أحلام العصر

Od KimSaLVII

1.2K 101 257

حكايتي لم تكن قط تلك الحكاية التي تستحق الاطراء، لا حياة فيها وربما كانت تميل للبؤس حتى، ولكن كل شئ تغير عندم... Viac

إهداء و مقدمة
1- بداية التبجح
2- شيء من الواقع

3- ماذا يجري

48 5 9
Od KimSaLVII

يرجى عدم الالتفات لأخطائي الاملائية امرًا وليس فضلًا وخليك في أخطائك انت، ملكش دعوة بيا ... قراءة ممتعة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

القسم الاول
꧁ أحلام العصر ꧂
.
.
.

كنت أظن انني في مرحلة استراحة المحارب ولكن اتضح ان محاربي قد مات.

ولكن أوتعرفون؟ ..... مازلت أحارب بروحي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بعض المشاعر لا تُمحى، قد تتبدد ذكرى الموقف لكن تبقى فكرة وجودها محفورة في اللا وعي واللا مكان، تبقى فقط تحت مسمى العلامة والأثر ... وهذه الذكرى لن تزول عن خاطري.

لم يؤلمني عنقي المُنسحق تحت قبضتيه، رغم وهن جسدي ما آلمني هو المرارة في حلقي من وجع الموقف، لم أنطق حرفًا ولم أصدر همسًا، صرخت عيناي بكل ما أوتت من قوة حتى كادت تعمى.

ماذا فعلت؟ .. هل استحق هذه المعاملة؟ .. يا مَن كنت تُدعى أبي متى جمعت كل هذا الكره لي ..

لم يكن عنادي معه السبب وكان الوقت والمكان ضحية كما كنت أنا كبش الفداء بين يدي الجزار، ولم يوجد من تفسير سوى كلمة واحدة ... البغض ... أبي كان بغيضًا غليظ القلب !!

دفعني والدي بغضب ورحل يلعن اللحظات التي ولدت فيها، تركني لتنهشني نفسي بالاسئلة ويعصرني عقلي بالتفكير وتهاجمني الوساوس لأنهار كليًا بضعف عظيم.

خارت ساقاي ووقعت أرضًا، كدت افقد الوعي بين يديه الباردتين لكنه تركني في اللحظة الاخيرة ، أخذتُ الانفاس لهثًا، وكانت مشبعة بالسعال والإزدراد لفترة ليست بالوجيزة؛ لا على صدري ولا على عقلي الشارد.
وبعد أن هدأت انفاسي الثائرة جرح صدري الغائر لم يهدأ ...

ابكي نعم لكن ... في أحد اللحظات كان هناك شعور هائل بالثقل ... ثقل الحزن لدرجة ان العين الدامعة لا تكفي وكأن قنوات عيني لا تستطيع المجابهة، مهما كنت أحاول اطلاق سراح الدموع كان هناك قطرات واهنة لم تخرج بعد

قد يتسائل الكثير لمَ يفعل أب هكذا بابنته، حسنا انا ايضا كنت أتسائل...

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ركضت لغرفتي بسرعة ثم أغلقتها وفكرت في أطنان من الأفكار، لن أكذب حقًا تفكيري كان بشعًا ودائمًا ما أندم عليه كلما تذكرته ... كان نابعًا من الغضب، والغضب لا يندم عليه سوى صاحبه.

مع حزني المرير كان جسدي يسحبني كالمسحورة لأفعل عادة غريبة أقوم بها عند الانفعال، أدور بتشتت في حلقة لا تنتهي _كما حال عقلي_ وأنا أدك الارض من تحتي وأطرقها بعنف أحدث نفسي؛ ألهذا لم يقترب منه (كيان) في الحلم؟، لمَ لم يضربه ضربة بسيطة تعزيه عن مهاجمتي، ألا يحبني ذاك الجن أو أيًا كان ما هو؟؟
ماذا عن تأثيره على الناس، كما فعل مع استاذي الجامعي من قبل وجعله يعتذر ويتأخر عن الميعاد، لمَ لا يجعل والدي يحبني وإن استعصى عليه اذاه كما يؤذيني فقط يعطيه نفس ألمي لا أكثر..

وقفت عن الحركة وأخذت أنظر حولي بعشوائية في اماكن متفرقة ثم همست باكية: (كيان) لو أنت سامعني أ.....

قطعت حديثي وصمتُّ لبرهة قصيرة، أطرقت رأسي وزاد بكائي مدركة سوء ما كنت سأتفوه به ثم تنهدت وأردفت : أوعى تأذي بابا

كنت عدت لعقلي في تلك اللحظة السريعة، فيمَ كنت أفكر، الشيطان عبث بعقلي لأقول _بين نفسي_ أشياء لا أعنيها ولا أتمناها أبدًا، كيف أفكر في إيذاء أبي؟ كيف سيطرت عليّ هواجس سوداوية كتلك؟! قوة ونفوذ ذاك الكيان حقيقية ومخيفة وقد رأيتها بنفسي فكيف أتفوه بالحديث هذا وإن كنت لا أعنيه؟!

تنهدت مرة أخرى وأفترشت على سريري بينما اتفحص عنقي وأمسه بخفة وأدلك قدمي التي ارهقتها بإنفعالي من ثَم امسكت بمشرط ووضعت خطًا رأسيًا على مقدمة سريري الخشبي بجانب خمسين خطٍ آخر .. كل تلك الخطوط جروح ورضوض وألم.

تنهدت بوجع وزممت شفتاي، ولم اجد ما أفعله سوى أن أتصل بأكثر شخص يهون عليّ أمري .. صديقتي (حياة) ..

