I Fall In Love

rashinblue tarafından

10.6K 598 219

"متزينين بنعمة الضوء الأول و نربط قلوبنا في هذا الفضاء الهادئ.في حضن الفجر حبنا يتشابك و يدوم عبر الأزمنة الخ... Daha Fazla

مقدمة
01/الحب في أكتوبر
02/بروتوكول خاص
03/أوراق تتساقط، قلوب تشرق
04/همسة منتصف الليل
05/قبلة مسروقة
06/مقيدة بوعد الزواج
07/قبلة وسط الثلج
08/نكهة عاطفة مخملية
09/ملتزمون بالنذور
10/لا تضايق قلبي
11/ارتعاش الرغبات
12/تعويذة الشفق
13/وليمة حب
14/رشفة غزل
15/قضمة من الكرز
16/لأنك زوجي
17/سبونج بوب
18/ليلة مخملية
19/بوجي إيلايجا
20/علمني كيف أحب
21/أنابيلا ..من تكون؟
أنت تدفعني للجنون
نزهة تقليدية
الكرز الأول
سأكون سندك
ذكرى الخمس سنوات
ملجئي
ومضة حطام
آلام شتوية
شتاء الإشتياق
قضمة صقيع مجمدة
ظلال الأمس
بقايا ذنب
وعد لحني
فصل خاص /وريث صدى الحب

النهاية /مشتعل بالعاطفة

276 17 0
rashinblue tarafından

✧༺مشتعل بالعاطفة༻✧

٭
٭
٭

٭الحب مثل شجرة الكرز يحمل أحلى الثمار عندما يتم الاعتناء به بعناية و إخلاص لا يتزعزع. انتصاره لا يكمن فقط في تفتح الأزهار الرقيقة و لكن في القوة المرنة التي تقاوم الفصول، إنه احتضان أبدي، حيث العاطفة و الالتزام تتشابك، كل كرزة شهادة على قوة المودة الدائمة. تمامًا كما تصل الفروع إلى السماء، يرتفع حبنا متجاوزًا قيود الزمان و المكان متجذرًا إلى الأبد في تربة قلوبنا. كل ذوق، في كل لحظة، يذكرنا الكرز في نضجه المثالي، يجسد اللهب الذي لا يموت الذي يغذي عاطفتنا.. ليست الفاكهة فقط هي التي تأسرنا، و لكن العملية برمتها ، الرحلة من البرعم إلى الزهرة، من الزهرة إلى الثمار ،هي التي تعكس العمق العميق لعلاقتنا. و بما أن كل حبة كرز هي شهادة على مرونة الشجرة، فإن حبنا أيضًا يقف ثابتًا في وجه اختبارات الزمن، و هو نصب تذكاري للقوة و العاطفة الدائمة التي تحدد هويتنا ٭

٭
٭
٭

" عفوا؟ من قلت نختطف؟ "

انحنيت للأسفل، التقطت بنطاله و رميته على صدره

" ليس وقت استغرابكما، أريدكما أن تساعدانني في خطفه و بعدها أكملا ليلتكما و أعدكما سأدفع تكاليف شهر العسل من حسابي "

هَوَت أستي على السرير تأخذ نفسا عميقا تناظرني

" لنفعلها كايل و إلا لن تدعنا نعيش حبنا في سلام "

أومأ لي كايل باستسلام و أشار لي أن أخرج ليرتدي ملابسه، هرعت للخارج أنتظرهما و أثناء ذلك اتصلت بويليام ليأتي هو الآخر...

بعد دقائق اجتمعنا في قاعة الإستقبال نتحدث بصوت منخفض خشية أن يسمعنا آرام الذي كان مشغول مع يوهان في غرفة نومه...

انحنى كايل يتذمر مثل عجوز خرف

" روس، لنسرع رجاء،إنها ليلة زفافي،ألا تشفقون علي ؟"

أومأت برأسي و ابتسامة ماكرة على شفتي

"إهدأ، تذكر تكاليف شهر العسل و تكاليف الصالون الذي سأرسلك إليه في أمستردام "

رمش بسعادة عدة مرات، أراهن أنه يتخيل نفسه في صالون العناية التجميلية مسترخي، أشار لي ويليام ثم أخرج علبة دواء من جيبه

"آرام كان عنيدا جدا مؤخرا،ها هي الحبوب المنومة سيئة السمعة "

ضحكت أستي

" هل ستقومين بتخدير أخي آرام؟ "

حركت كتفي بإهمال أجيبها

" أعلم أنه أمر غير صائب، لكني مضطرة لفعله "

كنا نتبادل الخطة و ماذا نفعل حتى انتفضنا كلنا من صوت آرام

"ماذا يحدث هنا يا شباب؟"

تبادل كايل و ويليام نظرة سريعة ثم قام ويليام بتطهير حلقه و احتضن آرام

"آرام،صديقي العزيز،اشتقت إليك،كنت سأطلب من روسلين أن تعلمك بمجيئي "

اتسعت عيون آرام و كانت دهشته واضحة

"ماذا؟ كيف...؟ لم تمضي ساعتين يا رجل منذ أن كنت معك، و أنت كايل و أستي لماذا أنتما هنا؟"

تقدم كايل للأمام و قلبي ينبض من أن يخطئ بشيئ

"بوجي، أنا شعرت بمغص في معدتي لهذا أريد تناول بعض العصير "

غمزني ويليام لذا أخذت نفسا عميقا و قمت معتذرة للذهاب إلى المطبخ ،،كان قلبي يتسارع بترقب عندما وصلت إلى العصارة، أشكر الرب أن الخدم في إجازة اليوم،لقد كانت خطوة محفوفة بالمخاطر لكنها كانت الطريقة الوحيدة لضمان أن آرام سيكون لي مرة أخرى..

و بينما كنت أعصر التفاح لكايل، قمت بعصر الكرز أيضا لآرام،أعرف أنه لن يقاوم شربه،أخرجت بعناية علبة الحبوب المنومة التي خبأتها سابقا في جيبي، ارتجفت يدي من ثقل ما كنت على وشك القيام به، كنت أعلم أن هذا خطأ، لكنها كانت الطريقة الوحيدة التي فكرت بها لأجعل آرام يعود لأحضاني..

و بنفس عميق سحقت الحبوب إلى مسحوق ناعم و رششتها في العصير، و حركتها بعناية للتأكد من ذوبانها تماما ،أخفى السائل الأحمر أي دليل على فعلتي..

كان القلق يتسارع في ذهني لكن ذكريات الحب الذي تشاركناه أنا و آرام و بهجة ماضينا دفعتني إلى الأمام حملت العصير إلى غرفة المعيشة حيث كان آرام و الباقي يخوضون محادثة عن آلام بطن كايل المزيفة، قدمت لهم العصير ثم دنوت من آرام

"آرام، لقد صنعت عصير الكرز المفضل لك"

قلت له و أنا أعرض عليه الكوب بابتسامة متوترة، أخذه و رفع حاجبه

"شكرا لك، لم أتعبت نفسك؟"

ابتسمت له بينما كان يأخذ رشفة كنت أراقبه بفارغ الصبر، و أدعو الرب أن تعمل الحبوب المنومة بسرعة..

" لا أفهم ، لما ترتدون جميعا الأسود ؟ "

تبادلنا النظرات متوترين ليتحدث كايل يحك عنقه

" نخطف.. أقصد نقوم بحداد على ليلة زفافي التي أفسدت بسبب المغص "

ضربت جبيني بلطف، إن لم يخرس سيفضح كل خطتنا،، يبدو أن الغرفة أصبحت أثقل مع التوتر مع مرور الوقت، جلست بجوار أستريد التي تمسكت بيدي بقوة ، هدأتها محاولة التصرف بشكل طبيعي رغم الاضطراب الذي بداخلي...

بدت الدقائق و كأنها ساعات حتى تدلت جفون آرام أخيرا و بدأ يتمايل على الأريكة،كان قلبي يؤلمني لكنني عرفت أن هذه كانت فرصتي ، هرع ويليام و وضع بلطف رأسه على الأريكة حيث كان ينام بعمق...

" تبا، سيقتلنا عندما يستفيق "

دنوت منه و قلبي مثقل بالذنب و الأمل همست له

"آرام،حبيبي أنا آسف لما فعلته ،أحبك و آمل أن تتفهم موقفي قريبا"

أسرعت لغرفة النوم جمعت حاجياتنا و عدت للأسفل حيث وجدت كايل و ويليام يوقفان آرام الذي كان نائما، تقدمت نحوه و ألبسته معطفه ثم خرجت أولا برفقة أستريد نتفقد الأجواء...

كنا نرتدي ملابس سوداء و بدا و كأننا مجموعة من العملاء السريين الهواة الذين يحاولون القيام بمهمة تجسس مثيرة للسخرية، في دفاعنا كنا هواة لكن إصرارنا تغلب على أي نقص في الخبرة..

كنت أنا و أستي مختبئتين خلف شجيرة الورد و مع كل لحظة  كان حماسي يتزايد و كنت أسمع سيمفونية من الفراشات ترفرف بجنون في داخلي

"ننقله بالسيارة إلى اليخت ثم علينا أن نتحرك بسرعة"

همست مستدعية الجاسوس الذي بداخلي

"يعتمد نجاحنا على التنفيذ السلس "

كادت اللحظة أن تفلت عندما اقتربت السيدة سيمونز من سور الحديقة التي تفصلنا عن منزلها، إنها عجوز خرفة تثرثر بدون فائدة،حبست أنفاسي بينما كانت السيدة سيمونز تتحدث مع ممرضتها غافلة عن عمليتنا السرية، تبا لها،ماذا تفعل في هذا الوقت المبكر،و لحسن الحظ لم تنتبه نحونا..

أخيرا بدا أن الكون يتآمر لصالحنا حيث أشرق بصيص من الأمل و دخلت السيدة سيمونز، اغتنمت أستي الفرصة و استدعت الشباب و خطونا نحو السيارة بتصميم يغذيه الأدرينالين.... بأقصى قدر من العناية حملاه نحو السيارة

" كايل، أنت ابقى هنا أنا سأرافق روس "

" أستي انتبهي ليوهان رجاء "

أومأت لي تحتضن نفسها من البرد ثم غادرنا نحن نحو الميناء ، أفكر كيف ستكون رد فعل آرام..

٭٭٭٭٭٭٭

احتضنني كايل يغطيني من البرد القارس،انتظرنا حتى اختفت سيارة ويليام و دخلنا للحديقة المغطاة بالثلوج
و الآن في خضم كل ذلك ها نحن نرقص تحت النجوم أو بالأحرى رقاقات الثلج.. تردد صدى ضحكتي في الحديقة و أنا أدور بين ذراعي حبيبي

"هذا أمر مثير للسخرية، أليس كذلك؟ من الذي يترك ليلة زفافه ليرقص في الثلج خارجا ؟"

ابتسم كايل و يبدو مبهرا تقريبا تحت رقاقات الثلج..

"نحن فقط يا صديقتي، و لكن كما تعلمين هناك شيء سحري في هذا الأمر"

تدحرجت عيني بشكل هزلي

"أوه، أنت و خططك المبتذلة أنت محظوظ لأنك وسيم جدا كما تقول.."

أدارني بلطف دون عناء و لم أستطع إلا أن أغازله

"قد يكون لديك مظهر مثالي و لكن لدي السحر يا سيد عارض وسيم"

ضحك و هو يسحبني أقرب نحوه

"حسنا، أنت جميلة بالنسبة لجمالي الأخاذ ، يا زوجة العارض الوسيم"

لم أستطع إلا أن أنفجر من الضحك على تعليقه

"أنت ساحر يا سيد عارض، فلا عجب أنني وقعت في حبك"

ابتسم و بينما كانت رقاقات الثلج تتساقط من حولنا رقصنا و رقصنا و ملأت ضحكاتنا و مزاحنا الحديقة بإحساس من الفرح و الحب الذي تجاوز التقلبات الغريبة التي شهدتها ليلة زفافنا ،كان الأمر كما لو أن المناظر الثلجية تآمرت لتمنحنا احتفالا فريدا لا يُنسى..

فجأة، استقبلتنا سيارات الشرطة ذات الأضواء الساطعة أمام الباب

"حسنا، هذه إحدى الطرق لجعل ليلة زفافنا لا تنسى"

اقترب منا الضابط و لم أستطع إلا أن أضحك من سخرية الموقف

"كايل إيلايجا و أستريد لارسون ، أنتما رهن الاعتقال بتهمة المساعدة و التحريض على الخطف "

التفتت إلى كايل الذي اختنق من الضحك يردد

"زوجتي العزيزة،كنت أعلم أن حفل زفافنا سيكون فريدا، لكن هذا أمر سخيف فعلا"

أدت محاولة كايل للتفاهم مع الضباط إلى إصرارهم على زجنا في السجن

"أنت لا تفهم ،كنا نساعد زوجة أخي على التصالح مع زوجها و لم نختطفه، من أين أتيت بهذا الكلام؟"

أجاب الضابط بملامح جدية

"لدينا شكوى من جارتكم السيدة سيمونز ، رأتكم أنتما و إثنان آخران"

تلك العجوز الخرفة،تبا لها لتتعفن في الجحيم

"انظر سيدي، السيدة سيمونز عجوز طاعنة في السن،هل تصدقها؟"

اللعين،لم يصدقنا و وضع الأصفاد في مكانها، لم أتمكن من منع الضحكة من الهرب، ليلة زفافنا التي أصبحت الآن تحت حراسة الشرطة و يوهان النائم وحده في الداخل، قبل أن يقودنا هذا الوغد للسيارة طلبت من الحراس الإنتباه له و إعلام الخالة إيرينا  أو أمي بالوضع...

و بينما تم اقتيادنا بعيدا، استمر تساقط الثلوج مما أضاف طبقة من السخافة إلى الوضع الغريب بالفعل، لا يسعني إلا أن أعتقد أنه على أقل تقدير سيكون لدينا قصة لا تنسى لنرويها في التجمعات العائلية لسنوات قادمة..

بعدما وصلنا لمركز الشرطة و بينما كنا نجلس أنا و كايل في مركز الشرطة في مكتب الضابط،تحول مزاجنا من كوميديا ​​وضعنا إلى واقع أكثر واقعية، لقد هز الاعتقال فرحتنا السابقة و تركنا الآن نتساءل كيف نفسر خطتنا حسنة النية و إن كانت مضللة...

ضغط كايل على يدي و همس

"لا أستطيع أن أصدق أننا هنا، لم تكن هذه هي الطريقة التي تخيلت بها ليلة زفافنا حقا "

أومأت برأسي و قد اختلط شعور بالإحباط مع التسلية المستمرة

"لم أكن أعلم أن حظي سيئ لهذه الدرجة"

اتصل كايل على الفور بوالده يشرح له الوضع و الاعتقال و سلسلة الأحداث التي وقعت..

