بـومـة مينـرڤا

By Die-Nacht

13.9K 1.5K 8.6K

حقـبة جديـدة بدأت ما أن تم الاعتـراف بسحـرة الظـلام كجزء لا يتجزأ من عائلة حـراس التـوازن، لكن هذا وحده لم يج... More

-1- ذكرى (II)
-2- موسم الهندباء
-3- نورا
-4- الأيّم الشقراء
-5- لأجل أحدهم
-6- أدنى الهرم
-7- إرادة
-8- ضياء نجم مسائي
-9- جرع زائدة من السكر
-10- الـ منطقة
-11- السُخام الأسود
-12- لا تثق بالفراشات
-13- فنون الدم
-14- نوكتوا
-15- أجنحة وريش
-16- أوتار الشفق
-17- إنذار من الأومورا
-18- في مكعب جليدي
-19- ندوبه الغير مرئية
-20- غريق
-21- أرشيف الذكريات
-22- لعنات عابث
-23- أطياف
-24- ظلال البرق الأرجواني
-25- البحث عن الحكمة
-27- رافيتوس ليلوي
-28- محاكمة
-29- الدم بالدم
-30- عهود غير منسية
-31- أبدي
-32- بومة مينرڤا

-26- تلك الساحرة

324 41 227
By Die-Nacht

نورمانوس ظهر هناك عند باب الصالة في رمشة من أعيننا. مستنداً لعكازه الخشبي بيده اليسرى ليساعده على السير براحة أكبر تقدم لقلب الصالة.

ريم لحقت بسيد العائلة الذي دلف الغرفة وبين يديها كتاب قديم ذو غلاف ذهبي داكن أعرفه.
"لم أقرأ عن سلفتي وحسب بل سمعت القصص التي رواها أجدادي يوماً عنها من فاه أبي الذي كان قد سمعها بدوره من ذويه، سلسلة لم تنكسر وأدرك الآن السبب بوضوح."
الشمس إنعكست على وجهه فأنارت هالات عينيه، لم يعبأ بصبغ شعره اليوم ولا هندمة ملابسه إذ أنه يرتدي البنطال الأسود والقميص الأبيض من الليلة الماضية ذاتهما.
"حتى أثخن الكتب لا تحفظ كل تفصيل بسيط."
علل سبب عادتهم.

ريالين زفرت أنفاسها وحاولت تخطيه للخروج لكنه منعها بعصاه تمتد في طريقها.
"فالتظلي هنا، يجب أن تستمعي لما سأقوله بالمثل."
تحدث دون أن ينظر في وجهها، علم بأنها ستطيع بلا أي داع لأن يجبرها.

أنزل عصاه واقترب من البقعة التي وقفت فيها أنا وبجانبي فرويد. نظرة غير مألوفة توسطت عيناه الياقوتيتان، لم يكن ينظر لي بل للشاب بقربي.
"سلفتنا قامت بزيارة الساحرة المذكورة بهدف إزالة ختم كان يكبح دمائها وبمقابل على صنيعها كادت أن تسلمها إحدى أهم الادوات السحرية التي تم استعمالها في ريغان قط."
توقف نورمانوس أمام فرويد، بضعة إنشات في الطول كانت الفارق.
"لا تختبر حلمي أو تثير سخطي، لستَ طفلاً بعد الآن وسأؤذيكِ حتى إن لم أرد ذلك."
رغم الكلمات الحادة التي غادرت شفاهه بهمس محذر إلا أن فرويد ابتسم وحسب.
"أترى يا ابن العم؟"
فرويد ضرب كتف نورمانوس بمرح ومال بجذعه بقرب كتفه هامساً:
"من السهل أن تكون صريحاً."

"ابتعد عنها."
نورمانوس أمر، أنامله تضغط بقوة على عصاه الخشبية فيتشوه خشبها المصقول أسفل أصابعه للضغط.

"كما ترغب سيدي."
تراجع فرويد وفي رمشة عين كان قد أصبح بقرب آيجل الذي تنهد راحته، لم يكن الأخير ليريد الوقوع في منتصف شجار بين هذين الاثنين بوضوح.

"أتعني بكلامك ساعة الجيب النحاسية التي تعمل على تعزيز القبة حول القصر اليوم؟"
سألت ريالين من الخلف وكأن صبرها ينفذ من كل هذه الأحجيات لكن نورمانوس لم ينبس ببنت شفة بل آثر التحديق في وجهي أنا التي شعرت بزهو غريب رغم أنه لم يكن يبتسم لي كما جرت العادة.

رفعت أحد حاجبي وكأنني أسأله عما يريد قوله إذ بدا وكأنه يمتلك بعض الحروف العالقة بين شفاهه التي تباعدت قليلاً وحسب.