هي في الواقع خالة رفيقتي (ليلى) .. امرأة خمسينية تعمل بأحد الهيئات الحكومية التابعة لوزارة الثقافة، جمعتنا الصدف اول مرة منذ ثلاثة شهور في مكالمة هاتفية دامت لأكثر من ساعة لآخذ الأمر بشكل دوري كلما شعرت بالحزن؛ فأتحدث معها وأفرغ جوفي مما يؤرقه، وهي بالوقت نفسه تشارك معي علمها الواسع وخبرتها حتى صارت لي اعز صديقة، لدرجة ان لدينا أسماء مستعارة نسميها لبعضنا؛ هي طلبت مني ان اناديها بأسماء كـ(وايني) و(ڤوليم تي) و(لو بيم تا) وأخبرتني انها أسماء من الحضارات حول العالم وأنا طلبت ان تناديني بـ(الموكوسة) كاسم ووسم مكتسب في الوقت ذاته

هي امرأة شديدة الذكاء والحكمة بشكل لا أعتقد سأراه يومًا غير منها، حديثها الهادئ الرزين دائمًا ما يشعرني بالراحة، واسعة الثقافة فأسمع منها مختلف العلوم من كل حدب ولا أمل قط..

لم أقابلها وجهًا لوجه من قبل ولا أعرف شكلها لأن والدي لا يسمح لي بالخروج أو زيارة أحد ولكنها دائما ما تعوضني عن غياب أمي المتوفاة وتسمع لي وتخفف عني بالحديث.

حكيت لها كل ما حدث، بما في ذلك تفكيري وحتى جزء (كيان) فهي بالفعل تعلم بأمره وكثيرًا ما تخبرني أن تحقق أحلامي مجرد صدفة أو أبتكار من عقلي للخروج من واقعي ... هي انسانة منطقية وواقعية لذلك اعزي لها تكذيبها للأمر لهذا في المقابل أنا أحاول التغاضي عن الرد ، وبعد أن انتهيت زفرت هي بضيق وقالت:
انا فخورة بيكِ انك رجعتي عن تفكيرك بسرعة ... بس ... مش عارفة ابوكِ مش ناوي يجبها لبر ليه ... تحبي آجي أكلمه؟ أنا أكبر منه لو كان لسة عنده شوية من الرجولة ممكن يسمع مني

_متغلطيش فيه لو سمحت عشان دا والدي، وبعدين انا بجد ارتحت اني أتكلمت وخلاص كدا، شكرا يا ماما (حياة)
همست بنبرة غاضبة معاتبة ثم أبتسمت في الأخير ومسحت عبراتي

_ أنا موجودة عشانك في أي وقت يا عمري وبعدين انا قلت ايه قبل كدا؟!

قهقهت بخفوت وأجبت وكأنني طفلة تقوم بتسميع الدرس: اسمك (حياة) بس من غير ماما؛ لانك مش جاية تاخدي مكانها أنتِ هتبقي قريبة مني وبس

_ طب ما انتِ شطورة أهو أمال إيه الدرجات الهباب اللي بتجيبيها دي؟ دا درجات الحرارة أعلى منها

ضحكت بصوت عالِ وقد أدركت هدفها من تغيير الموضوع فأردفت بخبث: مش أحسن ما أجيب درجات عالية بالغش زي (كريم) ابنك؟ الدرجات الحرام ما بتدومش يا (وايني)

بادلتني الضحك ثم قالت: انا قلت ايه قبل كدا عن تبرير الاخطاء؟؟

ضحكتُ واعتدلت في جسلتي أكثر وهتفت بثقة:
تبرير الغلط بالغلط بيركبنا الغلط

_ نعم يختي!! لا ما عاذ الله يطلع مني كلام التكاتك دا .. انا قلت "تبرير أخطائك بقباحة أخطاء الآخرين يزيدها قبحًا"

زممت شفتيّ بطفولية وصحت: طب ماهي نفس المعني مش قلتي مش مهم احفظ والمهم ابقي فاهمة

ضحكت بصوت عالٍ ادخل مزيدًا من السرور لقلبي وأجابت: غلبتيني يا بنت الإيه ... خلاص ذاكري بقى وهاتي درجات عالية بالحلال

_ لو (كيان) وبابا سابوني في حالي أنا ممكن ابدأ اشوف لي حاجة غيرهم زي المذاكرة مثلًا

_ لا والله؟ طب إيه رأيك هتشوفيها ودلوقتي؟ا يلا حالًا على مذاكرتك يا أستاذة .. انا أصلا عندي ورق بالكوم عايز يتوقع، سلام.
ثم أغقلت الخط دون انتظار ردي ..

الحديث معها دائمًا لم يكن حتى مسكنًا للآلام بل عملية استئصال للحزن الذي يُزرع بداخلي، إنها المَسكن الآمن الذي أُرسل لي من السماء ... هكذا أراها.

ضحكت كثيرًا كالمجانين على هذا التحول الرهيب في مجرى اليوم بدءًا من تهديد دكتور (باسم نور) إلي الحلم الغريب الطويل إلي عراكي مع أبي ومن ثم حديثي المفاجئ مع (حياة) عن المذاكرة!!

