صفقة عشق الشيطان| نيران أنثى

By writeryosh

992K 35.4K 29K

لَم يَكُن لدي دائِمًا في عالَمي حَق الإختيار، حتى الرَجُل الذي سأتزوجَهُ لَم يَكُن عليّ أن أختارَهُ، أخبروني... More

صفقَة عِشق الشيطان| نيران أُنثى
الجُزء الأوّل|إغراء الشيطان
الجُزء الثاني|موعد مع الشيطان
الجُزء الثالث|العبث بذيل الأسد
الجُزء الرابع|الصيّاد والسفاحة
الجزء الخامس|تحت رحمَة الإغراء
الجُزء السادِس|إختِطاف الأميرة
الجزء السابع|التفاحة المحرّمة
الجزء الثامن|خطيئة مُقدَّسَة
الجزء التاسع|العاقِبَة
الجزء العاشر|كِش ملك
الجزء الثاني عشر|شيطان الخير وملاك الشر
الجزء الثالث عشر|سيّدة قلب الماركيز
الجزء الرابع عشر| الإحتراق بنيران العِشق
الجزء الخامِس عشَر|الصَيد في شاطِئ الإغواء
الجزء السادس عشر|العوم في مُحيط العِشق
الجُزء السابِع عشَر|نَخب إشعال الحَرب
الجزء الثامن عشر| عَهد ماركيزة الشيطان

الجزء الحادي عشر|ماركيزة الشيطان

42.8K 1.6K 1.1K
By writeryosh

الجزء الحادي عشر| "يا فاتِن العيّنين جئتُكَ مُرهقًا
‏مِن وحِي حُسنكَ راعنِي أن أقتُلاَ
‏تلكَ العيُونُ النَاعِساتُ فتكنَ بِي
‏باللّحظ أمّ بالكُحلِ صِرتُ مُجندِلا
‏فَاضَ الدّلالُ مِن الدّلال تَخيّلُوا
‏كيفَ الندى فوقَ الزّهُورِ تكلَّلا
‏القتلُ فِي شرعِ الإلهِ محرمٌ
‏وبشَرع حُسنِكَ لا يزَالُ مُحلّلا "
* * *


أن تكون ضحية هو لَيس بالشيء المقدر لك
أنت نتيجة قراراتك وكيف تواجه ما يصطدم بك، وأميرة القصة هنا إختارت أن تأخذ الألم لتجعله يصنع مِنها أقوى، ليس ليحبطها، والطريق الذي إختارته لَم تَكُن تكترث لِما سيكلفها، هل أجبرها أحد على الزواج بالماركيز!، هل هناك من يملك القدرة على إجبار أُنثى مِثلها!، لم توجد سُلطة بعد لتجعلها تخضع، إن إكتشف أحدهم ما كانت تخطط له من زواج كهذا لمنعوها عنه، الطريق الذي إختارته لَم يَكُن رحيم، وليس هناك أي مكان للرحمة فيه، في عالمها الرحمة شيء مُحرَّم وهي جربت هذه القسوة لتصبح أقسى مِن كل رجل في عالمها، وهُنا وَجدت قوتها حينما نهضت من تحت الحُطام..

مع بِدايَة الإحتفال وتوافد الحضور للزفاف، كانَت تَقِف بجانب ليونيد الذي يحيط بخصرها، وترغب بإزاحة يده وتمزيقها، ممتنة لإنشغاله عنها بالرد على جميع من يباركون لهما، مكتفية بالإبتسام لهم وقول كلمات شكر زائفة، تمثل دورها بطريقة مقنعة تدهشها هي قبل الآخرين، نَظرَت للرجل طَويل القامة الذي تقدم منهما، شَعر أسود، بشرة حنطية، أعيُن عسلية حادة ولحية مرتبة كما كانت هيئته متأنقة، هالته تِلك جَعلتَها تَنظُر له بإفتتان وهي تميل لجسد ليونيد بجانبها، قبل أن تستمع لصوت الرجل الذي كان ثقيلًا رجولي بطريقة تجعل منها تنكمش خوفًا..

" مُبارَك لك لورد ليون، ها أنت ذا أخيرًا تحقق حُلم الجميع.."

صافحه ليونيد مبتسمًا لتبتسم هي الأُخرى وهي ترى الرَجُل يبتسم بطريقة تجعل من أي امرأة تُفتن بِه..

" ماذا عنك كونت سلفاتور!..هل سنحلم طويلًا حتى تتزوج؟.."

تحدث ليونيد وهو ينظُر لصديقه، ليضحك سلفاتور قَبل أن يلقي بكلماته ممازحًا بسخرية..

" ما رأيك أن تختار أنت زوجة لي!..فأنا أثق بإختياراتك.."

" هل أنا والدتك!..إنظر حولك لرُبما ستجد المرأة المناسبة لك هنا.."

إستنكر ليونيد ضاحكًا، وكلماته تِلك جَعلت من روسيل تَنظُر لَهُ بِأعيُن صارمة بينما تقول بِحِدّة..

" إنه ليس مزاد!.."

حينذاك نَظَر نَحوَها كلًا من ليونيد وسلفاتور، شعر ليونيد بِأنّها على وشك أن ترتكب فضيحة من خلال رؤيته لِعينيها وملامحها المنزعجة، وكأنها ستقوم بقتله هو وصديقه، وقد كاد يقول شيء ولكن صوت سلفاتور الثقيل جاء معتذرًا بِنَبرَته المهذبة وهو يحني رأسه..

" نعتذر منكِ ماركيزة لَم نقصد هذا بِالتأكيد.."

نظر نحوه كلًا من ليونيد وروسيل قبل أن تعقد حاجِبيها تردف بصوت حائر..

" ماركيزة!!.."

لم تستوعب بعد اللقب الذي أطلقه عَليها، تبادلت النظرات المشوشة مَع سلفاتور، حينذاك لَم يَكُن الوَقت المناسب لتأخرها في الفِهم هذا ما فكر بِه ليونيد، وهو يضغط عَلى خصرها دون أن يسبب لها الألم، ولكن لمسته التحذيرية جعلتها تتأوه بإدراك قبل أن تقول ضاحكة بإرتباك..

" أوه نَعم..ماركيزة.."

ستتسبب بأمراض القلب له في عُمر صغير، أدرك ذٰلِك ليونيد وهو يستمع لها تكمل بنبرتها المتحمسة وهي تشير لمكانًا ما..

" إنظر..هناك أنثى شقراء ترتدي ثوب أزرق إذهب لَها لرُبما تناسبك.."

كُلًا من سلفاتور وليونيد نَظر للجهة التي أشارت لَها روسيل، ليجد ليونيد فيرينا بِجانِب والدتها ووالدته، حينذاك عادَت عَيناه نحو روسيل بجانبه ليقول مبتسمًا..

" فيرينا!!..لن تناسبه، سلفاتور يبحث عن أنثى عاقلة.."

ضَحِك سلفاتور حينَها وهو يعيد عَيناه نحو ليونيد بعد تعليقه، ثُم ساخرًا أردف ردًا على صديقه..

" رُبما عليّ البحث أكثر وأترُكك مع عروستك.."

أومأ له ليونيد لينسحب نحو الإحتفال، ذاهبًا بإتجاه عائلته، ومع إبتعاده جاء صوت روسيل لتعيد إنتباهه نَحوَها..

" أليست عشيقتك عاقلة!؟.."

تَلاشَت الإبتِسامَة من ملامحه مع سَماعَهُ لكلماتها تِلك، ليخفض بصره نَحوَها عاقدًا حاجباه الكثيفان قبل أن يَقول مستنكرًا..

" فيرينا ليست عشيقتي، إنها صديقتي وصديقة العائلة.."

حيَنما تكون عَيناه بِهٰذِه الجدية تَشعُر بمعدتها تنكمش توترًا، وبالرغم من ذٰلِك الإرتباك الذي تَشعُر بِه كانت لاتزال مبتسمة كما عليها أن تكون، العروس السعيدة، أشاحت بوجهها بعيدًا عَنه تتفادى أي عاطفة نَحوَهُ قَبل أن تردف بسخرية وهي تَنظُر للحضور..

" إذًا أين هُن عشيقاتك!، علي أن أتعرف عليهن جميعًا لا أريد أن تأتي إحداهن وأنا لَست مستعدة لمقابلتها.."

" لِماذا سيحضرن عشيقاتي!؟.."

سألَها مستنكرًا، لايزال يَشعُر بالحيرة نَحوَها، وقد كان حوارهما هذا غير مناسبًا للمكان والمناسبة، مع ذٰلِك لم تكن روسيل تهتم لشيء سوى قول ما تُفكِّر بِه وقد ثرثرت بذات النبرة دون أن تنظر له..

" لرؤية إعلانك لحقيقة أنك لم تعد متاح لهن بعد الآن!..مع ذلك، الأمر قابل للمفاوضة والنقاش بإمكانهن الحصول عليك إن أردن المشاركة فأنا لا أمانع الأمر.."

كَلِماتَها تِلك جعلته يَشعُر برغبة قوية في جذبها لأبعد زاوية بعيدًا عن أنظار الجميع ليفهم ما تُريد الوصول له من حوار كهذا، ولكنه لم يُظِهر إنزعاجه مدركًا أنها تستمتع في إستفزازه ولم يرغب بجعلها تحصل على ذلك، لذا بِنَبرَته الهازئة أردَف وهو يتأملها بِأعيُن هائمة..

" المشاركة!..أنا لَست قطعة حلوى.."

حينذاك رَفعَت عَينيها الواسعتان لِتواجِههُ تَنظُر لإبتسامته الخبيثة التي تجعل منه يبدو أكثر إغراءً، كان مغريًا، ولٰكِنّها لم تسمح لذاتها بعد للإستسلام لأساليبه الشيطانية لإغوائها، قابلته بإبتسامتها الملتوية وهي تخبره بنبرة لاذعة..

" من ذكر الحلوى الآن!..أنت مُثير للـ....."

" نعم أنتِ على حق أنا مُثير والآن إصمُتي قليلًا يا عروستي الثرثارة.."

أخرسها في الحال قبل أن تقول شيء يفسد مزاجه، لقد كان سعيد، ولا شيء سيتمكن من سلب هٰذِه السعادة منه، لن يسمح لها أن تفسد يوم مميز كهذا، ليس بكلماتها أو حتى أفعالها، لقد حرمته مِنها لمدة أربعة أشهر طويلة، دون رحمة، وكأنّهُ نكرة، وكأنها فجأة أعلنت عليه حرب لا يعرِف المغزى منها، وما سببها، ما يهتم به الآن وفي هٰذِه اللحظَة هو أنها بين يداه، ولن يمنعه شيء من أن تكون له، لقد إفتقد كل ما يتعلق بها، رائحة عطرها، صوتَها الساخر، عَينيها التي تَنظُر لَهُ تارةً بحِقد وتارة بحماس، حتى أنه إفتقد غبائها المتعمد، كُل ما يخصها كان يستحوذ عليه..

فجأة بينما كان يقف مواجهًا لِعينيها الثائرة أحدهم إندفع لجسده بِقوّة وصوت ضوضاء إنتشر في صالة الإحتفال، ثم قبل أن يدرك من الذي يحتضن جسده جاء صوته الرجولي المرتفع يَصرُخ بحماس..

" إفتقدتك كثيرًا يا إبن عمي المغرور.."

لقد كان صوت ميلو والذي إبتعد عنه ليقابل نظرته السعيدة، ثم إستمع الجَميع لإقتحام عائلة فولكوف لِلإحتِفال، أبناء عمه ديميتري، وعمه سيرجي، جميعهم سرقوا الأنظار حال دخولهم، يلقون بالتحية على جميع من يعرفونهم، وحتى خالته إيلينا كانت قد وصلت، صوَّب عيناه على ميلو الذي عاد صوته ليثرثر..

" لقد تزوجت أخيرًا..ها نحن ذا نحتفل بزفافك، ياله من حدث عظيم.."

لِماذا الجَميع يرى زواجه معجزة!
سألت روسيل ذاتها وهي تستمع للرجل الذي أمامَها والذي لم يتمكن أحد من مقاطعته مع إندفاعه بالكلام..

" ولديك زوجة فاتِنَة تخطف الأنفاس..بِالرُغم من حقيقة أنها أميرة غوركي، كنا نظن بأنك ستتزوج من إبنة عائلة نبيلة كما سيفعل كل واحد مِنّا.."

حينذاك وجد ليونيد ذاته منزعجًا من ميلو، بسبب تِلقائيّته في الكَلام والمعنى المقصود من كَلِماته لذا بينما يجذب روسيل نَحوَهُ أكثر تحدث بصوتٍ صارم..

" ميلو..لم يطلب أحد سماع رأيك إظهر بعض الإحترام لي ولزوجتي وإلّا غادر بصمت.."

روسيل لم ترى ما قاله مُهينًا، فقد كانت هي أول من رأت علاقتهما مُستَحيلَة، كانَت فقط ترى ميلو جذابًا بطريقة غَير رحيمة، وكل رجل من عائلة فولكوف كان كَذٰلِك للحد الّذي جَعلها في حيرة بين من هو الأفضل..

" أعتذر لم أقصد الإهانة.."

تحدث ميلو وهو ينقل نظرته بين ليونيد وروسيل التي كانت مبتسمة بإتساع كأي عروس سعيدة، ثُم قبل أن يتمكن ليونيد من الرد جاء صوتَها المستمتع..

" لا أرى إهانة فيما قلت..ليس هناك أكثر متعة من أن أكون أميرة دموية.."

أخفض ليونيد بصره نَحوَها ليشاهد تعابيرها التي كانَت مسترخية، ذٰلِك كان كفيلًا بجعله يسترخي هو الآخر، لا شيء كان مهمًا قدرها، كان مستعدًا ليفعل كل ما يرضيها، حتى وإن كان ذلك يعني الإنقلاب على الجَميع لأجلها، وزواجه منها، تحطيمه لكل القوانين، كان بإمكانه إثبات ذٰلِك، يثبت لها أنه كان صادقًا حينما أخبرها بأن ليس هناك سلطة أو قانون سيمنعانه عنها، وها هي ذا رغم أنف الجميع له، أمام كل من كان يتمناها ويسعى لنيلها، ليريهم أنه هو وحسب من يملك القدرة على الحصول على الأُنثى الشرسة التي مزقت كل رجل يقترب منها..

لم يستمر الحوار بينهم وبين ميلو كثيرًا مع قدوم بقية أفراد عائلته للمباركة لهما، تيران شقيق ميلو، إيفاندر وكاليكس أبناء عمه سيرجي، ثُم خالته التي حال إقترابها مِنه أحاطت وجهه بكلتا يديها وهي تخاطبه بتحبب..

" عزيزي ليون تَبدو رائِعًا وأنت عريس.."

أمسك بإحدى يديها التي تحيط بوجهه ليقبلها مبتسمًا قبل أن يردف بِنَبرَته المغرية..