"أجل."
نبس أخيراً متخطياً إياي نحو الكنبة المريحة التي تموضعت مع بضعة أخريات من ذات النوع في صدر الغرفة.
"بما تبقى من طاقة أحجار الفلاسفة عن المختارة التي باركتها والأيدي البارعة التي صممتها من نحاس خام استخرجته كفوف أخرى، إنها بالفعل تلك القطعة القديمة لا غيرها."

"و؟"
ريالين دحرجت عينيها من مرآه يستريح دون أن يفسر أكثر مقصده فأشار لريم بأن تقترب لتفعل الفتاة سريعاً.

وضعت ريم الكتاب من بين يديها بحرص على طاولة خزفية بقربه ثم حشرت يدها في جيب معطفها لتخرج ساعة جيب نحاسية قديمة ذات سلسلة طويلة من لباسها.

"لا أصدق أنك تعبث بخط دفاعنا الاحتياطي."
تنهدت مايبل معاتبة أما ريم فسيرت بصرها المتردد بين الوجوه، لم تبدو على علم بماهية الساعة التي أرسلها نورمانوس لجلبها سوى الآن.

"جدتي الكبرى ذكرت أن الساحرة حاولت العبث بها بسحرها الخاص لكن حين قاومتها الساعة قامت بإعادتها لها ببساطة، أتعرفون لما؟"
سأل نورمانوس وهو يقوم بإسناد منكبيه لظهر الكنبة يحرك بصره في وجوه الحضور بكسل، عدا إياي.

"لما؟"
استفسرت ريالين، فضولها يزداد.

"للسبب ذاته الذي جعلنا نرميها في عليّة القصر أسفل طبقة ثخية من الزجاج الخاص والمصنوع في العالم الموازي."
وضع عصاه في حضنه وأعلن ببساطة:
"الساعة تقوم بامتصاص كل أنواع سحر النور مهما كانت كميته ثم تعيد تسخيره لحماية حاملها المعين."

"إذاً الساعة لم تهاجمها؟"
استفسرت، أنا لم أتفكر يوماً بقصص إيستر يانا حتى هذا الحد.

"لا، إنما امتصت سحرها ولهذا على الأغلب لم تجد الساحرة سبباً لإبقاء أداة قد تضرها لنفسها."
أجاب وهو ينظر لريم لتنظف تلك حلقها بخوف ما أن أمرها بتسليم الساعة لريالين.

"ماذا أيضاً؟"
استفسرت المقصودة وهي تتناول القطعة الأثرية بحرص من بين أنامل ريم، نظرة الفضول في عينيها تزداد ومعها فضولي في الواقع.
"هذا كل شيء سمعت أنها قامت بذكره يوماً."
اختتم نورمانوس فتنهدت مايبل وهي تقوم بهرش فروة رأسها مصارحة:
"هذا غير مفيد، الساحرة قد تكون أسفل الأرض منذ زمن."

"بل إنه كذلك."
ريالين نبست وكأنها استدركت أمراً هاماً من تحديقها بالساعة، أمر استطعت بالمثل إدراكه فتحدثت مستنتجة:
"نورمانوس قال للتو بأن الساعة تمتص السحر، هذا يعني بأن سحر تلك السيدة -إن كانت بأي فرصة حيّة- مازال يسبح في نطاق الساعة نفسها."

"أفهم أن لدينا أثر منها لكن ما فرص أنها حية؟"
مايبل غمغمت وأنا قمت بهز رأسي مضيفة بشيء من الإيجابية الهازئة:
"بأداة سحرية مسروقة معينة تستطيع اكتشاف أين يتواجد الناس سنعرف ما إن كانت حية أم لا بسهولة."

نورمانوس أشاح ببصره وكأنه أمر لا يُذكر أما مايبل المدهوشة فنظرت من خلف كتفها نحو فرويد الذي وزع المزيد من الابتسامات الساخرة مستمتعاً بإغاظتهم.
غالباً لم أحتج لحصاره لجعله يخبرني بهذه التفاصيل، بدا سعيداً بالوشاية بهم.

"إذاً؟"
نظر نورمانوس في وجه مايبل وتلك تنهدت.
"أعتقد أنه لا مانع من استعمالها مرة أخيرة قبل أن أعيدها لصاحبها."
بدت وكأنها تستأذنه فأومأ لها الأخير.
"لا ضرر من محاولة واحدة."
وافق بهدوء، هذا ما أراده نورمانوس في المقام الأول وإلا ما كان ليُحضر الساعة معه من الأصل.

