حَتى تُشرِق مِن مَغرِبها

By is17rr

198K 16.3K 12.9K

يؤسِفُني انه في الوقت الذي كُنتُ انظر لكَ فيه على انك مُعجزةً ما جميعُ الاهلِ والاصدقاء الشمسُ والقمر الفجرُ... More

1-طيفٌ زائِل
2-البريد
3-طريحُ الشوق
4-رفيق الباب المجاور
5-قائمة الامنيات
6-لائحة امنياتي
7-سمكتي ذهبية اللون
8-نفحات مِن الماضي
9-تَنمُر
10-هدية مرفوضة
11-نادم
12-البصارة والفتاةُ الصهباء
13-اُمنيتي الأُولى
14-إرسُمني جونغكوك
15-عِراك
16-سجين
17-هروب
18-نَفس
19-نَدبة
20-كفالة
21-فريزيا
22-مُقلتاي
23-لأنَك أحببتني
24-عِناق
25-مُحاكمة
26-حتى الأزَل
27-خائِب
28-تجاهُل
29-آخِرَ مكاتيبي
30-الحَقيقة
31-كاذِب
32-أَنانِيّ
33-خَشبة المَسرح
34-عَبَقُ ذِكراك
35-دَنِف
36-انتَ وأنا
37-عَتيقُ ليلانا
38-تَلاَق
39-ثَمِل
40-ليلَ قَلبِهِ وغَيثُ عيناي
42-مَنسي في كَنَف الشجون
43-لنهايتنا بداية يا شَمسي وقَمري
آراء..

41-تَهْويدة

3.8K 282 565
By is17rr

نادِني بإسمي
سأَحيكُ مِن حُزني جناحين
أغيضُ بهما سماءً لَم تُغثني

نادِني بإسمي
سأُراقصُ النجوم
وأُقبلُ ثَغر الغيوم

نادِني بإسمي
سأخيطُ بنبرةِ صوتك ثقوب قلبي
ؤأعودُ بقلبٍ سليم لا يزعجك صوت مرور الأحزانٍ من خلاله

نادِني بإسمي
سأُجالسُ فِ الليلِ حُزني
وأسقي الوردَ بمياهِ دَمعي

نادِني بإسمي
سأُعطيك أياماً من عُمري
وأُغيرُ كُل ماتكرهُ من طَبعي

نادِني بإسمي
سأزرعُ على كُلِ رصيفٍ من ابهى الزهور
سأعتذرُ مِن كُل بائسٍ ومخذول
واصافحُ كُل وحيدٍ ومجهول

نادِني بإسمي
سأكتبُ عَشر روايات تُبجل الصداقة
واحرقُ عَشر اشخاصٍ خانوا العهود
سأقنعُ الحرب ان تُسقطَ رائها وترفعَ أقلامها
ان تُبدل القاف حاء ولا تَهوي بالقافِ ارضاً فما يتبقى سوى آلامها!

نادِني بإسمي
سأخونُ كُل مواقفي
سأحب ما تُحبه
سأُحبُ ضوء القَمر
انا الذي يّهيمُ حُباً بِنور الشمس
سأُحب الشتاء
واحتسي القهوة صبحاً ومساء
سأحب الموسيقى الحديثة
انا الذي يهوى كُل عتيق
وسأُعَودُ صوتي على الغناء
انا الذي لا يصدر صوتهُ الا عند البكاء..

نادِني بإسمي
فأنا مُتعبٌ مِن هذا الجَفَاء
فَقط نادِني بإسمي
لالمس نجمةً تُشبِهُ عينيك من نجومِ السماء!

لَم أنم
ولَم يرف لي جفناً
وكيف يباغتني النعاس وانا مُثقَلٌ بهذا الشعور؟
تارةً اودُ البكاء فأبكي حتى ينقضي دَمعي
وتارةً اخرى اودُ ان اجلس هكذا خالٍ من أي مشاعر
فقَد سُلِب مني ما هو مِن حقي ان امتلكه
سُلب شعوري بالأمان،بالرضا وبالسعادة
لَم يتبقى لي شيئاً مني سوى حُزني
فبِتُ استهلكهُ بشكلٍ مُفرط عِند كُل لحظةٍ أتذكرُ فيها..
قسوتهُ بي

اجلسُ هُنا في زاوية طريقٍ مهجور
منكمشاً على ذاتي اسندُ رأسي المُتعب على الجدار المهترئ خَلفه
مُمتلئٌ بالأسى والخذلان على كُل ما فات من عُمري
ظَللتُ اتذكر كُل ما عشتهُ من اشياءٍ رويتها واشياءَ لَم ارويها
ولشدة بشاعة ما تذكرته من أيامٍ لَم تُنصفني
انفجرتُ ضاحِكاً على نَفسي!

ضحكتُ وضحكت
حتى آلمني فَكّي
طال ضحكي حتى ادمعت عيناي لشدته
صوتُ قهقهاتي يتردد على مدى الطريق
يتعالى ويصدح في الارجاء
يُعكرُ مزاج تِلك القطة التي هَربت من حاوية القمامة
ويجعلُ من تلك العصافير تهجرُ سقف العمارة وتُحلقُ بعيداً
ويجعلُ مني..كالفاقد لرشده منذُ أمدٍ بعيد
واستعادهُ فجأةً ليُدرك أن ما من شيءٍ يدعو للضحك
وكل شيء يدعو للبكاءِ والنحيب

فانقلب حالي من ضحكٍ الى بُكاءٍ مرير
تتسابق دموعي من تصلُ حدود اجفاني اولاً
ويتمزقُ قلبي يرجوني ان اُوقِف كُل هذا
إلا أنني لا أستطيع تلبية رجائه
فأنا لا اُتقنُ شيئاً غير البكاء

خسرتُ كُل شيء
ضاع من يدي كل ما احكمتُ امساكه
كُل اتعابي طارت في مَهب الريح
وكل آمالي كُسِرت وتناثرت
مثلما يُكسَرُ فِنجان
او انسان..

ظللتُ ساكِناً كما لم أكُن من قبل
أنظرُ بعيناي الذابلة الى السماء الفاتِحة
فّقد حَل الصباح
انما على المدينة لا على داخلي

اودعُ كُل ما تحط عليه انظاري للمرة الاخيرة
اودع الزاوية الباردة التي لم تشتكي هَول سَخَطي
اودع الرصيف الهادئ الذي احتواني دون معاتبتي او التذمر مني
واودع الجدار المُتعب الذي ساندني دون ان يُشعرني بثقلي
وأُفكر..كيف للجمادِ ان يحمل الصفات التي خلا منها الانسانُ نفسه؟

وقفتُ اتكئُ على ظِلي
بَعد تبعثُرٍ دام طوال مُدة اسوداد الدُجى
استقمتُ بجذعي
وسِرتُ الطريق المديد بخطواتٍ خائرة
ذاهباً..نَحو موتي

-

افاق ادريان من نومهِ فجأةً وهو يشعرُ بالضيقِ في صدره
رفع الغطاء الخفيف عَن جسده
وجلس على فراشهِ ينظرُ في ارجاء حُجرته بهدوء
يحاولُ فِهم هذا الشعور بداخله
ما سببه؟وما مصدره؟
انه يزوره لاول مرة طوال الخمس وعشرون عاماً الماضية
وهو يُخيفه،وبشده

وقف بطولهِ قاصِداً باب حُجرتهِ التي نَأَى عنها مُغلِقاً الباب وراءه
بَدل ثيابهُ لاخرى وفكر بالذهاب الى الميناء لاستنشاق بعض الهواء النقي
عَل وعسى يزول هذا الشعور الذي سَد شهيته عن تناول وجبة الافطار

فتح باب شقتهِ ناوياً الولوج منها
ولكنه توقف عند رؤيته تلك السيارة التي تركنُ امام مَسكنه
وذاك الرجل الذي يتكئُ عليها

"صباحُ الخير، لَقد تأخرت في استيقاظك"
نده آلبرت الذي يقفُ مُبتسماً وهو يحملُ بيديه كوباً من القهوة وكوباً من الشوكولاتة الساخنة

اقفل ادريان الباب بهدوء وراءه وهو يثبت انظاره على آلبرت
خطى نحوهُ بحاجبين معقودين بخفة وهو يُفكرُ بما جاء بِه؟

بَش وجهُ آلبرت عند رؤيته لادريان يخطو تجاهه وفكر في نفسهِ قائِلاً
ان الدقيقة في الانتظار يُستحالُ ان تكون ستون ثانية فقط
فَقد هَرم وَشَاب قلبُه اثناء انتظارهِ لوجه صاحبهِ ان يُطِل عليه

تحدث آلبرت قائِلاً بعد ان وقف ادريان قِبالته
"لَم أشأ ان اتطفل عليك وافسد نومك فانتظرتك حتى تستيقظ بنفسك
انا اقفُ هُنا مِن قبلِ بزوغ الشمس"

"مِن أين عَرفت عنوان سَكَني؟"
سأل ادريان متجاهلاً قول آلبرت الذي تدارك وضعهُ المحرج بابتسامةٍ خفيفة يقول وهو يرفع حاجبهُ الأيسر
"اليس من العيب سؤال رَجُل شرطة سؤالاً كهذا؟"