بعد ما بدا كأنه أبدية أغلق الخط و كان مزيج من الارتياح في عينيه

"يتصل والدي ببعض معارفه و يقول إنه سيتم إطلاق سراحنا قريبا"

و بينما كنا ننتظر معارف والده لتأمين إطلاق سراحنا قادنا أحد عناصر الأمن للزنزانة..

أصبح الوضع سخيفا جدا لدرجة أنه كان من الصعب أخذه على محمل الجد، كانت الزنزانة صغيرة و ضيقة، و بصراحة لم تكن بالضبط ما تصورته في ليلة زفافنا..

نظرت إلى كايل الذي كان يحاول الحفاظ على رباطة جأشه

"حسنًا، زوجتي العزيزة مرحبا بك في هذا الجناح الفاخر "

ضحك يشير للمكان

"اعتقدت أن جناح شهر العسل سيكون أكثر راحة و لكن أعتقد أن هذا يجب أن يكون مناسبا ،ألا تعتقد ذلك؟"

أغلق الضابط باب الزنزانة بصوت عال ليتركنا في هذا النفق الضيق،نظرت حولي في المساحة الباردة ذات الإضاءة الخافتة و المرحاض الصدئ

"كما تعلمين هذا مختلف قليلا عن جناح شهر العسل الرومانسي الذي كنت أفكر فيه،و لكن أقسم أن روسلين ستدفع لنا في أكبر جناح لشهر العسل و إلا سأمزقها "

لم أستطع إلا أن أضحك بقوة

"صلي لتتصالح هي و أخي آرام أولا، و هذا ليس سيئا، هذا الوضع سيكون بمثابة قصة زفاف لنرويها لأحفادنا يوما ما"

جلس على السرير و أنا لجواره، ابتسمت بمكر

" أراهنك أن آرام سيشوه جمالك بعد أن يعرف أننا جعلناه يوقع أوراق زواجه من روسلين دون أن يعلم "

دفعني من كتفي و عينيه واسعة من الصدمة

" عفوا منك؟ هذا كان إقتراحك عزيزتي أنت و ويليام الذي جهز الأوراق، أنا كنت مجرد ضحية شاهدة على الأحداث فقط "

ربّت على كتفه أتظاهر بالبراءة

" أعلم أني صاحبة الفكرة و أنا من اقترحت أن يتزوجا دون علمهما بعد يوم من طلاقهما و لكن أخي آرام لن يضربني و أنت و ويليام من ستعاقبا، أنا فتاة بريئة "

"أيتها.. "

ابتسمت و احتضنته

" لا تقلق حبيبي أنت الآن زوجي، سأدافع عنك و لن أتركه يشوه جمالك الوسيم "

ابتسم ثم أدرتُ عيني محاولة تجاهل حقيقة أننا محبوسان في زنزانة ضيقة محاطة بجدران رمادية باردة أربت على ذراعي أرتعش..

"الجو متجمد هنا"

قبل أن أتمكن من معرفة ما كان يحدث تحرك كايل نحوي بسرعة و وصلت يداه إلى حافة سترتي و راح يفتحها و يطبع قبلات متفرقة على شفتي

"كايل! ماذا تفعل؟"

صرخت و قلبي يتسارع بمزيج من المفاجأة و الترقب.. أجابني بابتسامة ماكرة

"إذا أردنا محاربة البرد فمن الأفضل أن نفعل ذلك معا"

بدأ في فك أزرار كنزتي الصوفية و كانت أصابعه تتحسس قليلا ، لم أستطع إلا أن أضحك و تفاقمت سخافة الموقف

"كايل، هذا أمر مثير للسخرية، نحن في زنزانة السجن"

اعترضت حتى عندما كانت ضحكتي تملأ المكان.. لكن هذا لم يردع و عيناه مليئة ببريق ماكر

"هيا يا زوجتي العزيزة كلانا يشعر بالبرد، و هذه هي الطريقة الأكثر إبداعا التي يمكنني التفكير فيها للتدفئة"

عندما انزلقت كنزتي عن كتفي شعرت بمزيج من الإحراج و البهجة كان الأمر كما لو أن عبثية الموقف قد رفعت مؤقتًا ثقل مأزقنا..

انحنى كايل لتقبيل رقبتي لكن تردد صوت خطى ثقيلة عبر الردهة، اجتاحنا الذعر بينما كنا نتدافع لارتداء ملابسنا و ضحكتنا تملأ المكان..

بنقرة واحدة انفتح باب الزنزانة و كشف عن ضابط ذو وجه صارم قال بصوت خالي من أي دعابة

"حسنا، أنتما الاثنان حان وقت الرحيل"

بينما كنا نجمع أمتعتنا على عجل أطلق كايل غمزة ماكرة لي

" و نحن نعدك أيها الضابط،لن نقوم بأي عملية اختطاف في الوقت الراهن "

ضحكت ضحكة مكتومة ،سخافة مغامرتنا لا تزال باقية في الهواء، لقد كانت ليلة لن أنساها أبدا، ذكرى ستجلب الابتسامة دائما على وجهي بغض النظر عن المكان الذي ستأخذنا إليه الحياة بعد ذلك....

٭٭٭٭٭٭٭

_اليوم الموالي:

استيقظت على مداعبة شمس الصباح الناعمة و أصابعها الذهبية ترسم بلطف أنماطا على جدران الفيلا الخاصة التي استأجرتها في بورا بورا، تدحرجت لأجد نفسي أحدق في الامتداد اللازوردي لجنوب المحيط الهادئ، البحر الذي لا حدود له مثل إمكانيات حياتنا معا..

تحرك قلبي بمزيج من الحنين و الأمل عندما التفتت لأرى آرام لا يزال في أحضان النوم الهادئ، لقد كانت رحلة طويلة لكلينا للوصول إلى هنا لقد أحببنا، و تقاتلنا، و افترقنا، لكن القدر أعادنا معا هنا في هذه الجزيرة الفردوسية...

نهضت من السرير ببطء، حرصا على عدم إزعاج آرام،كانت الأرضية باردة تحت قدمي و أنا أسير على أطراف أصابعي نحو الستائر البيضاء التي تحيط بإطلالتنا على البحر، مددت يدي و اندفع نسيم البحر اللطيف عبر الغرفة حاملا معه رائحة المياه المالحة و الزهور الاستوائية المتفتحة، تتناقض الألوان النابضة بالحياة للخضرة المورقة خارج النافذة مع اللون الأزرق الهادئ للمحيط ليخلق صورة للجنة لم أكن أحلم برؤيتها...

تركت الستائر تتراقص في الريح و عدت إلى آرام، و قد خفف النعاس من ملامحه. لقد بدا هادئا جدا، على عكس الرجل الشقي الذي عرفته طوال تلك السنوات الماضية..

انحنيت عليه أمشط خصلة من شعره من جبهته

"آرام، حبيبي حان وقت الاستيقاظ"

تحرك لكنه لم يفتح عينيه بالكامل، لم أستطع إلا أن أبتسم لمقاومته النائمة، لقد رتبت لتخديره ليس لإيذائه و لكن لإحضاره إلى هذه الجزيرة، إلى هذه اللحظة حيث يمكننا إعادة اكتشاف بعضنا البعض ، أتيحت لي فرصة ثانية لإعادة كتابة فصول قصتنا..

بقبلة ناعمة على جبينه علمت أن هذه الجزيرة الهادئة و الوعد بالبدايات الجديدة سيكون دليلنا إلى الصلح..

عندما بدأ المخدر في التلاشي شاهدت عينيه ترفرفان مفتوحتين،التفت إلي و في نظراته مزيج من الحيرة و التعجب

"روس ،رأسي،ماذا يحدث؟"

سأل و صوته أجش من النوم..

ابتسمت له أعبث بخصلات شعره

"نحن في بورا بورا، حبيبي و لدينا كل الوقت في العالم لنحل أمورنا"

فرك عينيه و عندما استيقظت حواسه لاحظ أن معصميه مقيدان بإحكام بأصفاد ملونة. و عليها ريش و قدماه مثبتتان على إطار السرير بأوشحة، بدأ التوتر يتصاعد بداخله و ضغط على قيوده و كان صوته مزيجا من القلق و عدم التصديق خاصة بعد أن لمحني جيدا أحدق في وجهه أبتسم ،كنت أرتدي تنورة طويلة ملونة و حمالة صدر خضراء..

"روس؟ ماذا يحدث بحق السماء؟ لماذا أنا مقيد؟"

تلألأت عيناي بمكر أجيبه

"آرام زوجي السابق العزيز نحن بحاجة إلى التحدث"

رأيته كيف عبس يناظرني بجدية

"نتحدث؟ روس اختطافي لإجراء محادثة يبدو أمرا متطرفا بعض الشيء، ألا تعتقدين ذلك؟"

ابتسمت من كلامه أكتم قهقهتي

"حسنا الأوقات العصيبة تتطلب اتخاذ إجراءات متطرفة ، أليس كذلك حبيبي السابق ،أقصد زوجي السابق؟"

أجبت بصوتي المليء بالضحك

"كما ترى لم أستطع تحمل فكرة انفصالنا لفترة أطول ، أردت أن نتزوج مرة أخرى و كنت يائسة لجذب انتباهك و أنت خنزير لا تبالي "

اتسعت عيونه بعدم التصديق من كلامي و نعته بالخنزير،أجاب بصوت مليء بمزيج من السخط

"هذا بالتأكيد يلفت الانتباه روس ، لكن الاختطاف؟ حقا؟"

اخفتت نظرتي الماكرة و تسلل الصدق إلى ملامحي

"أعلم أن الأمر غير تقليدي ، و ربما لم تكن الفكرة الأفضل لكن آرام لقد اشتقت إليك"

اعترفت بصوتي الذي اشتعلت فيه موجة من الضعف

"لقد اشتقت إلينا ، أردت أن أظهر لك كم اشتقت إلينا حقا"

تخطى قلبي النبض عندما لاحظت مزيج الإحباط و الارتباك يفسح المجال لمسحة من الحنين و الشوق على وجهه، تذكرت الضحك و الأحلام المشتركة و الحب الذي كان يجمعنا قبل تلك المشاكل البائسة..

"روس قد نكون مطلقين لكن علاقتنا لا يمكن إنكارها"

اعترف بصوت يشوبه أصالة حلوة و مرّة

"لكن الاختطاف؟ حسنا لقد لفت انتباهي بالتأكيد و الآن فكي قيدي ، أريد استعمال الحمام"

ابتسمت بمكر و أخرجت المفتاح من الدرج ثم دنوت منه و فتحت اليد الأولى ثم قمت بغلق الأصفاد في يدي و فتحت يده الأخرى

"مالذي تفعلينه بحق السماء؟ "

" أخاف أن تهرب ، لذا رجلي على رجلك "

مسح وجهه بيده يحدق بي

" الحمام ؟ لست ذاهب للنزهة، هل سترين ال .. "

ابتسمت له أفتح عيوني بشكل كبير أفكر بالوضع بعد أن تورطت بهذا أيضا، حدقت بآرام الذي كان يبدو مثل طفل صغير حُرم من الذهاب للحمام..

" هذا أمر مثير للسخرية، لن تدخلي معي و فكي قيدي بسرعة "

أومأت بالرفض متمسكة برأيي

" لن أفعل، ستهرب مني "

سحبني نحوه بيده الحرة يضمني

" أعدك، لن أهرب، أنا حقا بحاجة للدخول للحمام "

لم أصدقه لأنه أصبح عنيدا جدا، أشرت إلى الحمام

"لا بد أنك تمزحين.. "

" جدية للغاية يا زوجي، أقصد طليقي "

أخيرا استسلم للواقع و جرّني بسرعة اتجاه الحمام بعد أن أغلق عيوني حتى لا أرى شيئا..

" حبيبي، لا تخجل رأيتك سابقا عاري "

" روس، اخرسي "

ضحكت أنتظره أن يفرغ خزانه و بعدها نظف نفسه و خرجنا للغرفة، جلسنا بجوار بعضنا..

" آرام... "

سمعته كيف أخذ نفسا عميقا يلعب بخاتم زواجنا في اصبعه

"روسلين ،لا أستطيع ببساطة أن أتجاهل ما حدث بيننا، لقد تحطم ما كنا نتشاركه و أريدك أن تفهمي خطورة الوضع"

التقت عيونه بعيوني المليئة بالندم، أومأت برأسي و شكلت شفتي خطا رفيعا..

"أريد أن أسامحك يا روسلين"

واصل كلامه بصوت حازم و لكن مليئا بمسحة من الضعف

"لكن التسامح ليس شيئا يمكن تقديمه بسهولة ،فهو يتطلب الجهد و التفهم و الأهم من ذلك، الصدق"

ابتلعت ريقي و عيني تحدقان بخاصته

"أعدك بأنني سأكون شفافة تماما معك من الآن فصاعدا، لا مزيد من الأسرار، أقسم"

"أريدك أن تفهمي أنه لكي نمضي قدما في هذا الأمر، يجب أن تتغير بعض الأشياء، لا أستطيع أن أعاني من هذا مرة أخرى "

بقيت صامتة و عيناي منخفضتان تذرفان الدموع مدركة تماما لثقل أفعالي، أومأت برأسي أحثه على الاستمرار

"أنا على استعداد لمسامحتك، و لكن هناك شروط"

أصبح صوته أقوى عندما أكد كلامه

"أولا، أحتاج إلى الصدق الكامل من الآن فصاعدا، لا مزيد من الأسرار و لا مزيد من أنصاف الحقائق، أريدك أن تعديني بأنك لن تخفي أي شيء عني مهما كان الأمر صعبا أو مؤلما"

نظرت إلى عينيه أشعر بندم كبير يمزقني

"حبيبي أفهم ما تطلبه و أعدك بأنني سأكون شفافة تماما معك للمضي قدما أنت تستحق الحقيقة و تستحق الأفضل"

خفت تعبيراته قليلا، لكنه استمر في شروطه

"ثانيا، يجب أن نعمل على إعادة بناء اتصالنا، نحتاج إلى الاستماع لبعضنا البعض بشكل فعال، و فهم احتياجات بعضنا البعض، و إيجاد طريقة لحل مشكلاتنا معا كزوجين "

أومأت برأسي و عيناي مملوءتان بالعزم

"أنت على حق، نحن بحاجة إلى العمل على اتصالاتنا سأتأكد من مشاركة أفكاري و مشاعري بشكل علني معك حبيبي و أعدك بالاستماع إليك "

تنهد و شعر بالارتياح من كلامي

"أخيرا ، يجب إعادة بناء الثقة ،لن يحدث ذلك بين عشية و ضحاها لكنني بحاجة إلى رؤية إجراءات متسقة من جانبك تظهر التزامك بعلاقتنا، جهود صغيرة، و إيماءات كبيرة، أي شيء يساعد في استعادة الثقة التي تحطمت"

مددت يدي لأمسك بيده و كانت أطراف أصابعي تلمس يده بخفة

" أعلم أنني جرحتك بشدة، و أنا آسفة حقا ،لن تكون إعادة بناء الثقة أمرا سهلا، لكنني على استعداد لفعل كل ما يتطلبه الأمر، سأظهر لك من خلال أفعالي أنه يمكنك الوثوق بي مجددا "

حدق بي يبتسم بهدوء..

