أنوبيس

By HabibaMahmoud25

99.4K 5.1K 4.6K

مرحبًا بكم في المملكة لا لا، يجب أن أحذرك أولًا من يدخل المملكة لا يخرج حيًا. يمكنك المغادرة الآن.. سأترك لك... More

تنويه
قوانين التنظيم (المملكة)
الشخصيات
الفصل الأول: المامبا الحامي لي
الفصل الثاني: نساء عائلة المُهيري.
الفصل الثالث: لماذا مُراد؟
الفصل الرابع: إلى اللقاء أمي.
الفصل الخامس: قصر الأشباح.
الفصل السادس: ثم لم يبقى أحد.
وشم المامبا +إعتذار
الفصل الثامن: وضع الغيرة
الفصل التاسع: يوم رفقة الأوغاد.
الفصل العاشر: انا الخاطف.
الفصل الحادي عشر: النجمة المسلوبة.
الفصل الثاني عشر: لتمتزج صرختنا معًا.
مسابقة 🔥
الفصل الثالث عشر: طبيب الطاعون.
الفصل الرابع عشر: رقصة أخيرة
الفصل الخامس عشر: فتيل القنبلة
الفصل السادس عشر: وتر أكيليس.
السابع عشر: رقصة الألم.
الفصل الثامن عشر: الغجرية الساحرة.
الفصل التاسع عشر: لنتزوج ماليكا!
الفصل العشرون: وحوشي وقعت لكِ.
الفصل الواحد والعشرون: خطوبة أم معركة حربية؟
الفصل الثاني العشرون: أنا الجحيم.
الفصل الثالث والعشرون: أحتضر ماليكا.
الفصل الرابع والعشرون: ليو الصغير.
الفصل الخامس والعشرون: بُتر قلبي.
الفصل السادس والعشرون: خنجر بروتس.
الفصل السابع والعشرون: مُروضة أنوبيس!
الفصل الثامن والعشرون: مرحبًا بالغجرية.
الفصل التاسع والعشرون: الموت أم.. الموت؟
إعتذار
الفصل الثلاثون: الذئب الذي أكل يُوسف.
الواحد والثلاثون: لن تكسريني، أليس كذلك؟
الثاني والثلاثون: نعم، أحبك.

الفصل السابع: لا تترُكيني.

1.6K 132 63
By HabibaMahmoud25

‏" لم يكن الأمر عاديًا كما تظن، إنه أصبح عاديًا بعد ألف معركة في عقلي وألف كسرٍ في قلبي وكنت دومًا أردد لا بأس بينما كل البأس هنا في قلبي"

- دوستوفيسكي.
______________________𓂀
𝕄𝕒𝕝𝕚𝕜𝕒

⟬ ماليكا ⟭

أسير بين سيدتين تمسك كلًا منهما بذراعي من كل ناحية، أرتدي فوق رأسي قبعة من الريش ملونة بالأبيض، الأسود، الأحمر والأصفر، منفوشة فوق رأسي وكأنني طاووس يرقص في أول يوم نزول المطر، وأرتدي تنورة تصل لمنتصف ساقي بنية اللون وبلوزة حمراء مثل الجميع من حولي.

وصلت للجمع الذي يخرج منهم صيحات عالية غاضبة بلغة لم أفهمها، ونظرات ثاقبة تجاهي ترغب في أكلي وكأن عيونهم فم قرش ضخم أثناء مروري أمامهم، ثم مررت أمام طنجرة عملاقة لونها أسود أسفلها حطب مشتعل وبه ماء يغلي.

توقفت أمام رجل تحتل التجاعيد تقاسيم وجهه ويظهر عليه الوقار والهيبة، رفع يده للأعلى فحل الصمت بعدما توقفت الصيحات العالية من الجمهور.

_ لماذا قتلتي موفاسا؟

- موفاسا مين؟

قلتها بتساؤل وأنا أنظر بارتياب لما يحدث حولي، فعاد الصياح من جديد وبدأ الجميع يضرب الأرض بالعصا الذي يحملونها بأيديهم، رفع القائد يده للأعلى من جديد للتتوقف الصيحات ثم قال:

- احضروا البصل وباقي الخضار، والقوا بها في الطنجرة.

- بصل إيه؟ الحقوني، يا حج والله مقتلتش حد، الحقوني.

صرخت بها أثناء سحب السيدتين لي تجاه الطنجرة وسط صخب صرخاتهم ورقصهم الغريب الذي يصاحبه قفزات عالية حتى وصلت أمام الطنجرة ثم استيقظت.

"هاكونا ماتاتا! حكمة نغمها لذيذ!
هاكونا ماتاتا، ارمي الماضي اللي يغيظ"

وصل لي صوت الأغنية العالية التي تصدح من الخارج، فعلمت أن فريد استيقظ ويشاهد فيلم الرسوم المتحركة بغرفة المعيشة.

- وطي الصوت شوية يا فريد.

قلتها بنبرة خفيضة تشبه التمتمة، لكنه بالطبع لم يسمعني، حتى إذا كانت نبرتي عالية لن يسمعني في وسط هذا الصخب، أشعر أنني بالسينما بسبب علو صوت التلفاز.

داهمتني رغبة عارمة في النهوض وصفعه على آخر ظهره لإفساده نومي الرائع، فأنا كنت على وشك طبخي بواسطة جماعة من الهنود الحُمر لقتلي "موفاسا"!

تحسست الفراش بيدي للبحث عن هاتفي وأنا أُجاهد حتى أفتح عيني التي انفرجت قليلًا فأصبحت الرؤية ضبابية من بين رموشي، لكنني لم أجده.

هيا ماليكا، يمكنك فعلها.

رفعت جزعي العلوي من فوق الفراش الذي يسحبني كالمغناطيس واعتدلت ثم أنزلت قدم بعدما رفعتها بيدي لأساعدها ثم أنزلت الأخرى، جلست متدلية الساقين بين اليقظة والنوم حتى سقط جفني العلوي بين أحضان السفلي لكنني استيقظت مجددًا عندما باغتت أذني صيحة من صيحات الهنود وكأنها جرس ينبه عن تهديد قادم إلي.

عدلت من وضع غطاء الشعر الحرير الذي يحافظ على تموجات خصلاتي أثناء النوم بعدما دفعت حالي للوقوف ثم خرجت من الغرفة وأنا أسمع صوت خشخشة احتكاك قدمي بالأرض بسبب عدم قدرتي على حملها أثناء فرك عيني بجانب كفي لمساعدتها على الأنفتاح.

- وطي الـ... الصوت شـ. شوية.

قلتها من بين تثاؤبي بصوت عالي وأنا أضع يدي اليمنى على فمي وأفرد ذراعي اليسرى للأعلى بتمطي، ثم خفضت رأسي ونظرت له من خلال النصف المفتوح بعيني.

اندفعت للخلف وكأن عاصفة من الرياح ضربتني ووقعت أرضًا للخلف بقوة بصوت مكتوم في منتصف فراغ الباب بعدما توسعت عيني وأرتج قلبي بموضعه عندما شاهدت ليونار يجلس على أريكتي وضع كفه فوق عين فريد الذي يجلس على قدمه وهو ينظر لي بعيون متوسعة وكأنه يشاهد فيلم رعب.

_ يا إلهي! هل حقًا استيقظتي أخيرًا؟ آه كنت على وشك الأتصال بالمشفى لظني إنكِ في غيبوبة، سوف يصاب أخي فارس بالإحباط، لقد صار لديه منافس على لقب أثقل نوم في العالم.

- إنت بتعمل إيه في بيتي؟

هتفت بها بنبرة مستنكرة وأنا مازالت أنظر له بدهشة أثناء إمساكِ بحواف الباب لاستند بكلتا ذراعيَّ المفتوحين وأنهض من فوق الأرض الخشبية بشكل مثير للضحك، عقب حديثة الذي خرج حانقًا وساخرًا، وكأن وجوده طبيعي في منزلي!

هل تزوجته وأنا في حالة سكر من المشروب الغازي بطعم الأناناس الذي تناواته أمس؟

- مش المفروض إننا متفقين إني هعدي عليكِ علشان الشغل؟

قالها بتساؤل وهو يعقد ساعده أمامه، فتقلصت المسافة بين حاجبي بدون فهم وأنا أنظر له بحيرة من حديثه، لم أتحدث معه منذ تلك الحادثة من أسبوع.

متى أتفقت معه على شيء؟
هل أصابني زهايمر؟

نظر ليونار بطرف عينه تجاه فريد وعلى ثغره ابتسامة هادئة ماكرة قبل أن يعيد خصلات شعره للوراء ويخبرني بأنه بعث لي رسالة أمس يخبرني أن أتجهز في الثامنة لأذهب معه للعمل ومن الواضح إن فريد كان يلعب بهاتفي وفتح الرسالة بالخطأ ولم أرآها، لكنه ظنني لم أرغب في الرد عليه لأنني مازلت غاضبة.

جاء منذ ساعتين أسفل البناية وظل يهاتفني لمدة نصف ساعة متواصلة لكنني كنت أضبط وضع حيوان الكوالا - كما يقول- فلم أسمع الهاتف، فصعد  ورن جرس المنزل ففتح له فريد ذو الخمس سنوات وأدخله ليجلس بحجرة المعيشة ثم دلف للغرفة ليوقظني لكنه لم يستطيع ذلك.

-  لا تظلمي الصغير لقد سألني هل إنت لص؟ فقلت له لا، أنا لست لص، ففتح الباب.

أضاف حديثة بنبرة ظهر بها جهاده في أن تخرج طبيعية دون الانفجار بالضحك عندما نظرت إلى فريد الذي يقف منكث الرأس عندما رأي تعبير غير الرضى الممتزج بالصدمة الذي يحتل ملامحي.

- طيب هو عيل صغير، إنت إيه؟ إزاي تدخل بيتي كده، افرض لابسة حاجة قصيرة.

قلتها بنبرة عالية وأنا أعقد ساعدي أمامي بعدما نظرت لملابسي التي تتكون من بنطال رياضي واسع رمادي اللون وقميص قطني طويل وواسع برسومات كرتونية.

- لماذا إنت ظالمة هكذا قاسية الفؤاد؟ أكيد سألته، قالي إنك لابسة تيشيرت عليه رسمة باباي تيتا عزة كانت جيباه لبابا ماهر بس إنتِ طمعتي فيه، وهو مش بيحبه، واداني شرح تفصيلي لكل البيجامات اللي بيحبها.

قالها ليونار بعدما حرك رأسه بالنفي بنبرة متهكمة وهو ينظر لي نظرة من سرق طعامه، فتوسعت مقلتاي وأنا أنظر إلى فريد وداخلي يحترق قبل أن أعود بنظراتي له من جديد عندما استطرد:

_ وإنكم كنتوا عاملين صنية بطاطس وملوخية على الغداء، وإنتِ بتحطي البطاطس والملوخية على بعض، وتيتا عزة كانت بتعيط علشان إنتِ هتسافري أمريكا وهتسيبيها، وبما إني أب وعندي خبرة كنت ممكن أعرف معلومات أعمق بس البيوت أسرار وأنا مؤدب.

أضافها بنبرة بريئة تتنافى مع ابتسامته وعينيه التي تقطر خبثًا، وهو يشير لحاله بإصبعه، تبًا.

إنه الآن يعلم إنني سوف أسافر، لقد أجلت سفري عدة أيام حتى أودع خالتي، مهلًا مهلًا.

كيف علم عنوان منزلي؟

- إيه الريحة دي؟

قلتها بتساؤل عندما تسلل لأنفي رائحة الفانيليا التي تعبق بكامل الشقة ثم تحركت للمطبخ بسرعة دون فهم عندما علمت إنه مصدر الرائحة لكن قبل أن أصل له سبقني ليونار ومر من أمامي ركض للداخل ثم فتح أسفل الموقد الذي أصدر صرير ضعيف على مهل بعدها نظر للداخل بتفحص وحرّك رأسه برضى ثم مد جزعه العلوي وألتقط قماشة المطبخ من فوق الطاولة قبل أن يخرج قالب كعك زجاجي مستطيل متوسط الحجم ووضعه فوق الطاولة.

وقفت جامدة كالتمثال وكأن لعنة ميدوسا أصابتني  وحولتني لحجر بفك ساقط وعينين ستقفز من محجريهما.