مايبل حركت كلتا كفيها للأعلى فشقت سقف الغرفة، وحين بدأ هيكل كبير بالهبوط على مهل أدركت أن الأداة المذكورة أكبر من أن تخفيها في القصر فأنشأت بُعداً مكانياً خاصاً بسحرها لتحتويها.
"نحتاج لمزيد من السحرة أسفل قبة القصر لتفعيلها."
الأداة التي بدت كهيكل كروي من المدارات المعدنية حطت في منتصف الغرفة ولم تبدو ريالين مدهوشة بقدري أنا وريم وآيجل فهذا الهيكل ليس شيئاً تستطيع سرقته دون أن يلاحظ أي شخص.

"الجميع خرجوا من القصر لأعمالهم بالفعل، أنا وأنتِ نكفي."
علقت ريالين فهزت مايبل برأسها وأفصحت:
"هذا الشيء قد يقتلنا إن استنزفنا، نحتاج لساحر نور ثالث هنا على الأقل."
تبدو جادة، لا أشكك بصدقها، هذه الآلة هائلة.

"أعتقد أنه موجود."
نبست وأنا أقتلع حجر الزريكون من محجره، اقترب على مهل من الأداة الغريبة.
"أهذا هو الحجر الذي إدعى كلايمنت بأنه قد صنعه؟"
سألت مايبل بفضول مناظرة القطعة الكريمة بين يدي بعيون حارة. لم تشهد ما يستطيع الزريكون فعله، وحدي غالباً من تعرف كم هو غريب هذا الحجر الذي تركه ذلك الشاب لي.

أتمنى أن يعمل.

ما أن لمست بأطراف أناملي الجهاز السحري حتى أنار حجر الزريكون وارتفعت حرارته بطريقة لم أستطع احتمالها فأسقطته من يدي أرضاً ورحت أقضم أصابعي المحترقة بين شفاهي.

صورة طيفية من الطاقة التي انبعثت من الحجر تشكلت ولم تكن سوى للشاب الذي كنا نتحدث عنه.
"إنه ليس الذي الحجر الذي ادعى صنعه بل هو الحجر الذي صنعه كلايمنت."
عاتب كلايمنت مكتفاً ذراعيه أمامه، تاركاً إيانا جميعاً في حالة من الصدمة.

"هل أنت حي وتدعي الموت كلايمنت ريغان؟!"
مايبل وبخته، كنت قد سمعت أنهما كانا يعملان معاً لفترة ويتنافسان بالآن ذاته لكنني لم أحضر الكثير من مناوشاتهما إذ سرعان ما كانت تنتهي بحضور شريك الأخيرة الذي كان يمنعهما من نهش بعضهما البعض وفي النهاية كلايمنت تراجع بسبب المرض.

كلايمنت تناسى مع مرضه كيف كانت الأمور لكن يبدو أن مايبل لم تفعل حتى الآن على ما يبدو وهاهي ذي تستنفر من رؤية ظله.

"كلايمنت ميت، أنا الإدراك البسيط الذي تركه في هذا الحجر خلفه."
الحجر طاف في كفه الشفاف كالذرات حول النواة. الصورة الطيفية تحركت بحرية في الأرجاء تنظر في ملامح الحضور.
"لا أذكر بعضكم لكنني آلف بضعة وأحفظ إحداكم لكونها مهمتي."
أشار لنفسه ثم نظر نحوي بعيون خالية من المشاعر، ألاحظ الآن الفرق بين هذا الشاب وكلايمنت الذي عرفته بوضوح أكبر.

"مهمتك؟"
صوت نورمانوس صدح حين نهض من مكانه ليعرج باتجاه الصورة الطيفية لكلايمنت الذي أجاب دون تلكؤ بالإيجاب.
"أجل."

"ما علها تكون مهمتك هذه؟"
نظر نورمانوس في وجهه مباشرة وأنا شعرت بتوتر بالمثل إذ أن ما كان ينويه كلايمنت بصنعه هذا الحجر لا يجب أن يُفصح عنه أمام ريغان برعونة.

"هذا شيء يحق لمينرڤا وحدها معرفته."
أسدل أهدابه متحدثاً بهدوء لأشعر بحاجبي يرتفعان، ما الذي وضعه كلايمنت بحق في هذه الأداة التي تمتلك إرادة خاصة ووعياً منطقي؟!

"أنت...!"
هتفت مايبل بعيون جاحظة مشيرة لكلايمنت بسبابة مرتعشة.
شعرت برغبتها بلكمه تصبح حقيقية عندما اقتربت وعضت شفاهها بحنق.
"أنت تركت جزء من وعيك هنا بالفعل!"
ريالين عقدت حاجبيها أما نحن راقبنا في محاولة لفهم ما بحصل.
"فعل مثل هذا الأمر محرم في أرض السحر وريغان على حد سواء!"
هتفت مايبل موبخة لكنه لم يجفل.
"لما وضعت طاقة حياة بضعة سنوات كان بإمكانك عيشها في حجر أيها المخبول؟!"
يبدو أنها كانت قريبة منه أكثر مني أنا التي من المفترض بأنها كانت شريكته ولو بالاسم، لابد أنه لم يرد توريطي أو جعلي أتحسر وأندم. لو علم أنني حملت اتجاهه شفقة لم يظهرها أي ريغان بعد موته لاستاء بكل تأكيد.