أحلامي الآن تبدو منطقية أمام واقعي المليئ بالعبثية المطلقة!! ولكن كما قال العالم فرانك هيربرت " الكون الحقيقي دائما ما يكون خارج حدود المنطق بخطوة".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ماذا كانت تُدعي تلك الأيام ؟! ... نعم تذكرت إنها الحياة العادية، تلك الجميلة المملة الرتيبة التي تُشعر محبي المغامرة بالألم، والتي أحبها وأنتظرها بفارغ الصبر منذ أعوام

لأربعة أو لا ربما خمسة أيام لم يظهر (كيان)، لن أنكر الغرابة التي شعرتها لإختفائه وكأنه ينقصني شيء ما، لكن صدقًا يكفي رعب لبعض الوقت، لا باس أن أنال "فُسحة" كأيام المدرسة

اذكر حتى أنه اليوم التالي ليوم شجاري مع والدي _أول أيام اختفائه_ أنني أستيقظت سعيدة وكأنني أعلم أنه لن يظهر لفترة .

أثناء ذهابي للجامعة رأيتُ طفلًا ابتسم لي وقال: أنتِ جميلة أوي

غمرتني سعادة أكبر، إذن لست سيئة كما يرى والدي، لن يكذب الاطفال ابدًا، خصوصًا عندما يتعلق الامر بمدح الغرباء، كاد الصغير يترك يد والدته ويأتي لأحتضاني لولا إحكام أمه عليه؛ لقد شعرت بذلك، بفضل هذا الهِر الصغير أكتسبت طاقة كبيرة لن تعطيها لي السكريات، طاقة سحرية تسمى طاقة الكلمة الطيبة

مفعولها خارق وبفضلها لم تفارق الابتسامة وجهي طول اليوم إلا لبضع دقائق من الوقت للآخر بينما أنظر بإزدراء لـ(كريم) كلما مر من أمامي أو لمحته.

أثار ذلك فضول صديقتي (وفاء) و (ليلى) حيث داهمتني الأخيرة بإستغراب أثناء جلوسنا في الكافتيريا : مالك يا بنتي بتبصي لـ(كريم) من أول اليوم بقرف ليه

_ البيه قتل دكتور (باسم نور) وقال إيه عشان بيحبني، هي ناقصة عبط؟

نظرتا لي بإندهاش جمّ وصاحت (وفاء): هو مين دا اللي قتل دكتور (باسم)، انا لسة شيفاه الصبح!

ضممت يديّ بإعتراض: لا هو مقتلوش بجد هو قتله في الحلم بتاعي وأنا مش مسمحاه ليه يقتله!، إنتِ مش عارفة أنا اتعذبت إزاي، دا كان اطول حلم في حياتي.

تصلبت ملامح الاثنتين معا، بينما حكيت لهما الحلم بالتفصيل، بدوت لهما كالمجنونة وأنا رأيتني في قمة الصواب

_ إنتِ واعية الاول أنتِ بتقولي إيه؟؟ دا حلم يا ماما هو ماله، ذنبه أيه المسكين دا؟
همست (وفاء) بشبه وجه مصدوم من تصرفي فقلت بنوع من التذمر:

من الآخر موضوع الاحلام دا عندي شيء حساس ، ياريت محدش يستخف بيه قلتلكم أصلا معظم أحلامي بتتحقق

قالت (ليلى) بسخرية: طب مدام حساس وبتاع ، اللي حصل دا ملفتش نظرك لحاجة تانية؟

فكرت لثوانِ أو أكثر؛ (كريم) قتل دكتور (باسم) لانه يحبني ... قتله لانه يحبني ... قتل استاذه الجامعي من أجل الحب.

_ لا مش عارفة، هو إيه اللي يلفت النظر؟
قلتها بعد ثوانِ التفكير العميق، حينها حدقت كلتاهما في الأخرى في صدمة ثم عادتا للنظر لي مع وجه بارد عديم الملامح يوحي بالعتاب، ربما افسدتُ خلايا عقليهما بغبائي فعجز وجههما عن التعبير !!

أول من خرجت من حالة عجز البرمجة كانت (وفاء) حين قالت بنبرة غيظ:
أنا عارفة كويس إنك مش غبية وملامحك دي مش ملامح واحدة بتستغبى فـبالذوق كدا قولي شاربة إيه على الصبح عاملك الدماغ دي

_ أنا مشربتش ولا أكلت حاجة طول النهار، امال جاية معاكم الكافتيريا نعمل إيه

صاحت (ليلى): ايوة ايوة صح لازم نأكلها عشان تفهم احنا نقصد إيه

يعرفان أنني أحب الاكل كثيرا، لا يُظهر جسدي النحيل ذلك ولكنني آكل ما يطعم خمس مصارعي سومو من الوزن الثقيل دفعة واحدة.

طلبتا الكثير من الاصناف على حسابهما، وبينما اقتربت من نسف الأكل قاطعتني (ليلى) بأمل كبير: هاه فهمتي دلوقتي احنا عايزين نوصلك إيه

هززت رأسي وأنا أحشر في فمي المزيد من الطعام وامضغه فأكملت متابعة: احنا ملاحظين من زمان بس مش عارفين نجبهالك ازاي و...

قطعت حديثها عندما ادركت عدم انتباهي لها وصرخت باسمي لأنتبه فهمست بسرعة بعد قضمة سريعة: كويس انكم ملاحظين ... الطرشي هنا بقي حادق اوي

وكزتني (وفاء) فضحكتُ ثم تشدقتُ بجدية: كويس انكم ملاحظين من زمان، أعتقد بقي دلوقتي أنكم هتصدقوا أن احلامي فعلًا بتتحقق

_ يعني فهمتي أخيرًا ان (كريم) بيحبك
أردفت (ليلى) بإبتسامة

_ لا، أنا اتأكدت أن دكتور (ياسر) بتاع التشريح مغرم بيكِ يا (ليلى)
قلت ما دار بذهني اثناء تناول الطعام

كادت (ليلى) تعترض لولا تشتت (وفاء) بتلك المعلومة حيث فاهت بحماس: تفتكري ممكن فعلًا يكون بيحبها زي ما حصل في الحلم

أجبت بثقة: دا احتمال كبير، وبعدين هنروح بعيد ليه مش احنا علينا سيكشن تشريح بعد ساعة؟ خلينا نركز المرة دي معاه

صرخت (ليلى): انت بتهربي من الموضوع ليه، بنتكلم دلوقتي عن (كريم)

_ سيبك من (كريم) انا كدا كدا مش مهتمة إذا كان بيحبني ولا لا، خلينا نفرح بيكِ بس الاول ...

