Empty Crown | تاجٌ فَارِغ

By Mervadoz

76.9K 3.4K 2.5K

الرّواية من سلسلة Eigengrau " أحبّ كيفَ تراقِبني دائمًا يا أرغوس! " تحدّثت ساخرة و أناملها المضطربة تسير على... More

INTRO
تمهِيد : الظّلال الدّائمة.
١. أعِدنِي الى اللّيلة الّتي التَقينا بها.
٢. كارمِن
٣. المَغِيب.
٤ . نبَضات قَلب.
٥ . مِن جنّةِ عَدن.
٦. جنّة، انتَظِرِي.
٧ . أكرَهُك، لا تترُكني
٨ . مَن تكُون تِلك؟
٩. مُلاحظَاتٌ فارِغة.
١٠ . جينز ازرق
١١ . خالٍ من العيوب
١٢ . المًقنّع
١٣. لأجلِ حبٍّ ابنة.
١٤ . طيورٌ سوداء
١٥ . قرِيب
١٧. لا وقتَ للموت.
١٨. نهايةُ العالم.
١٩. تِلفاز
٢٠ . لاَ أحَد.
٢١. انَا و الشّيطَان.
٢٢. القلعة
٢٣ . قُل نعَم للجنّة.

١٦. شَجرةُ الاعدام.

1.5K 96 49
By Mervadoz


< قِراءة مُمتِعة 💗>

" ثِقِي بي... "

" سأثق بك "

جملةٌ لم تعتقد زارا انها قد تصعد من حنجرتها لأجل جوهان.

و الاغرب بالنسبة لها انها لا تزال مصممة على الثفة به حتى و هو يأخذها الى هذه البقعة الخيالية في ارض امريكا الواسعة... ارض الحرية التي تنوعت فيها اشكال الاستعباد.

المكان كان غير قابلٍ للتصديق بأنه موجود على الارض منذ قرونٍ خلَت...

عشرون سنةً لاستقبال الظلال، ثم ثلاثونَ لتربيةِ ما يسمّون بحراسِ البروج التسعة... تلك البروج التي انتصبت بمسارٍ حلزوني في قمّة الجبل بمنتصف هذه الارض الواسعة.

كانت اسوارٌ من الاشجار العارية تحيط بها، و عند البوّابة اتّسعت عينا زارا امام عالمٍ لم تعلم بوجوده من قبل.

كما لو انها مدينة لا يعلم احد بوجودها كانت... عمرانٌ مميز ، جدرانٌ بألوان ترابية و ملابس موحدة تعكِس الطابع العسكري لهويّتهم.

عددهم كان يضاهيِ اعداد الظلالِ بأضعاف لأن نظام الانتقاء لديهم كان أبسط و أقلّ تعقيدًا،  كما ان مدة الاستقبال كانت أطوَل...

رأت زارا الموتَ و الظلام في أوجِه الظلال، لكن الامرَ كان مختلِفًا بالنسبة للحراس، كان لديهم غاية من وجودهم غير الموت و الدماء... و لم تستطع بتاتاً تفادي الشعور باعتزازهم بهويتهم.

اختلفوا كثيراً عن الظلال في كل شيء تقريبا.

لكنّ ما جمعهم اولاً و قبل كل شيء ، كانَ قسوةَ احكامهم و اصرارهم على تطبيق العدل بنظرهم.

القوانين لحراس البروج كانت الهية بالنسبة لهم، من كثرة ما قدّسوها صارت كالدينِ لهم.

توقّفت زارا امام الحشدِ الذي اجتمع حول شجرةِ عظيمة ذات اغصانٍ كادت تبلغ السماء... شجرةٌ عمّرت منذ قرونٍ طويلة كانت رمزًا للعقاب هنا.

تسللت بأعينها بحثاً عمّا ينظرون اليه، ثم اتسعت كالمروج و هي تلاحظ حبال مشنقةٍ معلّقة بأغصانها المنخفضة.

حبالٌ تلتف حول اعناق الجثث كقلائد شرف... جاعلةٍ اياها كثمارها المشؤومة.

هذا هو جزاء من يكسِر القوانين.

لفت انتباهها صبيّ مراهق يكادُ يناهز عمرُه الرابعةَ عشر، أصهب ركض فمر من جانبها بسرعة،  شقّ طريقه في الحشد بعنفٍ كي يقف مخدّراً امام جثّةٍ معلّقة من بينهم.