"أقدر قولك ذلك ،لن يكون الطريق سهلا، و لكن إذا كنا على استعداد لبذل الجهد أعتقد أنه يمكننا التعافي و النمو بشكل أقوى"

جلسنا في صمت للحظات و أيدينا لا تزال متشابكة، و شعور بالأمل و التصميم يملأ الفراغ الذي اكتسحنا في الأيام السابقة...

ابتسمت له و التقطت يده أسحبه نحو المطبخ حيث تنتشر رائحة أكلاته الإستوائية المفضلة في الهواء..

" أعددت أكلاتك المفضلة "

دنوت من وجهه أبتسم بإغراء أهمس له

" أريد أن أشاهدك و أنت تستمتع بهم بينما أتشبع من نظراتك و لمساتك "

قضم شفتي و يده تجول خلفي

" آمل أنك لن تتعبي مما سيأتي لاحقا "

" قطعا لا، حبيبي "

جلست فوق رجليه، مررت يدي على طبق الجبنة التقطت منه ثم قدمته لثغره، ابتلع القطعة بإثارة يغلق عينيه يتذوق النكهة الغنية على لسانه و يبتسم بمكر

"عسلي أنت ملاك مغري "

دنوت منه أكثر أبعد التنورة عن فخذاي برقة

" نستمتع بالطعام و بعدها ببعضنا سيد إيلايجا "

بعدما انتهينا من تناول الغداء تقدمت ببطء نحو آرام الذي كان يستريح على الأريكة في انتظاري،وضعت يدي على وجنتيه بلطف و اقتربت من شفتيه لأهمس بهمس مثير

"حبيبي،لا يمكنني مقاومة رغبتي في تذوق شفتيك اللذيذتين و أن أشعر بلمساتك على جسدي، أنا هنا لك، لنمنح بعضنا الكثير من الحب ،دعنا نجعل هذه اللحظة لا تنسى "

خيم سكون هادئ على الغرفة التي وجدنا أنفسنا فيها أنا و آرام، كان الهواء مليئا بالترقب مشحونا بكهرباء أرواحنا التي تتشابك مرة أخرى، كل نظرة، كل لمسة، تحمل عمق المعنى و وعدا صامتا بالأمل و الشفاء..

و مع الضعف المكتشف حديثا تحركت أجسادنا في انسجام، كما لو كانت تقودها قوة غير مرئية تقربنا أكثر، كل عناق أشعل نارا في الداخل، نارا هائلة من المشاعر التي كانت تنتظر إطلاقها، تحولت ضحكاتنا الممزوجة بآثار ألم الأيام السابقة إلى همسات لحنية تتراقص طوال النهار..

في الوهج اللطيف لأشعة الشمس قمت بتتبع ملامح وجهه، و كانت أطراف أصابعي تنزلق بلطف على طول جبينه لشفتيه،بدا أن الوقت قد توقف عندما أغلقت أعيننا، نتحدث بمجلدات لا يمكن للكلمات أن تلتقطها، مع كل قبلة رقيقة، تذوب مظالم الألم تاركة وراءها فقط الجمال الخام لحبنا...

تشابكت الأجساد و انكشفت سيمفونية من العاطفة و الحنان مما جعلنا نخلق نسيجا من العواطف التي رسمت الغرفة ،همسات قلوبنا لحنا متناغما يتردد في الأجواء كأحلى لحن، كل لمسة و كل لمسة حب و غفران أصبحت بلسما لأرواحنا الجريحة..

في هذا الفضاء المقدس تلاشت الحدود و تحررت أرواحنا، أصبحنا متشابكين في رقصة الحب و الضعف، مستسلمين لجذب رغباتنا المشتركة، تلاشى العالم الخارجي و أصبح بلا أهمية بينما كنا نحتضن أنفسنا في فقاعة من المشاعر النقية، حيث تندمج روحان و تجدان العزاء في أحضان بعضهما البعض..

لقد ملأت اعترافاتنا الهامسة الغرفة و نسجت شبكة ساحرة من الوعود و الأحلام ،لقد كشفنا أرواحنا وكشفنا أعمق مخاوفنا و قلقنا مدركين أنه في هذه اللحظة أصبح الضعف هو أعظم ما لدينا، هنا في هذا الملاذ الحميم، اكتشفنا القوة الحقيقية للتواصل، و القدرة على شفاء الجروح بالحب و التفاهم..

عندما بدأ الغروب في الظهور و ألقى ألوانا ذهبية و ارتفع عبر السماء شاهدت آرام نائما و ملامحه هادئة و سلمية. وجدت بين ذراعيه مكانا يمتزج فيه الشفاء و المغفرة و الحب..

في هدوء هذا الغروب، همست بالامتنان للرب لأنه أرشدنا خلال العاصفة، و لكي تجد أرواحنا طريقها إلى بعضها البعض لأنه في وسط الظلام وجدنا القوة لإعادة البناء، و صياغة حب أقوى و أعمق من أي وقت مضى..

اقتربت منه أشعر بدفءه على بشرتي، أدركت أن قلوبنا المتصلة ستستمر في النبض كقلب واحد، من خلال رحلة الحياة المضطربة، اكتشفنا أنه حتى وسط الفوضى و الألم، ظل الحب هو الضوء الموجه و البوصلة التي قادتنا إلى عالمنا معا.....

٭٭٭٭٭٭٭

عندما أطلت شمس اليوم الموالي بلطف من خلال الستائر، فتحت عيني ببطء و ما زلت أشعر بالتعب من الأمس، مددت ذراعي و التفت لأرى روسلين مستيقظة بالفعل و وجهها يتوهج بالإثارة..

"صباح الخير أيها النعسان"

صرخت و هي تقفز على السرير مثل طفل متحمس للغاية

"لن تصدق ما رأيته للتو!"

تثاءبت و فركت عيني محاولا جمع أفكاري و أنا أستنشق رائحتها

"ماذا رأيت يا حبيبتي؟"

سألت و صوتي لا يزال مثقلا بالنوم

"هناك دولفين في البحر"

صرخت و هي تشير بحماس نحو المياه الصافية خارج منزلنا مباشرة

"هل تتذكر عندما قبلت دلفينا في شهر العسل؟ لقد كانت تجربة سحرية للغاية حبيبي"

لم أستطع إلا أن أشعر بالغيرة، نعم،نعم تذكرت تلك اللحظة بوضوح عندما شاركني فيها ذلك الدلفين اللعين و أنا بالكاد كنت أحصل على قبلة...

قلت متظاهرًا بعدم المبالاة

"أوه، الدلفين،نعم كان هذا مشهدًا رائعًا، أليس كذلك؟ ربما لا يزال الدولفين يحلم بقبلتك لليوم "

ضحكت غافلة عن غيرتي

"أوه، آرام، أنت سخيف لقد كانت مجرد لحظة عابرة له فقط،و لكن رؤية هذا الدلفين الآن تعيد ذكريات جميلة"

"حسنًا، حسنًا"

قلت مستسلما للحظة

"دعينا نذهب لرؤية الدلفين ،ربما سيتذكرك و يعطيك قبلة دولفين صغيرة رومانسية "

ضحكت تتعلق برقبتي تقبلني

" غيور بوجي إيلايجا "

" أنا؟ أغار من دلفين؟ تمزحين حبي "

قهقهت و توجهت لترتدي ملابس السباحة ثم وقفت أمامي و وضعت في يدي ملابس لي للسباحة خاصة بسبونج بوب ، جعلتني أضحك بسرور و أشكر الرب أني بالأمس حجزت هذه المنطقة لنا فقط

" من أين خطرت لك هذه الفكرة "

" لا أعلم، وجدتهم بأغراضك حبيبي و لكن لدي شيئ آخر لك "

وقفت من فوقي و فتحت رداء السباحة الفضفاض أوقعته أرضا ما جعلني أفتح فمي مثل الأبله الجائع، لقد ارتدت ثياب سباحة مثيرة و على شكل سبونج بوب أيضا..

" ما رأيك بهذا سيد إيلايجا؟ "

سحبتها فورا نحوي أقضم شفتيها و أتحسس جسدها الساحر..

" أنت عسلي حبيبتي و عشقي سيدة إيلايجا "

توجهنا للشرفة التي تطل على البحر حدقت في روسلين تضحك

" نبدو مثيرين للسخرية،، لكنك سبونج بوب مضحك و أنا أحب ذلك "

ضممتها لصدري

" إذا كان هذا يجلب لك السعادة عسلي، فأنا أفترض أنني المخلوق البحري الأكثر حظا على قيد الحياة "

عندما خرجنا من شرفة منزلنا قفز الدلفين من الماء برشاقة و بدا أنه يرحب بنا في مجاله المائي، أضاءت عيون روسلين بالبهجة، و لم أستطع إلا أن أبتسم لفرحتها المعدية..

"انظر يا آرام! و كأن الدلفين يلقي التحية علينا!"

عندما شاهدتها و هي تمرح مع هذا المخلوق شعرت بالغيرة حقا، كيف تجرؤ هذه الدلافين على سرقة انتباه عسلي، أنا لست على استعداد للتنافس مع الثديات البحرية على حبها...

" سأسميه فليبر، حبيبي "

هذا ما ينقص فقط، لما لا أتبناه ليشاركني بها؟ لمحتها و هي تتكئ على حافة الجدار الخشبي،و يدها ممدودة نحو الدلفين، ابتسمت للخلفية التي منحتها لي و دنوت منها أعبث خلفها..

" ماذا تفعل؟ نحن بالخارج"

" وحدنا عسلي،استرخي "

ضحكت بمكر و غطست في البحر تسبح مع ذلك الوغد المائي، يلعبان و يرقصان أما أنا فأصبحت متفرجا وحيدا متروكا لأتخبط في غيرتي مثل منشفة الشاطئ المنسية...

عندما بدأت الشمس تغرب فوق الجزيرة الخلابة، وجدت أنا و روسلين أنفسنا على الشاطئ ذو الرمال البيضاء، نحدق في المياه الفيروزية الصافية ،كان الجمال الساحر للمناطق المحيطة كافيا تقريبا لإلهائي عن حقيقة أن روسلين قضت للتو يوما كاملا تمرح مع دولفين يدعى فليبر..

"لا تفهميني خطأ عسلي،فليبر رجل عظيم و لكن هل يتعين عليك حقا قضاء الكثير من الوقت معه؟"

اشتكيت، محاولا أن أبدو غير مبال لكنني فشلت فشلا ذريعا

"أعني، ما الذي لديه و لا أملكه؟"

ضحكت روسلين و هي تضع خصلة من شعرها خلف أذنها

"آرام، إنه مجرد دلفين و نحن على جزيرة استوائية! ألا يمكننا أن نستمتع بأنفسنا دون أن تشعر بالغيرة من مخلوق بحري؟"

عبست و عقدت ذراعي بتحد

"أفترض ذلك، لكن الأمر ليس سهلا عندما أراك تضحكين و تستمتعين كثيرا معه. يبدو الأمر كما لو كنتما في عالمكما الصغير معا، و تتركانني على الهامش"

أعطتني دفعة مرحة و كانت عيناها تتلألأ بشكل ماكر

"أوه، هيا الآن أنت تعلم أنك الشخص الذي أحبه ،الزعانف ليست أكثر من مجرد رفيق ودود للسباحة"

ارتسمت ابتسامة عريضة على زاوية شفتي عندما أدركت أنها كانت على حق من يستطيع التنافس معي عليها،علاوة على ذلك لم يكن الأمر يستحق إفساد لحظاتنا بسبب القليل من الغيرة..

عندما حل الليل و ألقى وهجا ذهبيا دافئا عبر الجزيرة، قررت أن أعوض روسلين. لقد عدت بها إلى الفيلا الفاخرة المطلة على الشاطئ و اقترحت عليها تناول عشاء رومانسي في خصوصية غرفتنا..

التقطت الهاتف و اتصلت بخدمة الغرف، و طلبت وليمة فخمة من الأطباق المحلية الشهية، بالإضافة إلى المأكولات البحرية الطازجة و الفواكه الاستوائية،، بينما كنا ننتظر وصول وجبتنا، استقريت على السرير الفخم الكبير الحجم، متكئًا بظهري على اللوح الأمامي.. مشيت روسلين،مع وميض ساحر في عينيها ،بابتسامة مرحة جلست على ساقي و استقرت هناك و استحوذت على انتباهي الكامل..

كان القماش الحريري لذلك الفستان المكشوف يلامس بشرتي بينما كانت تضع رأسها على صدري و كانت رائحة جوز الهند في شعرها عالقة في الهواء..

قالت و هي تنظر إلي بنظرة بريئة

"يبدو أن الدولفين ليس الوحيد الذي يتنافس على جذب انتباهك، حبيبي"

لم أستطع إلا أن أضحك غيرتي السابقة تبددت في الهواء

"حسنًا، أعتقد أنه ليس لدي خيار سوى الاستسلام لسحرك يا حبيبتي، سيتعين على الزعانف الجلوس في المقعد الخلفي الليلة"

تبادلنا الضحك و تلاشى التوتر بينما استمتعنا بدفء حبنا و جمال اللحظة. قدم اللحن الناعم للأمواج المتلاطمة على الشاطئ الموسيقى التصويرية المثالية لأمسيتنا الحميمة..

عندما وصل نادل خدمة الغرف مع طبقنا اللذيذ، استمتعنا بوليمة على ضوء الشموع من الوجبات اللذيذة و تناولنا الشمبانيا، و مع كل نقرة في نظارتنا، لا يسعني إلا أن أشعر بالامتنان الشديد لهذه الجزيرة السحرية و الصحبة الساحرة لحبيبتي و رحلة غيرتي السخيفة من دولفين شقي....

" أحبك عسلي "

" و أنا سيد إيلايجا "

في الأيام التالية ،خطوت أنا و آرام على الشاطئ الرملي الذهبي للجزيرة، اجتاحتني موجة من الحنين لقد مرت سنوات منذ أن وطأت أقدامنا هذه الجنة، لكن ذكريات شهر العسل كانت لا تزال محفورة بوضوح في ذهني، لمعت الإثارة في عيون آرام و هو يقودني على طول الشاطئ متشوقا لزيارة الأماكن التي تحمل لنا ذكريات ثمينة..

رسمت الشمس السماء بألوان برتقالية و وردية بينما كنا نسير جنبا إلى جنب، و الرمال الدافئة تغوص تحت أصابع أقدامنا. كان النسيم المالح يشعث شعرنا مما يضيف لمسة من الوحشية و الحرية إلى مغامرتنا، كان الضحك و الفرح يملآن الهواء، و يمتزجان بشكل متناغم مع ضرب الأمواج اللطيف..