صمتت منزعجة من حديثي، فأردفتُ بغير اكتراث: مقولتيش عملتي إيه مع أهلك في الحوار اللي حكيتلنا عليه

انتبهت حواس (وفاء) عندما قلت ذلك وانتظرت الرد من (ليلى) التي طأطأت رأسها لأسفل في حزن وحاولت تغيير الموضوع بالحديث عن دكتور (ياسر شيمكي).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اليوم الثاني من إختفاء (كيان) كان مميزًا ايضا، رغم أنه أثبت حضوره ببصمة مميزة إلا أنه لم يزر حلمي يومها لذلك احتسبته من ضمن أيام الاختفاء.

كنت قد قررت الحضور لمحاضرة مادة لم احضرها من أول الفصل الدراسي لكونها مبكرة جدا بالنسبة لي، قد وقعت في يوم اتلقي فيه القليل من النوم فأستيقظ دائما وقد فوتها.. ولهذا في ذلك اليوم عقدت العزم مُصرةً على الحضور فنمت قرابة الساعتين فقط وأسيقظت فجرًا، صليت وبقيت مستيقظة لميعاد خروجي للجامعة كي لا أسمح لنفسي بتفويتها من جديد وصدقوني حقًا لم يأتي في بالي أن أنام باكرًا لأستيقظ بصحة جيدة ....

أرتديت يومها ملابس عُلقت خلف باب غرفتي لا أعلم منذ متى وهي موجودة هناك ولكن عقلي لم يكن معي بكامل وعيه ولم أرد إفساد الباقي من الوعي في التفكير بالملابس؛ اردت تخزينه للمحاضرة، ذهبت بعينيّ المنتفخة والشبه ناعسة أدَّعي كوني سليمة رغم ثقل عقلي وليس بالمعلومات طبعًا بل كان مثقلًا بالارهاق والتعب.

لم تحضر (ليلى) ذاك اليوم، كانت نائمة بهناء كما كنت قبلًا في هذا الوقت من الاسبوع غارقةً في أحلامي الجميلة أفعل شيئًا خارقًا للواقع ومعي (كيان) يُأمِن على ما أفعل بترحاب ومحبة ... حضرت (وفاء) معي والتي يتأكد كل ظفر مني أنها لم تغب يومًا عن تلك المحاضرة، جلست برفقتها منتظرة دخول الدكتور الذي سيشرحها داعية الا تنغلق عيناي بلا رجعة .. يمكنني دائمًا رؤية بعض النائمين هنا وهناك أثناء المحاضرات ولا أريد أن أتبعهم

دخل رجل عجوز يتوسط الصلع رأسه مع بعض الشعيرات_إن صح التعبير_ شديدة البياض على جانبيها، كان يرتدي بذلة للون لم افهمه قط ولا أستطيع تحديده؛ درجة رديئة لمزيج من البني والبيچ والزيتي معًا، وقف موجهًا نظره لنا لأتبين أكثر ملامحه ... قد كان (كنتاكي)... أنا لا أمزح لقد كان أشبه بالرجل الشهير في سلسلة المطاعم المشهورة وحتى وجهه كان أحمرًا وشديد الصفاء!!! مع لحية تشبهه لحد كبير لدرجة منعتني من السؤال عن أسمه الحقيقي لأقتناعي التام بمعرفتي المسبقة للأسم ...(كنتاكي)...

دكتور (كنتاكي) بدأ المحاضرة دون مقدمات، كان بارعًا وإستهلها إستهلال كاتب يُحمس قارئيه على المتابعة ويشوقهم للقادم من التفاصيل، منذ أول جملة قالها وقد إستُثير عقلي ونشطت فجأة ... أعتقدت أنني بدأت أعجب بالمادة العلمية.

وبذكر التفاصيل .... تلك التفصيلة التي لاحظتها عيناي وبدأت تتحفذ فجأة عكرت عقلي وتفكيري .... يده اليمني كانت تهتز وترتعش طيلة الوقت ولا تهدأ إلا عندما يسندها على مكتب منصة الشرح أو يمسك بها القلم _لانه كان أيمنًا_ ليكتب علي السبورة كلمة تستعسر علي باقي الطلاب كتابها أو فهمها دون رؤيتها!!

لا ادري لمَ بدا لي أنه يضغط على نفسه بجهد عصبي زائد عن الطبيعي المعتاد لنا ليكتب بتلك اليد، ربما ليس جهدًا متعبًا وربما حتي لا يذكر وكانت يداه فقط تحتاج ما ترتكز عليه لتمنع تلك الرجفات المختلة، وحتى أن خطه لن يُبين للناظر الجاهل بحاله أن تلك اليد بها خلل عصبي ما، خط الاساتذة معروف بالبعثرة إلا انني لم أجد مني إلا ترجرُج عيناي بالدموع دون شعور وأنا انظر له بشفقة ووجه تصلب من الصدمة ولا يتحرك فيه إلا الدموع الجارية

مسحت دموعي وهمست لـ(وفاء) دون أن يلاحظ: هو ... هو كدا من زمان؟!

