حَتى تُشرِق مِن مَغرِبها

By is17rr

223K 18.2K 15.1K

يؤسِفُني انه في الوقت الذي كُنتُ انظر لكَ فيه على انك مُعجزةً ما جميعُ الاهلِ والاصدقاء الشمسُ والقمر الفجرُ... More

1-طيفٌ زائِل
2-البريد
3-طريحُ الشوق
4-رفيق الباب المجاور
5-قائمة الامنيات
6-لائحة امنياتي
7-سمكتي ذهبية اللون
8-نفحات مِن الماضي
9-تَنمُر
10-هدية مرفوضة
11-نادم
12-البصارة والفتاةُ الصهباء
13-اُمنيتي الأُولى
14-إرسُمني جونغكوك
15-عِراك
16-سجين
17-هروب
18-نَفس
19-نَدبة
20-كفالة
21-فريزيا
22-مُقلتاي
23-لأنَك أحببتني
24-عِناق
25-مُحاكمة
26-حتى الأزَل
27-خائِب
28-تجاهُل
29-آخِرَ مكاتيبي
30-الحَقيقة
31-كاذِب
32-أَنانِيّ
33-خَشبة المَسرح
34-عَبَقُ ذِكراك
35-دَنِف
36-انتَ وأنا
37-عَتيقُ ليلانا
38-تَلاَق
39-ثَمِل
40-ليلَ قَلبِهِ وغَيثُ عيناي
41-تَهْويدة
43-لنهايتنا بداية يا شَمسي وقَمري
آراء..

42-مَنسي في كَنَف الشجون

4.3K 318 633
By is17rr

ماذا لو عاد معتذراً ومعه بارت من 7600 كلمة؟

-

ادريان..يأتي البحر كُل ليلةٍ يقتاتُ الدُجى
يُحدقُ في الفُلكِ بعينيه الذاوية
ويفكر..كم ان صديقهُ كان نبيلاً!

فقد كان يَعلمُ ان ادريان يُحبُ الليل بعمق
ويجدُ بالليلِ اُنستهُ وسكينَتُه
فما ارادهُ ان يكرهه
لهذا دائماً ماكان يرحلُ عنهُ في وقت النهار..

المرةُ الاولى مُغترباً
والمرةُ الثانية قتيلاً

لم يعُد لادريان موطناً يؤويه
فحين خانه من على الارضِ قبل سنينَ انقضت،شعر بأنهُ صار مُغترباً عليها
فلجأ الى البحرِ..واتخذهُ موطناً يلوذُ اليه
ولكن حتى البحر قد خانه!،حين اعان قاتل خليلهِ على الهرب
فعاد مغترباً مرةً اخرى ، عاد مخذولاً مرةً بعد
اين عساه ان يمضي الآن؟
ينظرُ الى نجوم هذا الليل ويسأل..
هل السماءُ تستقبله؟
ام ان عليه معايشة هذا الشعور بداخله
الى ان يقتلهُ او يُقتل عليه؟

-

في زاويةٍ باردة..اجلسُ انا
البردُ يحاوطني..وكم اكرهُ البردَ انا!
صندوقٌ مهجورٌ..يحويني
اُلقيتُ هُنا ونُسيت..منذُ عامينِ مَنسيٌ أنا..

طيفُك يجلسُ قُربي يؤنسني

يمسحُ دموعي تارةً ، وتارةً يُبكيني

اقصُ عليه قصصاً شتى خوفاً من ان يملّ مجاورتي ويرحل
ارتجلُ القصص والحكايات..اكذبُ في الكثير من المرات
كما كنتُ افعلُ سابقاً ، لأراك تضحك

"وقد غَضبت والدتي بشكلٍ كبير آنذاك وصرخت في وجهي موبخةً إياي على خروجي من المنزلِ دون علمها فَقد جزع قلبها خوفاً من ان يكون مكروهاً قد حَل بي.."

تحدثتُ الى طيفك عن ماحدث في مُخيلتي وانا اضمُ ساقاي الى صدري
واكملتُ بصوتٍ ضعيفٍ اقول
"ولكن والدي تدخل في مابيننا وطلب من والدتي ان لا تصرخ بي مرةً اخرى وإن كنتُ قد اخطأت فهناك طرقٌ عدة للتعامل مع الامر غير الصراخ.."

سَمِعتُ صوت معدتي الجائعة فحاوطتُها بيداي اُصمتها
ليس وكأنني لم آكل شيئاً منذ مدة طويلة،انها ثلاث ايام فقط إن لم اُخطئ

لا أدرِ فالشمسُ لا تزورني هنا،لاشيء ولا احد يفعل

هناك نافذةً صغيرة في أعلى الجدار يدخل لي من خلالها الهواء
ان شعرتُ بأن زنزانتي باردة فأعلم انهُ فصلُ الشتاء
ان شعرتُ بها تخنقني فأعلم انهُ الصيف
ولكنني لا اعلمُ الوقت من اليوم ، هل فجراً ام في عمق الغسق
لا أدرِ حقاً..وكم اودُ ان ادرِ

"لما تضحك..لقد حدث ماقلتُهُ فعلاً"
تحدثتُ وانا ممتعضٌ منك كونك قد ضحكت مشككاً في قولي وكأنني اكذبُ فيه!

وقد قررتُ مخاصمتك بإسنادي لوجنتي على رُكبتاي مُغمضاً عيناي المتعبة
وقلتُ قبل ان يسرقني النوم لشدة التعب
"هذا ليس مضحك..امانيَّ ليست مضحكة..لن احادثك بها ثانيةً جون"

فتحتُ عيناي بعد نومي لمدةٍ لا اعلمها
حين سَمِعتُ صوت احتكاك الحديد في الارض وضربةُ تنبيه على الباب
فنظرتُ بعينان جائعة الى ذاك الطبق الذي تم ادخاله لي من اسفل الباب ومن ثم اُعيد اقفال الباب الصغير من جديد

حبوتُ بلهفةٍ نحو الطعام وفي اللحظة التي وصلتهُ فيها بدأتُ احشو فمي بالخبز ممسكاً طبق الحساء في يداي النحيلة اريقهُ في فمي الممتلئ بقطع الخبز
مُسبلاً جفناي عند مضغي للطعام..فإني افتقدُ هذا الشعور

اكملتُ تناول طعامي البارد بهمجيةٍ ولكن تركت الطبق من يدي ورحتُ التقط علبة المياه القديمة المُلقاة في زاوية الزنزانة وشربتُ منها بسرعة ابتلع مافي فمي راجعاً الى عند الباب

رفعتُ كفي النحيفة اخبط على الباب منادياً اقول
"انتظر....هَل لي ان اعرف ماهو اليوم؟"

أعدتُ الخبط على الباب اناديه بعالي صوتي ازعجه وانا اكررُ سؤالي على مسامعه ، حتى عُدتُ خطوةً الى الوراء حين فُتِح الشباك الصغير لتظهر لي عيناه الغاضبة يسألني
"ماذا تريد!؟؟"

ابتلعت ريقي اقول
"أعلمني ماهو اليوم؟"

لانت نظرة عينيه الخبيثة يجيب قبل ان يضحك
"انه اليوم الذي لن تخرج فيه"
ومن ثم اعاد اغلاق الشباك لتختفي عيناهُ عن ‏مرأى عيناي

"لعين"
همستُ بها أعودُ واجثو امام طعامي آكل منه وانا احاولُ ابعاد شعري عن وجهي..فقد امتد على طول عنقي كوني لم اقصُه طوال العامين الماضيين

ان الشيء الوحيد الذي تكرم عليّ به حارسُ زنزانتي
اخبارهُ لي بأنني مكثتُ هُنا طوال هذه المدة

ولم يخبرني بهذا شفقةً عليّ وانما ضحكَ في احدى المرات قائِلاً من وراء الباب بعد سؤالي لهُ عن المدة التي انقضت عليّ في السجن
"ولِمَ انت فضوليٌ لهذا الحد لمعرفة كم مكثت هنا؟..إن لا احد ينتظرُ خروجك من هنا حتى ، ولا احد غيري يتذكر وجودك في هذا المكان
وانا لستُ الا مُكلفٌ بهذا..
عامين قد مرا على اسرك هُنا..ولم يسأل عنك سائل!"

في ذاك الوقت ، ماوجدتُ في حديثهِ شيءٌ يضحكني
ولا ادرِ مالذي اضحكه ، كان يقهقهُ مُحادِثاً زميله ويسخران
في حين اني كنتُ اجلسُ في مُنتصف السجن متبعثراً
مُلقٍ يداي في حجري ، وادندنُ بكلمات اغنيةٍ عتيقة، وآهٍ كم اهوى العتيق

"أنتَ قُلتَ وداعا..
وانا أحسستُ بالغربة..
بإنتهاء كل ماكان بيننا..
بتحطم حكايتنا..
إني ابكي في صمت..
إني ابكي بداخلي..
إني ابكي بلا أمل..
لانك لست هنا بجواري..
لأننى أعرف اننى لن اراك مجددا..
لانني الآن وحيدٌ تماما..
لو انك استطعت ان تراني الآن..
لكنت طويت الفراق وجلست جواري..
ليت احدهم يخبرني ان كل هذا ليس الا حلماً..
أيا صاحبي..
فقط لو بإمكاني الحصول على بضع لحظات معك غداً..
فقط لو بإمكاني التخلص من كل هذا الشعور بالمرارةِ والألم..
فسأفعل أي شيء لاجعلك ترى انني مازلتُ في عُمقك
أنا ابكي في صمت..
أنا ابكي بداخلي..
انا ابكي بلا أمل..
لانك لستَ هُنا بجواري"

كل ما أفعلهُ بين الاربع جدران تلك هو الغناء بصوتي الرث
بعد ان جفت دموعي في الزاوية هناك حين وصلني خبر موت آلبرت