دموع مايبل تجمعت على أهدابها بسرعة، لكني أفهم ردة فعلها هذه، والآن وقد رأيت الصورة الكاملة عما يقبع خلف إدراك ووعي هذا الطيف أشعر بمرارة مماثلة في حلقي.

"كنتُ راحلاً بأية حال."
كلايمنت تحدث وكأن الأمر ليس بالجليل، بضعة خصلات طويلة ناعمة تغطي على عيونه الفاتحة.
"كلايمنت أراد وضع ما تبقى له من وقت في شيء يستحق الموت لأجله."
أضاف حين راحت مايبل تبتلع شهقاتها المتأسفة في رثاء متأخر.

"ما هو؟"
نورمانوس سأل فتنهد ذاك الطيف وكأنه سئم من بلادة أقرانه.
"هدف حراس التوازن الأول أيها المتحذلق، حماية كائن نقي من الضياع في بيئة لا ينتمي لها."
عيونه الشفافة اتجهت ببصرها نحوي. أهذا ما كان يحاول كلايمنت طوال وقت شراكتنا فعله؟ بالجدال مع الجدة وعزل نفسه وأخيراً معاملتي كصديقة وحسب؟

أجنحتي ارتعشت، غلاكوس استشعر مشاعري المبعثرة بالمثل فتأثر. لم يحمل أي مشاعر خاصة نحوي بحق، هو فقط كان يتمسك بمبادئه وينفذ مهمته.
كلايمنت هو حارس التوازن الذي استحق لقبه.

"واحد سيقود لاثنين واثنين لعدة والبضعة سيصبحون مجموعة ثم وبدون سابق إنذار سنجد أنفسنا في مواجهة ما هو أسوأ من الحرب."
صمت الجميع بلا تعليق على كلماته وكأنه جعلهم يستدركون أموراً كانوا قد نسوها لاغترارهم بأنفسهم.
"لم أقلق من موتنا بسبب الطفرات لكن من الظلم الذي قد نُعرض الأنقياء له."
أضاف.

"بأية حال، يوجد الكثير من السحر الذي جعلني قادراً على التجسد أمامكم الآن رغماً عني وجعل حاويتي غير مستقرة فما الخطب؟"
سأل بتقطيبة بين حاجبيه.

"نحتاج مساعدتك هنا لتفعيل هذه."
ريالين أشارت بتلكؤ نحو الآلة السحرية التي كانت الفيل في الغرفة فحدق الطيف للحظات فيها ثم نبس بدهشة:
"اه!"

"أرى ما تحاولون فعله هنا."
طاف حول الأداة مرة واحدة لكنه أجاب أخيراً دون أن يرمش:
"أرفض."

"لما؟"
اقتربت منه وسألت فنظر في وجهي للحظات قصيرة ثم أجاب شارحاً:
"إن وضعت طاقتي في هذا فقد يصبح حجر الزريكون بلا فائدة لمدة تتراوح بين الأسبوع والشهر، مهمتي واحدة، لا يمكنني المخاطرة بترككِ بلا حماية."

"لا تحتاج لحمايتها من شيء."
صوت نورمانوس وصلني من خلف صورة كلايمنت التي تذبذبت ما أن شقها بقبضته ممسكاّ بالحجر ليرميه جانباً بعيداً عني.

الزيكون تعثر في الهواء ثم وقع على كف صورة كلايمنت التي تشكلت مجدداً بسرعة وكأن لا شيء كبير قد وقع. رفع الشاب عيونه العسلية نحو نورمانوس فأضاف الأخير بثقة:
"إنها بأمان."
نورمانوس محق، ولو بطريقة غير مباشرة، الغرض الذي صنع كلايمنت هذا الحجر لأجله قد تم، شرطه تحقق ولو بشكل غير كامل بعد.

"كلايمنت..."
فتحت فاهي واقتربت بضعة خطوات استوقفني فيها صوت بارد لم أسمعه من بين شفاه الشاب يوماً.
"لست كلايمنت."
تنهد بعد أن حل الصمت على ما قاله.
"هذا معقد. اعتذر لا أمتلك الكثير من الوعي الذاتي لكنني أدرك بأن كلايمنت لم يكن ليريدكم بأن تنظروا لي على أنني هو. أنا بقايا وسأختفي مع مرور الوقت، فقط مجرد محاكاة ارتجالية للساحر ذاته."
بالفعل، حقيقة أنه جزء وحسب تؤلم هذا الوعي.

