الكتـابات الكـاذبة

By roma_7m

6.6K 759 493

إذا كنت من عشاق الروايات الرومانسية و تبحث عنها دائمًا يسعدني أن أرحب بك في عالمنا الصغير السعيد.. للغاية. و... More

المقدمة..
الفصـ1ـل {جثتين}.
الفصـ2ـل {ماستها الرقيقه}.
الفصـ3ـل {سيارة محترقة}.
الفصـ4ـل {ليس في صالحك}.
الفصـ5ـل {بفعل فاعل}.
الفصـ6ـل {ألستِ القاتله؟!}.
الفصـ7ـل {سأثبت}.
الفصـ8ـل {تشبه والدتها}.
الفصـ9ـل {ستأتي}.
الفصـ10ـل {عم مدمن}.
الفصـ11ـل {إنتصار دَنِيءٌ}.
الفصـ12ـل {لذة مؤقتة}.
الفصـ13ـل {خبر حصري}.
الفصـ14ـل {تزييف الحقائق}.
الفصـ15ـل {ليمار}.
الفصـ16ـل {حديث فارغ}.
الفصـ17ـل {عوض في صورة مختلفة}.
الفصـ18ـل {عبث بعد الزواج}.
الفصـ19ـل {رسالة خفية}.
الفصـ20ـل {حقيقة مبعثرة}.
الفصـ21ـل {مصدر أمان، أم أذى!}.
الفصـ22ـل
الفصـ23ـل
الفصـ24ـل
تنويه هام صدقني
الفصـ25ـل {ليتك لم تصارحني}.
٢- الكتـابات الأخيـرة .

١- الكتـابات الأخيـرة .

135 19 2
By roma_7m

١- الكتـابات الأخيـرة..

أعترف "مختار" بكل شئ كما أعترف رجاله أيضًا بأمر تجارة المخدرات و من كان له علاقة بيوم الحادث الخاص بـ"حاتم" أعترف بكل شئ إلى "صهيب" و تم أخذ إعترافات "سيد" كإعترافات رسمية و أصبح شاهد ملك على كل ما حدث في ليلة الحادث .

وصلت "ليمار" إلى مركز الشرطة ليبدأ التحقيق معها في ما حدث في ذلك اليوم لتقول تلك المره كل شئ بالكامل و بكل صراحة أمام أعين و مسمع "صهيب"..
تنظر أمامها بأعين شاردة و وجهها بأكمله يظهر عليه الإرهاق و بشدة، نبرة صوتها لا يظهر بها أي مشاعر و يشوبها الجمود فقط، و رغم ذلك تجلس بإسترخاء على المقعد، تثني قدم و ترخي الأخرى أمامها و كأنها رسميًا أصبحت مستسلمة للواقع:
- اليوم ده كان عادي زي أي يوم بس الفرق إن صحبتي "زيزي منصور" جتلي الصبح و أنا بجهز "ماسة" بنتي عشان أوصلها الحضانة و هي عمومًا كانت متعودة تجيلي كتير عشان كانت أقرب حد ليا طول عمري و يعتبر هي ملهاش غيري فكان عادي المفروض، دخلتها البيت و فضلت ترغي معايا في أي كلام لحد ما خلصت مع بنتي و كنت خلاص المفروض هروح أوصلها و قولتلها تيجي معايا بس هي رفضت و أصرت تفضل موجودة في البيت قال إيه تعملي حاجه أكلها عقبال ما أجي .

ضحكت بسخرية على الأمر و هي تضع يدها على وجهها ثم عادت لحديثها مرة أخرى و تلك المرة بنبرة ساخرة:
- عادي صحبتي و زي أختي مفيش مشكلة و عايزه تخفف عني، بس أنا نسيت أن في إبن **** في البيت .

ليقول "صهيب" بنبرة تحذيرية جادة:
- مدام "ليمار" إحنا في تحقيق ياريت بلاش كلام ملوش لازمة .

أومأت بتفهم و هي تعيد خصلات شعرها للخلف، ظلت تعبث في خصلاتها قليلاً قبل أن تنظر إلى "صهيب" و هي تزفر بضيق:
- معاك توكة أو استك ؟؟

تعجب من سؤالها و لكنه أومأ بإيجاب على مضض، فتح إحدى أدراج المكتب ثم أخرج منه ذلك البلاستيك المطاط ثم مد يده به ليضعه أمامها، أخذته سريعًا لتضعه في رسغها قبل ان تبدأ في تجميع خصلات شعرها القصيرة إلى الأعلى و انسدل منها بعض الخصلات القصيرة أمام وجهها لتشكل غرة، انتهت من ربط خصلاتها بالمطاط ثم بدأت في ترتيب الغرة الثائرة، حمحمت و هي تعتدل في جلستها لتنظر إليه بإبتسامة هادئة:
- يومي كان طويل و أيامي أطول، مكنتش هعرف أكمل كل ده و شعري بالمنظر ده .

أومأ بهدوء ليقول بعدها:
- مفيش مشكلة، تقدري تكملي .

لتستكمل هي سلسلة إعترافاتها قائلة:
- وصلت بنتي الحضانة و رجعت البيت و لقيتهم سوا، مقدرتش أمسك نفسي و أول حاجه جات في دماغي عملتها، و هي إني دخلت المطبخ و جبت السكينة و ضربت الأتنين بيها و مهتمتش لأي حاجه، كانت رغبتي في الإنتقام المره دي أقوى من إني أستنى و أسأل و أتكلم أو أتفاهم، أو حتى أطلب الطلاق، الخيانة و إحساس الخزلان قوي أوي لدرجة إني فعلاً محستش بأي ندم بعدها إلا بعد فترة، لكن حتى لما حسيت بالندم كان عشان دمرت حياتي و حياة بنتي، و بالنسبة ليا رصيده خلص خلاص معايا..
المهم روحت بعديها غيرت هدومي و أخدت السكينة و أي حاجه طالتها أيدي و رميتها في صندوق زبالة بعيد شوية عن الشارع إلي كنت ساكنة فيه..
و روحت لخالي عشان كان الشخص الوحيد إلي يقدر يساعدني في الموضوع ده .

أومأ عدة مرات بتفهم قبل أن يتسائل:
- ليه كان عندك ثقة إنه يساعدك بالطريقة دي ؟!!