"هَل اجريت تحقيقاً بشأني حضرة الملازم اول؟"
سأل ادريان منزعجاً وهو يُكتفُ يديه ويُحكِمُ تكتيفها
قبل ان يُجيب آلبرت قائِلاً بصوتهِ الموزون
"ان أقول بأنني فعلتُ سيكونُ اهونُ عندك من ان أقول بأنني راقبتك وتبعت خطاك حتى عَلِمتُ مكان سكنك اليس كذالك؟"

"هذا صحيح"
اجاب ادريان
"اذاً فقد فعلت"
رد آلبرت

زم ادريان شفتيه مفكراً وهو ينظرُ الى وجه آلبرت ذو الملامح الباردة
ليقول بجدية بنبرة صوتهِ المُستاءة وهو يرفع رأسهُ بخفة
"لا يحقُ لك مراقبتي فإني لستُ مُتهماً بأيٍ مِن القضاية"

نَظر آلبرت بعينا ادريان قائِلاً بنبرةٍ صارمة
"ولكنك مُتهمٌ بواحدة!"
لان صوتهُ وتبسم وجههُ يُكملُ ممازحاً
"هَل تظن بأنه من الممكن ان اتخلى عن حقي في الخروج معك؟الاتفاق اتفاق ولن تفلت مني حتى تُحقق شَرطنا..لا تَنسى بأنني بذلتُ جُهداً حتى اجمعك بجونغكوك،اذاً استحقُ بجدارة فرصتي في قضاء الوقت برفقتك"
غمز نهاية حديثه يجعلُ من ادريان يغمضُ عينيه متنهداً بقلةِ صبر

وقال بعد ان اعاد فتح عينيه
"ومن قال لك أنني مُتفرغٌ لك الليلة؟
وليكُن بعلمك حضرة الملازم الاول ان الجميع منا يملك عملاً ينشغل بهِ
ليس فقط رجال الشرطة واصحاب المكانة المهمة..كإياك"

ابتسم ساخِراً نهاية حديثهُ فهو يدرك ان آلبرت كان همه الاول ان تصبح لهُ مكانةً مهمة بين العالمين وأن سببه الاول بالتخلي عنه كان لتحقيق هذه الغاية
وهذا ما يجعله يأبى مسامحتهُ او حتى اعطائه فرصة للحديث
فمن المستحيل ان ينسى مرارة ذاك الشعور
انهُ لم يكُن كافياً له

زالت ابتسامة آلبرت التي نسجها على شفتيه منذ رؤيته لادريان
وقال بينما هو يرمش عدة مرات
"ولكنني بالويل حتى استطعتُ اخذ اجازةٍ لي لألقاك بها..
لن آخذ الكثير من وقتك صدقني،اليوم بطولهِ فَقط"

ضحك ادريان بخفةٍ غير مُصدقٍ لجرئة آلبرت في الحديث
آلبرت الذي عادت ابتسامتهُ لتسير بِرقةٍ على شفتيه كفتاةٍ يتمُ مغازلتها
عند رؤيتهِ لضحكة ادريان الحقيقية لاول مرةٍ بعد لقائهما
وكل ما دار في ذهنه لحظتها
'لتضحك دائماً ياصاحبي فتِعساً لكُلِ ما يعبسُ لهُ هذا الأديم..'

"لقد بردت قهوتي اثناء انتظاري إياك ولكن لا بأس..
احضرتُ لك الشوكولاتة التي يُفترض ان تكون ساخنة ايضاً الا انها بردت هي الاخرى فقد اعتقدتُ بأنك تمقت مذاق القهوة وهذا ما يبرر رميك اياها في القمامةِ ذاك اليوم"
وكان هذا تبريراً غير حقيقي من آلبرت لادريان
انهُ يخلق له الاعذار لانه لا يريد ان يكرهه
هذا ما يجيد فعله من يحب بصدق
خَلق الأعذار من اللاشيء

مَد كوب الشوكولاتة نحو ادريان الذي انزل عينيه اليه
وقال بصراحة بعد أن مد يدهُ يلتقطه من يد آلبرت
"انت تعلم بأنني رميتها في القمامةِ لأني اكرهُ كُل شيء منك لا لأنني لا أحب القهوة فما الغاية من تزييفك هذه الحقيقة؟
وأخذي لهذا منك لا يعني بأنني لا اكرهه
ولكنني بالفعلِ احتاجُ لشيءٍ حُلو في وقتٍ كهذا"

وقد قصد ادريان ان الوقت الذي يقضيه بجوار آلبرت لا يُعجبه ولا يستحليه
إلا أن آلبرت تجاهل مقصده وحافظ على ابتسامتهِ يومئُ برأسهِ بخفة
رافعاً كوب قهوتهِ الباردة الى فمهِ وارتشف منها مُتلذذً بمذاقها المُر

"لاولِ مرةٍ اراك مرتدياً لباساً غير خاصة العمل"
سرق انتباهه قول ادريان الذي فتح معهُ حديثاً لاول مره
وقد استأنس آلبرت لهذا كثيراً
"انت شديد الملاحظة"

همهم ادريان الذي اهدى آلبرت ضهرهُ ماشٍ نحو ذاك المقعد الطويل ليجلس عليه واجاب وهو يشربُ من كوبهِ مُتهرباً من مواجهة آلبرت
"نَعم فَقد لاحظت انك تملك ذوقاً فظيعاً باختيارك لملابسك،عُد لزي العمل"

تبسم آلبرت،بل ضَحك بوسع فمه
فأجوبة ادريان دائماً ما تروق له
وان كان كلامهُ قاسي الأثر في الكثير من الاحيان
إلا أنها الأحَبُ الى قلبه

انزل رأسهُ بخفةٍ ينظرُ الى ثيابه
هو بالفعل قام بشرائها حديثاً من اجل هذا اليوم
فإنه يعتبر يوم لقياه كيوم العيدِ وأجمل

"لَقد كُنتَ انت دائماً من يختارُ لي ما ارتديه حين كُنا صغاراً..لقد كنت تعطيني اهتماماً واسعاً لم يعطني اياه احدٌ قبلك او بعدك..اشكرك على هذا،من اعماقي"
تحدث آلبرت وهو يشعرُ بالإمتنان يفيضُ من فؤاده
وبالحسرة التي طغت على سابق شعوره
فقد خَسِر بأفعالهِ الشخص الوحيد الذي اهتم لهُ بصدق
وربما تكون خسارتهُ ابدية
وهذه الفكرة تجعل من آلبرت ينصهرُ حُزناً
ومن ثم يُعاد تشكيله بكل عشوائية،ليكون مجسماً يُمثلُ معنى الخسارة المحتومة
وحتى الآن لا أحد مِنا يفهم..لِمَ الإنسان لا يُدرك قيمة ما يملكه إلا بعد فقدانه؟

مشى آلبرت خطوتين كانتا كفيلتين بإيصاله لجوار ادريان
استند بظهره على على صلابة المقعد وراءه واستمع لقول ادريان الذي استرسل متحدثاً بصوتٍ وقور
"لو كُنتُ أعلم انك لستَ اهلً لهذا الاهتمام لما كنتُ اعطيتك إياهُ يوماً
ولكنني كُنتُ في غفلةٍ مِن أمري،ان الأمرَ دائماً ما يكونُ هكذا..تعطي الاهتمام وتُعطيه قائِلاً بأن من تهتم لأمرهِ يستحقُ أكثر من ذالك ولكن يأتيك يوم تأخذ فيه نفساً طويلاً وتهمس لنفسك كَم كنتُ مُغفلاً!."

مَن قال أن الكلمات لا تجرح؟
فقد كان كلامُ ادريان جارحاً لفؤاد مَن يجلسُ جواره
جرحٌ أليم دون دماءٍ تُرى انما اثرهُ  يظهرُ بشكل ابتسامةٍ باردة
فاقدة لمعالم الحياةِ فيها

بقي آلبرت صامتاً كي يواري حُزنهُ
مُحافِظاً على تِلك الابتسامة الرفيعة التي تكاد لا تُرى
وكفى بشجون عينيه بُرهاناً على عُمق حُزنه

لم يشأ ان يقول قولاً يفضحُ حجم انكساره
ولكن الصمتَ أبلغُ مِن الكلام
فالصمتُ يُفشي اسراراً اكثرَ مِن ما يُفشي الحديث
فَصمتهُ الموحِشِ هذا..
اخبر ادريان بأنهُ لَم يفعل خيراً بقلب من وجه لهُ اسهُم كَلِماتِهِ
التي ازهقت روحه!

"اولم تَقُل سابقاً أنه لايوجد شيء في خاطرك يُقال لي؟
ظننتُ بأنني من سيكون المتحدث الوحيد بيننا"
سأل آلبرت يُخفي حُزنه الذي بان على صوته الباهت
هو يزدادُ حُزناً في كُل مرةٍ يزدادُ يقينه فيها بأن ادريان
لن يعود كما كان وإن فَعل ما فَعل لاستعادته

أومأ ادريان مُلتفتاً الى آلبرت يجيب
"لتتحدث اذاً.. نفذ الكلام في فمي
وماعندي قَد قُلتهُ وبات واضحاً لك بالشكل المطلوب.."