" وأنتِ فاتِنَة كعادتكِ وكلما كبرتِ أصبحتِ أجمل.."

ضحكت إيلينا، ثم ربتت على كتفه بينما تقول تجاري أسلوبه..

" تمتلك لسان يجعلك محبوب.."

قَهقَه مَع تعليقها ذلك ثم إنتقلت عَينيها لروسيل التي كانت تَنظُر لَهُما بتمعن، وحينما لاحَظَت أعيُن إيلينا عليها إبتسمت لها، لتتحدث بذات نبرة شقيقتها لوسيانا..

" لَم أتوقع من ليون أن يختار زوجة أقل جمالًا منكِ، التناسق بينكما مُلفت.."

عَيناه الزرقاء المُشِعة كانَت تراقبها متلهفًا لرؤية كل رد فعل مِنها، ليرى إنفعالاتها متشبعًا حد الغرق بتفاصيلها، ولا يرغب بإزاحة عَيناه عَنها لثانية واحِدَة، إتَسَعَت إبتسامتها ليتسع قلبِه معها، وتزينت عينيها ببريق يَجعل منه أعمى القلب والعين عن أي امرأة أُخرى، ثُم إستمع لصوتها يخرج مُحرجًا..

" شكرًا لكِ.."

لا يعلم هل كانَت حقًا تَشعُر بالحرج، أم أنه جزء من الإدِّعاء، ولٰكِنّها المرة الأولى التي يرى فيها روسيل مُحرجَة، إنّها جريئة عنيدة، متعالية ومتكبرة، حتى المديح إعتادت عليه للحد الّذي يجعلها لا تتأثر بأي مدح من أحدهم، والآن كان بِإمكانَهُ رؤيَة وجنتيها تصبح أكثر إحمرارًا مع كلمات خالته لها، ولم يزيدها ذٰلِك سوى جمالًا، في كل تقلباتها كانت تسلبه من نفسه، للحد الذي يجعل منه يرغب بالإحتفاظ بها له وحده يتأملها دون أن يملك أحدهم الحق لرؤيتها..

بَعد الإنتهاء مِن المباركات أخذَت لوسيانا روسيل معها، وسار ليونيد مع والده لينفرد به بعيدًا عن الجميع، أخذ الماركيز فاليري كأس من الشمبانيا كما فعل ليونيد، فاليري كان سعيدًا أكثر من أي وقت مضى، لَم يَكُن يرغب بأن يرى ليونيد عريس في الخمسين من العمر كما كان يخبرهم، ولم يكن يضغط عَليه لِلزواج فقد كان ذلك إختياره هو وَحسب، وها هو ذا يحقق أمنية الجميع بزواجه حتى وإن كان بأكثر أنثى لا تُناسب لقبه، واجه فاليري إبنه بنظرته الصارمة بينما يخاطبه..

" اليوم ستبدأ مرحلة جديدة من حياتك، مليئة بالمسؤوليات التي لا أشُك في قدرتك عَلى تحملها، بِالرُغم من إدراكي لجنونك إلّا أنني أعلم جيدًا بأنك لست مستهتر.."

قَهقَه ليونيد قبل أن يردف ممتنًا..

" هذا نُبل منك لورد فاليري.."

إبتَسَم فاليري قبل أن يرتشف مِن كأسه، ينظُر لهيئة إبنه ولا يستطيع تصديق حقيقة أنه تزوج، ثُم بِنَبرَته الثقيلة تحدث له بما كان يرغب في قوله منذ البداية..

" حيَنما تزوجت أنا ووالدتك كنا صِغار كثيرًا، هي كانت في عُمر الثامنة عشر، وأنا في العشرين، لقد عارض والدي هٰذا تمامًا، فقد كان يرى بأنني لم أكن مستعدًا لِلزواج وأنني لازلت مراهقًا أنا ولوسي، ولكن الحُب الذي كان بيننا أقوى من كل هٰذِه الأفكار.."

الجميع كان يعرف بقصة حُب والده ووالدته، عميقًا في داخله كان يتمنى ليونيد أن يحصل على ذات الشيء، أن يحصل على أُنثى كوالدته ولكنه الآن يعرِف بِأن روسيل ليست كوالدته وما يجعله في حيرة أمام نفسه هو أنه يرغب بها هٰكذا رغم كل شيء، نظر لوالده منصتًا مصغيًا له يُكمِل..

" لقد وعدت ذاتي بأنني لن أجعلها تَشُك يومًا في حُبي لها، ولَن أجعلها تبكي، حريصًا على إسعادها بكل الوسائل المتاحة، وفي كل سنة تمضي على زواجنا نُجدد نذور الزواج، منذ زواجنا حتى هٰذِه اللحظَة لم يندم أيًا منا على إتخاذ هذه الخطوة مبكرًا.."

كان يعرف ما يسعى له والده من الحديث عن علاقته بوالدته، لذا بصوته الثقيل الجدي أردَف بصدق..

" أنا أقتدي بك..في كل قرارتي أتساءل إن كنت في مكاني هل ستفعل هكذا، وأعلم جيدًا بِأنّك إن كنت في مكاني ستتخذ هذا القرار غير عابئًا بهوية الأنثى التي تريدها.."

كان الماركيز فاليري يَشعُر بالفخر تجاه كُل أبنائه ولٰكِن ليونيد كان إبنه الأكبر، وقد كان يرى نفسه فيه، بِكُل صفاته الجيدة وعيوبه، وحتى مع إكتشافه لمواعدته لروسيل، في داخله كان يعلم بأنه لن يترك الأمر..

" نَعم لأن لا سُلطة تعلو على سُلطة الحُب، وما يريده أي رجل من عائلة فولكوف يحصل عليه أيًا كان الثمن.."

أخبره والِدَهُ بصوته القوي، ليومئ له بالموافقة حينذاك نظر فاليري لخاتم زواجه، ثُم رفع إصبعه أمام ليونيد يستطرد مبتسمًا..

" هل تعلم لماذا يوضع خاتم الزواج في بنصر اليد اليُسرى!، يُقال لأنه الأصبع الأقرب للقلب، وليكون رباطًا لا ينفك، كما أن طبيعة النساء تختلف عنّا، لذا عليك أن تحتوي هذا الإختلاف.."

كان مصغيًا لوالده بِكُل حواسه، كعادته يستمع لكل درس يلقنه، متلهفًا ليأخذ بنصائحه في كل أمور حياته، ربت فاليري على كتف إبنه وقد ضغط عليه وهو يُكمل بِنَبرَته الصارمة..

" تذكر هذا يا ليون، الزواج رابطة مقدسة، إيّاك أن تدنسها أيًا كان السبب.."

حينذاك أمسك هو الآخر بكتف والِدَهُ ينظُر في عَيناه الممثالة لخاصته بإصرار، بينما يقول بِثقة..

" لَن أدنسها..أعدك بهذا.."

أومأ له فاليري قبل أن يربت لِمرّة أخيرة على كتفه مبتسمًا ببهجة، ثُم نظر نحو زوجته مَع روسيل وبقية النساء، كما فعل ليونيد يتأمل الأنثى التي أصبحت له أمام الجَميع، كانَت تَبتَسِم لكل أحَد يخاطبها، تَبتَسِم بطريقة تجعل منه لا يرى شيء سواها هي، حينها أقسم على أن يحافظ عَلى إبتسامتها معه، لقد إنتشلها من عائلتها لتكون بجانبه سعيدة، بعيدًا عَن القسوة التي تحيط عالمها، هَل يحبها يا تُرى!، لا يعلم بعد، ولا يُمانع أن يكون واقعًا لها، إنها الأنثى الوحيدة التي يعلم جيدًا بأنه لن يتمكن من المضي قدمًا في حياتَهُ دونها..

" الآن وأخيرًا ستكون لوسيانا لي أنا وحسب.."

صَوت والِدَهُ المُسترخي أخرجه من تأملاته وأفكاره، لينظر نحوه يمسك بكأسه ويده الأخرى في جيب بنطال بذلته الرسمية الكحلية، مبتسمًا بينما عَيناه الزرقاء المُشعة تتأمل لوسيانا، حينذاك أردَف ليونيد بِنَبرَته المتلاعبة..

" آه يالك من ماكر لورد فاليري!..بِالرُغم من ذلك أنا لن أتركها لك على الإطلاق.."

بِالتأكيد لن يترك والدته له، إنها امرأة قلبِه الأولى، وزواجه لا يعني أن يخرج تمامًا من جناح تدليلها له، نَظر فاليري له ليتأوه بإحباط قبل أن يقول متذمرًا بإنزعاج..

" ما الذي تريده أيُّها الشيطان!..لديك الآن زوجتك فلتترُك زوجتي لي.."

ضَحِك ليونيد بينما يعانده..

" أبدًا.."

ضَحِك والِدَهُ ثُم نَظر كلاهما لفلاديمير الذي كان يبدو عليه وكأنّهُ في جدال مَع فيرينا، وقد كان ذلك بِالفِعل ما يحدث، فحينما وقفت في طريقه وأجبرته على مواجهتها نشب الشجار بينَهُما، مع قولها بنبرة مستنكرة..

" تتصرف بطفولية لا تليق بك فلاد.."

كان منزعجًا منذ بداية اليوم، مع حقيقة زواج شقيقه الذي إعتاد على أن يكون أعزب، والآن بينما تَقِف فيرينا أمامه لتجادله كان شيء لا يطيقه في حالته، لذا بصوته الثقيل المنزعج أردف..

" لديكِ لسان لا حاجة لوجوده.."

إتَسَعَت عَينيها قبل أن تصبح وجنتيها حمراء غضبًا بينما تنتقده بصوتها الناعم..

" أحيانًا أنسى تمامًا بِأنّك نبيل، فتصرفاتك على عكس هذا تمامًا.."

ضغط على فكه بِقوّة، يشيح بعيناه القاتمة بعيدًا عَنها وكأنّهُ يحاول أن يبقى هادئًا، ثُم حيَنما عادَت نظرته نَحوَها أردَف بهدوء زائف..

" فيرينا!..أنا الآن في زفاف أخي، لا أريد أن أفسده، فلتبتعدي عن طريقي حالًا.."

تصرفه ذٰلِك وكلماته التي تجعلها تبدو كإمرأة تلهث خلفه تسببان بِتغير مَلامِحها لأخرى غاضبة، بينما تَقتَرِب مِنه خطوة تحذيرية قبل أن تقول وقَد فقدت صبرها..

" لِماذا تتجنبني!؟.."

لِماذا يتجنبها!
كان لَديهِ الكثير مِن الأسباب التي لن يفصح عَنها لها أو حتى لذاته، وقد وجد أجابة واحِدَة وَحسب أمامه قبل أن يقولها مبتسمًا بسخرية..

" لأنكِ مزعجة.."

لَم يترك لَها الفرصة لقول شيء وهو يتخطاها مصطدمًا بكتفها جاعلًا منها تَقِف في مكانها وتشعر بالغضب يكاد يحرقها ويحرقه، حينذاك كانت تتمنى أن تذهب خلفه وترمي بمحتوى كأسها فوق رأسه ثُم تحطم الكأس في رأسه، وهذه كانت أقل الأفكار عنفًا من بين الأفكار التي في ذهنها، وهي تراه يذهب نحو أحد أصدقائه، إنه يتصرف معها بطريقة تثير جنونها، كل هذا حدث فجأة، مُسبقًا كانت صديقة مقربة منه هو وليونيد والآن ها هو ذا ينسحب، بينما ليونيد فزواجه يعني إنسحابه كَذٰلِك عَنها، لم تكن تريد أن تنتهي علاقتها بأيًا منهما، ولٰكِن فلاديمير يبدو بأن لديه رأي آخر..

كانَت فَقط دقائِق قليلة قبل أن يعلو صوت الموسيقى ويشاهد الجَميع ليونيد يأخذ روسيل لتقطيع قالب كيك الزفاف العملاق، لأيًا كان كانت روسيل تبدو أكثر من مبتهجة وهي بجانب ليونيد، الجميع كان يحسده لحصوله عليها، والكثير من الفتيات كُن يرغبن بأن يكُن هُن مكانها، مع رؤيتهم لليونيد يحيط بخصرها، بينما يقوم كلاهما بتقطيع القالب، وسط تصفيق الحضور، ولكن ما لا يعرفونه هو رغبة روسيل حينذاك بأخذ قالِب الكيك ورميه على ليونيد لتكون هيئته ببذلته البيضاء، متناسقة مَع الكريمة البيضاء، مع شعورها بِالتَعب من التبسم الزائف، وتمثيلها للعروس السعيدة..

" المُر! المُر!.."

صوت الحضور جذب إهتمامها، كانت تعرف معنى ذٰلِك، إنّها دعوة للزوجين لتقبيل بعضهما البعض، كعادة في حفلات الزفاف التي يترافق معها شرب الشمبانيا أو النبيذ، ولإزالة الطعم المُر للمشروبات الكحولية، يصيح الضيوف بكلمة المُر! المُر!، كدعوة للتقبيل وليتبدل طعم المُر، حينذاك كانت تَرغب بقتل كل فرد من الحضور، مدركة أن ليونيد الآن أكثر من مبتهج ليلبي الطلب، وقد كان كذلك حينما نَظرَت لَه، حيث كان ينظر لها مبتهجًا بعيناه المشعة، وبدورها هي لم تتمكن من إظهار الغضب الكامن داخِلَها، كما لم تتمكن من منعه مِن تقبيلها، وهو ينحني ليأخذ شفتيها أمام الجميع بشغف، مستمتعًا بطعم النبيذ بين شفتيها، كانت ترغب بعض شفته حتى ينزف دمًا، وتعبيرًا عن نفورها لم تبادله قبلته، كي لا يستمتع بها، بعد ثواني إبتَعد عَنها ليقترب من أذنها يهمس لها ساخرًا..

" لا تكبحي ذاتكِ عروستي السفاحة.."

إبتسمت له قبل أن تخبره بنبرتها المغرية وهي تَنظُر عميقًا لِعيناه الهائمة بها..

" إن لم أكبح ذاتي سأقطع رأسك وأضعه زينة فوق قالب الكيك.."

ضَحِك على أثَر تعليقها، ثُم أخبرها بصوته المتلاعب..

" سيكون زينة مثالية.."

دَحرَجت عَينيها غير مُهتمّة بأن يراها أحد، قبل أن تسخر منه..

" يالك من متواضع!.."

لم يهتم ليونيد بمجادلتها حينذاك، فقد إنتشر صوت الموسيقى ليأخذها معه لساحة الرقص، كما فعلوا الجَميع، شاهد كيف أخذ والده والدته للرقص، وكيف كانت بيلا مُجبرة على مشاركة دينيس الذي كان محتفظًا بملامحه الجامدة، بالرغم من المناسبة السعيدة، آركادي كان يبدو عليه غير راضيًا بكل ما يحدث مع وقوفه بِجانِب والده، شيء في ملامحه يخبره بأنه غير سعيد، وكأنّهُ سلَّم شقيقته لأكثر الرجال إجرامًا، وليس لنبيل مملكة، كُل فرد من أفراد غوركي كان يُظهِر القسوة وألّامبالاة، وكأنهم مُجبرين على حضور حفل الزفاف، والفرد الأول كانت روسيل التي بين يداه، بالرغم من الإبتسامات الزائفة كان بإمكانه تمييز الكذب خلفها، هل تكره زواجها منه لِهٰذا الحد!..

