحمن.

قالها شمس إلى عبدالرحمن الجالس فوق الأريكة المعدنية بردهة المشفى منحني للأمام ويضع رأسه بين كفيه، ثم جلس بجانبه عندما رفع عبدالرحمن رأسه بسرعة بعد أن وصل له صوته المميز.

- لو لفيت مستشفيات مصر كلها أمك مكنتش هتتقبل، بس علشان أنا حبيتك جيت بنفسي علشان أعرض عليك الشغل معايا تاني.

قالها شمس بنبرة رزينة وهو يربت على ظهر عبدالرحمن برفق وكأنه أب حنون وليس مختل مريض، فنظر له عبدالرحمن نظرة تُقطر ألمًا وقال له  بوجع:

- هو مين بيعمل فيا كده؟ وعايز إيه مني؟

- مش هقولك مين، حتى لما تشتغل معايا مش هقولك ... أيوه، هتشتغل معايا يا عبدالرحمن مقدمكش حل تاني، إنت عارف هو ممكن يعمل فيك إيه؟ عارف ممكن يعمل إيه في إخواتك؟

قالها شمس بنبرة تشبه حفيف مخالب ذئب فوق الأرض الصخرية بعدما نظر له عبدالرحمن نظرة توحي إن كلامه بلا معنى عندما قال له بنبرة مؤكدة إنه سوف يعمل معه.

- أقسم بالله اللي هيجي جنب أخواتي هشرب من دمه.

قالها عبدالرحمن بنبرة صارخة بعدما وقف وسحب شمس من تلابيبه وثبته في الحائط خلفه بدفعه قوية وهو يضغط فكه بقوة بطريقة توحي إنه على وشك سحق أسنانه.

قال له شمس بهدوء وكأنه يجلس جانبه على المقهى وليست ملابسه بين أنامل عبدالرحمن الذي ينظر له نظرة ليث غاضب داخل قفص:

- إنت فاكر إنك هتعرف تعمل حاجة؟ إنت نفسك عارف كويس الست اللي اتخطفت دي من عيلة مين، عرفوا يعملوا حاجة؟ تؤ، ولا هيعرفوا، بس أنا هعرف .. محدش هيجي جنبك طول ما إنت معايا.

تركه عبدالرحمن وعاد يجلس فوق الأريكة بصدر محترق من العجز، فرك عينه الدامعة بكف يده عدة مرات بعنف شديد وكأنه سوف يخلع مقلتيه ثم قال بصوت متحشرج من أثر كتمان البكاء:

- إيه المطلوب مني؟

ابتسم شمس بانتصار أضاءت عيناه بولع مما يحدث ثم جلس جانبه بشموخ، وضع قدم فوق الأخرى وقال له بنبرة جامدة:

- هقولك بس قبلها لازم تعرف، إن اللي بيدخل المملكة مش بيخرج منها حي، لو غدرت بيا، مش هاخد حقي منك إنت، الكلام اللي هيدور بيني وبينك لو خرج برة هتزعل، هتزعل جامد اوي، إنت مش بتسمع، ولا بتشوف، ولا بتتكلم إلا بأذني.

صمت لبرة ليقرأ صفحة وجه عبدالرحمن الذي اضطرب وجهه وشحب كالأموات وتحرك لؤبؤ عينه بتيه من هَول ما يحدث معه فهذه الاشياء تحدث في الأفلام فقط بمخيلته، قبل أن يستطرد:

- بس أنا ولا هطلب منك تخطف حد ولا تقتل حد، أظن كده عداني العيب، وكمان هشوف متبرع لوالدتك علشان تستريح .. ها معايا؟ ولا أقوم واسيبك ليه؟

- معاك.

هتف بها بنبرة ضعيفة مختنقة، لكنها لم تكن مجرد كلمة، بل الكلمة الأولى في التعويذة التي ستفتح أبواب الجحيم جميعًا أمام ناظريه.

________________ ︻╦デ╤━╼

ترجلت من سيارتي أخطو بخطوات راقصة على إقاع موسيقى داخل عقلي صدحت فجأة بدون سبب كعادتي ثم اتجهت ناحية السيارة السوداء التي تصطف أسفل شجرة ذات أفرع ضخمة تغطي السيارة أسفلها بالكامل، انحنيت ناحية زجاج الشرفة الأسود المعتم الذي لا يظهر شيء بلداخل من خلاله عندما وصلت وطرقت بإصبعي طرقات خافته فوقه.

- رَوّح يا حضرة الظابط نام في بيتك، إنت عارف إنك بتضيع وقتك.

قلتها بنبرة واثقة للضابط "منذر منير الجندي" الذي يجلس بمقعد السائق جانب صديقه الضابط "راشد" بعدما أنزل زجاج سيارته الأسود ونظر لي بعيون قاتمة، قال بنبرة جامدة:

- أنا مش هتحرك من هنا غير لما أمسكه مُتلبس.

- هو الغباء ده وراثي في عيلتكوا؟! مش أنا  كتبت رسالة لعمك حضرة اللواء وقولتله يبعد عننا بعد اللي حصل زمان؟ ولا أنتوا بتحبوا كل شوية يتقتل ليكوا حد؟

قلتها بنبرة أشبه فحيح الأفعى بعدما وضعت أصابعي  فوق حافة النافذة المفتوحة وانحنيت برأسي للأسفل، فأخرج منذر صوت من حنجرته يدل على الإستهزاء بي ثم قال ببساطة:

- إحنا بنحب الشهادة، متوضي قبل ما أخرج من بيتنا متقلقش.

- أنا متفق مع أنس إني هرجّع البنات، وجودك هنا ملهوش لازمة .. ما تعّقل صاحبك يا حضرة الظابط.

وجهت حديثي للضابط الذي يجلس بجانبه ويظهر الاستياء على وجهه، ففتح فمه ليتحدث معه لكن قاطعه منذر يقول بنبرة مؤكدة:

- أنا عايزه هو، همسكه متلبس.

- إنت فاكر إن المامبا أو ذراعه اليمين مش هيشوفك؟ منذر، أنا فاهمك، لو أنا مكانك كنت حرقت العالم كله .. بس أنا مجنون، مش بشوف حد وقت غضبي، مش بفكر في العواقب، وشمس مش هيأذيك إنت يا منذر، علشان عارف إنك كده كده مش فارق معاك الموت.

قلتها بنبرة هادئة متفهمة بعدما تخليت عن طريقتي السابقة الضائقة منه، لماذا يلقي رجال هذه العائلة حالهم داخل دائرة الموت؟

لقد سئمت منهم، اللعنة.

- أنا شايف برضو يا منذر إن إحنا نمشي، وسيب الموضوع لـ أنس هو يتصرف فيه بطريقته.

قالها راشد بنبرة رزينة متعقلة إلى منذر الذي ظهر التخبط على وجهه بعد حديثي السابق، فهو يعلم أنني أقول الصدق، وشمس لن يأخذ حقه منه هو بل من أغلى شيء لديه، ليتركه هكذا .. يحترق.

- ده قتل أبويا يا راشد.

قالها منذر بنبرة ألم ظهر بها مدى حُرقة قلبه من اللهيب المشتعل داخل صدره وهو ينظر للأمام بشرود وكأنه يستحضر صورة أبيه أمام عينه، فوضع راشد كفه فوق كتف صديقه وقال له:

- هناخد حقه بس مش النهاردة.