آلبرت الذي رافقني وغض بصره عن قبح افعالي
الذي كان يشاطرني غربتي ،وحاول ملئ فجوة وحدتي
اعاد لي صديقي..احضر لي شيئاً منه..في الوقت الذي لم افتح فاهي فيه وادلهُ على مكان ادريان او أي معلومة صغيرة اُلهي بها حُزن قَلبه
كنتُ انانياً معه في حين انهُ سعى لشفائي من مُر الفراق..لأنهُ كان يُدرك ألمه

آلبرت صديقي الذي صعدت روحه الى السماء منذُ شتائين
هَل فالموتِ راحة كما يزعمون؟لتخبرني
ام انك الآن تخاصمني؟وتصد عني؟
صَدِق لو انني عَلمتُ انك ستغادر بهذه السرعة لما صرتُ يوماً انانياً معك
لاخبرتك بكل ما اعرفه ورأيتُك تمضي في الطريق الوحيد الذي تحب قدماك السير فيه..الى صديقك المفضل ادريان

لاقمتما الصلح بينكما
وان شائت بعدها الحياةُ ان تسلب احدكما من الآخر لتفعل
فالمهم انكما شيدتما ماكان بينكما من جديد بعد ان تهالك وتناثر
مع هبوب رياح الفراق

ليتني لم اقنعك بالرحيل معي لاسلبك من صاحبك كما سلبتني الحياة صاحبي ليتني دعوتك وشأنك منذ يومها..لكُنتَ الآن حياً تُسعد..
لكُنتَ الآن تصنعُ رجل جليد برفقة ادريان..لكُنتَ الآن تُهشم وجه من يؤذيه..
لما كُنتَ الآن وحيداً تحت الثرى

لم تسنح لي الفرصةُ قبلاً لاشكرك على ما قدمته لي
فقد كنتُ اقسى من ذلك عليك..كُنتُ اصرخ في وجهك قائِلاً انني رئيسُ عملك واشعرك دائماً بأنك اقل مني شأناً بمناسبةٍ وبغيرِ مناسبة
كنتُ مُتكبراً عاتٍ..لأملئ ذالك النقصَ في داخلي

ولكن وإن فاتني فعل هذا بسبب ظُلم الحياة التي جمعتنا
سوف اشكرك في حياتنا القادمة واطلبُ منك العفو وانا على يقينٍ انك ستمنحني اياه..لأنني اعرفُ لين لُب قلبك

حَزنتُ على امرٍ بيننا قد فاتني
وهو أني نسيتُ ان اشتري لك القداحة التي نالت على اعجابك
وما استطعتَ انت شرائها كونها باهظة الثمن
لم اتذكر شرائها لك
الا بعد ان بِتُ لا املكُ سوى ما على جسدي من ثياب مهترئة
وما في ذكراي من احاديثك الغائبة
لم اتذكر..إلا بعد رحيلك على غفلة

اعدك وان كنتُ اكرهُ الوعود
ان اعمل في حياتنا القادمة بجهد فقط لاشتريها لك
فإني ادرك بأن بينك وبين سجارتك حكاياتٍ لم يسمعها الا التبغ وضوء القمر كانا هما انيسيك الوحيدين في غربتك التي اُلقيت بها بين ليلةٍ وضحاها

لتنتظرني في حياةٍ تنصفُ كلينا آلبرت
ولتغفر سلبي اياك حياتك مرتين

بعد ان ارتديتُ ثيابي الممزقة
جلستُ انظر الى ثيابي التي غسلتها قبل قليلٍ اراقبها وهي تجف لعدم وجود شيء آخر افعله بهذه الزنزانة

سرق انظاري صوت القفل يفتح فوقفتُ على ساقاي النحيلة انظر نحو الباب..إنهُ يُفتحُ لي لأول مرةٍ منذُ عامين

نظر لي الحارس وتقدم نحوي بالاصفاد في يديه يجعلني اتراجع نحو الوراء خطوتين

نظر نحوي مستغرباً وقال
"بِت اشبه برجال الكهف"

امسكتُ خصلات شعري الذهبية أنظرُ اليها قبل ان يمسك يدي ينزلها ويلفها وراء ظهري قائِلاً وهو يصفدها
"ستخرج من هنا الى السجن العام..ولكنك سوف تُسخّر للأعمال الشاقة مثل تكسير الصخور وجمعها نقل الحديد والفحم وتقطيع الاخشاب..هل ما اقوله مفهومٌ لك؟"

اومأتُ برأسي غيرَ مُصدقٍ انني سأخرجُ من هنا بعد هذا الوقت الطويل
ونظرتُ الى ثيابي الرطبة وهو يمشي بي نحو الباب قائلاً
"ثيابي..ليس عندي غيرها"

"ستحصل على اخرى جديدة هذه قد اصبحت خرقةً بالية"
سار بي الى الخارج
بجسدي الذي بات اشبه بتلك الخرقةِ البالية التي تحدث عنها
أنظرُ يميناً ويساراً بعيناي الجافة الى تلك الزنازين
كُل واحدة منها تُخبئ حياً ورائها
وافكر فيما إن كان احدٌ ينتظر خروجه
ام انهُ منسيٌ..كحالي

توقفتُ في مكاني ارفضُ السير
عند رؤيتي لشرطيان يُخرجان احد المساجين الانفراديين من زنزانته..وهو جثةً هامدة

فتحتُ عيناي على وسعها مصدوماً عند مشاهدتي ما وقع امامي
قبل ان يدفعني الشرطي قليلاً يحثني على التقدم نحو الامام
ادخلني الى حجرة صغيرة واجلسني على احد المقاعد يقفُ قرابتي وقد كان هناك رجل آخر لم انتبه على وجوده الى ان القى الشرطي عليهِ التحية

نظرتُ الى وجهي في المرآة التي ِامامي ،أنظرُ اليهِ لاول مرةٍ منذُ عامين!
قد كنتُ انظر الى انعكاسي في دلو المياه لاراني..
الا ان كُل ما كنتُ اراهُ هو وجهك

والآن..ها انا امامي ،اعني الشخص الذي كان انا،فهذا لا يشبهني
لونه مسلوب كمن رأى شبحاً مر امامه
نحيف الجسد شفاهه بيضاء وممتقع الوجه
باجفان متهدلة من كثرة الوجوم
عيناه فارغةً باهتة،فارغةً حتى من الدمع الذي كان يطمرها في سابق ايامها باهتة لغياب وجهٍ تشتاق له كما يشتاق الليل لضوء الشمس
كما يشتاق المهاجرُ ليومِ أمس
وكما يشتاق السجين للفرار من وحشة الحبس

تبرم نحوي الرجل الذي كان يبحث عن شيءٍ في الادراج
وتقدم بخطاه الراكزة تجاهي

وقف ورائي وبحلق في المرآة متحدثاً كمن يسأل
"هَل تايهيونغ؟"

رفعت عيناي عن وجهي انظر في عينيه من خلال المرآة
واجبتُ بصوتٍ باهتٍ أقول
"اظنُ ذلك.."

ابتسم بخفةٍ وكأن حالي قد احزنهُ
وقال وهو يحكمُ امساك المقص في يدهِ مُلتقطاً خصلات شعري الطويل
"‏قَد حُكِم عليك بالسجنِ سَبعة أعوام..هَل فقدت نفسك منذُ البداية؟"

أنظرُ الى خصلات شعري الذهبية التي تتساقط على اكتافي ومن ثَم على الارض الباردة واُجيب بخامة صوتي المتهالك وانا اُميلُ رأسي بخفة
"إني فاقدٌ إياها منذُ الأزل..العالم الخارجي هو من يفقدنا ذواتنا..لا الاربع جدران..حتى انه ولربما نجد ذواتنا في احد الزوايا حين نُلقى بينها الا انه من الصعب ان نجدها خارجاً ،فقد يقتلها أي عابر،ونحنُ لانزال مستمرين بالبحثِ عنها!"

توقف عن قص شعري الذي ما سألوني ان كنت اود قصه
فهنا انت لا تُسأل..هُنا انت تُسلب كل شيء
حتى حقك في الاعتراض يُسلبُ منك

صمت قليلاً دون ان يُجيب او يتحرك ومن ثم زفر هواء جوفه
وامال رأسه بخفةٍ وكأنه يفكر ومن ثم اكمل قص شعري قائِلاً
"من يسمع حديثك هذا لا يقول بأنك شخصٌ اقدم على قتل والده!"

تبسمت
وقلت
"ولكن والدي هو من قام بقتلي.."

عدتُ بذاكرتي الى اعوامي السابقة واكملتُ بصوتٍ منخفض
"لم يقتلني لمرةٍ او اثنتين..بَل في كل صبحٍ ومساء"

أنظرُ الى خصلاتي التي تتساقط وتتساقطُ معها اعوامي
واكملُ شارداً فيها محادثاً نفسي فيسمعُ هذا الرجل الغريب
"في المرة الاولى التي قتلني بها كانت قبل ان اولد..حين قال انهُ لا يريدني
المرة الثانية كانت في يوم عيدِ الأب..حين كتبتُ رسالة تقدير بإملاءٍ خاطئة وانا في عمر السابعة ولم اجد اباً لي اعطيه اياها..
في المرة الثالثة.. حين عرفت حقيقته القبيحة..والرابعة حين تغلغل الحقد في قلبي حتى قُتِل..والخامسة حين جعلني اشعر بأن الجميع لا يريد وجودي..وان الجميع سوف يهجرني في احد الايام فليس مرغوبٌ بي في أي ديارٍ أطأها
اما عن السادسة
فقد كانت عند تغربي وبصقي للدماء للوصولِ اليه
والتي بعدها كانت عند خسارتي كل شيء بسببه
والتي تليها كانت عند الحكم عليّ بالسجنِ سبعَ سنين واضاعة ما تبقى من عُمري بسببه ايضاً
والاخيرة التي اذكرها..عند تجرأه على قتل صاحبي الذي شهد على جميع المرات التي قُتلتُ بها!"

