أبـْرار سـيـناء

Por Omnia_Helmy

16K 1.6K 1.3K

تغنجت بخُطاها ترمُق الجميع بكِبرياء يتخللُه العِزة، مِقلتاها المُزينتان بالكُحل الأسوَد العَربي تُحاكيَّ ثغره... Mais

المُقدمة
الفصل الأول |أين أنتِ؟|
الفصل الثالث |قرارٌ مصيريّ|
الفصل الرابع |مَهمة مُهمة|
الفصل الخامس |إستعدادات|
الفصل السادس |لِقاءٌ كارثي!|
الفصل السابع |عُروبة بَدوية|
الفصل الثامن |غُربة|
مُفاجأة
الفصل التاسع |بالـ إنجليزي|
الفصل العاشر |سَكَن إضطراري|
الفصل الحادي عشر |تُريد جَولة؟|
الثاني عشر |إحلال المُحتال|
استراحة مُحارب.

الفصل الثاني |جرحٌ غائِر|

1.1K 155 184
Por Omnia_Helmy


قراءة مُمتعة أعِزائي..

«ترجمة الحوار البدوي من قِبَل/ سماح محمد»
__________________________
__________________________

بإحدى صحاري سيناء المصرية وتحديدًا عند مجلس قَوم فخر الدين العزايزي؛ تغنجت بخُطاها ترمُق الجميع بكِبرياء يتخللُه العِزة، مِقلتاها المُزينتان بالكُحل الأسوَد العَربي تُحاكيَّ ثغرها المَطلي باللَون النَبيذي القاتِم إشارةً لدِماء الأحرار.. -أحرار سيناء-
وإن إنقلبت الحاء باء؛ فالمَقصود بِهِ هيَّ
نعم إنها.. أبـرار الإسلام إبنة بَنو فَخر الدين العزايزي إحدى أعظم القبائل البَدوية السيناوية.

ترجَّلت بخطى خفيفة قاصدة مَسكنها والذي يتهيأ بـ"بيتٍ بسيط -رغم ثراء ساكنيه- يتكون من دور واحد يحيطه الأعشاب الخضراء القصيرة المُتخللة لصحراء المكان"
قابلها صوت أمها الحنون: "چِبتي الوَكل يا أبرار؟"

_"لأ يومَّا.. الواد مرزوڨ هيجيب الخزين من برا المنطقة وياچي"

أماءت والدتها قبل أن تذهب للخارج لثوانٍ ثم أتت وبيدها أربع حمامات تُمسك بهم من أجنحتهم وسائرة بهم نحو المطبخ كي تَذبحهم ليكونوا وجبة الغداء اليوم.

خلعت أبرار مئرزها ثم ذلك الوشاح الذي تضعه على خصلاتها لتغطيهم واقفة أمام مِرأآتِها تستبين لذاتها مظهرها الجماليّ.. بدايةً من خصلاتها البنية التي تتطاول حَد أردافها، وبشرتها الحنطية التي تحوي عيناها البُندقيتان الواسعتان واللتان إزدادا توسع بالكُحل الأسود المحيط بهم، وحتى أنفها الحاد ثم شفتيها المُحددة بالطلاء القاتم، وأخيرًا جسدها الطويل نوعًا ما والمُلائم لهيئتها الـ.. خلابة!

لفت إنتباهها صوت خبطات متتالية على نافذة غرفتها إسترعت إنتباهها لتذهب تجاه النفاذة وفتحتها تلقي ببصرها يمينًا ويسارًا حتى لمحت تلك القصيرة التي ستصيبها بذبحة حتمًا.. زفرت أبرار بغيظ مردفة: "إيه حركات العيال الِّصغيرة ديًا يا رنَّانة.. إنتِ إتهوشتي في مخك؟"

مطت الأخرى شفتيها بزنق قائلة: "مانا مرضيتيش أچيلك من الباب عشان مش هعرف أكلمك وقتها، إنتِ عارفة أمك كيف! خالتي فضِّية محدش يوصيها في العمايل، والله ما بعيد لو لمحتني أنا ولا البنت منار تخلينا نكنس الصحرا من كل حبة رمل فيها!"