شددت قبضة آرام حول يدي عندما اقتربنا من صف من أشجار النخيل، تتمايل جذوعها النحيلة بالتزامن مع إيقاع المحيط. يقع بين الأشجار بار جذاب على شاطئ البحر، و هو نفس المكان الذي كنا نرتشف فيه كوكتيلات الفواكه ، عادت الذكريات إليّ و لم أستطع إلا أن أبتسم. عندما بدأت الشمس في الهبوط، و ألقت وهجا ذهبيا على الجزيرة، أرشدني آرام بلطف على طول طريق متعرج. تابعت بشغف و قلبي يرفرف ترقبا لما ينتظرنا في النهاية. تسارعت خطواتنا عندما اقتربنا من خليج صغير مخفي، المكان الذي وعدنا فيه أن نحب و ندعم بعضنا البعض مدى الحياة..

و وقفنا هناك محاطين بجمال الطبيعة، و نسيج الألوان و الروائح، تحولت السماء إلى تحفة فنية خلابة حيث اختلطت ظلال اللون البرتقالي و الأرجواني معًا، مما ألقى ضوءًا دافئًا و مريحًا علينا. في تلك اللحظة، شعرت بإحساس غامر بالامتنان للحب الذي شاركناه، و اللحظات التي نعتز بها و رحلة الحياة خاصتنا..

حدق آرام في عيني و كان مليئًا بالحب و الإخلاص، قال بصوت يرتجف من العاطفة

"شكرًا لك لأنك مشيت بجانبي طوال هذه السنوات عسلي،في الماضي، و الحاضر، و الإمكانيات اللانهائية لمستقبلنا."

مع دموع الفرح المتدفقة في عيني، مددت يدي للمس وجهه، أشعر بالخطوط و التجاعيد الصغيرة التي بدأت في الظهور

"أنا ممتنة لك إلى الأبد يا حبيبي"

همست صوتي بالكاد مسموع وسط الأمواج المتلاطمة

٭٭٭٭٭٭٭

مرت ثلاث أسابيع منذ مجيئنا لبورا بورا، كانت أيام رائعة لن ننساها بتاتا.. استيقظت على حفيف أوراق النخيل اللطيف و صوت أمواج المحيط ،كان الرمل الناعم ملتصقا بجسدي، و إدراكي أنني عارٍ جعلني أبتسم من ليلة الأمس التي كانت جامحة على الشاطئ..

وجهت نظري نحو حب حياتي التي كانت مستلقية بجانبي ،لم يتوقف جمالها المشع و الحياة الرقيقة التي كانت تحملها بداخلها عن إدهاشي أبدا، قبل أيام شعرت روس بمغص و عندما ذهبنا لزيارة الطبيب أطلعنا بخبر حملها،هذا أسعدني كثيرا إبني الثاني في بطنها،حملها جعلنا أكثر قربا من قبل،كنت على دراية تامة بنوبات الغثيان الصباحية التي تعاني منها، و أصبح لدي خبرة في هذه المواضيع...

بلمسة رقيقة مددت يدي لأداعب خدها بلطف، تحركت و رفرفت عيناها مفتوحتين، لتكشف عن بريق الحب و السعادة، لقد جعلها توهج الحمل أكثر سحرا، و لم أستطع إلا أن أشعر بإحساس عميق بالرضا..

"هل تشعرين بخير،حبي؟"

ابتسمت ابتسامة ناعمة و وضعت يدها على بطنها

"فقط القليل من الغثيان الصباحي حبيبي و لكن أنا سعيدة للغاية "

عندما رأيت تلك الابتسامة الناعمة و المشرقة على وجهها لم أستطع مقاومة أن أكون قذرا بعض الشيء

"غثيان الصباح؟ أم أنني تركتك عاجزة عن الكلام بسبب سحري الذي لا يقاوم ليلة الأمس؟"

أطلقت ضحكة موسيقية و قد كانت ضحكتها مثل لحن هادئ يتردد صداه في هواء الصباح الهادئ

"من المؤكد أن سحرك هو الذي يجعل معدتي تتقلب ،حبيبي،أراهنك أن طفلنا هذا سيكون نسخة عنك في انحرافك"

اقتربت أكثر و لامست شفتي شفتيها بلطف و استمتعت بحلاوة حبنا

"حسنا، إن كان كذلك سأكون فخورا به،و أعدك أن أستخدم سحري من أجل الخير و ليس الأذى، لقد قضينا وقتًا رائعًا على هذه الجزيرة، أليس كذلك؟"

أومأت برأسها و عيناها مليئة بالحنين

" كان مثاليا يا آرام. لم يكن بإمكاني أن أطلب إجازة أفضل من هذه "

إن إدراك أن هذا كان صباحنا الأخير على هذه الجزيرة الساحرة قد أثر في قلبي و لكن يوهان ينتظرنا و قد اشتقنا إليه كثيرا،وصلت إلى البطانية البيضاء الناعمة التي غطتنا خلال ليلتنا العاطفية و لففتها حول جسدها العاري..

"تفضلي ردائك الملكي الخاص بملكة بورا بورا"

ضحكت مرة أخرى و تناغم صوتها الرخيم مع حفيف أوراق النخيل اللطيف و هدوء المحيط

"أنت تعرف دائمًا كيف تجعلني أشعر بأنني مميزة حبيبي"

نهضت ببطء تلف الإزار حولها و تمددت استمتع بالمنظر الخلاب لكرزتي الشهيتين و بابتسامة ماكرة قلت

"ما زالت حبات الكرز تلك هي أحلى شيء أعشقه بعدك، على الهدف مباشرة ربما يجب أن أدعوك سيدة بستان الكرز "

احمرت وجنتيها و بريق مرح في عينيها و هي تجيب

" من فضلك، أنقذني من ألقابك الفاكهية حبيبي و لكن اعترف أني لا أقاوم، أليس كذلك؟ "

سحبتها فوقي أعبث بخصلات شعرها

" إن كلمة لا تقاوم لم تبدأ حتى في وصفها عسلي،لديك هذه الجاذبية الجذابة التي جعلتني تحت تأثير سحرك تماما لكن يجب أن أعترف أنها ليست الوحمة الوحيدة التي تجعلني منبهرًا؛ إنها شخصيتك النابضة بالحياة، و ضحكتك و الطريقة التي تضئين بها حياتي.. "

تعلقت برقبتي تستنشق رائحتي

"حبيبي، أنت تعرف دائمًا كيف تجعلني أشعر بأنني مميزة، لا يتعلق الأمر بوحمة سخيفة فحسب بل يتعلق بالطريقة التي ترى بها الجمال في كل شيء حتى في عيوبي"

"الأمر لا يتعلق بما أراه، و لكن بما أشعر به عندما أكون معك، الوحمة هي مجرد تذكير صغير لشخصيتك الفريدة و الجميلة، من الداخل و الخارج يا سيدة إيلايجا، و الآن انهضي و جهزي نفسك سنتأخر عن الطائرة "

اتسعت عيونها و كأنها فعلت شيئا ما

"آرام، لدي اعتراف"

عقدت حاجبي مفتونا بتعابيرها و لكن قلقًا بعض الشيء

"ماذا فعلت ؟"

اقتربت منها و كان صوتها هامسا

"لقد دفنت جواز سفرك"

اتسعت عيناي بصدمة شديدة

"أنت فعلت ماذا؟"

ضحكت غير قادرة على احتواء قهقهتها أكثر

" دفنته في الرمال ،لم أكن أريدك أن تتركني و تعود إلى المنزل."

ضحكت بسخط

"دفنت جواز سفري للتأكد من أنني لن أهرب؟ هذه بالتأكيد طريقة فريدة لإبقائي في الجوار"

أومأت برأسها و عيناها متأسفة

"اعتقدت أنها كانت الخطة الوحيدة المضمونة "

احتضنتها و ضحكت من قلبي

"حسنًا، انسي ما حصل، لنذهب للبحث عنه "

رفعت يدها متحسرة

" هناك مشكلة عويصة، أنا لا أتذكر أين دفنته بالتحديد "

ضربت جبيني بيدي، تبا سنعلق هنا

" روس، حبيبتي تذكري جيدا "

حركت كتفيها متأسفة، خرجنا للشاطئ نبحث عنه دون جدوى، هرعت للمنزل حتى وجدت رفش أحضرته و قدمته لها

" هيا، عسلي ابدئي الحفر "

" ماذا؟ أنا؟ إنه جواز سفرك "

" حقا؟ مبهر لم أكن أعلم، ابدئي الحفر حتى لا تتهوري مجددا "

أخذت الرفش مني و باشرت الحفر مثل نعامة معاقة، كادت تبكي لذا أخذته منها أحفر في الأماكن التي تشير إليها و لكن من دون جدوى...

" آرام، تذكرت إنه تحت الأريكة في المنزل "

حدقت بها بذهول، السافلة جعلتني أحفر تقريبا كل الشاطئ، كنت سأدفنها هنا فقط تذكرت أنها حامل...

" سأقتلك روس، ظهري يؤلم "

" آسفة حبيبي، الآن فقط تذكرت أني غيرت مكانه "

غادرنا إلى المنزل و وجدت أخيرا جواز سفري تحت الأريكة، حزمنا أغراضنا لنعود إلى عشنا و طفلنا السعيد بخبر شقيقه الذي ينمو في بطن عسلي...

٭٭٭٭٭٭٭

بعد أيام :

مع الإثارة المتدفقة في قلوبنا ذهبت أنا و آرام إلى المستشفى لتحديد الموجات فوق الصوتية للحمل و كان الترقب واضحا عندما جلسنا في الغرفة في انتظار أن يبدأ الفحص...

عندما عادت شاشة الموجات فوق الصوتية إلى الحياة حدقنا في رهبة في صورة طفلنا الذي لم يولد بعد، و هي معجزة صغيرة تنمو بداخلي، و لكن ما فاجأ آرام حقا هو عندما تلاعب الطبيب بالصورة و كشف عن رسالة مكتوبة بالموجات فوق الصوتية سبق أن أخبرته بوضعها

"بابا، هل توافق على الزواج من ماما؟هل توافق أن نعيش في منزلنا معا ؟"

ظهر على الشاشة و اتسعت عيون آرام في دهشة، التفت نحوي و قلبه ينبض بالعاطفة و لم أستطع إلا أن ابتسم من توتره و سعادته..

"آرام، هذه مفاجأتي لك، هل ستكمل عائلتنا و تتزوجني مجددا؟"

امتلأت عيون آرام بدموع الفرح و أومأ برأسه مغمورًا بالحب و السعادة...

" روس،نعم، نعم ألف مرة أريد أن أقضي بقية حياتي معك و مع أطفالنا،سبق و جهزت مفاجأة لك و لكنك سبقتني عسلي"

بدت الغرفة و كأنها تتوهج بدفء حبنا المشترك و معرفة أن عائلتنا ستصبح متكاملة قريبا، غادرنا المستشفى يدا بيد، مستعدين لبدء فصل جديد من حياتنا معا، نعيش تحت سقف واحد، يجمعنا الحب و الوعد بمستقبل مليء بالسعادة...

و أكثر ما جعلنا نضحك اليوم هو إعتراف أستريد بأمر زواجنا و من فرحة آرام لكم وجه كايل الذي ازرقت عينه للأسف و الذي صدم لأن جماله تشوه، تبا لم يصمت عن الثرثرة حتى حجزت له شهر العسل في أمستردام و اللعين طلب تعويضا آخر ليكون شهرين مضاعفين...

٭٭٭٭٭٭٭

في اليوم التالي توجهت للعمل بعد أن أصرت روس أن تأخذ يوهان للمدرسة،تفاجأت بعمي الذي أتى لزيارتي بخصوص الأعمال و أثناء إجتماعنا اقتحمت هيلدا المكتب ...

" مالذي أتى بك إلى هنا؟ "

" كيف تتجرأ على تجميد كل حساباتي، من تعتقد نفسك "

حدقت في عمي الذي أجابها

" أنا من فعلتها، لا أريدك في عائلتي بعد الآن "

كان الغضب مسيطرا علي لكنني لا أريد التورط مع سافلة مثلها

" لم أعتقد أبدًا أنني سأرى اليوم الذي تخونين فيه العائلة بهذا الشكل القذر "

سخرت هيلدا و عيناها تلمعان بالحقد

"العائلة؟ لم تكن روسلين أبدًا جزءًا حقيقيًا من هذه العائلة يا آرام. لقد كانت دائمًا دخيلة"

ضغطت على قبضتي، و تحولت مفاصلي إلى اللون الأبيض

"روسلين زوجتي و أم أطفالي و حياتي كلها، هددتها و قمت بابتزازها ،كنت تخططين لتدمير زواجي بسبب قذارتك "

"إنها تستحق ذلك هي من أخذتك مني"

اقتربت خطوة نحوها و عيناي محدقتان في عينيها

"الأمر لا يتعلق بي يا هيلدا ،إنه يتعلق بالألم الذي سببته ليس فقط لروسلين، بل لنا جميعا و ما فعلته بكايل حيث أودعته كذبًا في مصحة للأمراض العقلية، أمر لا يغتفر "

ضحكت بسخرية

"كان دائمًا ضعيفًا و عبئًا. لقد فعلت ما يجب القيام به"

"سوف تدفعين ثمن أفعالك يا هيلدا بدءًا بمواجهة العواقب القانونية لما فعلته بزوجتي و لكن الأهم من ذلك أنك ستواجهين عواقب خيانة عائلتك، لقد فقدتنا جميعا"

بدأ صوت عمي يرتجف بمزيج من الغضب و الحزن

"لم أكن أعتقد أنني سأرى يوما يرتكب فيه أحد من دمائي مثل هذه الأفعال الشنيعة و خاصة ابنتي"

تلعثمت في كلامها

"بابا،لقد فعلت ما اعتقدت أنه ضروري"

"ما اعتقدته ضروريا كان سيمزق هذه العائلة ، أفعالك لها عواقب يا هيلدا، و لم يعد بإمكاني ربط نفسي أو هذه العائلة بك"

اتسعت عينا هيلدا من الصدمة عندما استقر ثقل أفعالها

"بابا، من فضلك، أنا..."

قاطعها بإشارة شديدة من يده

"لا يا هيلدا، أنت لم تعودي جزءا من هذه العائلة ،نحن نتبرأ منك ،سوف يُمحى اسمك من سجلاتنا و سوف تتحملين وحدك العار بسبب أفعالك"

تجمعت الدموع في عينيها عندما أدركت مدى عقابها، لقد أصبحت الآن وحيدة حقًا مجردة من عائلتها، و اسمها، و أي مظهر من مظاهر الاحترام و غادرت المكتب تمسح دموعها...

٭٭٭٭٭٭٭

ضممت يوهان لصدري الذي كان يتحسس بطني في انتظار ولادة شقيقته مثلما يرغب هو، قبلت جبينه

" هل أنت متحمس للمدرسة اليوم صغيري؟"

ابتسم لي بوجهه الجميل

"نعم ماما،تعرفين أني أحب التعلم،و أحب أيام الثلج"

ابتسمت له و لاهتمامه بعدما طلب من السائق أن يقود بحذر حتى لا يؤذي حملي، فجأة انحرفت أمامنا سيارة دفع رباعي سوداء اللون مما أدى إلى إغلاق الطريق، و نزل منها ملثمين وجوههم مخفية خلف الأوشحة و النظارات ...