لتجيبه ببساطة:
- عشان زي ما قولت لحضرتك، حاجات زي دي مش غريبة عليه أعتقد، و فعلاً قدر يعمل كده، رغم إنه ضحك عليا و جوزي طلع عايش و كانت مجرد إصابة .

: مدام "ليمار" قبل ما تروحي لخالك في نص ساعة اختفيتي فيها مع جارتك إلي أسمها "أميرة محمود"، كنتِ فين وقتها ؟!

أبتلعت ريقها بإرتباك فـ هي لا تريد إقحام "أميرة" في ذلك الأمر لتقول على مضض:
- كان اليوم ده حفل توقيع لكاتبة إحنا الأتنين بنحبها وكده، بس كنت ناسية الموضوع خالص بسبب إلي حصل، بس هي شافتني لما نزلت من العمارة و فكرتني بالحوار ده و عشان متكشفش قدامها، وفقت و روحنا وقتها بس أنا مشيت علطول، و "أميرة" ملهاش دخل بأي حاجه حصلت من إلي قولتلك عليها .

نظر "صهيب" إلى الرجل الجالس بجانبه ليملي عليه عدة أشياء، دونها الرجل في ورقة التحقيق الرسمي قبل أن يتركه و يذهب .

خرج الرجل من الغرفة لينظر "صهيب" إلى "ليمار" متسائلاً بهدوء:
- كدبتِ ليه ؟!

رفعت إحدى حاجبيها بإستنكار قبل أن تقول متهكمه:
- ده أنت هتكمل التحقيق من عندك ولا إيه ؟!

لم يجيبها بل ظل ناظراً نحوها بهدوء و نظرات جامدة، زفرت بضيق قبل أن تقول:
- مظنش يعني إني ممكن أبقى صادقة في موقف زي ده .

عقد حاجبيه بتعجب متسائلاً:
- و إيه إلي أتغير ؟!

: أكتشفت أني كنت غبية لما وثقت في خالي، و بنتي إلي تعبت من كل إلي بيحصل، و خالي برضو إلي المفروض كان بمثابة أبويا طلع معندوش مانع إنه يقتلني عادي، يمكن السجن يبقى أحن عليا مع جوزي و أهلي .

تأهبت حواسه و هو يعتدل في جلسته قائلاً بعدم فهم:
- يقتلك !!

تنهدت و هي تعتدل في جلستها ثم قالت:
- حاجه مش مهمة .

تغاضى عن ذلك الأمر ما دامت لا تريد الحديث فيه فهو لن يشكل فارقًا كبيرًا في الجرائم المنصوبة إلى"مختار"، هو لن يخرج من التهم الموجهة له من الأساس .

: مش هتكلم في نقطة القتل و أنتِ مكنش ينفع تعملي كده و كان لازم تعملي حاجه تانية، هتكلم في نقطة المحاكمة، أنتِ شوهتي موقفك تمامًا لما جريتي على خالك، التهمة لو ثبتت على جوزك كانت هتبقى قضية شرف و الحكم هيبقى تلات سنين ولا أكتر ولا أقل، لكن لما روحتي جريتي على خالك دخلتي في حوارات تانية خالص، كنتِ تقدري تعفي نفسك منها .

هزت رأسها بنفي ثم قالت:
- مكنش في دماغي كل ده وقتها، كنت كل إلي بفكر فيه إني خلصت من "حاتم" و بس و هعيش مع بنتي في هدوء و من وجع دماغ، مكنتش ولا عايزه أدخل السجن ولا غيره، يمكن متفهمش قصدي لو أنت معندكش حد أنت مسؤول منه لكن أنا عندي و كمان دي بنتي، خايفه عليها و مش مطمنه على وجودها مع "حاتم" بعدين لكن مقدميش حل تاني .

ليقول "صهيب" ببساطة:
- كان قدامك، بس أنتِ ضيعتيه، أنتِ هتقضي فترة كبيرة في السجن و لو خرجتي منه على خير أظن بنتك وقتها هتبقى كبيرة و فاهمة إيه إلي حصل من حواليها .

أبتسمت بهدوء و هي تنظر أمامها، ثم نظرت الأخرى الأسفل و هي تقول:
- أنا راضيه .

نهضت من على مقعدها لتقول بإبتسامتها الهادئة:
- أشكرك بشدة على حسن إستقبالك، و دلوقتي المفروض أروح مكاني بقا ولا إيه ؟!

تنهد ببطء ثم أومأ على مضض و نادى بصوته على العسكري الواقف أمام الباب، ثوانٍ و دلف الأخر و أدى التحية ليشير "صهيب" إلى "ليمار" قائلاً بهدوء:
- وديها على الزنزانة .

أومأ العسكري بجدية ثم أقترب من "ليمار" و وضع بيدها الأصفاد و أخذها للخارج، بينما الأخر لا يعلم ما به و لكن يعلم أن عقله منشغلاً بشدة في تلك القضية، رفع رأسه للأعلى و هو يزفر بضيق مغمضاً الأعين و شادداً عليهم بقوة كبيرة لعل هذا الصداع الذي تملك من رأسه فجأة يخف و لو قليلاً .

أستمع إلى صوت طرق على الباب ليرفع رأسه فوجد "ياسر" يدلف إلى الغرفة ناظرًا ناحيته بإهتمام:
- خلصت التحقيق ؟

أومأ "صهيب" بخفة و هو يعتدل في جلسته، أستند بذراعه على سطح المكتب و وضع وجه على راحة يده قائلاً:
- أيوه، و هنستدعي "حاتم مأمون" عشان يتم التحقيق معاه هو كمان .

جلس "ياسر" أمامه على المقعد ليقول:
- طيب تمام كويس، مالك أنت في إيه ؟!

تنهد "صهيب" قائلاً:
- صداع مش محترم خالص ماسك في نفوخي .

عقد "ياسر" حاجبيه بقلق، و لكن الآخر لم يترك له الفرصة للتساؤل عن أي شئ و أضاف بنبرة جادة:
- "عماد" إيه نظامه صحيح ؟!

أعتدل "ياسر" في جلسته و هو يقول بحماس و بعض شماتة لم يستطيع إخفائها:
- راح النيابة .