حرك منذر رأسه على مضض ثم أدار السيارة، فابتعدت عن الباب حتى أترك له مساحة للمرور، ثم عدت إلى سيارتي من جديد بخطوات راقصة بعدما دوت من جديد داخل عقلي كأن هناك يد خفية خفضت الصوت ثم رفعته من جديد عندما تحرك منذر.

_______________ ︻╦デ╤━╼

حبست شهقة داخل حنجرتي عندما وقعت ماليكا أمامي بعدما ركضت خلف سيارة شمس الذي خطف الفتاة أمام أنظارها بعدما لحقنا به عقب خروجه من المنزل، فقفزت من السيارة على الفور أثناء إسراع نيلان بالسيارة خلف شمس ليتعقبه، ثم تقدمت بخطوات سريعة راكضة تجاه ماليكا التي نزلت أرضًا بعدما اختفت سيارة شمس عن نظرها ثم صرخت صرخة عالية مرّرت قشعريرة عبرت من أناملي لقلبي.

- هيه ماليكا، لا داعي للحزن، سوف انقذ الفتيات.

قلتها بنبرة رخيمة بعدما نزلت أرضًا على ركبتي جانبها بعد ترك مسافة كافية بيننا كي لا تقتلني بخنجري الخاص أثناء شهقات بكائها العالية.

- بجد؟!

- أقسم لكِ، لقد وعدت شهد بذلك أيضًا، لذا لا داعي للبكاء، حسنًا؟

قلتها بنبرة واثقة انهيتها بتساؤل عندما التفتت ونظرت لي بعيون ذابلة ممتلئة بالدموع ووجه مبلل جعل خصلات شعرها تلتصق بوجنتها، فنهضت من فوق الأرض أنظر حولي بتيه.

احتاج سيارة لأقلها لمنزل خالتها.

"لنسرق سيارة"

لماذا لا؟
لا بأس ببعض المرح.

قلتها داخل عقلي عندما برقت فكرة طفولية لطالما أردت تجربتها، ثم وقفت بعرض الطريق أمام سيارة فضية اللون قادمة تجاهي ببطء، فتوقف السائق ونظر لي بارتياب، ابتسمت بهدوء وتحركت تجاه الباب، فتحت ثم سحبت الرجل من الداخل والقيت به فوق الأرض الأسمنتية وجلست بمقعد السائق، بضبط كما كان يحدث في لعبة "GTA" التي كنت العبها في طفولتي.

- إنت مجنون يا جدع إنت ولا إيـ

بتر الرجل عبارته الصارخة عندما وجهت فوهة سلاحي تجاه جسدي عندما أخرجته من ملابسي ثم أغلقت باب السيارة وأنا أثبت نظراتي المخيفة به وتحركت بالسيارة خطوتين للأمام وتقفت جانب ماليكا التي مازلت على وضعها السابق وفتحت الباب الجانبي وقلت:

- يلا يا ماليكا.

- ليونار؟! إنت جيت أمتى؟!

- لا إحنا مش لسه هنتعرف، اركبي بسرعة.

قلتها بنبرة منفعلة بنفاذ صبر من استفاقها فجأة من حالة الهلع التي تلبستها وأنا أنظر للخلف للرجل مالك السيارة الذي مازلات الصدمة تحتل ملامح وجهه خوفًا من أن يأتي وتعلم أنني سرقت السيارة، فصعدت ماليكا على الفور وتحركت من المكان بسرعة تزامنًا مع انطلاق ضحكة صاخبة مجلجلة من فمي.

لقد حققت حلمي!

أتعلم ما هو الشيء الجيد في كونك شخص سيئ؟
هو إنك ستظل نفس الشخص السيء إذا فعلت كل شيء وقح بالعالم، لا حدود لمدى قبحك، لذا استمتع بكوني وغد حقير.

بالتأكيد سوف أعيد له سيارته، فأنا لا أسرق السيارات، أنا سارق أثار فقط!

- هو إنت اللي بتخطف البنات؟

قالتها ماليكا بنبرة متسائلة بعدما أبتلعت ريقها بتوتر وهي تنظر لي بعيون مهتزة من القلق، فنظرت لها بطرف عيني بطريقة ساخرة وقلت بدرامية:

- واحسرتاه على قاسية الفؤاد! واحسرتاه، كيف لكِ أن تشُكي بي؟!

- هو الأستاذ بيبع سبح في الحُسين؟

- أنا تاجر أثار شريف يا امرأة، من يخطف الفتيات هو شمس ونيلان يلحق به لا تقلقي.

لم تعطي أي رد فعل على ما قلته تعقيبًا على حديثها الذي خرج بجمود وليس بطريقة ساخرة كعادتها.

اسندت رأسها على زجاج السيارة وشردت في الطريق لبرهة وهي تعقد ساعديها أمامها ثم بدأ جسدها في الإهتزاز قبل أن تدخل في نوبة بكاء عنيفة وكأن ما حدث منذ دقائق تجسد أمامها من جديد.

- هيه، لا تبكي ماليكا، أرجوكِ.

قلتها بنبرة متهدجة من فرط التوتر الذي أصابني عندما زادت حدة بكائها، اللعنة، سوف اقتله.

دهست على دواسة المكابح بقوة مما أدي لتوقف السيارة فجأة وترنح ماليكا للأمام عندما انتبهت إلى الطريق أمامي حيث يمر طفل صغير من منتصف الشارع! بعدما فقدت تركيزي بسبب ما حدث معاها

دهست على دواسة البنزين من جديد لكن ببطء وتحركت وأنا أضغط بأصابعي فوق عجلة القيادة بقوة ألمت مفاصل أصابعي.

يجب أن أفعل شيء.
ماذا تحب ماليكا؟
الطعام، الشاي بلبن، ضرب الرجال .. والابتهالات.
لا يمكنني الغناء.
هل أعطيها وجهي لتصفعه؟!
هي ليست منتبه لذلك.
يجب أن اجعلها تهدأ وإلا سوف اتسبب في حادث.
ليو .. يجب أن تُغني.

( أَغِـيـبُ وَذُو الـلَّـطَـائِـفِ لَا يَغِيبُ
وَأَرْجُـــوهُ رَجَـــاءً لَا يَـــخِــيــبُ

وَأُنْـزِلُ حَـاجَـتِـي فِـي كُـلِّ حَـالٍ
إِلَـى مَـنْ تَـطْـمَـئِـنُّ بِـهِ الْـقُـلُـوبُ )

غنيتها بصوت خفيض في بداية المقطع الأول وصدح عاليًا بالتدريج مع المقطع التالي على الرغم من اختناق حنجرتي.

( فَــكَــمْ لِــلــهِ مِــنْ تَــدْبِــيـرِ أَمْـرٍ
طَـوَتْـهُ عَـنِ الْـمُـشَـاهَدَةِ الْغُيُوبُ )

جسدها بدأ في السكون تريجيًا، هدأت قليلًا، نفسها بدأ في الأنتظام.
⟬ القلب يعشق كل جميل⟭
لا، لا.

( وَمِــنْ كَــرَمٍ وَمِـنْ لُـطْـفٍ خَـفِـيٍّ
  وَمِــنْ فَــرَجٍ تَـزُولُ بِـهِ الْـكُـرُوبُ )

⟬ لا، بتوجع يا ليو ⟭

( وَمَــا لِــي غَــيْـرُ بَـابِ الـلـهِ بَـابٌ
  وَلَا مَــوْلًــى سِــوَاهُ وَلَا حَـبِـيـبُ )

اختنق صوتي شعرت بكف ضخمة تلف أصابعها الطويلة حول حنجرتي، صرت ألقي بالكلمات من فمي رميًا وكأنها حجارة، لم أعد أرى الطريق.
الدموع تغلف عيني وتحجب عني الرؤية.
أغمضت عيني، فشعرت بخط ساخن من الدموع ينزل ببطء فوق وجنتي.