" ماذا يحدث؟ "

نزل السائق بسرعة و مسدسه في يده للحماية، رأيتهما كيف يشيران نحو يوهان ، يا إلهي

"يوهان،أريدك أن تكون هادئا جداً، حسناً؟ ماما سوف تخرجك من هنا"

أومأ يوهان و عيناه متسعتان من الخوف بسرعة استغليت حديثهما مع السائق، فتحت الباب ببطئ ، أمسكت بيد يوهان و خرجنا من السيارة دون أن يلاحظنا أحد منهما و بدأنا بالركض إلى الغابة.. تبا لا أعرف هذا المكان و هاتفي تركته في حقيبتي...سمعت صراخهما و صوت إطلاق النار

"أحضرهما، لا تسمح لهما بالهروب"

٭٭٭٭٭٭٭

جلست على الأريكة المريحة في غرفة المعيشة في فترة الغداء مع العائلة،لم أشأ الاتصال بروسلين لأني أعلم أن لها إجتماعا في المدرسة و ستأتي،كنا نضحك بينما كان كايل يلقي نكتة و سخرية أستي من جماله،و ضحكاتها تملأ الهواء، لقد كانت لحظة استرخاء ، كانت أمي تحيك كنزة صوفية لطفلنا المنتظر و تتحدث مع كايل

" و أنت كايل متى نرى أولادك؟ "

وضع رأسه على كتف أستي يضحك

" لو كانت أستي حامل فسأتبرع بالجنين لدار الأيتام، أنا لازلت صغير على المسؤولية، أساسا أنا أيضا أحتاج لمن يربيني "

فتحت أستي فمها تضحك و قامت بعضه من أذنه بقوة

" سأربيك لا تقلق "

" أذني يا متوحشة، لدي تصوير "

واصلنا تبادل الدردشة مع بعض و فقدنا أنفسنا في ألفة العائلة ،و لكن بينما كان الضحك يملأ الغرفة حطم رنين هاتفي الهدوء، تنهدت أضغط على قلبي و وصلت إلى جيبي للإمساك بالهاتف

"أعذروني جميعا، إنه سائق روسلين و هو لا يتصل أبدا إلا إذا كان هناك شيء مهم"

بعد استشعار التحول في الجو، هدأت ضحكات كايل و أستريد، و استبدلت تعابيرهم المرحة الآن بالقلق..

أجبت على المكالمة و حبست أنفاسي بينما كنت أستمع إلى صوت السائق ،كل كلمة له اخترقت قلبي مثل الخنجر و حطمت عالمي إلى مليون قطعة مجزأة..

"ماذا؟ هجوم؟ اختفت مع يوهان ؟"

تلعثمت و الهاتف يرتجف في قبضتي

"أين هم؟ أين زوجتي و إبني ؟أخبرني بكل شيء!"

تجمد كل شيء بداخلي، بدا أن الوقت قد توقف بينما كنت أكافح من أجل فهم الكلمات التي سمعتها للتو، كان ذهني يتسابق، محاولًا يائسًا فهم هذا الواقع الذي لا يمكن تصوره، روسلين زوجتي و ابننا يوهان، أُخذا مني في لحظة من السهو...

مددت يدي المرتجفة لأمسك بالحائط طلبا للدعم و كان ثقل الأخبار المدمرة يهدد بسحقي، شعرت بالدموع تتدفق في عيني لكنني قاومتها، و رفضت السماح للألم بأن يهلكني، علي إيجادهما... و بنفس عميق اختنقت إجابة و صوتي يرتجف

"أين هم؟ أخبرني بكل ما تعرفه"

نقل السائق التفاصيل المجزأة و المشهد الفوضوي للهجوم و الغموض الذي اجتاح مكان وجودهما، كانت أفكار الخوف و الغضب و اليأس تتردد في ذهني مثل العاصفة، مما أدى إلى تشويش أفكاري و تشويش الهواء الذي أتنفسه..

حدقت بي أستريد لتفهم أن شيئا ما حصل لذا جمعت كل ما بقي داخلي و أطلعتهم بالخبر

" روس و يوهان خطفا "

تحطمت ثقل الأخبار مثل موجة مد و سقطت على كرسي قريب، اندفع كايل إلى جانبي و مد ذراعيه لتثبيتي بينما كنت أكافح من أجل العثور على القوة للتعبير عن ما لا يمكن تصوره..

عندما ألقت أستريد نظرة على تعابير وجهي المذهولة، أصبح وجهها خاليًا من اللون تم استبدال الضحك الذي ملأ الغرفة بصمت غريب، لم يقطعه سوى صوت شهقات أستريد المخنوقة و بكاء أمي،شاهدتها و هي تتأرجح على قدميها للحظة قبل أن تنقطع قوتها و سقطت بهدوء بين ذراعي كايل...

أصبحت الغرفة غير واضحة عندما انهمرت الدموع أخيرا من عيني، و كان قلبي يتألم من الألم و الرعب. لقد تحول العالم تحت قدمي، و تركني ضائعًا و عاجزًا. في تلك اللحظة، انهارت الحياة أمامي، و تركت أصارع الواقع المروع المتمثل في اختفاء زوجتي و ابني..

عندما اندفعنا للخروج تبعني كايل بعدما اتصل بالطبيب و ترك أستي مع أمي،لم أستطع إلا أن أشعر بمجموعة من المشاعر تغمرني، تم استبدال الضحك و الفرح الذي غلفنا منذ لحظات بخوف عميق و تصميم لا يتزعزع على حماية الأشخاص الذين أحببتهم..

كان قلبي يتسارع متزامنا مع خطواتي المتسارعة بينما يدور ذهني مع آلاف الاحتمالات، كل منها أكثر ترويعًا من سابقتها، تمسكت بالأمل في أن أجد روسلين و يوهان آمنين و غير مصابين بأذى و رفضت السماح للظلام أن يلتهمني...

كان المشهد أمامي ضبابيًا، وأضواء الشوارع والسيارات المارة تندمج في سيمفونية فوضوية بينما كانت أفكاري تدور في حالة من الفوضى ولكن في أعماقي، اشتعلت النيران و كانت هناك حملة لا هوادة فيها لإنقاذ زوجتي و طفلي من براثن المجهول..

و بينما كنا نسرع ​​نحو مكان الهجوم بدا العالم من حولي و كأنه يتلاشى، و لم يترك شيئًا سوى الاتصال المتذبذب للمكالمة الهاتفية و الحب الذي لا يموت و الذي دفعني إلى الأمام،أمسكت بعجلة القيادة بقوة أصلي من أجل حدوث معجزة و ألا تتعرض عائلتي لأي مكروه...

وصلنا أخيرا للمكان الذي أصبح يعج بالشرطة و الإسعاف،هرعت نحو السيارة و وجدت داخلها حقيبة روسلين و هاتفها ضممت الحقيبة لصدري، ثم رأيت السائق المصاب بطلق ناري في يده،أرسل المشهد موجة من الرهبة تحطمت فوقي، إن حصل لهما مكروه فلن أسامح نفسي أبدا...

تومض المصباح اليدوي الصادر عن ضابط الشرطة الذي كان يقترب مني و قال بصوت يحمل مسحة من التعاطف

"سيد إيلايجا، نريدك أن تبتعد عن مكان الحادث فريق البحث و الإنقاذ لدينا سيتولى الأمر من هنا"

التفتت لمواجهته و عيني مليئة بالألم، و صوتي يرتجف من اليأس

"أنت لا تفهم! زوجتي و إبني مختفيان،لا أستطيع الوقوف هنا و الانتظار. يجب أن أجدهما!"

تجمعت الدموع في عيني و أنا أمسك بحقيبة روسلين بإحكام، وضع الضابط يدًا مطمئنة على كتفي لكنني تجاهلتها، كنت مثل الأسد الجريح تغذيه رغبة لا تلين في حماية عائلتي.. صرخت بصوت متقطع

"لا أستطيع أن أتركهما هنا، وحيدين و خائفين، لا بد لي من إنقاذهما مهما كلف الأمر"

٭٭٭٭٭٭٭

استمرينا أنا و يوهان في التنقل عبر الغابة الكثيفة المغطاة بالثلوج، و يمكن رؤية الذعر و الإرهاق يتشبثان بنا و لا تزال أصداء أصوات الخاطفين البعيدة تطارد آذاننا..

تعثر يوهان في الثلج العميق و ارتعش جسده الصغير ،تألم قلبي عندما شاهدته و هو يكافح ليواصل السير معي

" يوهان، حبيبي نحن بحاجة إلى مواصلة التحرك، أعدك أننا سنجد طريقنا لوالدك "

يا إلهي كان وجهه شاحب و يرتعش من البرد يتمسك بي

" ماما ،أشعر بالبرد "

امتلأت عيوني بالدموع ركعت أمامه، قمت بإزالة حقيبة ظهره

"اعرف ذلك حبيبي،سيكون الأمر على ما يرام، أمك هنا"

خلعت معطفي و وضعته بلطف فوقه أدفئه

"عليك أن تظل دافئا صغيري، والدك سوف يجدنا إنه قوي و شجاع مثلك تماما "

أشرقت عيونه عند ذكر اسم آرام

"بابا سوف ينقذنا، أليس كذلك ماما ؟"

احتضنته بقوة

" نعم يوهان، والدك سيفعل ذلك ،سنبقى أقوياء و نواصل التحرك حتى يتمكن من إنقاذنا "

الغابة الآن مغطاة بالظلام و انخفضت درجة الحرارة إلى البرودة الشديدة، ارتعشت بشكل لا يمكن السيطرة عليه، و ظهرت أنفاسي في الهواء البارد، الآن أنا بدون سترة ، لأن خاصتي أعطيتها ليوهان لإبقائه دافئًا في هذا الصقيع..

احتضنته بالقرب مني أضغط أجسادنا معا للحصول على الدفء، همست له

"علينا أن نحافظ على دفء بعضنا البعض، صغيري،تذكر أن والدك يبحث عنا"

تمسك بي و اتسعت عيناه من القلق، لكنه أومأ برأسه موافقًا و أسنانه تصطك معا

" أنا أعلم يا ماما، بابا سوف يجدنا"

قبلت قمة رأسه أحاول أن أبتسم رغم أن وجهي شاحب من البرد..

" هذا صحيح يا عزيزي ،فقط لفترة أطول قليلاً و سنكون آمنين بين ذراعي والدك "

كنت أسير عبر الغابة المغطاة بالثلوج جنبًا إلى جنب مع كايل و ويليام، يحمل كل واحد منا مصباحًا يدويا و يلقي أشعة مخيفة من الضوء عبر الظلام..

"لا يمكن أن يكونوا بعيدين الآن، متأكد أنهم لم يأخذوهم،ابقوا أعينكم مفتوحة يا شباب "

أومأ كايل و ويليام برأسيهما و كانت أنفاسهما مرئية في الهواء البارد، إنهم يرتدون معاطف و قبعات سميكة، الجو فعلا بارد و كل تفكيري و زوجتي كيف حالهما الآن.. لمس كايل كتفي يطمئنني

"ضباط الشرطة منتشرين في جميع أنحاء الغابة، دعنا نأمل أن يجدوا أثرا لهما "

بينما واصلنا بحثنا، دنى مني ضابط للشرطة يتحدث على عجل

" وجدنا شيئا "

اندفعت نحو إشارة الضابط و قلبي ينبض بعنف خشية مما سأراه، انحنيت على الأرض و التقطتها..

"هذه محفظة يوهان، كانوا هنا"

أومأ ضابط الشرطة

" دعنا نواصل التحرك في هذا الاتجاه"

تمر الساعات بينما نسير عبر الثلج قلبي يتألم لكنه يرفض الاستسلام.. انفصلت أنا و كايل عن المجموعة نبحث معا..

فجأة، التقط شعاع مصباحي خطا خافتا من بعيد، إنها صورة ظلية تبدو مألوفة، حدقت بعيني ثم لهثت عندما تعرفت على روسلين و يوهان متجمعين معا و كاد البرد و الثلج أن يقضي عليهما..

"كايل، إنهما هما! إنها روسلين و يوهان"

بدون تفكير ثانٍ ركضت نحوهما، و قلبي ينبض بمزيج من الارتياح و الخوف على سلامتهما

تتبعني يضيء مصباحه اليدوي طريقنا،عندما وصلنا إليهما امتلأت عيوني بالدموع عند رؤيتهما في مثل هذه الحالة الضعيفة..

"روس، يوهان"

سقطت على ركبتي بجانبهما و لففت ذراعي حولهما ابتسمت روسلين ابتسامة ضعيفة و شفتاها ترتجفان من البرد

"آرام... ظنت أنني لن أراك مرة أخرى..."

احتضنت إبني لصدري الذي لا يتحدث من البرد و صوتي مختنق من العاطفة

" أنت آمنة الآن يا حبي، نحن ذاهبون إلى المنزل، بني أنت بين ذراعي"

أشرت لكايل

" كايل، علينا أن ننقل يوهان إلى سيارة الإسعاف على الفور إنه بارد جدا"

أومأ كايل برأسه و هرع يرفع يوهان بلطف بين ذراعيه و غطاه بمعطفه و شبلي الصغير احتضنه يرتعش..

"حصلت عليه، آرام دعنا نذهب "

أنا الآخر احتضنت روسلين بين ذراعي و جسدي يرتجف بين مزيج من الراحة و القلق، خلعت معطفي و و ضعته حول جسد روسلين المرتعش محاولًا تدفئتها قدر استطاعتي..

"ستكونين بخير حبيبتي، تحملي قليلا فقط "

ابتسمت بضعف و قبضت أصابعها على حواف المعطف
ضممتها لصدري أكثر حذر في خطاي حتى لا أنزلق و أؤذيها و كل خطوة هي معركة ضد البرد القارس ، و أثناء سيري اخترق صوت الوغد ماثيو أذني..

"حسنا ، حسنا ماذا لدينا هنا؟"

اللعين كان يحمل في يده سلاحا ناريا وجهه نحوي

" إذن أنت المسؤول عما حصل لزوجتي و ابني "

وجه المسدس بغضب نحوي

"أخذتها بعيدا عني يا آرام ،روسلين كانت لي ، كنا سنكون متزوجين، حتى ابني فقدته بسببكما "

أمسكت روس بذراعي بقوة جعلتني أشعر بخوفها يتدفق بداخلها، لن أدع أي شيء يحدث لعائلتي..

" لسنا مسؤولين عن شيئ، أنت تدفع ثمن أفعالك "

"لن تغادرا من هنا، ستدفنا في الثلج "

أنزلت روسلين و وضعتها خلفي تتمسك بكنزتي و ترتجف من الخوف و البرد..