ثوانٍ قد مَرت لَم يُجب فيها آلبرت بشيء
ليقف فجأةً يقول
"تعال اذاً لنبحث عن مكانٍ مُناسب للحديث"

"وما بهِ مكاننا هذا؟"
سأل ادريان وهو يشاهدُ ظَهر آلبرت العريض الذي يتجهُ نحو سيارته
ووقف قربها مُخرجاً المُفتاح من جيبهِ مجيباً وهو يفتح الباب
"ليسَ بهِ شيء..وهذا ما يجعلني اودُ تغييره،لتأتي سآخذك الى مكانٍ جميل"

رمش ادريان عدة مراتٍ مُتردداً
هل يجيب بوقاحة ويرغمه على البقاء هنا وقول ما عنده
ام يتبعهُ ويسمح له بأخذهِ حيثما يشاء
كونها المرة الاخيرة التي سيسمحُ لهُ فيها بخوض حديثٍ معه!

وقف ادريان بهدوءٍ من مضجعه ومشى نحو السيارة متجاهلاً النظر لآلبرت الذي ظَل واقفاً ينظرُ لادريان بابتسامةٍ ما استطاع اخفائها

صعد في مكان السائق امام المقود
وصعد ادريان بالمقعد المجاورِ له مُغلِقاً الباب خلفه
"اهلاً بك"
همس بها آلبرت دون ان يُجيب ادريان بشيء
وادار بعدها المحركات مُنطلقاً لوجهةٍ أحَب جداً ان تجمَعهُ هو وادريان

نَظر ادريان الى جانب وجه آلبرت يسألهُ بعد دقائق من القيادة
"الى اين نحنُ ذاهِبون؟"

ادار آلبرت وجههُ البشوش ليقابل وجه ادريان مُجيباً بهدوء ملامحه
"ستعرفُ عِند وصولنا"

"لتأخذني الى الميناء..أوَدُ استنشاق الهواء العليل عَلّهُ يُغيرُ شيئاً مما اشعر"
عَقد آلبرت حاجبيه بقلقٍ على ان يكون شيئاً قد بَث الحُزن بادريان
فأوقف السيارة على جانب الطريق ناظِراً إليهِ يسألِه
وهو صادقاً في رغبته لمعرفة ما يجوبُ خاطر صاحبه
"ماذا بك؟"

كانتا مجرد كلمتين إلا ان نظرة القلق في عينيه
ونبرة الاهتمام في صوته
وتلك العقدة الصغيرة بين حاجبيه
تكفي لمعرفة ان قلبه خائف
يخاف حُزن قلباً كان يحتويه

ولأول مرة،ادريان يبوح بما يشعر به من سوء لآلبرت
تجاهل كونه بات يكرهه وكونه ذات مَن كَسر فؤادهُ يوماً
لانهُ شَعر بالسوء الحقيقي،الذي يجعله يرغب بالبوح بهِ
وإن كان لعابر سبيل

"لا أدرِ..شعورٌ ثقيل يلزمني منذ لحظة استيقاظي،اشعرُ وكأن شيئاً يجلسُ على صدري يجعلُ مِن نَفَسي يضيق،وخائف..خائفٌ من شيءٍ أجهله!،نبضات قلبي لا تهدأ وكأنني انهيتُ للتو شرب عشر أكوابٍ من القهوة،وانظر الى اطرافي..انها ترتجف"
انزل ادريان عينيه وحدق بكَفيهِ اللذان رفعهما بخفةٍ
وقد شاركت عينا آلبرت النظر إليهما والقلقُ ينغزُه
وإذ بهما ترتجفان بحق،مما جعل من خافق آلبرت يبتأس
وخافق ادريان يشارك يديه الإرتجاف

ومَن قال ان الانسان لا يشعرُ بأن امراً سيئاً على وشك الحدوث؟
اكاد اجزم بأنه لا يوجد امرئ على وجه الكون الا وقد شَعر بأن شيئاً سيئاً سيحدث عما قريب ،وحدث ما كان يخشاه

فنحنُ البشر قَد خُلقنا مِن كومة مشاعر
والمشاعرُ هي ماتسيرُ بنا الى أي مصير
نَشعرُ بأن من نُحبه وجد مَن يُحب غيرنا
مجرد شعور فقط دون أي دليلٍ ملموس
حتى يتبين لنا بأنه بالفعل قد بات هناك ساكناً آخر في قلبه
ولم يكذب علينا شعورنا يوماً

إن شعرت بأن احدهم يكن لك الكره،فهو حتماً يكرهك
وإن شعرت بأن احدهم يكنُ لك الحب،فهو حتماً يحبك
إن شعورنا الداخلي هو الشيء الوحيد الذي لا يكذب علينا في عالمنا هذا
لذالك،إصغِ لحدسك..وصدق ما يهمس لك بهِ شعورك
ولا تتجاهل صوتهُ قائِلاً أنهُ مجردُ أوهام
لأنهُ أكثر من ذلك

ربما المُسنين هم الوحيدين الذين يؤمنون بما يشعرون بهِ ويصدقونه
وغالباً ما تجدهم قد شرعوا بانهاء ما يودون انهاءه بشكلٍ أسرع
لشعورهم بأن يومهم قد اقترب..ولا يكونُ مجرد شعور
فهم يلاقون حَتفهم بعد أيامٍ شحيحة
لأن شعورهم لَم يكذب عليهم
وصارحهم بأن ايامهم في دُنيانا باتت تُعدُ على اصابعهم المجعدة

الَم يحدث لمرة ان شعرت بأن احداً ما سوف يزورك
فَسمعت الباب يطرق مؤكداً حدسك؟
أن شعرت بأن الطعام سينالُ اعجابك قبل تذوقك اياه
وكان ألذ ما تذوقتهُ في حياتك؟
أن شعرت بأن الرحلة ستكون ممتعة قَبل أيامٍ من حدوثها
فتكونُ يوماً لا يُنسى من أيام عمرك؟

أن شعرت بأن قلبك سيُكسرُ بشكلٍ سيء
فصار حُطاماً أمام عينيك؟

إن شعورنا لا يكذب علينا
نحن اللذين نكذبُ على انفسنا
بنكراننا إياه

ولكن ادريان هُنا كان يؤمنُ بما يشعرُ به
شعوراً أربك هاجسه
وجعله يوقن ان امراً بؤسهُ عظيم على وشك الحدوث
ولا يريد معرفة ماهو،كل ما يريده انتزاع هذه المشاعر
من محيط صدره والقائها ارضاً
فما احدثتهُ بهِ من تَعَبٍ لا هو بقليل ولا هو بهَين

"هَل تشعرُ بالمرض؟اتُحب أن اذهب بك الى المستشفى؟"
رفع آلبرت يدهُ مُريحاً ظاهرها على جبين ادريان يتحسسُ سخونته
وهو يطرحُ اسئلته الوَجِلة

وسريعاً ما امسك ادريان كَف آلبرت مُبعداً إياها عن جبينه ممتعضاً
لَم يأبه آلبرت من حركة ادريان الهجومية وكل ما اكترث لهُ..
برودة كفه الضَامِر..
فَوَدّ لو يأتي لهُ بالشمس تنامُ في كفيه تُدفئهما
أن يأتي لهُ من السماء بغمامٍ باهرٍ يلفحهما
أو أن يوقد ناراً فيما تَبقى مِن سنين في عُمُرِه
فيقهر البرد الذي تجرأ عليهما!

"مامن اذىً في بدني إنني مُعافى..لتُبقي يديك بعيدةً عني"
أجاب ادريان كارِهاً وصول الحال بهما الى هنا وكارِهاً برود غضبه تجاه آلبرت،يخشى أن يأتي يوماً ويخلفُ فيه وعده لنفسه بأن لا يغفر لآلبرت وإن اتاهُ حُطاماً،يهاب فكرة أن يرق قلبه ويعطف بعد كل ما قاساه وحيداً

تنهد يزفرُ ضيقه
ونظر الى الأمامِ مُكملاً قوله متفادياً النظر بوجه آلبرت
"اظنُ بأنها تنوي تركي قريباً..ربما هذا ما يفسرُ شعوري بالخوف"

سَكن وجهُ آلبرت
وسأل دون ان يرمش بعينيه الخاملة
عينيه التي ثَبُتت على جانب وجهِ ادريان
"هَل..لديك حبيبة؟"

ادار ادريان وجهه ناظِراً في مُقلتيّ آلبرت
واجاب بجمود بملامحٍ كساها البرود
"لديّ"

ابتسم آلبرت بخفةٍ مُنزلاً رأسهُ الى الأسفلِ تزامناً مع انزالهِ لعينيه
أعاد رفع رأسهِ يسألُ بصوتهِ الخافت وهو يضيق مُحيط عينيه قليلاً
"وهَل تُحِبُها؟"

عُقِد حاجبيّ ادريان لهذا السؤال وأجاب دون تفكيرٍ مُسبق
"انا افعل!"