"أنا أشكرك."
رفع رأسه أخيراً نحوي فوضعت بسمة على ثغري واستطردت:
"أشكر كلايمنت بشدة على الاعتناء بي، لقد حقق هدفه وأنا بخير لكنني لن أكون لمدة طويلة إن لم تساعدني الآن."
حدق بي بذات النظرة الخالية من المشاعر للحظات طويلة.
"حسناً، أنا استسلم."
رفع ذراعيه في الهواء متذمراً.
"إن كنت تثقين بهؤلاء القوم للعناية بكِ فسأقبل."
رفع أحد حاجبيه بسؤال جاد:
"أتفعلين مينرڤا؟"

"أفعل."
أجبت دون تلكؤ فهز برأسه برضى أخيراً واتجه دون أي إضافات ليقف أمام الهيكل المعدني ويضع الحجر أعلى اللوح الزجاجي الأسود الذي توسطه.

ريالين اقتربت مع مايبل وكلتاهما لمستا القطع الزجاجية ذاتها لتنير الأنابيب المعدنية بضوء خافت وتبدأ المسارات الزجاجية بالدوران.

مايبل قامت بدفع الساعة المعدنية في قلب الأداة فتوقفت المسارات عن الدوران للحظة علقت فيها ريالين:
"إن كان أي شخص قد وضع فيها طاقته يوماً حي فستجده، والساحرة ليست باستثناء، بل إنها غالباً الخيار الوحيد الذي سيظهر ما إن كانت حية."

المسارات فجأة بدأت بالدوران بالاتجاه المعاكس بطريقة جعلت مايبل تهتف بحماس:
'الآلة تقوم بتحديد موقع أحدهم في العالم الموازي!"
مع الدقائق الطويلة احترت الغرفة للنسيم الذي تسببت به المسارات وأخيراً تشكلت صورة طيفية بمساعدة سرعة الدوران لبضع حروف لاتينية تلاها صورة لخريطة غير مألوفة.

"هذه الإحداثيات تشير إلى..."
استغرق الأمر مايبل بضعة لحظات فقط لتكتشف إلى أين تشير الآلة الضخمة، شهقت أنفاسها بشيء من الاستهجان ثم نبست بتشكيك:
"أهذه... الرافيتوس ليلوي!؟"

صورة كلايمنت تلاشت وحجر الزريكون سقط أرضاً.

هممت لإلتقاطه لكنه كان مازال ساخناً حتى تلك الدرجة التي تركتني انتظر جاثية أرضاً حتى يبرد قليلاً قبل أن أحاول حمله مجدداً.

ريالين طقطقت بلسانها.
"في هذه الأكاديمية من بين كل الأماكن الأخرى؟"
تذمرت.

"ما الخطب؟"
سأل فرويد بفضول.
"إنها مجرد مدرسة، صحيح؟"
حرك بصره نحو ريم التي بدت متفاجئة، خداها توردا وهي تهز رأسها بعنف للجهتين تاركة الشاب ليرفع حاجباً محتاراً مما تقصده.

مايبل تنهدت بحدة بالمثل وكأنها مستاءة من الأطفال الذين لا يذكرون ما تعلموه يوماً، هذا كان مفهوماً لي لكنني نسيته إذ لم أواجهه مع أطفال النوكتوا قط.

"تعلمون أن حراس التوازن ممنوعون بشكل عام من دخول المنشآت التعليمية، لكن هذه الأكاديمية بشكل خاص لا يحب مؤسسوها الزوار."
شرحت مايبل أخيراً وهي تصنع لنفسها كرسياً من رماد سحرها لتجلس عليه وتبدأ بتصفح أرشيف من نوع ما ظهر بفرقعتها أصابعها وحسب.

"أيضاً إنها ليست مجرد مدرسة على أرض مسطوحة أو أعلى سفح جبل إنما منشأة تعليمية تم بناؤها في قوقعة أكبر سلحفاة يذكرها تاريخ العالم الموازي."
ريالين أضافت في اللحظة التي قامت مايبل فيها بسحب ما بدا كصورة من الغبار لترميها في الهواء فتتشكل صورة ثلاثية الأبعاد لما بدا بوضوح كدرع سلحفاة تم تسلقه من قبل العمران.
"يقال أن الرافيتوس ليلوي كانت قد عاشت لقرون طويلة ثم توفيت في منتصف محيط القرن الأخير، تاركة خلفها درعاً اعتبره سحرة النور كنزاً لا يمكن تركه للإندثار."

حملتُ حجر الزريكون بحذر وأعدته في محجره، لا أعلم إن كان مازال يعمل أو إن كانت بقايا وعي كلايمنت مازالت حاضرة من الأساس لتفعيله ولم تندثر، فبعد كل ما وضعه من طاقة في تفعيل الآلة لا يجب أن أتأمل الكثير، سأبقيه قريباً.