نظرتُ الى وجه الرجل الذي كان يقص شعري بشكل بطيء وكأنه يصغي الي اكثر من انهُ منشغلٌ بعمله
وقلتُ اسأله بما جعلهُ يوقف حركة يديه
"وبعد كل هذا..الا يحقُ لي قتلهُ لمرةٍ واحدة؟"

بلل شفاهه ينظرُ الى الشرطي الحارس الذي يقفُ قُربنا
والذي قال بدوره يقطع حديثنا
"لتتعجل في عملك هناك المزيد من المساجين بالانتظار.."

ادار الشاب رأسه يعيدُ تركيز عيناه على عمله والتقط ماكينة الحلاقة بادئاً بعدها بحلق شعر رأسي على الرقم ثلاثة
ولاول مرةٍ يُحلق شعري لهذا الرقم..فقد كنتُ احبِهُ طويلاً
الا ان لاشيء احببته قد دام..حتى هذا الشيء البسيط..سُلِب مني

اوقفني الشرطي بعد ان انتهينا ومشى بي الى الخارج
نسيرُ الى وجهةٍ لا اعملها في الممر الطويل المليء برجال الامن والمعتقلين

الى ان دخلنا لاحدى الغرف الضخمة ،جدرانها عبارة عن خزائن كثيرة مكتظة بالثياب الخاصة بالمساجين

اعطوني ثياباً للعمل واخرى للحياة اليومية وتحدثوا لي عن كيف ستسير ايامي الى يوم خروجي من السجن وانتهاء مدة اعتقالي

لبستُ ثياب العمل واتجهوا بي نحو سردابٍ يأخذنا الى جوف الارض ، كان هناك الكثير من المساجين الذين يعملون هنا في هذا المكان الخانق والعرقُ يقطرُ من جبينهم

"باشر بالعمل لاتضيع المزيد من الوقت..هيا"
كان هذا صراخ احد رجال الشرطة على سجينٍ عجوز يكاد لايستطيع حمل نفسه ليحمل تلك الصخور نحو الجهة المقابلة

تقدمتُ خطوةً تجاهه الا ان يداً على كتفي اوقفتني
فالتفتُّ لها وقت تلاقت عيناي بخاصة الشرطي الذي قال
"هُنا لاشأن لك بأحد عليك من نفسك فقط..خذ هذا لتبدأ عملك انت ايضاً"

ناولني فأساً كان اثقل مني واشار لي الى كومة الاخشاب الضخمة
لأبدأ بالعملِ منها ومن ثم قال
"ستبدأ بالاعمال الخفيفة اولاً وسيزيد عملك مع مرور الايام حين تقوى بنيتك الجسدية قليلاً"

لم اكن املُك طاقة الايماء ف رمشتُ بعيناي مُتفهماً وادرتُ جسدي ماشٍ به نحو تلك الاخشاب

قربتُ الجذع نحوي بملامح وجهي الباردة
واحكمتُ امساك يد الفأس الخشبية رافعاً اياه عالياً بالهواء
لتنقلب ملامحي فجأةً من باردة لاخرى غاضبة
واُنزِل الفأس بقوةٍ كبيرة نحو نقطةٍ مُعينة على الجذع لقطعه
أعدتُ تكرار ما فعلته ثلاث مراتٍ واربع حتى قُطِع نصفين

توقفتُ الهث مُرهَقاً رغم اني الآن قد بدأت العمل
لان ما يرهقني بعيد كل البعد عن ما افعله
انهُ في ايسري

"السجين رقم 312 لم يحين وقت الاستراحة بعد..عد لعملك الآن!"
صرخ بي احد رجال الشرطة فرفعتُ عيناي الباردة اليه احكم القبض على الفأس في يدي واُفكر
ماذا سيحدث ان اخرجت غضبي بهذا الرجل امامي؟

ضرب بالعصا الحديدية على الباب الحديدي قربه ينبهني قائِلاً
"بماذا شردت الَم تسمع ما قُلته؟؟"

ابتسمتُ لهُ بجانبية ابتسامةً خبأتُ ورائها الكثير
وأعدتُ انظاري الى مافي يدي مُكملاً عملي

أنظرُ الى الفأس اثناء عملي به
تحديداً الى مقبضه الخشبي
والى الجذع الذي اقوم بتقطيعه الآن
هل ظنت الشجرة يوماً انه سيُصنع منها شيئاً يَقتُلها؟

إنّي وهذا القَول متشابهين
فَلم أظُن يوماً بأنني سأكون قاتلي
إلا انهُ انا من قتل في نفسه الكثير ، الكثير من المشاعر قد بُتِرت كما يُبترُ هذا الجذع امام ناظري ،الكثير من الاحلام تكسرت كما تتكسرُ هذه الاخشاب ، والكثير من الآمال احترقت وتآكلت كما تأكل النار هذا الحطب..
اواهٍ كم اُشبهُ كُل مَحزون

توقفتُ عن العَملِ ارفعُ ظاهر كفي أمسحُ بهِ قطرات العرق التي تشكلت على ناصيتي مُغمضاً عيناي بهوان

صوتٌ غليظ نادى من قريبٍ ممتزجاً بصوت ضربٍ على الحديد
"المجموعة رقم 6 لقد انتهى وقتُ عملكم..فاصطفوا عند باب المخرج..تحركوا"

تركتُ الفأس من يدي أشعرُ بخدرٍ في كلتا يداي والمٌ شديد في ضهري واكتافي،ومشيتُ نحو البوابة الحديدية متبعاً خطواتِ باقي المساجين

وضعوا الاصفاد في ايدينا من جديد ومشوا بنا كالقطيع نحو سجننا يصرخون بنا من كل اتجاه و يؤنبونا على كُلِ صغيرة

"لا تتحدث مع احد!!!"
"اسرع في حركتك ياهذا!!"
"هَل اتحدث اللاتينية معك؟"
"السجين رقم 263 محروم من وجبة الغداء.."

فُتح باب السجن ف ولجنا اليه واحداً بعد الآخر بعد ان تم فك اسر ايدينا

جُلتُ بعيناي في السجن ،سرائر كثيرة متوزعة فيه ذات طابقين
ابتسمتُ ضاحِكاً بخفة احادثُ ذاتي بخفوت
"انه لا يختلف كثيراً عن الميتم"

مشيتُ بهدوءٍ في الضجيج اجولُ بعيناي على الاسرة بحثاً عن السرير ذو الرقم 312 واوقفتُ خُطاي اغرسها في الارض عند رؤيتي لاحدهم ينامُ عليه

سِرتُ نحوهُ ووقفتُ جوار سريري اقول
"هَل تنامُ على سريري؟"

لم اتلقى رداً منهُ فقد كان نائماً وهو يضع ذراعه على عينيه يحجب عنهما الضوء

مددتُ يدي ابعد يدهُ عن عينيه اعيدُ قولي بعد ان نظر لي وهو يعقدُ حاجبيه
"انت تنامُ على السرير الذي يحملُ رقمي"

امال رأسهُ بخفةٍ يستعدلُ في جلسهِ يسأل بخفوت مستنكراً
"وهل افسدت عليّ نومي لاجل هذا؟"

نظرتُ الى الرقم على صدره واذ بهِ ذات رقم السرير اعلى سريري فقلتُ اجيب
"لو انك لم تتعدى على شيءٍ ليس لك لما افسدتُ نومك"

أومأ عدة مراتٍ بشيءٍ من الغضبِ يقول
"وهل تظنني لا ادرك ان هذا السرير ليس لي؟
ادركُ هذا ولكنّي مرةً احبُ ان انام عليه ومرةً اُحب ان انام على سريري في الاعلى لهذا كليهما اصبحا لي..لتجد لك مكاناً آخر تنامُ فيه ليلك"

بدا حوارنا وكأنهُ حوارٌ بين طفلين وهذا قد ازعجني
فرمشتُ بخفةٍ اعضُ على شفتي
وقلتُ وانا اكظمُ غيضي
"عليك ان تعتاد على سريرك لانك لن تنام على خاصتي بعد اليوم"

ضحك مظهراً اسنانه ليكف بعدها عن الضحك قائِلاً
"ومن انت ياهذا حتى تعبث معي..عجيبٌ كم انك واثقٌ من نفسك"
وعاد يستلقي على السرير يضع يدهُ على عينيه متجاهلاً إياي
ينوي النوم من جديد

ومتى سمحتُ لاحدهم ان يتعدى على شيءٍ يخصني؟
لَم افعل ذلك يوماً ، لقد كنتُ انانياً على الاشياء التي اريدها منذ صغري
مثل الرسالة التي سرقها مني احد الفتية فألقيتُ بهِ من السطح لانه تعدى على شيٍ يخصني!

او كالبيانو الذي وقعت في حُبه منذ اليوم الذي انستني فيه الحانه شيئاً من حزني،فما سمحتُ لاحدهم بعدها ان يمسه
حتى حين كُسر اصبعي وكان لابد من أحدٍ آخر ان يعزف بدلاً عني في الحفل
رفضتُ ذالك وبدأتُ التعلم على عزف المقطوعة بتسع اصابع فقط ، الى ان اتيتني..وشاركتني العزف..وزدت العزف جمالاً..وقد كنت الوحيد الذي سمحت لهُ ان يمس مفاتيح البيانو خاصتي

وفي اليوم الذي كُنت سترحل بهِ مع عائلةٍ ترغب في تبنيك
اتراني سمحتُ لك بذالك؟
وقفتُ في طريقك والقيت عليك ذنب امورٍ لم تفعلها
آذيتُ نَفسي وتظاهرتُ انني ابكي الماً..الا ان ماكان يبكيني هو خوف رحيلك

لانني اردتُ ان يبقى معي احد ، ان لا اُهجَر في كُل مرة
اردتُ ان احافظ على وجودك قربي لحين مغادرتي على الاقل!

وحين ظننتُ ان لونا هي من الهتك عن الكتابة لي طوال شهر
حاولتُ ابعادها عنك فَلم اُطيق حقيقة ان احدهم بات اهم مني عندك..فأنت صاحبي انا ولا اسمح بمشاركتك مع احد آخر!