إستطاعت بكلماتها الساخرة إثارة ضحكات أبرار لتتحدث: "خلاص خلاص بطلي شَكا طيب.. أنا هلف وأجيلك من الباب"

وبالفعل ذهبت أبرار لترتدي مئرزها فوق فستانها الحريري الطويل ثم وضعت الوشاح على رأسها بإهمال لتفتح الباب متجهة نحو صديقتها وإبنة خالتها وإبنة عمتها بنفس الوقت.. وقفت قبالتها متمتمة: "عارفة لو طلع موضوع من مواضيعك العبيطة دي؟، يا ويلك يا رنَّانة"

نفخت الأخرى بضيق مغمغمة: "أولًا ألف مرة أجوليكِ إسمي رنا مش رنانة بتاعتك دي، ثانيًا لأ مش موضوع عبيط، دا موضوع يخص منار"

_"لأ إسمك رنانة، إيه رنا هادا؟ هادا اسم مايع كمان مبلحڨش أنطڨه يكون خلص، فڨولت أطوله شوي على كيفي"

قالتها أبرار قبل أن تمط شفتيها ببراءة مزيفة فحدجتها رنا بشرار فأكملت مضيقة عيناها: "وبعدين موضوع إيه اللي يخص منار هادا"

لم تكاد رنا أن تنطق حتى قالت أبرار مسرعة: "أوعي يكون موضوع مصطفى تاني!"

أماءت رنا ببراءة لتشتد أبرار على كفَّها بعنفوان محاولة كبت غضبها ثم مسَّدت على كتف الأخرى قائلة بنفاذ صبر: "إمشي ڨُدامي وريني فين البومة المنيلة التانية.. يلا هِمِّي مش نڨصاكِ أنتِ كمان!"

فإمتثلت الأخرى لأوامرها تسير بخطوات سريعة حتى وصلت لبيت "نجدي العزايزي" عمّها.. دخلت المنزل خلف رنا مُلقية السلام على زوجة عمها: "السلام عليكم يا خالتي غالية"

ردت غالية بودٍ مُحبب: "وعليكم السلام يا أبرار يا بنتي"
_"فين بنتك البومة يا خالتي"

فهمهمت غالية مُستعجبة: "ڨـصدك مين فيهم؟ علا؟"

فنفت أبرار هامسة بسلالة: "لأ.. أنا جولت البومة مش الحَيَّة"

_"بتجولي حاچة يا أبرار يا بنتِّي؟"

وكزتها رنا بلومٍ لترد أبرار سريعًا
_"لأ أبدًا يا خالة.. أنا كان جصدي على منار، أكيد على السطوح أنا هطلع أشوفها"

فأماءت غالية بالموافقة بلا مبالاة مُركزة أنظارها على التلفاز الصغير الخاص بهم.
تدرجت أبرار ومن خلفها رنا تصعدا السلالم قبل أن تنطق رنا: "عاچبك طولة لسانك اللي عاوز جصُّه دا؟

فرفعت أبرار منكبيها ببراءة وردت:  "وكأني كذبت؟ دي بنتها دي عِشّ عَڨارِب في بعض"

تنهدت رنا بقلة حيلة مردفًا: طب إطلعي ياختي إطلعي جاكم هم كلكم"

لتفعل أبرار حتى وصلت للسطح الذي رأت في مقابلته منار تجلس بجانب برج الحمام الصغيرة تناظره بوهن شاردة، بينما دمعاتها تسترسل غصبًا، وحالما رأت أبرار حالتها زفرت بضيق قائلة بنبرة صبغتها بالمرح بعض الشيء: "مين اللي واخد عڨلك يا ست منار"

رفعت منار أنظارها لها هامسة: "وهو فيه غيره؟ اللي تاعب جَلبي وسارِڨ بالي مني؟"

_"ياخية هما الرجالة كيف كدا، ميجيش من وراهم غير وچع الڨلب، وبعدين يا نيلة أنتِ منار.. منار نجدي العزايزي، يعني ألف مين يتمناكي، تدري؟ والله إنك خسارة فيه، مش هو خويّ أهو؟ بس ميستاهلكيش"

سقطت دمعة أخرى من منار مُتحدثة: "ألف مين يتمناني وأنا بتمناه هو، ليه رايد يعذب ڨلبي وروحي وَيَّاه كدا؟ دانا بحبه"