"هل تعتقد أنه يمكنك أخذ كل شيء مني؟"

" لأنك غبي فاشل "

ارتفعت أصواتنا و الغضب و اليأس في كل كلمة، وصل التوتر إلى نقطة الانهيار..دفعت روسلين للخلف فور أن تهجم ماثيو علي و كان سيطلق النار لكني تشابكت معه حتى دوى صوت طلقة نارية ،رصاصة تمزق طوال الليل و تضرب ماثيو في صدره ،ترنح إلى الوراء و عيناه متسعتان من الصدمة قبل أن ينهار في الثلج..تحت صرخة روسلين التي هرعت نحوي تتفحص جسدي

" آرام أنت بخير، لست مصاب، أجبني "

طمأنتها أني سالم ثم جثوت أمام ماثيو الذي كان ينزف ، تحسست نبضه و من الواضح أن الرصاصة لم تحدث إصابة خطيرة..رفعت عيني فور أن تقدم رجال الشرطة إلى المكان..

" آرام.. "

٭٭٭٭٭٭٭

بعد ثلاث ساعات فتحت روسلين عينيها ببطء تتكيف رؤيتها مع الضوء الناعم لغرفة المستشفى و تتخلص من بقايا النوم
ساد الذعر لفترة وجيزة على وجهها حتى أدارت رأسها و رأت يوهان في السرير المجاور لها..

" ماما،أنت مستيقظة "

غمرت موجة من الراحة وجهها و هي تمد يدها لتداعب يده

"أنا هنا يا حبيبي، أنا سعيدة لأنك بخير"

ابتسمت بسعادة و أنا أراهما أمامي بخير، أرجعت بضع خصلات من شعرها خلف أذنها

"أنت مستيقظة حبيبتي، الشكر للرب "

تشابكت أصابعي مع خاصتها تهمس

" نحن معا حبيبي و يوهان آمن، كنا خائفين"

" شش،لا شيء آخر يهم طالما أنكما معي "

مع شعوري بالارتياح من لم شمل عائلتي اجتاحتني موجة من الخوف و تذكرت طلقة الرصاص و منظر ماثيو و هو يسقط و احتمال أن يكون آرام قد قتله، ارتجفت أنظر إلى آرام بعيون مليئة بالدموع..

"آرام، أتذكر... أتذكر الرصاصة، هل... هل قتلته؟"

أخذ نفسا عميقا و مد يده إلى يدي ممسكا بها بلطف

"كان علي أن أحمينا يا روسلين، لكن... ماثيو لم يمت و هو في العناية المركزة، يقول الأطباء أن حالته مستقرة"

"لا أريدك أن تذهب إلى السجن، لا أستطيع أن أخسرك"

اقتربت منها ألف ذراعي حولها أقدم لها الراحة و الطمأنينة

"فعلت ما كان علي فعله للحفاظ على سلامة عائلتنا، سأفعل كل ما يلزم لحمايتك و يوهان و طفلنا القادم"

بينما كانت تتدفق دموعي بحرية دخل ضابط الشرطة، الضابط دانيلز و هو صديق لآرام و من الواضح أنه ممزق بالمهمة الصعبة التي تنتظره، وجهه يحمل ثقل الموقف

"آرام... أنا آسف جدا"

نظر آرام للأعلى و عيناه ممتلئتان بمزيج من الاستسلام و الامتنان لتفهم الضابط دانيلز لتركنا معا لهذا الوقت، تمسكت بآرام أتحدث و أبكي بهستيرية

" لا أرجوك! لا تأخذه بعيدا! لا تأخذه "

تتطابق دموع يوهان مع دموعي يتمسك بذراع آرام

"بابا،من فضلك لا تتركنا "

امتلأت عيون آرام بالدموع و هو يقبل جبيني ثم جبين يوهان، أعلم أنه ممزق الآن..

" أحبكما كثيرا على حد سواء، ابقيا أقوياء من أجلي "

تركتهما معا و خرجت برفقة دانيلز قلبي يتمزق من الألم لأني تركت عائلتي خلفي..

" كايل اعتني بهما من أجلي، لا أعرف إلى متى..."

" لا تتشائم،ذلك الوغد لم يمت "

رافقته لمركز الشرطة و تم احتجازي في انتظار ذلك الحقير ماثيو أن يتستعيد وعيه، و ويليام أخبرني أن القضية سهلة لأنها دفاع عن النفس...

قضيت يومين في السجن،و اليوم ستأتي روسلين للزيارة، لم أكن أريدها أن تدخل هذه القذارة و لكنها أصرت..

عندما اقتربت من الزنزانة، اندفعت للأمام تفصل بيننا القضبان المعدنية الباردة.. همست بصوت مليء بالشوق

"روس ..."

تجمعت الدموع في عينيها و هي تمد يدها عبر القضبان أمسكت بيدها و تشابكت أصابعنا في قبضة يائسة و مشتاقة

"أكره رؤيتك هكذا حبيبي "

ضغطت على يدي بقوة

"آسف جدا عسلي، لم أكن أريد أيا من هذا أبدا"

فتح الشرطي الباب لترتمي في أحضاني أستنشق رائحتها بعيدا عن رائحة قذارة هذا المكان ..

"لم أكن أريدك أن تتنفسي في هذا المكان "

"أريدك فقط أن تعود معنا لمنزلنا "

همست و هي تمسك صدري بقوة

"أريد ذلك أيضاً، أكثر من أي شيء آخر "

جعلتها تجلس على ساقي و يدي تستقر على بطنها طفلنا،أشعر بالحياة داخلها..

"هل صغيرنا بخير؟"

سألت و عيني مثبتة على عينيها بحثًا عن الطمأنينة، أومأت برأسها و الدموع تتلألأ في عينيها

"بلى ،طفلنا قوي و صحي تماما مثل والده"

لقد جلبت كلماتها الدموع إلى عيني لكنني قاومتها في تلك اللحظة، مع القضبان و الجدران الخرسانية بدا حبنا أقوى من أي وقت مضى..

٭٭٭٭٭٭٭

عندما خرجت من بوابة مركز الشرطة كان الشعور بالحرية غامرا، أربعة أيام خلف القضبان كانت تبدو و كأنها دهر، أخيرا أنا حر بعد إصدار المحكمة الحكم بأنه كان دفاعا عن النفس خاصة بعد انتشار الأخبار التي أكدت أن ماثيو ألبير متورط مع جماعات مافيا و هروبه من المستشفى بالأمس، الآن مع كل خطوة كنت أقترب من عائلتي، بالكاد أستطيع احتواء حماستي..

كانت هناك روسلين تنتظرني مع يوهان و أفراد العائلة كلهم،لقد بدوا مثل شعاع الشمس في الشوارع العادية، تضخم قلبي من الفرح عندما رأيت وجوههم تضيء عندما رأوني..

اندفعت نحوهم و ذراعاي مفتوحتان على مصراعيهما فبدأ يوهان في الركض، اصطدم بساقي فحملته بين ذراعي، و رفعته عالياً في الهواء، تردد صدى ضحكاته في الشوارع، و لم أستطع إلا أن أضحك معه..

"لقد عاد بابا "

صرخ يوهان و هو يلف ذراعيه الصغيرتين حول رقبتي

"نعم يا شبلي لقد عاد بابا "

قلت و الدموع تترقرق من عيني، لقد احتضنته بشدة لم أرغب أبدا في تركه..

اقتربت روسلين و عيناها تلمعان بدموع الارتياح، مدت يدها و لمست وجهي كما لو كانت تتأكد من أنني كنت هنا حقا، ثم قبلتني

"انتهى الأمر يا آرام ، نحن معا مجددا "

همست و قد امتلأ صوتها بمزيج من الفرح و الامتنان،عدنا إلى المنزل يدا بيد ، لم أستطع إلا أن أخطف النظرات إلى روسلين و يوهان بينما كنا نسير مستمتعين بمتع الحياة و صوت ضحكاتهما و الشعور بالحرية ...

بعد أن تحدثت قليلا مع عائلتي دخلت إلى غرفة نومي و كانت الراحة المألوفة في مساحتنا تعانقني بعد تلك الأيام ، رائحة غرفتي و التوهج الناعم للمصابيح و منظر سريرنا أنا و روسلين كل ذلك بدا و كأنه ملاذ، لكنني كنت لا أزال أحمل ثقل السجن معي..

أغلقت روس باب غرفة جناحنا خلفنا و كانت عيناها ممتلئتين بالشغف و الحنان، مددت يدي و قادتني إلى الحمام حيث بدأت في تشغيل الماء الدافئ للاستحمام..

"دعني أساعدك"

قالت بهدوء و كان صوتها بلسما مهدئا لروحي المنهكة، خلعت ملابسي ببطء و شعرت بالتوتر المستمر في عضلاتي و عندما بدأ الماء يتدفق إلى الأسفل، دخلت إلى الحمام، كان دفئها بمثابة لمسة شفاء تغسل الندوب العاطفية التي خلفتها أيام حبسي..

دخلت روس معي إلى الحوض و بدأت في وضع الصابون على الإسفنجة، و بأقصى قدر من العناية و الحب بدأت تغسل أيام المشقة ، تحركت يديها اللطيفتين على جسدي، و كل لمسة منهما تذكرني بأنني في المنزل بين أحضان زوجتي..

أغمضت عيني و سمحت للماء أن يغمرني و لمستها لتهدئة روحي ، لقد كانت لحظة حميمة، ليست جسدية فحسب بل عاطفية أيضًا حيث كانت بمثابة إعادة تواصل مع زوجتي بعد المحنة التي مررنا بها..

" اشتقت اليك كثيرا ،عسلي"

همست بصوتي المتقطع من العاطفة..لتجيب بصوتها المليء بالحب

"اشتقت لك أيضا حبيبي و اشتقت لقبلاتك "

مع استمرار الماء في تطهيري شعرت بالتجديد ليس فقط في جسدي بل في روحي أيضا، سحبت روس أقبلها أروي عطشي لها و كانت قبلاتها كافية لشفاء حتى أعمق الجروح...

كان شوقي إليها بمثابة نار مشتعلة في أعماقي، رغبة زادت قوة خلال أيام فراقي، مددت يدي إليها فأتت إلي عن طيب خاطر مثل الفراشة المنجذبة إلى اللهب ،أمسكت بها بين يدي، و وجهها على بعد بوصات من وجهي، و اختلطت أنفاسنا في سكون اللحظة..

في أعماق عينيها رأيت عالما من المشاعر انعكاسًا للحب الذي دعمني خلال أحلك ساعاتي ،كانت شفتاها القريبة جدًا من شفتي تغريني، و لم أستطع مقاومة إغراءها. قبلتها بشغف نقل كل الكلمات التي لم تقال خلال فترة بعدنا...

كان جسدها يضغط على جسدي و كان دفءها يذيب برد الماضي و احتضنتها كما لو كانت أكثر الكنوز هشاشة همست بحبي في أذنها ،الكلمات كانت سيمفونية الشوق و الإخلاص....

"عسلي، أنت نوري في أحلك الليالي و أملي عندما بدا كل شيء ضائعا و حبي الذي لا يعرف حدودا ،بوجودك يا حبيبتي بين ذراعي أنا كامل مرة أخرى "

بدا أن الوقت قد توقف بينما تعانقنا و تشابكت أرواحنا في رقصة من الرغبة و المودة، في تلك اللحظة تلاشت كل آلام و تجارب الماضي و أصبحت تافهة لأنني كنت أملك أغلى هدية بين يدي ، حب المرأة التي حملتني خلال العاصفة و التي أصبحت الآن بين ذراعي، الهدوء بعد العاصفة، و تحقيق كل أحلامي...

" حبيبي، يبدو الأمر كما لو أن الوقت قد استسلم لحبنا، وجودك يحرك روحي، أحبك "

واصل تدليك بطني بحنان، و لمسته تلك ترسل الرعشات أسفل عمودي الفقري

"لأني في عينيك أجد كواكب ألف مجرة، كل واحدة منها شهادة على الحب اللامحدود الذي أكنه لك يا عسلي "

و بينما واصل تدليك بطني كانت يديه بلسما لطيفا للانزعاج الذي أصابني..

"لمستك لحن مهدئ لروحي ،كما لو أن يديك تحملان سحر الشفاء"

ابتسم بحرارة و حبه واضح في عينيه..

"أريد فقط أن أخفف ألمك يا حبيبتي، طفلتنا الصغيرة تستحق كل الراحة في العالم"

وصلت إلى يده أوجهها إلى حيث تتحرك ابنتنا التي أصر هو و يوهان أنها فتاة..

"إنها تعرف لمسة والدها حتى قبل ولادتها"

ظلت لمسة آرام باقية و رسمت دوائر دقيقة على بطني أغمضت عيني، مستمتعة بالحميمية المشتركة في هذه اللحظة ..

"بابا"

التفتت لأرى شبلي يقف هناك أمام الباب و بدون أن ينبس ببنت شفة، اندفع نحو السرير و تسلق بشغف لا يمكن أن يمتلكه سوى طفل، دفن نفسه بجواري حتى لا يزعج روس..

كان قلبي يؤلمني عندما ضممته بالقرب مني و شعرت بالشوق إليه و هو الآخر لم يتركني بتاتا كأنه شعر بالفراغ الذي تركه غيابي في أيام الحبس تلك..

نظرت إليه و أسند رأسه إلى صدري

"اشتقت إليك يا شبلي،أحبك كثيرًا"

كان رده بسيطا و صادقا

"أنا أحبك أيضا بابا،بطلي"

بينما واصلت مداعبة بطن روسلين و ضم يوهان بالقرب مني أدركت أن هذه اللحظة مع زوجتي و طفلي بين ذراعي، كانت التعريف الحقيقي للمنزل و السعادة، لقد كان بمثابة تذكير بأن الحب و العائلة هما أثمن الكنوز التي يمكن أن تقدمها الحياة...

" أحبكما "

بينما كنت أنجرف في سبات هادئ واصل آرام اللعب بشعري، بأصابعه اللطيفة و المحبة تحدث بهدوء و كانت كلماته همسة صادقة

"شكرا لك يا رب لأنك أعدتني لعائلتي،و لمباركتنا بهذه الحياة الجميلة التي تنمو بداخلها ،لا أستطيع أن أتخيل عالما بدون ضحكتها و حبها و البهجة التي تجلبها إلى منزلنا هي و شبلي "

كان صوته يرتجف من العاطفة ،تحركت قليلاً و شعرت بعمق امتنانه و حبه، لم تتوقف أصابعه عن رقصها الهادئ عبر شعري..

"أعد بأن أعتز بكل لحظة معها، مع أطفالنا،أعد أن أكون أفضل شريك و أب يمكن أن أكونه"

في تلك اللحظة الهادئة الرقيقة شعرت بدفء إخلاصه، و تدفقت دمعة السعادة في عيني المغمضتين، بوجود آرام بجانبي و طفلنا كان حبنا و عائلتنا نعما تستحق أن نشكر الرب عليها ...