أين أنا؟

عدت خطوتين للوراء وبعثرت نظراتي على محتويات الشقة حتى وقع نظري على صورة أمي التي تبتسم بها بسمة واسعة؛ إذًا أنا بشقتي.

_ فرَدِي عايز صوص شكولاتة ولا نحط بولة آيس كريم.

قالها ليونار ببساطة وهو ينظر إلى فريد الذي يقف بجانبي ويقبض بكفه الصغير على بنطالي ويرفع رأسه للأعلى ينتظر مني أن أعطيه موافقتي للأستجابة معه بعد شعوره إنه فعل شيء خاطئ لكنه لا يعلم ماذا فعل؟!
لقد قال إنه ليس لص!!
لقد خبز لي كعكة!

حسنًا، الخطأ عليَّ أنا الأخرى، كيف أترك باب الشقة مفتوح دون أن أغلقه بالقفل المعدني في الأعلى وأنا معي طفل في الخامسة في المنزل وأنام كباندا.

_ اطلع نادي تيتا علشان تاكل معانا الكيكة.

قلتها بنبرة هادئة وأنا أحاول حبس لهيب صدري داخلي إلى فريد بعدما انحنيت بجزعي العلوي وطبعت قبلة على وجنته ذات الحفرة الخلابة.

تقدمت لداخل المطبخ بعدما رحل فريد ثم أخرجت مقلاة من فوق رف الخزانة ثم اقتربت من ليونار الذي تراجع بارتياب قبل أن يركض للخارج، فلحقت له ورميت المقلاة من يدي تجاهه وهو يركض فارتطمت بظهره.

- آه، تبًا لكِ، هل هذا شكرًا على الكعكة.

قالها بدون تصديق وهو يقف في الجهة الأخرى من طاولة الطعام المستطيلة ذات الثمان مقاعد بعدما صرخ ووضع يده على ظهره الذي تقوس من الألم من أثر الضربة.

_ برة، اخرج قبل ما اقتلك، برة بــرة.

قلتها بصراخ وأنا ألقي عليه كل ما تطاله يدي من وسائد وخفي المنزلي أثناء ركضه تجاه الباب الذي مازال مفتوح بعدما تركه فريد حتى خرج منه.

أطلقت زفرة غضب وضربت قدمي بيدي الاثنين بدون تصديق على ما حدث واستدرت نصف استدارة لأدخل للمطبخ فصدح صوته من جديد:

- يجب عليكِ شكري فقد بكت الطناجر توسلًا إليَّ حتى أطبخ بها من قلة الاستخدام، للجحيم إنت ولنساء العـ..

لم يكمل جملته بسبب إغلاقه للباب الذي كان يشرئب بعنقه للداخل من خلاله ليحتمي من المزهرية الزجاجية التي ألقيته بها بعدما التقطها من فوق الطاولة، فوقعت متهشمة على الأرض بعدما اصطدمت بالباب الذي أغلقه ليونار.

خلعت غطاء الشعر وفردت خصلاتي المجعدة ثم وضعت يدي على رأسي وتخللت أصابعي خصلاتي وأنا أحاول استيعاب ما حدث.

لقد دخل مختل شقتي، شاهد الرسوم المتحركة مع ابن أخي، تبادل معه أطراف الحديث والله وحده يعلم ماذا أخبره فريد، وخبز كعكة، وأنا نائمة.

تبًا ماليكا، إنت تستحقي الطهو من الهنود الحمر.

مسحت وجهي بيدي أثناء تقدمي لأفتح الباب لخالتي بعدما طُرق فوجدت ليونار الذي يقف يشبك أصابع يده ويدير إبهاميه حول بعضهم البعض بهدوء.

- يجب أن اسقي الكعكة ببعض اللبن.

أغلقت الباب في وجهه بعنف أدى لأهتزاز الأرض والمنطقة حوله وكأن زلزال ضرب المنزل، فطرق ليونار الباب بقوة أثناء قوله.

- سحقًا لكِ يا امرأة، حسنًا اقتليني لكن دعيني أسقي الكعكة.

فتحت الباب حتى لا يستيقظ أحد من الرجال ويحدث شيء أندم عليه لاحقًا ثم نظرت له بجدية وعقدت ساعدي أمامي وقلت بانفعال:

- علفكرة أنا مصرية مسلمة واسمي ماليكا سعدالدين لو كنت مسقط الموضوع يعني، اللي بيحصل ده مش مقبول أبدًا، لو سمحت امشي.

- حسنًا لنتزوج لكن دعيني اسقي الكعكة.

قالها ببساطة وهو يفتح يده وكأنه يطلب مني أن أعيره بعض الطماطم من الداخل ثم نزل أرضًا على ركبة واحدة وفتح علبة وهمية بين يديه واستطرد:

- آنسة ماليكا هل تقبلين الزواج مني.

ركضت للداخل حتى وصلت للمطبخ وأمسكت قالب الكعكة الزجاجي وخرجت في نية تحطيمه فوق رأسه قبل قتله لكنني عندما خرجت، وجدت خالتي تدخل إلى الشقة ممسكة بكف فريد بينما هو تبخر كالماء.

________________________𓂀

شعرت بشيء ناعم يلمس وجهي فأخرجت صوت تأفف من فمي وأنا أدفع به وأقول من بين نصف وعيي بنبرة ضجرة:

- لما اصحي هلعب معاك يا فريد.

- هل أنتِ حيوان كوالا أم ماذا؟ اللعنة يمكن أن يتم خطفك وسرقة أعضاءكِ وإنتِ نائمة.

كان هذا صوت ليونار الذي وصل لأذني كبوق سيارة قادمة في طريقها للاصطدام بي، ففتحت عيني ونظرت حولي حتى وقع نظري على ليونار الذي يجلس أمام مقود السيارة ينظر لي بضيق وهو ممسك بدب قطني بني اللون، فعاد الوعي لي من جديد وأنا أحك عيني الناعسة.

فقد بعث لي مساءً إنه سوف يمر عليَّ ليقلني معه للعمل بشركة عائلته لإنه لا يعمل بمصنع الحاوي الذي إتضح إنه زوج أمه وليس أبيه، وأن عمله الرئيسي بالشركة وبما إني أصبحت مديرة أعماله فيجب عليَّ الأنتقال معه.

نظرت له بحيرة حيث أنه يصف السيارة أمام السكن الخاص بي رفقة الفتيات لا أعلم لماذا جاء إلى هنا فقد سقطت بالنوم منذ أن لمس جسدي المقعد، فقال وهو يرفع كتفيه للأعلى ببساطة.

- اطلعي بدلي هدومك.

- ليه مالو اللبس.

قلتها وأنا أضع يدي على فمي بعدما تثائبت قبل أن أنظر لملابسي المكونة من بنطلون رياضي واسع باللون البني الفاتح، سترة بأكمام بنفس اللون تصل لفوق الركبة بقليل وجوارب بيضاء طويلة تظهر من الأسفل وحذاء أبيض ضخم.

- هو أنا واخد بنت أختي التمرين؟ أنا عندي ميتنج مهم.

قالها بنبرة ساخرة وهو ينظر لي بطرف عينه فزفرت بضيق قبل إن أهبط من السيارة
لا أريد العمل معه، لا أشعر بالارتياح بجانبه، لن أستطيع السفر فهو يعرف منزلي، أريد البكاء كطفلة تاهت من أمها في زحام الطريق.

أريد العودة الآن.

هل يجب أن أتصل بمراد الآن وأقول تعالى خذني؟
تبًا، لن أفعل.

صفقت باب السيارة بعنف كعادتي عندما أغضب، فاصدر صوت عالي وهو ينغلق قبل أن يرتد للخارج من جديد ويميل بصرير مزعج ثم تدلى الجزء العلوي منه واستقر بشكل مائل قبل أن يسقط أرضًا بسبب قِدم السيارة، حيث إنها سيارة قديمة الطراز من خمسينات القرن الماضي تبدو وكأنها من الأنتيكات، سوداء اللون بمقعدين، كشافان دائريان من الأمام، بدون سقف وتنغلق بالقماش الجلدي نبيذي اللون.

- لماذا؟ لقد سرقتها للتو، إنها هدية عيد مولدي القادم، لماذا؟ لماذا؟.. آه يا سيارة جدي الجميلة، ماذا فعلت بكِ هذه القاسية؟

قالها بنبرة منتحبة ذات التمثيل التراجيدي وهو يربت على السيارة برفق وكأنها ابنته، فعدت للخلف بظهري خطوات بعدما استعدت وعي بعدما عادت لي لعنة ميدوسا من جديد ثم ركضت للبناية عندما نظر لي من خلال بؤبؤ عين يشبه القنبلة.

- أيتها الشـمـطـــاء، سحقًا لكِ، للجحيم أنتِ ولجميع نساء العائلة.

صرخ بها وأنا أختفي داخل البناية ودلفت للمصعد الذي كان موجود بالفعل ثم انفجرت بالضحك على رد فعله، لقد رددت له ما فعله بي أمس.

حسنًا، لا أريد التذكر، لقد ظللت طوال النهار أراقب فريد واسيطر عليه حتى لا يقول شيء، لكن كيف هذا؟

لقد لعب معه، شاهد معه الرسوم المتحركة، خبز معه الكعكة وحكى له حكاية أثناء ذلك، وشيء كهذا لن يصمت حتى يحكيه لأبيه ولمراد الذي سوف يشتعل غضبًا ويذهب لمنزل ليونار ليقوم بتحطيمه فوق رأسه، كما يظن بالطبع فهو سوف يعود لحم مفروم ملفوف على أسياخ حديدية.

لكن حمدًا لله اكتفى بسرد ما حدث على خالتي التي كنت سوف احكي لها ما حدث بالفعل ولم أحصل منها سوى على نوبة ضحك وقول.

- شكله دمه خفيف، وريني صورته كده؟

رفعت حاجبي بدون تصديق على رد فعلها، تبًا، لقد دخل شاب شقتي وخبز كعكة بمطبخي وهي تفكر في رؤية صورته، حقًا؟!

تنهدت بعمق قبل أن أمسك هاتفي عندما زجرتني بنظرة ضائقة حتى أُريها صورته، كتبت اسمه على أحد مواقع التواصل الأجتماعي فظهر لي حسابه وجانبه علامة صح زرقاء داخل دائرة صغيرة دليلًا على توثيق حسابه فعقدت حاحبي وإنا أضغط على حسابه ثم أفترق حاجبي ورُفع في دهشة عندما شاهدت عدد متابعينه، أكثر من مليون شخص يتابعونه لإنه يهز خصره؟! 

لم أجد صور على حسابه بل رقصات!
إتضح إنه راقص من النوع رقص الشوارع البهلواني، ويظهر فارس معه في جميع المقاطع تقريبًا، معظم متابعينه من الأجانب بالطبع، فهو يسافر للمشاركة في حلبات الرقص التي تقام بالخارج.

- أنتِ بتجيبي الصورة ولا بتتفرجي على فيديوهات ما توريني الواد.

قالتها خالتي بتأفف وهي تضع كفيها فوق بعضهم أمامها فأصدر صوت طرقعة خفيتة، فعدت لها بوعي بعدما سُرق مني داخل المقاطع، في الواقع لقد صُعقت، إنه بارع للغاية، شعرت إن كل قطعة في جسده كائن حي يتنفس، هو وفارس يرقصون بتناغم مخيف يبدوا إن كلًا منها يتحكم بجسد الآخر كدمية.

- والله شكله عسل، بس حاسة إني شوفته قبل كده لكن مش فاكرة فين.

قالتها خالتي بابتسامة واسعة وهي تشاهد أحد المقاطع الراقصة له على هاتفي ثم ضيقت عيناها في تفكير وهي تتمعن بنظرها على وجهه عندما نطقت جملتها الأخيرة.

- حلوة الكيكة.

أضافتها بعدما تركت الهاتف وأمسكت الصحن الذي يحتوي على قطعة من الكعكة الذي صنعها بعدما سقته هي باللبن وهي تنظر لي بابتسامة خبيثة.

تبًا، أعلم ما يدور داخل رأسها فهي تظنه يحبني وتفكر في أسماء أطفالي منه من الآن، حسنًا، لن أتناقش معها، بالأساس كيف سأخبرها إنه ليس شخص طبيعي بل هو مختل؟

إنه فعل ذلك لإنه فقط مختل، لقد كان على وشك الزواج مني من أجل أن اتركه يسقي الكعكة!