ولأنني لا استطيعُ تغيير هذه الخصالُ بي ، لن استطيع ان اغفل على هذا الامر مهما كان بسيطاً

وها انا لم افوت الأمر له
فرفعتُ قدمي اضعها اسفل ضهره ودفيتهُ بقسوةٍ ليتدحرج ويسقط ارضاً وعُدتُ اقفُ بثباتٍ مرةً اخرى وانا انظر اليه بعينين باردتين قائِلاً
"انا لا اسمح لاحدهم بأن يأخذ شيئاً يخصني..افعل اي شيء لاستعيده..إن لم يكُن بالرضا فبالاجبار"

وقف على قدميه مُحرجاً من ضحكات باقي المساجين عليه وصرخ بي غاضباً يقول
"انت....سأقتُلُك ياهذا!!!"

ابتسمتُ بجانبيةٍ غير مُبالٍ لقوله..وكأنني لا اكترثُ ان قام بقتلي بالفعل ، فالحياةُ باهتة على كُل حال
وقلتُ اشجعه على مايريد قائِلاً
"لتفعل"

تقدم نحوي يُشكلُ قبضةً بيده ، لم اتزحزح من مكاني او احاول الدفاع عن نفسي ، وماجعلني اسقطُ ارضاً هو لكمه اياي في معدتي الفارغة يجعلني انكمشُ عليها

اعاد رفعي من قماش اكتافي بسهولة لخفة وزني ورزعني على الحائط ورائي يجعلُ من عظام ضهري تكادُ تُكسر وكرر لكمي في معدتي مرةً اخرى يجعلني اسقطُ ارضاً من جديد في حين ان صوت ضحكي يصدح في ارجاء السجن الذي بات هادئاً مستغرباً ضحكي وانا اُضرب وقد يراود هؤالاء الحمقى الآن انني قد اصبتُ بالجنون..وهل انا كذالك؟

تركني ومضى بعد ان رآني لا اقاوم او احاول الدفاع عن نَفسي وكل ما اقوم بفعله هو الضحك وانا اشدُ بيداي على مكان ألمي
قد كان ينوي اقامة شجارٍ ينتهي بي بعقوبة الحبس الانفرادي إلا انني لن ادعه ينال ذلك..لن اعود لذاك الصندوق مجدداً

وماكان يضحكني..هو كم ان دُنيانا عادلة!
ان جميع ما حدث لجونغكوك بسببي يُعاد معي الآن
السجن..الضرب..الاهانة..الالم والحُزن العميق
وإني استحقُ ماهو اكثر من ذالك..واريدُ الشعور بما هو امرُ مما اشعر به ، لكي لا اشعر بأنني مُذنبٌ في حقه حين تجمعنا الحياة ثانيةً ، لكيلا اشعر أنني هضمتُ حقه

وقفتُ استندُ على سريري لأقف على ساقاي بعد ان هدأ الم معدتي قليلاً متجاهلاً العيون الكارهة التي ترمقني من بعيد

اتجهتُ نحو دورة المياه لاستحم بعد العمل الذي دام لساعات
الا ان رجلاً ضخماً كان يضعُ مقعداً عند الباب المؤدي لدورة المياه ويجلسُ عليه ، ادرتُ مقبض الباب ناوٍ الدخول الا انه اوقف حركتي قائِلاً
"الى اين؟"

نظرتُ اليه وببرود نظرتي نطقت
"اليس واضحاً؟"

وقف من على مقعدهِ فازدادت ضخامته يسأل
"واين مالك؟ انت لاتستطيع الاستحمام هنا دون دفع المال"

صمتت ادلكُ مدمع عيناي اقول بعد ان مسحتُ على وجهي
"لا املكُ مالاً..انهُ يومي الاول في العمل"

"اذاً ستنتظر حتى نهاية الاسبوع لتستحم..اغرب عن وجهي"
عاد يجلسُ على مقعدهِ واشاح وجههُ عني نحو الرجل الذي جاء وسلمهُ بضع قروشٍ ليسمح لهُ بعدها بالدخولِ الى قسم الاغتسال

"لما لاتزالُ تقفُ هنا تسدُ الطريق؟لتذهب"
نطق بصوته الثخين يسألني لاجيب قائِلاً
"هَل الشرطة تَعلمُ باعمالك هذه؟"
سألتهُ بثباتٍ فرد بتحدٍ وهو يقتربُ بجسدهِ العلوي نحوي
"كلا..اذهب واخبرهم بهذا"

ظَللتُ واقفاً في مكاني افكر بالامر وهو يحدقُ بعينان مرعبة في وجهي
حتى جذب انتباهنا صوتُ رجُل عجوز يقول
"كفاك عبثاً بالرجل لا تُفزعه انهُ يومه الاول هنا..دعه يدخل سأقومُ انا بالدفعِ لك"

اعاد لف وجههُ ناحيتي في حين ان عيناي لاتزال تنظر الى العجوز ذو الوجه الحَسَن الذي كان يبتسمُ لي الا انني لم ابادلهُ الابتسامة..مامن شيء يجعلني ابتسم..ولم ازيف ابتسامتي يوماً لاجل احدهم

كُنتُ ان ابتسمت فأنا حقاً أشعرُ برغبة الابتسام
وان تعجبتُ من شيءٍ فأنا حقاً أشعرُ بالتعجب منه
وان مدحتُ جمالاً فأنا بالفعلِ اراهُ جميلاً
وان كُنتُ خالٍ من اي ردود فعل..فأنا حقاً لستُ بخير
لم اتعود الكذب في مشاعري..وان ظن احدٌ عكس هذا
لقد كنتُ صادقاً بشكلٍ مبالغ وصدقي هو ما القى بي الى هذا المصير

"لتدخل"
امر الرجل امامي فالتفتُ اليه بهدوء متجاهلاً المُسن الذي يجلسُ على أحد الأسِرة وينظرُ ناحيتي

دخلتُ الى مكان الاستحمام فنزعتُ قميص العمل القيهِ جانباً وتقدمتُ نحو صنبور المياه افتحه ليتدفق الماء البارد من الدش قاصداً وجهي وينساب على كامل جسدي

ارتعشتُ لبرودته ، ولبرودة تلك الذكريات التي مضت منذ سنين وعادت بلحظةٍ واحدة ترجفني برداً

حين كانت الام المربية الثامنة تُلقي بي اسفل المياه الباردة في صقيع الشتاء لانني ارقتُ الطعام على ثيابي دون قصدٍ مني
كُنتُ اتمتم بآسف عَلّها تغفرلي فعلي إلا ان آسف ماغيرت من الحال شيئاً
كما لم تُغير حالنا حين جئتك معتذراً..

نظرتُ الى أثر الرصاصة في صدري ، رفعتُ يدي اتحسسهُ باناملي واغمضتُ عيناي اتذكرُ مادار قبل عامين

تذكرتُ الكُره في عينيك حين ضغطت الزناد تنوي قَتلي
حَزنتُ كثيراً لما ابصرتُهُ في عينيك من كُرهٍ ونفورٍ عظيم
انت ما عودتني هذا ، عودتني رؤية السكون في عينيك والعالمُ صاخب ، عودتني رؤية اُنسة الليل في عينيك والنهارُ ساطع ، ماعودتني الكره في عينيك انت الذي كانت نظرة منك تُبدلُ روحي!

تذكرتُ الالم الذي اجتاح صدري واسقطني في احضان البحر
وشعور المياه الذي ينهمرُ عليّ الآن اعاد لي شعور الغَرقِ
فشهقتُ افتحُ عيناي بخوفٍ حين سُلِبت انفاسي واختنقتُ بهذا الشعور الممقوت
فأقفلتُ الصنبور بسرعٍة ليتوقف تدفق المياه واسقطُ على رُكبتاي اسندُ رأسي على الحائط قبالي

لقد عشتُ جميع اصناف الخوف والالم والحزن بجوارك جونغكوك
الا ان اكثر ما اخافني وآلمني وبث الحزن في طريق قلبي
هو نظرات الكره في عينيك التي اُحب

وما اعترفتُ بفعلي وسلمتُ نفسي للعدالة الا لكي الاقيك بعد عُمرٍ تنظرُ الي بنظراتٍ تسرُ بها خاطري الذي حَطمت

ارجوك جونغكوك..ابق عند وعدك لي ، بانك سوف تسامحني وتعفو عما سلف ..لنبدأ مرةً اخرى ، انا استحقُ فرصةً منك!