زمت شفتيها تسترجع ردة فعل الجميع في أول مرة وصدمتهم، لم تستغرب حالتي _ وإن كنت الارق وبكيت لحاله_ وقالت: من أول محاضرة لما دخلنا وهو كدا وسمعنا أن الحالة دي عنده بقالها سبع سنين

رجعت دموعي تنهمر بحزن وشفقة وأنا أمسحها بوهن غير مبرر ... حتى الفتى الوسيم الجديد _ الذي كان يبتعد عني بمقعدين وضعا للفصل بين الفتيات والفتيان _ لم يكبح فضوله وسألني: آسف على التدخل بس أنتِ كويسة؟! بتعيطي ليه

أستغربت وجوده بقربي كنت بنصف عقل في البداية ولم أرى أمامي سوى صديقتي، لا أعلم مَن جانبي ومَن خلفي ووسط صمتي الذي أفكر فيه ببطئ شديد واستيعاب ابطئ أجابته (وفاء) ساخرة مني: ماهي بتعشق العياط وخلاص، يعني كلنا قلنا ربنا يشفيه إلا الاستاذة قاعدة تعيط عليه وكأنه كان ابوها

لم أكد أرد لأجد (كريم) من جانبه يهتف فينا وهو يضم ذراعيه أمامه على المساند الخشبيه التي نكتب عليها ويضع رأسه بنعاس: هش بقي كلكم بطلوا رغي الواحد ميعرفش ينام مرتاح في المحاضرة براحته خالـ..

لم يكمل الجملة ووجدناه غط في نوم عميق!! لقد كان مثلي أنا و(ليلى) لا يحضر المحاضرات إلا للضرورة القصوى وهذه المحاضرة المبكرة شابهت زميلاتها التي ينام فيها براحة ضمير

أعدت نظري للدكتور (كنتاكي) أحاول التركيز مرة أخري، كذلك فعل الفتى الوسيم بل وزاد تركيزه عليه...

شرحه ممتع ولكن تخطي أمر يده اليمني كان صعبّا عليّ، من الجيد أنه لم ينظر لي ليري نظراتي المشفقة، كنت في الصفوف الاخيرة التي لا يُلتَفت لها كثيرًا وهذا دائمًا ما كان يساعدني في التخفي.

في النصف ساعة الاخيرة من المحاضرة شعرت بذلك الشلل والنعاس الذي يسبق الاغماء التام عن الواقع ثم افقت فجأة وكأنه لم يأتِ، صدمت مما حدث ولم أفهم السبب أو ماذا يجري لي؟!!

نفضت الافكار المشتتة من رأسي وعدت للتركيز في المحاضرة ، دكتور (كنتاكي) كان يستمع لأسئلة الطلاب ويجيب عليها مشيرًا للسبورة ثم .... توقف فجأة ونظر ليده ... تجمدت أوصالي كما تصنم هو ... يده توقفت عن الارتعاش!!

بحلق وحملق وحدَّق وثبَّت نظره بصدمة ليده ثم بدأت الدموع تنساب من عينيه تباعًا، بكي الكهل أمام عشرات الطلاب وبدأ يحمد الله بلا توقف وهو يبكي بصوتٍ عالٍ كمَن نجا من الغرق.

بدون شعور بدأت اصفق فرحًا كالاطفال أو المجانين أظن وتبعني الجميع وتعالَ الصفير ... جميع الذين في قاعة المدرج يهللون بإنتصار وفرحة … لقد تعافى!! تعافى من مرض أصابه لسبع سنوات !!

ذاك الشلل الذي أصابني كان إشارة حضور (كيان)، تلك كانت لمسته لذلك اليوم ...

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في اليوم الثالث من الاختفاء ...

أستيقظت صباحًا في تمام السادسة على غير العادة؛ لم التقي في الحلم ظلي الدخاني المتطفل تلك المرة أيضًا، لاحت خاطرة دكتور (كنتاكي) في ذهني، كانت ما تزال بقايا آثار الفرحة والصدمة عالقة بخلدي، أظنني عندما أكبر سأحكي لأطفالي عن الاستاذ الجامعي الذي تعافى من مرضه بفضل الظل الذي يزورني في أحلامي...
في نهاية المطاف كان سببًا من أسباب الله في الارض لشفاء رجلٍ عانى الكثير

شعرت بالامتنان لـ(كيان) حقًا ، لأول مرة أود أن آراه وأشكره بصدق ، إبتسمت بسعادة غامرة بينما أرتب غرفتي وأدندن بصوتٍ خليط بين خنزير يضحك وأنثي وطواط تلد ... أحب تلحين الاشعار العربية القديمة ودندنتها من الحين للآخر وأكاد أقسم لو اني كنت موجودة في تلك الحقبة وأسمَعت الشعراء أدبهم لأعتزلوا الادب.

لا شيء مميز لأحكيه عن هذا اليوم، أردت فقط الكتابة عن شعوري بالامتنان فيه ولا يوجد ما يستحق الذكر، فقط ملل وتنظيف ورتابة ومشاحنة بسيطة جدا مع أبي أسفرت عن تورم ساقي اليسري فلم أذهب للجامعة ... لا شيء يُذكر ... لا شيء يستدعي القلق أو التفكير ...

يمكنني دائمًا تخطي هذه الاشياء البسيطة لن أصنع مناحة، إن تحتم علي المرء القتال فليقاتل ليصبح سعيدًا ... ذاك منهجي ... تبسيط العُقَد وتخطي العقبات وتبرير الاشياء من أجل السعادة.

