نَالين

عودة الماضي

في هذا الوقت بالتحديد تحتل أفكاري، وأشعر بروحك تطوف حولي، و اسْتأنَس بكَ في وحدتي.
- أما قبل ... ‏النورُ هو التَّلميح الذي تُخبرنا بهِ الحياة ، لتقول لنا أن الظلام لا يُمكن أن يبقى إلى الأبد .!
...
لنبدأ بسرد أحداثِ قصه خيالية .. لا أدري كيفَ أتتني الفِكرة ولكن " يعتقد البعض أنك إذا كنت قادرًا على الكتابة وتعبر عما في داخلك ، فأنت تمتلك القدرة على التخلص من كل مشاعرك السلبية، لكنهم لا يعلمون أنك توثيقها وتموت ألف مرة كلما قرأتها، هذا ما يسمى بالخدعة الحقيقية ..
سلامٌ عليكَ يا صديقي

لن أطيل الحديث ولنبدأ بسم الله ..

✿✿✿✿✿

"في تلك الليلة حالكة السواد مع أصوات المطر التي تطرق الأرض لشدة غزارتها ،يصدر البرق صوتًا مرعبًا.
كانت تجري تلك الطفلة الصغيرة التي لا تدري إلي أين ولكنها تركض خائفةً، و علي وجهها علامات الإرهاق ، والتعب الشديد ،الشوارع خالية تمامًا من البشر ، وكأن الأرض إنشقت وإبتلعت سكانها " تلك الذكريات الحزينة التي دائما ما تأتي لتلك الفتاة ذات الوجه البيضاوي الجميل والعيون الزرقاء .شعرها القصير الأحمر الكرزي ينسدل علي عينيها الواسعتين .سمعت صوت النادل الذي أخرجها من دائرة أفكارها وذكرياتها ،

_النادل بلغته الأنجليزية وهو يعتدل في وقفته

_عذرًا كيف أساعدك ؟

_أجابته بالإنجليزية وقد اتسعت حدقات عيونها ونظرت ناحيته بإهتمام

_حسنًا سيدي ، أريد قهوة بدون سكر وكعكة سكر .

ثم أمسكت ذلك الكتاب الذي كانت تقرأه وعادت لشرودها  من جديد ،
كانت انجلترا مدينة تطل علي شوارعها علامات الهدوء والملل فهي مدينة لا تشرق فيها الشمس .
دائما السماء يغطي صفوها الغيوم الرمادية .

فجأة بدأ المطر الغزير بالهطول أحضر النادل الطلب لها ووضعه برفقٍ أمامها وقال بهدوء وهو يعقد حاجبيه العريضين
_تفضل يا آنسه إنه طلبك ، إن إحتاجتِ إلي أي شيءٍ سأكون بالخدمة .

فاحت رائحة القهوة في المكان وصار الجو دافيء قليلاً و ألوان الطيف تعانق بعضها البعض في السماء ، أصوات الزبائن التي تعالت ، ضحكات الأطفال البريئة ، لقد كان المقهي مكانًا في غاية الجمال حقًا..
لقد شردت عن كل ذلك وبدأت ترشف رشفات صغيرة من قهوتها وهي تتناول الكعكة ،
وكانت تفكر بهدوء كيف لها أن تجد ذلك الشيء في تلك المدينة الكبيرة التي لا تعرف فيها أحدًا .. قاطع حبل أفكارها صوت صراخ صاحب المقهي في وجه ذلك الشاب ،

كان الشاب ذا وجه مريح وجذاب وله عينان سوداويتان كأن اللون الأسود كله إجتمع داخل عينيه
وشعره الأسود القصير، يبدو علي ملامحه الإرهاق وعيونه مرهقة برغم أن ملابسه تبدو أنيقة وتدل علي أنه من طبقة الأغنياء .
عندما رأت هذا المشهد هبت واقفة وذهبت لصاحب المقهي قائلةً:
ما الأمر سيدي ؟
صاحب المطعم بلهجته الإنجليزية
_هذا الشاب لم يدفع ثمن طعامه ويدعي أنه فقد محفظته.
بهدوء شديد قالت بالإنجليزية
_حسنًا سيدي تفضل ثمن الذي طلبه. واحتفظ بالباقي ،
وأمسكت أغراضها وخرجت من المقهي.

فتبعها ذلك الشاب قائًلا

_ عفوًا يا آنسة ،شكرًا لمساعدتك لي يا يـ..