مرت الايامُ طويلة في هذا السجن ،لا اكلمُ احداً والجميعُ يُكلمني ، ذاك الشاب ، لقد عرفتُ ان اسمهُ كيفين
انه لا يكفُ عن افتعال المشاكل معي ، لقد كرهني منذ ان ايقظته من نومه في ذاك اليوم ،الا انني لم اكِن لهُ شعوراً يذكر ، لا احد يعنيني سواك جونغكوك

"انه لا يحادث احد منذ ان اتى لهذا السجن..يالهُ مو مُغتر"
همس كيفين لصاحبه في السجن وهما يتناولان طعامهما في حين اني كنتُ اجلسُ على احد المقاعد للطاولة الضخمة التي تحوي اكثر من عشرون سجيناً يتناولون طعامهم عليها

كنتُ ارتشفُ من طبق الحساء امامي واسمع قولهما دون قصد مني
للاستماع لأقف بعدها منهياً طعامي لعدم رغبتي بحدوث أي مُشكلة بيني وبينهما فإن طاقتي قد نفذت

ذهبنا بعدها الى العمل ، المكانُ هنا خانق فنحنُ اسفل الارض فعلياً ، نعملُ دون توقف تحت الصراخ وفرض الاوامر
كان عليّ نقل الصخور من الارض الى احدى الناقلات بعد ان تم تكسيره لاجل توسيع المساحة هنا وانشاء سجون اضافية نصنعها بأيدينا ، يال التفاهة

احنيتُ جذعي ورفعتُ الصخرة من على الارض ، كانت كبيرة لدرجة انها ملئت فراغ احضاني ، مشيتُ ببطئٍ بقدمين ترتعش
اصطبغ وجهي باللونِ الاحمر وظهرت العروق على جبيني لشدة هذا الحمل

قام احدهم بدفعي من الوراء فكدتُ اتعرقل واسقطُ ارضاً انا والتي بين يداي ، الا ان الرافعة كانت قريبة مني فسريعاً وضعتُ مافي يدي بها واسندتُ يداي عليها التقطُ انفاسي مع سقوط قطرات التعب من على جبيني

نظرتُ ورائي لارى من قام بدفعي ، ولم يكن سوى كيفين
نظرتُ في عينيه دون قول شيءٍ ودون ابداء اي تعبير على وجهي ، واظن بأن هذا ما جعل منه يحمل الضغينة لي ، انني لستُ مُبالٍ به

"انت تعيق حركتي،لقد كنت بطيئاً جداً"
نظرتُ الى يده وقد كان يحملُ في قبضتهِ صخرةً صغيرة
ابتسم بخفةٍ والقاها مع باقي الحجارة والتفت يمشي نحو عمله

ادرتُ رأسي واغمضتُ عيناي استندُ بجبيني على ذراعي
قبل ان اسمع صوتاً ينادي
"السجين رقم 312 توجه نحو عملك !"

رفعتُ رأسي بهوانٍ ومشيتُ عائداً الى كومة الصخور لاجمعها
وقد بلغ مني التعبُ مبلغه
اشعر بأن كُل جُزءٍ بي يتألم ، والأشدُ الماً هو قلبي

اليوم هو يوم عطلتنا بعد اسبوعٍ كان اكثر من مُتعب
لم اتمكن من النوم بسبب شعوري بالحرقة في صدري
ارتجي اي شيءٍ منك يُخمدُ نيراني ، ارتجي مرورك في حُلمي
ولكن اَفَل القمر وبزغت الشمس ولم تَأتي في حُلمي ولو عبور الكرام

فتحتُ عيناي وإذ بدموعي تنهمرُ سخيا على اديم وجهي
نظرتُ حولي .. كُلٌ لاهٍ في مايهمه
ولا احد ينتبهُ لدمعي
هناك من يقرأُ كتاباً
وفي الزاوية تلك مجموعةٌ يلعبون الشطرنج
وهُناك من يجلسون ويستمعون الى مشغل الراديو
ومنهم كيفين

وبتعبٍ رفعتُ الغطاء عني وانزلتُ ساقاي ارضاً وانا اشدُ على الفراش
نظرتُ الى النافذة واذ بالضوء ينبعثُ منها وهذا يعني ان الصُبح قد أقبل
مسحتُ مياه عيناي بطارفِ قميصي
ووقفتُ امشي بخمولٍ نحو دورة المياه

الا انّي وقفتُ في مكاني بلحظة
وارتعش سائر جسدي العليل
حين سمعتُ صوتاً اُحبه
صوتاً احفظُ نبرته في الصميم
صوتاً جعل مِن قلبي يبتهل
وجعل شيئاً من العافية تدبُ في العروق

التفتُ ناحية الصوتِ بكامِلِ جسدي
وثُبِتت أنظاري على مُشغل الراديو الذي ينبعثُ منهُ ذاك الصوت ، لم استطع الحراك ولم اقوى عليه ، كل شيء حولي بات ساكناً ، وكأن الزمان توقف ، سوى من جهاز الراديو..وبريقُ عيناي

"همم لا اذكر ماتكون اول لوحةٍ رسمتها فمنذُ صِغَري وأنا اهوى الرسم وارسُمُ كل ما تراهُ عيناي جميل.."

"مالصعوبات التي واجهتكَ في بداية مسيرتك الفنية؟.."

"في الواقع قد عرقلتني الكثير من الصعوبات طوال حياتي بشتى انواعها..بداية من موت والداي الذي جعلني اعتزلُ الرسم لفترة طويلة..وصولاً الى انّي لم اتمكن من الالتحاق بالجامعة لعدم وجود الامكانيات التي تسنح لي دخول قسم الفنون الجميلة كما تمنيتُ طوال عمري..وختاماً لسوء الفهم الذي نِلتهُ من الشعب مما جعلهم يقومون بتدمير متحفي الصغير وهو في اول ايامه..الا انهُ قد تم تعويضي بِمتحفٍ ضخم والذي يكونُ الان الاكثر شُهرةً في فرنسا وغيرها من الدول"

همهمت المذيعة متفهمة واكملت اسالتها تقول
"ما اللوحة التي رسمتها وكان لها اثرٌ في حياتك؟"

ضحكةٌ خفيفة منك اصدرها جهاز الراديو الذي ادينُ لهُ بالكثير
وقُلتَ بعدها بنبرةٍ موزونه
"ربما يبدو لكِ الامرُ سخيفاً ولكنها لوحةٌ رسمتُ فيها سمكتي التي ماتت..لَقد كنتُ اُحبها كثيراً وقد اهديتُ روحها تلك اللوحة شاكراً لها على مشاركتي وحدتي طوال سنين..قصتها اعجبت الكثير وقد تنافس مُحبي الفن على شرائها وعُرض عليّ مبلغٌ كبير مقابلها الا انني ابيتُ البيع"

لا ادرِ لما شعرتُ بالخيبة..ربما لاني كنتُ انتظرُ جواباً آخر
جواباً يحملُ اسمي؟

"هَل مزقتَ لوحةً قبل اكتمالها او بعد الانتهاء من رسمها بسبب فقدان شغفك بها؟"

"كلا..لَقد احرقتها"

ادمعت عيناي..وعبست شفتاي..عند تذكُري ما فعلهُ بِلوحاتي دون وجه حق وعند تذكري لخيبتي التي احاطتني وانا انظرُ الى الجدران الخالية من كُل شيء كما يخلو قلبي تماماً

"ما اكثر لوحة جذبتك لرسمها؟"

صمتٌ بُعث في المكان ، لا اجابة تصدرُ منك ، املتُ رأسي بخفةٍ اُحكم الاصغاء وانزلتهُ ارضاً دون شعوري حين سَمِعتُ ردك الذي اعادني في الزمان كثيراً

"قد كانت اولَ رسمةٍ لي بعد انقطاع دام طويلاً بسبب صدمة فقدي لوالداي..رسمتُ بها شخصاً شكرته على مساعدتي بأمرٍ ما..
الا انهُ قام بإلقائها في القمامة"

وسعتُ عيناي بصدمة..لأمرين اثنين

الامرُ الاولُ هو أنني الآن قد عَلمتُ بأنها كانت رسمتهُ الاولى بعد ان عاد لهُ حُبُ الرسم..وماكان ردي إلا أنني قد حطمتُهُ عندما القيتُها في القُمامةِ وامام انظار الجميع

الامرُ الثاني..قال شخصاً..لم يقُل صديقاً ،لم يقُل رفيقاً ،حتى انهُ ماقال زميلاً! قال شخصاً! كأيِ شخصٍ يعرفُه!! هَل..هَل يردُها لي؟

"ختامي لاكثر الاسئلة التي طُرحت من قِبَل المُعجبين واثارت الفضول على تلقي اجاباتٍ منك عليها
لَو لم يكُن جيون جونغكوك رساماً..فماذا سيكون؟"

"لاشيء"

كلمةً واحدة قد اجبت بها وكم كانت خاطئة

فإن كُنت لهم شيئاً او لَم تَكُن..
فأنتَ املٌ يُبعثُ في صدري
وانت في عتمة الدهرِ بَدري
وانت اجملُ ما نِلتُهُ في قَدَري
إن كُنت لهم شيئاً او لم تكُن..
فأنت كُلَ ما اريدُهُ من عُمُري..
اولا تَدري؟

جفلتُ أنظرُ الى الزاوية حين قام احد المساجين بقلب الطاولة التي يلعبون عليها لعبة الشطرنج بسبب غش الآخر في اللعب
تعالت اصواتهم فبات صوتك غيرَ مسموعٍ لي

مشيتُ بسرعةٍ نحو مشغل الراديو اتفادى الذين يجلسون حوله جلستُ امامه وقمتُ بالضغط بسرعةٍ على احد الازرار ارفعُ من الصوت وسمعتُ تمتماتٍ من ورائي تتسائلُ عن مابي

ولكنّي سكنتُ في مكاني بلحظة ، ورفعتُ رأسي الى الاعلى أنظرُ فوقي واذ بكيفين يقفُ جواري وعلى وجههِ ابتسامةً رفيعة بعد ان أطفأ مشغل الراديو وهو ينظرُ لي

"كفانا استماعاً للاخبارِ لهذا اليوم..ان هذا لا يزيدنا الا حسراتٍ على حالنا،الستُ على حق؟"

أعدتُ تشغيل الراديو الا انهُ سريعاً ما اعاد اطفائه وكأنهُ يتعمدُ جعلي اغضب..وهو كذلك!

"ماذا تايهيونغ؟..هَل مشغل الراديو يخصك ايضاً؟"
سألني وهو يرفعُ حاجبيه ساخِراً فأجبتُ بصوتٍ مهزوزٍ أقول
"لتبعد يدك..فقط لتنتهي هذه المقابلة واتركه لك بعدها!"

"واخيراً هناك ماجعلك ترانا وتحادثنا..وماهذه المقابلة التي اثارت اهتمامك لتلك الدرجة؟ماهو الا رجلٌ اكل حقنا..هو يعيشُ خارِجاً في ارضنا يلهو ويتمتع..ونحنُ بين اربع جدرانٍ هنا نعملُ كالدواب منذُ بزوغ الفجر لدلوك الشمس!!"