لا أعرف كيف تفكر بذلك وأسقطت موضوع عامر؟
لقد أخبرتها بشأن حديثي مع عامر بسبب شعوري بالذنب الذي يلتف حول عنقي كقاتل متسلسل يخنقني بواسطة حِزام بنطالي، لكنها لم تعلق على الأمر فقط شاهدت صوره التي يقوم بنشرها وصنعت له طعام عندما علمت إنه مريض ويقطن بمفرده.

فهو أُصيب برصاصة في قدمه أثناء الهجوم على المصنع لكنه بخير الآن، لم أذهب لزيارته لأنه لم يبيت بالمشفى فقد عاد للمنزل مباشرة لكنني بعثت له الطعام الذي صنعته خالتي فقد أخبرتها إنه مريض، بالطبع لم أخبرها إنه مصاب برصاصة.

"معكِ ربع ساعة"

ظهرت على شاشة هاتفي الذي أضاء بسبب وصول رسالة من ليونار فعدت إلى وعيي من جديد، ضغط زر التشغيل لإطفاء الضوء وأنا أفتح باب الشقة، قابلني السكوت بالطبع، جميع الفتيات مازلت نائمات فهن في إجازة حتى الأسبوع القادم.

دلفت للغرفة وأخرجت من الخزانة حِلة نسائية بلون الأحمر الداكن، واسعة، جاكيت طويل، قميص أسود، حذاء رياضي بنفس اللون، صففت شعري في كعكة مرتخية خلف رأسي.

دلفت للمرحاض وتوضأت لأقضي صلاة الضحى التي لم يتسنى لي الوقت لقضائها فأنا هبطت من الفراش مباشر لسيارة ليونار.

دلفت للمطبخ بعدما ارتديت ثيابي، فأنا أشعر بالجوع الشديد، وضعت ركوة اللبن فوق الموقد وكذلك إبريق الشاي، وأحضرت كوب حراري حتى آخذه معي.

جلبت عُلبة بلاستيكية الغداء من فوق رف الخزانة وغسلته ثم جففته، بعدها صنعت عدة شطائر من شطائري المفضلة وصففتهم جانب بعضهم البعض كالأصدقاء المقربين.

خرج صوت رسالة بواسطة عامر من هاتفي الموضوع فوق الطاولة المستديرة بمنتصف المطبخ حيث أنني أضع له صوت رنين مختلف عن الباقين، أمسكت الهاتف وقرأت محتوى الرسالة وأنا أتناول واحدة من المقرمشات المستطيلة صفراء اللون التي كانت موضوعة في عُلبة على الطاولة.

"صباح الخير.
مفيش رجلك عاملة إيه النهاردة؟
مفيش morning text؟
عمتًا شكرًا أنا كويس وبشرب نسكافية"

عقب رسالته بصورة له مبتسم الوجه يرفع الكوب أمام وجهه ويظهر جزء من جزعه العلوي العاري كعادته في جميع صوره، لا يوجد صورة له يقوم بنشرها بملابسه، إنه مفتون بعضلات جسده وكأنه الشخص الوحيد على الكوكب لديه عضلات!

"رجلك عاملة إيه النهاردة؟"

بعتها له بعدما تجاهلت التعليق على صورته ثم أطلقت شهقة عالية عندما وصل لأذني صوت الاحتراق الناتج عن فوران اللبن.

سوف أبكي، تبًا لك عامر، وتبًا لقدمك اللعينة.

حسنًا لننظر للجانب المشرق، الكوب الحراري صغير  واللبن سوف يملأ نصفه، الحمد لله.

صدح صوت الأغاني اللاتينية عاليًا عندما هبطت من المصعد فخرجت على عجل وجدته يرقص بمقعده بجزعه العلوي وباب السيارة المخلوع مربوط فوق مقدمة السيارة.

- تيجي تسوقي مكاني بدل ما تقعي؟

قالها ليونار بتساؤل بعدما صعدت للسيارة ووضعت علبة الطعام فوق قدمي ثم بحثت عن حزام الأمان لكنني لم أجده بالطبع، حركت رأسي بالنفي وأنا أمد قدمي أمامي في زاوية السيارة حتى أثبت جسدي

- أنا بعرف أسوق بس سوق إنت علشان جعانة.

قلتها وأنا أفتح غطاء العلبة ثم فتحت غطاء المشروب ارتشفت منها رشفة اندفعت لرأسي وأنعشته، ثم ألتقط واحدة من الشطائر.

- يا إلهي لقد خسرت الصفقة، وخسرت باب سيارتي الجميلة من أجل هذا الرداء الأحمر، وبعض الشطائر، للجحيم انتِ ولجميع نساء العائلة.

قالها بنبرة متهكمة وهو يمرر نظره بين الشطائر وملابسي، لكنني لم أعره بالًا وقضمت من شطيرتي باستمتاع.

- يا إلهي لا أصدق كم أنتِ بخيلة يا فتاة! ألم تسمعي شيء عن المشاركة؟

رفعت العلبة من فوق قدمي ومددت يدي بها له ليختار ما يشاء، لقد ظننته سيتقزز من أكله لهذا لم أفكر في عرض عليه الطعام، هناك بعض الأشخاص لا تحب أكل طعام من يد أشخاص أخرى، لكن تبًا، كيف ظننت هذا؟
إنه ينقصه فقط أن ينتقل للعيش معي!

عقدت حاجبي أمامي عندما رأيته يدقق النظر في الشطيرة التي أخذها ثم ألتقط رمش من منتصفه سقط من عيني داخله أثناء صنعي له، وضعه أمام وجهي قبل أن يقول:

- اتمني أمنية ولا اقولك، لا، أنا هاخده أعملك عليه عمل جلب حبيب عند الشيخة سعادة المغربية، هخليكِ متيمة بيا كده، هتقولي ليو ده روحي روحي روحي، مهما يعمل مبحبش إلا هو.

قالها وهو يحرك يده للأمام والخلف تفعلًا مع حديثه ثم وضع الرمش الذي بين إصبعيه داخل جيب حلته وأنا أنظر له بثغر مفتوح.

يا الله، ما هذا المختل المدبلج الذي ظهر بحياتي؟!

تجاهلت ما قاله و فتحت غطاء كوب الشاي ليزيل عني هذا الحزن، وارتشفت منه رشفه بتلذذ.

- جبنة كريمي ولانشون فراخ ومربى توت! .. يا إلهي إنكِ غريبة الأطوار ،اللعنة، أحببته.

قالها بحماس وهو يعود ليقضم قضمة من الشطيرة بعدما ظهرت الدهشة على وجهه في القضمة الأولى بسبب محتويات الشطيرة الغريبة التي أحبها ثم أدار السيارة أخيرًا وتحرك بها.

- اللي معاكِ إيه؟

قالها ليونار وهو يميل برأسه لينظر للشطيرة التي تقبع بين كفي حيث يظهر منها الموز، لأنها تتكون من جبنة كريمية وقطع موز وقليل من العسل فأنا أحب الطعام الحلو والمالح مع بعض.

مد يده وأخذ مني الشطيرة على حين غرة بدون لمسي حيث إنه أمسكها من الطرف وقضم منها، فظهر على وجهه الدهشة أثناء انكماش وجهه ثم الاستمتاع بعدما تهلل وجهه وكأنه اكتشف كنز للتو.

زفرت بضيق وأمسكت شطيرة أخرى بدل التي سرقها من بين أناميلي للتو ثم رفعت الكوب لفمي وأنا أشعر بطعمه على طرف لساني لكن قبل أن يصل سحبه من بين يدي بعدما وضع أصابعه على أطراف الكوب من فوق ثم رفعه لفمه وشرب منه!

نظرت له بدون تصديق و هو يشرب من كوبي الخاص حتى ظهر التقزز على وجهه وقال:

- يا اللهول!، يا اللهول .. لقد ظننته قهوة سريعة التحضير، ما هذا يا فتاة؟ لماذا تشربين مشروب جداتي هذا؟

- إنت مال أهلك.

قلتها بتهكم وأنا أرفع حاجبي للأعلى تعقيبًا على حديثه بعدما ظهر التقزز وانكمش وجهه للداخل بعدما شرب من الشاي، فشعرت بالصدمة مما تفوهت به أكثر من التعابير الصادمة التي ظهرت على وجهه.

- والله سماحته، لأنه ما كِذب علي، ما كذب.

قالها بنبرة مازحة بعدما ضحك عاليًا عقب حديثي ثم رفع الكوب من جديد ليشرب منه لكنني أخذته منه قبل ذلك وقلت بتهكم وأنا أقربه من فمي:

- كله إلا الشاي بلبن بتاعي، هاتلك واحد من أي مكان في الطريق.

_____________________________𓂀

وصلنا لمقر الشركة التي جعلتني أشعر برغبة عارمة في الضحك، إنها نفس الشركة منتجات الألبان ومشتقاته والعصائر التي أشارت لي صديقتي من أجل تقديم على الوظيفة بها ولكنني بعثت للمصنع، إن دخولي هذا العالم كان مقدرًا إذًا، لكن الفرق هنا ليونار أخبرني أمس إن الشركة نظيفة بالكامل وليس لها علاقة بأعمالهم فقد أنشأها أبيه سالم المُهيري بعيدًا عن كل شيء.

وأضاف بفخر حتى يجعلني أصاب بتجلُط في الدماء التي تصل إلى رأسي: إن أمه نفرتاري هي من تدير مصنع السلاح الخاص بعائلتها وهو بعيد عن هُنا.

خطوت في رواق الشركة جانب ليونار ومرّرت أنظاري على الموظفين الذين يجلسوا خلف مكاتبهم الصغيرة الملتزقة ببعضها البعض حيث لا يفصل بينهم سوى زجاج، ويعملون بهدوء، يظهر عليهم الجدية، لم يرفع أحد رأسه وينظر، لم يهتم أحد، ثم دلفنا للمكتب في آخر الرواق.

ظهر أمامي غرفة مكتب واسعة، مكتب خشبي كبير، ثلاث مقاعد بيضاء مريحين واحد خلف المكتب واثنين أمامه، يستقر فوقه حاسوب، عدة أقلام، إطار مزين باسمه، حاوية محارم خشبية، إطار به صورة وجهتها ناحيتة فلم آراها حاليًا لكنني رأيتها فيما بعد حيث يظهر بها وجه أبيه المماثل له وكأنهم تؤام.

في ظهر المكتب مكتبة بها بعض الكتب وقصاصي الزرع الصغيرة، وعلى بعد قليل تقبع أريكة ومقعدين مريحين طاولة دائرية في المنتصف تقع أمام حائط زجاجي بالكامل يطل على البنايات البعيدة سرقت أنظاري، الإطلالة مذهلة!

- هشتغل إيه؟

قلتها بتساؤل بعد أن جلس خلف مكتبه وأشار لي بالجلوس أمامه وأنا أنظر له بثبات منتظرة منه التفسير، فقال بهدوء:

- هتمسكي تلفوناتي، هتظبطي مواعيدي مع سعاد، هتعمليلي قهوة و بسكو.. للأسف مفيش بسكويت، اعمليلي سندويتشات من الحاجات الغريبة دي.

زفرت بضيق بعدما قلّبت عيني بملل ثم تحركت جلست على الأريكة ونظرت للخارج من خلال الحائط على السماء الزرقاء الصافية بين البنايتين في الأمام فشعرت باسترخاء مباغت بدأ من أنامُيلي حتى سيطر على كافة جسدي.

الجانب المشرق، على الأقل سوف أحظى بهذه الإطلالة.

- ماليكا أنا أفكر في سرقة وصفاتك الغريبة وأصنع منتج جديد، ماذا تأكلين؟

قالها بنبرة جدية وهو يفتح دفتر صغير ويستل قلم من أمامه ثم نظر لي بشغف لأخبره بالوصفات، رفعت كتفي بلامبالاة وفركت جانب جبهتي التي تؤلمني بإصبع السبابة والوسطى بحركات دائرية أثناء سردي عليه ما أصنعه كوجبة فطور عادتًا.

- جبنة رومي بالمربى، جبنة قريش بالعسل الإسود، جبنة فيتا مع عنب أو عسل، جبنة رومي ولانشون ومربى، بيض بالمايونيز أو الجبنة والانشون بس ده عادي مش غريب.