أجزمت بها منار لتجهشأ في بكاءٍ مرير نابع من أعماق وجعها، لتتقابل نظرات كُلًا من أبرار ورنا جالسين رفقتها، فإحتضنت كُلٍ منهم الأخرى بشكلٍ دافيء مريح، فأبرار تحتضن منار بعمق والتي تتشبث برنا التي تضُمها من الجهة الأخرى، وكأن حتى العذاب والوجع أصرُّوا أن يتقاسموه، فتجزأت الهموم والأتعاب على ثلاثتهم، وكأن القدر أراد تخفيف الحِمل على واحدة فبعث لها إثنتان أُخريات تُعوضاها عن ما أفقدته لها الأيام

همست أبرار تقطع الصمت بينهُنَّ: "خَلَص يابت عاد.. بتصيحي عـ مصطفىوالله ما يستاهل دموع عيونك دول، محدش له حڨ إنه يخليكِ تصيحي يا منار، دموعك غالية عـ إنها تنزل على بشر زيه زي مخاليق ربنا"

طأطأت أبرار رأسها لتكمل رنا: "ويوم ما تصيحي تصيحي على مين؟ مصطفىماسمعتي صوته أنتِ من قبل تو؟ هاد حمار، بيچعر كل شوية، وكفاية صوته تحسيه بالع چُواتُه تور مش بني أدم زيينا لأ"

فإستطاعت رنا إضحاك كلاهما بصخبٍ لتكمل: "طب صيحي يا خية على واحد مقبول شوي، تدرين إنتِ لو خوي يوسف ما خطب؟ كان الحين مچوزتهولك والله، بس البنت شام وقعته على وِجُه فيها"

إبتسمت منار أخيرًا قائلة: "لك ربنا يبارك ليهم ويا بعض، شام بنت حلال وتستاهله، مع إني محسداها عـ عيون أخوكي الملونة هذي، بس يلا عاد مانا مشكلة"

فضحكت كلتاهما لمرة أخرى يتجاذبان أطراف الحديث سويًا في محاولة يائسة لمداواة جروح منار الغائرة التي سببها ذلك المصطفى بتجاهله القاسي لها ولقلبها المُتيم به!

وحقيقةً..
بمرور الوقت
نتعلم أن
بعض الندوب لا تُشفى أبدًا
كـ سُمٌ أخرق
إستطاع وبجدارة التخلل بجسدنا
وتحديدًا بداءُه للقَلب؛
أفمِن ترياق؟.

______________________________
______________•_______________

وعلى نحوٍ آخر...

وصل أخيرًا لمقر العركة التي يحاوطها بعض الشُبان يشاهدون ذلك الأداء الممتع لعرض مشاهدة الظابط الذي يُلقن أحدهم درسًا لن ينساه.

وما أن عبر وسط الحشود حتى جحظت عيناه بمشهد هود صديقه الهاديء كما عاهده مُتلبسًا شياطينه كلها بأنٍ واحد، وهو يمرر اللكمات نحو ذلك الشاب الذي كاد أن يفقد وعيه بين يديه، ثوانٍ ما إستفاق على صريخ صديقهم "فطين" وهو يحاول الحجب بين هود والشاب فإضطر قصي للتدخل محاولًا التحكم بجسد هود من الخلف حتى يسيطر على إنفعالاته، فحال بينهما بنبرة صارمة: "بس ياهود اهدى انت كمان فيه ايه لكل دا، فهمني حصل ايه الأول"

قالها ليبتلع هود ريقه وهو يستند بكفيه على ركبتيه يلتقط أنفاسه قبل أن يهدر: "الواد دا هو وواد تاني معاه كانوا بيحاولوا يشدوا البنت دي للعربية اللي راكبينها، شوفتهم صدفة وانا راجع ولحقتها على أخر لحظة وقدرت أمسكه بس الزفت التاني هرب"

أطلق تلك الكلمات مُوجهًا بأنظاره لتلك الفتاة التي تتنفس بصعوبة ووجهها يميل للإحمرار من شدة إنفعال الموقف، وحالما أنهى حديثه حتى تحدث قصي بدوره قبل أن يكشف عن ساعديه هو الآخر: "طب مش تقول كدا يا راجل.. دانت ليلة أمك سودة النهارده"