اشتعل الحنقُ في صدري ووقفتُ امامه انظر في عينيه اجيبُ بتقززٍ من قربه
"هو لم يأكُل حق أحدٍ منا..بل وقد اُعطي أقل من حقه
بينما نحن اُعطينا حقنا كامِلاً دون نُقصان
وربما مانحنُ فيهِ هو اقلُ مما نستحق"

شرارة غضبٍ انبعثت من عينيه ليقول بعدها وهو ممتعض الوجه
"ولِمَ تُدافع عنهُ بهذا القدر ما ادراك به؟اولَم تسمع ماقد ظهر عنه؟
لقد كان يستغلُ فتىً مقابل المال منذ ان كان في الخامس عشر من عمره
استغلهُ للعملِ عنده..وربما امورٍ اُخرى؟"

جحُظت عيناي عند ادراكي لمقصده
اتقدت نيرانٌ في عيناي تلتهمُ هيئته
وَلم استطع كبح جماح غضبي
ولا تجاهل ما كان يلمح اليه ويقصد بهِ اكثر الاشخاصِ نقاءً في عالمي!

ف احتنكته اشدُ بقبضتي على عُنُقه وانا ادفعه الى الوراء حتى اسقطتهُ ارضاً واصرخ بهِ قائِلاً والغضبُ يفوح من كلماتي وانظاري
"لتسحب ما قُلتَه!!"

كززتُ على اسناني اصرُ عليه قائِلاً
"إن لم تفعل فأنت ميتٌ بين يداي!!!!"

بدأ لون وجههُ يتقلب ورجالٌ ورائي يسحبوني عنه ادفعهم عني ومن ثم أعودُ بسرعةٍ فوقه اشدُ على ياقتهِ بيد ،وبيدي الاخرى الكمهُ بكامل قوتي على وجهه وانا اصرخ بهِ ان يسحب ماقال
فَلِما يؤذيني بك؟

دخل رجُلانِ من الشرطة الى السجن بعد ان علموا بحدوث حالة شغب هنا
جراني من فوقه ، وكتفا يداي وراء ظهري ، حاولتُ التنصُل منهما والعودة اليه لاقتُله ، الا انهما كانا اشد مني قوة بعد ان وضعا الاصفاد في يداي وسحباني معهما خارِجاً

لم اُشيح عيناي عنه ، كانتا تحرقان كُل شبرٍ فيه ، جلس يسعلُ بقوة وهو يضعُ يده على عنقه الذي طُبِعت عليه آثارُ اصابعي
وبادلني النظر بعينيه التي تحول لون محيطها للازرق بسبب لكمي عليها

"ستظلُ هُنا ثلاث أيام...وانت محرومٌ من طعام اليوم!"
قالها الشرطي يفتح قفل الاصفاد في يدي ويدفني في السجنِ مقفلاً الباب ورائي

تحقق مبتغاه..وعُدتُ الى الانفرادي ولكن هذه المرة لم اكُن وحدي..بل مع مشاعر سيئة لا تهدأ في قلبي

جلستُ في الزاوية اطوي قدماي واستندُ بمرفقيّ على رُكبي مُغلفاً وجهي بِكلتا كفوفي ، لقد اتعبني هذا الوقت ، وسلب مني ماتبقى من طاقتي ، اينك عني جونغكوك؟اينك عني..

نمتُ تلك الليلة على الارض القاسية واستيقظتُ على ضرب العصا الحديدية على باب الزنزانة
اعطاني افطاراً لم اذقه ومن ثم اصطحبني الى مكان العمل ولحسن الحظ انهم قد غيروا جدول اعمالنا وهذا يجعل منا لا نلتقي وقت الاستراحة ولا وقت العمل

مَضت الثلاث ايام لا اتقبل فيها الطعام لشدة حُزني على ماقد قيل فيك ظُلماً ، مُشغلٌ نفسي عن التفكير بالعمل طوال الوقت
حتى ان يداي قد تشققت من حملي للصخور وتقطيع الاخشاب وجمعها وغير ذالك

المحُك هُناك بين المساجين
اتركُ مافي يدي وامشي بلهفةٍ اليك وحين اصلُ لا اجدك

طيفك كسرابٍ يحسبهُ الظمآنُ ماء
حتى اذا جاءه لم يجدهُ شيئاً !

اعادوني الى السجن العام فمضيتُ امشي بهدوءٍ قاصِداً سريري
ولكني توقفتُ عن السير ، ونظرتُ يميناً وإذ بالعجوزِ يُطبقُ ورقةً في يده ، وراح نحو حارس السجنِ واعطاهُ اياها وعاد يجلسُ على مقعدهِ الخشبي
التفتتُ بجسدي نحوه وندهتُ عليه
"ياعم"

ادار وجههُ ناحيتي وابتسامةٌ ودية رُسِمت على شفتيه عند رؤيته اياي فقال
"اهلاً بعودتك"

تجاهلتُ قوله ومشيتُ نحوهُ اجلسُ على المقعدِ امامه
وسألتهُ وانا أنظرُ الى الورق الموضوع على زاوية الطاولة
"هَل كُنت تكتبُ رسالة؟"

اتسعت ابتسامته المجعدة وهز رأسه بالايجاب قائِلاً
"صحيح..انهُ يوم ميلاد حفيدتي فأرسلتُ لها تهنئة"

لمعت عيناي اسأله
"هَل يسمحون هُنا بإرسال المكاتيب؟"

رمش عدة مرات مستغرباً ولكن اختفت علامات الاستغراب من على وجههِ حين تذكر شيئاً فقال
"بالطبع يسمحون..لَم يسمحو لك قبلاً لانك كُنت في الانفرادي ،ولكن الان الوضعُ مختلف وتستطيع ارسال المكاتيب لمن تشاء..لمرةٍ واحدة في الشهر"

بللتُ شفاهي اشدُ على اصابعي متوتراً وسألتُهُ قائِلاً
"هَل يمكنني استعارةُ ورقةً منك وقلماً؟"

سريعاً حمل ورقةً وقلم يمدهما لي متحدثاً بعطف
"ان الكتابة للجميع..ماكان لهم الحق في سلب احدهم التعبير عن مشاعره..
الا انهم قد انتهكو حقك"

ظَللتُ أنظرُ الى مافي يديهِ دون ان امد يداي والتقطهما
سَكن قليلاً ومن ثم وضعهما امامي على الطاولة
وقف على قدميهِ بهدوء ومشى نحوي بظهره المقوس
يضع يدهُ على كتفي يُربت عليه ومن ثم ذهب بعدها يتركني وحدي

ابتلعتُ ريقي ومددتُ اصابعي امسك بالقلم بيدٍ ترتجف
انظرُ الى الورقةِ البيضاء بعيون مليئة بالكلام
الا انني اجهل كيفية نقله الى الورقة الفارغة

تذكرتُ رسائلك المكدسة ، كنت تكتب لي كثيراً دون ضجر
يخطُ قلمك ما يجولُ بقلبك وفكرك ، فمال قلمي لايجد ما يقول؟ ممتلئٌ بالكلام ورأسي محشوٌ بالكثير من الاسئلة
الا ان قلمي لا يكتُب ، ويدي لا تسكُن ، وقلبي لا يهدأ

الفرقُ بين قلمي وقلمك فرقٌ يصبُ الحُزن في قلبي القريح
إذ أن قلمك كان بريئاً ، يخطُ كلماتٍ صادقة ، مشاعر حقيقية ،  بيدٍ ثابتة تُجيدُ ما تكتب وتثقُ بِكُلِ حَرفٍ يُنقش

لكِنَّ قَلمي مُذنب ، والمذنب لا يجد ما يقوله ، ويخجل من إيِ ما يقول ، ويدي خائفة ، لا تُناصِرُ قلمي ، ولا تُساندهُ على الكتابة لك ولو حتى السلام!

-

عامين واربعُ اشهُرٍ قَد مضت على سجنِ تايهيونغ
انا لا اتعمد الحساب..ولكن قلبي يفعل

لا ادرِ إن كُنتُ عند وعدي لهُ بأنني سوف اسامحه ان اعترف بِكُل ما فعل..ولكن آملُ بأنيّ كذالك ، لانني لم اعتد ان اُخلِف وعداً اعدُه

"معلمي.....انتظر...."
نادى مارسيل من بعيد عند رؤيتهِ إياي اصعدُ في سيارتي السوداء بعد ان خرجتُ من متحفي،نزلتُ مُغلِقاً الباب خلفي وانا انظرُ اليه مُبتسماً بحاجبين معقودين استغربُ ركضهُ بهذه العشوائية التي تُظهرُ كم انهُ مُتحمسٌ لأمرٍ ما

"على رسلك ، على رسلك"
انادي عليهِ اهدأهُ اخاف من ان يتعثر ويقع الا ان قولي ماغير شيئاً من حاله ، حتى وصل امامي وبيدهِ ورقة بيضاء ، استندَ على رُكبهِ يجرُ انفاسه المتعبة
ورفع عيناهُ الزرقاوتين ينظرُ في عيناي وهو يضحكُ قائِلاً
"احزر ماذا؟"

عضضتُ على شفتي انظرُ اليه بنظرات استغرابٍ اسأله
"ماذا؟"

وقف بطولهِ ينظرُ في وجهي يسأل وهو يُحرك قدميه بحماس
"هَل انت مُستعد؟؟"

رفعتُ رأسي الى الاعلى بضجرٍ اقول
"آهه لازلت مارسيل ذو السبعة عشر عام وكأنك لست في العشرون من عمرك الآن،حسناً..مُستعدٌ انا لتقول"

عض على شفتيه بحماسٍ وقال بعدها ما جعلني ارفعُ حاجباي متفاجئاً
واضحكُ ملئ فمي بفرحٍ بالغ
"لَقد تَم قبولي في جامعة سوربون!!!!!"