- حلو، أنا هعمل خط إنتاج جديد ولو متبعش وده المتوقع طبعًا، هناكله أنا وإنتِ وأخواتي.

قالها ببساطة وهو يغلق الدفتر من جديد بعد أن انتهيت من حديثي فضحكت داخلي لأن هذا ما سيحدث فعلاً إذا تم إنتاج هذه الشطائر وانتشرت بالسوق؛ تخيلت حالي أشاهد أنس الجندي يجرب المنتجات ثم يغلق المنتج ويقول جملته عندما لا يعجبه منتج "اعتذر عن التقييم لأسباب صحية".

- وهعمل شاي بلبن Iced.

- لا إنت كده بتلعب في الأساسيات، شاي بلبن ساقع إيه؟

قلتها بنبرة متهكمة بعدما أرتفعت شفتي بتشنج للمدافعة عن مشروبي العتيق الذي ظل صامدًا كل هذه السنوات ليأتي هذا المختل المدبلج ليعدل به ويجعله مثلج!

- فيها إيه بابل تي منغير كرات التابيوكا؟  كنسل المنتج مش هنلاقي حد يشربه، و لا حتى أنا وأنتِ حتى شهد هتخليني أعمله fresh في البيت علشان شمطاء.

أضافها وهو يمثل بيديه شطب شيء من الورقة بعدما راقب الرفض الذي يتقافز من عيني بعد حديثه ثم أعاد خصلات شعره للوراء بوجه متجهم بعدما تبدل حاله فجأة بعدها أمسك هاتفه وعبث به لثواني قبل أن يضعه على أذنه ويتحدث.

- مرحبًا صغيرتي المدللة كيف حالك؟ .. بقولك تيجي ننزل النهاردة محتاج أتكلم معاكِ .. طيب بكرة؟.. شهد أنتِ مش عايزة تخرجي معايا؟ .. تمام لما تحسي إنك قادرة قوليلي، في حاجة علشانك في الثلاجة .. شهد، أنا موجود علشان أسمعك، إنتِ عارفة صح؟

أغلق معها وخلل خصلات شعره بأصابعه ثم قبض عليها بقوة وهو يتنفس بصوت عالي وينظر للسقف بنظرات شاردة.

دلف نيلان غرفة المكتب من الباب الآخر الذي هو عبارة عن غرفة إجتماعات مُلحقة بالمكتب وجلس على المقعد أمامه بعدما ألقى التحية عليَّ وبدأ الحديث معه حول الإجتماع الذي لم يحضره ليونار.

- شهد قفّلت معايا في الكلام ومرضيتش تخرج.

قالها ليونار بنبرة هادئة وهو يعود بظهره للخلف ليجلس باستراحة وينظر للأعلى تزمنًا مع دلوف فتاة - علمت فيما بعد إنها سكيرتيرة نيلان- تحمل حاوية طعام فوقها العديد من الشطائر ووضعتها أمام نيلان فوق المكتب تحت نظرات ليونار المتابعة للحاوية عندما استقرت فوق المكتب كأنها قنبلة موقوتة ثم تابع تحرك يد نيلان الذي أمسك بالشطيرة ورفعها تجاه فمه وكأنه يشاهد فيلم رعب.

- متبصليش في اللقمة، قنبلة اضطرابات نفسية وقولنا ماشي إنما وسواس قهري وقرف، لا.

- أنا فقط نظيف .. ليتني خُلقت قذر، عشوائي مثلهم، وقتها كان بإمكاني التعامل معهم.
لقد ولدت غريبًا عن الجميع ولا أنتمي لشيء بهذا العالم الموحش.

قالها بطريقة التمثيل التراجيدي خاصته فنظر له نيلان بطرف عينه بلامبالاة قبل أن يعرض عليَّ الطعام فأشرت على الطعام الخاص بي بابتسامة هادئة عملية فحرك رأسه بالموافقة وعاد للأكل من جديد.

ارتسمت ابتسامة على ثغري بعدما تذكرت ما قالته خالتي عنه أمس فقد قام بِغسل جميع الأشياء الذي استخدمها في خبز الكعكة وأعادها في مكانها، فكتبت - داخل عقلها- إنه من مميزاته كزوج محتمل في خيالها فقط إنه سوف يقوم بأعمال المطبخ جميعًا.

- أنا بقترح إننا كلنا نعتذر لشهد بالدور لأنها متغيرة مع الكل بدون إبداء أسباب، ابدأ إنت علشان أكثر المرشحين.

قالها نيلان ببساطة أثناء صدوح رنين هاتف ليونار للمرة الثالث على التوالي فزفر ليونار بضيق قبل أن يرد بلغة أسبانية بنبرة ساخرة:

- هيدا إن لم تقولي لي أنكِ تحترقين بالمنزل الآن لأصرارك هذا فلن أكون سعيد ... تبًا وما شأني أنا بسيارتكِ اللعينة هل أنا الميكانيكي الذي جلبه لكِ والدك .. نعم أتركيها لتحترق في منتصف الطريق، اللعنة، سأجلب لكِ واحدة جديدة صباحًا لكن كفي عن إزعاجي فأنا بالعمل.

أغلق معها الهاتف بعدما أنهى حديثه بنبرة منفعلة ثم ترك الهاتف على المكتب بعنف بعد أن زفر بضيق، فنظر له نيلان وقلّب عينه بسخرية وهو يخرج صوت لا يخلى منها من فمه قبل أن يقول:

- ما لما إنت مش طايقها ما تسبها وتخلص.

- هشوف أخرها الأول.

- ملهاش آخر، لو ولعت فيها مش هتسيبك مش بعد كل ده، لو موتك هيبقي علي إيد بنت هيكون على ايديها.

قالها نيلان بنبرة واثقة بعدما ضحك بخفة تعقيبًا على حديث ليونار الذي خرج بنبرة ضائقة بعدما زفر مطولًا.

هل يخون شهد؟!
تبًا، إنه يخونها بالفعل، وأنا التي تعاطفت معك يا حقير.
ليس لأن أباها يرفض زواجكم تخونها هكذا، فهذا شيء يمكن تغيره، حسنًا يحتاج إلى صبر لكن ليس مستحيل.
أم لإنه يخونها أبيها يرفض ذلك؟
لماذا يخونها؟
إنها جميلة، لطيفة، خفيفة على القلب؛ لقد ظننته يحبها، إنه ينظر لها نظرة مميزة، أكاد أقسم إنه يحبها، لكن لماذا؟

دلفت فجأة بدون طرق سيدة وقورة تخطت الأربعين بعدة سنوات تقريبًا بوجه متجهم يسبب ظهور بعض التجاعيد على جبهتها في ثلاث خطوط عريضة، محجبة، تمسك بيديها كوب قهوة مثلجة من إحدي المقاهي المعروفة القريبة من هنا، فنهض ليونار من مقعده وقال لها بنبرة عالية:

- إيه اللي بيحصل ده؟ في حد يدخل كده؟ مفيش أدب؟ مفيش أخلاق؟ مفيش جبنة بالزعتر؟

أضاف الأخيرة بنبرة مرحة وهو يجلس مجددًا ويحرك أصابعه بطريقة وكأنه يتلذذ بالطعم الذي يتخيله، فضحكت سعاد السكيرتيرة الخاصة به وخرجت لدقيقة ثم عادت من جديد تحمل عُلبة بلاستيكية في يديها وتخطو بخطوات رنانة بسبب كعب الحذاء الذي ترتديه وهي تمشي بطريقة غاضبة، وضعت العُلبة على مكتبة بعنف قليلًا بجانب القهوة فأصدرت صوت طرق أهتز به جسد ليونار بخفة وهو ينظر لها بتوتر.

- يا إلهي يا قاسية الفؤاد، ألا تعلمين شيء عن المشاركة؟!

قالها ليونار بنبرة حانقة بعدما رمقني بنظرة وكأنه يشاهد كائن فضائي عندما نظرت له باستنكار بعدما أمسك العلبة وقام من مجلسه وخطى ناحيتي ثم فتح غطاء العلبة الخاصة به ثم علبتي ونقل شطيرة إلى خاصتي وأعاد إغلاقها.

- هي دي الجديدة؟ بسم الله ما شاء الله.

قالتها سعاد وهي تقترب مني ثم ضمتني وربتت على ظهري عدة مرات ثم فصلت العناق وربتت بسبابتها على ذقنها وهي تنظر لي بتمعن ثم لعبت دور المحقق كونان وسألتني عن كل شيء، عمري، تعليمي، عائلتي، هل أنا عازبة أم مرتبطة؟

-  معلش يا ماليكا أصل مدام سعاد بتحب توفق راسين في الحلال مجوزة نص الشركة، مش قولنا نبطل شغل الخاطبة ده؟

قالها ليونار قبل أن يأكل من الشطيرة التي يمسكها بين يديه عندما ظهر تعابير الارتياب على معالم وجهي من تدخلها في أدق تفاصيلي.

أشاحت سعاد له بيديها ردًا على حديثة وعادت من جديد تجاه المكتب تضرب الأرض بقدمها وكأنها تذكرت للتو إنها كانت غاضبة حتى جلست على المقعد المقابل لنيلان الذي مازال يأكل بلامبالاة.

- مالك داخلة بعوصفك ليه؟ ومتأخره كمان، متخانقة مع جوزك صح؟

قالها ليونار بنبرة ضاحكة بعدما أطلقت زفير عالي وكأنها تتنفس حمم بركانية، فحركت سعاد رأسها بالنفي وأخبرته إن موظفة معهم بالشركة طليقها الوضيع خطف الأطفال من الروضة أثناء انشغالها في عملها أمس وسافر بهم للخارج، والأم أصابها انهيار عصبي وهي بالمشفى الآن.

- ربنا ياخدك يا أشرف يا ابن مفيدة، إلهي تتشل وإنت قاعد دلوقتي.

قالتها بنبرة ظهر بها حُرقة قلبها وهي تخبط بيديها على قدمها ثم ترفعها للأعلى مثل السيدات المصرية، فرفع ليونار يده للأعلى هو الآخر وقال بتراجيديته.

- ارزقه بفتاة من نساء مملكتنا، أرزقه بـهيدا وأخواتها، غزل، جميلة، لا لا، ارزقه بامرأة مثل أمي مع الحاوي.

- إنت بتدعيلوا ولا بتدعي عليه؟ إنت معندكش دم ياه.

- إنت لا تعلمين شيء هن ليسوا نساء بل مجموعة من الأفاعي ذوات خمس رؤوس، ولا داعي لذكر أمي، فقط يهتز جميع الرجال بمجرد ذكر اسمها.

قالها ليونار بنبرة فخر بعدما انتفخ كديك رومي وحيد رفقة قطيع من الدجاج بعدما قاطعته سعاد بنبرة عالية وهي تضرب بيديها فوق المكتب فاصدر صوت ترقعة عالية نتيجة اصطدام الحلقة الذهبية لخاتم زوجها الذي يزين إصبعها الوسطى.

- عيالها يباتوا في حضنها النهاردة، اتصرف.

قالتها بنبرة آمرة بعدما سندت مرفقها على كف يدها اليسرى واستندت بذقنها على كف يدها اليمنى وهي ترمقه بنظرة جانبية مهددة، فأخرج ليونار صوت ساخر من فمه وقال:

- حد قالك إني ساحر؟ ولا ماشي بضرب الودع في الشركة؟ خلال أسبوع إن شاء الله هيكونوا معاها.

- ما هما سافروا إيطاليا مش جوز أمك عايش هناك ما تكلمه.

قالتها بنبرة عالية بعدما وقفت وطرقت بكف يديها الاثنين فوق المكتب، فارتعد ليونار وأهتز جسده للخلف قبل أن ينفخ وجنته بضيق وينهض من مقعده ويقول بنبرة عالية:

- بتقوليها في وشي ليه؟ طيب مفيش عيال وعيالك مش هتشوفيهم تاني، أقولك الكبيرة أنتِ طالق يا سعاد، طالق بالثلاثة، بــــرة.

أطلقت سعاد ما يطلق عليه "ذرغودة" مطولة من فمها وهي تحرك يدها بحركة دائرية أمام وجهها وقالت بنبرة عالية ساخرة:

- إنت فاكرنا هنزعل ده إحنا هنعمل فرح، عليا الطلاق للففك في المحاكم يا ليونار يا ابن نفرتاري وعيالي هخدهم منك.