قاطعته وهي تتفوه بتلك الكلمات بلا مبالاه

_ نالين اسمي نالين

الشاب بنظرات حيرة من تصرفها الغريب ذاك
_لماذا فعلت ذلك ؟

نالين وقد عقدت حاجبيها بتوتر

_ لا أدري حقًا .. ربمّا لأنني لا أستطيع ترك شخصٍ بحاجة للمساعدة.

الشاب بإبتسامة خفيفة وهو ينظر بإهتمام  إتجاهها

_ حسنًا ، إسمي دِلير وقد وصلت للتو من البرازيل وهذة سيارتي. (وكان يشير بأصبعه إتجاه سيارة فاخرة لونها أسود قاتم ) ثم أردف ،
أعتقد أنني فقدت محفظتي أثناء السفر .
ساد الصمت للحظات ..

نالين وقد إتسعت حدقات عيونها وبدأ العرق يتصبب من جبينها وبدأت تتلعثم بالكلام وبدأت تلك الذكريات تأتي إليها مرة أخري وبدأت تتنفس بصعوبة وقلبها ينبض بسرعة ، ثم أمسكت أغراضها وبدأت تركض كأنها غزالة تركض خوفًا من الأسد أن يلتهمها ، ربما ظنّت أنه قد تم إرساله إليها من قِبل أولئك الأشخاص ،
وقف الشاب حائرًا لرد فعلها الغريب ولكنه سرعان ما تبعها لقد إنتابه الفضول لمعرفة قصة تلك الفتاة ،
كانت الشوارع مذحمة بالناس وأصوات التجار عالية وتلك السيدات اللاتي يضحكن بصوت مرتفع وهؤلاء الأطفال الذين يمرحون كانت نالين تركض وكأنها لا تري ما حولها لم تدري حتي ما الذي تفعله هي
وبدون أي مقدمات وقعت علي الأرض .

توقف الشاب ليأخذ نفسه
_ تري أين ذهبت نالين ..

وسرعان ما وجد الناس مجتمعين في منتصف الطريق ، إقترب من الحشد فوجد نالين علي الأرض، إقتربت منها فتاة تقاربها فالعمر  لها تسريحة شعر غريبة كأن شعرها مقصوص بطريقة عشوائية ،
وأخرجت تلك الفتاة  زجاجة عطر من حقيبتها السوداء الصغيرة ،مررت العطر علي أنف نالين وسرعان ما بدأت نالين في إستعادة وعيها .
بدأت نالين في النهوض وسط ذهول الناس وجلست علي الأرض تحدق فالفتاة وسرعان ما صرخت..  باران !!
...

دار الأيتام

قبل أربعة أعوام في عام 2013 ..

في دار الأيتام القديم حيث كانت تحيطه حديقة واسعة تطل النوافذ علي أشجار الكرز الجميلة ،

جلست الفتاة ذات الرابعة عشر عامًا علي تلك النافذة القديمة تراقب المارة ،
كانت تتمتع بجمال فاتن حيث شعرها الأسود الطويل والعيون البنية التي تلمع في أشعة الشمس كالألماسة المضيئة، ووجها المليح الذي يجعل كل من يراه يطمئن له،
كانت الرياح تحرك شعرها الحريري ، قاطع هدوء المكان صوت سيارة مديرة الملجأ ،نزلت من النافذة وكادت تغلقها لولا أنه لفت إنتباهها تلك الفتاة التي نزلت من السيارة لقد كانت ملابسها مهترئة وشعرها الأحمر الكرزي به خصله زرقاء مظهرها الغريب ذاك لفت إنتباها بشدة.
وبسرعه أغلقت النافذة قبل أن تلحظها المديرة .
وقفت أمام المرآه وصارت تتأمل مظهرها ..ولم يمر بعض الوقت حتي سمعت طرق أحدهم علي الباب
_باران سأدخل ،
وسرعان ما فتحت المديرة الباب ،ثم دخلت المديرة ومعها تلك الفتاة ،
المديرة بنبرتها الحازمة تلك وهي تعتدل في وقفتها التي تدل علي ثقتها الزائدة بنفسها فتلك المديرة من عادتها التبجح