" تبدين سعيدة ماركيزة روسيل فولكوف.."

تحدث ليسرق إهتمامها منتشيًا بسماعه للقبها الجديد، رَفعَت عَينيها الواسعة نَحوَهُ تَنظُر لَهُ بمقلتيها التي تسلبه من نفسه،ثُم إبتسمت له إبتسامتها السفاحة، قَبل قولها ساخرة..

" أنا ممثلة جيدة، سأدهشك بالأدوار التي سأقوم بها في زواجنا.."

الإثارة هي كل ما كان يَشعُر بِه حينذاك، ولطالما راوده ذات الشعور وهو يقف بِجانِبَها، أو أمام عينيها التي تمتلك هٰذِه النظرة المجنونة التي تزيده توقًا نَحوَها، لم يسبق لأنثى أن تثير عاطفة كهذه في داخله، وهذا ما يجعله مدمنًا عَليها..

" هٰذا يبدو مُثيرًا، حياتنا الزوجية ستكون خالية من الروتين.."

أخبرها متسببًا بإرباكها، أساليبه المغرية هٰذِه في مجاراتها تجعلها تتمادى أكثر، شغوفة أكثر لخوض نقاش معه، كان يبدو لها سعيدًا مسترخيًا بطريقة تثير حقدها، ما حصل عليه كلفها ألم لا يتخيله، وهذه الحقيقة تؤجج نيرانها..

" هل أنت سعيد؟.."

سألَتَهُ تتوق لسماعها منه حتى وإن كانت تَعرِف الإجابة وتراها بعينيها، ولٰكِنّها تُحِب سَماع المديح كعادتها وكأنها تنتشي من خلال سماعها لضحاياها، بدوره هو أجابها بصوته المثقل بالعاطفة بينما يراقصها متأملًا ملامحها..

" حينما كنت صغير، كان والداي يجلبان لي كل ما يجعلني أشعُر بالسعادة، فإعتدت على الحصول على كل ما يسعدني، ولكن عندما أدرك أن الجَميع بإمكانه إمتلاك ما أملكه، حينها تبهت سعادتي بما حصلت عليه، ولكن الآن!، أرى السعادة من منظور مُختَلِف، السعادة هي في الحصول على الشيء الذي لن يحصل عليه أحد غيري.."

إنه يتحدث لَها وكأنّهُ يخبرها بأعظم إنجازاته، حقيقة كونه مُدلل عائلته جَعلتَها تشعر وكأن هناك شوك يخرز في جلدها، إذًا إبن الماركيز فاليري فولكوف لا يُرفض له طلب!، لذا كان سهلًا عليه تحطيم القواعد والقوانين بالزواج منها، لم تخفت إبتسامتها بالرغم من كل شَيء بل إستمرت بلعبتها في إستفزازه وهي تقول بصوتها الناعم بخبث..

" ولكن حينما تموت سأتزوج رَجُل آخر.."

" سأتأكد حتى بعد موتي لن تكوني مع رَجُل آخر.."

أخبرها بثقة جَعلت مَلامِحها تسقط وهي تهتف برعب زائف..

" ماذا!..هل سيطاردني شبحك؟.."

إستمعت لضحكته قبل أن تَبتَسِم مستمعة لإجابته التي جاءت بِنَبرَة مسترخية..

" سيطاردك كل فرد من أفراد فولكوف..حينما أموت خلفي حاشية مِن الرجال الدكتاتوريين.."

ثقته تِلك إستفزتها، لتنظر حولها لِكُل رجال فولكوف البعض منهم يراقص نساء والبعض الآخر إختار المراقبة والشُرب، كان بإمكانها رؤية الحذر في ملامح كل واحد منهم، كما كان كذلك في ملامح رجال عائلتها، وكأن أحدهم ينتظر أن يهجم الآخر عليه، لم تستغرب رؤيَة ذلك فقد كان زفاف إستثنائي، وإحتمالية الإغتيال عالية..

" هل سيقتلوني إن كنت مع رَجُل آخر!؟.."

سألَتَهُ وهي تَبتَسِم لكل واحد منهم حيَنما تسقط عَيناه عَليها، لم تتمكن من مقاومة الإغراء الذي يمارسونه، ثُم إستمعت لصوته الخطير في أذنها يهمس لها..

" فولكوف لا تتعدى على النساء بأي وسيلة، ولكن الرجال هم الصيد.."

صوته الخبيث جَعل من القشعريرة تستولي عَلى جَسدَها بِالكامِل، تَشعُر بجسدها يتصلب ومجارتها لمراقصته أصبحت صعبة مع تشنج ساقيها، ثُم مجددًا قبل أن تتمكن من قول شيء أو حتى دفع جسده القريب منها بطريقة مُربكة، زمجر هامسًا بإبتسامة بإمكانها سماعها في صوته..

" إنظري مرة أخرى لأحد من أبناء فولكوف هٰكذا، وسترين أي رَجُل هو الماركيز ليونيد فولكوف.."

إبتَلعَت بصعوبة تَشعُر بشفتاه الدافئة على أذنها ثم مررها على وجنتها تاركًا قُبلة هُناك سرقت أنفاسها من رئتيها، قَبل أن يواجهها بإبتسامته المغرية، لم تجعله يرى الإرتباك على مَلامِحها أو حتى الخوف من كلماته، بل إبتسمت له بإتساع ثُم قالت بِنَبرَة مغرية بإمكانها إستفزاز أكثر الرجال برودًا..

" حيَنما أرى الجمال عليّ تقديره لورد ليون.."

رأت كيف إشتعلت عَيناه وكأنّهُ على وشك إحراقها بنظرته، كان يريد أن يقول شيء، ولكن أحدهم أنقذها مِنه حينما جاء يطالبه بمراقصتها، وقد كان منقذها هو آركادي كعادته يأخذها من الشر نحو يداه التي لا تعرف سوى اللين بالرغم من القسوة التي في قلب كُل رجل مِن غوركي، لم يمانع ليونيد حينذاك من تركها له، وقد أحاط آركادي بها مبتسمًا قبل أن يقول بصوته الثقيل..

" تشبهين كثيرًا والدتنا فيي زفافها..إن كانت على قيد الحياة الآن كانت ستكون سعيدة جدًا برؤيتكِ بثوب زفافكِ.."

ذكره لوالدتها الآن كان شَيء لا تطيقه لذا أخبرته هازِئَة..

" ولٰكِنّها إختارت مصيرها أليس كَذٰلِك!..حتى وإن كانَت على قيد الحياة لن تحضر، ليس بعد هروبها وتحررها من والدك والحياة البائسة التي تركتها خلفها.."

كانت على حق يعرِف بِأنّها إن كانت على قيد الحياة لن تَكُن هنا بعد إختيارها للهروب لَن تخاطر بالعودة، ولكنه لم يخبر روسيل بهذا حافظ على إبتسامته وهو يردف مُبررًا..

" لقد كُنتِ صغيرة جدًا لتفهمي أسبابها.."

" لا يَهُم أن أفهم إنّها الآن جثة متعفنة.."

تحدثت بِنَبرَة لاذعة جعلت منه يعقد حاجباه وهو يستمع لها تضحك على ما قالته وكأنه شيء طريف، بينما هو لم يكن كَذٰلِك على الإطلاق، لاتزال والدته على قيد الحياة في عقله وقلبه معًا، يرفض أن تغادره، متمسكًا بذكراها بكل قوّة يمتلكها، فهذا كل ما تبقى منها، مُجرَّد ذكرى..

" أنا سعيدة بأنني لم ينتهي بي الأمر زوجة لرجل كإيغور غوركي، ياله من حظ شنيع أن يكون مصيري مع سافل كوالدك.."

إستطردت مستمرة بالتبسم ومراقصته، متسببة به يبتسم هو الآخر على أثر ما قالته، هو كَذٰلِك سعيد لزواجها من الماركيز ليونيد فولكوف، لم يتمنى لها سوى الخروج من هٰذِه الحياة القاسية، بإمكانه رؤية أنها ستكون سعيدة بين عائلة فولكوف، والأهم من هذا أنها تزوجت من رَجُل مفتون بها، ومستعدًا لكتابة قوانين جديدة في مملكته لأجلها، وما يعرفه هو أن شقيقته المتمردة لن تخضع لأمر دينيس ووالدها، حتى وإن كان هذا يعني سيرها قدمًا نحو الموت، كان يرغب بسؤالها عمّا تخطط له، ولكن ذراع إمتدت لتوقفه ليتوقف كلاهما عن الرقص مستمعًا لصوت دينيس السام يخاطبه..

" إنه دوري لمراقصة أختي.."

شعر حينذاك آركادي بقبضة روسيل تضغط على ذراعه بِقوّة وكأنها تخبره بألّا يتركها معه، الخُبث كان الشيء الوحيد الذي بإمكانها رؤيته على ملامحه، وتلك الإبتِسامَة التي على ثَغرَهُ كانت تدرك بِأنّها مُخادعة، كما كان يعرف آركادي نواياه جيدًا لذا هسهس بغضب محاولًا ألّا يُظهِر حقيقة مشاعره نحوه..

" لماذا لا تتراجع!.."

ولكنه لم يتراجع وهو يستنكر بحاجب مرفوع..

" هل سنفتعل مشهد أمام الحضور!، أنا كأي شقيق يرغب بمراقصة أخته في زفافها.."

لَم تَكُن تِلك رغبة روسيل، لن تسمح له بأن يفسد زفافها كما أفسد كل شيء تملكه، إنه يومَها الذي عليها إستغلاله بالرقص وتناول الطَعام، إرتخت قبضتها على ذراع آركادي تَبتَسِم لدينيس بملامح جامدة قبل أن تقول بصوتها الثابت..

" لا بأس آركادي إذهب لمراقصة الجميلات.."

نَقل آركادي نظرته بينها وبين دينيس غير متأكد مِن تركها معه، ولكن النظرة في عَينيها جعلته يتراجع قسرًا وهو يرمق دينيس بتهديد واضح، مع مغادرته أحاط دينيس بخصرها، وبدورها هي وضعت يديها على صدره الصلب وقد مَررت كَفّها نحو قلبِه لتتأكد من إن كان يمتلك قلب أم صخرة كبيرة هناك، ولدهشتها شعرت به ينبض تحت كفها، قبل أن تسخر منه تمكن دينيس من سرقة تلك الفرصة منها وهو يخاطبها بإبتسامة خبيثة..

" أُختي العزيزَة، لا تَنسي أن لقب فولكوف مُجرّد إسم لَن يُلطِّخَكِ، ستبقين غوركي حتى المَمات.."

نَظرَت لِعيناه، كان يمتلك أعيُن حادّة خضراء قاسية، والإبتسامة في وجهه تبدو شيء مناقض له، دون أن تتخلى عَن إبتسامتها رَفعَت نظرتها له قبل أن تستفزه بإبتهاجها..

" لقد بدأ اللقب يروق لي، روسيل فولكوف..إنه مناسب حقًا.."

مَع إبتِسامَتَها الواسعة تِلك، التي زادَت مِن بريق عَينيها، كان إستفزازه سريعًا وواضِحًا، وهو يكظم غيظَهُ بِإبتِسامَة مُجامِلَة لِمن حولَهُ، بينَما يُوبِّخُها من بين أسنانه المطبقَة ببعضها بِغضب..

" لا تُحاوِلي إستِفزازي، فقط تذكّري دوركِ ولا تَنغمِسي في دور العروس الحمقاء السعيدَة.."

زيّفَت ملامح الدهشة والإستِنكار، قَبل أن تجيبه بِنَبرَة تحاول أن تُغيظه بِها، وهي تهمس لَهُ بصوت منخفض كأنه سِر خَطير..

" عليّ أن أنغمس وإلّا سيكتشف الجميع بِأنني عروس مجبرة على زواج كهٰذا، وبِالإضافة لِذٰلِك قد أُثبِت الظنون بِالآثار الموجودة على جسدي.."

مثّلَت قِلّة الحيلَة أمامه، وكانت بتصرفاتها المُستهترة والهازِئَة تثير غضبه مع كُل حركة وكلمة، حينَما وجد أن الكَلام معها غير مُجدٍ، قرر عدم الجدال معها بينما يراقب ليونيد يقترب مِنهما، كل ما قاله جاء بِنَبرَة قاسية، خالية من أي وِد وملامحه الحادّة كانت أكثر ظلامًا من لون روحه وهو يهمس لها بتهديد..

" حاوِلي إيجاد تفسير مقنع إن رأها ليونيد، وإلّا هُدِمَت هٰذِه المسرحية السخيفة التي تقام هنا.."

حينذاك داست روسيل على قدمه بِقوّة ليصرخ متألمًا تاركًا خصرها، مَع ملامحه الحمراء ألمًا، حينَها وَضعت كفها عَلى فمها تمثل الندم وهي تلمس كتفه..

" أوه أعتذر إختل توازني فجأة ونسيت تناسق الرقصة.."

كان يرغب حينَها بخنقها بكلتا يداه دون الإكتراث بأي شيء، كان مستعدًا لِذٰلِك ولٰكِن ليونيد الذي جاء ليمسك بذراع روسيل التي تكبح ذاتها من الضحك، أحبط رغبته، ليونيد منذ رؤيته لدينيس يقترب منها لمراقصتها كان يرغب بإنتزاعها منه في اللحظَة ذاتها، مراقبًا لتعابيرها من مَكانَهُ كان بإمكانه تمييز عدم الإرتياح في مَلامِحها الجميلة، ولكن كي لا يثير مشهدًا أمام الحضور إنتظر لبعض الوقت ثم قرر التدخل وإستعادتها بين ذراعاه..

" أهناك شيء؟.."

رمى بسؤاله ينقل نظرته بين روسيل وبين دينيس بملامحه المتألمة والدموية، كانت رغبته في قتلها جلية على وجهه، مِمّا جعل من ليونيد يقرب جسد روسيل مِنه بحماية مستمعًا لصوتها الناعم تجيبه..

" لا..فقط سهوًا دست على قدم أخي اللطيف هذا كل شيء، سيذهب الألم سريعًا أليس كَذٰلِك!؟.."

وجهت سؤالَها نَحوَهُ تنظر له عينيها الواسعة بنظرتها البريئة المغرية، منتظرة سَماع إجابته، إبتَسَم يعرِف نَبرَتها هٰذِه وما تسعى لَهُ خلفها، ثُم دون أن ينظُر لدينيس أجابَها مفتونًا بالنظر لها..

" أظُن هذا.."