تقلّص بؤبؤه لدرجة انّه صار نقطة سوداء ضائعة في خُضرة عينيه، يحدّق بفاهٍ مفتوح الى جثّة الشّابِ المعلّقة امامه.

" لقد كان يعتبِره كأخيه... لابدّ ان كيران محطْم الان "
همسَ بعضهم من ورائها، استنتجت زارا ان اسم الولد كيران و انه كان مشهوراً كفاية ليعرفه الجميع هنا.

اعينه الخضراء امتزج فيها الحزن العميق مع الحقد الذي بدأ ينتشر بسرعة.

" ماذا فعل كي يتلقّى عقاباً كالموت؟ "

سألت زارا جوهان الذي كان واقفاً بجانبها يحدق بأعين غير مبالية للجثث المعلّقة.

" أراد الهرب مع المرأة المعلـقة بجانبه "

اجابها بعد لحظةِ صمتٍ طويلة بصوت فارغ ، حوّلت بصرها الى المرأة بجانبه فَشعرت بقشعريرة تنتشر كالبرق بِجسدها...

" جوهان، الامّ تنتظرك "

صدر صوت غير مألوف من الوراء، من شابٍّ بدا في مثل عمرها، كان اسمه اندر، و كان مساعدَ المرأة التي ينادونها الام... اي أعلى هيئة بين حراس البروج.

اسمُ الامّ كان بيترا، شابةٌ ذات بشرةٍ داكنة و جدائل كثيرة طويلة ، ذات عيون بنية متقاربة و شفاهٍ على هيأة قلبٍ... و رغم الوجه الملائكي الذي خُلقت به هذه الشابة، الا ان نظراتها الحادة كانت قد جرفت كل اللطافة معها.

كانت بِيِيترا امرأةً شابّةً في العشرِين و حسب من عمرِها، لكنّها حملَت على كاهِلها أهمّ مهمّة بينَ الكيانات.

حراسة الابرَاج التّسعة.

تأمينُ محاربينَ و أفضل عدّة قتال... الاعتناء بهم و حماية هذه الارض الشاسعة.

رغم ان حراس البروج تابعون ايضا لسلطة المونديجو عبر القوانين التي تشملهم جميعا، الا انهم نوعا ما اكثَر تحرّراً منه على عكس الظلال.

تربّى حراس الابراج على حماية القوانين و اتباعها بسذاجة عمياء.

في حين ان الظلال تعلموا كيفية استعمال القوانين لبلوغ غاياتهم و النجاة... و دون شكّ قربهم و اشراف المونديجو عليهم جعلهم عبيدا له لا للقوانين.

" اندر، دُلّ الانسة على غرفة الضيوف... اريد التحدث لجوهان على انفراد "

كان صوتها فصيحاً و قويا، و لكنتها تدلّ على ثقافتها الواسعة... امرت فأومأ اندر بطاعة ريثما هو يقود زارا للخارج.

بعد تركهما بمفردهما أطلقت بييترا نفساً طويلاً و هي تتجرد قليلا من صرامتها الشديدة.

" كان بامكانِكَ تركُها بحمايَة المونديجو ان كان رحيلك ضروريا "
رددت بنبرةٍ غير مرحّبة بتاتاً، دحرج عينيه بمللٍ و قد اخذ راحته بالتجول في مكتبها الشاسع، بدا جوهان متعودا على زيارة هذا المكان.

" لا، افضّل بقاءها هنا "
اجابها بصوتٍ دون نبرةٍ و هو يضغط على بعض الازرار كي تنفتح ابوابٌ مخفية على خزائن سرية للاسلحة.

" لماذا؟ "
دلفت بييترا الى الخزانة وراءه و هو يعاين الرشاش الذي بين يديه.

" و لما لا و هنا اكثَر الاشخاص الّذين بامكانهم حمايتها؟ "
قال بلا مُبالاةٍ و هو يرمي الرشاشَ كي يلتقِط بندُقيةً بثلاثِ افواهٍ قد شدّت انتباهه.

عاد اندر فنظَر  نحو بييِترا و قد راودهما نفس التساءل.

" هل لديكَ مشكلةٌ مع المونديجو حاليّا يا جوهان؟ "
سأل اندَر بنبرةٍ انطوت على الحدّة، تجمّد جوهان مكانه قليِلاً ثم نظر اليهما و اجاب بشيء من السخرية.