لا تجرؤ وتدعوها سلبية أو معيشة وهمية، السر في المشاعر هو أن تشعر بها لذلك لا بأس أن تخدع عقلك ليشعر كما تريد وبأسبابك التي تضعها ... بعض العقد ليس لها حل سوى ان تتركها وتمضي في الحياة متخطيًا إياها

سؤال واحد فقط هو ما يستوقفني ... هل التخطي إنتصار أم هروب من المواجهة أم ترياق للنسيان الضمني ... ربما لن أعرف أبدا ايهم الاجابة.

التفكير مرهق كم تمنيت أن أولد قنديل بحر؛ لا يملك قلبًا ولا تساوره المشاعر ولن يعرف حتى أنه هناك خطب فليس للقناديل أدمغة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_قدامكم خمس دقايق يا حضرات تجهزوا كل ادواتكم وترتبوا نفسكم لأن فيه امتحان مفاجئ

هناك شيءٌ ناقص في جملته، آآه نعم ... نسيّ صباح الخير ... كانت هذه هي افتتاحية رابع يوم من الإختفاء مع دكتور (أحمد شُكر)، دخل ولم يلقي السلام حتى وأخبرنا بإمتحان مفاجئ

صاحت (ليلى) وهي تخرج بعض الاقلام بهلع وصوت مرتعش:
امتحان!!؟ يعني إيه امتحان، هي الحاجات اللي بناخدها دي ينفع تتكتب وتتحط على ورقة

_ أكيد مش عليه درجات وبيحاول يخوفنا إهدي شوية ... انت خفيفة كدا ليه ما تتفائلي شوية.
ردت (وفاء) بهدوء وتفائل يخرج منها وكأنها شلال قوس قزح ... أتعرفون ما المضحك؟ (وفاء) لا تتفائل ابدًا وهذا وحده مؤشر يدعو للذعر، ألم أخبركم أنها تشبه (شفيق حبار) تمامًا.

لوهلة كدت أصدقها؛ الدكتور في آخر مرة بدا مثيرًا للشفقة عندما سيطر عليه (كيان) وجعله يتأخر _وهو الاكثر انضباطًا _ ويقول أشياء غريبة دون قصد وكأنه آله، لم أستبعد أنه يحاول بث الرعب فينا حتى يسترد هيبته من جديد بين الطلاب، طالما كان دكتور (أحمد شكر) أستاذًا جامعيًا كما تقول المعايير، ملامح جادة صارمة وهيئة تدل على قامة علمية كبيرة، حتى ربطة عنقه تقول هذا حاصل علي الدكتوراه

لكنه...
صدم جميع المتفائلين حين صرّح بكل جدية:
أتمني من الكل يحط كل تركيزه في الامتحان لأن اللي مش هيعدي النص هياخد صفر في أعمال السنة من قبل حتى ما يمتحنها

أخذت (ليلي) تنوح بيأس: الله يخربيتك متتفائليش تاني يا بومة منك لله إيه اللي خلاكي تتفائلي

صفر من أربعين !! تحت أي قانون هذا، أعلم أن الاساتذة يوزعون درجاتهم كيف شاءوا لكن ما هذه الطريقة ...

لأختصر هذا الهلع إليكم ما حدث سريعًا...
وُزعت الاوراق، تم الحفاظ على مسافة كبيرة نسبيًا بين الطلاب تمنع حتى ان يسمع الطالب صرخة زميله جانبه، الوقت المحدد للأمتحان هو: ستون دقيقة، الكل منكب علي ورقة امتحانه، كان صراعًا للبقاء ومنافسة بين البعض للإخلال بجزء من القيم الاخلاقية.

بعد قرابة الثلث من ساعة هزمني العرق الذي تزاحم علي جبهتي ويداي من شدة التوتر والسرعة في الكتابة ، لم أذاكر لهذه اللحظة المخيفة، كنت أحاول جاهدة أن اكتب كل ما أعرفه إلا أن ما حال أمامي بعد مُضي العشرون دقيقة هو الأحرف التي تتراقص وتهتز على الورقة فجأة!! فركت عيناي عنيفًا ظنًا مني انه من فعل التوتر، لكن كلمات الورقة بدأت تختفي؟!!!
قلت متهكمة في صوت خفيض : إيه يا دكتور انت عامل امتحان بيتشاف بقيته بالاشعة السينية ولا إيه؟

_ يبدو الأمر صعبًا ... هل خريطة الحرب معقدة
همس صوت أنثوي ناعم في اذني

نظرت بسرعة تجاه الصوت ولم أجد أحدًا ينظر لي، مازال الطلاب يتحاربون مع ورقتهم ، غريب كان الصوت قريبًا جدًا وكأنه على كتفي

الصوت من جديد بغضب: ما الأمر يا أسيرة أجيبي، هل خريطة الحرب معقدة ، لا وقت للتيه !! هيا وإلا أرسلتك لزعيم النمل الأحمر

_مين بيتكلم ؟!!
همست وانا احاول النظر حولي دون تحريك رأسي كي لا يُظن أنني أغش

هبطت نملة فجأة على ورقتي!! ... فركت عيناي من جديد وهبطت برأسي لمستواها على سطح الورقة أحدق بذهول ، حجمها ليس صغيرًا تكاد تصل لحجم حبة الموز الصغيرة!! وكان لها عوينات جميلة براقة وجسد كـ... كالنمل كما تعلمون.