قوس آلبرت شفتيه مُفكراً
وترك المقود مُعيداً ظهرهُ الى الوراء
كتف يديهِ ضاماً قَلبه يعيده الى صدره
واجاب بما أزعج ادريان
"ولِما لا ارى حُباً لها في عينيك اثناء حديثك عنها؟"

"لا يَهُمني إن رأيتَهُ ام لا..فالأهمُ ان تراهُ هي لا أنت"

ضحك آلبرت بسخريةٍ قائِلاً
"لو أنها رأتهُ لَما فَكرت في تركك إن لَم أكُن مُخطئاً..فالانثى لا تترك المكان الذي تشعرُ بهِ في الحب،انها تهجر ما يهجرها فقط،والانثى حين تُحِب تُريد من عينيّ من احبته ان يبوحان بحبها ويفشيانه لكُل المارة..هي لا يكفيها رؤية الحب في عينيك انما الذي تبتغيه حقاً هو ان يراها الآخرين فيهما"

"تمتلك خبرة واسعة في النساء"
اجاب ادريان وهو يكتمُ صوت فضوله لمعرفة ما ستكون اجابة آلبرت حينها
"انت على حق،عاشرتُ العديد مِنهُن إلا أنني فشلتُ بشتى علاقاتي،كان الخطأُ مني دائماً فإني سليط اللسان صعبُ المَعشر ولا أُجيد مجاملة إحداهن بأقوالٍ مرموقة وأكاذيب مُلفقة فَقط لأكسب قلوبهن..لهذا دائماً ما كان الأمرُ يبوء بالفشل"

"هذا جيد..فلا ذنب لإحداهن أن تُصدق وعودك الكاذبة بالبقاء،فتلقاك قد هجرتها عند اول حَدَث"

ادريان لا ينوي نسيان الماضي
لا ينوي التوقف عن جرح آلبرت في كُل حديثٍ يخوضانه
يظلُ يلفُ ويدور بحثاً عن أول فرصة لِذكر الماضي
عن أول فرصة يستطيع من خلالها
إلحاق الأذى بقلب مَن كان يوماً عزيزاً عليه

"اوَلَن تَكُف عن افعالك هذه؟"
سأل آلبرت ادريان بيأسٍ استحوذه
وخيبةٍ تسلطت عليه
هو شخصٌ عريق بالحُزن
إلا أنهُ لا يَقدر على تحمُله إن أتاهُ عَن عمدٍ من ادريان
لا يودُ تغيير فكرة ان ادريان يخشى عليه من الحزن
لا يودُ إبصار الحقيقة
فيالَ جمال الكذب لخاطرِ شعورٍ فينا نريدُ دوامه

"لَن أكُف عنها..مالذي ستفعله حينذاك؟"
ببرودٍ وتحدٍ تحدث ادريان وما لاقى جواباً على سؤاله
سوى ذالك البريق الخافت من عينا آلبرت
الذي كان مؤشراً على أنهُ مُرهق ويحملُ كلاماً في جوفه
إلا أن خوفه من برودة الرد يمنعه من البوح بشيء مما يُثقله

احَس ادريان بالحرج قليلاً كونه قد تم تجاهل سؤاله
قد كان يُخيلُ له نشوب حربٍ بالكلام بينهما
آلبرت يُبرر ويتأسف..وادريان يُنكر ويجرح
إلا أن آلبرت ما اراد لتلك الحرب ان تَدُق طبولها
اراد حلول السلام بين الشعبين قبل بدأ المعركة
اراد الصُلح والإنصاف
وما ارادهُ ليس بكثير
إلا أن الطرف الآخر مَن استكثره

وبعد مرور ثوانٍ بدت طويلة لكليهما
نطق آلبرت بصوته الذي تغيرت خامته
فبات هادئاً بشكلٍ مُحزن
ومنكسرً بشكلٍ يرقُ لهُ القلوب
"مابيدي شيءٌ أفعلُه سوى الرضا بِحُكمك الظالِم..
أن أجلِس العُمر أجمع كما أنا جالِسٌ الآن
مُكتف اليدين..مُجردٌ مِن الأمل ومليئٌ بالألم..
فأنت تُحب رؤيتي بالحُزن يغمرني
وشتان بيني وبينك"

كلام آلبرت قَد بث الغضب في أوصال ادريان
قبض على كفيه يحاولُ تمالُك نفسه
ورفع حاجبيه يردُ بازدراء
"لَم اظلم منك شيئاً..انا اُجازيك بما تستحق ليس إلا"

هز آلبرت رأسهُ بخفةٍ راضياً بتلك المعاملة من ادريان
فما يهم هو ان يبقيه جواره ولا يبعده عنه اكثر من هذا البعد بينهما
هو اخبره بأنه سوف ينهي تواصلهما فور تحقق الشرط
لهذا جَزع قلبه الذي مقت انقضاء الوقت
وَودّ لو أن الزمان يتوقف لدقيقةٍ مثلاً،او الى الابد

وبقلة حيلة وحُزنٌ أليم
نطق بيأسٍ وهو يرمشُ وكأنه يحاولُ اخفاء الحُرن في عينيه وراء ستار أجفانه
"وإني لا أطيقُ منك النبس بكلمةٍ تُشقيني
فأنا مُتخمٌ بالأحزان ولا طاقة لي في المزيد منها
وحُزني حاد جداً يجرحني دون لمسي إياه
رَغِبتُك ان تصفح عني ويعودُ قلبك كسابقِ عهده
يرِقُ لحالي
وكُل ما تفعلهُ هو خلق كلماتٍ تُنافسُ بعضها على ان يكون وقعها اسوء على قلبي
اوَهذا الذي استحق؟حُزناً في البُعد وحُزنا اكبر في القُرب؟
اوَهذا الذي نلته؟جفاءً في وجودك والخوف من ابتعادك؟
فإن الأعمال بالنيات ونية هجرك إياي..تُرهقني"

وبعد ان كانت الغاية هي قضاء يومٍ جميل برفقة ادريان
وإن كان اليوم الأخير
انقلبت الأمور فقضيا وقتهما بالعتاب واللوم والتأنيب
بسيارتهما التي تقفُ على جوار الطريق
سياراتٍ عديدة ذهبت نحو وجهتها من جوارهما
سواهما،فهما لا يملكان وجهةً محددة
احدهما وجهتهُ الآخر
والآخر وجهته الهجر
وكليهما لا يصلان

"إليكَ عَني فإني لا اُلقي بالاً لحال قلبك
وعلى العكس تماماً فإني استهوي حُزنك
ويروق لي رؤية الندم في عينيك
انا اتلذذ بسماع ارتجافة صوتك
واطالبُ بالمزيدِ من الشعور بخوفك
واصدقك قولاً..أنني لَن اُسامحك على كسرك الوعد الذي كان بيننا
ولن أعفُ عنك وإن بَلَغت الروح التراقي!"

فما أمرّ الفراق
وما اقساهُ على أهلِ الجَوَى
وما احلى عيش المرء وحيداً
لا يخشى هجراً اوِ البُعدِ وما حَوَى!

بهُت حُزناً
ذاك الذي كان يقف منذُ الصباح بابتسامةٍ واسعة على ثغرهِ
مُنكراً لضوء الشمس ينتظرُ من صاحبه أن يُشرق عليه

بهُت بأساً
ذاك الذي كان ينتظرُ يومهما هذا على أحر من الجمر
فشاء صاحبه أن يرمي بذاك الجمر على موقدة قلبه
فيحرقه ويتدفأ بالنار التي تتأججُ منه

بهُت خيبةً..
ذاك الذي ظَن بأن ماكان بينهما اكبرُ من أن يقتلهُ الوقتُ والأيامُ والفراق
ماكان بينهما كان كبيراً كبير..بحجم السماء واكبر،بعدد النجومِ وأكثر،بوسع خيبة أملهِ وَأَمَرّ!

خبزٌ وملح كان بينهما
اما عاد للخبزِ والملح تقدير؟
قصصٌ وحكايات
ادمُعٌ وَضحكات
اسرارٌ وممازحات
شجارٌ ومصالحات
اما عادت هناك قيمةً للذكريات؟..

صوتٌ خافت صَدر من جهاز اللاسلكي قطع تواصل عيناهما
جاذباً انظار آلبرت الواهِنه إليه ،كان الجهاز يضيء باللون الأزرق كإشارة على محاولة احدهم بالتواصل مع جهاز اللاسلكي هذا
"ملازم أول آلبرت اتسمعني..حَوّل؟"

جفل ادريان حين فتح آلبرت باب السيارة بسرعة نازلاً منها وبيدهِ الجهاز اللاسلكي مُتحدثاً بشيءٍ لم يسمعه كون آلبرت قد أغلق باب السيارةِ ورائه بعنفٍ دون ادراكه لحركتهِ تلك لهول ما كان يشعرُ بهِ

مرت ثوانٍ فحسب عاد بها آلبرت الى الداخل مسلوب اللون وكأنهُ قد سمع شيئاً صادماً جعل من دماء وجهه تجف

لم ينطق ادريان بكلمةٍ في حين أن شعور الخوفِ بداخله قد تفاقم لرؤيته آلبرت على هذا الحال ، ودّ لو أنهُ يسأله عن ما حدث إلا أن سُرعة آلبرت بالانطلاق قد أخرسته

عقد ادريان حاجبيه بعدم فهمٍ حين أوقف آلبرت سيارته أمام شقة ادريان!
وقبل ان ينطق بحرف قال آلبرت بصوتٍ آمِر
"تَرَجَّل من هنا"

"تمازحني؟"
همس بها ادريان بغضبٍ ممتزج بالبرود وعدم التصديق
"لا مجال للحديث الآن..لتذهب!"

وأن آلبرت هو من يأمره بالذهاب كان أمراً لم يُسَرّ لهُ خافق ادريان قَطّعاً
فقد أراد ان يكون هو من يدفع الآخر بعيداً
اراد ان يتوسلهُ آلبرت للبقاء معه لدقيقةٍ اخرى لا أن يقول لهُ..اذهب!
اراد ان يحظى بانتقامهِ ممن أتلف قلبه لا أن يجور عليهما الزمان ويجتمعان
فيقولُ لهُ..اذهب!