" حاليّا؟ لا "

" هل اقترَف المونديجو خطأً ما يا جوهان؟ "

" لا "

" لا ام ليست معكَ ادلّة ؟ "
سألت بييترا بصوتٍ مشكك فاستدار ناحيتهما و تنهد طويلا و هو يعقد ذراعيه فوق صدره.

هل تعتقده بهذا الغباء كي يوحي لهما ان المونديجو اخترق قوانيناً دون ان يملك براهين؟

" سأدرّب أطفالكُم الاغبياء مقابلَ حماية زارا سكازوس لديكم ... اراهن انها صفقةٌ رائعة لك، تظاهري بالتفكير في الامر "

تحدّث بعجرفته المعتادة، بدت بييترا مغتاظة من شيءٍ لكن ليس اسلوبه الذي تعودت عليه.

" و من تكون زارا سكازوس بالنسبة لك لدرجة انك تنازلتَ عن كبريائك لتدريبِ ما أطلَقت عليهم يوماً اسمَ الرّقيق الرّديء؟ "

سألت بنبرة حذرة و مهددة في نفس الوقت، كانت بييترا عدوانية على غير عادتها.

" هي تكون احد اعضاء النخبة التي انا مسؤولٌ عنها ، و هذه ليست اوّل مرةٍ يتم وضعُ احدٍ مهم مثلها لدى امانتكم بغرَض الحماية! "
اجابها بحدّةٍ فاختفت العدوانية من وجهها و ظهر تعبير جديد غامض.

" هل انتَ تحبّها جوهان؟ "

عندَ السؤالِ المفاجئ تجمّد لسانه بسقف فمه...

هل اصبَح حبّهُ واضحاً لدرجةِ ان يُلاحظه ايضاً من لم يتجرّع الحبّ طيلةَ عمره، من يعتقدُ انه مصطلح دعائيّ ينتشِر في الافلام و الكتب؟؟

شعرَ جوهان بِثقلٍ يجذِب جسده للارض فاستند على طرف الطاولة و تنهدَ بخفوت... دعك على صدغه كما لو انه يعاني من صداعٍ خفيف ثم نظر نحو وجه بييِترا المصدوم ، المخذول، و اعينها المتّسعة.

" هناك فقط شيء اخر، هي لا تحبّ ان يلمسها احد... اتمنى ان تخبِري الجميع من حولها "

اعتدلت بييترا في وقفتها و هي تأخذ نفسا عميقا، تضع يديها وراء ظهرها و تستقيم بثقة.

" ان سألني المونديجو عمّا يحدث ، فلن اخبّئ شيئاً عنه "

" اوه من فضلكِ لا تفعلي، ارسلي اليهِ تحيّاتي كذلك "
اجابها بوقاحةٍ و هو يعود لانتقاء بعض الاسلحة كما يحلو له.. جزّت اسنانها و اخذت تتحدث مجددا.

" ما تفعله سيؤزّم علاقتك به، و من الممكن ان يفعل اي شيءٍ لسلبك منصب المونديجو! "

"لكن ما أفعله لا يُخالف ايّ قانونٍ بيترا! "

عند اجابته غير المعتادة انفجرت بصوت متزايد العلو تدريجيا.

" أ و لا ترِيد ان تصبح المونديجو التالي؟! لماذا تخاطر بحركةٍ كهذه؟! "

" ماذا تريدين مني؟ ان اتوسلك؟ ان اجثو على ركبتي كي تقبلي؟! "

انفجر هو كذلك بوجهها عندما بدأت تتصرف على غير عادتها... جوهان عرف بييترا منذ ان كانا اطفال، كان من الطبيعي ان يحظى اطفال الظلال و الابراج بِمهمات و لقاءات معاً، جمعتهما علاقة مهنية متضاربة بين السخرية اللاذعة و العمل الجاد.

يعرفها لدرجة انه لم يتلقّ يوما منها هذه التصرفات المبالغة... لم يعتقد بتاتا انهل ستعارض امرا كهذا.

" انا لستُ بالمونديجو كي تلعقَ حذائي جوهان "
همست باشمئزاز و هي تستعيد نغمة صوتها المنخفضة.