إتَسَعَت إبتسامتها ثُم رَمت برأسها عَلى كتفه، تَنظُر لدينيس أمامَها وهي تَشعُر بالإنتصار، وكأنها أخرجت قلبه من مَكانَهُ، ولكن أن يرى من الذي يَقِف بِجانِبَها، أن يدرك بِأنّها قادرة على إستغلال قوّة الماركيز لحمايتها، ذٰلِك كان كفيلًا بأن يجعلها تشعر بالسلطة والقوة التي تمتلكها ضده، تركها دينيس مع ليونيد بعد أن رمقها بِنظرَة بإمكانها أن ترديها قتيلة، ثُم حينذاك إستعادها ليونيد للرقص معه، وبينما كانَت ساحة الرَقص مُمتلئة بالثنائيات، كان آركادي في طريقه نحو والِدَهُ قبل أن يَشعُر بجسد يصطدم بساقيه متسببًا بِترنحه وتوقفه مَكانَهُ ليعيد إتزانه، إستمع لصوت تأوه عالٍ ثُم نظر للأسفل ليرى أعيُن زرقاء صافية طفولية تَنظُر له بإنبهار ثُم ذات الملامح للطفل الذي خلفه، إستمع لصوت لوكا الذي إصطدم به يقول برهبة..

" أنت طويل جدًا وضخم.."

عادَت أعيُن آركادي نحو لوكا، ليبتسم له وهو يراقب نظرته الطفولية نحوه، ثُم سأله ملاحظًا حالته هو وتوأمه..

" ما الذي يجعلكما في عجلة من أمركما؟.."

" لقد هربنا من مربيتنا ريونا لنتمكن من تناول الحلوى.."

أجابه لوكا بِتِلقائيّة كان يريد كلاهما التخلص من وجود آركادي أمامهما لتنفيذ خطتهما، ولكنه جلس القرفصاء ليتمكن من مخاطبتهما، بِنَبرَته الهادِئة..

" بإمكانكما طلب ذٰلِك منها وَحسب.."

نَظر كلًا من لوكا ونيكولاي لبعضهما البعض ثُم قرر نيكولاي الرد بصوته المتذمر..

" لا إنّها قانونية تستمع لتعليمات ماما في عدم السماح لنا بتناول الحلوى.."

حينذاك خطر له شيء ليجعل منه يبتَسِم قبل أن يقترح عليهما..

" سأجلب لكما الحلوى ولكن بمقابل حصولي على شيء منكما.."

التوأم كلاهما كان حذرًا أمام المفاوضات مع الغرباء، وبشكلٍ خاص نيكولاي الذي غالبًا يكون حريص مع من لا يعرفهم، لذا قَبل أن يوافق لوكا تحدث نيكولاي بِنَبرَته المتشككة..

" هل يمكننا الوثوق بك!..أنت شقيق ذٰلِك الرجل الشرير.."

لَم يتمكن التوأم من نسيان حادثة حفلة إعلان خطوبة شقيقهما بروسيل، حيَنما تسببان بسقوط دينيس وكَيف أساء لَهُما، لذا كان نيكولاي حذرًا من التعامل مع أبناء غوركي، وقَد تَفهمَهُ آركادي ليقترح عليهما مبتسمًا..

" نَعم ذلك الرَجُل الشرير ألا ترغبان بالإنتقام منه على الإساءة لكما؟.."

حينذاك مُجددًا عادَت أعيُن نيكولاي نحو لوكا ليتبادلا النظرات المترددة، مُقابِل الحلوى أيًا كانت الصفقة فهي تستحق، إبتسامة لوكا الجانبية جعلت نيكولاي يبادله الإبتسامه قارئًا أفكار توأمه، كلاهما يفكران بذات الطريقة، هٰذِه المرّة لوكا هو من تحدث بِنَبرَته الطفولية المتعالية، وهو ينظُر لأعين آركادي بإصرار قبل أن يعقد ذِراعاه مَعًا للخلف..

" لقد أهاننا وسنأخذ حقنا منه.."

هذا هو ما يريده، ليس هناك أكثر شرًا مِن أطفال غاضبين، يعرف هذا من خلال تجربته مع شقيقته روسيل وهي في عمرهما، مع موافقتهما أخبرهما عمّا يريده مِنهُما ليرى الحماس طاغيًا على مَلامِح لوكا بينما نيكولاي فقد كان يكبح ذاته، ثُم حينما إنتهى آركادي، هتف لوكا بحماس..

" هذا رائع إنها أكثر متعة من خطة روسيل.."

كان يرغب نيكولاي بالإعتراض وتذكيره بتعليمات والدتهما، ولكنه حيَنما نظر للخلف بترقب، تحسبًا لقدوم مربيتهما، إتَسَعَت عَيناه بفزع وهو يراها تسحب فستانها وتنظر لكل مكان بحثًا عنهما، حينما وقعت عينيها التي بلون القهوة عليهما زفرت أنفاسها براحة مقتربة مِنهُما، حينذاك عادت أعيُن نيكولاي نحو لوكا ثم أمسك بذراعه يهتف بهلع..

" لوكا إنظر إنها قادمة.."

نظر لوكا خلفه ليلاحظ كلاهما إقترابها منهما، ليَصرُخ لوكا الآخر بفزع، قبل أن يجذب توأمه معه للإختباء خلف جسد آركادي لحمايتهما، فقد كان المكان الوحيد الذي أمامها للإختباء، عَقد آركادي حاجباه الكثيفان مَع تصرفهما ثُم إستَقام في وقفته مع تقدم أُنثى شابة صهباء جميلة نَحوَهُ تهتف بصوتٍ مرتبك تَنظُر للتوأم المختبئان خلفه..

" يا إللهي!، لوكا نيكولاي!..لقد كدت أفقد الوعي رعبًا مع إختفائكما، لماذا تفعلان هذا بي!.."

صوتَها وحضورها إقتحمان آركادي بِعُنف لم يسبق له وتعرض له حتى من أعدائه، إنّها حتى لَم تَنظُر لَهُ بعد ويشعر بأن هُناك شيء يخصها يَجعل منها إستثنائية، شعر بتمسك التوأم ببنطال بذلته، ثم صوت لوكا الذي هتف متذمرًا..

" أنتِ لن تسمحي لنا بتناول الحلوى.."

" ماما منعت هٰذا، هل ستعارضان كلمتها وتجعلانها تَشعُر بالحزن؟.."

أجابتهما بلُطف، كان جليًا عليها بأنها تُحاوِل التحلي بالصبر، إنخفضت لمستواهما وحركتها تِلك أرسلت شعور بالإرتباك نحوه، ثُم شعر بنيكولاي يخرج رأسه يقابلها بينما يبرر بِنَبرَته الطفولية..

" ولكن!..بعض الحلوى لن تؤذي ماما..لن تحزنها.."

آركادي لا يستطيع رفض أي طلب لأي طفل، لقد كانت روسيل في طفولتها تستغل هٰذا، لَم يحتمل سَماع النبرة المنكسرة في صوت نيكولاي لذا خاطبها بصوته الثقيل محاولًا إقناعها..

" إنهما أطفال، الحلوى تسعدهم.."

حينذاك وَحسب أدرَكت بأن أمامَها رَجُل وهي تجلس القرفصاء أمام ساقيه الطويلان، الإحمرار الذي إنتشر من عنقها إلى وجهها نافس إحمرار شعرها، لتقف في الحال، تواجه عَيناه الخضراء التي تَنظُر لها بطريقة تضاعف إرتباكها، كان مبتسمًا وملامحه الحادة تزيده خطورةً، مع معرفتها لهويته إبتلعت بتوتر قبل أن تخاطبه بصوتها الذي خَرج ضعيفًا..

" ولكنهما مسؤوليتي..لذا أرجوك فلتبتعد وتتركني أتولى أمري.."

ولكنه لا يعلم إن كان بإمكانه الإبتعاد، وحقيقة أنها جليسة أطفال تَعني بأنها بإمكانها أن تلين لِطلب التوأم، أخفض بصره حيَنما شعر بِنظرَة لوكا نحوه، ينظُر له متأملًا، برائته تِلك بإمكانها أن تخضع أعند وأقسى الرجال، ماذا وإن كانَت أُنثى!، عادَت عَيناه نَحوَها يحاول مُجددًا بِنَبرَته الهادئة..

" القليل فقط.."

" نعم ريونا القليل فقط نعدكِ.."

هتف لوكا وهو يقف أمامها يضم يداه معًا، ثُم جاء نيكولاي ليقف بجانبه، بإمكان آركادي رؤيَة أنها على وشك الخضوع لطلبهما، ثُم ليضاعفان تأثيرهما عليها إحتضناها بينما يهتفان بترجي..

" هيا هيا هيا.."

كانت ريونا في مازق حقيقي، تقف أمام إغراء آركادي غوركي، وإغراء توأم فولكوف، ما الّذي سيخرجها من موقف كهذا سوى الخضوع لِطلب التوأم!، وَجدت ريونا ذاتَها تقول بيأس مستسلمة..

" حسنًا..القليل فقط.."

قفز نيكولاي في مكانه بسعاده بعد إبتعاده عَنها بينما يهتف مبتهجًا..

" مرحى..نحن نحبكِ ريونا.."

وافقه لوكا بذات النبرة..

" نعم نحبكِ كثيرًا إن لم نكن متزوجان بروسيل الآن كنا سنتزوجكِ.."

بِأعيُن مصدومة نَظرَت نحو آركادي الّذي شاركها ذات النظرة، ثم إذ بكلاهما يضحكان أمام ما سمعانه، وقبل أن تتمكن ريونا من قول أي شَيء آخر جذب نيكولاي يَدها يسحبها معه كما فعل لوكا مع آركادي، يأخذانهما نحو الحلويات المتنوعة، لم يعترض آركادي الذَهاب معهما طالما ستتاح له الفرصة للبقاء مع المربية الجميلة، حال وصولهما شاهدها تنتقي لَهُما ما هو مسموح لتناوله، ولم يعترض أيًا مِنهُما بل شكرانها بإمتنان، قَبل أن ينشغلان بالحلوى، حينذاك نَظرَت ريونا لَهُ ملتقطة نظرته نَحوَها، ودون أن يتراجع مد يده نَحوَها معرفًا بنفسه..

" لَم أقدم نفسي لكِ بعد..أنا آركادي غـ...."

" غوركي..الجَميع هنا يعرف من أنت.."

قاطعته تَنظُر ليده الممتدة نَحوَها، بِالرُغم من إرتجاف داخِلَها لَم تظهر ذلك له وهي تَستَمِع له يقول مبتسمًا..

" صحيح..ماذا عنكِ؟.."

وَضعت يَدها في يدَهُ الدافئة تصافحه بينما تجيبه برسمية..

" ريونا ساڤين.."

أومأ لها ثُم سألَها يرغب بمعرفة الأكثر..

" لِماذا جليسة أطفال؟.."

سؤالَهُ ضاعف إرتباكها، مَع رؤيتها لنظرته نَحوَها، بالرغم من إبتسامته التي تُظهِر نيته في عدم الإيذاء، إلّا أنها لَيسَت بالساذجة لتتحدث مع رَجُل مِثلَهُ عن حياتها، لذا راوغته تتهرب من الإجابة..

" هل تليق بي وظيفة أُخرى؟.."

كان يليق بها أن تكون من عائلة مرموقة، ولكن على ما يبدو فولكوف تدفع لها بشكلٍ كافٍ ليجعلها ترتدي هذا الفستان الباهض، أخفى يداه في جيوب بنطاله الأسود التابع لبذلته الرسمية المصممة خصيصًا له، كان يبدو رجل دموي، هذا ما لا يمكن لأي أحد أن يخطئه، دماء غوركي تجري في عروقه لتجعل من أيًا كان يراه بإمكانه تمييز إنتمائه، إبتَلعَت مستمعة لصوته الثقيل الخشن وهو يجيبها متأملًا نظرتها..

" لَيس هكذا ولكن الجَميع لديه سبب ليكون ما هو عليه.."

بإمكانه رؤية حرصها وخوفها منه، ذٰلِك كان كفيلًا ليكره نفسه لما هو عليه، لهويته التي تتسبب بِصنع هذا الحاجز بينه وبين الأنثى التي تقف أمامَهُ ولا يعرف عنها شيء، ولم تسمح له بمعرفة شيء مع سؤالها الذي جاء بِنَبرَة حذرة..

" وهل لديك سبب لتكون ما أنت عليه الآن؟.."

لديه أسباب كثيرة، ولكنه لم يخبرها أيًا مِنها بينما يجيبها بإختصار..

" نَعم لدي.."

" ماهو إذًا؟.."

أغلقت في وجهه كل الأبواب نَحوَها، ليفهم جيدًا ما تسعى له، متفهمًا حرصها إبتَسَم، ثم نظر للأسفل حيث كان التوأم يتناولان الحلوى وينظران لَهُما منصتان لِذٰلِك الحِوار بتركيز، عادَت عَيناه نَحوَها بينما تَنظُر لَهُ منتظرة إجابتَهُ أحبط كل آمالها بقوله بصوتٍ هادئ..

" سُرِرت بلقائكِ آنِسَة ريونا.."

مُجددًا نَظر للأسفل وغمز للتوأم قبل مغادرته، حينذاك تمكنت من تأمل هيئته دون الحاجة لإخفاء فضولها، كتفيه العريضين وجسده الطويل القوي الصلب يخبرها بكل ما ترغب بمعرفته، عروق يداه البارزة حينما إمتدت لمصافحتها، وعيناه الخضراء الحادّة، كُل ذلك يحذرها من الإقتراب..

" لقد وجدنا لكِ رجل لتتزوجيه.."

صَوت لوكا جَعلها تَنظُر للأسفل بِأعيُن متسعة قبل أن تهتف بإرتباك..

" ماذا!!.."

بفمه المُلطخ بالشوكولاتة أخبرها بِنَبرَته الطفولية..

" آركادي رَجُل لطيف.."

" لطيف!!.."

إستنكرت لا تصدق ما يقوله، كيف يمكن لآركادي أن يكون لطيف!، لقد خُدِع التوأم بالصورة التي أظهرها لَهُما، هٰذِه المرّة جاء الرد من نيكولاي بينما يقول مؤيدًا توأمه..

" نعم لقد كان هو من سيجلب لنا الحلوى..هو ألطف منكِ.."

رَفعَت حاجِبيها مَع سماعها لما قاله بينما يكمل مبررًا ببراءة..

" ولكن هذا لا يعني بِأنّكِ لستِ لطيفة ريونا.."

إبتسمت لَهُما، لن تخوض جدال كهذا مَع أطفال، فتحت حقيبتها لتخرج منها منديل قبل أن تنحني لتنظف فم لوكا، وقد كان لوكا سعيدًا بتناول الحلوى أخيرًا، وبوجود ريونا تهتم به، ثم حينما أخذت منديل آخر لنيكولاي أمسك بيدها وأخذ المنديل منها قائلًا بِإعتِراض..

" أنا لست صغير، بإمكاني الإعتِناء بنفسي.."