رفض ادريان بغضبٍ يقول
"وهل تظنُ بأنني على مِزاجك يا هذا!!!..
تقول لي اصعد فأصعد ومن ثم تقولُ ترجل فأترجل!!!
لن اتزحزح من مكاني فافعل ما تشاء!"
وكالاطفالِ كتف يديهِ يُديرُ وجهه ناحية النافذة كإشارةٍ لآلبرت على انهُ قد اقدم على فعلٍ احزنه ،وكأنهُ يخاصمه باشاحتهِ لوجهه عنه!

ما كان بيدِ آلبرت سوى ان يجاريه ويقود نحو وجهتهِ باسرعِ ما يُمكن مصطحباً ادريان معه عنوةً بعد رفضه النزول كما امره

اعاد ادريان ادارة وجههُ نحو آلبرت بعد ان تجاهل أمره
وسأل بقلقٍ والخوفُ يسيرُ مع الدمِ في كاملِ جسده
"ماحدث؟"

"ابراهام..هَرب من السجن"
توسعت عينا ادريان وفغر فاههُ بصدمةٍ مُجيباً
"ماذا؟؟"

أومأ آلبرت يُكمل
"قام احدهم بتهريبه من السجن..بحثت الشرطة في منزلهِ ولا أثر لأحد من أفراد عائلته كذالك..نعتقدُ أنهم سيهربون عن طريق البحر،ونحنُ ذاهبون لمنعهم من ذالك"

ابتلع ادريان ريقهُ بصعوبةٍ ولم يُجب بشيء
وانما اكتفى بالصمتِ مُحولاً انظارهُ الى رعشة يديه التي احتدت..

-

قضيتُ الليلَ اصارعُ الوَسَن حتى غلبته
رُغم رغبتي المُلِحة في النوم قليلاً
قليلاً حتى تنقضي السنين وتخونني ذاكرتي فأنساه..

قضيتُ الليلَ جُلهُ
اشربُ اكواباً من القهوة المُرة..واُفكرُ بِه
فلا يرتكز الطعمُ على لساني فقط وانا يصلُ مذاق العلقمِ الى عُمق قَلبي!

كلينا قد عاش حياةً يندى لها الجبين
ولكن الفرق بيننا
انني لَم اكُن انا السبب في بؤسه
ولكنهُ كان هو بؤسي بعينه

ظَللتُ اتخبطُ بين نَفسي ونفسي
نفسي التي تصرخ بوجهي أنهُ تايهيونغ توقف عن فعلك!
ونفسي التي تصدُ عني قائلة أنها ما نالت ما تستحقه حتى الآن!

وإني لَمُرهَق من هذه التخبطات ولا أشعرُ لا بهذا الوقت ولا بانقضاء هذا الليل ولا بهذا العصفور الذي حَط على النافذة التي اجاورها يخبرني بأن الصبح قد حان،وأنهُ ما تبقى وقتٌ للتفكير وتحديد ما تريده
إما أن تذهب الآن وتوقفه عن ما سيقدم على فعله
او أن تخسره الى الأبد..

وكأنني الآن أفقتُ من غفلتي
وادركتُ عظيم فعلي!!
وقفتُ من مكاني مُنتفظاً كالذي يُرشق بالماء البارد
وقد رُشق قلبي بماءٍ كالزمهرير فتجمدت لهُ جميعُ أوصالي

لبستُ حذائي على عَجَلٍ وخرجتُ من الشقةِ مُغلِقاً الباب خلفي دون إعلام العمة ايليت بذهابي حتى فأنا اسابقُ الوقت الآن!

قلبي يطرقُ بصخبٍ شديد ويرتعدُ خوفاً من أن يكون تايهيونغ قد اختار انهاء حياته على عدم الإنتقام ممن كان سبب تشتيتها بهذا الشكل..
ارجوك تايهيونغ لتنتظر قليلاً بعد!

ركضتُ والوَجَلُ يملئني اتعثرُ بالخوف واستقيمُ برغبتي باللحاق
اوقفتُ سيارة اجرة صفراء توصلني الى المحكمة وقد طلبتُ من السائقِ ان يقود بأسرعِ ما يُمكن فأنا هُنا..أخسَر

ترجلتُ بسرعةٍ اجرُ خطواتي نحو باب المحكمة
الكثير من الناس يقفون امام البوابةِ مُنِعوا من الدخولِ لاكتظاظ قاعة المحكمة بالناس،وقفتُ مُنسبل الكتفين غيرَ عالمٍ لما يجبُ عليّ فِعلُه
حشرتُ نَفسي بين الناس احاولُ الوصول الى البوابة وقد وصلتُ بعد مجهودٍ كبير

خلقتُ كذبةً للحرس وقلتُ أنني شاهدٌ على امورٍ مُهمة تخصُ القضية
ولأنهُ من الممنوع قانونياً تجاهل الشهود تم اصطحابي الى قاعة المحكمة
اضعُ يدي على صدري الذي يكاد يتمزق لقسوة ضح الدمِ فيه
واحاولُ جر أنفاسي التي سُلِبت من الركض
سَبَق وأن نسيتُ بخاخ الربو خاصتي على الطاولة في غرفة المعيشة
لاشيء استعيدُ بهِ أنفاسي الآن..سوى رؤيته

وقفتُ عند باب قاعة المحكمة الموارب
وجُلتُ بعيناي بين جميع الحضور بحثاً عن وجهه
وقد عَلِمتُ بأنهُ اختارني
حين سَكُنت عيناي الشاحبة على هيئته
وهُم يكبلونهُ بالأصفاد آسرين رسغيه النحيلين..

يقفُ في ذاك البُعد
بجسدٍ بادٍ على تفاصِلهِ التعب
مُنزلاً رأسهُ ارضاً شارِداً في نُقطةٍ ما
خصلاته الشقراء..مبعثرة على جبينه بفوضوية تُخبئ عني عيناه
يُشعرك بأنهُ ليس في واقعنا وانما يقطنُ ذهنهُ في عالمٍ آخر
وكأن روحهُ قد هَجَرت الجسد!

أما أنا..
فماذا عني أنا؟
انا الخاسِرُ بيننا
انا كالطفلِ الذي يجهل ما يريده
هَل يُشارك لُعبتهُ مع الاصدقاء ام يطمعُ بها لهُ وحده؟

فإني قد طمعتُ بأن ارُد لهُ القليل مما أعاشني إياه
فقد نسيتُ كيف أمُد يدي واصافحه
وكيف اخبره بأن ما حدث هو قدرنا
ولم يكتبهُ احدنا للآخر لِنُحاسِب بعضنا عليه!

ونسياني لهذا الأمر البسيط
جعل من تايهيونغ يُجرُ امامي الى مصيرٍ أجهلُه
بين الحضور الصامتين لدهشتهم
وكنتُ انا صامتاً لِشدة حُزني

كان بالامكان ان ينقضي الأمرُ بالصلحِ منذُ أولِ لقاء
إلا أن القلب قد تجبر واستكبر وقال هيهات أن أغفر
قبل أن يُعاد لي حَقي ضعفين!

"تايهيونغ.."
ناديتُهُ من بعيد
لاولِ مرةٍ اناديه باسمهِ منذُ عودته
كنتُ انكر حقيقة انهُ تايهيونغ صديقي
كنت انكر انهُ ذات مَن انتظرته أعواماً مِداد
كنتُ انكر ان ما رأيتُ من سوء أفعاله تعودُ لتايهيونغ
فتايهيونغ الذي اعرفهُ كان يملكُ قلباً نقياً اخشى المرور بهِ فيتلوث
عَجَباً كيف الزمانُ قادراً على ان يُبدل كُل شيء..حتى الأفئدة!

توقف عَن السير..
والتفت بِرأسهِ حيثُ انا
ونظر بعسليتيهِ الباهتة الى فلك عيناي الساكِن
وكان حينها..يبتسم

يبتسمُ بوسعٍ وكأنه حصل على كفايته من الحياة
وكأنهُ قد فاز بِكُل ما يبتغيه
يبتسمُ بِرضا تام وكأنهُ ملِكٌ وهم لهُ حرسٌ  يدلونهُ الى مكانٍ عرشهِ بعد تتويجه
يبتسمُ بود..ليس وكأنهم يجرونهُ الى سِجنٍ سيُلقى بهِ ويُنسى إلى أجَلٍ لا أعلمه

بقيتُ واقفاً في مكاني حتى اختفت هيئتهُ مِن ناظري
بقيتُ واقفاً،الجميع مر من جواري مغادرين
اُطفئت الاضواء واُغلقت الابوب في وجهي
وانا لا ازالُ واقفاً في بُقعتي
هُم غادروا لأن لا عزيز لهُم هُنا
ولكن انا كيف عَلّي اُغادر؟
والكثير مني قَد اُخِذ في هذا المكان؟

-

أوقف آلبرت السيارة في موقفٍ للسيارات
ونظر الى ادريان قائِلاً بصرامة
"لا تنزل..ابق هُنا!"