- اللي عندك أعمليه.

- هتشوف.

قالتها بنبرة صارخة وهي تلقي به بعُلبة المحارم الخشبية الموضوعة فوق المكتب ثم نظر الاثنين لبعضهم البعض قبل أن ينفجروا بالضحك على الشجار الوهمي التمثيلي الذي حدث بينهم.

تبًا، أقسم إن لم أكن موجودة في بادئ الأمر لصدقتهم.

جلس ليونار من جديد والتقط هاتفه من فوق المكتب وبعث برسالة صوتية إلى يعقوب الذي هو حاليًا بإيطاليا رفقة غزل الحاوي - كما قال ليونار- محتواها أن لا ينام يعقوب إلا والأطفال معه.

حركت سعاد رأسها برضى عندما نظر لها ليونار بعدما أرسل رسالته ثم خطت تجاه الباب قبل أن تعود من جديد وتخبره إنها سحبت مال من حسابه لتكملة ثمن شراء براد لفتاة تعمل في الشركة لأنه عيد مولدها والجميع شارك به وكذلك حجزت المقهى الذي يقبع في البناية الأمامية للاحتفال رفقة باقي النساء.

- ليه كده بس؟ ثلاجة؟ لا لا، ده مش إنتِ، كنتِ جبتلها كام ترنج قطيفة.

قالها ليونار بنبرة ساخرة وهو يصدر صوت من فمه يدل على الرفض مع تحريكه لرأسه يمنى ويسرى وهو ينظر لها بتشنج وكأنها فعلت جريمة ما، فضحكت سعاد وقالت بنبرة مازالت تحمل أثر ضحكاتها:

- إنت لسه فاكر حوار الملايات، ما أنا قولتلك هما عارفين إني أنا اللي بجيب الهدايا، وأنا عارفة كل واحدة محتاجة إيه، خليك في حالك وسيبني في شغلي. 

رمقها ليونار بنظرة ضائقة أثناء متابعته لها وهي تخرج عبر الباب بعدما تجاهلت نظرته لها.

أصدر هاتف ليونار صوت قدوم رسالة له فخرج صوت يعقوب يطمئنه بشأن إجاد الأطفال بعدما أمسك الهاتف وفتح الرسالة ثم بعد ذلك خرج صوت باسل وهو يصرخ بأن ينجده أحد من بين براثين يد خوفو الذي يصر على إعطائه حقنة بسبب مرضه وارتفاع حرارته وهو لديه رهاب من الحقن لكن خوفو لا يقنع بهذا لأنه وغد كبير مفتري على الرغم من أن "جميلة" وصفت له دواء غير الحقن، كما إنه أجبره على شرب زنجبيل بالليمون، وعصير سبانخ بالموز.

- أنا مستخبي في أوضه تميم (ابن ليونار) في الدولاب، هعيط أقسم بالله، أنا بهدد الكل، هعيط وهخرب الدنيا صويت لو ملحقتونيش يا شوية أوغاد.

اضافها باسل بنبرة منتحبة في آخر التسجيل فنظر كلًا من نيلان وليونار لبعضهم البعض قبل أن ترتفع صوت قهقهتهم العالية، ثم بعد ذلك فتح ليونار رسالة مسجله إلى مجموعتهم وقال بها بنبرة ساخرة بعدما سيطر على ضحكته:

- هي مش جميلة دكتورة نساء؟ إيه ده إنتِ حامل يا بطة.

- لا متقولش إني هبقى خالو لو ولد سميه نيلان لو بنت سميها نيلي.

أضافها نيلان تعقيبًا على حديث ليونار قبل أن ضحك الاثنين من جديد ثم بعد برهة صدح صوت "ذرغودة" لفتاة بُعثت عن طريق رسالة على مجموعتهم عقبها صوت يعقوب الذي يغني ويصفق رفقة فتاة لا أعلم مهيتها (غزل).

- حلقاته برجلاته إن شاء لله يعيش إن شاء لله يعيش، يكبر يبقى فى وسط أخواته، جن مصور زيه مفيش.

- الأوله بسم الله .. إسمع كلام أمك، متسمعش كلام أبوك .. والثانية بسم الله .. أسمع كلام جدك قاسم متسمعش كلام جدك هارون .. الثالثة بسم الله.

هذه كانت من فارس الذي بعث رسالته أو سخريته عقب رسالة يعقوب وهو يدق على شيء ما يصدر صوت رنان، ويقول مثل ما يفعل المصريين عادتًا هذه الخرفات كاحتفال الأسبوع الأول للمولود مما أشعرني أنني مدعوة لهذا الحفل.

أنهال عليهم باسل بوابل من السباب النابية، وإنه لا يريد شيئًا من وجوههم الحقيرة، وأن أبيه هارون قادم لأجله ثم غادر المجموعة كما قال ليونار إلى نيلان عندما انفجر ليونار بالضحك فجأة.

_____________________________𓂀

⎞ بعد أسبوع ⎝

قبضت بيدي اليمنى جانب قدمي على المقعد الأسفنجي الملمس الذي أجلس فوقه بسيارة ليونار وباليد الأخرى أمسكت بها حافة الباب لمحاولة تثبيت جسدي الذي يلتف حوله حِزام الأمان بالفعل، إنه يجري بالسيارة بطريقة توحي بأنه يطير، أشعر بمطبات الهواء التي ترفع السيارة، أترقب انقلاب محتمل.

رفعت يدي التي تقبض على حافة النافذة بحذر وكأنني في الفضاء وهذا الشيء الوحيد الذي يجعلني أثبت بمكاني ولا أطير لفقداني الجاذبية، أزحت بعض الخصلات عن وجهي حيث إن شعري يلتزق بوجهي ويلتف حول رقبتي من قوة الهواء لأن السيارة بدون سقف هي الأخرى كالتي كانت معه أمس لكن هذه حديثة وهو لم يكلف حاله إغلاق سقفها.

ادرت رقبتي نصف استدارة لأرى ليونار الذي يقبض على عجلة القيادة بأصابع ابيضت وسُحب منها الدماء من شدة قبضته على المقود بوجه مضطرب وعيون قاتمة.

لقد مر عليَّ ليقلني معه للعمل بالشركة كما يفعل كل يوم منذ عملي معه بشركته وعندما صِرنا بمنتصف الطريق جائته مكالمة هاتفية من فتاة تدعى "كوبرا" وأخبرته إنهم يتعرضوا لهجوم على المنزل، فاستدار بالسيارة وانطلق بسرعة البرق دون حتى أن يتوقف لثواني لأهبط، كما أنني خجلت من طلب هذا الشيء.

لو هاتفني أحد وقال لي أمك تعرضت للسرقة سوف أفعل نفس الشيء، وهذا أمه تتعرض للقتل!

_ أنزلي في الدواسة.

قالها ليونار بعدما توقف بالسيارة داخل منزل أمه وهو يترك مسدسه على تابلوه السيارة أمامي وقفز من مقعده للخارج ثم فتح صندوق السيارة وأخرج اثنين من سلاح الرشاش وركض للداخل حيث تصدح أصوات طلقات النيران كالألعاب النارية في ليلة رأس السنة.

أمسكت المسدس الخاص بليونار ولم أشعر بالخوف الذي أراه في المسلسلات عندما يحدث هذا وتحمل بطلة العمل السلاح، وجلست أسفل المقعد على أرض السيارة بجسد متأهب لحدوث شيء ما.

ما هذه الجرأة يا فتاة؟
لقد أصبح لديك خبرة في الهجوم!
كانت صدفة سوداء تلك التي جعلتني أحصل على روايات شهد كهدية وأُفتن بكتابتها، تبًا.

هاجمت مخيلتي ذكرى لي عندما كنت أقرأ أحد الروايات الخاصة بشهد، البطل كان زعيم مافيا إيطالية، كنت مفتونة بهذا البطل فطبعت داخلي رغبة صغيرة في إنني أرغب بتجربة هذا ليوم أن أتزوج رجل حياته مليئة بالحركة والمغامرة.

تبًا لكِ ماليكا ولرغباتك اللعينة، هل حصلتي على حلمك؟

هيا فلتتزوجي بليونار المختل لإنه كان البطل بالرواية، سوف تصبحي زوجة رجل مافيا حياته مليئة بالحركة، يقتل ويعود ليصافحكِ بنفس اليد التي كانت ممتزجة بالدماء منذ قليل.

سمعت صوت صرير احتكاك عجلات سيارة توقفت جانبي فرفعت رأسي ببطء وهدوء حتى صعدت عيني لفوق النافذة بقدر عقلة إصبع، فرأيت نيلان الذي كان يركض للداخل، فعدت للأسفل من جديد.

- هاكونا ماتاتا .. ارمى الماضى اللى يغيظ!
انساه والمستقبل اديه كل التركيــــــز
هذا هو البهريـــــز  الفلسفـــــي.
هاكونا ماتاتا.. هاكونا متاتا.

تبًا، ما الذي أقوله؟
ما الذي أفعله؟
لقد أمسكت بي أفرد ذراعي واضمهم للداخل في رقصة مجنونة، هل مرض ليونار معدي؟

داهمتني رغبة في الضحك فحررتها لبرهة فخرجت عالية رنانّة قبل أن أضع يدي فوق فمي لأكتمها بسبب صداها الذي تردد في الخارج، يبدوا أنني أمر بنوبة هلوسة سيئة من فرط التوتر.

توقف صوت الرصاصات فحل الصمت لدقيقة رفعت رأسي على مهل لألقي نظرة حولي فسمعت صوت صياح عالي عقبه خروج ليونار الذي يحمل أمه التي تبدوا مصابة بشكل خطير.

فتح نيلان الباب الخلفي للسيارة فأدخل ليونار أمه السيارة وسطحها فوق الأريكة ثم لف حول السيارة ورفع رأسها برفق وجلس بجانبها ثم أراح رأسها فوق قدمه في نفس اللحطة الذي صعد بها نيلان لمقعد السائق وانطلق بالسيارة في سرعة مقاربة للبرق.

رأيت سيارة آخرى تلحق بنا بنفس السرعة تقريبًا عندما اسدرت بجسدي للخلف ثم سلبت نظراتي عندما وقعت على ليونار أثناء مرور صقف السيارة الذي أغلقه نيلان من فوق رأسي.

مد ليونار يده التي ترتعش من رعبه الفُجائي يمسك بالقماشة المتخضبة بالدماء فوق جرحها النازف ببطنها وضغط على الجرح حتى يمنع النزيف فمرت لمحة ألم على وجهها وتدلت يديها التي كانت تمسك بها القماشة للأسفل.

- ماما متسبنيش .. متسبنيش.

قالها ليونار بنبرة مرتعشة بعين ستقفز من محجريها وتلتمع بها الدموع المتحجرة كصخور من الألماس ليبدوا ككيان حائر جمدته مأساة لم يعد قادر على حملها أو تصديقها.

- بحبك.

قالتها أمه بنبرة خافتة بعدما ابتسمت له باعياء، فحرك ليونار رأسه يمنى ويسرى بعنف والذعر يرتسم على وجهه وكأنه قادم مباشر من أعماق عقله قبل أن يقول بانفعال عاليًا ومرارة كمن ابتلع صبار:

- متقوليش بحبك، متقوليش إنت احلي حاجة حصلتلي، لا لا، لو بتحبيني مش هتسيبني.. متمشيش.

- متخفش.. مش.. هسيبك.

قالتها أمه بصعوبة والكلمات تناضل للخروج من فمها وهي ترفع كفها ببطء وتضعه فوق وجنته الشاحبة فتلطّخ وجهه بالدماء التي تغرق بها يديها تزامنًا مع سقوط دمعة تحررت من عينه استقرت على جبهة أمه حيث إنه ينحني فوقها برأسه.

- متخافش .. ماشي.

قالتها أمه لتنفض عنه بعض الخوف عندما أصاب جسده بالكامل عدوى الارتعاش من يديه فحرك رأسه بالموافقة تزامنًا مع تحرير دموعه من مقلتيه لتنزل الشلالات فوق وجنتيه.