_أنا القائدة (نملية) يا متخاذلة كيف تجهلينني

_أ.. أنا ... أنا مش فاهمة حاجة ... بس أنا متأكدة أني منمتش أنا مش بحلم صح؟
صحت بضياع وأنا أقرص نفسي عدة مرات لعلني أستفيق

_ بالفعل لست تحلمين ... أعلم أن كل شيء جاء سريعًا، لكننا أهل نتائج ولا نقبل بالاعذار ولهذا أخبريني متى تنوين الانتهاء من رسم خريطة الحرب التي طُلبت منك؟

أخذت شهيقًا عميقًا ثم صفعت وجهي علَّني استفيق ... لم تختفي النملة وظلت تنظر لي بإندهاش شديد مما فعلت، تجاهلتها وعدت للكتابة في ورقة الإمتحان على آثار ما اتذكره من الاسئلة، وعندما أعترضت طريق يدي أزحتها برفق هامسةً: بصي سيبيني أحل الامتحان دا دلوقتي وبعدين هرسملك خريطة الحرب وخريطة العالم وخريطة اطلانتس فوقيهم كمان

ظهر فجأة مجموعة كبيرة من النمل يقفون على أربعة أرجل فقط ويوجهون سيوفًا _ لا أدري كيف امسكوها _في وجهي

_ أنتظر أوامرك يا قائدة
صاح أكبرهم بلؤم وإبتسامة خبيثة

قالت وهي تشير لهم بإنزال سيوفهم: أتركها يا (رعدي) أريد أن افهم لماذا تتصرف هكذا

همست بتهكم بعدما تملكني اليأس في فهم ما يجري: شنبك دا ولا شجرة توت

نعم كان نملة ذكر بشارب عريض كث وجسد كريستالي عضلي يشبه بالضبط باقي زملائه لكن أكبر قليلًا .

قالت (نملية) وهي تضحك وتخبئ فمها بأحدى أرجلها:
أضحكتني يا متخاذلة، لم يضحكني أحدٌ منذ مدة

ثم تابعت بنبرة حكيمة: حسنًا أدرك ضياعك فلتسألي ما شئت ولكِ مني الإجابة

زفرت بإرتباك: هو إيه اللي بيحصل!!

أجابت بهدوء ونبرة حزينة: الحرب ما يحصل ... حرب الحشرات تستنزف جيش النمل العظيم، وكم من معارك انتصرنا فيها ولكن رجعنا بملايين الضحايا، لهذا نحتاج لخريطة بأماكن تمركز كل الجيوش ومن بعدها نختار ... إن وجدنا منفذ يُبعدنا عن الجميع نختار أُمتنا ونترك الحرب بغنائمها، وإن لم نجد عدنا للحرب متقدمين خطوة بعنصر المعلومات

_وأنا مال أمي!!

(نملية) ببسمة صغيرة : ألم تمر كلمة أسيرة علي مسامعك؟ ... لقد أخبرنا العلماء أن العمالقة يستطيعون روية أرض الحرب كلها، لهذا احضرناكِ لترسمي لنا كيف تبدو

هتفت بغيظ وحاجبان مقلوبان: هي مين دي اللي عملاقة؟ دا الصيدلي وأنا بوزن بيحط رجله على الميزان جدعنة منه عشان يزودني كام كيلو.

ضحكت (نملية) من جديد، ليس عليها حرج مهما بلغ نضجي أو ذكائي افقد ثلاثة ارباعه في أهم المواقف دائمًا، ظلت تضحك بشدة حتى أدمعت ثم قالت والضحكات تلاحقها:
لا لا ... لم أقل أنك سمينة ... يا إلاهي سأموت من الضحك ... انظري لحجمك وأحجامها، قصدت فقط مقارنة بنا _صف الحشرات_ تكونين عملاقة، لكنك مثالية وجميلة مقارنة ببني جنسك وخفيفة الظل ايضًا

حممت بحرج: آه شكرًا

_العفو ... هلا تقومين الآن برسم الخريطة!
قالتها وهي تعقد يديها أو رجليها المليئتان بالشعيرات الصغير

_بصي يا استاذة نملة أنا...

قاطعتني: إنها (نملية) لا نملة، ولست أستاذة بل قائدة جيوش النمل العظيمة

تابعت بسرعة دون أكتراث: أيًا كان ... دلوقتي انا وسط امتحان وطلاب ودكتور شوية وهيطلع نار من بؤقه!! مش فاضية خالص ارسم خريطة! وأقولك على الكبيرة؟ لا مش شنب الجدع اللي جمبك ده، انا مبعرفش أرسم اصلا ومش هرسم لكم حاجة

صاح ذاك المدعو (رعدي) في ثورة عارمة وهو يستل سيفه: هذه العملاقة تخطت الحدود، إن لم تكن معنا إذن هي ضدنا، يجب القصاص من الاعداء في أرضنا كما تنص الأعراف يا قائدة

أوقفته (نملية) بإشارة منها وهي تنظر لي بريبة ثم قالت في حدة:
أحافظ على هدوئي معك يا متخاذلة منذ البداية، أما أنت فتصرين على المزيد من الهرطقات!! عن أي امتحان أو طلاب تتحدثين لا أحد منهم هنا، لقد تخلى عنكِ بنو جنسك وإن لم تتعاوني سأضطر لتأييد رأي (رعدي)

_مش ذنبي أنكم قصيرين، الطلاب موجديـ...
رفعت رأسي في نية لأن أشير للطلاب في قاعة المحاضرة فإذا بالمدرج خالي تمامًا من البشر، رأيت الحشرات تحوم في كل زاوية وكل ركن !! وبين كل صنف منهم أسوار عملاقة بعض الشيء تفصل كل نوع من الحشرات عن الآخر ...عجز عقلي أمام هذا المشهد الخالي من البشرية والمليئ بالأجنحة والأرجل والأهداب!!