نزل هو مُغلِقاً الباب وراءهُ مُخرِجاً سِلاحه من الجراب في حزامه يُهيئه
كان المكان يضجُ بِرجال الشرطة الذين يُخرِجون الناس من مركباتهم ويقومون بتفتيشها
دوناً عن رجال الشرطة الذين يقفون هُنا وهُناك مانعين احدهم من الدخولِ او الخروج  قبل التأكُدِ من هويته

نزل ادريان من السيارة متجاهلاً قول آلبرت
ومشى واقِفاً وراءه دون شعور آلبرت الذي أخرج محفظته يرفعها امام عينا الشرطي الذي فسح له المجال للدخول بعد رؤيته للشارة التي تدل على انهُ رجُلُ شُرطة

"انا برفقته"
سَمع آلبرت قول ادريان للشرطة والتفت سريعاً مُلتفتاً اليه بكاملِ جسدهِ قائِلاً لرجال الشرطة بصوتٍ بارد
"امنعوه من الدخول"

ارتجف ايسر ادريان حين شَهِد على برود اسلوب آلبرت المفاجئ 
هَل اتخذ منه موقفاً حين أدرك يقيناً أنهُ سيظلُ مُعرِضاً عنه؟
ام ان طبيعة عمله تُجبره على ان يكون الجميع عندهُ سواسية؟

لَم يروق لآدريان طريقة تعامل آلبرت معه بعد ان كان يجاهد لكسب رضاه
حاول اللحاق بهِ ليوقفه ويخبره انهُ لا يسمح لهُ بالتحدث معه بهذا الاسلوب رُغم ما هُم فيه الآن
الشرطة قد منعته من المُضي قُدُماً ودّفتهُ الى الوراء لكسر عناده

اما آلبرت فقد استلم احد المراكب يُخرج راكبيه ويجوبهُ حرصاً على ان لا يكون فيه احداً يختبئ

نزل من على المركب بعد تأكده من ان ما من أحدٍ بقي عليه
"خذوهم وتأكدوا مِن هوياتهم"
أمَر رجلا الشرطة اللذان يقفان عند الميناء يتحققانِ من كُلِ ‏امرِئ في الجوار

مشى آلبرت يجوبُ المكان يفتشه
تحت انظار ادريان الذي يراقبهُ من بعيد بقلبٍ لا يهدأ

ضيق آلبرت عينيه بشكٍ لرؤيتهِ ذاك الرجل الذي تنصل من بين الحشود يمشي منفرداً باتجاهٍ يُعاكس اتجاه المخرج كان يلبسُ لباساً فضفاضاً يثير الريبة
وقبعةً تُخفي إمارات وجهه

"الشرطة..قف عِندَك للتأكُدِ من هويتك!"
صاح آلبرت بها وهو يسيرُ خُطاه وراء ذاك الرجل الذي أثار شكوكه
وقد تفاقم شكهُ حين اسرع الرجلُ بخطواته نحو احد المراكب الصغيرة دون الاصغاء لأمر آلبرت!

"اُكرر..قف في مكانك..إن لم تفعل سأضطرُ لإطلاق النار!!"
صاح آلبرت وهو يضع سبابته على الزناد دون رفعهِ تجاه الرجل
تجاهل قولهُ للمرةِ الثانية وقد شارف على وصول احد المراكب التي تستعدُ للانطلاق!

شد آلبرت على فكهِ مُميلاً رأسهُ بغضب
ورفع السلاح ناحية الرجل الذي ادرك يقينا بأنهُ ابراهام!
وجه فوهة المسدس نحو قدم ابراهام ضاغطاً على الزناد
دوى صوتُ اطلاق نارٍ في المكان مما جعل الجميع يجفلون جالسين ارضاً واضعين ايديهم على رؤوسهم مرتعبين
سوى من ادريان الذي فَز قلبه ووسع عينيه خوفاً على ان آلبرت قد اصابهُ مكروه

اخترقت الرصاصة قدم ابراهام الذي سقط على الأرضِ يصرخ مُتألِماً
نَظر امامهُ وإذ بزوجتهِ وابنهُ آرثر يقفان وسط المركب يشجعانه على المُضي اليهما ،ونظر ورائهُ وإذ بآلبرات يتقدم نحوهُ مُعيداً السلاح الى مخبأه ومُخرجاً الأصفاد وهو يمشي ناحية المُلقى على الأرض وما يفصل بينه وبين المركب سوى خطواتٍ لا تُحتسب

مَن كان يدري ان الحياة قَد استدرجت آلبرت حتى هُنا
لكي تؤذي قلب صاحبهِ فيه؟
مَن كان يدري ان الحياة قَد نَصبت له الشِباك واختارته من بين الجميع
لكي تقسو عليه بهذه الطريقة؟
مَن كان يتوقع حلول مكروهٍ يُدمى لهُ الفؤاد..سوى شعور ادريان؟

صَرخ ادريان بأعلى صوتهِ قائِلاً
"لا!!!!!!!"
فَرفع آلبرت انظارهُ عَن الأصفادِ ناظِراً امامه
وتوقف عند هذه اللحظة الزمان..لحظة خروج تِلك الرصاصة مِن سلاح ابراهام قاصدةً سبيل آلبرت..

هي مجرد لَحظات التي قضتها تِلك الرصاصة في الهواء قبل اختراقها لأيمن صدر آلبرت مُعيدةً إياهُ خطوةً الى الوراء مع انبثاق دمائه التي لوثت ثيابه الجديدة..

الا انه في هذه اللحظات القليلة قَد حدث الكثير
الكثير من الذكريات قد مَرت امام عينا آلبرت والرصاصة لاتزالُ مُعلقة في الهواء
تزاحمت ذكرياته في ذهنه تتسابق ايُها تُعرض اولاً وللمرةِ الاخيرةِ رُبما

تذكر ادريان الصغير الذي بكى لسرقة الاطفال لحلواه
وهيئته اللطيفة حين رفع عن نفسهِ الغطاء بعد ان سَمع بسبسة بجواره
فَظهرت لهُ هيئة آلبرت وهو يمدُ الحلوى خاصته لادريان وابتسامة واسعة على وجهه الذي نُقش عليهِ أثر لكمة،كاذباً بالقول انهُ قد اعاد لهُ حلواه

تذكر عدد المرات التي حاول فيها مُعلم الرياضيات فصلهما عن بعضيهما ومنعهما الجلوس بجوار بعضهما في درسه
الا انهما دائماً ما تحججا ببري قلميهما عند سلة المهملات ليتبادلان الحديث
ويصنعان وجوهاً مُضحكة لزملائهم في الصف حتى يكشفهما المعلم ويقوم بتوبيخهما معاً

تذكر ادوارهما المتنوعة في المسرحيات التي كانا لا يفوتان احداها الا وقد شاركا وإن كان دورهما فيها بسيط جداً ،كحُراسٍ لباب المملكة لا يفعلان شيئاً سوى الوقوف طوال مدة المسرحية
وادوارٍ كهذه كانت تُعطى لهما فقط لكي يكفانِ عن التذمر والمطالبة بالمشاركة في مسرحيات لا دور لهما فيها

تذكر رجل الثلج الذي كانا يصنعانهِ كُل ديسمبر ويسميانهِ باسماء مختلفة في كُلِ عام
فَمرةً يطلقان عليه اسم
'دوغلاس'
وهو اسم نوع من الأشجار التي تحظى بشعبية كبيرة في فصل الشتاء
ومرةً يطلقان عليه اسم
'نيفادا'
ويَعني في اللغة الاسبانية الثلج المكسو
وقد كان من اجمل معاني الاسماء التي اختاراها لرجل الجليد الذي صنعاه اسم
'أسبن'
وقيل ان اسم آسبن كثيراً ما يرتبط مع فصل الشتاء
ويرمز تحديداً لسقوط الثلوج ذات لون الغيوم شديدة البياض
إنه أيضًا اسم شجرة جميلة بأوراق على شكل قلب عندما تهب الرياح خلال الأوراق يصدر صوتاً موسيقياً وتتمايل الأوراق بخفةٍ تجعل من الشجرة تبدو وكأنها ترقص

وقد كان آخر ما تذكرهُ قبل اختراق الرصاصة الثانية لصدرهِ مُسقطةً اياهُ ارضاً هو انهُ كان يملكُ صاحباً لا يُعوضُ بالعالمِ أجمع
اهتم بهِ وداراه بِكُل حُبٍ ونقاء
كان لهُ الاب والام الذين خَسِرهما في ذاك الحريق الذي أكل كُل جُزء من منزل عائلته
كان يغضب منه كغضب الأب حين يلاحظ تدني واضح في مُستوى علاماته المدرسية،كان يوبخه ويهدده بأنه لن يحادثه ثانيةً إن ظلت علاماته منخفضة بهذا الشكل

كان يحن قلبه عليه ويرق كما قلب الام على صغيرها
يأخذهُ في احضانه إن احزنهُ امراً
يُطبطب عليه ويشعره بالامان
يحرص على تناوله جميع وجباتهِ وان لا يبقى جائعاً او يشعر بالبرد
كان يختارُ لهُ ثياباً دافئة
ويحرص على ارتداءه وشاحهِ طوال اليوم في فصل الشتاء
كان يخبره دائماً ان يأخذ كفايته من النوم ويُدثرهُ بالكثير من الالحفة خوفاً من ان تتسلل الى بدنهِ نسمةً باردة تُسبب لهُ رعشة في اطرافه
كان يُداريهِ كالامهات..اوَلا تفعلُ الاُمهاتُ ذالك؟

وكان في بعض المرات يغني لهُ تهويدة ما قبل النوم
الا ان آلبرت دائماً ما كان يخبره ان صوتهُ مُزعج
فهو يشعرُ بالحَرَج من غناء ادريان لهُ قبل النومِ كالاطفال
فودَ اسكاته بأي طريقةٍ كانت وقول ان صوته شنيعاً كان اقربَ مهربٍ له

أما ادريان فقد تذكر الكثير ايضاً
ولكن ليس من الماضي البعيد
بل تذكر كُل كلمةٍ قالها لآلبرت بعد لقائهما
كُل مرةٍ رأى فيها عينا آلبرت قد ادمعت حُزناً
كُل مرةٍ سَمِع فيها انكسار صوت آلبرت عند حديثه
وكُل مرةٍ صَد عنهُ فيها وذهب قاطعاً حديثهما تاركاً إياهُ يقفُ وراءهُ مخذولاً

ولكن كلتا ذكرياتهما لَن تُجدي نفعاً الآن
فالقدرُ لا يُعيد الروح الى الجسد إذا عَلِم أن لهذا الجسد
ذكرياتٍ جميلة يودُ ان يعيشها مرةً اخرى
القدر لا يُعيد الروح الى الجسد إذا عَلِم ان هُناك من يودُ قول الكثير لِمَن سَلب روحه إلا ان كبريائهُ لَم يسمح لهُ بذلك
إن القدر لا يتغير
ولا يُعيدُ الزمان ولو قليلاً لاجل ان يتصافح مُتخاصمين
قبل ان يسلب احدهما من الآخر!