( وَمَــا لِــي غَــيْـرُ بَـابِ الـلـهِ بَـابٌ
  وَلَا مَــوْلًــى سِــوَاهُ وَلَا حَـبِـيـبُ )

قالتها ماليكا بصوتها المبهر بعدما توقفت وهي تنظر للخارج بشرود، لم تلحظ أي شيء.

( كَــرِيــمٌ مُــنْــعِــمٌ بَــرٌّ لَــطِــيــفٌ
  جَـمِـيـلُ الـسِّـتْـرِ لِلدَّاعِي مُجِيبُ

إلـهـي مـنـك إسـعـادي وخـيـري

إلـهـي مـنـك إسـعـادي
وخـيـري ومـنـك الجـود.

إلـهـي مـنـك إسـعـادي وخـيـري
  ومـنـك الجـود والـفـرج الـقـريـب )

مسحت دموعي بطرف سترتي بعدما شعرت بالأستخاء والتخدير من صوتها، يا إلهي!

_ هيه قاسية الفؤاد، صوتك يجعلني أشعر بتنميل كأنه سهم مخدر. 

قلتها بنبرة صادقة من تأثير صوتها، إنها تملك صوت عندما تبدأ في الغناء يجعلني أشعر بوخز حقنة مخدرة اخترقت جلدي؛ لكنها لم تستجيب لي.

- هيه ماليكا .. مرة واحد خلفت بنتين سمت واحدة لارا والتانية لا اسمع.

قُلتها بنبرة عالية مرحة بشكل مباغت، فالتفتت لي ماليكا فجأة بوجه يحتل الزهول معالمه وثغر مفتوح بعدما استوعبت ما قلته، فاطلقت ضحكة عالية طويلة وقلت من بين ضحكاتي:

- اعجبتكِ أليس كذالك؟ أوه، يخبرني الجميع أنني خفيف الظل.

- الجميع دول أكيد أمك ومكررنها، علشان ده القرد في عين أمه.

قالتها ماليكا بنبرة ساخرة بعدما رفعت شفتها العلوية بشنج عقب ما قلته، فضحكت بخفة ثم حاولت موراتها عن طريق الحمحمة بخشونة قبل أن أقول بدرامية حتى أتقن الدور:

- أوه! إنت تجرحين مشاعري يا امرأة .. هل أخبرتك متى كانت أول مرة تناولت بها سيجارة مخدرة؟ حسنًا سوف اخبرك لكن لا تخبري أحد.

- مش عايزة أعرف، أنا مال اهلي بتاريخك القذر.

هتفت بها  ماليكا بنبرة عالية متهكمة تحمل السخرية بين طياتها وهي ترفع حاجبها بدون تصديق عندما غيرت الموضوع فجأة، ففتحت ثغري في دهشة وحركت رأسي بالنفي وأنا أقول :

_ أوه! هل رأيتي؟ لقد ظننتيني سيئ وأنا كنت جيد حتى ارتبطت بغزل هي من افسدت أخلاقي، لقد طلبت مني أن تشاركني سيجارة على حافة سور الشرفة فقبلت على الفور حتى لا تظن أنني فتى صغير لأنني كنت في السابعة عشر وهي كانت في التاسعة عشر.

- معلش يا ضنايا، هما صحاب السوء كده.

قالتها بنبرة ساخرة بعدما قلّبت عينها بهزل ثم تحفز جسدها فجأة وقالت عندما انتبهت للأمر وكأنه لم يمر كل هذا الوقت:

- ده صوتك؟ صوتك حلو اوي، في بحّة مميزة.. حاسة إني سمعته قبل كده .. حاسة إني مريت بالموقف ده قبل كده.

قالتها ماليكا وهي توسع عينها بقلق واحتل الخوف معالم وجهها ثم قطبت جبينها وتحرك بؤبؤ عينها بطريقة مبعثرة بسبب انغماسها بالتفكير في الأمر وكأنها تبحث عن الذكرى داخل رأسها.

- هيه ألم تسمعي عن الديجافو؟! أنا لم أُغني منذ سنوات، كيف لكِ أن تسمعي صوتي؟!

قلتها بنبرة هازلة وأنا أرمقها بطرف عيني بنظرة وكأنني أرى ديناصور منقرض عاد من الموت، ثم صففت السيارة بعد دقائق أمام مطعم مختص في شطائر "الهمبرجر"  على ضفة النيل ثم سحبت ذراع المكابح للأعلى.

- أشعر بالجوع، هيا لنأكل بعض الشطائر ثم اقلك لمنزل خالتك.

قلتها بتفسير عندما نظرت لي ماليكا بدون فهم وكأنها تسألني عن سبب التوقف، فقطبت جبينها ثم قالت بحيرة:

- والبنات؟ إنت بتضحك عليا صح؟

تنهدت بعمق وأنا أنظر لها نظرة جانبية ضائقة قبل أن أمسك هاتفي، بحثت عن رقم نيلان، ثم هاتفته وفتحت مكبر الصوت، فخرج صوته بعد دقيقتين يقول:

- البنات في المعمل القديم اللي أتمسك من الظابط منير قبل كده.

_ تمام خليك واقف لحد ما أجيلك.

قلتها وأنا أحرك رأسي بالموافقة ورضى وكأنه يراني ثم أغلقت الهاتف وأنا أقذف ماليكا بنظرة متهكمة تجاهلتها وأشاحت لي برأسها للأعلى ثم قالت بتأكيد.

- ما أنا أكيد برضو مش هنزل اتغدى معاك!

- لا يجب أن تأكلي شيء وتستريح معالم وجهكِ، بالتأكيد لن تذهبي بهذا الشكل لخالتك.

قلتها بنبرة هادئة، فحركت رأسها برضى بعد برهة من التفكير عقب نظرها لحالتها المذرية في المرآة ثم ترجلت من السيارة.

دلفت خلف ماليكا إلى المطعم المطل على النيل من خلال الزجاج بطول الحائط، جلست ماليكا فوق الأريكة المطلة على النيل مباشرة والتي على شكل أرجوحة معلقة بالسقف حيث إن المطعم مقاعدة على شكل أرجوحة حول الطاولة الخشبية المستطيلة.

انتفخ جسدها مثل البالون عندما سحبت نفس عميق حبسته للداخل لمدة ثم أخرجته ببطء وهي تعلق نظرها بالنيل بنظرة حنين وابتسامة هادئة، خطوت ناحية الخزينة لأطلب الطعام في نفس الوقت التي نهضت به ماليكا من مجلسها دلفت للمرحاض ثم بعد دقائق قليلة خرجت منه بشكل مهندم أكثر.

اتجهت ناحية المكتبة الصغيرة التي تحتوي على كتب تبدو كالزينة في أحد أركان المطعم، سحبت رواية باللون الوردي الغامق ثم عدت لمجلسها؛ فتحت الرواية على صفحة بمنتصفها تقريبًا وبدأت تقرأ بها بابتسامة واسعة وعيون مضيئة كعادتها عندما تفعل شيء يسعدها، مثل قراءة روايتها المفضلة للمرة المليون.

- لن أؤذيكِ

قلتها بنبرة هادئة مازحة وأنا أضع حاوية الطعام فوق الطاولة بعدما القيت نظرة على الصفحة التي تقرأها، فرفعت نظراها لي وتقلصت المسافة بين حاجبيها بحيرة بدون فهم قبل أن ترفع حاحبيها للأعلى بدهشة ممزوجة بالإدراك عندما أشارت ناحية رواية "رايات الشوق" التي تقرأ منها.