- إنتِ بتكدبي عليا صح؟

قالها ليونار بتساؤل بشفتين مرتعشتين وكأنه طفل صغير يتأكد إن أمه سوف تعود لتأخذه من الروضة ولن تتركه حتى يغلقوا عليه المكان.

توقف نيلان بالسيارة أمام المشفى فقام ممرضين كانوا منتظرين بالفعل بنقل أمه للداخل فركض ليونار خلفها هو ونيلان ولحقت بهم -لا أعلم لماذا- بخطوات سريعة وصوت صرير ودوران عجلات الفراش التي تتسطح فوقه أمه ينغز أذني كسيخ محترق اخترقها.

مررت بما يُسمي "بديجافو" أمي فوق فراش يشبه ذلك يهرول بها الممرضين في طرقات المشفى، تختفي داخل غرفة العمليات، أقف بالخارج بعينين مترقبين وقلب يدق بطنين وروح محلقة حول أمي بالداخل لكف مرتعش مضموض إلى صدري.

حركت رأسي بعنف وكأنني أنفض الذكرى عن رأسي وأمنعها من السيطرة عليَّ، لن انهار الآن.

توقفت امرأة أمامي تلهث بفعل الركض والدماء تُغرق ملابسها المثقوبة بفعل رصاصة من منطقة الكتف تبدو في الأربعينات من عمرها، لحقت بها فتاة أخرى أصغر سنًا وخلفها يعقوب.

فاقترب ليونار من المرأة وقال بنبرة جزع وهو ينظر إلى جرحها الدامي:

- مروحتيش تخرجي الرصاصة ليه يا كوبرا؟ روحي معاها يا غزل.

حركت غزل ذات النظرات الشاردة رأسها بالموافقة ثم أحاطت كتف كوبرا بذراعها وحثتها على التحرك بسبب تعلق عينيها بغرفة العمليات، وذهب يعقوب معهن بعدما حثه نيلان على ذلك بنظراته فقد كان يقف كتمثال ويمرر نظره بين ليونار وغزل بتيه وكأنه لا يعلم ماذا يفعل.

هل أذهب خلف غزل؟
أم أبقى مع ليونار؟

ارتمى ليونار على المقعد بعينين طائفتان في مكان ليس نحن به، واستند بمرفقيه فوق قدمه الذي يحركها بتوتر ووضع رأسه بين كفيه وقبض على خصلات شعره فنزلت دموعه المنهمرة على الأرض كقطرات المطر بفعل إنحاء جسده، جلس نيلان جانبه وشده بين ذراعيه وربت على كتفه.

- ميدوسا مش بتقول حاجة مبتعملهاش.

قالها نيلان بنبرة حاول أن تكون مرحة ليطمئنه وهو يمسح دموع ليونار بظهر كفه تزامنًا مع قدوم رجل كزوابعة ومعه رجل آخر يرتدي ملابس سوداء ويظهر ذلك الوشم اللعين على ذراعه يبدو في مثل سنه.

نظر إلى ليونار بنظرة غير راضية قبل أن يسحبه بعنف لينهض ويدفع جسده تجاه الحائط مما أدى لاصطدام ظهرة بالحائط الحجري خلفه بقوة وتمايل جسده ونزول خصلاته على عينه من أثر الدفع.

- أنوبيس، الأنهيار ممنوع.

قالها بنبرة صارخة قاسية وهو يخبط كف يده جانب رأس ليونار الذي سرت رعدة به كموجة صاعقة، فقام نيلان من مقعده ودفع الرجل بقوة أدت لترنح جسد الرجل للخلف حتى وصل للحائط في الناحية الأخرى وارتطم به وكاد أن يسقط لولا استناده على الأريكة المعدنية التي أجلس عليها وسرعة إمساك الرجل الذي يحمل الوشم به (سليمان مامبا الحاوي)

- متعليش صوتك يا حاوي، وأعرف حدودك.

قالها نيلان بنبرة منفعلة ظهر بها غضبه المكبوت بعدما نفرت عرق برقبته، فأخرج الحاوي صوت ساخر من فمه وقال وهو يعدل قميصه بنبرة عالية:

- مفيش ملك بينهار، أنا معايا سِت وهاديس هيجوا يشفوه كده؟ بالمنظر ده؟ ما نحجبه أحسن بقى.

- خلاص.

قالها ليونار بنبرة متحشرجة إلى نيلان المتحفز وهو ينظر لذلك الرجل حامل الوشم بعدما وقف أمام الحاوي بابتسامة بغيضة وكأنه ينتظر عراك مع نيلان.

مسح ليونار دموعه بكفيه وتنحنح ليجلي حنجرته، حرك رقبته لليمين واليسار وأعاد خصلات شعره للوراء ثم جلس بثقة على الأريكة المعدنية بعدما تبدل حاله وكأنه شخص آخر مختلف أكثر قتامة.

هل قال الأنهيار ممنوع؟
الأنهيار ممنوع!
أمه مصابة برصاصتين وبين الحياة والموت بالداخل وهو يمنعه من الشعور بالخوف!

لم تمر دقيقة حتى جاء ذلك المدعو شمس الذي يقبض قلبي وذلك الـ هاديس وكان برفقتهم حليم وتركي الذي رمقني بنظرة متحفزة خائفة وهو يتقدم ناحية ليونار ويجلس بجانبه ولحق به حليم.

جلس شمس على الأريكة المعدنية جانبي على الناحية الأخرى فبتلعت ريقي ببطء قبل أن أنهض من مقعدي وأنتقل للناحية الأخرى لأقف جانب أبناء عمومة شهد، فقام كلًا من تركي وحليم لأجلي من جانب ليونار فجلست بعدما تركت مسافة بيننا.

- آه يا غالية، هخترع لمين من بعدك؟ كانت دايمًا تقولي يا ابن الـ **.

قالها ذلك المدعو شمس بنبرة نحيب وهو يضع يده على جبهته ويحرك رأسه بألم، فوضع ذلك المدعو حاوي يده على فمه يكتم ضحكة خافتة كانت سوف تصبح مجلجلة عقب نُطق شمس تلك السبة النابية التي تسبه بها نفرتاري عادتًا، فعل هاديس لكن متأخر حيث يبدوا وكأنه استوعب ببطء ما قاله شمس بسبب ضعف لغته العربية، بينما أنا انتفضت من ما قاله كمن قرصته نحلة.

- ما الذي تفعله "سِت" نحن بمشفى يا رجل.

قالها هاديس وهو ينظر إلى شمس الذي أخرج سيجارة بمظهر منبعج لا يبشر بما داخلها ووضعها بين شفتيه وأخرج قداحة من جيب قميصه في رغبة منه على اشعالها.

_ آه صح، أصلي حزين شوية، خلاص بلاش سجاير.

قالها ببساطة وأعادها إلى جيبه من جديد وأخرج زجاجة مربعة الشكل كالتي تظهر في الأفلام حيث تحتوي على نوع من الخمور، سوداء اللون محفور فوقها حروف بالهيروغليفية بلون ذهبي، فتح غطائها وشرب منها بعدما تقابلت نظراتنا لثواني.

هل يجب أن اقف في وسط المشفى وأعترف لليونار بحبي؟

يا الله ساعدني، هذا الرجل مخيف بحق، عيونه قاتمة للغاية، لا تتناسب مع مظهره الهزلي، وكأن عيونه هي الشيء الوحيد الذي يعبر عن حقيقته.

أبلعت ريقي بتوتر عندما ثبّت ذلك الحاوي نظراته عليَّ بتفحص فوقف تركي أمامي مباشرة يحجب رؤية الجميع عني، حسنًا تركي، سوف أتوقف عن ضربك مرارًا داخل مخيلتي.

نظرت جانبي إلى ليونار الذي يجلس بثبات يعقد ساعديه أمامه يضغط على شفته السفلية بأسنانه بمضغ، نظراته هائمة حيث يبدو إنه يسبح في مكان آخر، لا يسمع أي شيء حوله، إنه حتى لم ينظر إلى شمس عندما نطق جملته.

- ليونار .. ليو، ليو.

قلتها بنبرة خافتة إلى ليونار وأنا أمد يدي له بمحرمة أخرجتها من حقيبة يدي عندما لاحظت الدماء التي تدفقت من شفتيه السفلية بسبب غرزه لأسنانه بها، فانتفض جسده وكأنني أيقظته للتو من النوم ورفع يده بضعف بعدما نظر إلى يدي الممدودة وكأنه يحث ذراعه على التحرك، أمسك المحرمة ومسح الدماء بآلية وكأنه معتاد على ذلك.

سمعت صوت ركض فرفعت نظراتي التي كنت أبقيها على الأرض بجانبي في محاولة مني عد بلاط المشفى بعدما عددت الخطوط الطولية في قميص تركي الأسود حيث إن قماشته تبدو وكأنه تنفصل في موجات على هيئة خطوط.

رأيت صالح عم شهد يمر من أمامي بخطوات مهرولة ويدخل إلى غرفة العمليات فهو طبيب ثم فارس الذي سحب ليونار لحضنه بعدما جلس بينه وبين نيلان وبدأ يمسّد شعره بعدما استقرت رأس ليونار على صدره جاء من بعده جزء من أبناء عمومته اصطفوا جانب بعضهم البعض على الأرض بجانبه من ناحية نيلان.

- ما الذي تفعلونه هنا؟ لن يبيت حق ميدوسا، منذ متى ومملكنتا تتمهل في الأنتقام مِن مَن يمس شعرة من أحد أفراد شعبها؟

قالها قاسم عم شهد بلغة إنجليزية بنبرة جامدة وهو يضع يده فوق خصره عندما جاء ورمق الحاوي وشمس وهاديس بنظرة غير راضية أثناء جلوسهم جانب بعضهم، فوقف الثلاثة من مقاعدهم وكلًا منهما أشار برقبته للرجل الخاص بهم كما فهمت حيث إن كل واحد لديه شخص يرتدي ملابس سوداء ويحمل وشم ثعبان على مرفقه.

- لا داعي للحديث مع باقي القادة أنتم كفاية فقط خذوا "هيل هاوند" معكم وممنوع قتل النساء والأطفال سِت.

- لا قيصر، ما هذا؟ أين المتعة إن لم أذبح عائلته أمام عينه؟

قالها شمس بنبرة ضجر بعدما أحتل تعبير الدهشة على وجهه وكأنه قال لا لن تذهب للتزلج مما أدى لأنخفاض حرارت جسدي لأشعر به وكأنه لوح ثلج مِن هول ما سمعت؛ هل هذا حقيقي؟

- لا نساء وأطفال سِت، حسنًا؟

قالها قاسم بنبرة آمرة وهو ينظر له نظرة ثاقبة اخترقته بعدما عقد ساعديه أمامه، فقلّب شمس عينه بملل قبل أن يتحرك وهو يصدر صوت احتكاك بقدمه فوق الأرض الخزفية وكأنه يعبر عن سأمه كطفل أُخذت منه أمه حلوته المفضلة في نفس اللحظة التي وصل بها هارون الذي شارك في الحوار بقول:

- وإنت هاديس سيطر على انفصامك اللعين.

- تبًا رع، كيف أفعلها؟ أنا أتناول دوائي، لكن إذا قرر هاديس الخروج والأنضمام للحفل ماذا أقول له؟ ابقى بالداخل عزيزي؟

قالها هاديس بنبرة ساخرة بعدما رمق هارون بنظرة مستنكرة وكأنه يشاهد كائن حي منقرض بعد جملته الآمرة، فأشاح له هارون بيديه وتقدم تجاهنا بعدما نظر إلى ليونار ثم مد يده وأمسك بكتف ليونار الذي اعتدل في موضعه بعدما خرج من بين ذراعي فارس بعدها سحب فارس من مقعده ودفعه على الأرض كالدمية وجلس هو بمكانه وضم ليونار له كما كان يفعل.

- إيه يا عمي الغباء ده؟

قالها فارس بنبرة تهكمية وهو ينظر له بوجه متشنج بعدما وضع يده في خصره عقب نهوضه من فوق الأرض العارية، تجاهله عمه وطبع قبلة حنونة على جبهة ليونار الذي أفتر ثغره عن ابتسامة بسبب ما حدث مع فارس وهو يمسد شعره بحنان.

- أنا عايز شيخ يبخرني، فريدة قالتلي أنا عايزة أنزل البحر، ضربت الماميو وقولت علشان الحق أنزل البحر قبل ما تحصل مصيبة، ملحقتش أوصل.