" لماذا لا تقبلين اذاً مساعدتي؟ "
سأل فصمتت، غير قادرة على اجابته بلسانها تحدثت بعينيها اللتان تتصببان قلقاً، الى ان صدر صوتٌ قاطع بجانبها.

" حسناً، ستبقى لدينا "

اجاب اندر عنها منهِياً النقاشَ الحادّ، و بذلك رحلَ جوهان بعد ان اخذ معه بعض الاسلحة قائلاً انّه سيعيدها لاحقا.

لن يعيدها، كانت متأكدة.

وقفت بييترا امام نافذتها الواسعة التي تطلّ على ارضها الشاسعة، تلالها و سكانها الذين انتهى يومهم المعتاد فعادوا الى ملاحقهم للراحة مع المغيب.

لكن عيناها لم تكونا على رعيّتها... عيناها كانتا على جوهان الذي يقف امام البوابة، و زارا التي تسير نحوه.

عيناها على عيني جوهان التي لا ترى احدًا غير زارا.

" انتِ تتصرفين الانَ كظلّ دائم تملـكته الغيرة و الجشع ، و ليس كحارسة الابراج الامّ التي عهُدها الجميع بحماية القوانين المقدّسة "

تحدث اندر من ورائها،  و كان دون شكّ قد لاحظ، بل علِم منذ الابد باسباب بييترا التي منعتها عن قبول زارا في مكانها.

شعرت حينها بالسخف من نفسها فابتسمت ساخرة...

" لا تدعي مشاعركِ تقف بينكِ و بين القوانين "
حذّرها بلهجةٍ صارمة فهزّت رأسها بحسرة.

لا تقلق اندر، سأكون بخير. "

" الى اين انت ذاهب؟ "
تساءلت بوجلٍ و هي تجلس جانبه بسيارته.

" لا تقلقي، سأعود قريبا "

" هل ستتركني هنا وحيدة؟! "

" لن تكوني وحيدة، الام بحد ذاتها ستعتني بك "

شعرت زارا بالنفور من بييترا فور لقائها لاسباب غير معروفة، و قد تجلى ذلك حين حملت سيجارةً و راحت تدخنها.

" لا تبدو مرحبَة بفكرة وجودي اساسا "
تحدثت و السيجارة بين شفاهها، عادت للحديث بعد ان اخذت نفسا قصيرا منها.

" لماذا لم تتركني مع ظل اخر؟ كان بامكانك تركي مع نانا، لماذا هؤلاء بالتحديد؟ و بمكانهم كذلك؟ "

" لم اعد اثِق بتصرفات نانا بعد ان قادها حبها الاعمى لِمزاد بيع العبيد، كما انها لا تغادر الكنيسة لاسباب غريبة... اراهن انها واقعة بحب رجل هناك مجددا "
اجابها بعدم اكتراث... ان تركها مع نانا، فسيجدها في السوق السوداء او كراهبة بالكنيسة حين يعود .

" ماذا عن بيرلين؟ "
عندما ذكرت اسمه برد الهواء بينهما بشكلٍ مفاجئ .

" ما الذي حدث بينكما جوهان؟ "

سألت بوجل مجددا فتنهد دون اجابة.

" ستعلمين في الوقت المناسب  "
استخدم نفس العبارة، و لكي لا تسأل مجددا قال.
" علي الذهاب الان "

" أ لا يمكنك البقاء معي اكثر؟ هذه الليلة على الاقل؟ "
استوقفته برجاءٍ فهز رأسه بسخرية... ثم وضع خنجره بين يديها.

كانت متفاجئة جدا، فهو لا يسمح لاحد بِلمسه... متفاجئة لدرجة انها نزعت السيجارة من فمها.

" هذا كان اول هدية اتلقاها بحياتي كلها... لم أدع احدًا يستعمله غيري، حتى اخي ساينت "

" ساينت؟ من يكون؟ لم أسمعك يوما تذكُر احدا من الظلال بصفة الاخوة "
نطقت باول ما استطاعت نطقه من الصدمة.

" اعتقد لانه الوحيد الذي يروق لي من بينهم "
علّق بعدم اكتراثٍ و هو يدفع بخصله الامامية للوراء.

" لماذا تتركه لدي؟ معي مسدس "

"سأتركه لديك كضمان لعودتي "
تمتم بصوت هادلٍ هادئ فلمعت عيناها و تصببتا عاطفةً...