أبتسم الأخر بمكر و هو يضيف عليه:
- بعديها هيتحول للتحقيق .

ليضيف "ياسر" بدوره:
- بعديها هيتوقف عن العمل، و يروح المكان إلي يستحقه، و يجيلنا وقتها حد مكانه.

ثم تنهد بسعادة قائلاً:
- يا أخي مش مصدق إننا خلصنا منه.

ضحك "صهيب" بخفة ثم قال:
- الله أعلم إلي هيجي هيبقى إيه وضعه.

ليقول "ياسر":
- أي حد غير "عماد" حلو أنا راضي.

و بعد مرور ساعتين كان قد أنتهى "صهيب" من التحقيق مع "حاتم" و ذهب بعدها إلى تلك المشفى الحكومية التي حدث بها ما حدث للتي تسمى "زيزي" .
_____________________

هرج و مرج عم في المشفى بأكملها تزامنًا مع دخول العديد من أفراد الشرطة إلى المكان، كلاً منهم تفرق لعمل شئ مختلف للأستحواذ على المشفى بأكملها و التحقيق بما وصل إليهم .

و في غرفة ما أسفل غرفة المشرحة، كان هناك طبيب يعمل على الجثة التي بيده، ليس عمل روتيني برئ طبيعي، حتى يعلم سبب وفاتها مثلاً و كأنه هو من لم يقتلها بيده بالأساس، بل لم يكتفي بذلك و يعمل على إستخراج أعضاءها و الأشياء التي ستنفعه من ذلك الجسد البرئ الذي لم يفعل شئ خطأ في حياته سوى إختياره لتلك المشفى تحديدًا دونًا عن غيرها في العلاج، مستغلاً أن المشفى لا يوجد عليها أعين أو رعاية، و مستغلاً الحالات الفقيرة التي تأتي إلى تلك المشفى، أقذر إستغلال .

كان ينظر بتركيز شديد إلى ما بيده و المشرط يعمل بإحترافيه كبيرة على الجسد أمامه، حبات العرق المتواجدة على جبينه يمسحها منذ لحظة و الأخرى بإبهامه، و هذا العرق لم يخرج بسبب خوف أو قلق أو حتى ندم و رهبة بل إجهاد بسبب جلوسه أمام ذلك الجثمان منذ ساعات !!

• اتعبناك يا رجل، نحن آسفون !! •

قطع تركيزه إقتحام إحدى الممرضات للغرفة و هي تلهث بخوف قائلة:
- يا دكتور يا دكتور، المستشفى بره مليانة عساكر و ظباط و في لبش بره .

رفع رأسه لها و هو يرمقها بصدمة و غضب من الأمر، ترك المشرط جانبًا بعنف و هو يتوجه ناحيتها قائلاً بشراسة:
- عساكر إيه و ظباط إيه إلى بتتكلمي عنهم، و هو ده وقته !!

لتقول الممرضة و قد تملك منها الخوف من الأمر، إن تم إكتشاف ما يفعلوه فحياتها ستنتهي بالمعنى الحرفي و حياة كل طاقم المشفى الذي شارك في تلك الأمور، هي لم تأتي له لتنقذه هي أتت له لينقذها هي فهو من أدخلها تلك الدائرة اللعينة:
- زي ما بقولك كده يا دكتور، أطلع و خلص الموضوع ده عشان لو حصل حاجه هنروح كلنا في داهية، و أنا مش مستغنيه عن حياتي .

زفر بضيق و هو يدفعها جانبًا ثم خرج من تلك الغرفة السرية لغرفة المشرحة بواسطة درج حديدي ينتهى من أعلاه بفتحة سقف إستطاع منها الخروج من الغرفة و الصعود إلى المشرحة مباشرةً، خرجت وراءه الممرضة على وجه السرعة ليقوم الطبيب سريعًا بإغلاق تلك الفتحة و وضع فوقها خزانة متوسطة الحجم، أنتهى من ما يفعل ليخرج من الغرفة و وراءه الممرضة التي ترتعش خوفًا ليقول بتساؤل جاد و هو يحاول السيطرة على تعبيرات وجهه:
- المدير فين ؟!

و لم يدع لها الفرصة للإجابة فقد كان وصل بالفعل إلى غرفة المدير و اقتحمها بعشوائية ليرى العديد من عناصر الشرطة في الداخل و أمامهم المدير يحاول إظهار الثبات و لكن لن يستطيع فعل ذلك كثيرًا و ما أن رآه أمامه حتى صاح بلهفة و كأنه وجد من سيرمي له الأمر بحق:
- أهو هو ده الدكتور "إسلام" المسؤول عن المشرحة و كمان العمليات الجراحية إلي بتحصل في المستشفى تقدروا تسألوه بنفسكم عن كل حاجه .

نظر "صهيب" إلى الطبيب "إسلام" و الذي كان ينظر ناحية المدير في سخرية و استهجان واضح و هو يرفع إحدى حاجبيه، عاد بنظره إلى المدير مرة أخرى قائلاً بهدوء شديد:
- و أنا مالي بالمسؤول، هو في حاجه ممكن تحصل بدون علم المدير برضو، أظن إنك بتكون مسؤول عن المسؤول نفسه برضو ولا إيه رأيك !!

حمحم "إسلام" يجلي حلقه قبل أن يقول بجدية:
- أقدر أفهم إيه المشكلة إلي تستدعي قدوم حضرتك يا فندم ؟

نظر إليه "صهيب" بنظرات تقيميه من أعلاه إلى أسفله ثم قال على مضض:
- أنتم متهمين بجريمة تجارة الأعضاء هنا في المستشفى، و من الواضح و من إلي أنا شايفه إن مش بعيد خالص الموضوع ده على مستشفى مفيهاش إهتمام ولا مراقبة بنسبة و لو بسيطة .