قالها عمه هارون بنبرة هزلية وأنا أنهض وأعود لمجلسي السابق بعدما رحل شمس، فأهتز جسد ليونار بين ذراع عمه من الضحك بعدما نظر للسروال القصير الأسود وقميص هواي المنقوش بأوراق الأشجار الذي يرتديه.

_ أحسن.

قالها خوفو الذي يجلس أرضًا بجانب باقي عمومة شهد بتَرَفُّع وهو يرمقه بنظرة جانبية، فضرب هارون كف يده الحرة فوق قدمه بضيق وهو يقول:

- لا إله إلا الله، مش إنت كان المفروض عندك سباق النهاردة؟ أنا غلطان إني سيبتك مع اخواتك يعني؟

-  بس بس، خلّي جبّار ينفعك. (المامبا الحامي الآخر لهارون)

قالها خوفو بنبرة غيرة واضحة، فحرك هارون رأسه بدون تصديق ولم يرد عليه ثم طلع قبلة أخرى على جبهة ليونار.

عادت كوبرا من جديد رفقة غزل ويعقوب وجلست جانبي تثبت نظراتها باب غرفة العمليات بوجوم بينما جلست غزل في الناحية الأخرى مني وتجمعت الدموع بعينها وبدأت تسيل بسلاسة وكأنه كانت تتوق للخروج من مقلتيها، مددت ذراعي بتردد ثم أحاطت كتفها وضمتها إليَّ فتركت جسدها بين ذراعي ببساطة وكأننا أصدقاء منذ زمن.

سمعت ركض من جديد فنظرت للأعلى من فوق شعر غزل رأيت الفتاة التي تُدعى جميلة قادمة تجاهنا وترتدي المعطف الأبيض الطويل الخاص بالأطباء حيث إنها تعمل طبيبة بالمشفى كباقي عائلتها - كما علمت- فهي مشفاهم.

  جلست جانب غزل من الناحية الأخرى بعدما دفعتنا لنلتزق نحن الأربعة داخل الأريكة المعدنية التي تتسع لثلاثة أشخاص، نظرت لها غزل بدهشة بعدما رفعت رأسها من فوق كتفي وقالت:

- بتعملي أيه هنا دلوقتي؟

- في عيل غتت مش عايز يتولد من إمبارح، الست بقالها ١٢ ساعات بتولد .. آه، أنا تعبت اوي أنا عايزة أتزف على بيت حبيبي بقى.

قالت جميلة آخر جملة وهي تنظر بهيام تجاه باسل  الذي يجلس أرضًا جانب خوفو وينظُر ناحية ليونار، فابتسمت غزل بسمة صغيرة عليها في نفس الوقت الذي وقف يعقوب أمامنا ومد يده إلى غزل بحقيبة بلاستيكة تحتوي على عُلب عصير وماء فأخدتها منه غزل.

- ألبسيه الدنيا برد.

قالها يعقوب وهو يمد يده لها بالقميص الأسود المصنوع من قماش الدنيم بعدما خلعه وبقى بالقميص القطني الأسود الذي يصل لمنتصف ذراعه ليظهر وشم الثعبان واضحًا عليه؛ أخذته غزل وارتدته فوق القميص القطني القصير الذي يصل لمنتصف بطنها وعلى وجهها ابتسامة توحي بإنها توشك على الانفجار بالضحك.

- اقفليه علشان البرد وإنت تعبانة.

قالها يعقوب بهدوء بعدما ارتدت غزل القميص دون إغلاق أزراره، فتحرك يعقوب من أمامنا بعدما حركت غزل أصابعها الرفيعة وأغلقت جميع الأزرار ثم وضعت كفها على ثغرها لتداري ابتسامتها.

- يعني مش علشان غيران، تؤتؤ، علشان تعبانة.

قالتها جميلة بنبرة ساخرة فافلتت ضحكة خافتة من فم غزل ثم قالت لها بنبرة ساخرة وهي تلملم خصلاتها خلف أذنها:

- مبروك عليكِ الرهان.

- ليه؟ مش عارفه تظبطي حد؟

- مش عارفة أخرج من البيت، يعقوبي مقفلها اوي.

قالتها بنبرة منتحبة تمثيلية ثم ضحكت الاثنين بخفوت قبل أن تحكي لها بنبرة خافتة إن يعقوب تشاجر مع أرثر ابن القائد أرزيونا لإنه أمسك يدها فتركته لأنه تحدث بتعالي مع يعقوب وأخرجته من رأسها ثم بعد ذلك تحدثت مع القائد "هيل هاوند" (كلب الجحيم) عبر رسائل على أحد مواقع التواصل الأجتماعي وأتفقت معه على مقابلته في موعد غرامي وسافر لها من روسيا إلى إيطاليا منذ أسبوع عندما كانت هناك لكنها لم تذهب لمقابلته لأن يعقوب أخبرها إنها مصابة بفيروس كورونا ويجب أن تبقى بالمنزل لأسبوعين فقط لإنها سعلت لمرة واحدة.

- إحنا نعمل رهان مين فينا توكسيك أكثر من الثانية.

قالتها جميلة بنبرة ساخرة بعدما ضحكت على حديث غزل السابق وهي تضرب كف غزل بكفها، ثم نهضت بسرعة وسحبتني أنا وغزل وركضت بنا في أورقة المشفى عندما نادى ممرض اسمها في المذياع ثم دلفت بنا إلى غرفة عمليات وعقمت حالها بسرعة وأتجهت إلى السرير حيث تتسطح امرأة ببطن منتفخة فوقه في وضع الولادة!

- هل جاء أخيرًا؟ حسنًا لنبدأ حبيبتي ادفعي هذا الوغد الآن.

قالتها جميلة للمرأة بمزاح بلغة إنجليزية بعدما تقدمت من المرأة وبدأت عملية الولادة، خطت غزل نحوهم وقالت ببساطة وسط صرخات المرأة وكأن شيء لم يحدث حولنا:

- خرجت مع سِت date الأسبوع اللي فات كان عامل فيها ليونار، خرجت معاه علشان كان فاكر إنه بيهددني وكده لكن الحقيقة أنا كان عندي فضول أخرج معاه.

_ إنت تقومين بعمل رائع، حسنًا الآن لا تتوقفي إلا عندما أخبركِ حتى إذا كان الألم غير محتمل.

قالتها جميلة للمرأة التي تلد فبدأت صراخها يعلو وأمسكت بشعر غزل التي تقف جانبها فصار الاثنين يصرخان بنفس واحد بتناغم وكأنهن كورال يغني، فشعرت بقشعريرة سرت في جسدي ووخزتني أسناني وكأنني أمضغ ثلج عندما فكرت في مقدار الألم الذي تشعر به المرأة الآن.

- ملقتيش غير سِت وتخرجي معاه، مش بطيق أهله،  وعمل إيه معاكِ؟

قالتها جميلة بنبرة ضائقة إلى غزل بعدما تركت المرأة شعرها عندما قالت لها جميلة أن تتوقف وتتنفس ثم تُعيد الكرّة من جديد.

فنظرت إلى الاثنتين بفك ساقط من ما يحدث، المرأة تلد هنا وهما يتحدثن ببساطة!

- محصلش حاجة أوي علشان سوحته ومقولتش حاجة كان بيعملها ليونار معايا، ومعرفش يطبخ أصلًا، عمل كيكة من السريعة دي في المايكرويف، بس رقصنا مع بعض.

قالتها غزل بنبرة هزلية ثم صدح بكاء الطفل الصغير عقبه "ذرغودة" عالية من فم غزل.

________________________𓂀

دلفنا للمرحاض ثلاثتنا لنغسل وجوهنا الذابلة من الإرهاق والخوف الذي قتل قسماتها، علمت ما حدث عندما أخبرت غزل جميلة بالأمر حيث إن نفرتاري قتلت واحد من أكبر زعماء مافيا روسيا لأنه تدخل وقام بحماية "العليمي" الذي هجم رجاله علينا بالمصنع لأنها هي التي أصرت على قتله بنفسها، فقام بتهديدها إن قتلته سوف يقتل ابنها ليونار فقتلت الاثنين مما أدي لتدخل باقي مجموعة الرجل لقتلها.

_ أبوكِ ضربك تاني؟

قالتها غزل بنبرة حزينة إلى جميلة التي ظهر بقعة بنفسجية أسفل عينها بعد أن تم إزالة المساحيق التجميلية التي تخفي البقعة أسفلها وهي تمسك ذقن جميلة بأناملها وتنظر إلى وجهها بتفحص.

- ده ولا حاجة، لسه كاسر ذراع براء وفاتح دماغ بدر بس ده يستاهل علشان راجل ** شبه أبوه، أصله مش طايق نفسه علشان موضوع جومانا .. هموت بجد، كل ما أفتكر شكله وهو هيتشل ومش عارف يعمل حاجة بقع على نفسي من الضحك.

قالتها بنبرة ساخرة ثم انفجرت بالضحك حتى دمعت عيناها، لم تكن قهقهتها مرحًا بل كانت مسمومة بالآلام كالتي تحدث بعد نوبة انهيار تام مصحوبة بصراخ من الآف الأصوات المختبئة بالداخل ثم يأتي الضحك الفارغ الذي يتغلغل به كل شيء عدا المرح.

- تفتكري فارس هيقدر يقتله؟

- لو فاكرة إن ليونار هيسيب فارس يدخل المواجهة تبقي هبلة، ليونار هو اللي هيدخل مكانه. 

قالتها غزل بنبرة ساخرة بعدها طرقعت بلسانها للأجابة على سؤال جميلة السابق، وهي تُعيد تغطية البقعة البنفسجية عن طريق الطبطبة على وِجنة جميلة بواسطة إسفنجة بيضاوية الشكل وردوية اللون بعدما غمزتها داخل أحد مساحيق التجميل الخاصة بجميلة.

- أنا بفكر أبعت الفيديو ده على جروب النادي وأقول سِت وقع في حبي.

قالتها غزل بنبرة هازلة وهي تقف بيني وبين جميلة لنشاهد معها على هاتفها رقصتها مع شمس في محاولة منها لتغير الموضوع، حيث ظهر الاثنين يرقصان بجانب بعضهم البعض دون تلامس، حافين الأقدام فوق رمال قمة جبل بحركات بارعة لكنها بارعة أكثر منه حيث يظهر إنه يركز على حركاته على العكس من سلاسة تحركها.

- هو لو أي حد تاني غير سِت كان ممكن يتصدق، كلنا عارفين إنه كل يوم بشخصية.

قالها جميلة ونحن نخرج من المرحاض ونتجه إلى غرفة العمليات ثم بدأنا الركض عندما رأينا جميع الرجال وقفوا فجأة عندما خرج صالح من غرفة العمليات يمسح وجهه بإرهاق ثم قال إلى ليونار الذي يتحرك بؤبؤ عيني بجنون مترقب بنبرة ساخرة:

- متخفش يا أخويا دي زي القرد، أنا اتشتمت بأمي قدام الطقم الطبي كله اللي معظمهم طلابي علشان أخرج أقولك متخفش "يا ليو أنا كويسة"  أنا أصلا مش فاهم هي فايقة إزاي؟

ضحك الجميع على ما قاله صالح قبل أن تسلب نظراتهم من جديد ناحية الباب الخشبي المزدوج لغرفة العمليات عندما فتح وخرج منه عدد من الممرضين يسحبوا الفراش الذي تتسطح فوقه نفرتاري الذي تتمتم بـ "ليو" بثقل وطريقة غير مفهومة وهي نائمة بفعل المخدر الذي يسيطر على جسدها.

خطى خلفها ليونار بخطوات بطيئة مترنحة ولحق به فارس حتى اختفى جسدها داخل غرفة في آخر الرواق ثم وضع كف يده على الزجاج الخاص بالغرفة من الخارج وهو ينظر لها من خلاله بعينين متلهفة وهو يضغط على شفته السفلية من جديد، أحاط هارون كتفه بعد أن وقف جانبه وطبع قبلة على جبهته وهو يربت على ظهره بحنان.

ركضت غزل من جانبنا جاورة ليونار بعدما ضحك الحزن ضحكة رنانة عندما سيطر عليها من جديد بعدما ظنت إنها تفوقت عليه، فتحركت جميلة تجاهها فلحقت بها حتى وصلنا لها وأحاطت جميلة كتفها برفق.