لاحظت أخيراً أن نورمانوس كان يراقبني فاتجهت بعيني صوب الفتيات.
"إذاً هذه الأكاديمية تقبع أسفل المياه؟"
سألت وأنا أدور حول الصورة مبهورة بكيف تم استغلال الهندسة الحيوانية لصدفة السلحفاة من قبل السحرة لبناء إضافات لم تقم بتغيير الدرع بل جملته بعمران من الحجر الأبيض.

وكأن سلحفاة من نوع ما تقطن الدرع الذي تزين بالمرجان المختلف ألوانه.

"بالفعل، ترتفع القوقعة بفعل السحر مرة في السنة لاستقبال وتخريج الطلاب وحسب، عدا ذلك تقبع تحت آلاف الأمتار العميقة أسفل المياه حيث لا يصل نور الشمس حتى."
ريالين استمرت بالسرد بطريقة جعلت بدن ريم الصغيرة يقشعر بأكلمه، أحدهم لا يحب فكرة الأعماق على ما يبدو.

"يبدو أن هدفنا يعلم أين يختبئ بمهارة."
تحدث نورمانوس أخيراً بعد أن ساد صمت مطبق، كلٌ كان يفكر بأمر ما فالحال عويصة.
"لنتجاهل موضوع الولوج هناك لبرهة، كيف علنا نجدها؟"
استطرد سيد ريغان.

"بداية، أنا لا أستطيع الذهاب فقد تفر ما أن ترى وجوهنا المعروفة في حال كانت تراقبنا."
تحدثت مايبل تدحرج عينيها نحو قريبتها خلفها.
"ريالين بالمثل."
أضافت.

آيجل رفع كفه في الهواء ما أن تحركت الأبصار نحوه واعتذر:
"لا تنظروا إلي، قد لا أستطيع التحول لذئب لكن بنيتي بعيدة كل البعد عن ساحر نور هزيل."

"هذا مهين."
ريالين نفخت فقهقه بحرج، المستذئبون عامة -و آيجل خاصة- يكرهون الأماكن الضيقة وفكرة الذهاب هناك لا يمكن أن تناسبه أبداً.

"ريم وفرويد؟"
اقترحت الشابة بتململ، خياراتهم أصبحت قليلة فجأة، لا يمكن إيجاد أفراد متفرغين للعثور على إبرة في كومة قش بسهولة.

"أخاف الظلام."
ريم فركت أصابعها بطريقة جعلت فرويد يغطي فكه بكفه في محاولة لكتم ضحكة. عندما لاحظته الشقراء فعلته قطبت حاجبيها وتوردت بحرج.

"لن أثق بفتيان ريغان لهذا، كما أننا لا نستطيع التنكر بالسحر والمرور عبر أبواب الأكاديمية دون أن يتم كشفنا لذلك لا يهم من يذهب بحق بالآن ذاته."
مايبل وجدت شائبة في كل اقتراح وقد كانت محقة.

"إذاً...."
ريالين رفعت حاجبيها الداكنين ورمت كفيها في الهواء.
"كل ما لدينا هو مينرڤا."
استيقظت من تأملي لخريطة الهيكل والأبنية الموزعة في الرافيتوس ليلوي على سماع اسمي يتم تصويته للذهاب هناك.

"على مهلكم."
غمغمت بخفوت، أنا لا أستطيع التحكم بأجنحتي، إن رفض غلاكوس الإنفصال عني فلن أكون خياراً جيداً.
"أنا لا..."

"جيد سأذهب معها."
نورمانوس قاطعني فجأة.

"لكن!"
هو حتى غير ملائم.

"قلتِ أننا لا نستطيع استخدام السحر للتنكر لكن بالآن ذاته لا أظن بأن أحدهم سيحاول وضع يديه في مقلتي للتأكد ما إن كنت ارتدي عدسات لاصقة أم لا."
دحرج عينيه بملل بعيداً، لماذا لا ينظر لي الآن؟ لماذا يرفض الاستماع؟

"أعلم أنني أملك الكثير من العيوب، أستطيع تداركها جميعاً لذا لا تشغلوا أنفسكم بي، فقط قوموا بتحضير كل شيء."
لوح بكفه في الهواء وسحب عصاه ليستند لها ما أن نهض.

"بما أن الأمر قد تقرر، يجب أن أترككم الآن."
تخطاني واتجه نحو الباب، لا أحد حاول مجادلته أكثر، حتى أنا لم أستطع.

"أستطيع تحرير هويات قانونية مؤقتة عن طريق معارفي في وزارة الأوقاف لكن..."
مايبل عادت للحديث بعفوية مع ريالين وآيجل أنا أنا فراقبت نورمانوس يختفي عند إطار الباب بعد أن رمقني بنظرة ضيق هزت كياني.