٭٭٭٭٭٭٭

كانت الليلة شديدة البرودة و الثلج يتساقط على شكل رقائق كثيفة حجبت رؤيتي ،كنت أنتظرها بعد اتصالها الأخير، البارحة هربت من المستشفى بعد قرار المحكمة بسجني،لم يمضي كثير من الوقت حتى وجدتها أمامي

" ما الذي أتى بك إلى هنا يا هيلدا؟ ما الذي ستخبريني به؟"

تلعثمت في كلماتي من آثار الخمر

"أحتاج إلى مساعدتك يا ماثيو ،لدي خطة و أريدك أن تكون جزءا منها"

رفعت حاجبي و ظهرت ابتسامة شريرة على شفتي

"أوه، أنا مفتون ،ماذا يدور في ذهنك؟"

أشارت إلي و همست بمخططها في أذني كان الكحول الموجود في أنفاسها مسكر في حد ذاته..

"حسنًا يا هيلدا، فلنفعل هذا"

اتفقنا على الخطة ثم صعدنا إلى سيارتها السوداء، عاد المحرك إلى الحياة و انطلقنا مسرعين في الليل، عبر الطرق المغطاة بالثلوج..

فجأة، انزلقت السيارة و انحرفت و لم تتمكن الإطارات من العثور على قوة جر على السطح الجليدي، ملأ الذعر الهواء و نحن ننحرف عن الطريق، و العالم يدور في حالة من الفوضى بنا..

كان الاصطدام وحشيا حيث تحطم الزجاج و كان صوت الاصطدام يصم الآذان ، لا أعرف ما حصل لكني لم أفقد وعيي كليا،حولت أنظاري صوب هيلدا لكنها كانت ترقد بلا حياة وسط حطام السيارة و وجهها مشوه.

استيقظت أشعر بكل آلام العالم في جسدي،لا أعرف كم لبثت و أنا فاقد للوعي،،كنت أرقد في غرفة معقمة بالمستشفى و كان جسدي متضررا من الألم...

و بينما كنت أكافح من أجل استعادة وعي ،انفتح باب غرفتي و دخلت أمي و أوليفيا و لا وجود لآغنيس و هيوغو،كانت وجوههما محفورين بالقلق و الألم..

"ماثيو"

هرعت أمي إلى سريري و الدموع تنهمر على وجهها و هي تمسك بيدي

" بنيّ،كنا خائفين للغاية عندما سمعنا عن الحادث"

وقفت أوليفيا في مكان قريب و قد احمرت عيناها من البكاء لم تستطع أن تتكلم،أعلم أن قلقها كان أني لن أؤمن المال لها من جديد..

"لم أقصد أن يحدث أي من هذا،أين هيوغو و آغنيس؟"

اغرورقت عينا أمي بالدموع و هي تمسح على شعري

"لا بأس يا ماثيو ،لا تشغل بالك بهما "

" أين هما؟ "

نظفت أوليفيا حلقها و تحدثت

" آخذا كل المال المتبقي و غادرا للنرويج "

أغمضت عيني بغضب كبير، سأريهما لاحقا

" ماذا حصل لي في الحادث؟ "

كان صوت أمي يرتجف

"قال الطبيب... قال وجهك و... وأعضائك الذكرية... إنها مشوهة يا ماثيو"

اتسعت عيوني من الصدمة و نظرت إلى شكلي المضمد غير قادر على رؤية مدى الضرر، غرق قلبي و غمرني شعور عميق بالخوف..

ضغطت أمي على يدي بقوة و كان صوتها هامسا

"سيكون الأمر على ما يرام يا ماثيو. سنتجاوز هذا معا"

طلبت منهم أن يغادروا و بقيت لوحدي،كنت مستلقيا بلا حراك على سرير المستشفى و شعرت بثقل أفعالي الماضية يثقل كاهلي مثل الألم الذي يسري في جسدي المكسور المحطم، شعرت أن الغرفة هي نفسها تشعر بالاختناق، و يبدو أن جدرانها البيضاء السريرية تقترب مني..

لقد جعلني هذا الحادث عاجزا تماما، و هو تناقض حاد مع الشخص المتغطرس و المسيطر الذي اعتدت أن أكونه، لعبت صور وجه روسلين المليء بالدموع مثل بكرة فيلم مؤرقة في ذهني...

إن إدراك الألم الذي سببته لها و لزوجها صدمني أكثر من أي إصابة جسدية على الإطلاق...

كان الندم ينخر في روحي و يلوي أحشائي بألم أعمق من أي كسور في داخلي ،تمنيت أن أعود بالزمن إلى الوراء، و أتراجع عن القرارات الأنانية التي حطمت حياة من أهتم بهم، لكن الزمن لا يرحم و لن يقدم لي مثل هذه الرحمة..

وحدي مع أفكاري تصارعت مع الحقيقة الصارخة لأفعالي ، و كل لحظة امتدت إلى أبدية من الندم، أدى صمت غرفة المستشفى إلى تضخيم أصداء ندمي، و بدا أن أجهزة المراقبة تسخر من دقات قلبي الضحلة المليئة بالذنب..

بينما كنت مستلقيا هناك، محطما جسديا و روحيا، كنت أتوق إلى الحصول على فرصة للتعويض، و أن أنقل بطريقة أو بأخرى أعماق ندمي إلى روسلين و آرام. لو أمكنني فقط أن أحصل على فرصة لطلب مسامحتهما، لأظهر لهما التغيير الذي يتجذر في داخلي، لكن في الوقت الحالي بقيت محصورا في سجن من صنعي، أتصارع مع عواقب خطاياي الماضية..

حطمت طرقة حادة على باب الغرفة الصمت الثقيل، معلنة وصول ضابطين يرتديان الزي الرسمي، كانت تعبيراتهما الصارمة و خطواتهما الهادفة بمثابة إشارة إلى بداية حسابي، لمعت أضواء الفلورسنت عن شاراتهما، و ألقت وميضا اتهاميا زاد من سوء وضعي...

أومأت برأسي و قد اجتاحني شعور بالاستسلام ،لقد ظهرت أخيرًا نتيجة أفعالي..

"أنت رهن الاعتقال بسبب تورطك مع المافيا و محاولة اختطاف السيدة إيلايجا و إبنها و أيضا تهمة الإبتزاز "

قال الضابط و كانت الكلمات ترن مثل مرسوم مشؤوم في الغرفة المعقمة، تقدم مني و قيد يدي بالسرير، كل نقرة معدنية أثناء إغلاق الأصفاد كانت بمثابة صدى لإغلاق فصل في حياتي، فصل ملطخ بالندم و الآثام..

٭٭٭٭٭٭٭


استلقيت في غرفة الولادة على سرير المستشفى و كان وجهي محمرا بمزيج من الخوف و الألم و كانت التقلصات تسري في جسدي، بجواري كان يتواجد كايل يمسك بيدي و وجهه محفور بالخوف على وشك أن يبكي...

" أستي، أنا خائف جدا ، ماذا لو حدث خطأ ما؟ ماذا لو لم أكن مستعدا لأكون أبا ؟ "

تألمت بسبب التقلصات أهدئ المغفل الذي بجانبي و إلا سيموت هنا و تصبح طفلتي يتيمة قبل ولادتها

" من الطبيعي أن تشعر بالخوف، أنا أيضا خائفة و لكننا سنتجاوز هذا "

" أجل، أجل، ستكون طفلتنا جميلة و مبهرة مثلي، أعني أنني أجمل رجل في العالم "

ابتسمت رغم آلام المخاض

" كايل، هذا ليس الوقت المناسب لغرورك، أنا من يقوم بكل العمل الشاق هنا "

أرجع خصلات شعري المتعرق للخلف يبتسم

" أنت على حق تماما يا صديقتي، أنا فقط أحاول تخفيف آلامك "

قضبت على يده بقوة مع استمرار التقلصات، امتلأت الغرفة بمزيج من الألم و الحب و الرابطة غير القابلة للكسر بيننا، في هذه اللحظة الضعيفة، أدرك كلانا أننا معا نستطيع التغلب على أي خوف، و أن وصول طفلتنا سيكون بداية جديدة و جميلة في حياتنا.....

٭٭٭٭٭٭٭

وقفت بجوار الشرفة أحدق في العالم الغارق في الوهج الدافئ للشمس الدافئة، نسيم لطيف أشعث شعري بهدوء بينما انجرفت أفكاري إلى وقت طويل مضى..

للحياة طريقة غريبة في مكافأتنا، أليس كذلك؟

دخل آرام إلى حياتي كنسيم لطيف، جالبا معه نوعا من الحب الذي يمكن أن يشفي كل الجراح..

ارتسمت ابتسامة رقيقة على زوايا شفتي
لقد ضربني سهم الحب بقوة لدرجة أنني تركت أنفاسي مندهشة ،كان الأمر كما لو أن كل الحب الذي عرفته من قبل كان مجرد رذاذ مقارنة بالعاصفة التي أشعلها آرام بداخلي ،حبه المنبعث من أعماق كيانه حطم الجدران التي بنيتها بعناية حول قلبي.. آرام صخرتي، خلاصي، حبه اخترق كل الجدران و أصاب هدفه تماما..

أغمضت عيني للحظات تاركة الذكريات تغمرني مثل مطر لطيف في يوم صيفي، كانت كل ذكرى حية محفورة في ذهني مثل فسيفساء من الفرح و العاطفة..

الطريقة التي كان ينظر و لازال ينظر إلي بها مليئة بالعشق، آذابت كل جليدي، معه اكتشفت ما يعنيه حقا أن أكون إمرأة محبوبة، محترمة و عزيزة...

بصراحة لا أستطيع أن أعبر بالكلمات عن عمق هذا الحب لأنه يتجاوز حدود اللغة و لكن كل لمسة ،في كل مرة تلتقي فيها أعيننا و كل لحظة مشتركة تشعل نارًا بداخلي لم أكن أعتقد أنها ممكنة أبدًا ،إنه الحب الذي يجعلني أشعر أنني على قيد الحياة، و هذا يجعل قلبي يغني و يرقص على لحن لا يستطيع أن يؤلفه إلا آرام.. حبه مثل التوهج الدافئ الذي يتخلل كل ألياف كياني..

الحب قوة جبارة، قادرة على شفاء الجروح التي اعتقدنا أنها دائمة، لقد منحني حب آرام إحساسًا متجددًا بالأمل و سببًا للاعتقاد بأن السعادة ليست حلمًا بعيد المنال، بل حقيقة ملموسة..

و ها أنا ذي ،أستمتع بالوهج اللطيف لحضن الحب الدافئ، لقد كافأتني الحياة بالفعل بالحب النقي و الصادق. و بينما أقف هنا، أنظر إلى هذا العالم الجميل، أعلم أن الحب هو أعظم هدية على الإطلاق...

أخذت نفسًا عميقًا أخيرًا ، قلبي يفيض بالامتنان.. بوجود آرام بجانبي أنا مباركة حقا...

انفتح باب الجناح و دخل يوهان و مالينا تشيري، نعم أنجبت فتاة مثلما كان يريد الأب و شبله و لأكون صريحة هي تشبهني شكلا لكن أفعالها مثل والدها و كايل ، اقتربا مني و ابتسامات مشرقة على وجهيهما..

" ماما أحضرت لك باقة الأزهار الجميلة هذه، إنها منعشة "

التقطت الباقة أستنشقها و وضعت قبلة على جبينه ، التففت لمالينا التي سحبتني من ذراعي..

" ماما،ماما،وجدت خنفساء في الحديقة،هل يمكننا الاحتفاظ بها يا ماما؟ إنها تشبه ميراكيلوس "

أضاء وجهي عند رؤية سعادتهما، ركعت إلى مستواها

" بالطبع يا حبيبتي، أنتما الاثنان تنجحان دائما في جلب الكثير من الفرح إلى حياتي"

تبادل يوهان و مالينا نظرة مرحة ثم ألقو أذرعهم الصغيرة حولي في عناق شديد ليتحدث يوهان

"تماما كما قال بابا،عناقنا يجعل كل شيء أفضل "

ضحكت مالينا تلعب بشعرها

" و أنا أخبرني بابا أن أخبرك أنه يحبك و يعشقك "

تضخم قلبي بالحب..

"هل فعل ؟ حسنا ،من المؤكد أن والدك يعرف الطريقة التي يذيب بها قلبي "

بمجرد أن أنهيت جملتي دخل الجناح آرام يغمزني بمكر

"عسلي، أنا أذيب أشياء أخرى و ليس قلبك فقط"

وقفت أبتسم، دنوت منه و لكمته لصدره برفق

" الأولاد هنا، سيد إيلايجا، أخبرني ماذا فعلت لأستحق مثل هذا الرجل الساحر في حياتي؟"

لف ذراعيه حول خصري

" أنت يا عسلي تستحقين العالم، كل ثانية أقضيها معك هي كنز لا يمكن قياسه "

وضعت رأسي على صدر آرام أتنفس في حضوره المريح..

"و أنا ممتنة إلى الأبد لكل لحظة أشاركها معك و مع أولادنا،حبنا هو أعظم مكافأة أنعمت بها علي الحياة"

تشاركنا في قبلة رقيقة، بينما سمعنا ضحك يوهان و مالينا أمامنا

" مالي لنغادر،دعينا نترك ماما و بابا لوحدهما، إنهما يفعلان الأشياء الطرية"

غطت مالينا فمها تضحك بشقاوة

" نعم لنغادر،لا أريد أن أكون سيئة و أقاطع لحظة حب جميلة "

خرجا من الغرفة يضحكان و تركانا نقهقه

"من المؤكد أن هذين الاثنين لا يعرفان معنى الأشياء الطرية "

احتضنت ذراعه

" يوهان عبقري و يعرف كل شيئ حبيبي، و شيطانتك الصغيرة أراهنك أنها ورثت انحرافك "

ضحكت من كلامها و أخرجت العلبة التي أحضرتها لها،قدمتها لها و تلقتها بلهفة ، فتحتها لتجد قارورة عطر مزينة بشكل جميل و أنيق عليها اسم " أرالين " ،كانت ممسكة بزجاجة العطر لم أستطع إلا أن أشعر بترقب من رد فعلها

"روس"

صوتي ثابت و لكن مليئ بلمحة من الإثارة ، صنعت لها هذا العطر لأنها دائما تحب مزج عطري مع خاصتها

"أردت أن أشاركك شيئا خاصا، قمت بدمج عطري Lost Cherry وTiara لإنشاء هذا العطر الفريد و هو مزيج يعكس الانسجام و الاتصال بيننا ،آرالين يجسد جوهرنا معا "

فتحت فمها سعيدة بهذه الهدية

"تمثل النغمات العميقة و الغنية لـ Lost Cherry القوة و العمق لحضوري معك بينما ترمز النغمات الرقيقة و الرائعة لـ Tiara إلى أناقتك و سحرك، معا يشكلان تناغما يعكس علاقتنا"

احتضنتي بقوة تكاد تسقطني

"إنه تكريم للحظات التي شاركناها، و الضحك، و التشابك الدقيق لحياتنا "

"آرام،هذه الهدية أكثر من مجرد عطر؛ إنها سيمفونية لقصتنا مزيج جميل من "أنت" و "أنا" متشابكين في كل قطرة،،أنا أعتز بالطريقة التي يجسد بها Lost Cherry قوتك و شغفك، و يتردد صداها مع عمق كيانك و تيارا دائما كان جزءا مني، فهو يرمز إلى النعمة و الأناقة "

اعترفت بدفء لطيف في لهجتها

"أحببت الطريقة التي تجتمع بها هذه الروائح معا، تماما كما نفعل نحن في لحظاتنا الخاصة،في كل لحظة كان اندماج جوهرنا الفردي هو ما جعل رحلتنا سحرية للغاية "

ختمت كلامها و عينيها تتحدثان عن الكثير من المودة

"أحبك لأنك رأيت الجمال في اختلافاتنا و توحدهما بطريقة فريدة و مدروسة"

كنت سأتحدث لكنها قاطعتني

" و أنا أيضا لدي شيئ لك "

" أين هو؟ "

ضحكت و هرعت نحو الباب مغادرة

" ابحث عنه بنفسك سيد بوجي إيلايجا "

هرعت هاربة و تركتني لوحدي في الجناح، تبعتها بعد لحظات لكني لم أعثر عليها...وجدت يوهان و مالينا تشيري في الحديقة ينتظرانني... تمسكت صغيرتي برجلي تضحك بشقاوة

" بابا ، بابا لدينا رسالة لك من ماما و لكن لن أدع يوهان يسلمها لك حتى تلعب معنا في حفلة الشاي "

حدقت في يوهان الذي حرك كتفيه باستسلام لأننا تحت رحمتها الآن...