لم تعترض على ما قالَهُ بل تَركتَهُ يفعل ما يشاء، وبينما كانت تعتني بالتوأم وتحرص على عدم غيابهما عَن عَينيها، إستمع الجَميع لصوت ميلو فولكوف على المايكرفون وهو يطالب من الجميع بالإنتباه له، قاد ليونيد روسيل معه للوقوف أمام المسرح، يَشعُر بأن إبن عمه سيقول أشياء لن تعجبه ولكن وبطريقةً ما كان أكثر أبناء فولكوف شعبية، لذا كان الجميع متحمسين لسماع ما يُريد قوله..

" مرحبًا بكم جميعًا أيُّها الحضور..نحن اليوم هنا لنحتفل بزواج أكثر رجال فولكوف وسامةً، غرورًا، وتغطرسًا.."

صوت ميلو وكلماته تِلك جعلته يلعن تحت أنفاسه، بينما روسيل فقد ضَحِكَت بجانبه وهي تَنظُر بترقب لميلو تنتظر سماع المزيد، وقد أكمل يشير لليونيد..

" ليونيد الذي كان يرفض الزواج وقيوده.."

حاوَل ليونيد الحِفاظ على إبتسامته مع توجه كل الآنظار نحوه، في داخله كان فقط يُفكِّر بجذب ميلو ليترك المسرح ويذهب للإحتفال بصمت، ولكنه لم يفعل، وقد أكمل ميلو بذات نبرَتَهُ المستمتعة..

" بِالتأكيد لم نكن ننتظر أنثى إعتيادية ليتزوجها، فقد حطم كُل التوقعات وإختار روسيل غوركي..التي أصبحت الآن ماركيزة روسيل فولكوف، تهانينا لكِ لقد حصلتِ على النسخة الأفضل من نُبلاء فولكوف.."

كان ليونيد ممتنًا فقط لجملته الأخيرة، قبل أن يختم ميلو خطابه برفعه لكأسه بينما يقول مبتسمًا..

" نخب العائلة، الحُب والمعجزات.."

رَفَع الجَميع كؤوسهم ليشربوا ذلك النخب، ثُم هتف ميلو بحماس..

" ولهذه المناسبة السعيدة سأغني لكما.."

حينذاك إختنق ليونيد بالشراب ليسعل بعنف مدركًا تمامًا بأن ما سيفعله ميلو سيفسد الأمسية، وقد كان كل فرد من أفراد فولكوف يهتف بِإعتِراض متذمرين ولكنه تجاهلهم ليطالب الفرقة خلفه بالعزف، ومع إعتلاء صوت الموسيقى إختفى صوت الإعتراضات، ثُم صوت ميلو المزعج يطغى على كل شيء، بدورها روسيل كانت مستمتعة عكس الجميع، مع بداية الأغنية التي إنتقاها وإنتشار صوته مرددًا كلمات أغنية All of me كانت تضحك، مندمجة مع إستمتاعه بالأداء الذي يقدمه، وحدها هي من كانَت مهتمة، وذلك جعل من ميلو يَشعُر بالتشجيع ليُكمِل بحماس مُضاعف، نَظرَت بعينيها الواسعة نحو ليونيد الذي كان فقط ينتظر من هذا العذاب أن ينتهي، ثُم هتفت تخاطبه بصوتٍ ضاحك أثار إهتمامه..

" أشعُر بِأن أذناي ستتقيأ.."

ضَحِك مع سَماعَهُ لتعليقها ثُم نَظر نَحوَها يقابل عَينيها التي تخبره بشيء واحد وحسب، وهو أنّها سعيدة، لم تكن هي ذاتَها الأنثى التي وقفت أمامه تهدده بالقتل مَع سماعها لخبر زواجها به، الآن تبدو له أكثر من مبتهجة مع وقوفها بجانبه، وحقيقة أنها أصبحت زوجته تَجعل منه يَشعُر بنشوة لم يجربها من قَبل، كم كانَت أنثى خيالية في فستانها الأبيض!، كانَت شيء قريب للخيال الجامح، الخيال الذي يستمر في أن يكون بعيد تمامًا عن الواقع، كان يعرف شَيء واحد وحسب بينما يقف بِجانِبَها، وهو أنه سيكون الرَجُل الذي تستحقه أُنثى مثلها، وأنه سيسعى دائِمًا لإغواء قلبها، حتى وإن كانت توصِده بإحكام كي لا يقتحمها، لقد جاءَت هي، وقفت أمامَهُ وحسب تطالبه بالتراجع عن طريق شقيقها، ثُم أصبحت القضية أكبر من قطعة أرض، أصبحت قضية إقتحام قلب، وتجريد رَجُل عنيد من كل قناعاته، ليخضع لها، يحطم كل قانون وكل شيء يمنعه عنها، لتكون له، لتكون أكثر مِن مُجرَّد مغامرة ممتعة، لتكون رُتبتها أعلى من رتبة أي أنثى في عالمه، لتكون زوجته..روسيل أميرة غوركي المتمردة..

مَع الإنتهاء من غناء ميلو، مجددًا وحدها روسيل من صفقت له، ليفعل البعض معها كي لا يشعر بالإحراج، بِالرُغم من أنه لم يكن ليَشعُر بالإهانة إن لم يفعل أحد، مع توقف صَوت التصفيق، عاد صَوت ميلو المستمتع ليتحدث بِنَبرَته المفعمة بالحماس..

" لدينا الآن طقس مُهِم من طقوس الزواج، لعبة نستطيع من خلالها أن نكتشف من الذي سيكون الآمر في المنزل، روسيل أم ليونيد، أطالبكما الآن بالصعود إلى هنا.."

توجهت الأنظار نحوهما حينذاك، ولم تكن روسيل لتنتظر من ليونيد أن يوافق، فقد جذبته من ذراعه معها نحو ساحة المسرح وهي الأخرى تشعر بالحماس، الجَميع كان ينظُر لَهُما بترقب، أحاط ليونيد بخصر روسيل، ثم مع إنتظارهم لما سيفعله ميلو أشار لأحدهم بأن يتقدم منهم، وقد جاء أحد العاملين بطبق من الخبز، ليأخذه ميلو منه، ثُم تقدم من ليونيد وروسيل المنتظرة بترقب، ليخاطبهما من خلال المايكرفون..

" عليكما أن تعضان على هٰذِه الخبزة دون إستخدام يداكما، من سيقضم أكبر قطعة من الخبزة سيكون هو القائد في العلاقة.."

نَظر كلًا من ليونيد وروسيل لبعضهما البعض بتحدي، كانت تبتسم لَهُ إبتسامتها الخبيثة التي يعرفها وقد كان هو مبتسمًا بإستمتاع مع رؤيته للتحدي في عينيها نحوه، أشار لَها بالتقدم معه ثُم إنحنى كُلًا مِنهُما ليأخذ قضمة مِن الخبزة التي في الطبق الذي يحمله ميلو لهما، إستَقام ليونيد في وقفته يمضع قطعة الخبز كما فعلت روسيل بجانبه، والتي شَعرَت بأنها ستختنق غضبًا مع رؤيتَها لقضمة ليونيد، وإبتسامته التي تزين ثغره، حينما إقترب أحد العاملين يحمل كأسين من الماء، أخذ كلًا منهما كأس من الماء ليشربه، حيث جاء صوت ميلو العالي يهتف بسعادة..

" هنيئًا لليونيد سيكون هو رَجُل المنزل.."

بدأ كل رجال فولكوف بالتصفيق يهتفون بالمباركات لليونيد، وقد كان الغيظ جليًا على ملامح روسيل وهي تخاطب ليونيد بِإعتِراض..

" هذا ليس عدلًا أنت رجل وأنا امرأة..بِالتأكيد ستكون قضمتك كقضمة ديناصور.."

إتَسَعَت إبتسامته قبل أن ينحني لمستواها هامسًا بِنَبرَته المغرورة..

" لا بَأس إنها لَيسَت المرة الأولى التي تخسرين فيها أمامي.."

ضيقت عينيها الواسعة مع رؤيتها للبريق في عَيناه الزرقاء المُشِعة، ثُم هددته مبتسمة بِخُبث..

" ستندم على قول هذا لورد ليون.."

لقد أقسمت على أن تجعل حياته مُثيرة للشفقة، ولن تتراجع حتى ترى بِأنّها أخذت إنتقامها منه، سيرى أي نوع من المصائب التي جلبها لنفسه، وستجعله يندم على قراره مرارًا وتكرارًا وحينها وحسب، ستسعى للحفاظ عليه بِجانِبَها، لتحقق مصالحها، قطع أفكارها ولحظتهما تلك صوت ميلو مجددًا وهو يعود ليهتف..

" الآن لدينا طقس آخر وأخير قبل أن أترككم لتستمتعوا بالإحتفال، وهو التقليد الأهم في كل زفاف، تحطيم إناء زجاجي مِن قِبَل العروسان لنرى كم عدد الأعوام التي سيعيشانها معًا في سعادة.."

حينذاك تقدم منهما أحَد العاملين يحمل إناء زجاجي، ليأخذه ليونيد منه ثُم أشار لروسيل بأن تحمله معه، بِالرُغم من عدم تصديقه لأيًا مِن هذه الخرافات، كان يرغب بِأن يرى كَم سيكون عدد الأعوام التي ستكون بِرِفقتَها، مؤمنًا بِأنّها ستكون معه للأبد حتى النفس الأخير، وأن حتى وإن كانَت الشظايا قليلة لن يسمح لذاته بالتفكير بها، حملت روسيل الإناء معه، ثُم حينما إنتهى ميلو من العد العكسي أفلت كلاهما الإناء ليسقط متحطمًا أرضًا، ومع سقوطه جذب ليونيد روسيل بعيدًا كي لا تتناثر الشظايا نَحوَها، نظر كلًا منهما للأرض كما فعل ميلو ينظُر لعدد الشظايا، ولٰكِنّها ولبهجة قلب ليونيد كانت غير قابلة للعد، إبتَسَم بسعادة يجذب روسيل من خصرها نحوه، مع سماعه لصوت ميلو المبتهج يهتف بحماس..

" إنّها غير قابلة للعد..أتمنى لكما حياة زوجية سعيدة حتى تصبحان عجوزان متجعدان.."

إعتلى صَوت التصفيق حينَها، ثُم صوت الحضور يهتفون..

" المُر..المُر.."

لقد كان أكثر من سعيد ليلبي طلبهما، دون أن يكترث لنظرة الغيظ في أعيُن روسيل، إنحنى ليقبلها أمام الجميع، يأخذ إنتقامه منها بعد حرمانها له من رؤيتها لمدة أربعة أشهر، مِمّاذا كانت تهرب!، وهل سيفيدها الهرب الآن!، بعد أن أصبحت مقيدة به كزوجها!، في داخله الآن يَشعُر بالرضاء، مع سَماعَهُ لصوت تصفيق الحضور، ثُم إبتعاده عَنها ليرى كيف كانت عينيها جامدة كالجليد، وكأنها تَشعُر بالملل، ثُم إبتسمت لتستمر بالتمثيلية التي تتقنها أمام الجميع، قبل أن يأخذها معه مجددًا للإستمرار بالإحتفال..

لتتجاهل شعور الإستياء، إختارات روسيل أن تنشغل بتناول الطعام، وأن تستمتع بالشراب، دون أن تكترث لنظرات الجَميع نحوها كعادتها كانت فقط تفعل ما يحلو لها، وما يسعدها هي، إنّهُ زفافها وستجعله ذكرى سعيدة حتى وإن لَم يَكُن من إختيارها، لذا إختارت أن تملأ معدتها بالكثير من الطَعام، وبينما كانَت تملأ صحنها لِلمرّة الخامسة أحدَهُم أمسك فستانها من الخلف، لتنظر خلفها ولم تجد أحد، ولٰكِنّها حيَنما أخفضت بصرها وَجدت التوأم أمامها يبتسمان لها بإتساع وعيناهما تلتمع ببريق مُذهِل تسبب بتبسمها، قبل أن ترحب بهما وهي تجلس أمامهما..

" مرحبًا أيُها الوسيمان.."

شعر لوكا بالبهجة ثُم رحب بها هو الآخر..

" مرحبًا يا جميلة.."

إقترب منها ليقبلها على وجنتها ثُم جاء نيكولاي لِيقبلها في وجنتها الأخرى، لَقد بدأت تُحِب التوأم بالرغم من عدم رؤيتها لهما كثيرًا، إلّا أن هناك عوامل مشتركة بينها وبينهما تجعلها تشعر بالألفة، نظرت لهما حينما واجهتهما مبتسمة قبل أن تخاطبهما..

" يبدو لي من خلال تجاربي بأنكما تختبئان من أحد.."

" مربيتنا ريونا.."

أجابَها لوكا بِتِلقائيّة، حائرة إستمعت لنيكولاي يُكمِل متذمرًا..

" الجَميع يريدنا أن نكون بعيدان عنكِ..ونحن نريد أن نخبركِ بِأنّكِ تبدين مذهلة.."

حتى الآن لا تستطيع روسيل التفريق بينَهُما، أيًا منهما لوكا ومن هو نيكولاي لا تعلم، ولكن ما تعلمه هو أنهما لطيفان بطريقة تجعل مِن قلبها يلين لهما، لقد كانا الوحيدان اللذان بإمكانها أن تكون معهما دون حواجز، قهقهت ثُم قالت بِنَبرَة صادقة..

" أوه شكرًا لكما..وأنتما كَذٰلِك.."

" كنا نريد أن نرقص معًا، هل سنرقص معًا؟.."

سألَها لوكا جاعلًا منها تُفكِّر بشيء واحد وحسب، وهو الإستمتاع بِرِفقَة التوأم، لذا بِحماس خاطبتهما..

" لقد إنتهى وقت الرقص ولكننا سنفعل شيء آخر.."

إلتمعت أعين التوأم قبل أن يستمع كلاهما لها وهي تقول بينما تقف..

" أنا سأركض الآن، والذي سيلتقطني سيحصل على قبلة.."

نَظر كلًا مِنهُما لبعضهما البعض بإبتسامة متحمسة، ثُم بدأت روسيل بالعد العكسي، قبل أن تمسك بأطراف فستانها وتركض في أرجاء صالة الإحتفال بسرعتها التي لا يستطيع أحد منافستها، دون أن يعيقها كعبها، أو حتى وجود الحضور لمشاهدتها تركض أمامهم وخلفها التوأم يتسابقان على من سيمسكها ليحصل على قبلة، من مَكانَهُ ليونيد كان يقف مع شقيقه فلاديمير الذي أمسك ذراعه وأشار له حيث كانت روسيل تركض فوق الطاولات التي أصبحت فارغة، وخلفها لوكا ونيكولاي، كما كانت ريونا تركض ترغب بالإمساك بهما، لا يفهم ما الذي كانت تُحاوِل فعله، ولٰكِن رؤيتَها مبتسمة وتضحك تَجعل من شعور دافئ يداعب داخله، ليصبح هو الآخر غير مكترث لتصرفها، فقط لسعادتها، إنها أُنثى مجنونة، وهذا الجانب منها هو من جعله يصبح مجنونها..