"يجب أن أفكر أكثر إذ أن كل هذه الأمور لن تفيد إن لم نجد طريقة للدخول في المقام الأول فلسنا بقادرين على فتح بوابة حتى الحرم أو ما شابه وصدف أننا في منتصف العام الدراسي."
علقت ريالين فأضاف آيجل بخفوت وكأنه مازال في مرحلة التفكير:
"أعتقد أن هذا مثالي في الواقع."
استطرد بتفاؤل مبكر:
"ألا يعني هذا بأن هدفنا لن تكون قادرة على الهروب بسهولة؟"

"سنتسلل كاللصوص؟"
سألتهم باستهجان، مثل هذه التصرفات قد تتسبب بتأذي عامة الشعب ونحن نتحدث عن بعض المراهقين حالياً.

"إطلاع الإدارة ولو بسرية قد يتسبب بفرارها أيضاً، شخص مثلها لابد من أنه يمتلك أذنين في كل مكان."
نظرت ريالين نحوي من فوق كتفها أما مايبل فتحركت بدورها لتغادر معلنة:
"سأذهب للأرشيف الاحتياطي في وزارة التعليم لأبحث عن أكثر طالبين يشبهانكما."

"ومن سيقوم باختطاف الطلاب؟"
سألت بتهكم ليضحك آيجل بتوتر:
"لن نختطفهم، سنحبسهم وحسب ليوم واحد أو بضعة أيام إن اضطررنا."

"سنضعهم في سبات نصفي، لن يشعروا بمرور الأيام."
مايبل أشارت بوضوح لنفسها وقدرتها على الاعتناء بهم.

"السؤال الذي يطرح نفسه هو...."
استدارت ريالين نحوي وتقدمت مني.
"ألديكِ طريقة لتجدي تلك الساحرة هناك في مدة قصيرة؟"
رفعت حاجبيها الداكنين في وجهي.

لم أقل أي شيء لكن فاليكن...
"نوعاً ما."
أضفت بعملية:
"ربما سنحتاج الساعة لفعل ذلك."

"لابأس."
هزت بكتفيها متخلية عن حاجز القصر دون تردد.
"نورمانوس بالتأكيد لن يمانع إن كنت أنتِ من سيطلبها منه."
ابتسامة ساخرة رفعت شفاهها عندما تحدثت وكأنها تعلم عما فكرت به.
هذا عمل أكثر مما وافقت على القيام به في الأصل.

إلتفت نحو الباب وغادرت دون أي كلمات إضافية إذ يتوجب على أحدهم تبرير تصرفاته.

"ها أنت ذا."
أوقفت نورمانوس عند باب غرفته الخاصة بعد عدة دقائق من الملاحقة، لم يكن من الصعب تخمين أين ذهب إذ أن خطواته بطيئة وعطره قاس يدغدغ أنفي، اتصالي بغلاكوس يحسن حواسي بأضعاف مضاعفة.

"أمن خطب؟"
سأل واقفاً في شق الباب وكأنه لا يدري، لم ينظر لي حتى.

"ما الذي تعنيه بسؤالك هذا؟ تعلم أنني لا أتحكم بغلاكوس، لما تصر بأن أذهب أنا؟"
تقدمت على مهل، أجنحتي تتهادى على الأرض وتنزلق، غلاكوس يعلن رفضه الخوض في أي شجار مع محبوبنا.

"نحتاج لفرد دبلوماسي للحديث مع شخص نبيه كساحرة نور عتية."
أعلن ببساطة بصره يميل نحوي على مهل.

"لكن أنا..."
أشرت لنفسي ما أن أصبحت أمامه، من الواضح ما أعنيه لكنه تجاهل ذلك وابتسم بمرار.
"من يدري ربما أجنحتكِ ستلفت نظرها وتخرج لوحدها."
يا له من عذر تافه.

"ونظر كل شخص في الأكاديمية."
أضفت أنوه لغباء الهراء الذي راح يتلفظ به.

"إهدأي منيرڤا، أنتِ غاضبة، لكن إن لم تتركي مشاعركِ لتتبرد فإن غلاكوس سيظل مختبئاً منك."
دفع الباب ليدخل لكنني استوقفته بكلامي.
"أنا لست كذلك."
جادلت.
"إنه أنت من يتصرف بطريقة غير مفهومة فجأة."

"حقاً؟!"
حاول الاستفسار عن حالي بنزق صبياني في صوته فوجد ردي القاسي.
"كلايمنت ميت يا نورمانوس!"
هدوء غير مريح حل ما أن تلفظت بحروفي المشؤومة.

"ما علاقته بهذا الآن؟"
قطب حاجبيه وأشاح ببصره، يدعي أنه لا يتصرف هكذا بسبب الغيرة وحسب.