"صهيب" لا يعلم إذا كان هذا صحيحًا أم لا، هو آتى من أجل جثمان "زيزي" فقط و الذي قال له إحدى رجال "مختار" أنه رماه وراء تلك المشفى تحديدًا بسبب عدم الإهتمام الذي عليها و أنه على دراية أن تلك المشفى لها دخل في أمور التجارة بالبشر فإذا أخذوها و استغلوها جيدًا فحسنًا لا بأس و أن لم يفعلوا فسيتم إجراء اللازم لها على أية حال و لن يستطيعون التوصل إلى اللذي وضعها بتلك الطريقة، و لكن بالنظر إلى المشفى فيبدو أنها خبيرة بتلك الأمور أو حتى أمور أكثر بشاعة من الأساس و بالطبع إذا رأوا جثمان ضال لن يفكروا كثيرًا في استغلاله فقد آتى لهم على طبق من ذهب..
لذا رمى لهم الطعم و سيرى إن كانوا سيلتقطوه بلهفة و يعترفون بكل شئ بغباء حاد، أم سيكونوا أذكياء بشكل جيد سيرهقه هو في حل الأمر و لن يذكروا أي شئ ؟!

أستمع إلى إجابة "إسلام" الهادئة و الثابتة:
- مفيش الكلام ده يا فندم، إحنا مستشفى محترمة و مش ذنبنا إن معليهاش إهتمام دي حاجة تكلم فيها الوزارة، غير كده إحنا عارفين شغلنا كويس .

أومأ "صهيب" عدة مرات بخفة ثم قال:
- حلو، جميل، طب و بالنسبة للجثة بتاعة الست اللي لقتوها من تلات أسابيع ورا المستشفى، دي حصل فيها إيه ؟!

أرتبك الأخر في وقفته ثم قال و هو يحاول إظهار ثباته، فكيف عرف ذلك الرجل بأمر الجثة!:
- جثة إيه يا فندم!، لو في جثة أكيد كنا بلغنا البوليس و عملنا معاها اللازم .

أبتسم "صهيب" بمكر و يميل برأسه قليلاً:
- طب و لو قولتلك إن إللي حط الجثة بأيده أعترف بده، فـ هاا بقا قولي، فين الجثة دي ؟!

أبتلع الأخر ريقه بارتباك فهو لا يعلم حتى من وضعها بالأساس، لعن غباءه و تسرعه في تلك اللحظة في التعامل معها، ليقول بهدوء:
- معرفش حاجه عن الموضوع ده يا فندم .

وقف "صهيب" أمامه ثم أردف قائلاً:
- طيب يا سيدي أنا راجل وسخ و بتهمكم بتجارة الأعضاء و أنتم ناس شريفة و بتصلوا الجمعة مرتين، بس عايز أعرف فين جثة الست، أصل ده كان إعتراف رسمي بأدلة يعني مش كدب .

وضع "صهيب" أصابعه أسفل ذقنه وهو يتصنع التفكير قائلاً:
- ولا يمكن كدب فعلاً، معقول أنا أضحك عليا !!

"صهيب" الآن يلعب لعبته المفضلة أثناء التحقيق ألا و هي اللعب بمشاعر الآخرين و أخذهم على حدود عقلهم و كذبهم حتى يعترفوا بكل شئ من تلقاء نفسهم في نهاية المطاف .

لم يجد رد من الأساس من الطرف الأخر فبدأ الغضب يتملك منه و يبدو أنه سيهدم تلك اللعبة فوق رأس ذلك الذي يقال له طبيب !!

هذا و قبل أن يستمعوا جميعهم إلى صوت طرق على باب الغرفة التي هم بها، ألتفت جميع الأعين ناحية الطارق و الذي نظر بريبة لهم من تحديقهم به بتلك الطريقة جميعهم، أتسعت أعين المدير و الطبيب "إسلام" بصدمة ما إن رأوه أمامهم، بالطبع سيخرب كل شئ فوق رأسهم، كيف، كيف يوقفوه عن قول أي شئ !!

ذلك الطبيب الذي اجبروه على العمل معهم على جثمان "زيزي" بعد ما أكتشف هو وجود ذلك الجثمان أثناء تهربه من العمل و هو لم يكن يريد ذلك، ذلك الطبيب الذي تغيرت حياته مئة وثمانين درجة بعد تلك الحادثة، أصبح هائمًا بشدة، متغيبًا عن الواقع و بمعنى آخر، جسدًا بلا روح .

تفحصه "صهيب" بنظراته هو الأخر ثم قال:
- أنت مين ؟!

قال الطبيب بهدوء شديد:
- أنا الدكتور "عمرو إبراهيم"، و إللي جايين انهارده عايزين تعرفوه، هتعرفوه مني أنا.

وجه نظراته إلى "إسلام" ناظرًا إليه بنظرات غامضة، ثم قال:
- عشان مستحيل تعرفوا حاجه ولا توصلوا لشئ من شوية ناس باعوا ضميرهم و استهونوا بالقسم الطبي لأجل شوية فلوس.. حرام !

عقد "صهيب" ما بين حاجبيه و هو يتفحص "عمرو" جيدًا و أدرك أن ما يخفيه ذلك الشاب سيحل كل اللغز المتواجد في هذه المشفى، و تلك النظرات الغامضة التي بينه و بين الطبيب "إسلام" الذي يريد الفتك به الأن حتى لا يتحدث بأي شئ و لكن.. فات الأوان .
_____________________

فات الأوان على كل شئ، فات الأوان على الإعتذار، فات الأوان على المسامحة، على الندم، على المواجهة، الأن حان وقت دفع الأثمان .

استمرت تحقيقات النيابة و غيره من تلك الأمور لإثبات التهم على الجميع ما يقارب الثلاث أسابيع، و بالفعل تم إثبات كل شئ بالتحقيقات الدقيقة و تقارير الطب الشرعي .

المشفى، فقد تحول جميع من بها إلى التحقيق و من تم إثبات عليه أنه له علاقة بالأمور القذرة التي كانت تحدث بها تمت محاكمته بشكل صارم، ما عدا "عمرو" الذي أصبح شاهد ملك بالفعل بعدما أعترف بكل شئ للشرطة و لم يكتم بداخله أي شئ لذا أخذ خمسة عشر عامًا .

الرجل صاحب الصفحة الإلكترونية الذي تسرب من خلاله كل شئ، تمت محاكمته و إغلاق تلك الصفحة اللعينة و جميع حساباته على مواقع التواصل الإجتماعي .

تلك المرأة الغبية التي جاءت و كذبت قائلة أنها شقيقة "سيد" و كانت على علاقة بـ "حاتم" و خدعها لذا قام "سيد" بفعل ما فعله في "حاتم" و اعترفت أيضًا أن تلك التسجيلات الصوتية التي كانت معها له و غيره من الأمور كانت مفبركة بطريقة احترافية، أو لنقول عن طريق ذلك الشئ اللعين الذي يسمى بالذكاء الاصطناعي !!