"اصادقٌ انت؟؟"
سألتهُ وتكاد الفرحة لا تسعني فأجابني وهو اشدُ مني فرحاً
"نَعم لتنظُر...ماهي الا ثلاثُ سنين وسأصبحُ فيها مُحاميك الخاص،فدع عنك المحامي جيمس انهُ منشغلٌ بالتحضيرات لزفافهِ من الآنسة لونا على اي حال لن يكون متفرغاً لاستعادة حقك"

وقف بجانبي يُريني ورقة القبول الجامعي في يدهِ وهو يتحدث بسابق قولهِ لاضحك الفُ يدي على رقبتهِ وابعثرُ شعره بيدي الاُخرى اسأله بنبرةٍ مُمازحة
"هَل تُلمح بأنّي كثير المشاكل يا ازرق العينين ها؟؟"

تبسم ضاحِكاً يقولُ وهو يلتفتُ الي
"لا..بل من يوقعون انفسهم بالمشاكل معك كُثُر..انهم يتفوهون بالهُراء في كُل مكان لدرجة ان المحامي جيمس بات لا يلحق على اسكاتهم وقد بتما تمضيان اغلب ايامكما في المحاكم.."

أزلتُ يدي من على رقبتهِ اقول وانا اقابلهُ بجسدي
"دعهم يتحدثو بما يشائون..فبما قالو استطعتُ شراء هذه السيارة"
غمزتُ لهُ نهاية حديثي مما دفعهُ الى الضحك ليُجيب بعد ان هدأ الجو قليلاً
"وإني لا ارضى ان يُقال فيك كلمة..متشوقٌ لليوم الذي اُمسك فيه اول قضية واكونُ قد حققتُ حُلُمي بأن اغدو محاميك"

فتحتُ لهُ ذراعاي آخذهُ في كَنَفي اهمسُ لهُ وانا اطبطبُ على ضهره
"فخورٌ بِك مارسيل"

لاقول بعدها وانا لا ازالُ احتضنه بعد ان لاحظتُ امراً
"تكادُ ان تصير بطولي..يالهُ من عيب"

ضحك على قولي مُخرِجاً نفسهُ من احضاني يُجيب
"اذكرُ اولَ مرةٍ التقيتُك فيها كان رأسي يُقابلُ صدرك،كُنتُ اشارف على دخول سن السادس عشر آنذاك"

همهمتُ لهُ اتذكرُ تلكَ الايام القديمة لاقول بعدها وانا اُربتُ على كتفه مبتسماً
"لتذهب لتجهيزِ نفسك سنُقيمُ اليوم حفل عشاءٍ في منزلي بمناسبة قبولك في كلية الحقوق..اما انا فعليّ الذهاب الآن لاخذ امي ايليت من منزلها فهي تنتقلُ للعيش معي،اظنُ ان الرجال الآن قد أنهو توضيب اغراضها التي تُريدُ نقلها"

"هَل سيكونُ اجمل من الحفل الذي اقمتهُ لي عند تخرجي من الثانوية؟"
سألني وكأنهُ يُطالبُ بواحدٍ اجمل فهو يُحب رؤيتي اتفاخرُ بهِ بين الناس

ضحكتُ أومأ لهُ بالايجابِ قائِلاً
"نَعم سيكونُ اجمل ، وعند تخرجك من الجامعة سأصنعُ لك حفلاً كبيراً ادعو اليهِ كبار الفنانين اُعرفهم بك"

ابتسم ابتسامة عريضة يقولُ بعدها
"اتفقنا"

ومشى بعدها يلوح بيدهِ قائِلاً
"وداعاً الآن..عليّ الذهاب واخبار امي وشقيقتي بأنهُ قد تم قبولي"

بقيتُ راكداً في مكاني اتلذذُ حلاوة هذا الشعور ، لقد اختار مشاركتي سعادتهُ دوناً عن غيري ، اختارني واتاني يشاطرني اخباره السعيدة ،ما اجمل ان يستثنيك احدهم؟ان يوضح لك وللجميع انك لست مثلهم عنده ، ان لك مكانةً تختلفُ عن باقي البشر ، انك الاحبُ اليهِ والاقرب ، ما اجمل شعور الاستثناء!

قدتُ في سيارتي حتى وصلتُ الحي الذي كنتُ اسكنُ فيه
لقد وقعت الكثير من الاحداث في العامين الماضيين
التي غيرت حياتي بشكلٍ كبير

ركنتُ سيارتي خلف العربة التي حُمِل بها الاشياء الاحب الى العمة ايليت..اعني اُمي ايليت ،قد راق لي هذا القولُ اكثر

"اوه لقد اتيت.."
همست العمة ايليت وهي تُضيق عيناها للتأكد بأن القادم من قريب هو انا فقد ضعف بصرها عن السابق
"نَعم انهُ انا يا اُمي"

ابتسمت وقالت
"اهلاً بك لقد كنتُ انتظرك"
وقفتُ قُربها انظرُ الى الرجال الذين خرجو بالمقعد الخشبي الهزاز من الشقة يرغبون بوضعهِ في عربة النقل

تبسمتُ اقول
"اوَهَذا من الضروريات؟ سآتي لكِ بأفضلِ منه انهُ مُتهالك"

نَظرت إلي مؤنبةً تقول
"وكيف اخون وانا اكرهُ الخيانة؟ ، انهُ مُتهالِكٌ بسببي انا فكيف استبدلهُ حين انالُ على ما افضلَ منه؟ انا لا اخونُ شيئاً وإن كان دون روح هذا طبعٌ ليس بي"

ظهر على وجهي الودُ لِنُبل قولها وكم اطمح لنيل مثلِ نظرتها للامور ، فدائماً ما كانت نظرتها للامور تُثيرُ تعجبي
ولا ادرِ هل للعُمُرِ علاقة بطريقة نظرنا للحياة ام ان نظراتنا للامور تختلف بحسب ما عاشه كُلَ شخصٍ منا؟

اغلقتُ باب شقتها بالمفتاح بعد ان تم اخراج كل ما تريد نقله وخرجتُ بعدها من البناية اتجهُ نحوها لاعطيها المفاتيح ، ولكني توقفتُ عن السيرِ عند رؤيتي لساعي البريد قادماً من بعيد وتوقف يركنُ دراجته جانباً ونزل يبحثُ في سلتهِ عن مظروفٍ ما ، التقطهُ ومن ثم مشى نحونا وهو ينظرُ الى العمةِ ايليت وكأن ما بيدهِ لها

شددتُ على اسناني قائِلاً في نفسي انهُ بالتأكيدِ ابنها
ومشيتُ على عَجلٍ اريدُ الوصول اليهِ قبل ان يَصِل الى العمة ايليت المنشغلة بالحديث مع عُمالُ النقل

وقفتُ في طريقهِ ليتوقف عن السيرِ مُرحِباً
"مرحباً.."

"مرحباً..هَل لاُمي ايليت؟"
سألتهُ ناظِراً الى مافي يدهِ فأجاب قائِلاً
"صحيح..من الجيد أنني لحقتُ بها قبل مغادرتها"

نظرتُ ورائي واذ بها لاتزالُ منشغلةً بالحديثِ لاطلب منهُ قائِلاً
"اعطني اياه..سأتكفلُ بإيصاله"

عقد حاجبيه مستغرباً لاعتراضي طريقه
فإنه وبالفعل لم يتبقى سوى خطوات قليلة ويسلمها اياه بنفسه فعلاما امنعه

"لا بأس،انها وظيفتي"
مشى خطوةً نحو الامام إلا اني وقفتُ امامهُ من جديدٍ قائِلاً
"الا تراها منشغلةً الآن؟..على اي حالٍ انا من سيقرأ لها المكتوب فهي لا تُجيد القراءة..ولكن سأنتظر الوقت المناسب لهذا"

فكر قليلاً ينظرُ الى وجهي ليعلم ان كنتُ صادقاً ام اكذبُ في قولي
"حسناً..لا تنسى ايصاله لها"
قال قوله ومن ثَم مد يدهُ يناولني المكتوب
فالتقطتهُ وخبأتهُ سريعاً في جيب معطفي ابتسمُ لهُ شاكِراً

عاد يسيرُ بخطواتهِ نحو دراجته يصعدُ عليها في حين أني اراقبُ تحركاته ، وانتظرُ اللحظة التي تغيبُ فيها عينيه عني لاخرج المظروف والقيهِ في القمامة دون تردد!

غادر ساعي البريد ، وفي اللحظة التي مددتُ فيها يدي الى جيب معطفي نادت عليّ امي ايليت فأخرجتُ يدي من جيبي بسرعة
والتفتُ ذاهباً اليها مما جعلني انسى امر المكتوب

اقبل المساء وقد جمعتُ جميع الرفاق في بيتي الواسع لاجل الاحتفال بمارسيل ،وقد كُنا نحتفلُ بحديقة المنزل الامامية بشكلٍ جميل الى ان حان موعد العشاء فجلس الجميعُ حول مائدة الطعام وبدأو يأكلون بهدوءٍ وهم يتبادلون الاحاديث المؤنسة والضحكات التي تُبهجُني

"هَل يمكنك ان تسكب لي العصير؟"
رفعتُ عيناي عن طبقي وإذ ب كاريس شقيقة مارسيل تُحادث ادريان الشارد ولا يسمعها في حين ان الجميع لاهٍ في حديثٍ بينهم

تنهدتُ واستقمتُ امشي برويةٍ نحوهم
ووقفتُ قربها اقول
"سأسكُب لكِ انا"

رفعت عينيها المماثلة لعينين شقيقها تُجيب
"شكراً لك"

ابتسمتُ لها وانا اسكبُ العصير في كأسها لتسألني وهي تنظرُ الي
"هَل ستأخذني الى مدينة الملاهي مرةً اخرى؟"

أعدتُ وضع عُلبة عصير البرتقال على الطاولة اسألها
"هل تريدين الذهاب؟"

اومأت عدة مراتٍ بِلُطفٍ وهي تبتسمُ بوسع لاقول وانا أمسحُ على شعرها
"لكِ ذلك"

"لن تذهبانِ دوني!"
قال مارسيل يُشاركنا الحديث لاضحك قائِلاً
"انت بت كبيراً على مدينة الملاهي ايه المحامي مارسيل"

عقد حاجبيه بسوءٍ مما جعل من الطفلة كاريس تمدُ لسانها له تُغيضه ليقول متمتماً
"لم اعُد اريد ان اكون المحامي مارسيل..اريدُ ان اعود فتى المقهى مارسيل"

شعرتُ بالبردِ رُغم اننا نوقدُ ناراً بالخارج
فانسحبتُ بهدوءٍ انوي الدخول الى المنزل لاحضارِ معطفي
الا ان قول مارسيل اوقفني حين التفت يسألني
"الى اين؟"

نظرتُ اليه اقول
"سآتي بمعطفي واعود..لتُكمل طعامك"

أومأ لي وعاد للالتفات الى الامام محادثاً شقيقته الصغرى بشيءٍ لم اسمعه

بات صوتُ الجميعِ غيرَ واضحٍ فور دخولي المنزل
نظرتُ الى الاريكة واذ بي قد القيتُ معطفي عليها
فالتقطتهُ ولبستهُ أعودُ نحو باب المخرج
وضعتُ يداي في جيبي لتدفئتهما..شعرتُ بأن فيه شيئاً ، اخرجتهُ
واذ بهِ مظروفٌ بلون جذع الشجر فتذكرتُ مادار صباحاً

ولكن سكن حالي بِلحظةٍ
عند التقاط عيناي اسم المُرسل اليهِ
"جيون جونغكوك!"