- ومن ذا الذي يجسر على أن يؤذي طرف "مدينة".

رددت ماليكا الحوار الذي دار بالروية بنبرة قوية تشبه شخصية "مدينة" وهي تعقد ساعديها أمامها، فقلت مكملًا المشهد:

_ اقصد لن أزعجكِ.

- ومن أين تعرف ما يزعج "مدينة" وما لا يزعجها؟

_ لماذا تشعرين بالعداء نحوي؟

- لما تعطي نفسك أهمية لدرجة إن تظن إن" مدينة" قد تحس بشعور ما نحوك؟

هتفت بها ماليكا بنبرة مستنكرة قبل أن ننفجر نحن الاثنين بالضحك عندما تقابلت نظراتنا، ثم أمسكت الرواية من فوق الطاولة وأعدتها لمكانها وعدت من جديد جلست قبالتها فوجدتها قضمت من شطيرتها بالفعل، دون أن تنتظرني!

- واحسرتاه على قاسية الفؤاد! واحسرتاه، هل إنت طفلة؟

- أنا جعانة ومصدعة ومش طايقة نفسي مش وقت دراما خالص، وفر فقرة التمثيل الترجيدي دي ليوم تاني.

قالتها بنبرة ضائقة وهي تمد أناملها وتستل عدد من أصابع البطاطس المقلية ثم غمستهم في الجبن واتجهت بهم ناحية فمها الذي تحتله ابتسامة راضية واسعة.

ما الذي فعلته بحياتي لكي احصل على فتاتين يظنا إن الطعام هو سر السعادة في العالم!
لا عجب إنهن صاروا صديقتين مقربتين!

- بتقري إيه دلوقتي؟

- جريمة العقار ٤٧، وإنت؟

قالتها بتساؤل أدهشني في الواقع فهي لا تتبادل معي أطراف الحديث بالمرة، لكن من الواضح إن شغف القراءة قد سيطر على الحالة، فليس هناك أمتع من النقاش عن الروايات والكتب.

- لسه مخلص "إن كان ينزف" قريتيها؟

حركت رأسها بالإيجاب ثم قالت عندما سألتها أي قصة أعجبتها أكثر حيث إن الكتاب مكون من أربعة قصص مختلفة.

_ أول واحدة حبيتها أكثر بعدين الرابعة بعدين الثالثة .. التانية مفهمتهاش، أصلا كنت فاكرة إن الكتاب مطبوع بالغلط وكلمت الدار شتمتهم وطلعت القصة بتتحكي بالعكس أصلًا.

قالتها ببساطة وكأنها لم تفعل شيء ثم ارتشفت من مشروب البرتقال خاصتها، فانفجرت بالضحك عندما تخيلت الأمر، ماذا شعرت عندما علمت الحقيقة؟

آه يا إلهي!
إنها قنبلة موقوتة قد تنفجر أي وقت، من الواضح إن فترة الأكتئاب التي مرت بها قد أثرت على انفعالها بشكل كبير.

كيف علمت ذلك؟

إن لديها خط صغير من الهالات السوداء أسفل عيونها السوداء البارقة والتي تظهر بها لمعة حزينة وكأنها على وشك البكاء، لكنها لا تبكي، وكأن عيونها فقط تعبر عن تخبط حالتها من الداخل.

- مين شخصيتك الذكورية المفضلة في الروايات؟

- حمد بن السوارفة (رواية رايات الشوق) ، وسالم الجواهرجي.

قالتها ببساطة وهي تبتسم باتساع بعيون شردت للحظة وكأنها تستحضر مشهد من الروايات داخل ذهنها، فعلمت إنها تحب الرجل الحنون لأن هذان الرجلان يتشاركان في نفس الصفة، فقلت لها بفخر:

- شخصية سالم دي شهد مقتبساها من بابا.

حركت رأسها بدهشة ثم هزت رأسها بمعنى حسنًا ولم تكمل الحديث، يبدو إنها تذكرت إنها تتحدث معي وعادت لطريقتها الجدية الصارمة، لكن الجيد في الأمر إنها تحدثت.

_ شيك شاك شوك سنيورة رقص طول اليوم..
شيك شك شوم سنيورة خلّي السمك يعو..

بترت عبارتي الغنائية عندما وقفت ماليكا في منتصف الشارع تنظر لي ببلاهة بعدما خرجنا من المطعم ونخطو في طريقنا للسيارة بعدما رددت - بدون وعي- بصوت عالي كلمات الأغنية التي تصدح داخل عقلي منذ الأمس وأنا أرقص بخصري بطريقة غريبة - في عيونها- وأهز يدي الاثنين وكأنني أحمل اثنين من آلة "الماراكس"  (خشخيشة) المكسيكية في كل يد التي تصدر صوت رنين قوي داخل أذني فقط.

- خلّي السمك يعوم .. شيك شاك شوك سنيورة نجمة النجوم.

عدت لما أفعله من جديد وأكملت الرقصة اللعينة التي شاهدتها في إحدى أفلام الرسوم المحركة رفقة تميم، فقلّبت ماليكا عينها وصعدت للسيارة بعدما رفعت كتفيها للأعلى فهي تراني مختل على أي حال .. لا جديد.

هل تعلمون ما هو الشيء الجيد فكونك شخص مختل؟
يمكنك فعل أي شيء ولن يشعر أي شخص إنك تفعل شيء غريب عن عادتك، لذا استمتع بكوني مختلًا.

_______________ ︻╦デ╤━╼

دلفت أنا وفارس ونيلان وعبدالرحمن الذي أنضم لنا المعمل القديم لشمس بعدما رحل، أضاءت نور هاتفي حيث إن المكان مظلم بالكامل إلا لمبة وحيدة في منتصف الطريق تضيء وتنطفأ بأرتعاش وتصدر صوت ذبذبة يضفي مزيد من الرعب كمؤثرات صوتية طبيعية.

رائحة المواد الغريبة تغللت داخل أنفي فشعرت بهجمة صداع مرت من أنفي لعيني ثم رأسي على الفور، الجدرات متشققة وتندلع منها رائحة عفن قذرة.

تفحصنا المكان حتى وصلنا لباب حديد صدئ كان في السابق أسود اللون لكنه الآن متآكل، يغلق عن طريق سلسلة حديدية ضخمة وقفل، اقترب فارس وأخرج شيء صغير يشبه السكين من جيبه تجاه القفل ثم في غصون ثواني سمعت صوت قعقعة السلسلة أثناء سحبها فارس من مكانها ثم صرير فتح الباب.

دلفنا للداخل فقابلتنا عيون خمسة فتيات مقيدات يجلسن فوق الأرض العارية جانب بعضهم، عينهن متوسعة بطريقة توحى إليَّ أن فنان تشكيلي رسمهن لتجسيد الفزع في هيئة إنسان، لا داعي لذكر عدد الندوب التي تظهر على أجسادهن من خلال ملابسهن الممزقة.

_ دول خمسة بس.

قالها نيلان بنبرة متحيرة بصوت عالي من الأنفعال فانتبهت ونظرت له بملامح مقتضبة تنم عن التفكير ثم زفرت بضيق وأنا أمسح وجهي

- بيقولوا: لا تضع كل البيض في سلة واحدة.