و "سيد" اعتبرته المحكمة أيضًا شاهد ملك و أخذ عدة أشهر قبل خروجه من السجن .

و "مختار" الذي أخذ مؤبد في نهاية الأمر لأن ما فعله لم يقتصر فقط على إخفاء جثة أو مساعدة في جريمة، بل أمر تجارة المخدرات كشف بالكامل و لا مجال للهروب .

و "عماد" تم إيقافه عن العمل نهائيًا بعد تحقيقات عديدة معه و أخذ حكم مؤبد .

صديقتنا العزيزة "ليمار" تم الحكم عليها من ثلاث أعوام إلى خمسة عشر عامًا، و من الممكن أن تخرج قبل ذلك الوقت .

و كما قولنا سابقًا عن طرق الحكم في قضايا الزنا الخاصة بالرجال، فـ"حاتم" أخذ عدة أشهر فقط .

و دفع كل شخصٍ ثمن ما فعله و قد كان يظنه صحيحًا .
______________________

مرت ستة أشهر و ها قد حان وقت خروج "حاتم" من سجنه، لم تكن بالفترة الكبيرة أبدًا بل مرت عليه بسرعة البرق وسط تفكيره و تشتته في كل الأمور التي اقتحمت حياته فجأة، لا يعلم شئ عن أبنته أبدًا ولم يكن يريد مقابلة "حمزة" حتى معاد خروجه، فضل الجلوس و التفكير بمفرده تلك الفترة و ترتيب أولوياته حتى يخرج و يكون رجل مسؤول غير ذلك المهمل في بيته، يعلم أن صغيرته تجلس مع شقيقه في ذلك الوقت، و لكنه لا يعلم ما حالتها تحديدًا، خائف عليها يعترف بذلك و لكن يخاف الإقتراب، كعادته المتهربه التي يحاول الإبتعاد عنها قدر المستطاع و تلك أحد قراراته بعدما خرج، المواجهة لابد من المواجهة مع أي شئ .

خرج من تلك البوابة الحديدة ليجد شقيقه أمامه واقفًا مستندًا على سيارته و ما إن رآه حتى أعتدل في وقفته و هو ينظر إليه بإبتسامة هادئة، أقترب منه "حاتم" و هو يبادله الإبتسامة، عانقه بحنان و هو يربت على ظهره، ثم أبتعد عنه قائلاً:
- إيه إلي جابك !!

انعقدت ملامح الأخر بضيق و هو يقول:
- أسكت يا "حاتم" بجد عشان أنت مستفز، يعني إيه طول الفترة دي مترضاش تقبلني و لو مرة واحدة يا حيوان .

ضحك "حاتم" بخفة و هو يقول:
- عادي يا عم ما أنا طلعت لك أهو .

أومأ "حمزة" له و هو يربت على كتفه مع إبتسامة حانية و هو يدعو الله في داخله أن يمر كل شئ كما يجب أن يكون ولا تقع أمامهم عقوبات أخرى، أتجه "حاتم" ناحية السيارة و جلس في مقعده بجوار مقعد السائق قائلاً:
- يلا عشان عايز أشوف "ماسة" .

ذهب "حمزة" و جلس بجانبه على مقعد السائق ثم نظر إليه بتردد قبل أن يقول على مضض:
- "حاتم" .

نظر إليه "حاتم" عاقدًا حاجبيه بتساؤل ليقول "حمزة":
- قبل ما تقابل "ماسة" في حاجه لازم تعرفها.

عقد الأخر حاجبيه و نظر ناحيته بقلق ثم قال بتساؤل:
- في إيه قول .

تنهد "حمزة" قبل أن يقول:
- بنتك حاليًا مش كويسه خالص، رفضه فكرة عدم وجود أمها جنبها، و بعد ما كنت ظهرت أنت و ضمنت وجودك جنبها من تاني و رجعت اختفيت كل الفترة دي، ده خلاها تنهار أكتر و ولا واثقة فيك ولا في "ليمار"، قاعدة طول الوقت ساكته و لوحدها و ساعات بتعيط، مش بتحب حد يجي يكلمها، عرضتها على كذا حد متخصص لكن مفيش فايدة، هي مش عايزه تقعد مع حد أصلاً، جبتلها "أمينة" يمكن تحاول تخرجها شوية من الحالة دي و يدوبك بتتفاعل معاها بنسبة بسيطة أوي بسبب شخصية "أمينة" العفوية أنت عارفها .

زفر "حاتم" بضيق فيبدو أن الأمر اسوء من ما كان متوقع صمت ثوانٍ و هو ينظر أمامه بتفكير ثم عاد بنظره إلى "حمزة" قائلاً:
- طب هي فين دلوقتي؟!

ليجيبه "حمزة" بهدوء:
- قاعدة مع "أمينة" في المستشفى عشان متبقاش لوحدها .

ليقول "حاتم" بهدوء بينما يريح بظهره على المقعد جيدًا:
- طيب، أطلع .

مرت ساعة حتى وصلوا إلى المشفى التي بها "أمينة" هبط "حاتم" من السيارة و هو يقول بضجر:
- يخربيت ده مكان مكنتش عايز اعتبه تاني .

ضحك "حمزة" بخفة بينما يسيروا معًا نحو الداخل، دلفوا إلى ساحة المشفى ليشعروا بحالة غريبة في المكان بين رجال الأمن و طاقم التمريض، الجميع يتحرك في الساحة الخارجية و كأنهم يبحثون عن شئ، و هناك كانت تقف "أمينة" معهم و يظهر عليها التوتر الشديد هي الأخرى و هي تنظر حولها بتفحص، و أثناء تجول عينيها في المكان وقعت عينيها على "حمزة" و يقف بجانبه "حاتم" تبادلت النظرات معهم لثوانٍ، هم ينظرون إليها بعدم فهم بينما هي تنظر إليهم بصدمة و عجز، التفتت سريعًا هاربة منهم بخطوات شبه راكضة و هي تتمتم في سرها:
- يخرب بيتك حبكت تخرج النهارده حبكت!! إيه إلي جابه ده!!