"أنت تحاول تعذيبي مجدداً، لكن بطريقة حقيرة هذه المرة إذ بوضعي في مشاكل لا يمكن للزريكون مساعدتي بها أنت ستجعل عمل كلايمنت لحمايتي يبدو بلا قيمة وبلا فائدة وكأنه فشل."
قبضت على الحجر بين أناملي بقوة.
"لكنه نجح لسنين طويلة ومازال."
أضفت مشددة أن ما فعله أو سيفعله في المستقبل سيكون تصرفاً طفولياً.

"إن كنت تشعر بأنك لا تستطيع منافسته فأريدك أن تدرك أنه حماني من الأذى لكن أنت وحدك من منعت عني خطر الموت."
أفصحت، هذا واقع ما حدث.

نظر نحوي بضيق حاد انتهى بكلمات أصابتني في الصميم.
"أقدر ما فعله كلايمنت لكن ما يفعله لم يزعجني بقدر فكرة أنكِ لم تعبأي بإخباري عنه، أشعر بالخيبة منكِ."

"مهلاً، لا تقفز لأي استنتاجات، لم أعلم بدوري عنه."
رددت سريعاً وهذه كانت الحقيقة، ظننت الزريكون مجرد أداة سحرية مبهرجة.

"حقيقة أن وعيه أو أياً كان لازمكِ حتى عندما كنتِ معي تشعرني بالقرف."
حروفه تغمست بشعور أعظم من الغيرة، أمر يظهره لأول مرة، لا، بل مازال يحاول إخفاءه قدر الإمكان. إنه حب التملك الذي لا يبديه سوى ذكور المستذئبين ونورمانوس مهما كانت طبيعته يمتلك دماءهم بالمثل.

"لم أقم بإخفاء أمره عنك عندما أخبرتك عن الحجر، أقسم!"
هتفت بإنفعال عندما أشاح وكأنه لا يرغب برؤيتي.

"أنا... مرهق."
فتح الباب وهم بالدخول لغرفته لكنني أمسكت بمعصمه بكلتا يدي ومنعته من إغلاق الباب في وجهي.
"أنا أعز كلايمنت بشدة لكنني مغرمة بك أنت."
طمأنته، ورغم أنني أخفضت صوتي إلا أنه صمت ولم يستطع التعليق لوهلة.

"لا داعي لتوضيح أي شيء مينرڤا إذ أن كل هذا كل هذا لا يهم الآن."
أسدل أهدابه وهز برأسه وكأنه يندم على إخباري وإظهار شعوره المظلم.

"بل يُهم، أريدك أن تعرف أنني أخلصت لك وبقيت ومازلت، وحتى نفترق كما ينبغي سأظل كذلك."
أجبت كلامه معترفة بأنني لن أجبر نفسي على مالا تطيقه مشاعري وهذه المرة لم ينطق نورمانوس بأي شيء ليرد على خطابي. المزيد من الكلام سيثقل كاهله وكاهلي، وهذا جعلني أترك معصمه على مهل.

"إن لم أستطع التحكم بغلاكوس حتى يوم غد فإيجاد الساحرة ستكون مهمتك وحدك."
تراجعت.
"عمت مساءً."
أضفت بهمس قبل أن أغادر بهدوء.

*********

الدراسة عادت ومعها تنتهي الفصول الأسبوعية للآسف
لكن هذا لا يعني بأنني قد أطيل (أتمنى)
لا أريد استعجال أي شيء
ما كان رأيكم بردة فعل نورمانوس من كلايمنت؟
على مينرڤا؟
هل الساحرة المنشودة حيّة بحق؟

أراكم قريباً
ناخت ❤️

Continue Reading

You'll Also Like

644 56 9
كانَ ستَاورّوس جِسراً لِلملائِكةِ وَ الشياطينَ ، جَميعُهم سِواء . طَريقٌ قَادَهُم لمَوتِهم . كَالقَاتِل يَختَار ضَحَايَاه بِعِنَاية . يَصِلبُ المُخطِ...
5.4K 584 5
دع عنك يا هذا ذكوريتك المتعصبة جانبا فلا يدخلن إلى هنا أشباه الرجال وأمثالهم فقد نصبت طاولة مستديرة لحوار مصيري يضع كل ملك أمام خيارين إما التخلي عن...
13.7K 992 19
اعتقد أن الناس تفْشَل في الرجوع ليس لأنهم لا يأبهون بل لأنهم لا يُريدون ذلك التذكير وهُم ليسوا فخورون بالطريقة التى يشعرُون بِها حيال أنفُسهم، نتيجتا...
4.7K 534 10
داليا مالكوين..الدوقه مالكوين زوجه ادهي الرجال في الامبراطوريه بأكملها، لقد كانت زوجته ولكنه بالكاد يتذكر وجهها! و لم يعرف سوى اسمها و خط يدها فقط...