_ستكون شريكتك بالسكن يا باران ، ثم أردفت بلا مبالاة

إسمها نالين وهي تكبرك بعام ،والآن سأنصرف كونا هادئتين ثم خرجت تلك المديرة ذات الوجه العابس ،و أغلقت الباب خلفها بمفتاح..
ساد الصمت قليلاً
ثم ذهبت باران إلى خزانتها ،و فتحتها ، ثم أخرجت منها فستانا أسودا جميلاً ، و أعطته إلى نالين و قد بدت علامات السعادة علي وجهها

_ تفضلي فلترتدي هذا آمل أن يعجبك، هو ليس بالكثير ولكنني أحب هذا الفستان ،
نظرت إليها نالين في آسى ولا مبالاة ثم قالت بنبرة حزينه

_ إنني لست بحاجة إلى ذلك لست بحاجة إلى شفقة أحدهم علىّ ، وقد إرتسمت علي وجهها ملامح الحزن

ذُهلت باران ثم أمسكت بيديها وهي تنظر نظرات عطف وحنان

_ إنني كنت في يوم بمثل حالتك هذه ،لقد  سعدت كثيرا بقدوم أحد للإقامة معي و في نفس غرفتي!

لم تتفوه نالين  بكلمة ،و بدون اهتمام تركت باران ،
و ذهبت تجلس في ركن الغرفة بهدوء ، ثم تبعتها باران و ثم تكلمت بنبرة جادة وهي تجلس علي الأرض وتضع قدميها بمحاذاة صدرها

_ لقد بقيت في غرفتي هذه لمدة تسعة أعوام وحدي ! لا يُسمح لى بالخروج حتى أنها تغلق الباب خلفها في كل مرة تخرج و وجبتي الغذائية فقط ما احصل عليه خلال اليوم ، و ها أنت الآن تصبحين شريكة لي و أول صديقة لي في هذا المكان ، حياتي كانت عبارة عن ...

و لم تكمل حديثها إذ تجد نالين فقدت وعيها أمامها
شعرت باران بالخوف والتوتر في نفس الوقت فهي لا تدري ماذا تفعل تكلمت بصوت متقطع يملأه الخوف
نالين .. هل أنتِ بخير ماذا حدث.. نالين
و هي تحاول أن تفيقها، 
ثم ترتكز بقدميها علي الأرض في محاولة للزحف باتجاه نالين
فتلمح شيئًا ما يلمع

إذ تجد عطرا بجانب نالين موضوع بين ثيابها ففتحته
حسنًا ربما إن مررته علي أنفها سوف تفيق ،
وبدون إدراك وقع منه القليل على انف نالين ، و سرعان ما أفاقت نالين من حالتها ،
باران بلهفة و قلق وهي تمسك يديها بخوف

_هل أنت بخير ماذا حدث لك توا
قامت نالين وعلامات اللامبالاة تظهر علي وجهها
و لم تجب على سؤال باران ، لقد تجاهلت الأمر تمامًا ،
تحركت باران بحزن ، وذهبت مرة أخري إلى نافذتها و هي تنظر إلى الأجواء أمامها و تتساءل عن حالة نالين ، مرت نسمه هواء حركت خصلات شعرها الأسود الطويل وساد الصمت علي المكان دون أي تجاوب من الطرفين .
بعد مرور خمسة دقائق
تقترب نالين من باران فتتفاجئ باران بأن نالين ارتدت الفستان!
باران بفرح شديد وقد بدأت عيونها باللمعان

_ إنه جميل جدًا عليكِ يبدو لونه متناسقٌ جدًا معكِ ، حتى أنّه عليكِ أفضل مني بكثير!
نظرت إليها نالين بعطف ثم قالت بلطف

_شكرا جزيلاً لكِ أنتِ تعاملينني بلطف كبير أقدر لكِ هذا ،
ثم فجأة قامت نالين بإظهار أطراف من يديها إذ ترى باران يدا نالين كلها عبارة عن جروح و دم و كأنه توقف لتوه!
لم تسألها باران عن سبب ذلك مخافة إزعاجها وأسرت في نفسها وصمتت ،
مضت أيام وتقرّبت نالين من باران ، لقد كانا يلعبان كثيرًا سويا حتي مضي علي ذلك عامان .

لقد صارت الفتاتان أفضل صديقتين ،
وفي أحد الليالي جلست نالين بجور باران ووضعت رأسها علي كتف باران ، ساد الصمت لبره. .
نالين بنبرة جادة وقد ضمت قدميها وإرتكزت بصدرها عليها

_باران سأخبرك بسر لكن هذا سيكون بيننا..
.
.
يتبع.