"آلـ ـبرت؟.."
هَمس بها ادريان بِكُل صعوبة بصوتٍ مُتحشرج لشدة صدمته وفجعهُ لِما أصاب صاحبهُ امام ناظريه

وبغفلةٍ من الشرطيان اللذان كانا يُحاولان تهدئة الناس الذين ركضوا في كُل الاتجاهات خوفاً من ان تُصيبهم طلقةً طائشة
راح يركضُ بقدميه اللاتي ترتعشانِ خوفاً تجاه جسد آلبرت الذي بات طريح الارض باللون الأحمرِ يُغطي كامل صدره

ابراهام وقف يعرجُ نحو المركب الذي سيلوذُ بهِ هارباً
وهو يحملُ بيدهِ سلاحه الذي قتل
ذكريات ، واحلام، ضحكات، وايام ،آلبرت ،وادريان..

سقط ادريان ارضاً بعد ان اصطدم بهِ جسد احد الهاربين
لَم يقوى على الوقوف مُجدداً فقوتهُ اضمحلت بشدةٍ ولم تُعينه على السيرِ ابداً

اكمل ما تبقى من مسافةٍ ضئيلة بينه وبين جسد آلبرت يحبي كالاطفالِ على كفيهِ ورُكبتيه
"آلبرت آلبرت.."
نادى عليهِ برجفة صوتهِ المهزوز حين بات يجثو عند رأسه
كوّبَ وجنتهِ التي شَحُب لونها بشكلٍ واضح
فتح آلبرت عينيهِ بخفةٍ فتَراءى لهُ وجهُ ادريان الذي بات يغدو مشوشاً بشكلٍ ضبابي ، فنطق آلبرت بصعوبةٍ بصوتٍ مُثقل يسأل
"ادريـ ـان؟"

أومأ ادريان بشدةٍ عدة مرات يقولُ من بين دموعه التي تكونت في عينيهِ الواسعة
"نَعم نعم انهُ انا ادريان...ابقِ عيناك مفتوحةً لتبقى على تواصُلٍ معي حَسناً؟...الا يوجودُ طبيباً هُنا!!!!"

صرخ نهاية حديثه ليعود لهُ صوته فقد اُخلي المكان من كُلِ نَفّس فقد ولى الجميعُ هاربين دون قُدرة رجال الشرطة على السيطرة عليهم

لَحَق العديد من رجال الشرطة المركب الذي هرب بابراهام وعائلته نحو الدولة التي تقع وراء البحر والتي كانت السبب الرئيسي في تهريب ابراهام من السجن وقد وظفت العديد من الباخرات التي سوف تستقبل ابراهام وعائلته من منتصف البحر لتشتيت رجال الشرطة عنه حتى يتم ايصالهُ الى الدولة بسلام بفضل المعلومات الوافرة التي مَدّها ابراهام لها طوال سنين
وحان اليوم الذي يردون فيه الجميل له بانقاذهم اياه من حبل المشنقة!

"إلهي...حاول الصمود قليلاً ارجوك سنقوم بنقلك الى المستشفى"
تقدم رجلين من الشرطة نحو جسدهِ لكي يُعينا ادريان على حمل جسد آلبرت
الا انهما توقفا في مكانيهما حين رفع آلبرت كفهُ امامهما كإشارةٍ على ان لا يُتابعا سيرهما

"مـ مالذي تُحاولُ فعله؟؟ وانتما!ماذا تنتظران تقدما لا وقت لدينا نهدره!!!"
تحدث ادريان بِسُرعةٍ بشكلٍ عشوائي فهو يكاد يفقدُ صوابه لهولِ ما يحدث
يشعرُ بنفسه عاجز كما لم يكُن من قبل
عاجز على فعل شيء في الوقت الذي يجبُ عليه ان يفعلَ فيه الكثير

"إن المستشفى بعيدة من هنا ادريان"
نطق آلبرت بهذه الكلمات يُضعفُ قلب ادريان فهو يقصدُ بها
إن ذهب او بقي في مكانه ، سيموتُ في كلتا الحالتين لا محالة

ذهب الشرطيان سريعاً لاحضار العون بعد ان رفض آلبرت نقلهُ الى المستشفى

فما بقي في المكان الشاسع سوى آلبرت الذي تنازعُ روحه الجسد
وادريان الذي انهمرت ادمُعهُ بحرارةٍ تُحرقُ حُسنه
عض ادريان على شفتيهِ يوقف رجفتها
اسند رأس آلبرت على حجرهِ بِكُلِ هدوء
ونطق قائِلاً بصوتٍ باكي وهو ينظرُ الى وجهه الساكن
"ارجوك آلبرت..لا تتركني هذه المرة ايضاً!.."

يشحبُ وجه آلبرت مع مرور الدقائق اكثر فأكثر
ويصارع على العيش لدقيقةٍ اخرى يسمعُ فيها كلمات ادريان
جاهد لفتحِ عينيهِ التي كانت تُغلقُ كُل حين من تلقاء نفسها
وقال بتلكؤَ بصوتٍ واهنٍ مُتعب ناطقاً كلماته بصعوبة
"ولكنك لَم تُسامحني..علامَ أحيى إذاً همم؟.."

رفع كفهُ ببطئٍ يُشيرُ ناحية فؤادهُ مُكمِلاً بعد ان ابتلع ريقهُ الذي جف
"هذين الثقبين في صدري لم يؤلماني بقدر ما آلمني هذا الثُقبُ في خافقي...
إنهُ يُتعبني ادريان..فَعلّ الشعورُ يزولُ وينتهي حين تهجرُ روحي الجسد"

غضب ادريان مع تزايد ادمعه وقال يؤنبُ آلبرت على قوله الذي تمزق لهُ قلبه
"إياك والتحدث هكذا آلبرت وتُلمحُ لوقوع الشؤم اُقسم انني أغضبُ منك!
عليك العَيش..علينا ان نتعاتب ونلومَ بعضنا..هُناك مالَم نقُلهُ آلبرت..هُناك ما اردت اخباري بهِ في لقائنا هذا كيف تنوي الذهاب قبل ان تَفعل!!..
وهل هَذا هو المكان الجميل الذي قُلت بأنك ستأخذني اليه؟؟؟
إياك الذهاب باكراً بهذا الشكل آلبرت...سُيكسرُ قلبي بشكلٍ سيء.."

بدأ يضيقُ نَفَسُ آلبرت وتتباطئ نبضاتُ قلبهِ اكثرَ فأكثر تحت انظار ادريان الذي تمزقت شرايين قلبهُ حُزناً على فُقدانه لآلبرت وتلاشيه من بين يديه كالحُلُم
فتح آلبرت عينيه،فأبصر ادريان السنين فيهما تمضي
رأى الموت في عينيه قُبيل وقوعه
فَرّق آلبرت شفتيه فانسابت منها كلمات ثقيلة يقولُ فيها من بين صوت انينه المُتألم
"وقد قُلت بأنك لن تعفو عَني وتَصفح وإن بلغت الروح التراقي..
ما ارادتهُ الحياة هو ان تُثبت صدق ماقُلت،فَهل لاتزالُ عند قولك؟"

لم يُجيب ادريان ويُرضي خاطر صاحبه بما يُريدُ سماعه
لم يُخبره بأنه قد سامحه ليموت وابتسامة نصرٍ على ثغره
ظل مُتمسكاً بموقفهِ على ان لا يُسامح آلبرت
حتى وهو يراهُ يُجاهد للبقاء حياً فقط ليسمع منهُ قَول
'انا اسامحك'

وَدّ لو ان مايعيشهُ الآن ليس إلا كابوساً فَظيع وسوف يستيقظُ منهُ بعد لحظاتٍ ويجد آلبرت يجلسُ جواره في قاعة الطعام يأكلُ بشراهةٍ كما اعتاد حين يعجبهُ الطعام ، او انهُ يقفُ قِبالته في المقعد ويطلب منه الاستيقاظ لان المُعلم قد وَلَج الصف ، او أن يجدهُ نائماً بسريرهِ بسلامٍ بتلك الالحفة الكثيرة التي تُدثره وتُخفي عنه رؤية شيءٍ منه

الدمعُ عبر سبيلهُ على الوجنتين قاصِداً إيذاء فؤادهِ المحزون
نَطق آلبِرت بِصعوبةٍ اسم ادريان يُناديه
"ادريان.."