علَّقت (نملية) بتساؤل: هل ترين أرض الحرب الآن؟ ...أخبرينا بسرعة كيف تبدو!؟

أخذت وقتًا أُمرر عيني على كل النواحي، فقدت الاستيعاب لبرهة مع كل هذه الحشرات حولي، لم أشعر بالخوف بل الذهول!! ، أحببت توًا تلك الورطة التي علقت فيها؛ أحببت أشكالهم وعشقت تجمعاتهم وجذبني كثرتهم، ولكن ما الذي يجري، هل (كيان) مَن يفعل ذلك ألا يستطيع مرة أن ينتقي أوقاته؟

أعادت (نملية) جمتلها في عصبية: كيف تبدو أرض الحرب يا متخاذلة؟!

قلبت ورقة الامتحان في لهفة وحماس شديد، بدأت أخط الكثير من الخطوط المتعرجة والدوائر وأكتب داخلها أسماء الحشرات ... هنا جراد ... هذا نحل ... تلك بق ... ذاك خنافس

وجدت يدي تكتب من تلقاء نفسها ولم أشعر بنفسي إلا وقد اضفت بعض المعلومات التي تخص الحشرات المذكورة!!

وكأني بذلك أعطيت لـ(نملية) فرصة خلاصها... لمعت عويناتها بإنتصار وهي تنظر لما رسمته ولمع في نواظرها الجميلة خطط حربية وأحلام عديدة عن هزيمة ساحقة لباقي أصناف الحشرات، لكن فجأة بدأ يتجمع حشد كبير جدا من النمل يتزاحمون حولي ويصعدون جسدي ...
من الصدمة لم أقدر على الصراخ، في أقل من بضع ثواني كادوا يغطون جسدي بالكامل

صرخت (نملية) فيهم: ماذا تفعلون، توقفوا بأمر من قائدتكم

داهم (رعدي) صراخها على كتائب النمل ببرود:
آسف يا قائدة الأوامر تقضي بالتخلص من العملاقة عند الحصول على الخريطة، لا مكان لغريب بين صفوف النمل

_أوامر مَن؟ وكيف لا أعلم عن هذه الأوامر

_أوامر الملكة (آنتي) ... علمت ملكتنا الحكيمة أنك لن تقبلي بذلك فأعطت الأمر المباشر لي

_تلك الساقطة كيف تجرؤ على فعل ذلك!!

أمسكها ثلاثة جنود من جميع ارجلها عدا التي تقف بهما

_أنتِ عظيمة يا (نملية) أنا حقا احترم حِنكتك الحربية، لكن لن اسمح مهما حدث بإهانة ملكتنا.
قالها (رعدي) الغثيث بخبث يحتل محياه

أخفضت (نملية) رأسها بإستسلام ثم حدقت على مد الافق، كان النمل قد غطى كامل جسدي عدا عيناي، نظرت حيث نظرت فرأيت كرة ضبابية صغيرة تطوف في الهواء!! كانت تلك الكرة تشبه (كيان) بالضبط بإستثناء لونها الازرق النيلي!!

_احيـــــــــه
هكذا صحت حينما رأيته

(نملية) بعلو صوتها: اتركها تستفق الآن لقد أصبحت لعبتك سخيفة

اهتزت الكرة اهتزازة صغيرة ثم تبخرت كالدخان من بعدها أختفت الحشرات كلها وظهر التلاميذ من جديد، عاد كل شيء كما كان سابقًا إلا عقلي! لقد فقدت جزءًا منه، لم أكن نائمة وأستيقظت لقد حلمت وأنا مستفيقة وكل ما حدث معي كان واقعيًا بدرجة لم اشاهدها في حياتي، أوشكت على الجنون أو ربما أنا في آخر مراحله.

شرودي الذي دام لدقيقة كان ليطول إن لم يقاطعه الدكتور (أحمد) وهو يأخذ ورقة الامتحان...

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

انتهي الفصل
مرحبا معك .... لا تهتم
سأترك هذا الفصل وأهرب دون حديث رغم أن لدي 650 كلمة

Pokračovať v čítaní

You'll Also Like

169K 10.5K 47
Elizabeth has been ruling her kingdom for 3 years now. She's gone through countless advisors in those 3 years. When she's finally ready to give up on...
149K 5.7K 31
An alternative ending where Eiji saves Ash at the last minute before bleeding out. Since he's powerless in a wheelchair he has help, of course.
2M 98.9K 37
Presenting the story of ISHIKA MEHRA Whose innocence made the king bow down to her AND ABHIRAJ SINGH RATHORE Whose presence is enough to make the per...
531K 10K 31
(𝕂𝕝𝕒𝕦𝕤 𝕄𝕚𝕜𝕒𝕖𝕝𝕤𝕠𝕟) ═ Tʜᴇ Sᴛᴏʀʏ ᴏғ ᴀ ᴡᴇʀᴇᴡᴏʟғ ɪɴ ᴛʜᴇ ᴍʏsᴛɪᴄ ғᴀʟʟs ɢʀᴏᴜᴘ ᴡʜᴏ ɢᴇᴛs ʜᴇʀ ʟɪғᴇ ғʟɪᴘᴘᴇᴅ ᴜᴘsɪᴅᴇ ᴅᴏᴡɴ ᴡʜᴇɴ sʜᴇ ғɪɴᴅs ᴏᴜᴛ ᴛʜᴇ ᴍʏᴛ...