أستمعت إلى صوت خلفها يناديها و لو يكن هذا الصوت سوى صوت "حمزة" الذي أزداد تعجبه من الموقف ليقترب منها و بجانبه شقيقه، وقفت و هي تلتفت لهم على مضض لتقابل تعابير وجههم الجاهلة لما يحدث، أبتسمت بتوتر و هي تقول:
- يوه مش تقولوا إنكم هنا .

تشدق "حمزة" بتهكم قبل أن يقول:
- والله! ده على الأساس إنك مشوفتيناش من شوية و طلعتي تجري مننا .

رسمت تعابير الجدية على وجهها و هي تقول:
- محصلش يا خويا عيب عليك .

استرسلت حديثها و هي تنظر إلى "حاتم" قائلة بإبتسامة واسعة:
- الغالي أخو الغالي رجع بالسلامة، عاش من شافك، بس حاسه إنك كبرت شوية في الكام شهر دول يا واد، مكنوش بيأكلوك كويس!! شكلك خاسس .

أبتسم "حاتم" في هدوء ظاهري و هو يقول:
- المنيو مكنش قد كده في السجن .

ضربت بيدها على صدرها بدرامية و هي تقول:
- يا مصيبتي يعني مكنش في ولا فراخ ولا لحمة ولا كده!!

تنهد بدرامية و هو يسترسل معها ذلك العبث الذي تقوله:
- ولا حتى تونة وحياتك .

و قبل أن يردف أحدٍ منهم بحرفٍ آخر قطع "حمزة" حديثهم الغير مجدي هذا قائلاً بحنق:
- أنتوا بتقولوا إيه!! يعني إيه العبث إلي قاعد بسمعه ده!!

ثم نظر إلى "أمينة" قائلاً ببعض الحدة:
- "ماسة" فين؟!

شحب وجهها و هي تبعد بوجهها عنهم و تتمتم بكلام غير مفهوم، أدرك "حاتم" أن هناك شئ غريب يحدث هنا خاص بإبنته، أقترب عدة خطوات من "أمينة" و هو يديق عينيه بشكلٍ حاد قائلاً بتساؤل:
- بنتي فين؟!

ظهر صوتها أخيرًا خافتً و هي تقول بنبرة مرتجفة:
- الله أعلم .

أتسعت عيني "حاتم" بصدمة و هو يصيح بها في حدة:
- نعم !!

أمسك "حمزة" ذراع "حاتم" ليوقفه عن أي عبث ممكن أن يفعله الأن، نظر إلى "أمينة" عاقدًا حاجبيه بعدم فهم ليقول بتساؤل:
- يعني إيه الله أعلم، فين البنت!!

أبتلعت ريقها بإرتباك قبل أن تقول:
- كانت جنبي، بس كنت لازم ادي حقنة ضروري لحد فـ سهيت عنها ثواني بس ثواني، ببص تاني في المكان إلي كانت فيه لقيتها أختفت، و من ساعتها و أنا بدور عليها و قالبه المستشفى كلها على بعضها بس هي مش ظاهرة .

أبتعد "حاتم" عن "حمزة" و هو يقول بحنق:
- ده أنتوا يخرب بيت إلي يعتمد عليكم في حاجه .

سار بعيدًا عنهم ليصيح به "حمزة" بقلق:
- طب أنت رايح فين ؟!

: رايح أدور على بنتي بنفسي .

زفر "حمزة" بضيق و هو ينظر إلى "أمينة" التي رفعت كتفيها بقلة حيلة ليقول هو:
- تعالي نشوفه .

دلف إلى مبنى المشفى من الداخل و وقف للحظات لا يعلم أين سيبحث عنها حتى، دلف خلفه "حمزة" و "أمينة" لينظر إلى "أمينة" قائلاً بتساؤل قلق:
- كنتوا فين لما أختفت ؟؟

لتقول سريعًا بينما تتحرك معه نحو الداخل:
- عنبر سبعة، تعالى معايا .

سار خلفها بخطوات شبه راكضة و معهم "حمزة"، وصلوا إلى ذلك العنبر المراد و بحثوا عنها مجددًا بداخله و لكنهم لم يجدوا شئ، خرج "حاتم" من ذلك العنبر و هو يزفر بضيق يشعر بالعجز، أين سيجدها في تلك المشفى الكبيرة بحق الله !!

أغمض عينيه للحظات و هو يحاول تصفية عقله من الأفكار المبعثرة و لكن فجأة أقتحم أذنه صوت "أمينة" و هي تهتف بإسم أبنته ليفتح عينيه سريعًا و هو ينظر نحو "أمينة" فوجدها تركض ناحية إحدى الأماكن، نظر في إتجاه ركضها وجد أبنته تقف بجانب رجل عجوز بذلك الفستان الزهري اللطيف الخاص بها، و تمسك بيده و وجهها يرتسم مرهق و لا يبدو عليه تعابير محدده، عقد حاجبيه بتعجب فمن هذا العجوز الذي مع أبنته، عجوز يتكئ على عصا بسيطة و ظهره محني و يظهر على وجهه البساطة و الهدوء و البشاشه، و يمسك بيد الصغيرة مع تمسكه بعصاه .

وصلت "أمينة" إلى "ماسة" لتجذبها سريعًا قائله بعتاب طفيف:
- كنتِ فين بس يا "ماسة" قلقتينا عليكِ، أنت كويسه ؟!

أبتعدت "ماسة" عنها و وقفت خلف العجوز و كأنها تحتمي به بملامح عابسة، عقدت "أمينة" حاجبيها بعدم فهم وتعجب لتنظر إلى العجوز عندما قال بضحكة خافتة:
- مش شيفاها معايا يا بنتي هيحصلها إيه يعني !!

أبتلعت "أمينة" ريقها بإرتباك و هي تبتسم بهدوء:
- مش القصد يا عم "صبري" بس أصل أبوها و عمها كانوا قلقانين عليها .

تبع حديثها مهاتفة "حاتم" بإسم صغيرته و هو يقترب منها، نظرت إليه الأخرى بطرف عينيها و لم تقترب منه أو حتى تستجيب لمناداته، مد يده لها بهدوء و هو يبتسم قائلاً:
- تعالي يا "ماسة" متخفيش .