قالها موجهًا حديثه لذلك الشاب المذعور والذي لم يكاد يلتقط أنفاسه حتى وجد من يبرحه ضربًا رفقة ذلك المجنون من وجهة نظره حتى بات يستفرغ الدماء من فمه من كثرة ما تعرض له من ضربات وركلات قاسية..
وكاد قصي أن يؤدى بحياته وهو يرى تلك الفتاة الشاحبة إحدى أخواته مكانها وكلما تذكر أن لولا وجود هود للقت الفتاة مصيرها الحتمي يتعنف أكثر في ضرباته قاصدًا إيلامه بأكثر الطرق الموجعة، وبالفعل دقائق أخرى ووجد راشد رفقة حشد من العساكر والظباط يتوسطون بينهم ليهدأوا من حدة الأمر، فلم يدري بنفسه سوى وهو أمام راشد بمكتبه، رفقة هود يُنكسان رأسهم للأسفل ويستمعان بحنق لتوبيخ راشد اللا نهائي لهم.

_"جرا إيه انت وهو؟ فاضي أنا عشان أمشي ألمكوا من الخناقات كل شوية؟ فاكر نفسك فتوة منك ليه؟ دا إستغلال سلطات ولو حد من القيادات العُليا عرف باللي بتهببوه هتروحوا في ستين داهية"

فرَد قُصي سريعًا: "يا راشد باشا أنا كنت نازل عشان أهدي الخناقة أصلًا بس لما أعرف إنه كان بيحاول يخطف بنت ويا عالم كان عاوز يعمل فيها إيه أسكت؟ ليه معنديش نخوة؟ معنديش إخوات بنات أخاف عليهم؟ صدقني يا راشد باشا الموضوع إنساني أكتر ما هو إستغلال سلطات زي مانت شايفه"

فزفر راشد بعنف قائلًا: "ومش الفتونة وأخد الحق بالدراع هو دا الصح يا سيادة الرائد، لما تبقى قائد كتيبة كاملة ورائد في الجيش المصري والقوات المسلحة دا غير إنك إبن العقيد منصور الحكيم ربنا يرحمه يبقى لازم تفكر في تصرفاتك، الهمجية دي متنفعش هنا، وإحمد ربنا ان الموضوع إتلم قبل ما حد من القيادات يشم خبر، كان زمانك مش محصل ملازم حتى!"

وهنا كان دور هود في الحديث ليردف: "راشد باشا، قصي ملوش دعوة أنا اللي بدأت الخناقة من الأول، فلو فيه أي عقاب أو جِزا يبقى أنا اللي هتحمله لوحدي"

_"والله يا سيادة النقيب العقاب الوحيد اللي أقدر أقدمه إنك تترفد خالص إنت والفتوة التاني بس.."
صمت ليستكمل حديثه بإبتسامة حانية: "الجيش محتاج أشكالكوا للأسف"

إبتسم كلًا منهم ليستطرد راشد حديثه متبوعًا بغمزة عابثة: "بس بيني وبينكم، بعيدًا عن جو الشغل فانا فخور بيكوا يا عيال، الواد وشه بقى خريطة عالمية، وبصراحة كدا؟ كنتوا جامدين أوي، وكنت هموت وأضرب معاكم بس إنتوا عارفين بقى.. مركزي مسمحليش بالعبث دا"

قالها لينفجر ضاحكًا فتبعه إنفلات ضحكات قُصي وهود بصخب يتذكران منظر الفتى الذي كاد أن يشبه القطعة البالية من شدة إهتراء ملامحه فقال هود: "وعاملي فيها جَد وبتاعيا راجل دانت طلعت مسخرة يخرب عقلك"

قالها بسخرية ليبتلع ضحكاته فور ما رأى نظرات راشد الصارمة نحوه، فإسترسل قصي الحديث: "مش هوصيك بقى يا راشد بيه عليه، خلي الرجالة يروقوه في الحبس لحد ما نعرف منه طريق الواد التاني وياخدوا اللي فيه النصيب"

أماء راشد بموافقة ليتبعهم طرقات على الباب فأذن راشد للطارق بالدخول حتى دلف سيد ساعي المشروبات قائلًا بعفوية: "فيه حد برا عاوزك يا راشد باشا، وبيقول إنه من المنطقة المركزية العسكرية "القيادة العليا" في القاهرة، وجايلك بأمر بكري بيه الدالي نائب رئيس أركان حرب القوات المسلحة"

تبادلت نظرات ثلاثتهم في حيرة قبل أن يترجل هود وقصي للخارج سامحين للضيف بأن يأخذ راحته في الحديث متوجهين بدورهم لمكتب قُصي..