قالها شمس بنبرة ساخرة من خلفنا، فالتفتنا له أربعتنا ننظر له ثلاثتنا ببرود خارجي وكأننا لم نتفاجئ من وجوده بينما ظهر الأضطراب على وجه عبدالرحمن الذي تعلقت نظرات شمس به، قبل أن يقول بتلاعب:

- بتغدر بيا تاني يا عبده؟ كده يا عبده؟ ده أنا شمس حبيبك.

_ عبدالرحمن مالوش علاقة بالموضوع انا اللي عرفت لوحدي، وأنا اللي جيت، متنساش إن عبدالرحمن بقى من رجالتنا إحنا، وجوده طبيعي.

هتفت بها بنبرة جامدة وأنا أقف أمامه لأقف حائل أمام عبدالرحمن لحمايته من تأثير شمس عليه، فأطلق شمس ضحكة رنانة تشبه عواء الذئاب ليلًا وهو يصفق بكلا كفيه قبل أن يقول:

- برافو أنوبيس، عمتًا كده كده كنت عارف إنك جي، ما أنا خدت بالي من حبيبتك وهي بتجري ورايا.

التفت شمس بابتسامة واسعة تجاه الفتيات الذين يصدح صوت تنفسهم المضرب عاليًا الذي يوشك عن التوقف بسبب تكميمه لفمهم بقماشة قذرة وقال لهم بطريقة مازحة بغيضة.

- يلا يا بنات بقى goodbye بس متنسوش عمو شمس.

_ فين الخمسة الباقيين يا "سِت".

قلتها بنبرة جامدة لأوقف شمس الذي استدار ليخرج من المكان بعدما ودّع الفتيات بطريقة جعلتهن يبدأن في البكاء بنحيب مرتفع، فهو يعلم إنني سوف آخذهم على أي حال فلا داعي لمهاتفة عمي قاسم ليأمره بذلك، رفع شمس كتفه للأعلى وقال بلامبالاة:

- قتلتهم.

ضممت قبضة يدي لمحاولة السيطرة على أعصابي حتى لا أخسر باقي الفتيات، أعلم إنه لم يقتلهن إلى الآن حتى يقتلهن جميعًا في نفس الوقت ويعيد أمجاد جده، إذا هاتفت عمي قاسم سوف يصر على قتله للفتيات ولن يحدث شيء.

- إيه رأيك توجهني؟ لو كسبت هتنازلك عن الحكم.

قلتها بنبرة جامدة، فيجب أن أفعل شيء، إذا ذهب من هنا، سوف أعتبر الفتيات البقيات في تعداد الموتى، فهو لم يعد يحتاج لهن.

- يهموك اوي كده؟!

قالها بنبرة ساخرة أكثر منها متسائلة وهو يرفع حاجباه للأعلى، فهو يعرف أنني لست مثلهم بالكامل، مازال داخلي ليو على الرغم من اختفائه لمدة كبيرة.

أخرجت صوت ينم عن النفي من فمي وأنا أرفع كتفي للأعلى وأقول بلامبالاة خارجية:

- ولا يفرقولي، فتاتي طلبت مني ذلك ونساء المُهيري لا يرفض لهن طلب.

- مش عايز الحكم .. بس.

قالها بعدما أخرج صوت يدل عن النفي من فمه ثم قال الكلمة الأخيرة وهو يشدد على الحرفين بعدما نظر إلى عبدالرحمن وابتسم ابتسامة جانبية خبيثة.

الآن أعرب عن سبب عودته للمواجهة، أعلم منذ ظهوره ما يريد مقايضة باقي الفتيات به، لولا هذا لكنت صدقت إنه ذهب وقتلهن بالفعل عندما انكشفت حقيقة الأمر ثم عاد لنا من جديد

عبدالرحمن يهمه أكثر من أي شيء.
هو من صنعه، وهو من جلبه.
هو الوحيد الذي يجب عليه التحكم به.
عبدالرحمن له بالكامل.
حتى النفس الخارج من صدره يخرج لإنه يريد ذلك.
نعم، هكذا يفكر.

فهو لن يواجهني هكذا، بدون قيود بعيد عن الجميع، يعلم يقينًا أنني سوف أقتله، فهو لن يواجهني أنا فقط؛ سوف يواجه جميع وحوشي دفعة واحدة؛ يزأر الجميع في صوت واحد فقط لملاقاته.

لقد فعل لي الكثير. 

افترقت شفتي عبدالرحمن في نية منه ليهم بالموافقة بعدما أبتلع ريقه بصعوبة، فهو الآن يواجه كابوسه الأكبر أمام ناظريه، لكن نيلان قاطعه بقول:

- عندي فكرة أحلى، أنا وإنت نلعب ضد بعض، لو كسبتني هغير ولائي ليك.

- وأنا إيه يضمنلي إنك هتنفذ.

قالها شمس بنبرة متشككة بعدما برقت عيناه بوميض قوي في شغف عقب حديث نيلان، فشمس كان يريده قبل أن يختارني، لقد ذهب لبيت المامبا ثلاث مرات ليتحدث مع نيلان حتى يقنعه ليختاره لكن نيلان لم يكلف حاله ويرد عليه التحية حتى.

لماذا؟
لأن نيلان أقوي المامبا، ومتمرد.

شمس يريد مامبا متمرد لأن المتمرد يكون ولائه للقائد فقط وهذا لحبه بقائده، لا يريد مامبا ولائه الأساسي لـ أبوفيس، يأخذ أوامره منه، فشمس لا يحب المشاركة.

- المامبا مش بتكدب .. اكتب العنوان في ورقة.

قالها نيلان بثقة ثم طرقع رقبته يمنى ويسرى قبل أن يمر من أمامه للخارج، فلحق به شمس حتى صِرنا في المعمل المقلوبة رأسًا على عقب بشكل مدمر، لكنه واسع حتى يكون لديهم المساحة الكافية للقتال.

أخرج شمس دفتر صغير للملاحظات من جيب حِلته، خطّ شيء به، طوى الورقة جيدًا ثم اقترب من نيلان ووضعها بجيب بنطاله الأمامي وعاد من جديد يقف بمقابلته على بعد مسافة منه.

أشار شمس له أن يقترب فابتسم نيلان بثقة قبل أن يرفع قدمه اليمنى ويحرك ذراعيه بطريقة تبدو غريبة للبعض لكنه يحرك ذراعيه وكأنها أفعى تتلوى، المامبا لديهم أسلوب قتال مختلف عن الجميع يبدو وكأنه حية برأسين راقصة.

لا يجيد هذا النوع سوى أحفاد أبوفيس فقط وأنا وفارس بالطبع فنحن يعتبر من أبناء صالح.

أمسك نيلان كف شمس الذي اقترب منه ليلكمه ثم أمسك الأخر وثناهم للخلف فظهر ملامح الألم على وجه شمس قبل أن يقع أرضًا عندما ضربه نيلان في ركبته من الخارج للداخل.

نهض شمس من جديد بقفزة واثقة ظهرت بها مهارته ثم قفز للأعلى وضرب نيلان بكلتا قدميه المضمومة في صدره فترنح نيلان للخلف خطوة قبل إن ينزل أرضًا بجزعه العلوي وضع كلتها كفيه على الأرض وضرب بقدمه في حركة دائرية قدم شمس الذي وقع أرضًا، ثم نهض وقفز فوق صدره بكامل ثقل جسده.

_ نينّا هوه يا شمس.

قالها نيلان إلى شمس بعد مرور ربع ساعة من بداية القتال العنيف بينهم عقب ضربه لشمس بكف يده المفرود بطريقة تشبه السيف فوق رقبته أسفل أذنه في حركة ماهرة خاطفة أدت لفقدانه للوعي فورًا ووقع أرضًا للخلف أخيرًا، فشمس ليس خصم هين هو واحد من أقوي ثلاثة قادة في المملكة.