بخفةٍ انعقد حاجبيّ ، فأدرتُ الظرف انظر في الزاوية السفلية من الامام لارى من المُرسِل..فهدأ كُل مابي
"تايهيونغ"

لقد ارسل لي رسالةً من السجن..هو يظنُ اني لازلتُ امكثُ في شقةِ الام ايليت..كُتِب على المظروف عنوانها الا ان الرسالة لي

انهُ يكتبُ لي لاولِ مرة..لا ادري كيف يكونُ خطُه ،هل هو بشعٌ كطبعه ام جميلٌ كوجهه ، لا ادرِ ماتكونُ كلماته ، هل صادقة كمشاعري ، ام مبتذلة كمشاعره

ولا ادري ان كُنتُ اريدُ قراءة الذي كتبه
ام اُريدُ تجاهله وكأنهُ ليس منه!

رمشتُ مرتينِ ابتلعُ ريقي ، قبل ان افتح المظروف والتقطُ الورقة افكُ طياتها واقرأُ ما خطتهُ يداه..

" تاريخُ الكتابة : 7/فبراير/1953
مرحباً..
والسلام على قلبك يا صاحبي
لا ادري كيف ابدأُ بكتابة رسالة،انها مرتي الاولى في ارسال الرسائل التي اخطُ بها ما يجوبُ خاطري..
حاولتُ ان لا ابدأ رسالتي بشكلٍ تقليدي إلا انني ولربما فَشِلت
ولكنني سعيدٌ بأنهُ تم اخباري بتاريخ اليوم فقد كانو يبخلون عليّ بهذا..

كنتُ اتذكر الذي كتبتهُ لي في رسائلك العتيقة علّ الامر يُعينني على الكتابة لك لاقتبس طريقتك في التعبير عن هيئة مشاعرك، الا ان موسوعة كلماتي ضيقة ،وليست كُفؤاً بأن تفصح عن شيء مما يسكنُ بي
ولكن اكثر ما يبعثر مشاعري هو..انسيتني جونغكوك؟
يسمحون بالزياراتِ هُنا فلما لا تزورني؟الاتزالُ تحملُ بخاطرك عليّ؟

حتى طيفك لم يعد يأتيني
طفقتُ أبحثُ عنه بين الزواية ، هجرني ومل مجاورتي
بعد كُل القصص الماتعة التي قصصتها عليه هجرني في النهاية
غيبت وجهك عني لسنين ، فَلِما تحرمني من طيفك ايضاً؟

اشتاقُ لرؤيتك جونغكوك
انا لم ارتوي من رؤياك حين التقينا
فقد حجبت عني دموعي رؤية صورتك بشكلٍ واضح
كانت جزءاً من عيناي في كُل مرةٍ اجتمعتُ بك فيها

اشتاق لصوتك حين تضحك
انت لم تضحك لي بعد ان اجتمعنا
وانما ضحكت على حُزني الذي غرقتُ بهِ
هَل كان يسُرك حُزني جونغكوك؟

اشتاق لدفئك شوقاً يؤلمني
فهنا كُل شيءٍ بارد ، كل شخصٍ ، وكل شعور

قد كان لصداقتك عِطرٌ وأريج ، كُنتُ فَرِحاً بِها كمن يفرحُ بثوب العيد ، الا ان ثوبي قد سُلِب مني ، وعيدي.،انا ليس لي عيد

ليتك تعلم ما يفعلونه بي هنا يا صاحبي
ولكن،هل سيسرك ما يفعلون؟
ام انك ستوصيهم ان لا يمسوني بأذىً ، فأنا صاحبك الذي تخاف عليه من النسيم كما قُلت لي!

الآن..اُصبتُ بالمرض لشدة تعبي ، بِتُ ممتقع اللون وبارد البدن، ولكن لم يكترث لامري ايُ أحد
اتذكر ياصديقي؟حين داريتني عند اصابتي بالحمى؟
لقد كُنت رحيماً بي كما لم يكن احداً قبلك
اينك عني الان جونغكوك ، انني مُتعب ولا اشعر بيدك على جبيني

اتذكرُ حين اعطيتني الدواء وقد كُنتَ حينها تخاصمني الا ان تعبي ما هان عليك يومها رغم ماكان ، فعلمني..كيف هنتُ عليك الآن؟

جفائك هذبني ، وعلمني انّي لستُ شيئاً دونك
وصدك اواهٍ كم اتعبني!
ارتجي منك زيارة ، او سؤالاً عن الحال
لا تحادثني فقط دعني انظر اليك!..
انتظرك جونغكوك ، لا تُطل الغياب اكثر ،انني اتلاشى هُنا ف مُر حُباً"

"معلمي.."
ندهني مارسيل فور دخولهِ من الباب وسريعاً خبأتُ الرسالة وراء ظهري اشدُ عليها دون شعورٍ مني

"لقد تأخرت في العودة..اَكُلُ شيءٍ على مايرام؟"
سأل قلِقاً لشحوب وجهي المفاجئ لاقول وانا امشي ناحيته
"نعم..اظنُ انني اُصبتُ بنزلةِ برد هذا كل مافي الامر"

ادرتهُ اضع يدي على ظهره لنمشي خارِجاً وانا اخبئُ الرسالة بيدي الاخرى وراء ظَهري

الى ان وصلنا الى المكان الذي يجتمعُ فيه الجميع
فاصطحبتهُ الى مكانهِ دون ان اجلس جواره
بل اكملتُ سيري لبضع خطواتٍ الى الامام..متجهاً الى النار المتقدة
القيتُ رسالتهُ بِها فأحرقت كُل حرفٍ بها..كُل كلمة ،كما فعلت امي ايليت حين جائها مكتوبٌ من شخصٍ كان عزيزاً عليها ، الا انهُ قد جاءها بعد فوات الاوان ، بعد زوال الشعور ، اتذكرُ انني لُمتُها في ذاك الوقت ولكنِ الآن فهمتُ جيداً كيف كان شعورها

فِعلي هذا لا يعني انني لن اسامحه ، الامرُ فقط ان جُرحي لا يزالُ رطباً ، احتاجُ وقتاً لانسى ، لارمم نفسي من جديد

موت آلبرت على يد ابراهام قد زاد الامرَ سوءاً
لا استطيعُ نكران حقيقة ان تايهيونغ كان السبب فيما جرى
يصعبُ عليّ رؤية ادريان وهو يغرق في حُزنه يوماً بعد يوم
صحيحٌ اني حاولتُ قدر الامكان ان لا اتركهُ طويلاً وحده
ولكنه يكونُ معنا بجسده الا ان باله ليس هنا ابداً
لا دموع على وجنتيه ، ولكنك تستطيعُ رؤية الانكسار في عينيه..

ربما اليوم الذي اسامح فيه تايهيونغ آتٍ ، ولكنهُ بعيدٌ جداً
لانني لن اُسامحهُ الى حين ان تُجبر كُل الكسور التي افتعلها بي
سريعٌ هو كسري ، ولكن جبر كسري يطول

-

مَرت الايام .. والشهور .. وربما السنين ..

رسائلٌ تكدست بصندوق بريدٍ خاطئ
مُغتربةً قد اُلقيت بوطنٍ ليس بوطنها
ولكن..مَن يُخبر ساعي البريد ان الرسائل لَن تُقرأ؟
ومَن يُخبر السجين تايهيونغ..ان رسائلهُ سجينةً مثله؟ .

رايكم؟

-

Continue Reading

You'll Also Like

5.5K 371 11
"شعر بشيء حاد يغرز في معدته لتخر قواه ويسقطُ أرضًا. نظرت سندس بعدم وعي لمروان الساقط أرضًا وعلى دمائهِ المنتشرة على السجادة. نظرت للسكين مطولًا، وفجأ...
24.5K 2.6K 6
ذكرى تركك لي بينما كنت طفلا لا زالت عالقة بذكرياتي، أكملت حياتي بعدك راكضا خلف أحلامي..، الحقيقة التي أجهلها خلف تركك لي دائما ما كنت أحاول معرفتها،...
100K 10.7K 12
"أُناسٌ يرونها قبيحه، و أنا أراها جُزرٌ قد رست على جسدي" 21/9/2016 تم التعديل 6/6/2018
3.3K 279 11
" أحدهم سبقنا بخطوة سيدي... لقد أطاحوا بأحدهم.. وكما تعلم لا وجود لأحدهما دون الآخر" هم كانوا هكذا حقاً... التوأم الذي لم يستطع أحداً هزيمته... التوأ...