دلف كلاهما المكتب فتحدث قصي بمرح: "شكلنا مش هنتهنى بأم الأجازة دي"

_"ومين سمعك، على الأقل بتروح بيتك خميس وجمعة، أنا كل جمعة وأوقات راشد مبيروحنيش كمان"

_"ماهو على حاطة إيدك أهو.. روحني الخميس وجابني الجمعة"

_"بس أهو في الأخر هنروح الحمدلله.. وإحمد ربنا إنك مش زي فطين بيبات بالشهور في السكن العسكري هنا وليه يومين أجازة كل شهرين"

_"على رأيك"
قالها هود بسخط ليعاود قصي التساؤل:
"بردو مجيبتش الفطار؟"

_"مانا كنت رايح أجيبه كافي خيري شري، بس اللي حصل خلاني نسيته وسط الخناقة باين.. ولبست كيس الفول في وش الواد"

فإبتسم قصي بيأس عن حظهم العثر في الإفطار، وبينما هود يُثرثر عن بطولاته وسط معركته العريقة جلس قصي على مكتبه مُمسكًا بقلمه يخطو برفق على إحدى صفحات كتاب مُذكراته:

"يومًا ما.. في قارةٍ ما، ببلدٍ ما، بـ مدينةٍ ما، في شارعٍ ما، ووسط أُناسٍ ما؛ سألقاكِ بين الوجوه والزِحام، وحينها فقط ستُؤدي كل الطُرق إليكِ بدلًا من روما، وستُلقيني كل السُبل عِندك رغمًا عنَّا، وستخلق لي الصدف فرصة جديدة بلُقاكِ، وستشاء الأقدار بجمعتنا وإذ تحالف ضدنا الثمانِ مليار أدمي، سأظل أنتظر وأنتظر.. حتى يسقط قلبي صَريعًا لعيناكِ ويُحسم الأمر!"

•______________________________•
•______________________________•

توالى الليل سريعًا حتى دقت الساعة الثامنة مساءًا بتوقيت الأسكندرية..

عاد بيته مُرهقًا يسير على أقدامه يُدلك عيناه تارة ويمسح على وجهة تارة أخرى حتى يحث ذاته على الإفاقة أكثر، ويزيد إرهاقه أكثر تلك الكدمات التي لم يزول أثرها من الصباح مما تسبب آلام موجعة في جميع أنحاء جسده المُعضل.. فها هو أخيرًا نال قسطًا من الراحة رغمًا عن إعتراض راشد بالبداية على رحيله هو وقصي، ولكن بالنهاية قد فعل!

وصل أخيرًا على أعتاب حارته الشعبية نوعًا ما وما أن كاد يدلفها حتى وجد طفل صغير عاري الصدر يصخب بالأرجاء: "الحج توفيق بيتخانق مع الست أم هود يا حارة، هيرمي عليها يمين الطلاق وهيخلوا اللي ما يشتري يتفرج يا حاارة"

أطلق سبة نابية من بين أنفاسه لاعنًا ذلك الطفل وتلك الحارة التي باتت تنشر فضائحه وفضائح عائلته بشكل مثير للشفقة، فترجل سريعًا نحو ذلك الجمع ليجد والده النحيف يقف بسروال قطني ومن الأعلى قطعة بيضاء داخلية رفيعة الحمالات يناظر زوجته التي تقف له بالدور السادس تلقي له ماتبقى من ملابسه هادرة: "وخد يا اخويا باقي هدومك أهي وأبقى أشوف وشك هنا تاني"

فصدح صوت توفيق بصراخ: "قال يعني هتطرد من الجنة ياختي، جتك الهم ست تجيب المرض"