قلبها الذي خفق آلاف المرات بالندم و العار و الالم،  صار لا يجيد الخفق الا له...

" سأتركُ سجائري المفضلة  و قداحتي معك ايضا... "
قالت و هي تضع سجائرها و قداحتها الغالية بصندوق سيارته.

" لا استطيع العيش دون سجائر لاكثر من اسبوع، ساصاب بالجنون، لذلك عد قبل نهايته "
وضعت شروطها كذلك و اعينها تبرق بحلاوة الحياة .

تبسمَت عيناه، انكسر نور المغيب فيهما فمنحتهما لوناً مغريا جديدا و هو يهمس.
" ربما فرصة جيدة للاقلاع ."

عرفت زارا كيف تبدو اعينه الخضراء الجاشية حين تسطع العاطفة فيهما ، و لم يعُد وجهه المكرَمُ بالجمَال اقصى طريقٍ لها للهلاك بعد الان... اما السلام الذي يحيطُ بملامحه اصبح يعنيه.

" معك حق... "

فتاة الموت لم تعُد تَتوق له فرمت سجائرها لأجل جرعة حياةٍ منه.

اعينها التي تجيد البكاء دون دموعٍ لم تعد تبكي ... و قلبها الذي يجيد الخوفَ شعر بالاطمئنان.

لكن عينيهما لاتزالان محبوستين في افظع صفقات القدر ،  فقط هنا و انفاسهما، رائحة الدخان و العشب الطري...

و المغيب الذي لا يمكن ايقافه.

وقفت ناناَ و قدماها الحافيتان تستمتعان ببرودة مياه البحر الصقيعي...

ترتدي سترة خفيفة و سروالاً قصيرا في عزّ الشتاء و تستمتع بذلك.

" هل قُمت بما طلبته منكِ نانا؟ "

التفتت نحو مصدر الصوت، الى جوهان الذي ظهر من ورائها بِبذلة سوداء نحتت جسده المتناسق تحت ذلك المعطف الطويل... شرائط جلدية تعلقت منها كي تصنع حوامل اسلحة.

" نعم عرّضت حياتي بأكملها للخطر بما فعلته! "
هتفت بِنبرة غاضبة و هي تبتعد عن المياه و تقترب منه.... دحرج عينيه بملل و بسرعة اخرج من جيبه كيسًَا صغيرا وضعه بيدها باهمال.

" ها هي اجرتك "

عقدت نانا حاجبيها و هي تفتح الكيس الصغير، تتمنى في داخلها انها لن تجد حشرة او عقرباً ما او ما شابه.

لكنها صرخت فور ان وقعت تلك الاحجار البرّاقة بيدها.

" هل انت جاد؟! هل هذا ماسٌ حقيقي؟! من اين حصلت عليه؟! "

" لدي مصادري الخاصة "
اجاب بعدم اكتراثٍ و هو يلوح بيده، قفزت فرحة بأجرتها فخبأتها فوراً ثم ركضت لارتداء حذائها.

" لا يهم، وداعا الان! "

" انا ذاهب للموت! أ لن تمنحيني وداعا ملائماً؟! "
صاح و هو يراها تصعد الى سيارتها بالفعل.

" آخ سأستمتع كثيرا بالوليمة التي ستقيمها مورتا لاجلك "
علّقت باستفزاز و هي تضحك عاليا، و بسرعة شغلتها و انطلقت بعيدا تاركة اياه.

التفت الى الامام نحو البحر... هناك اينَ قبعت نقطة سوداء في الافق...

الى جزيرة المونديجو.

اين سيفصل الشك عن اليقين... حين سيلقى بيرلين ما يستحقه.

مع اقتراب الهزيع الاخير من الليل أغلقت بييترا الباب الاخير للبرج التاسع بعد ان تأكدت من سلامة الامور بداخله.

ضوء الفجر قد بدأ يسطع و الان انتهت مهمتها بحراسة الابراج الليلية، ستعود لاخذ ساعات قليلة من النوم ثم تستيقظ مجددا للاهتمام بشؤون رعيّتها.

توقفَت قليلاً عندَ شجرة الشنق، تمّ انزال الجثث قبل الفجر و حرقها كما يلزم...

العقابُ ضروري، و علانيته اكثر...