" أخي.."

صَوت فلاديمير أخرَجَهُ من أفكاره ليهمهم له دون أن يزيح عَيناه عنها، ثُم إستطرد شقيقه بِنَبرَته الهازئة..

" لا تثق ابدًا بإمرأة تجري بالكعب العالي.."

ضَحِك ليونيد ثُم أنهى كأسه قبل أن يخبره مستمرًا بمراقبة روسيل التي لم يتمكن التوأم من الإمساك بها..

" إنّها ليست أي امرأة..إنها زوجتي.."

وذلك كان كافيًا، أن تكون هٰذِه الأنثى هي ذاتها التي سيبقى معها في كل مراحل حياته، مؤمنًا أن قلبِه الذي إختارها وقلبه لن يختار الخطأ، إنه رَجُل ذكي القلب، وأن يقع في فخ أُنثى مثلها فِعلٌ عبقري، دون أن يَشعُر لِلحظَة واحِدَة بالخجل من هٰذِه العاطفة، إندفع نحوها واجه الجَميع لأجل أن تكون معه، مدركًا أنه إن لن يظفر بها هو لن يتركها لأي رَجُل آخر، منذ اللحظَة التي وقفت فيها أمامَهُ تطالبه بالسلام، كان يعلم بأن الحرب التي سَتكون بينهما هي ضريبة السلام الذي تسعى للحصول عليه، وأن سلامها الوحيد سيكون بين أحضانه هو..

ترك ليونيد شقيقه، ليذهب هو الآخر يحاول مطاردتها مَع التوأم، دون أن يلجأ للركض، كان بإمكانه إختيار طريق يعترض طريقها، وقد فعل بخطواته المدروسة، مستغلًا تشتتها في أحيان وهي تَنظُر للخلف تتفقد التوأم، أسرع نَحوَها ليقف في طريقها، كانت تَنظُر للخلف مستمرة بالركض، مع معرفته للقادم، فتح ذِراعاه يراها تقترب أكثر نَحوَهُ، حيَنما عادت عَينيها للأمام كان الأوان قد فات، لتصطدم بصدره الصلب تشعر بذراعاه عَلى خصرها، قبل أن يرتد جسده خطوة واحدة بفعل إصطدامها به، وبدورها كي لا تقع تمسكت بمعطفه، تملئ رئتيها رائحة عطره الرجولي، لاهثة إستمعت لصوته الثقيل المستمتع يخاطبها..

" حيَنما يطاردكِ أحدهم لا تنظري للخلف..أبدًا، فَغالبًا ما أمامكِ يكون أخطر مِمّا يكون خلفكِ.."

رَفعَت عَينيها الواسعة لتقابل نظرته المُتيمة بها، وإبتسامته المغرية، بِالرُغم مِن معرفتها لما يمكن لِهٰذا الرَجُل فعله، بالرغم من معرفتها لما هو قادر عليه، كان حيَنما ينظُر لها هكذا تَشعُر بأن الشيطان يصبح ملاك حارس، بإمكانها الشعور بالصدق في عَيناه، وذلك هو أكثر ما يخيفها، لأنها أُنثى مراوغة تميل للخداع، حينما ترى الصدق تشعر بالخطر، لا تستطيع التعامل معه، فليس هٰكذا ترعرت، لقد عاشت في غابة، يحيط بها الخطر، والشر من كل الإتجاهات، الجَميع يسعى لإلتهام الآخر، وأن ترى أحدهم ينظر لها بكل الطرق عدا أن يراها كضحية، كان شيء لا تستطيع التعامل معه..

" مرحى..ليو لقد حصلت عَلى قُبلة!.."

صوت لوكا اللاهث الذي وصل هو ونيكولاي قطع لَحظَة تأملها لِعيناه الزرقاء المشعة، لينظر كلاهما للتوأم، ثُم بصوته المتلاعب سألها ليونيد..

" حقًا!.."

" لقد قالت روسيل بأن من سيمسكها سيحصل على قُبلة..وأنت من أمسكت بها.."

تحدث نيكولاي ثُم نَظر هو ولوكا للخلف، قبل أن يقول لوكا على عجلة وهو يجذب نيكولاي من يده..

" نحن الآن سنهرب من ريونا..إنها تقترب.."

إنطلق التوأم بسرعة يهربان منها، مستغلان إنشغال الجميع بالإحتفال، لإثارة الفوضى الخاصة بهما، كان عليهما الآن مطاردة الهدف، والذي كان دينيس غوركي المنشغل بالحديث مع أحدَهُم، تأكد التوأم من جعل ريونا تضيع بين الحضور ثم جذب لوكا نيكولاي لتحت أحد الطاولات، ليزحف كلاهما للإختباء، ثُم جلس لوكا وبجانبه نيكولاي، لاهثًا بدأ لوكا بفك ربطة عنقه، قبل أن يخاطب توأمه..

" هيا نيكولاي..إنتزع ربطة عنقك.."

كعادته نيكولاي بدأ يَشعُر بأن ما سيفعلانه خطأ، لذا بِنَبرَته الطفولية المترددة تحدث..

" لوكا..أشعُر بأن ماما لن تُحِب هذا.."

نظر لوكا لتوأمه وكعادته يحرضه للإنقياد خلفه، أخبره بصوته الطفولي المسيطر..

" بابا سيحب هذا..وسيجعلها تحبه.."

عوضًا عن إنتظار نيكولاي ليفك ربطه عنقه قام لوكا هو بالمهمة بينما يخاطب توأمه..

" ثُم أننا عقدنا إتفاق مَع آركادي..والرجال لا يتراجعون عن كلمتهم.."

حينذاك لم يعترض نيكولاي، شاهد لوكا يقوم بربط كلتا ربطات العنق التي تخصهما، ثُم حينما إنتهى من ذلك، قام بالزحف ليرفع الغطاء الخاص بالطاولة، لينظر للطريق نحو رف الحلويات، ريونا لم تكن في أي مكان، تفحص الطريق جيدًا، ثُم أسرع نحو الحلويات، تاركًا نيكولاي في مَكانَهُ، والذي إقترب ليرفع الغطاء يشاهد لوكا يقوم بملئ طبق بالحلويات، دون أن يلاحظه أحد، يتخذ الحضور كغطاء له، وقد نجح في ذٰلِك، قبل أن يعود بسرعة لمكانه، وضع لوكا الطبق أرضًا ثُم دفع نيكولاي للداخل قبل أن يزحف مجددًا للدخول تَحت الطاولة، جاذبًا الصحن معه لِلداخِل، حينذاك ضحك نيكولاي قبل أن يهتف متحمسًا..

" لَقد كان هذا تسلُل جيد لوكا..أنت لا تحتاج لعبائة التخفي الخاصة بهاري بوتر.."

حاول لوكا أن يلتقط أنفاسه، لقد كان خائفًا من أن يجده أحد، والخوف ذٰلِك جليًا على ملامحه وهو يخاطب توأمه بعجلة متجاهلًا ما قاله..

" نيكولاي!..علينا أن نسرع قبل أن يبدأ الجميع بالبحث عنا.."

أومأ له نيكولاي موافقًا، ثُم بدأ يشرح له لوكا ما الذي سيفعلانه، لقد تعمد لوكا إختيار طاولة قريبة من دينيس، كي لا يخاطر برؤية أحد لهما وإلتقاطهما قبل تنفيذ المهمة، حيَنما إنتهى من سرد تعليماته لنيكولاي زحف نحو طرف الطاولة وقام برفع الغطاء قليلًا ليراقب بعيناه الطريق نحو دينيس، لم تَكُن ريونا في أي مكان قريب، يَبدو بأنها تبحث عنهما في الحديقة، فلاديمير مَع والدهما، ووالدتهما مع شقيقتهما أليرا وصديقاتهن، الجَميع كان منشغل، لذا عاد نحو توأمه، وجذبه معه لِلخارِج، أمسك لوكا بطرف ربطة العنق التي قام بتطويلها بربطة عنق نيكولاي، ثُم مد الطرف الآخر لتوأمه، حمل نيكولاي طبق الحلويات معه بينما يقترب كلاهما من دينيس، وحينما أصبح دينيس قريبًا منهما، قام لوكا بركله في قدمه من الخلف فقط ليختل توازنه مع الشراب، ثُم أسرع هو ونيكولاي أمامَهُ يفردان ربطة العنق أمام ساقاه الطويلان، ثُم في لحظة ترنح دينيس تحرك كلاهما للخلف مع إصطدام قدماه بربطة العنق ليسقط أرضًا على وجهه، تأوه دينيس حينذاك متألمًا وإستدار عَلى ظهره مشتتًا لا يعرف ما الذي حدث له، وحينما كاد يَنهض من الأرض دفعه لوكا أرضًا مع جلوسه على خصره ثُم قام برمي الكيك المزين بالكريمة في وجه دينيس الذي لم يتمكن بعد من فهم هذا الهجوم المفاجئ عليه، ثُم شعر بشيء يلطخ ثيابه ووجه، مستمعًا للضحكات الطفولية الخبيثة ثم صَوت نيكولاي الذي جاء منتصرًا..

" هذا كي لا تهين فرد من أفراد فولكوف مجددًا.."

ثُم قبل أن يلاحظ أحد فعلتهما تلك هرب التوأم من أمامَهُ بسرعة، حينها وَحسب تمكن دينيس من النهوض بمساعدة أحد العاملين، ممررًا يدَهُ على الكريمة التي في وجهه، يزيحها من جفنيه قَبل أن يمسحها على معطفه، يَشعُر بأنه سيرتكب جريمة في هٰذا اليوم وهذا المكان، لا يَفهم لماذا لايزال هنا، إنها تمثيلية سخيفة وكل ما يريده منها هو الحصول على القوة والسُلطة، أن يستولي على عرش فولكوف ويقتل كل فرد منهم..

" دينيس ما الذي حدث لك؟.."

صَوت بيلا التي كانت تُحاوِل ألّا تضحك جاء ليجعل من عَيناه الخضراء الحادّة تقع عَليها، لَم يرغب بإخبارها أن أطفال أغبياء من فعلان هذا به، كل ما فعله هو جذبها معه من ذراعها بينما يقول بصوتٍ مخمور مُهلِك..

" لنغادر هذا المكان قبل أن أرتكب مجزرة.."

لَم تتمكن بيلا من الإعتراض وهو يأخذها معه لِلخارِج، وقد كان الجميع منشغل بالرقص مع الأغاني الصاخبة التي طلبها أبناء فولكوف للرقص مع ليونيد وروسيل، لذا خروج دينيس وبيلا كان شيء غير مهم، إستمر الحفل ليصبح أكثر إثارة، ميلو وأناء عمه يطالبون بسماع الأغاني التي يريدون الرقص عليها، الجميع كان مستمتع حتى روسيل التي وَجدت ذاتَها سعيدة بكل ذٰلِك الحماس والطعام، لم تهتم لشيء سوى أنّها في زفافها وعليها أن تستغل الطعام الجيد الذي أنفقوا عليه ثروة، كما أنّها لم تتجنب ليونيد حتى وإن كانت تريد هذا إلّا أنه كان ملتصقًا بها وكأنّهُ ظلها، بدى لليونيد بأن روسيل لن تتعب، وأنها ستستمر بالإندماج مع الجَميع حتى وقت متأخر، بينما هو يتوق لينفرد بها، لتكون له وحده بعيدًا عن أنظار الجَميع، كان الوقت يشير للعاشرة ليلًا، والحضور بدأوا بالتلاشي شيئًا فشيء حتى بقى فقط أفراد عائلة فولكوف وغوركي عدا دينيس وبيلا، حينذاك وبينما يحيط ليونيد بخصر روسيل همس لها..

" حان وقت مغادرتنا.."

حينما قال ذٰلِك بدت روسيل مُترددة، لم تكن ترغب بأن تنتهي هٰذِه الأمسية، ولٰكِنّها تعلم بأن مصيرها الإنتهاء، بِالرُغم من ذلك نظرت له مبتسمة قبل أن تعترض..

" لايزال الوقت باكر على الذهاب.."

لَم يَكُن كَذٰلِك وهي أكثر من يعرف هذا، لقد كانت تحاول أن تؤجل الأمر، ولٰكِن ليونيد لَم يسمح لها بذلك وهو يقول مبتسمًا إبتسامته الشيطانية..

" لا أظُن هٰذا.."

أشار لوالده بأنهما سيغادران ليقترب منه هو ووالدته وإخوته، وَقف فاليري أمام إبنه مبتسمًا بسعادة، قَبل أن يحتضنه حضن أبوي طويل، لطالما كان يرغب برؤية إبنائه مستقلين، أن يبني كل واحد منهم عائلته الخاصة به، حتى وإن لَم يَكُن راضيًا على إختيار ليونيد، إختار تَجاهُل كل شيء ودعمه، كما إعتاد أن يفعل، والآن ها هو ذا يحصل كلاهما على ما يريد، هو بتزويج إبنه وليونيد بِالزواج من الأُنثى التي يريدها.
ربت فاليري على ظهره لِمرّة أخيرة قبل أن يَبتَعِد يواجه ملامح ليونيد المشابهة له ثُم ينظُر لروسيل التي كانت كالجميع تَنظُر لهما، قبل أن يخاطبها بصوتٍ متلاعب..

" روسيل..إن أزعجكِ ليون، أخبريني وأنا سآخذ حقكِ منه.."

رَفَع ليونيد حينذاك حاجباه مع سَماعَهُ لكلمات والده، لقد توقع العكس، ولٰكِن فاليري كان يعرف إبنه جيدًا لذا كان عليه قول ذلك، بدورها روسيل ضَحِكَت بينما تجيبه من بين ضحكاتها..

" إن أزعجني ليون..سآخذ أنا حقي منه لورد فاليري، مع ذٰلِك لن أتردد من أن يحصل على عقوبات إضافية.."

" قُضي عليّ.."

ردد ليونيد يَشعُر بأن هناك مؤامرة تحاك ضده، ليضحك الجَميع حينذاك قبل أن يتبادلون الأحضان، وَجدت روسيل ذاتَها أخيرًا أمام آركادي، يبدو عليه بأنه لا يريد أن يتركها، بِالرُغم من معرفته بِأنّها سَتكون في المكان الصحيح الذي سيجعلها رُبما سعيدة، ولكنه كان يشعر بالقلق من تركها لمواجهة أيًا كان، كما كان يَشعُر بالتوجس مِمّا تخطط له، بالرغم من كل ذلك حاول أن يبتسم مبتلعًا إضطرابه، قبل أن يحتضنها متمتمًا بصوته الثقيل..

" إن حدث أي شيء ضِد إرادتكِ أخبريني.."

ربتت على ظهره ثُم أردَفَت بِنَبرَة مسترخية..

" سيكون كل شيء بِخير آركادي لا تقلق.."