وما أن هم هود بالتدخل حتى قاطعه صداح صوت والدته من الأعلى بسخرية تابعتها شهقة مستنكرة: "قال يعني أمك كانت إمام جامع يا إبن سميرة العَمشة"

وهنا لم يستطع هود الصموت أكثر حتى خبط بيده ليثير الإنتباه صارخًا من بين الناس: "بس بقى كفاية فضايح شردتونا"

قالها ليتأفف بحنق قبل أن يمر بين الجموع حتى وصل لمكان والده وأكمل بصوتٍ عالٍ: "يلا يا حبيبي منك لُه المولد إنفض، يلا يا اختي منك ليها، يلا يا أم عبير خليكي في حالك شوية وخدي مناخيرك معاكي بدل مانتي سايباها في حجرنا، يلا ياخويا انت وهو مش فُرجة هي"

أردف كلماته وهو يصفق بيداه في تهكم حتى إختفى الجميع وعاد كل واحد لما يفعل، فدون مقدمات أمسك هود بيد أبيه متحدثًا: "وإنت يلا يا بابا إطلع معايا الله يهديك كفاية لحد كدا فضايح"

فنفى توفيق برأسه رافضًا بقوله: "لا يا هود، أمك لسانها متبري منها وانت عارف، وبعدين دي جرحت مشاعري ولحد كدا كفاية على العلاقة دي.. أنا أستقيل"

_"يابابا بالله عليك تستقيل إيه هي وَردية في مكتب حكومة؟ ولو إن مكتب الحكومة أسهل بس معلش استحمل، وبعدين انت عارف ماما طيبة وتلقائية بس شوية وكمان هي آآ.. "

لم يوشك ان يستكمل جملته حتى شعر بدلوٍ من الماء ينسكب على رؤوس كليهما على فجأة تابعه صوت والدته المُستهزء: "إبقي خلي مكتب الحكومة ينفعك يا عين أمك انت كمان، ويلا مفيش طلوع النهاردة وانتوا الأتنين مشوفش خلقتكوا النهاردة عشان مطلعش عفاريتي عليكوا"

ضم هود شفتيه في محاولة لكبح غضبه قائلًا: "تصدقي أنا غلطان؟ ياكش يتجوز عليكي تلاتة ويقعدهم معاكي في نفس الشقة، وبعدين لحظة واحدة.. هي إيه المياه اللي رميتيها دي عشان أنا مش متطمن؟"

إبتسمت له والدته من الأعلى بسماجة هادرة: "مياة غسيل الشربات والهدوم الداخلية بتاعت ابوك عشان الغسالة بايظة يا حيلتها"

فبنفاذ صبر حاوط هود وجهه بين كفيه هامسًا بسره: "يارب ماهو يا تاخدني يا تاخدني، أصل ملهاش حل تاني والله بالمرار الطافح اللي أنا فيه دا!!"

ووسط نوبة غضبه سمع همس والده له: "بقولك إيه! ماتطلع مسدسك وتخلص على الولية دي وليك الحلاوة، مش الجيش والشرطة في خدمة الشعب بردو؟"

عضّ هود على وجنتيه من الداخل قائلًا: "تصدق بالله؟ بنفس المسدس هقتلها وأقتلك وأقتل نفسي عشان نرتاح كلنا والله"

ثم أكمل بحسرة: "يارب أنا عارف إنه قضاء وقدر وكل حاجة ومبعترضش على حكمتك بس كدا تو ماتش عليا والله"

ووجه حديثه لوالده الغاضب لإبتلال "فانلته" الغالية قائلًا: "وإنت يلا عشان نشوف مكان نتلقح فيه لحد الصبح"

فحدثه والده بمكر: "ماتيجي نبات عند أم عبير"

وحالما ما أخرج هود مسدسه من جيبه وشد زناده صارخًا بوالده: "يلا يابابا بدل ما أقسم بالله أفجر دماغي دلوقتي وألبسك مصيبة، يلا أنا على أخري"

ليوميء توفيق سريعًا بخوف هامسًا داخله: "ماله إبن المجنونة دا هو حد زعله؟"

ثم تبع هود في سيره الذي يسب ويلعن بداخله مرارًا، وكأنه كان ينقصه عائلته الـ'مخبولة' أيضًا!!!!.