ان تغاضت عن اتفه الاخطاء، فهذا النظام الذي سالت لاجله الدماء و الدموع سينتهي برمشة عين... كانت بييترا أكثر حكمة مقارنة لعمرها، و افضل خصالها انها كانت تجيد الفصل بين قلبها و عقلها، فلا تميل كل الميل للعاطفة، و لا كلّ الميل لِلقسوة.

شنقت من نادتهم يوما بالاخوة، و هي ليست نادمة بتاتا... فالقانون فوق الجميع و فوقها.

زفرت نفساً طويلاً و هي تكمل طريقها نحو الملحق الرئيسي اين ستنام ، و هناك حين فتحت بابها فوراً، تلقّت طعنة بالظهر  جعلت روحها تغادر جسدها للحظة من الالم.

تحركت بييترا رغم الخنجر الذي طُعن بظهرها، تحاول القضاء على من غدرها، لكنه هربَ بِسرعةٍ منها قبل ان تتمكن من اصابته...

انطلقت جرس الانذار جاعلاً السكان بأجمعهم يفتحون اعينهم تلقائيا، حملوا عتادهم و خرجوا مستعدين للقتال...

خرجت زارا من غرفتها حينَ ايقظها الدويّ الصاخب، شاهدت حراس الابراج يملؤون الردهات كالنمل بأسلحتهم، مرّت عليها جماعة سائلة.

" هل رأيتِ صبيّا ماراّ من هنا؟ انه بهذا الطول! "
أشر لها السائل فهزت رأسها بتوتر.

" لا! استيقظت للتو! ماذا هناك؟! "

" احدهم حاول اغتيال الام "
اعلن ففتحت فاهها بذهول.

" عودي الى غرفتك الان آنستي و سأضع احدا لحراستك الان "

هزت رأسها بتفهم و عادت على الفور الى الداخل... سارت قدماها بسرعةٍ ناحية حجرة الحمام المتصلة بغرفة النوم، هناك بالزاوية نظرت باعين مليئة بالشفقة الى الصبيّ الذي تلطّخت ملابسه بالدماء...

نزع القناع عن وجهه بيديه الداميتين كي تتدحرج دموعه على خديه المليئين بالنمش...

" انا... انا لا اعلم لماذا فعلتها... "

تمتم بهستيرية و هو يبكي ، تسللت انامله المضطربة على فروة شعره و كأنه يريد نتف خصلاته الحمراء حين استوعب ما قامت به يداه.

" يا الهي... لقد قتلت الامّ! "

صاح بحرقةٍ بين شهقاته، لا يصدّق انّ حقده وصل لدرجة قتل المرأة التي سكبت عليه و على اخوته من حبّها و اهتمامها الكثير.

" سيقتلونني! اعرف ان نهايتي ستكون على تلك الشجرة كما كانت نهاية اخي! "
همس بجنون و يتلف خصل شعره... زارا لم تنطِق بحرفٍ لانها وافقته ايضا... اعتقدت مثله ان كلاهما يعرفان النهاية.

لكنهما كانا جاهلين اننا مهما فعلنا و اينما كنّا لن نعرف نهاياتنا...

لكن نهاياتنا ستعرفنا دائما.

< يُتبع... >

Continue Reading

You'll Also Like

657 64 4
"ستسمع طبول النصر بين جبال الزرق ،" "سأقف فوق جثة القاضي الأول وأصرخ بإسمها ميلين ليست ساحرة هي خارقة شريفة" "ولدة من رحم مرأة ناثاروسية وصنعت من ص...
43.3K 1.1K 6
المايمر ؛ بشرٌ تمَ تطويرهمْ تحتَ مسمى المايمر . التطورُ وبدايةِ النهضةِ السريةِ كانتْ هنا في مقرٍ سريٍ يديرهُ جيفوردْ ليبوني الذي كانَ مدرسُ أحياءٍ...
25.5K 803 10
ولِدوا في الدماء أين يولد الفن بين أيادٍ دامية أين يعم السواد وتغلق أبواب النعيم في وجوه ستة من وحوش قد ولدوا في الدماء ماذا لو تقابلوا في نقطة واحد...
2.8K 244 15
يحذرنا آبائنا دوماً من الكذب لكنهم لا يخبروننا ما هو السبب أو حتى ما هي عواقب الكذب لكن ما نعرفه هو أنه في هذا العالم هنالك كذبات بيضاء وأخرى سوداء...