المرّة الأخيرة التي قالَتها له، لم يحدث بعدها أي شَيء يدل على الخير، كيف سيصدق هذا بينما عَينيها لا تحوي الخير على الإطلاق!، وكَيف سيتركها الآن لتواجه المجهول!، مجبرًا تركها، ثُم ترك ليونيد ليأخذها معه بعيدًا عنهم جميعًا، حينذاك إلتفتت لَهُ روسيل مبتسمة إبتسامتها المعهودة، تِلك الإبتِسامَة المجنونة التي تخبره بها بِأنّها سترتكب المشاكل، ثُم غمزت له، قَبل مغادرتها، حيَنما أصبحت في الخارِج بِرِفقَة ليونيد الذي يقودها معه نحو سيّارَة الليموزين التي تنتظرهما، عادت ملامحها للجمود، ثم رأت فيليكس لتعود للتبسم، فيليكس معها، وهذا كان كل شيء تريده، ثُم السائق يقف مِن الجهة الأُخرى، قام فيليكس بفتح الباب لها لتركب مكانها، ثُم بعد ركوبها أغلَق بابها، وحينما سار ليونيد نحو جهته ليفتح له سائقه الباب، هتف فيليكس بصوته القوي الثابت..

" لورد ليونيد.."

توقّف ليونيد مَكانَهُ ينظُر نَحوَهُ بملامح حائرة حادّة، عاقدًا يداه أمامه، ملامحه تَبدو مُشتتة ويبدو عليه بأنه يرغب بقول شيء ولكن دون أن تكون روسيل متواجدة، ولكن هل بإمكانه أن يتركها!، هل هذا هو الوقت المناسب للحديث عن أيًا كان يرغب به!، مع سماعها لصوت فيليكس نَظرَت روسيل له بأعين ضيقة من خلال النافذة، لا تفهم ما الذي يريده، ثُم شَعرَت بِخُطوات ليونيد تقترب منه قبل أن يخاطبها وهو ينظر لها..

" إنتظري هُنا.."

حينذاك وَجدت ذاتَها تفتح باب مقعدها وتخرج لتقف مواجهة لليونيد بينما تقول بِنَبرَة عنيدة..

" مهلًا!..إنه حارسي سأكون معك.."

عَيناه حينَها كانت تبدو لها لا تحتمل النقاش، ومن خلال رؤية ليونيد لملامح فيليكس أدرك بأنه يريد أن يكون الحوار بينهما منفرد، لذا خاطبها بِنَبرَة صارمة..

" حارسكِ يرغب بالحديث معي وليس معكِ.."

إتَسَعَت عَينيها أكثر، ونظرت نحو فيليكس الذي كان يحاول البقاء ثابتًا على ملامح الجدية، بينما تسأله بإتهام..

" فيليكس!..هل تخفي عني الأسرار؟.."

ما الذي كان يُفكِّر به فيليكس!، سألت ذاتها وهي تنظر له بذعر، هل سيخبر ليونيد عن أي شيء يخصها!، لم تكن مستعدة لأن تكشف أوراقها بعد له، ولٰكِن فيليكس نفى كل أفكارها تلك بقوله بِنَبرَة رسمية..

" ليست أسرار هناك بعض الشروط التي أرغب بطرحها على الماركيز قبل العمل معه.."

كان يبدو لها صادقًا، مع ذٰلِك لم تتمكن من تصديقه كليًا، وما كان أمامها سوى أن تومِئ له بتفهم بينما تقول وهي تتراجع عنهما..

" حسنًا.."

حينذاك إقترب ليونيد من فيليكس لينفرد به في مكان بعيد عنها، بينما كانت هي تَشعُر بالفضول نحو ما سيتحدثان عنه، وَقف ليونيد مواجهًا فيليكس ينتظر منه أن يتحدث عن أيًا كان يريده، مدركًا بأن ما يرغب بالحديث عنه لا علاقة له بشروط العمل معه، بل له علاقة بروسيل، لذا منتظرًا سماع ما سيقوله جاء صَوته العملي وهو يَقول بينما عَيناه مثبتة عليه..

" أُريد أن أخبرك بشيء واحد لن تخبرك به الآنسـ...السيّدَة روسيل.."

" ماركيزة.."

صحح له ليونيد وقد عَقد يداه معًا خلفه، ينظُر لَهُ بِأعيُن الصياد التي تجعل من أمامه يَشعُر بالخطر، أومأ له فيليكس ثم عدل خطأه قائلًا برسمية..

" نعم ماركيزة روسيل.."

إنه لا يَشعُر بالراحة تجاهه، لَيس بعد إصرار روسيل وتمسكها به لينتقل معها، لذا لينهي هذا الحوار حثه عَلى الدخول في ما يريده مردفًا بِجمود..

" ما هو؟.."

كان حينذاك التردد جليًا على ملامح فيليكس، هل يمتلك الحق لقول هذا له!، إنه حارسها الشخصي وحسب، وقد يثير هٰذا غضبها إن إكتشفته، ولٰكِنّها لم تكن سيدته وحسب، لقد كان يرى بأن عليه حمايتها دائمًا، حتى في الأوقات التي ترى بأنها لا تحتاج له، لذا قرر أن يتخذ هٰذِه الخطوة بدلًا عنها قائلًا وقد لانَت ملامحه..

" إنها لَم تَكُن مع أي رَجُل من قبل، أنت الرَجُل الوحيد الذي ستقاسمه الفراش..أتمنى أن تتفهم هٰذا جيدًا.."

حينذاك شعر ليونيد بالحيرة، ما كان على أحد من أفراد عائلتها أن يخبره به، قام هو بالإفصاح عنه، يبدو بأن العلاقة بينهما أقوى بكثير من تلك التي تجمع بينها وبين عائلتها، الرَجُل كان صادقًا في عاطفته وهو يُكمِل بذات النبرة القلقة..

" والدتها توفت وهي لاتزال فتاة التسعة أعوام، كبرت في محيط يحكمه الرجال، لذا قد تتعامل معك كأنها رجل، كواحد من رجال عالمها، لأنها الطريقة الوحيدة التي تعرفها.."

أدرك ليونيد وهو ينصت مصغيًا لفيليكس أنّهُ يعرفها أكثر من أي أحد، ولربما كان يكترث لأمرها أكثر بكثير مِمّا يفعل أحد أفراد عائلتها، وهذا سيجعل منه مصدر جيد له ليفهم الأنثى التي تزوجها..

" كما أنّها حتى وإن بدت لك متهورة وشجاعة..هي تخاف وكثيرًا.."

أكمَل فيليكس مع صَمت ليونيد، إنه خائف عَليها، لا يرغب بأن تواجه أي شيء دون أن يحميها، لذا كان يرى بأن عليه أن يخبر ليونيد بكل هٰذِه الأشياء ليفهم تصرفاتها دون أن يحكم عليها بشكلٍ خاطئ، وقد شَعر ليونيد حينها بالإمتنان نحوه، والبهجة ليكون هو الرَجُل الأول الذي ينال هذا الشرف، أن تكون له، وسيسعى ليحكم قلبها قبل أي شيء..

" ماهي العلاقة التي تجمع بينكما؟.."

سألَهُ الشيء الوحيد الذي كان يرغب بمعرفته منذ اللحظَة الأولى، ولم يأخذ فيليكس وقت طويل في الرد عليه مع رؤيته لروسيل التي تتسلل من خلف ليونيد لتسترق السمع..

" روسيل..هي كُل شَيء أعيش لأجله، إنها كالأخت الصغرى التي عليّ حمايتها.."

نال حينذاك ليونيد الإجابة التي ترضيه، وقد كان ذلك جليًا على ملامحه، وحينما لاحظ فيليكس بأن روسيل أصبحت قريبة منهما للحد الذي يجعلها تستمع لهما، مد يده نحو ليونيد بينما يقول برسمية..

" هٰكذا نكون إتفقنا على كل شيء لورد ليونيد.."

كان بإمكان ليونيد الشعور بوجودها خلفه لذا قام بمجاراته، ومصافحته، قبل أن يردف بذات النبرة الثقيلة..

" مرحبًا بك في فولكوف.."

أومأ فيليكس ممتنًا، ثُم حينما إنتهى من مصافحته، إلتَفَت ليونيد ليواجه روسيل التي أصبحت خلفه تمامًا، حال رؤيتَها له ينظُر لَها إبتسمت بإتساع، قبل أن تبرر تسللها..

" جِئت لأرى إن كان هناك خلاف على الشروط..لأحلها.."

لم يُظهر فيليكس أي شيء لها وهو يذهب مجددًا نحو الليموزين، يمسك الباب لها منتظرًا ركوبها، بينما يأخذها ليونيد معه يرد عليها مبتسمًا..

" ليست هناك أي خلافات عروستي الفضولية، حان وقت الذَهاب هيا.."

نقلت حينذاك عَينيها بينه وبين فيليكس الذي كان يجيد إخفاء أي شيء بملامحه الجامدة، ثم ركبت مكانها بصمت، قبل أن يصعد ليونيد بِجانِبَها، حينذاك إنطلقت الليموزين لوجهتهم، ووجدت ذاتَها روسيل تضع ساقيها المتعبان في حجر ليونيد الذي رحب بحركتها تِلك، يمرر أنامله على طرف فستانها، كانَت تَشعُر بِالتَعب أخيرًا، فبعد جلوسها أدرَكت أنّها مُهلكَة، راقبتَهُ من مكانها يعبث بطرف فستانها، ثُم بطريقة جمّدَت جَسدَها لامست يداه قدميها، يحررها مِن كعبها العالي، لمسته تلك كانَت ناعمة لا تنوي الإيذاء، أنامله ليست خشنة كأنامل رجال عالمها، لم يكن ينوي أن يلوي كاحلها كما يفعل دينيس، كان فقط يحرر قدميها من كعبها، ولٰكِنّها حتى مع معرفتها لذلك، جَسدَها المتشنج لم يسترخي، ما جَعلها تسترخي هو أنامِلَهُ التي بدأت بتدليك قدميها بطريقة جَعلتَها تتأوه بدهشة، كان يفعل ذٰلِك بيد واحِدَة وكأنّهُ خبير، حينذاك وهي تراه يدلك قدميها شَعرَت بالخطر الحقيقي، إنها زوجة الماركيز ليونيد فولكوف، أمير سانت بطرسبرغ، الرَجُل الذي بإمكانه تحطيم أيًا كان يقف في وجهه، الشيطان المتلاعب، الذي يملك أساليب خبيثة للحصول على كل شيء يريده، حتى هي، ذٰلِك الإدراك جعل مِن جسدها متشنجًا مُجددًا لا تستطيع الإسترخاء، وإن كان ذلك هو جل ما تريده..

" الآن تجمعنا سيّارَة واحِدَة بعد أن كُنا نلتقي سِرًا، ألا يبدو هذا خياليًا!.."

صوته الرجولي الأجش جعلها تَنظُر لَهُ بِأعيُن جاحظة قبل أن تَبتَسِم هازِئَة ردًا عليه..

" ألا يجعلك الوصول تَشعُر بالملل!..لقد كان الأمر ممتعًا ونحن مطاردان.."

إبتَسَم بينما ينظُر لَها تتكئ بظهرها على المقعد، عَينيها الجاحظتان حينذاك بإمكانها أن تخبره بِأنّها تحب ما كان يفعله لقدميها، خَرَجَت كَلِماته بصدق وهو يتأمل هيئتها..

" حيَنما تكون الوِجهة أنتِ سيكون الوصول أكثَر مُتعة.."

ضَحِكَت روسيل قبل أن تخبره بِين ضحكاتها..

" هٰذا ما يقوله من لا يعرف ماهية الوِجهة لورد ليون.."

هُناك شَر في نظرتها حتى وإن كانت تبدو ملاك بفستانها الأبيض، والجانب الشيطاني منها لطالما أغراه ليقول مجاريًا إياها..

" تُدرِكين الآن أن لا فائدة من هروبكِ أليس كَذٰلِك!، في نهاية الطريق ها أنتِ ذا هُنا..بجانبي أنا وحسب.."

" نعم تهانينا لك..لقد إتضح بأنني سمكة في نهاية الأمر وقُمت بإصطيادي.."

أخبرته ضاحكة، لتجعل من إبتسامته تتسع وهو يراها تُحاوِل إخفاء حقيقة إرتباكها، ثُم أكملت ساخرة وهي تحرك أصابع قدميها..

" ها أنا ذا أمامك ما المُثير في الحصول على امرأة واحِدَة لبقية عُمرك!..لقد حكمت على ذاتك بالبؤس.."

ولكنها لم تكن كأي امرأة
لقد كانت إمرأته هو..

" المُثير في الأمر هو أن هذه الأُنثى هي أنتِ..ويكفي أنّكِ أنتِ.."

أخبرها بِنَبرَته الرجولية القوية، لترى كم كان يعني كَلِماته، كان صادقًا بطريقة تخيفها، أُنثى إعتادت على الخداع والمراوغة، حيَنما ترى الصدق يزعزعها، إنهما مِن عالمين مختلفين، ولٰكِنّه يعاملها كأنثى لها قيمَة عظيمة، ما المميز فيها يا تُرى!، لماذا إختارها هي أميرة دموية تسعى للفوضى، متمردة عنيدة ومُزعجة، لقد كان يليق فقط بنساء كَـفيرينا، ولا يليق بها، وبعد اليوم سيدرك هٰذِه الحقيقة، إلتزمت الصَمت بقية الطريق، تَنظُر لعروق يده البارزة وهو يستمر في تدليك قدميها، تُفكِّر بمواجهتهما الحتمية، وكل الإجابات التي ستحصل عليها منه، أيًا كانت الإجابة ستحصل على ما تريده، وستقدم كل شيء تملكه لتحقيق ذٰلِك..

حيَنما توقّفَت الليموزين أمام ذٰلِك المبنى، بكسل أزاحت قدميها من حجره، قبل أن يفتح فيليكس بابها، كما فعل سائق ليونيد، أخذت روسيل كعبها لتلبسه، ثُم بينما تفعل شاهدت يد ليونيد الممتدة نَحوَها، ثُم نقلت نظرتها نحو فيليكس، هل سيتركها فيليكس!، مع رَجُل آخر!، بمفردهما!، كان ذلك يَبدو لها مخيفًا، وقد شاهد فيليكس ذٰلِك في عينيها ليومئ لها بالمضي قدمًا، لَن يحدث لها شَيء وهي مَع الماركيز، ثقته تلك جعلتها تضع يدها بيد ليونيد لتترجل وتنظر للمكان بِأعيُن حائرة، إنه مكان موعدهما الأخير، الشقة التي إشتراها لغرض الموعد، ذكرى قبلتهما في الشرفة جعلتها تشعر بالإرتباك في معدتها، ثُم ليتضاعف إرتباكها إستمعت لصوته يخبرها..

" هُنا إنتَهت مواعيدنا..وقررت أن تبدأ حياتنا معًا من هُنا.."