- يلا يا ماليكا علشان تروحي.

قالها ليونار بنبرة مرهقة وكأنه كان يركض لمدة ساعة متواصلة عندما وقعت أنظاره عليَّ فحركت رأسي بالموافقة على مضض بعدما نظرت إلى غزل فأنا لا أرغب في تركها.

ماليكا أقسم إنكِ بالكاد عرفتها.
هذه الفتاة أبيها رجل مافيا كنتي تعملين بمصنعة ويقوم بتهريب السلاح للخارج!
ما الذي تفعلينه يا فتاة؟
هيا صاديقيها فهذا شيء مشرف للغاية!
سوف تعطيكِ خصم خمسين بالمئة عندما تفكري بشراء سلاح من عندهم.

مشيت أمام ليونار بعدما ودعت الفتاتان وسجلت غزل رقمها على هاتفي بعد أن سحبته من جيب بنطالي ووضعته أمام وجهي لتفتح القفل ثم خطت بأناملها رقم هاتفها وأعادته لي بدون استئذان!

حسناًا الآن صار لدي من صديقاتي، فتاة عائلتها تعمل بالأثار والأخرى أبيها يعمل بالسلاح؛ والمضحك إن الأولى حبيبة مديري والثانية حبيبته السابقة.

هل غزل أم تميم؟

- أنا آسف علشان كل اللي حصل النهاردة.

قالها ليونار بهدوء بعدما خرجنا لمرأب المشفى بقسمات وجه مقتضبة عابسة بكتفين متهدلين وكأنه كبر فجأة، كأنه شخص آخر غير الذي قابلته، فحركت رأسي بمعنى لا عليك وأنا أصعد للمقعد الأمامي للسيارة بعدما فَتح باباها لي ثم استدار حول السيارة وجلس في مقعد السائق.

هل سيقوم بتوصيلي بنفسه؟!

- هل يمكنكِ الغناء لي من فضلك .. غني أي شيء يعيد نبضات قلبي إلى وتيرتها، ليو خائف، هو صغير مازال في العاشرة لقد حبسته هناك بعيدًا عن كل هذا وهو الآن خائف، لأنها أمه، أمه التي تحبه، لا يمكنني السيطرة عليه ماليكا.

قالها بنبرة مختنقة وهو ينظر للأمام بنظرة شاردة وكأنه لا يرى أمامه بل ينظر لصورة محفورة أمام عينه، هو فقط من يراها وطبقة رقيقة من الدموع تغلف مقلتيه، فحركت رأسي بالموافقة واغمضت عيني بتفكير ثم تذكرت الابتهال الذي أقوله عندما أشعر بالحزن.

❞ وَكَم لِلّهِ مِن لُطفٍ خَفيٍّ
   وَكَم لِلّهِ مِن لُطفٍ خَفيٍّ
  يَدِقُّ خَفاهُ عَن فَهمِ الذَكيِّ
وَكَم يُسرٍ أَتى مِن بَعدِ عُسرٍ
وَكَم يُسرٍ أَتى مِن بَعدِ عُسرٍ
فَفَرَّجَ كُرْبَة القَلْبِ الشَجيِّ ❝

ارتسمت أمام جفوني المغمضة صورتي الواضحة، أجلس في الشرفة مساءً، أرفع رأسي للأعلى لأطلق الشهقة المحتبسة داخل صدري، أتعثر في نطق حروف الابتهال بسبب اختناق تنفسي وشهقات بكائي العالية؛اصمت، أتوقف عن البكاء.

تأتي ذكرى لي رفقة أمي، نجلس في بالشرفة في موعد الغداء، تضع أمي السمك الذي نزعت منه الأشواك فوق الصحن الذي يحتوي على الأرز خاصتي لأنها معتادة على ذلك وليس لأنني لا أستطيع، ابتسم لها بهدوء ثم أضمها بشدة.

❞ وَكَم أَمرٍ تُساءُ بِهِ صَباحًا
وَكَم أَمرٍ تُســـــاءُ بِهِ صَباحًا
وَتَأتيكَ المَسَرَّةُ بِالعَشيِّ ❝

تتجمع الدموع في مقلتي من جديد لكن ببطء، أعود إلى ابتهالي لكن بصوت خفيض، مكتوم إلى أن أشعر بالهدوء؛ السكينة.
يخبط الهواء وجهي، تتجمد وجنتي المبللة.
أسمع صوت الرياح، ابتسم بتعب، الله معي.
أنهض وأجلس فوق الطاولة جانب حافة سور الشرفة حتى الشروق الذي يجعل ماء النيل تلتمع.

❞ إِذا ضاقَت بِكَ الأَحوالُ يَومًا
  إِذا ضاقَت بِكَ الأَحوالُ يَومًا
  فَثِق بِالواحِدِ الفَردِ العَلِيِّ
  وَلا تَجزَع إِذا ما نابَ خَطبٌ
  فَكَم لِلّهِ مِن لُطفٍ خَفيِّ ❝

- يا إلهي، لماذا تبكين؟ أوه هل احببتني بهذه السرعة؟ كنت أعلم ذلك، نعم نعم، أعلم أنني وسيم وجذاب ولا أقاوم .. سوف أقتل جميع الأوغاد.

قالها بنبرته المرحة بعدما توسعت مقلتيه وأصدر شهقتة عالية مع وضعه كفه على فمه، ثم ضيق جفنيه بشر وهو يضيف آخر جملة بعدها استدار بجسده سند ظهره على باب السيارة وأخرج صوت ساخر من فمه قبل أن يقول وأنا أنظر له بصدمة من تغيره المفاجئ أكثر من دهشتي أنني كنت أبكي أثناء الغناء بدون شعور.

- اتعلمين؟ أعطوني المركز الخامس في مسابقة ملك جمال الأوغاد الخاصة بي وبأخواتي بالمشاركة مع فارس، هل تصدقي ذلك؟ لقد تشاجرت معهم وقدمت طلب تظلم ..  لقد فاز باسل الوغد بالمركز الثاني فقط لإنه يمتلك عيون رمادية وخوفو المركز الثالث لخوفهم منه وبكر الصغنن المركز الرابع لأنه يمتلك بؤبؤي عين مختلف.. بينما أمتلك اللقب موسى! هل تصدقي هذا؟!
حسنًا هو وسيم لكنني أستحق ذلك، أنا أمتلك العديد من المواهب.

رفع يده للأعلى في وضع الاستعداد للأداء مشهده التراجيدي ثم قال بألم يتقطر من صوته:

- كيف لهم أن يفعلوا ذلك بي؟
يا إلهي، إلي متى سوف يستمر هذا الظلم؟
لماذا لم ينصفني أحد؟
لماذا من بين جميع رجال العالم أمتلك هؤلاء الأوغاد؟
فلتذهبوا للجحيم جميعًا رفقة نساء العائلة، يومًا ما سوف أفوز بمسابقة ملك جمال العالم وليس ملك جمال الأوغاد.

- يا عيني يا ابني ده إنت شايل كتير وساكت، قلبي اتعصر عليك.

قلتها بنبرة غير مصدقة مازحة ثم أخرجت صوت ساخر من فمي فصدحت ضحكة ليونار العالية قبل أن يقفز من السيارة كالقرد وصعد به نيلان لمقعد السائق في نفس الوقت الذي لف ليونار حول السيارة واستند بكفيه على حافة النافذة جانبي ثم قال بتساؤل:

- هيه قاسية الفؤاد هناك سؤال يدور داخل رأسي منذ مدة لكنني أخاف من سؤاله، هل سقيتي الكعكة؟

- إطلع قبل ما ارتكب جريمة.

قلتها نيلان بنبرة ضائقة بعدما ضممت أصابع يدي في هيئة قبضة عندما تذكرت ما فعله داخل منزلي، فانطلق نيلان بالسيارة تزامنًا مع صدوح ضحكة ليونار العالية من جديد ثم قال بصوت عالي قبل أن أختفي من أمامه

- هيه قاسية الفؤاد، أحبال صوتك شفرات حادة تقتل كل من يسمعها.

_________________________________𓂀

(يوم ١٤ بالشهر)

خرجت من المتجر أخيرًا، أشعر بتخدر ذراعي من ثقل الحقائب البلاستيكية التي أحملها بيدي بعدما انهيت تسوقي حيث إنه دوري أنا ونهى في شراء الأطعمة وباقي احتياجات المنزل، هززت رأسي بالموافقة على حديث نهى الذي لا أعلم عنه شيء أو على ماذا وافقت في الواقع  أثناء سيرنا تجاه المنزل.

عقلي شارد في مكان آخر، من الفتاة التالية؟

ظل السؤال يتردد في ذهني منذ الأمس مرارًا كنغمة إعلان بغيض ضلّت ملازمة لي تصدح داخل عقلي وتكرر رغمًا عني.

توقفت سيارة أمامي في الناحية الأخرى سوداء اللون لثانية في حركة بطيئة كابوسية قبل أن تُسرع من جديد وتختفي الفتاة التي كانت تمشي على حافة الطريق رفقة أصدقائها الذين صدحت صرخات البعض منهن في نغمة واحدة وكأنهن يقمن حفل في دار الأوبرا.

انتفض جسدي وتتسللت إلى أوردتي رجفة فزع مع حبس شهقة داخل حنجرتي لأقل من ثانية قبل أن أترك الحقائب البلاستيكة من يدي لتسقط على الأرض وتتبعثر محتوايتها ثم عدوت بأقصى سرعة لدي خلف السيارة وأنا أصرخ بالمساعدة.

السيارة تبتعد، تبتعد ماليكا.

أسرعت من ركضي حتى شعرت إن قلبي سوف يتوقف من شدة النبض بل شعرت أن جسدي بالكامل عبارة عن نبضة واحدة وتنتزع جسدي من مكانه بثوبات للأمام ثم انقلبت على وجهي وتدفقت الدماء في فمي نتيجة جرح لساني بواسطة أسناني، وشعرت بلهيب بخدوش متفرقة في جلد ركبتي، مرفقي، وبطني.

السيارة تبتعد أكثر ... تبتعد.

نهضت من جديد وعدت للركض وأنا أجر قدمي المصابة من اِلتواء كاحلي عندما وقعت فوقها، رأيت السيارة تبتعد أكثر، تختفي من أمامي.

مددت يدي للأمام في محاولة طفولية من عقلي الذي أوحى إليَ أنني يمكنني إمساكها لكن طعم الأمل تحول إلى الطعم الصدئ للدماء داخل فمي، نزلت على الأرض بحركة بطيئة، لم تعد قدمي تتحمل حملي، قبض على حفنة من الغبار وأنا أحرر صرخة عالية مزقت حنجرتي.

لقد حصلت على إجابة سؤالي.
خُطفت الفتاة أمام نظراتي.
لم استطع فعل شيء.

يتبع..

★ متنسوش التصويت (vote) 
________________________

_ لا تنسوا الدعاء لأخوتنا بغزة في جميع صلواتكم، رفع الله عنهم ونصرهم.
للتذكير: سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، نِعمَ الزادُ هذا يا رب.
اتفاعلوا معايا على الفصل علشان كتبته وأنا نفسيتي تعبانة ودي حاجة بتبسطني🤍

رأيكم في الفصل؟
مين شخصيتم المفضلة لحد دلوقتي؟
توقعاتكم الأحداث؟
شكرًا لكل البنات القمرات اللي بتعمل فوت وبتتفاعل معايا 🤍 🫂

السندوتشات اللي قالت عنها ماليكا أنا بعملها عادي، جربوها😂

إلى اللقاء: رفع الله عنكم الحزن جميعًا.

Continue Reading

You'll Also Like

268K 10.4K 30
Just a Drarry fanfiction! Completed 30/07/17. TRIGGER WARNING: Suicide, Parental Verbal Abuse. None of these characters or places are mine but the st...
72.8K 6K 36
U+Z ဒီနေ့မင်းလွင် + ဒီယောရာဇာဓိရာဇ်
38.5K 4.4K 36
[Complete] A flirty, romantic adventure & feel-good read! *** Lana Asfoor was content to live with the status quo and ignore her piling debt. Ignora...
254K 10.3K 25
"မောင် မဆိုးစမ်းနဲ့ကွယ်" "ကျုပ်ကိုမချုပ်ခြယ်နဲ့"