اندفع فارس تجاهه ليطمئن عليه لأن هذه الحركة خطيرة للغاية إذا كانت أقوى من الازم قد تسبب الشلل وتوقف الدورة الدموية المنبثقة للرأس وهذا ليس حبًا في شمس، بل خوفًا على نيلان، جميع القادة تكرهه بالفعل.

وقف نيلان ينظر إلى شمس أثناء تقيد فارس له بعدما استفاق وهو يجفف الجرح العميق بطول مرفقه المليء بالدماء الداكنة والناتج عن خنجر شمس الذي يشبه الخطاف بواسطة قميصه القطني بعدما خلعه، صدره بعلو ويهبط أثناء تنفسه الغاضب من فتحتي منخاره الذي وسعهما من شدة الغضب.

كان يريد قتله، جميعنا نريد ذلك.

- لو ملقتش البنات في العنوان ده هرجع اقتلك.

قالها نيلان بنبرة متوعدة وهو ينظر إلى شمس الذي عاد له كامل وعيه الآن وينظر له بابتسامة جانبية ساخرة، فضحك شمس عاليًا بصخب ضحكته البغيضة قبل أن يقول بثقة:

- الموت رحمة ليهم من اللي حصلهم.

ضممت قبضة يدي حتى شعرت بأظافري تنغرس داخل راحة يدي وتدميها، أرغب في إغراقه بالبنزين ثم اشعال النيران به بالتأكيد شمس لم يكتفي بقتل الفتيات فقد لقد أذاقهم ألوان الجحيم .. لكن صبرًا.

أقسم لك شمس إن موتتك سوف تكون بشعة كبشاعتك.

القوانين.

هذه إجابة السؤال الذي يدور برأس الجميع الآن، قتل شمس سوف يتسبب باشعال حرب بيننا وبين القادة، لن يصمت أحد، فالجميع يرغب بإزاحة عائلتي من الحكم.

_______________ ︻╦デ╤━╼

دلفت أنا ونيلان إلى أحد منازل الحاوي للتأكد من وجود الفتيات بالمكان لأن شمس كتب بالورقة "بيت الحاوي" فقط، ولم يحدد أي واحد، فالحاوي لديه العديد من المنازل لكنني توقعت إنه هذا المنزل بسبب القبو الواسع بالأسفل.

لم أتفاجأ من أمر معرفة الحاوي، إنه يعلم كل شيء عن شمس، وإذا طلب منه أن يأخذ المفتاح ليخفي الفتيات سوف يعطيه له بلامبالاة.

أعلم إنه كان سيحضر حفلة ذبح الفتيات المخطط له ويشاهد باستمتاع وهو يمسك كأس من الخمر بيده ويأكل بعض من المكسرات وكأنه يشاهد فيلم ما.

الآن أنا على يقين تام أن سليمان مامبا الحاوي شارك معه في هذه الجريمة، لقد كنت متأكد من إنه لن يفعلها منفردًا، فهو كان مسافر للخارج عندما خُطفت الفتاة رقم خمسة وكذلك الفتاة رقم سبعة؛ وبالتأكيد أخي حليم لن يفعل ذلك هذا ضد القوانين، وشمس لا يثق في رجاله، هذا غير إنه يحب تنفيذ القتل والخطف بحاله، فهو يستمتع بالأمر.

دلفنا للقبو أو المعمل أسفل البيت وجدت الخمس فتيات الباقيات كل واحدة منهن تجلس مطوية في وضع الجنين تلف ذراعها حول ركبتيها بقوة، داخل أنبوب زجاجي وكأنهم فئران تجارب؛ ثم شعرت بطعم الدماء الصدئة التي انفجرت من جدار وجنتي من الداخل بعدما مزقت الجلد أسفل ضروسي عندما رأيت تلك الفتاة.

إحدى الفتيات كانت طائفة داخل أنبوب زجاجي به ماء ذو لون أزرق وكأنها حورية، شعرها يطير خلفها، شفتها مذمومة، وجهها شاحب، وعيناها مفتوحة على محجريها في فزع .. قُتلت.

ماتت من الخوف، لإن شمس لن يقتلها قبل الوقت المحدد، أو .. سليمان.

- في إيه؟ أنتو إيه اللي جابكوا هنا؟

قالها سليمان الذي دلف المعمل بوجه تحتله الدهشة بنبرة جامدة من وجودنا فرد عليه نيلان بشيء لم يصل إليَّ، لأنني لست معهم الآن، فهناك صوت داخل رأسي يردد كلمة واحدة رنينها يغطي على كل شيء.

لا أعلم كيف انقشعت الرؤيا وصارت سوداء حالكة فجأة، أذني تصدر صوت صفير يشبه القطار، قلبي ينبض داخل العرق النافر في الحفرة بين عيني وأنفي.

" حسنًا ليو، أغمض عينك الآن ولا تفتح أصابعك، أنا أراقبك"

فتحت قبضة يدي الدامية أمسكت طرف حزام بنطالي وفككته ببطء أثناء مروري جانب سليمان ثم سحبته من مبين عراوي البنطال بسلاسة ثم انقضضت في حركة مفاجأة به على سليمان من الخلف، ولففته حول رقبته.

أطلق صيحة مختنقة من أثر المفاجأة وحاول تحرير حاله لكنني سحبت الطرف أكثر ليضغط على بلعومه أسفل الجلد، رفع سليمان يده وأمسك الحزام حول رقبته في محاولة منه ليخلص حاله لكنني لم أدعه شددته أكثر، ورفعت قدمي اليسري وضعتها فوق ظهره ونزلت به أرضًا، أرتعش جسده بشدة وكأنه مسه ماس كهربائي عندما بدأ في الأختناق، مع صدور صوت حشرجة مكتومة من فمه، قبل أن يسكن للأبد.

لقد وعدته أنني سوف أقتله، ولو لم يصدقني.

حملت جسده من فوق الأرض بعدما فككت الحزام من حول رقبته فخلف خط أحمر داكن وكأنه وشم، صعدت به للأعلى حيث يجلس الحاوي باستراحة فوق الأريكة في غرفة المعيشة ويأكل من طبق به بعض المكسرات أثناء مشاهدته لفيلم ما على الشاشة الكبيرة بعرض الحائط رفقة امرأة.

- مالو سليمان.

قالها الحاوي بنبرة مرتعدة وهو ينهض بقلق ويقترب مني بعدما وقفت حائل أمام رؤيته وإنا أحمل سليمان فوق كتفي متدلي للأسفل.

- البقاء لله يا حاوي.

قلتها وأنا أنزل سليمان من فوق كتفي وأضعه فوق الطاولة المربعة أمامي، فارتسمت الذعر على عين الحاوي المتوسعة، انتفض جسده وكأن موجة صقيع صفعته، وانحنى ناحية سليمان وضع إصبعه فوق رقبته الحمراء للتأكد من إتزان نبضه.

- سليمان .. سليمان .. اصحى يا سليمان.

قالها بصوت متهدج وهو يهز سليمان عدة مرات بعنف وكأنه هكذا سوف يعيده للحياة بعدما لم يشر بنبضه أسفل أصابعه، ثم رفع عيناه الحمراء الدامية من فرط الانفعال، تقابلت نظراتي الباردة بخاصته لثواني قبل أن يستل سلاحه الموضوع على الأريكة في مكان جلوسة السابق ويندفع نحوي يقبض على ذراعي بيده الحرة ويعود بي للخلف يصدم ظهري بالحائط.