أبعدت عينيها عنه و هي تقول بخفوت:
- أبعد، مش عايزه أشوفك .

حاول الإقتراب منها مجددًا و لكنها تركته و ركضت في الإتجاه المعاكس منهم تلك المره، كاد أن يركض خلفها و لكن أوقفه يد العجوز الذي قال:
- أنت أبوها ؟!

أومأ "حاتم" على إستعجال بإيجاب و هو يتعجب أمر ذلك العجوز، نظر "صبري" إلى "حمزة" و "أمينة" قائلاً بلهجة آمره:
- روحوا وراها و حولوا تهدوها .

ثم نظر إلى "حاتم" مسترسلاً حديثه:
- و أنت خليك عايز أتكلم معاك .

زفر "حاتم" بضيق و لكن رغمًا عنه كان شئ بداخله يحدثه أن ينتظر و يستمع إلى حديث العجوز بكل صبر و هدوء لذا وقف مكانه بتردد و الآخرون ذهبوا خلف صغيرته على مضض، "أمينة" تعلم "صبري" جيدًا فهو من الرجال ذوي الحكمة و الخبرة العالية في الحياة، كما أنه كان دارسًا للفلسفة و طبيب نفسي مختص، و لكن كبر و أخذ الشيب منه ما أخذ و تلاعبت به الحياة، حتى أصبح في مشفى للمسنين بلا حول له ولا قوة، و لكنه رغم السن، لا يزال ذلك الخبير ذو النظرة الثاقبة، حتى أن "أمينة" كانت تأخذ برأيه في العديد من حالات التي كانت تصادفها و تجد الصعوبة في التعامل معهم بشكل صحيح، لذا فهي تثق به، و تثق أن مهما كان ما سيقوله لـ"حاتم" فسيكون بحكمة جيدة تجعل من الأخر يرتب أفكاره و لو قليلاً..
"حمزة" كان مثل "حاتم" في ذلك الأمر شعر أن يجب ترك شقيقه مع ذلك العجوز، إذ ربما تحدث ما سيقوله ذلك العجوز يحدث فارقًا في أي شئ .

رحلوا و بقى "حاتم" مع ذلك العجوز ناظرًا ناحيته بحيرة، زفر "صبري" قائلاً:
- بدل ما أنت متنح فيا كده، اسندني خليني أقعد و نتكلم .

أرتبك "حاتم" في وقفته للحظات ثم قام بإستناد العجوز حتى جلسوا سويًا على إحدى المقاعد ثم قال بإبتسامة هادئة:
- آسف مخدتش بالي .

تنهد الرجل يأخذ أنفاسه على مهل ثم أردف:
- بنتك طيبة و كويسة مشاء الله عليها، ربنا يحفظها ليك و لوالدتها .

شعر بنغزة في قلبه و لكنه رغم ذلك أبتسم بهدوء و هو يآمن على حديثه، ليسترسل "صبري" حديثه قائلاً:
- كانت قاعدة لوحدها بشكل غريب، لدرجة إني حسيت للحظة أنها يتيمة، و لما لاقتها كنت هروح بيها لـ"أمينة" بس الحمدلله إنك كنت مع "أمينة" وقتها.

هز رأسه بهدوء و هو يقول:
- حصل ظروف خلتني أبعد عنها فترة، و كمان أمها مش موجودة فـ كانت مع أخويا، و بالمناسبة أمينة تعتبر خطيبة أخويا يعني .

انعقدت ملامح العجوز بإنزعاج و هو يقول:
- خطيبة إيه بلا وكسه، ده أخوك ملففها حوالين نفسها .

أبتلع "حاتم" ريقه بالقليل من الحرج قائلاً بضحكة خافتة:
- كعادة "أمينة" مش بيتبل في بوقها فوله .

ضحك معه العجوز و هو يقول بعدم رضا:
- بس بت طيبة و غلبانه، و خسارة في أخوك .

أجابه "حاتم" بهدوء:
- بس والله بيحبها و هيخطبها في الأخر أنا عارف، بس حاليًا الظروف مكنتش سامحه بكده .

تنهد "صبري" قبل أن يقول:
- أيًا كانت الظروف متفرطش نهائي في الجوهرة إلي معاك .

عقد "حاتم" حاجبيه بعدم فهم قليلاً حتى فهم بعد ثوانٍ أن المقصد هنا على "ماسة" صغيرته، أكمل "صبري" الحديث قائلاً:
- الله أعلم بظروفك يا بني بس التفريط في الضنا كأنك بتفرط في دنيتك بحالها بالظبط، لما كنت قدك كده اتجوزت بالعافية عشان أهلي بعد ما كان كل اهتمامي بدراستي و أبحاثي بس اتجوزت و خلفت لكن رغم كده مقدرتش ولا أهتم بمراتي ولا بعيالي ما هو كل حاجه تهمني الدراسة وبس، و أخذت جوايز و شهادات في مجالي و كنت مثل أعلى لشباب كتير أنا واثق أنهم لو كانوا اداروا حياتهم صح دلوقتي فـ أكيد حالهم أفضل من حالي بكتير، و وسط كل ده مراتي طلبت الطلاق عشان شافت نفسها قاعدة جنب لوح تلج ولا بيهتم ولا هيهتم، فقدت الأمل أصلاً فيا، فـ طلقتها و خدت هي العيال و هما كمان اختروها و سافروا سوا، أصل هيقعدوا يعملوا إيه جنب راجل مش عارف هما في سنة كام أصلاً، مر بيا الوقت و لسه منغمس وسط كل ده كنت بجري ورا حاجات كده أكتشفت بعدين على قد ما هي مهمة على قد ما هي ضيعت عمري، و أديني أهو مرمي في المستشفى و لا الشهادات ساعدتني ولا راعتني في سني و مرضي ولا الأبحاث عملت معايا حاجه، و الحاجه الوحيدة إلي كانت ممكن ترعاني بكل حب و صبر لحد ما أموت أنا فرطت فيها بسهولة و مش عارف أرجع العلاقات حتى، ندمان.. آه ندمان، بس متعايش مش هقدر أغير حاجه بعد العمر ده كله .