"قودي الطريق آنسة تشيري "

صفقت بيديها متمسكة برجلي لا تتركني أتمشى جيدا ، تكون سعيدة جدا عندما أناديها بتشيري و ليس إسمها الكامل..

قادتنا إلى ركن قصرها الصغير في الحديقة.. حيث قامت بترتيب دماها المفضلة و حيواناتها الفخمة في دائرة أنيقة و تم وضع طقم شاي ملون أمامنا..

بينما اتخذنا أماكننا على الكراسي المصغرة، لعبت تشيري دور المضيفة اللطيفة، حيث كانت تصب الشاي غير المرئي بمنتهى الجدية، كانت ضحكاتها معدية و كنا نلعب بنفس القدر من الحماس، و نرتشف الشاي الوهمي من أكواب صغيرة..

"بابا ، عليك أن تستخدم إصبعك الخنصر هكذا"

ابتسمت و قمت بتمديد خنصري بشكل مبالغ فيه أثناء الاحتساء، مما أثار موجة من الضحك منا جميعا.. قبلها يوهان على جبينها يشكرها على ضيافتها

"مالي،أنت تصنعين أفضل أنواع الشاي إنه ببساطة لذيذ،شكرا لك "

ابتسمت مسرورة بهذا التقدير..

" أعلم، ماما علمتني "

في هذه اللحظة البسيطة محاطا بحب أولادي أدركت أن قصرنا لم يكن مجرد هيكل من الطوب و الحجر؛بل كان ملاذا مليئا بدفء قلوبنا ،كان رابطنا غير قابل للكسر و حبنا لا يقاس و كانت لحظاتنا العائلية هذه هي أثمن الكنوز على الإطلاق...

بعد احتساء الشاي الوهمي و اطمئناني على أحفادي من الدمى المحشوة رضيت الآنسة تشيري أن يقدم لي يوهان رسالة روسلين، تركتهما يكملان اللعب و ابتعدت عنهما....

فتحت الرسالة لأجد داخلها قطعة قماش صغيرة مطرزة بتصميم معقد لكرزتين، ابتسمت و تذكرت فورا كرزتي الشهيتين، على ظهر القماش رسالة صغيرة تشير إلى أنه يجب علي العثور على عناصر أربع لأجد مكانها، و العناصر هذه مبعثرة في جناحنا، عدت مهرولا للجناح و أول ما لفت انتباهي هو زهور كرز كانت فوق طاولتها، اقتربت منها لأجد على الزهرة الاولى بطاقة صغيرة..

" حبيبي البطل،أحسنت "

ابتسمت أردد

" زهور الكرز يا عسلي، لو تعرفين أين ذهب تفكيري "

قربت الزهور لأشمها غير أن هذه ليست رائحتها الأصلية و إنما رائحة عطر روسلين تيارا

"جرعة حب، هذا العطر على جسدك يا عسلي يسمم حواسي "

التقطت قارورو العطر لأجد كتابة أسفلها..

" مثل عمق الجمشت حبنا صادق،بيني و بينك سمفونية الأحلام، عبر الزمان و المكان ، في كل الأحوال الجوية،حبنا جوهرة تجمعنا "

ابتسمت من أفكارها هذه التي جعلتني أقبع هنا لساعتين أفك رموزها مشتاق لها، لحظة، قالت الجمشت، علي أن أبحث في مجوهراتها.. توجهت نحو غرفة الملابس و توجهت تحديدا لأدراج مجوهراتها، وجدت صندوق بنفسجي جميل، فتحته لأجد داخله مفتاح و ورقة فتحتها و بدأت أقرأ

"في الظلمة العميقة يكمن السر المخفي
تحت ضوء القمر الهادئ و النجوم المتلألئة.
رمزٌ للغموض و الإثارة و القوة الخفية،
هو شيء لا يمكن لأحد أن يراه لكن أنت تفعل
حيث يتلاقى الظلام مع الضوء،
وجود شيء لا يمكن الوصول إليه يُحس.
تلك اللمسة الخفية ترمز لأمور لا يفهمها الجميع، تُخفي القوة التي تحمل أسرارًا لا تُكشف..
كن واثقا و اعثر على الشيء الذي لا يرى،
رمز السرّ الذي يبقى مخبأً بعيدًا عن الأعين إلا أعينك.. "

انفجرت ضحكا، لأن الشيئ الوحيد الذي أراه أنا و لا يراه غيري هو جسدها و كرزتي، عسلي تريدني الآن و أنا مثل الأحمق أضعت ساعتين من المتعة.. أمسكت المفتاح في يدي و جمعت كل العناصر.. شقت ابتسامة واسعة فمي حينما فهمت المكان الذي تريدني فيه، إنه منزل الضواحي حيث ألبستها خاتمي...

التقطت مفاتيح السيارة و وودعت أطفالي الذين تركتهما مع والدة روسلين لأن أستريد و كايل ليسا هنا و سافرا مع سيريزا ابنتهما إلى إيطاليا في إجازة..

ساعة أخرى أضعتها في الطريق،تبا إنه المساء، عندما وصلت دخلت منزلنا ،كانت هناك أجواء ناعمة و جذابة تحيط بالمكان، في الإضاءة اللطيفة وقفت روسلين أمامي في رؤية ساحرة ،حضورها كان سيمفونية متناغمة من الأناقة، أسرت كل حواسي، كانت ترتدي فستانا يتدفق مثل سماء الليل، رقصة معقدة من درجات ألوان الياقوت التي زينت شكلها بشكل رائع ،سلطت الشمعة الخافتة الضوء على ملامح وجهها مما أضاف لمسة من الغموض إلى ابتسامتها اللطيفة ،كان شعرها متموجا في أمواج حريرية مؤطرًا وجهًا يحمل ترقبًا هادئًا، و عيناها متوهجتان ببريق يعكس النجوم نفسها، كان الهواء مفعمًا بجاذبيتها الجذابة، كما لو أن كل ركن من أركان الغرفة يهمس بحكايات عن سحرها و جمالها، في تلك اللحظة العابرة توقف الزمن أسيرًا بجاذبيتها الفاتنة و اهتزت روحي باندفاع لا يوصف من المودة..

مرت لحظة بإعجاب صامت قبل أن أقترب منها، قابلت نظرتي بطمأنينة لطيفة، و مدت يدها، تدعوني إلى جانبها، عندما اقتربت، كان الهواء يتطاير بطاقة غير مرئية، و أدى قربنا إلى إثارة اتصال غير معلن...

و بدون كلمات احتضنتها أشعر بنعومة ثوبها ضدي، و رائحة عطرها الرقيقة تعانق حواسي، كان الأمر كما لو أن العالم الخارجي لم يعد موجودا، و لم يتبق سوى اثنين منا في هذا الحرم الهادئ..

استمر احتضاننا و نقل أكثر مما يمكن للكلمات أن تفعله، و في هدوء هذه اللحظة المشتركة، تعمقت العلاقة العميقة بيننا و شعرت بنبض قلبها ثابتًا و مألوفًا، حيث كان يردد إيقاعي...

تائهين في راحة وجود بعضنا البعض، تبادلنا القصص دون أن نتحدث، و وجدنا العزاء في الجمال البسيط الذي يجمعنا، تواصلت قلوبنا بلغة لا يعرفها أحد سوانا، لتنسج قصة حب و تفاهم و وعود غير معلنة و بينما كان الليل يحتضننا في حضنه وقفنا متمسكين بلحظة تجاوزت الزمن لأسمعها تردد

" آرام،حبي لك يفوق كل شيء، إنه يتعمق مع الوقت متجاوزًا كل التجارب و السنوات التي مرت بنا ،منذ سنوات مضت في بداية زواجنا و قبله أيضا ، رأيتك كنجم بعيد لامع للغاية و بعيد المنال، بدا أنك موجود في عالم خارج نطاق قبضتي ،و لكن مع تشابك حياتنا أدركت أنك لم تكن نجمًا بعيد المنال. بدلاً من ذلك، أصبحت الضوء الثابت و الموجه الذي أضاء طريقي، و سندي الذي لا يتزعزع، و مركز كوني. أنت الجاذبية التي تحمل عالمنا معا.. أحبك بما يتجاوز الكلمات و أبعد من أي عجائب سماوية، و أبعد من الحياة نفسها، أنت كل شيء بالنسبة لي أنت حبي الأبدي"

ضممتها لصدري بقوة

"كلماتك يتردد صداها بعمق بداخلي، لأن حبي لك يفوق كل ما أنا عليه، أنت جوهر كياني، و محبتي لك تحجب حتى الحب الذي أحمله لنفسي، أعيش في خوف دائم بفكرة تطاردني أنني قد أستيقظ يومًا ما و أجد مساحة فارغة بجانبي، و أن كل ما شاركناه كان مجرد حلم ،أنت يا حبيبتي، المرساة التي تربط وجودي و فكرة خسارتك تبدو أقرب إلى فقدان قطعة من روحي، في كل لحظة، أدعو الرب أن يظل هذا الواقع الذي نسجناه معا ثابتًا، و أن تكوني دائمًا هناك عندما أستيقظ، و أن يكون وجودك بجانبي ليس مجرد حلم زائل، بل هو حلم ملموس و دائم.. أنت يا عسلي لست مجرد مركز الكون الخاص بي؛ أنت الكون نفسه ،حبي لك لا يعرف حدودًا، و يمتد إلى الأبد يتجاوز الحدود الهشة لمجرد حلم ،أنت واقعي و حقيقتي "

مثل النجوم التي تتراقص في الليل المخملي، يلمع حبنا بإشعاع أبدي يرسم مجموعات من اللحظات التي تحدد قصتنا كل نفس، كل لمسة، كل نذر هامس، يؤلفون لحن حب يتردد صداه عبر الزمن..

مع الوعد بالأبد، أجد السلام في معرفة أن حبنا مثل النجوم في الأعلى، سيستمر في التألق و الإرشاد، و إضاءة الطريق للأرواح التي لم تجتاز بعد امتداد الأبدية

في ختام هذا الفصل جوهر الحب يتجاوز مجرد العواطف؛ إنه لوحة مرسومة بالإعجاب العميق و الاحترام ..

لقد أدركت أن الحب الحقيقي يزدهر في المساحات بين الثقة المشتركة و اللحظات الصامتة. إنه لحن تتناغم فيه روحان، كل منهما يكرم إيقاع الآخر و فهمه و تفرده..

الحب الذي نسجناه هو توازن دقيق بين العطاء و التلقي، و هي رقصة تسمح لكل منهما بالازدهار مع احتضان نمو الآخر. إنه التزام بالاعتزاز بالتطور الجميل لكل روح و دعمه

بينما تجد قصتنا مكانها في هذه الصفحات الأخيرة، فإنها لا تمثل نهاية بل سلسلة متواصلة من الحب و الاحترام و الوعد الخالد بأن الرحلة، مدفوعة بقدسية الحب الحقيقي، ستستمر عبر العصور....

✧༺النهاية ༻✧


بينما أضع قلمي و أودع الشخصيات التي عاشت داخل هذه الصفحات، أعرب عن عميق امتناني لجميع الذين شرعوا في هذه الرحلة معي ،إن دعمكم الذي لا يتزعزع و تفاعلكم و حبكم لهذه الشخصيات قد جعلهم مميزين،،و كل تعبير عن المودة تجاه هذه الحكاية يتم الاعتزاز به إلى أبعد الحدود.

أخص بالذكر ذلك الرفيق المخلص، فنجان قهوتي الصديق الصامت الذي رافقني في كل منعطف، و أيقظ مخيلتي و أذكى الكلمات التي تبث الحياة في هذه الصفحات.

و مع انتهاء الفصل الأخير تجد الشخصيات سلامها، و تتشابك مصائرها في نسيج قصصها. أشكركم أيها القراء الأعزاء على احتضانهم و السماح لهم بالعيش و المحبة في قلوبكم، اتصالكم هو الجوهر الحقيقي الذي يجعل هذه الصفحات تنبض بالحياة.

بآخر جرة قلم أودّع هذه الرواية على أمل أن تبقى أصداءها محفورة في ذاكرتكم، كما هو الحال في ذاكرتي. إلى اللقاء و لتظل روح هذه الحكايات تتردد في داخلكم تماماً كما يحدث في داخلي..

🍒💜✨

Okumaya devam et

Bunları da Beğeneceksin

665K 22.8K 36
فتيـات جميلات وليالــي حمـراء وموسيقـى صاخبة يتبعهـا آثار في الجسـد والـروح واجسـاد متهالكـة في النهـار! عـن رجـال تركوا خلفهم مبادئهم وكراماتهم وأنس...
361K 30.6K 13
في عالمٍ يملأهُ الزيف غيمةً صحراويةً حُبلى تلدُ رويدًا رويدًا و على قلقٍ تحتَ قمرٍ دمويْ ، ذئبا بشريًا ضخم قيلَ أنهُ سَيُحيى ملعونًا يفترسُ كلُ منْ ح...
3.3K 176 39
" سابقا.... كنت أقاتل من أجل حِزاما ذهبيّا أعلّقهُ حولَ خصري.... لكِن الآن.... أقاتل من أجل امرأة نوّرت حياتي ولوّنتها بعد أن كانت دامسةَ الظلام وكَئ...
365K 8.4K 35
لو إلتقينا في عالم آخر لوقعت.. لغرقت وتهت في حبك ولكن ولدنا هنا في عالم انتِ القاتلة وانا السجان واه من حرقة الإنتقام ولهيبها تهنا معًا في هذا الظلام...