همهم المعني مُجيباً فلا قوة لهُ بالرد اكثر وهو يُشاهِدُ شحوب وجه الآخر وانسحاب لون الحياةِ مِنه
"لِتُغني لي تِلك التهويدة ، لدي رغبةً بِسماعِها.."

انهمرت الدموعُ بِسُرعةٍ اكبر مِن عينا ادريان تسقطُ على وجنتين آلبرت البارِدة مُتذكِراً تِلك الايام التي لم يُبقي منها الزمانُ شيئاً سوى اشباحٌ للذكريات ، ابتلع دمعهُ يعقدُ حاجبيهِ بِسوءٍ يُجيب بصوتهِ المتحشرج

"الم تقُل بأن صوتي قبيحاً؟لِما تُريدُ مني الغناء إذاً؟"

ابتسم آلبرت بِخفةٍ بشفاهه البيضاء حين ايقن أن ادريان لم ينسى أي تفاصيل من أيامهم التي قضياها معاً وإنما كان يكذبُ مُدعياً ذلك

واجاب بِخفوتٍ بِبحةِ صوته التي ضمت ضعف العالمِ أجمع وهو مُغمضاً لعيناهُ التي كُلما حاول فتحها بدى لهُ كُلَ شيئٍ مُشوشاً

"لِتُغني..ونرى"

رفع ادريان اصابعهُ المُرتجفة يُعيدُ خُصلةً تمردت على جبين آلبِرت الى الوراء ، وبلل شِفاههُ العابِسة وهو ينظرُ الى كُلِ جُزءٍ مِن وجه صديقه اللذي أُهلك قلبهُ برؤياهُ يتألم

بدأ الغِناءِ بصوتهِ الدافِئ والكلِماتُ تخرُجُ مُرتجِفةً مِن ثغره
وشهقاتٌ باكية تصدحُ بعد كُلِ كلِمةٍ واُخرى تجعلُ من استمرارهِ بالغِناءِ شيئاً مُرهِقاً

"في تِلك الليلة عزيزي..عِندما استلقيتُ نائِماً
حلمتُ أنني احتضنتُك بين ذِراعيّ..
عِندما استيقظتُ عزيزي..كُنتُ مُخطِئاً
لذلك أمسكتُ بِرأسي..وبكيت...."

اشتهق ادريان باكياً سامحاً لدموعه ان تُمطر على وجه آلبرت الذي صار بارداً كالثلج واكمل غناءهُ بصوتٍ مُتزعزعَ وكلماتٍ تخرجُ مُنكسرة

"أنتَ شمسي المُشرقة..شمسي المُشرقة الوحيدة..
أنتَ تجعلني سعيداً...حين تكون السماءُ رمادية
لن تعلمَ عزيزي ابداً كَم أنا اُحبك..
أرجوك لا تأخُذ شمسي المُشرقة بعيداً
سأحبك دائماً وأجعلك سعيداً
ولا شيء آخر يمكنه أن يحول بيننا
ولكن اذا تركتني لِتُحب شخصاً آخر
سوف تُحطِم جميع أحلامي..."

انتهى مِن الغِناءِ مُتجمداً في مكانهِ يكتمُ انفاسهُ خوفاً
وهو يُحدق بعيونٍ مفتوحة على وسعها وقلباً يكادُ يتوقفُ للسكون التام الذي حَلّ على من هو بين يديه ، إلا أن أنفاسهُ قد عادت إليهِ حين نطق آلبِرت بإسمهِ يناديه وهو لا يزالُ مغمضاً عينيه يكسِرُ حاجِز الصمت ويبثُ الاطمئنان في صدر الذي كاد يموتُ خوفاً عليه

"ادريان..."

همهم لهُ ادريان مِن جديدٍ يُكوبُ وجنتاهُ يحثهُ على التحدث
وضحك بِخفةٍ بصدمتهِ يُرفرفُ برموش اهدابهِ المُبللة بدموعها حين نطق آلبرت بِصعوبةٍ قائِلاً بصوتٍ مُتعب

"صوتُك...لايزالُ قبيحاً..."

"آهه لستَ إلا تكنُ الغيرة منه كما عهدتُك دائماً"
قال ادريان وهو يحاولُ ايقاف ادمُعه عند ذكر الماضي الذي هيهات لهُ ان يعود
ومَسحَ بِكُم قميصهِ كلتا عينيه بآنٍ واحد يُزيلُ دموعها التي خَلفت اثراً احمر في عينيه وعلى معالِم وجهه ولكنهُ توقف عن ما يفعله
حين التقط آلبرت يد ادريان بهدوء يبسطُ كَفه
ومد يدهُ الاُخرى بتعبٍ الى جيب قميصه الملطخ بدمائه يُخرجُ شيئاً من جيبه
في حين ان ادريان يُشاهد ما يفعلهُ آلبرت بعدم فهم
وضع ما اخرجهُ من جيبهِ في كف ادريان التي يُمسكها بيدهِ الاخرى ويبسطها
ومن ثُم شد على يدهِ بخفةٍ يُغلق اصابع ادريان على ما وضع في يدهِ
وقال ماقال بصوتٍ خافت واهِن بآخرِ انفاسه
كلماتٍ كسرت ثبات ادريان وزلزلت وقارهُ وسلبت منهُ صمودهُ وتَحمُله

"لَم انساها يوماً.."

ارتخت يد آلبرت التي كان يشدُ بها على يد ادريان وسقطت بجوار جسده
وفي هذه اللحظةِ تماماً..صعدت روحه السماء
وبقي جسدهُ فارغاً بين يديّ صاحبه المُبعثر

لم يستوعب ادريان شيئاً مما حدث
نَظر الى يدهِ المُغلقة والتي تلونت بدماء آلبرت
واثلجت منذ ان فارقتها يده
وفتحها ببطئٍ شديد وهي ترتجفُ لهذه الوحشة التي حَلت بها
ادمعت عينيه..وبكى بشدة
حين وقعت عينيه على قطعة الحلوى في وسط كفه
وهي مليئة بدماء رفيقهِ الذي لن يعود يوماً..ويُجالسه

"اكرهك آلبرت..لقد لوثت حلواي بدمائك..اكرهك بشدة!!!"
بكى بعالي صوتهِ حتى شُذِبَت جُدران حَلقِه
يحتضنُ جسد آلبرت الهادئ ويضمهُ الى صدره بشدةٍ وهو يُتمتم بكلماتٍ غير مفهومة..وقد كان جسدهُ شديد البرودة..وادريان يكره ان يمس البرد صاحبه!

استطاع احتضانهُ
بعد سبع سنين من لوعة الفراق وبُعد البلاد بينهما
فأما الآن..

سبع سماواتٍ بينهما واكثر
فكيف عَلّهما يتعانقانِ ثانيةً؟

-

الجميع يرتدي لون الليل حُزناً على رحيل الملازم الاول آلبرت
الذي قدم كل شيءٍ لوطنه،في حين ان وطنه ما قدم لهُ شيء
انما جردهُ من كلُ شيء..

يقفُ جونغكوك بثيابه التي ماثلت لون عينيه جوار ادريان الذي يقفُ عند القبر الذي ظَم جسد عزيزٍ عليه وقد مُلئت زواية القبر بزهرة الآس التي رمزت لتقديرهم تضحيته وصدق حُزنهم على رحيله
انهَلّ على جسد آلبرت التُراب يُدثره ويُغطيه من البردِ
كما كان ادريان يُدثرهُ تماماً

دموعه لم تتوقف عن النزول ابداً انما صارت جُزءاً لا يتجزء من وجهه بعد وقوع ما كان يُشعره بالخوف رُغم انهُ كان يجهل مايكون
الا ان اطرافه قد ارتجفت فَزعاً له

يقفُ بهوانٍ وضعفٍ تُشفقُ عليهِ القلوب
يشدُ على حلواه بقبضته وهو يُحدق بعينيه المُنهَكة الى شاهد القبر
الذي كُتِب عليه بالخط العريض كما نَصّت وصية الملازم الاول آلبرت

" تاريخ الميلاد : 17 مارس عام 1925"

" تاريخ الوفاة : 22 اكتوبر عام 1950"

" الإسم : آلبرت البَطل الخاص بادريان"

-

آلبرت كان شخصيتي المُفضلة 😞😞😞.

الي مو متذكر قصة التهويدة يرجع يقرأ بارت 'كاذب'

رايكم بالبارت؟

-

Continue Reading

You'll Also Like

189K 18.1K 22
جونغكوك عاشق القهوة والمقاهي، عندما يسمع عن مقهًى ما هو فوراً سيذهب إليه وما أثار فضوله هو ذلك المقهى "مجهول" سمع عنه كثيراً هو لم يصدق أن هذا اسمه ح...
10.6K 2K 200
"الواقع يستمر بافساد حياتي "
1.5M 135K 38
في وسط دهليز معتم يولد شخصًا قاتم قوي جبارً بارد يوجد بداخل قلبهُ شرارةًُ مُنيرة هل ستصبح الشرارة نارًا تحرق الجميع أم ستبرد وتنطفئ ماذا لو تلون الأ...
2K 1.7K 13
" فَلـ تَعُود حُباً بالَرب . . فَقد ارهَقني شَوقِي لمُقلتاك" ∆للكَاتب جُونَاثّان ∆ ∆الغلاف من صُنعي∆ ∆لا أحُلل السَرقة ∆ تنويه: بطل روايتي شرير مما ي...