إبتَلعَت بإرتباك دون أي تعليق، الآن هي تَشعُر بالخطر، وكأنها غزالة ضآلة تَحت رحمة المفترس، مدركة أن من هنا عَليها أن تواجه كل شيء بمفردها، وأن فيليكس لن يَكون معها كما إعتادت، نَظرَت لفيليكس لِمرّة أخيرة، لترى كم كان هو الآخر لا يرغب بتركها، وليتفادى النظر لها إستدار عائدًا لليموزين، حينذاك كانت تريد أن تجذبه معها للمصعد، ولٰكِنّها تماسكت وهي تمشي بِجانِب ليونيد الذي أخرج بطاقة من جيب معطفه، يمررها أمام المصعد ليُفتَح، ويشير لها بالدخول، حال دخولهما معًا، وحينما أُغلِق المصعد أدرَكت بِأنّها في هٰذا بمفردها، وهي تتنفس عطر الرَجُل الذي بِجانِبَها، لم تتمكن حتى من النظر لإنعكاسها في المرآة التي في المصعد، لأنها تعرف جيدًا ما الذي ستراه، تنفست الصعداء حال وصولهما، ودخلت لِلداخِل بينما هو فقد كان خلفها، شهقة متفاجئة أطلقتها حيَنما شَعرَت بِه يحملها بين يداه، لتتمسك بعنقه بِتِلقائيّة تَنظُر لَهُ بِأعيُن متسعة ليضحك هو قائلًا بِنَبرَته المستمتعة..

" ماذا!..إنه تقليد، ثم أن قدماكِ تؤلمكِ، لذا عليّ أن أحملكِ للأعلى حتى وإن كنتُِ تناولت نصف الطَعام في الإحتفال.."

دَحرَجت عَينيها تشعر بخطواته تقترب من السَلالِم قبل أن تردف ساخرة..

" أوه نعم..وأنت لديك جسد قوي لتحمل وزني.."

" هذا نُبل مِنكِ ماركيزة روسيل.."

أخبرها مبتسمًا ولم تقل شَيء بعد ذٰلِك مع إقترابهما من أحد الغرف، دون أن يفلتها، فتح الباب، ثُم دلف لِلداخِل لتنظر روسيل حولَها بذهول، كانَت الغرفة كبيرة بطريقة مذهلة، الورد في كل مكان ليأخذ المكان رائحة تجعلها تسترخي وإن كان ذلك مستحيلًا، حقائبهما قد نُقِلت بالفعل إلى هنا، بينما الشرفة مُغلقة مع برودة الجو، الآثاث كان بين الأزرق والرمادي، بطريقة تثير الإسترخاء، كان ذلك كُل ما يحتاجه ليونيد الآن ليفلتها يضع قدميها أرضًا، حينذاك تخلصت روسيل في الحال من كعبها، لتبدو له أصغر بكثير من أي وقت مضى، وَقف خلفها، لِثوانٍ يرى كم كان جَسدَها متأهبًا لأي إقتحام، وذلك جعله يَبتَعِد خطوة بينما كلمات فيليكس تطارده، تركها ذاهبًا نحو رف المشروبات، إختار البراندي لكلاهما، وبينما كان هو يصب البراندي تأملت من مكانها هيئته، تَشعُر بِأنّها ستفقد الوعي مع بقائها برفقته بمفردهما، جاهلًا بالنيران التي تشتعل داخلها، والحروب المُدمية التي تخوضها مَع عقلها وقلبها، مابين الرحمة والقسوة، كان عَليها الآن أن تختار، إمّا أن تَكون ساذجة، أو تكون القائدة، إمّا أن تكون الضحية أم السفاحة، إمّا أن تكون أساس اللعبة أو مجرد جسد رُمى لتحقيق مصالح جشعة، إمّا أن تكون مطيعة وتفعل ما قيل لها بالحرف الواحد، أو تعلن عصيانها وتمردها، أن تملك ذاتَها باختياراتها، لأنها ليست مجرد جسد، لإنها تستحق أن تختار ما تريد أن تَكونَهُ، لقد قررت مُنذ اللحظَة الأولى، ولكنها لَم تستعد بَعد لهذه المواجهة، لرمي كُل أوراقها للرجل الّذي أمامها والذي حيَنما إستَدار لمواجهتها تأهبت ورفعت رأسها وكأن شيء مِن ذلك الذي في داخِلَها لا وجود له..

" ستحبين البراندي..إنه مُريح للأعصاب.."

أخبرها وهو يمد كأسَها نَحوَها هٰذِه المرّة لم يَكُن يخاطبها بِنَبرَته المستمتعة، وذلك جَعلها تَنظُر بينه وبين الكأس بتردد، قبل أن تأخذه منه، حينذاك وَحسب خَرَجَت كَلِماتَها بنفس واحد دون أي مقدمات..

" أنا هُنا لهدف تدميرك.."

كان كأسه على بعد إنش من شفتاه حيَنما قالت ذٰلِك، ليعقد حاجباه الكثيفان، يراها تجلس على طرف السرير الكبير، وفي يدها كأس البراندي، الذي إبتلعته بالكامل، لم تبقى عَلى حالها بل عادت لتقف لِتواجِههُ هذه المرّة بِأعيُن صارمة تخبره مبتسمة..

" هٰذا الزواج مبني على هدف تحطيم فولكوف..على موتك.."

حال قولها لِذٰلِك أصبح مزاجه سوداوي، ما تقوله الآن كان أكبر بكثير منها، ولا يفهم بعد إن كانَت تتحدث معه بجدية بِالرُغم من رؤيته لذلك في عينيها، إبتلع محتوى كأسه، قبل أن يبتسم لها قائلًا بِنَبرَة خَطِرَة..

" هٰذا هُراء لا يُقال في ليلة زفاف زوجتي السفاحة.."

أعاد كأسه لمكانه وحينما إستدار يعطيها ظهره، وَجدت صوتها يخرج ثابتًا وهي تخبره بكل شيء..

" هل تصدق حقًا بأن غوركي ستعطيك أميرتها دون أي مُقابِل!، لَقد أخبروني بأن السبيل لتحطيم أي رَجُل هو زوجته، لذا أنا هنا، لأكون جاسوستهم، وأخبرهم بالطريقة المثلى لقتلك، ثُم حينَها بإمكان غوركي أن تستولي على سانت بطرسبرغ، أليس هذا مثاليًا!.."

مع كل حرف تقوله يَشعُر ليونيد بحرارة جَسدَهُ تتضاعف، وكُل شيء يبدو له منطقيًا، بِالتأكيد سيسعى رجال كغوركي لشيء كهذا، إنه ليس شيء مستحيل التَصديق، وليس هذا ما يغضبه، بإمكان الجميع تمني موته، بإمكانهم السعي للنيل منه، بإمكانهم التخطيط لِذٰلِك ليس بالشيء الجديد، لديه الكثير مِن الأعداء اللذين يحلمون بهذا، ولكن ما أثار غضبه، ما أثار الجحيم في داخله هو إستخدامهم لإمرأة لتفعل هذا، إستغلالهم لروسيل من بين كل النِساء، رميها تحت رحمته فقط للتخلص منه، يالها من طريقة جبانة!، إبتَسَم يكبح ذاته من تحطيم كل ما حوله، ثُم إستدار يواجهها، يعقد يداه خلفه، ينظُر لِعينيها الكفيلة بقتله، قبل أن يقول بِنَبرَة مسترخية زائفة..

"إذًا هذا ما يسعى له دينيس من الأمر!، ألا يُفترض بكِ الآن قتلي!، لماذا تُخبريني بهذا؟.."

هذا هو ما يجعله حائرًا أمامها
لماذا تخبره بكل هذا!، عليها أن تلعب الدور الذي أخبروها به، وليس أن تكشف مصالحها الحقيقية له، ولكن روسيل لم تكن تلك مصالحها، إبتسمت هي الأُخرى تَقتَرِب منه خطوتين تواجهه بكلماتها التي جاءت بنبرتها المغرية..

" هل ترى بأنني أُنثى تفعل ما يُقال لها!، أنا دائمًا أحطم القوانين لورد ليون.."

ضحكت ثُم أكملت بذات النبرة التي تجعله مقيدًا بها..

" ما المتعة في أن أكون مُطيعة!..أنا خُلِقت للعصيان والدمار وحسب.."

تأملها يحاول أن يجد أي شَيء يجعله يدرك بِأنّها لا تعني أيًا مِمّا تقوله، ولكنه لم يجد سوى النيران في عَينيها التي كانت مُسبقًا تعلن السَلام، ليعقد قبضتاه بِقوّة خلفه، في هذه اللحظَة وحسب، يَشعُر برغبة قوية أكثر من أي وقت مضى لقتل كل فرد من أفراد غوركي، إنهم أقذر بكثير مِمّا كان يظن، فئران جُبناء يستغلون الضعفاء لتحقيق مصالحهم، حتى إبنتهم لم تكن مُستثناة من جشعهم وطغيانهم، الغثيان الذي داهمه في التَفكير بالأمر كان سيء، مع إدراكه لحقيقة أن يكون جُزء من هذا، خرج صوته أخيرًا خَطِرًا وهو يسألها..

" ما الذي تريدينه؟.."

إستغلالك
هذا ما تريده، أن تستخدمه لإرضاء ذاتها، ولغايتها، سؤالَهُ ذلك هو كل ما ترغب به حينها، لَم تهتم لملامح الموت في وجهه، لم تَهتَم بِنظرَة الشر في عَيناه، كان هذا ما تريده، وهي تَقتَرِب منه أكثر بينما تجيبه محافظة على إبتسامتها المستمتعة..

" أريد أن أعقد صفقة معك.."

أخفض بصره نحوها، ليقابل عَينيها الواسعة، هٰذِه الأعين وحسب هي ما بإمكانها إخماد الغضب الكامن داخله، ثم إستمع لصوتها الناعِم تُكمِل..

" سيكون لكلًا منا مصالحه منها.."

رَفَع إحدى حاجباه، يقاوم رغبته في أن يمد نحوها إحدى يداه المعقودتان خلفه، يعبث بشعرها، ولكنه وجد ذاته يخاطبها بصوته المتلاعب..

" ألم يخبركِ أحد من قبل ألّا تعقدي صفقة مع شيطان!..لأنه سيأخذ ما يريده منكِ.."

إنها تعرف هذا، سبق وعقدت صفقة معه، لينتهي بها الأمر هنا، تعرف كم هو ماكر يسعى لنيل ما يرغب به بأي وسيلة، لقد تلاعب بِالجَميع، وهي بحاجة إلى هذا الجانب منه، بحاجة له ليشعلها، وليحترق الجميع أثر هذا الإشتعال، لَم تتخلى عن إبتسامتها وهي تقول بثبات..

" لن تحصل على شيء لن أقدمه أنا لك.."

وهو لن يأخذ منها شيء لا تقدمه له طوعًا..لقد عاهد ذاته على هذا، مستمعًا لكلماتها التي جاءَت بِنَبرَة صارمة لا تسعى للسلام..

" أُريد أن تحترق غوركي بمن عليها..هل أنت قادر على هذا؟.."

هٰذِه المرّة جاءَت له تسعى للحرب وليس للسلام
وهٰذا الإدراك جعله يَقِف أمامها كَرجل آخر عن ذلك الذي تعرفه، سابقًا كانت تقف أمامه كإبنة العدو، كانت مُغامرة مُمتعة تثيره، ولٰكِن الآن من تقف أمامه هي زوجته، روسيل فولكوف، والأنثى الوَحيدَة التي تملك عالمه وقلبه، فَهل سيرفض صفقتها!؟..


________________________
نِهايَة الجزء🥀..

ريأكشن نهاية الفصل>>>>

قبل ما تبدأون بالهجوم علي خلونا هادئين ونأخذ نفس عميق😁، لقد كنت أمر بفترة إختبارات نهائية وفترة مرض، تكلمت عن هذا في كل مكان ولا مانع من تكرار السبب هنا كي يعرف الجميع السبب ولأن ليس الجميع متواجد في حسابي إنستا أو حتى يقرأ الحائط🙏🏻، هذا سبب تأخري وإن شاء الله لن تتأخر الفصول القادمة أعزائي🖤✨..

لنتحدث الآن عن الفصل وتصرفات روسيل التي تجعلني أرغب بقتلها حقًا كان هذا وضعها في الزفاف وهي تنظر لكل الرجال عدا ليونيد😩💢💢>>>

بالنسبة للتوأم مع آركادي فجأة بدأت برسم حياته كأب، ومن هذا الفصل ستبدأ قصته مع مربيتنا الجميلة ريونا وأخبركم من الآن هذا الثنائي سيأخذ قلبي مستقبلًا 😩✨..

بالرغم من أن ريونا لم تترك له مجالًا ليعرفها أكثر ولكن لنأمل أن تميل له مستقبلًا وألّا تعذبه كما تفعل روسيل بليونيد😄..

رجل الفصل بلا منازع هو فيليكس هذه المرة 😔، أحب مشاعره نحو روسيل ومنذ الفصل الأول كان هو المفضل لدي صراحةً🙏🏻..

بينما ميلو فقد يعود للظهور مستقبلًا، لقد أحببته😆..

أنهيت الفصل بتلك الطريقة كي لا نفسده، الفصل إستمتعت في كتابته لأن لا يوجد فيه إفساد كبير للمزاج لنترك الجزء الأكبر من إفساد للمزاج للفصل القادم 🌚..

مشهدي المفضل من الفصل هو مشهد ليونيد مع والده فاليري أحب علاقتهما حقًا😭😭🖤..

كيف سيواجه ليونيد روسيل وصفقتها معه هذا ما سنعرفه في الفصل القادم 😆🔥..

ماهو مشهدكم المفضل من الفصل؟

في أمان الله يا رفاق
All the love 🖤..
See you all soon 💋..

Continue Reading

You'll Also Like

147K 6.3K 12
هي تنقذ الأرواح، هو يسرقها. هي تضمد الجروح، هو يفتحها. هي تمطرها بالأمل، هو يمطرها بالرصاص. هي نقيه، هو ملطخ بالدما. عندما يجتمع الموت مع الحياة، فا...
7.1K 368 5
• كانت مسيحية و هو مسلم • • هل ستخالف قواعد عائلتها ام ستضحي بعشقها • "آبتسّمـَي فغمـآزتُك لـًم تخَـَلق عبَثآ " "انت امنية تمنيتها بداخل قلبي و اطلعت...
71K 5K 19
"سيدة جراي، هل تقبلين شراكتي؟" "لا." ~ رئيس عملها سابقًا، وطواقًا لِمشاركتها الكثير مِن الأشياء حاليًا. هڨين فتاةٌ تَسعى لِلوصول إلى مُبتغاها، لكنها...
324K 13.1K 21
-"في علاقتنا نحن أكرهك هي أحبك ولا أريدك هي أريدك، اذهبي هي ابقي وابتعدي هي اقتربي" -"فكرتك تروقني شيرني لذا أنا أكرهك" •••• في سبيل تحقيق انتقامها ك...