كان يستمع إليه "حاتم" بإنصات شديد، هذه تحديدًا حياته بكل بساطة بخلاف أمر علاقاته المتعددة مع النساء، سؤال جال في خاطره في تلك اللحظة، إذا لم تكن "ليمار" فعلت ما فعلت و أدى ذلك إلى تدهور حياتهم بتلك الطريقة أكان سينتهي به الحال هكذا، مثل ذلك العجوز البسيط الذي و رغم كل شئ ترتسم على وجهه ملامح الرضا بوضوح، أكان سيكون راضيًا مثله حتى !!

قطع أفكاره تساؤل "صبري":
- "ماسة" بنتك الوحيدة مش كده ؟؟

أومأ "حاتم" بإيجاب ليردف الأخر:
- حلو، يعني موركش حاجه غيرها هي و والدتها ولا إيه ؟!

أرتبك، كعادته أرتبك و لم يعرف ما يجب عليه أن يقول و لكنه أردف على مضض:
- والدة "ماسة" في ظروف صعبة شوية تمنعها إن هي تكون معانا .

تنهد العجوز و هو ينظر أمامه قائلاً:
- ربنا يتولاها أيًا كانت هي في إيه، بس أنت كده معندكش غير بنتك، وشغلك، مفيش حاجه ممكن تلهيك عنهم، متخليش بنتك في السن ده لما تشوفك تهرب منك و تجري و تقول إنها مش عايزه تشوفك، أنا مش هسألك عن الظروف لأن دي حياتك أنا مليش دعوة بيها، بس بلاش تضيع بنتك من إيدك بالذات و هي لسه في سن صغير كده، و بالذات إن هي عندها اكتئاب و دي حاجه مش كويسه للأطفال، بتسيب جواهم أثر مهما مر من وقت، خليك جنبها، هون عليها، خفف عليها كل الي بتمر بيه و عدم وجود أمها جنبها، خليك صاحبها قبل ما تكون أبوها، إياك تجري أنت كمان و تهرب منها، هي تبعد خطوة أنت قرب ألف خطوة و خليك جنبها حتى لو غصب عنها، هي هتحس بيك و هتستجيب لمحولاتك عشان أنت أبوها غير أي حد تاني، البنات دول نعمة من ربنا الحنية كلها، هتلاقي الي عملته معاها بيتردلك لما تحتاجها لما تبقى قدي كده .

نظر "حاتم" في وجه العجوز رأي ترقرق الدموع في عينيه و لكنها تأبى النزول، و لكن ملامحه العابسة الذي يحاول السيطرة عليها وضحت ذلك التخبط الذي بداخله بوضوح، هذا الرجل رغم رضاه، رغم تعايشة إلا أن ندمه يطغى على كل شئ من حينٍ لأخر، هو جالسًا ينصح "حاتم" فعليًا بكل صدق لا يريد أن يخطئ أي شخصٍ في العالم مثل غلطته الهوجاء تلك، يريد أن يستفيق كل غافلاً من غفلته، لعل هذا العالم يصبح بشكل أفضل بعيدًا عن الأنانية التي تحيط الأجواء أحيانًا، بل دائمًا .

ربت "حاتم" على كتف "صبري" بحنان مع إبتسامة هادئة لطيفة ثم قال:
- أعتبر من النهارده إن ربنا عوضك بيا، أنا واحد مليش ولا أب ولا أم ولا حتى حد أسمع منه الكلمتين الطيبين دول، اعتبرني من النهارده إبنك .

نظر إليه العجوز قليلاً بإبتسامة حنونة هادئة ثم تغيرت تعابير وجه فجأة إلى الضيق و هو يضرب "حاتم" بعصاه في قدمه قائلاً:
- أنت بتشحت عليا ياض، قوم غور روح صالح بنتك، دول "المؤنثات الغاليات" يا حمار .

وقف "حاتم" و هو يتأوه بألم بينما يقهقه بصدمة:
- بتضربني ليه طيب، أنا عملت إيه طيب !!

أبتسم العجوز بمشاكسة قائلاً بينما يرفع كتفيه ببساطة:
- والله أنت إلي مصمم أوي تعمل فيها أبنى خلاص بقا أنت حر .

ضحك "حاتم" بخفة و هو يقترب منه مجددًا ليقبله من جبينه قائلاً:
- على قلبي زي العسل .

ثم أبتعد عنه قائلاً:
- هروح أشوف الحيلة .

دعى له "صبري" ليذهب من أمامه "حاتم" و قد صفيت أفكاره و عقله حقًا و حديث العجوز أثر به بشكل كبير، من الصعب أن يخرب الأمور أكثر من ذلك و يصبح في نهاية الأمر مثله، لا لن يحدث ذلك، سيكون كل اهتمامه بصغيرته و عمله، فقط .
_____________________

رأيكم يهمني💜..

مش عارفة اجبهالكم إزاي بس الفصل الأخير على بعضه عمل عشرتلاف كلمة و شوية فحسيت إن ده افترى و ملل أنكم تقرأوا كل ده في نفس الوقت، عشان كده قسمت الفصل و هو مكتوب و متراجع، و هينزل انهارده بس لو لقيت تفاعل على ده هنزله..

و اتفاعلوا بجد عشان عايزه أنزله😂

و بالمناسبة مش أنا عيد ميلادي انهارده، و كانت صدفة أكتر من جميلة بالنسبة ليا إني أخلص الرواية في نفس يوم عيد ميلادي🌚💜

Continue Reading

You'll Also Like

1K 183 18
"لا يوجد فينا من لم يُطلق العنان يومًا لخيالاته الجامحة؛ ليغوصَ في البحث عن مغامرةٍ قد تنتهي بالعثور على الكنز المدفون مُنذ سنين! فإن إيجاد كنز مانتي...
374K 22.6K 26
عائلة دافئة فتاة تتمنى ان تعيش بسلام مع والديها واختها وسط حبهم وحنانهم وتحقيق امنياتها واسعادهم ولاكن هناك من يخالف هاذا الرئي .......
7.3K 253 13
قديماً " متا أكون في ظل رجل" الآن " الدهر ذو اللحية المبيضة "
1.8K 105 30
أمجد، طالب الهندسة الأنطوائي الذي يعثر على علاقة غامضة مع أسمهان، فتاة تعيش في الماضي قبل 20 عامًا وتنكشف روابطهم الفريدة من خلال مرآة في شقتهم المشت...