وضع ذراعه اليسرى فوق صدري ليثبتني ووضع فوهة السلاح المعدنية على رقبتي أسفل ذقني مباشرة، ضغط بها بشدة، فشعرت بألم شديد ممتزج بألم أذني بالفعل لكنني لم أظهر أي ردة فعل فقط بقيت مثبت نظراتي بخاصته.

أنا لا أخاف الموت، مرحبًا بالموت.
على الأقل أخذت سليمان معي.

- ليه كده؟ ليه عملت فيـا كـــده؟

قالها الحاوي بنبرة صارخة في وجهي بشعرت بتناثر لُعابه فوق وجهي بسبب قرب المسافة بيننا، حركت بؤبؤ عيني إلى نيلان الذي يقف في الخلفية متحفز وهو يوجه فوهة سلاحه ناحية الحاوي بعدما صعد ورمشت له بأهدابي كي لا يتدخل في الأمر.

الحاوي لن يقتلني، لو أراد ذاك لكنت ميتًا الآن.

ابتعد الحاوي عني وعاد لجسد سليمان من جديد، نزل أرضًا على ركبتيه بضعف بسبب رفع قدمه راية الأستسلام فهي لم تعد تقدر على الصمود أكثر من ذلك، أطلق جميع طلقات رصاصاته في السقف بعدما رفع يده التي تحتوي على السلاح فدوى الصوت عاليًا ثم صاحبه صوت تهشم عندما قذف سلاحه بعنف تجاه التلفاز الذي أنشق.

رفع رأسه للأعلى قبل أن ينفجر في البكاء بشهقات عالية صارخة وهو يردد اسم سليمان بشكل هستيري.

الصراخ ممنوع
البكاء ممنوع.
الضعف ممنوع.
المشاعر ممنوعة.

خرجت جميعها منك حاوي، والآن إنت، تبكِ، تصرخ، تضعف، ومشاعرك تقتلك.

تحركت من المكان بخطوات هادئة للخارج ومن ثم للأسفل لتحرير باقي الفتيات، مازلت أسمع شهقات الحاوي، لقد رأيت ما صعدت من أجله، لقد انهار الحاوي.

الحاوي لن ينهار إذا قُتلت غزل، لكنه سينهار إذا قتل المامبا الحامي له؛ كنت أعلم ذلك يقينًا.

ستة وثلاثون عامًا كان سليمان المامبا الحامي للحاوي.
ستة وثلاثون عام لا يفترقوا.
ستة وثلاثون عام من الصداقة القوية.
ستة وثلاثون عام كان الشخص الوحيد الذي يحبه بصدق، بدون مقابل، بدون انتظار شيء، فقط يحبه.

قتل المامبا ممنوع.
نعم، لكنني ابن صالح، نعم، أنا ابن صالح بالرضاعة من عمتي داليا؛ سوف يغضب، يشتعل، يصرخ في وجهي حتى ممكن أن يخلع حزامه ويضربني.

لكن في النهاية، سوف يتستر على الأمر ويقول أي شيء غير الحقيقة، وسينتهي الأمر.

لن يهتم أحد بطريقة موت سليمان على كل حال، كل قائد لا يهتم سوى بالمامبا الحامي له فقط؛ والحاوي لن يفعل شيء.

اللعنة، إنه يحبني بالفعل كما يقول!

وإلا كان قتلني في أوج لحظة غضبه، لم يكن يفكر وقتها بالعواقب المترتبة على ذلك مثل إنه سوف يُقتل في الحال، لم يكن يفكر سوى برفيق دربه الممتلئ بالقذارة.

لكنه لم يفعلها لإنه يحبُني!
اللعنة حاوي!
لم يكن عليك صُنع أنوبيس .. وقتها
ربما..
كنت سوف تتقي شرّي

_______________ ︻╦デ╤━╼

دلفت غرفتي بقصر المُهيري الذي كانت عائلتي تقطن به في السابق فأنا آتي لهنا عندما أرغب في الأنعزال عن العالم وضم حزني إليَّ، لقد كان اليوم مُهلك مثل ابتسامة حبيبتي.

اللعنة هذا ليس وقتًا للرومانسية، تبًا أبي.
وتبًا لدقات قلبك التي ورثتها منك.

عقلي يحاول الهروب من صورة الفتاة داخل الأنبوب عن طريق، تدوير مقاطع عديدة من صور حبيبتي داخل عقلي وكأنني أشاهد فيلم ما، هي وحدها بطلته.

بعثت نيلان رفقة الفتيات حتى يوصلهن للقصر ليهتم بهن النساء، حالتهم مذرية، لا أظن أنهن سوف يصرن بخير.

آمل أن تفعل سيرا نوعًا ما من السحر لتجعلهم يشعروا أنهن بخير.

"ليو يرغب في البكاء"
حسنًا ليو، يمكنك ذلك، لكنني لا أستطيع إخراج الدموع لذا سوف تبكِ في الداخل.

"اشتقت لأبي، لقد أخبرتني إنك سوف تأخذني إليه"

نعم ليو، لكنك في المرة السابقة بكيت بشدة لأنه لا يجيبك، وأنا أخبرتك إنه مريض ولا يستطيع الرد عليك مثل السابق.

"أخي داغر يحبني أكثر منك"

أعلم ذلك، لا يوجد مثل داغر وباقي أخوتك، إنت محظوظ يا فتى.

"أريد أمي"

لو ذهبت بك لأمك سوف تبكِ لأنها لن تضمك ليو، أمك تحبك حسنًا، لكنها لن تضمك، وإنت سوف تبكِ لأنك طفل صغير لا تفهم إنها مريضة، فإذا كنت ستبكِ على الرغم من كل شيء، فابكِ هنا، لأنني لا أستطيع رفع يدي، حسنًا؟

"ليو مش بيحبك"

حسنًا، أنا لا أحبُني أيضًا فلا يوجد ما يجرح مشاعري.

صدح صوت رنين هاتفي فأخرجته من جيبي بملل، رمشت بأهدابي عدة مرات لأستطيع قراءة الاسم بسبب رؤيتي التي صارت ضبابية، ظهر اسم جميلة في جهة الأتصالات، عقدت حاجبي في دهشة من الأمر، جميلة لا تتصل بي.

- ليو، بقولك أنا خارجة مع أرثر في night club.

قلّبت عيني بملل عندما ظننت إنها سوف تخبرني شيء ليس له أهمية، حركت إصبع إبهامي لأغلق المكالمة فأنا ليس لدي طاقة للحديث.

- ليونار في مشكلة .. شهد.

- مالها شهد؟

قلتها بنبرة قلقة بعدما نهضت بجزعي العلوي بشكل مباغت ألم ظهري من المنتصف، صمتت جميلة لبرهة جعلت قلبي ينتفض داخل صدري وقلت بصراخ.

- مالها شهد؟

_ شهد قاعدة مع أبرهام أخو آريس لوحدها.

- ابعتيلي اللوكيشن.

قلتها وأنا انتفضت من مكاني كمن لدغته حية أركض للأسفل بعدما أغلقت معها وهاتفت باسل على الفور وأنا أقفز داخل السيارة.

- شهد فين؟

- في أوضتها.

- اللعنة!

صرخت بها وأنا أتحرك بالسيارة بسرعة وأغلقت الهاتف معه، إنها هربت من المنزل!

اللعنة.. اللعنة .. اللعنة.

إنها لا تعرف أي أحد بالمملكة، لكن الجميع يعرف من هي بسبب وجهها!