              •________________________•
              •________________________•

وبالمرجع للولايات المُتحدة الأمريكية..

في بيتٍ كبير نسبيًا يتّسم بالطابع الراقي الغربي
كانوا يتوسطون مائدة الطعام جميعًا، أحمد ووالدته السيدة "روزيت" وأمامه من الناحية الأخرى صديقته كيارا وبجانبها والديها السيد "چوناثان" والسيدة "ميلينا"

ويتوسط الحائط بالجانب صورة للسيد غُنيم السوّاح والد أحمد والذي توفاه الله منذ سَبع سنوات مضوا، يسود الأجواء جو عائلي رائع من حيث المزاح والمرح، بالإضافة لبعض التلميحات من الجميع عن مصير علاقة أحمد بكيارا، ولكن بالآخير يتجاهل هو.. هو لم ولن يقبل أن ينظر لكيارا بأكثر من صديقة.. نعم هي صديقته وأخته وفقط ليس إلا، هو سيفعل ما يجده مناسب من وجهته ولا عزاء للباقين.

ووسط الأحياء الرائعة المحيطة بهم تقاطع صوت السيدة روزيت والدة أحمد: "إذن أحمد.. بماذا تنوي بعد التخرج؟"

قال وهو يمضغ الطعام بفمه: "سأركز أكثر على مشاريعي وأبحاثي من ثَم سأبدأ التدريب الفعلي في المستشفيات ولربما أفتح مستشفى خاصة بي فيما بعد".
اماء الجميع لتردف والدته مرة أخرى:  "وبالنسبة لحياتك العاطفية؟"

فنبس أحمد مُقلبًا عيناه بملل: "لا شيء أمي.. لا شيء او على الأقل حتى الآن"

قالها ثم أمسك بكوب الماء يرتشف بعض قطرات المياة لعلها تروي ما جفته والدته بداخله ليستمع على غفلة صوت والدة كيارا الخبيث: "إذن روزيت.. ما رأيك أن نقيم خطبة أحمد على كيارا بعد تخرجه مباشرةً.. معاد مثالي صحيح؟"

ثم نظرت لأحمد الذي وقفت المياة بحلقه مكملة: "أوه نسيت أن أخبركم، وافقت كيارا على طلب خطبتك لها الذي أفصحته والدتك!!"

وهنا لم يستطع التحمل أكثر فبصق المياة من فمه يجمد نظراته على والدته بصدمة كبيرة يتخللها الخذل وال.. حَسرة!.

________________________________
________________________________

وإنتهى الفصل!
قولولي أرائكم وتوقعاتكم للي جاي، ومتنسوش تعملوا ڤوت وكومنت تقديرًا لتعبي

وأخيرًا.. دمتم على خير، وألقاكم في الفصل القادم بإذن الله 💫.

- أُمنية حِلمي
  |بـلانـكـا|
#أبْـرار_سـيناء

Continuar a ler

Também vai Gostar

732K 47K 41
(#1 Unwanted Series) ||Arranged Marriage Romance|| "Open it." She said in her commanding tone, as my hand made towards her 𝒌𝒂𝒎𝒂𝒓𝒃𝒂𝒏𝒅 to ope...
1.2M 29.7K 45
When young Diovanna is framed for something she didn't do and is sent off to a "boarding school" she feels abandoned and betrayed. But one thing was...
706K 38.1K 53
𝐒𝐜𝐞𝐧𝐭 𝐎𝐟 𝐋𝐨𝐯𝐞〢𝐁𝐲 𝐥𝐨𝐯𝐞 𝐭𝐡𝐞 𝐬𝐞𝐫𝐢𝐞𝐬 〈𝐛𝐨𝐨𝐤 1〉 𝑶𝒑𝒑𝒐𝒔𝒊𝒕𝒆𝒔 𝒂𝒓𝒆 𝒇𝒂𝒕𝒆𝒅 𝒕𝒐 𝒂𝒕𝒕𝒓𝒂𝒄𝒕 ☆|| 𝑺𝒕𝒆𝒍𝒍𝒂 𝑴�...
709K 27.3K 75
Lilly found an egg on a hiking trip. Nothing abnormal on that, right? Except the egg was four times bigger than supposedly the biggest egg in the wor...