نحن نبعدها عن كل هذا، لا تحضر أي تجمّع، نجعلها تسافر رفقة باقي النساء في جميع التجمعات.

سوف أقتله، إن مسّ شعرة واحدة من صغيرتي سوف أقتله، يريد الأنتقام مني بسبب قتلي لأبيه.

لكن ليس شهد.
اللعنة! ليس شهد.

هل كان يجب عليَّ ترك آريس يقتلني مثلًا؟!

ضغطت بأسناني على شفتي السفلية عندما أشتد وجع أذني المصاحب للطرق المكتوم الناتج عن صدى ضخ الدماء داخل قلبي بعنف شديد.

صدر صوت صريع عالي نتيجة إحتكاك عجلات سيارتي بالأرض بسبب التوقف المفاجئ أمام النادي الليلي تزامنًا مع صدوح صوت التهشم الناتج عن إصطدام سيارتي بأخرى أمامي بسبب فقداني السيطرة عليها.

اللعنة أنا افقد السيطرة على أعصابي.
يجب أن أهدأ كي لا تخاف صغيرتي.

دلفت للداخل كالقذيفة بحثت عنها بنظراتي التي تود في المكان بشكل يبدو مجنون للآخرين حتى وقع بصري عليها تجلس رفقته تضحك بخفوت، وهو ممسك بكأس يحتوي على نوع من الخمور ممتلئ، ترتدي - أو بالاحرى لا ترتدي- تنورة سوداء ضيقة تصل لأسفل الركبة بقليل وبها فتحة واسعة تظهر قدما من الأسفل تصل لمنتصف فخذها، قميص أسود بأكمام يصل لمنتصف معدتها وهناك شيء مثل حزام من الخيط باللون الأسود يلتف حول الجزء العاري من معدتها.

شعرت بتفجر الدماء من شفتي السفلية بعدما ضغظت عليها بأسناني ثم توجهت لهم بجسد يوشك على الأنفجار مثل القنبلة.

- ليو.

هتفت بها شهد بنبرة مهتزة عندما وقع بصرها عليَّ مع تشتت نظراتها المتعجبة من رؤيتي لها هنا، فقلت لها من بين أسناني.

- ورايا.

- لا مش همشي.

قالتها بنبرة جامدة وهي تعقد ساعديها أمامها، فأمسكت رسخ يدها وسحبتها رُغمًا عنها بشدة وأنا أخطو بها للخارج حتى توقفت عندما شعرت بتوقفها وجذب يدها، استدرت بعنف في نية الأنفجار في وجهها حتى وقع بصري على كفها الآخر بين أصابع إبراهام ويسحبها ناحيته، في شكل يبدو وكأننا أخوين نتشاجر على دمية وكل واحد منا يجذب يد ناحيته.

- مش قالت إنه مش عايز يمشي.

قالها إبراهام بنبرة جامدة بلغة عربية دهسها قطار خمسة مرات قبل أن تخرج من فمه، فابتسمت له بهدوء قبل أن أمسك ذراعه الذي يمسك بها شهد وأكسرها له في حركة سريعة خاطفة.

- ممنوع لمس أنثى من عائلة المُهيري.

قلتها من بين أسناني وأنا أضربه بقدمي في ضلوعه فأرتفع صوت صراخة تزمنًا مع اقترب "آرثر بن أريزونا" الذي كان رفقة جميلة في وضع يوحي بأنه سوف يلكمني فصددت ضربته وباغتة بلكمة في فكه باليد الثانية ثم عقبتها بضربه في صدره بواسطة قدمي أدت لترنحه للخلف حتى اصطدم بطاولة خلفه ووقع فوقها.

مسح وجهه المحمر بفعل الغضب وركض تجاهي من جديد.

أمسكت يد شهد بعدما انتهي الشجار بيني وبين أرثر ودلفت بها ناحية المرحاض، خلعت سترتي والقيت بها في وجهها.

- مش هلبس حاجة.

_ اخـلـصـي.

قلتها بنبرة صارخة وأنا أضرب قبضة يدي في الحائط جانب وجهها، فخرجت شهقة مرتعبة من فمها تزامنًا مع إهتزاز جسدها.

اللعنة، لا تخافي منّي صغيرتي.

اللعنة .. اللعنة .. اللعنة!

ضربت كف يدي في الحائط عدة مرات في محاولة مني للسيطرة على نوبة الغضب التي أحتلت كياني وكبّلته كجندي أسرته جنود الدولة المحتلة.

خطت شهد أمامي عقب إرتدائها للسترة بعدما أشرت لها وهي تنظر لي بخوف وتبتعد عدة خطوات بجسدها عني حتى وصلنا للسيارة فجلست بالمقعد جانبي ملصقة بالباب وكأنها سوف تصبح رسمة مطبوعة فوقه.

اللعنة، لن أضربكِ.
الموت لك أنوبيس.

ترجلت شهد من السيارة عندما وصلنا للمنزل وركضت للداخل، فلحقت بها وأنا أشعر بدفعات الغضب تعود لي من جديد.

- بتهربي يا شهد؟ بتهربي؟ إما إنتِ أصلًا هبلة بتهربي ليه؟ وإيه القرف اللي إنتِ لابساه ده؟

قلتها بنبرة صارخة إلى شهد التي وقفت خلف هارون وعادت الشجاعة لها وردت بنبرة عالية وقحة:

- إنت مال أهلك؟ أنا حرة ملكش دعوة بيا.

- إيه اللبس اللي إنتِ لابساه ده؟

قالها عمي هارون الذي استدار لها ووقع بصره على التنورة القصيرة بنبرة جامدة لكن ليست عالية بعدما توسعت عيناه، فعادت شهد للخلف خطوتين وقالت بصراخ:

- أنا حرّة، محدش ليه دعوة بيا، أنا أعمل اللي أنا عايزاة، وألبس اللي أنا عايزاة وأخرج في المكان إللي أنا عايزاة.

_ واللهِ؟! وأنا إيه مليش لازمة؟

- لا ملكش لازمة، إنت مين؟

قالتها شهد بنبرة جامدة تعقيبًا على حديث عمي هارون الذي توسعت حدقت عينه بشدة من قوة المفاجأة  فشعرت وكأن قلبه أصابته صعقة من جهاز الأنعاش وقال لها بنبرة خافتة متهدجة:

- أنا أبوكِ.

_ إنت مش أبويا، إنت قتلت أمي.

يتبع..

★ متنسوش التصويت (vote) 
________________________

_ لا تنسوا الدعاء لأخوتنا بغزة في جميع صلواتكم، رفع الله عنهم ونصرهم.

للتذكير: سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، نِعمَ الزادُ هذا يا رب.

رواية رايات الشوق روايتي الرومانسية المُفضلة لكاتبتي المفضلة برضو، انصح بقرائتها بشدة.

Continuar a ler

Também vai Gostar

23.9K 1.1K 18
إن كُتِب قدر شخصين معاً فسيتقاطع طريقهما ذات يوم حتماً ليحوما حول الدنيا إذا ارادا للعثور على بعض وليختبئا للهروب من البعض وهجنا وثابتنا دكاترنا ا...
76.5K 1.6K 25
Alissa was sent away after being framed by her mother and twin sister. But when she gets arrested for the 4th time that week her family is called. Sh...
34.4K 2.4K 42
people read the book trust me on this one
51.5K 1.9K 94
Coming Into Your World I Fell In Love With You| "I'm...In love with someone who's in a TV show?! And he's not even in the show he's supposed to be a...