بـومـة مينـرڤا

By Die-Nacht

13.9K 1.5K 8.6K

حقـبة جديـدة بدأت ما أن تم الاعتـراف بسحـرة الظـلام كجزء لا يتجزأ من عائلة حـراس التـوازن، لكن هذا وحده لم يج... More

-1- ذكرى (II)
-2- موسم الهندباء
-3- نورا
-4- الأيّم الشقراء
-5- لأجل أحدهم
-6- أدنى الهرم
-7- إرادة
-8- ضياء نجم مسائي
-9- جرع زائدة من السكر
-10- الـ منطقة
-12- لا تثق بالفراشات
-13- فنون الدم
-14- نوكتوا
-15- أجنحة وريش
-16- أوتار الشفق
-17- إنذار من الأومورا
-18- في مكعب جليدي
-19- ندوبه الغير مرئية
-20- غريق
-21- أرشيف الذكريات
-22- لعنات عابث
-23- أطياف
-24- ظلال البرق الأرجواني
-25- البحث عن الحكمة
-26- تلك الساحرة
-27- رافيتوس ليلوي
-28- محاكمة
-29- الدم بالدم
-30- عهود غير منسية
-31- أبدي
-32- بومة مينرڤا

-11- السُخام الأسود

357 52 285
By Die-Nacht


في اليوم التالي اعتذرت برسالة قصيرة عن العمل في المكتبة وتركت الأمور معلقة دون ذكر الكثير من التفاصيل، أخبرت هايزل في رسالتي بأنني سأسر إن استأنفنا الفرز لاحقاً فقد استمتعت بحق بالدرشة معها. شعرت وكأنني أمتلك شقيقة صغرى فتفهمت حماية مايبل المفرطة لي أكثر، أما شتيفان فلن أخبره بشيء، خروجي سيظل سراً بيني وبين نورمانوس حتى يتم اكتشافه.

جدلت خصلاتي المموجة في ضفيرة فاشلة خلف رأسي كان الهدف منها أن تؤدي غرضها في جمع شعري المبعثر إذ كنت أناظر في الآن ذاته حلتي الغير مألوفة في المرآة.
لم أظن أنني سأرتدي زي العمل الميداني، شعرت بطاقة غريبة وحماس طفولي. خامة المعطف والبنطال الغير قابلة للحرق كانت قاسية وثقيلة لكنها مريحة أما قميصي الأبيض الواسع كان مصنوعاً من حرير فاخر ومطرز بخيوط ذهبية، تماماً كما يرتدي كل أفراد ريغان.

باب الغرفة تعرض لبضعة نقرات قبل أن يُفتح ويدلف منه نورمانوس متحدثاً:
"تناولي شيئاً قبل الـ..."
حين انقطع سيل حججه المتذمرة التي كان يحاول إقناعي بها بالعدول عن رأيي منذ الصباح رفعت رأسي من على كفي الذي كنت أركز عليه قفازاً من الجلد الأبيض ونظرت نحوه لأجده متجمداً، الطريقة التي تهادى نور الصباح الدافئ على ملامحه أنار وجهه عندما راح يحدق بي بعيون شاردة لفترة، فترة طالت كفاية لتجعلني أضحك على ردة فعله العفوية والتي لم يتمكن من إخفائها.
"تبدو مصدوماً."
علقت ببسمة بسيطة فتنحنح أخيراً مستدركاً نفسه وصمته الذي طال.
"اعتدت على رؤيتكِ ترتدين الفساتين على الدوام، هذا كل مافي الأمر."
برر وهو يعقد ذراعيه أمام صدره مستأنفاً تحديقه بطرف عينه.

"هذا متفهم، كنت أتأمل بشكلي منذ فترة بالفعل."
سايرته ثم ركزت بصري على المرآة لمرة أخيرة قبل أن أستدير بجذعي كاملاً نحوه وأعلن:
"لا أحتاج الطعام، لنخرج قبل أن يزدحم القصر بالناس."

سرنا في شوارع المدينة التي أحاطت بالمبنى أسفل الهضبة الواسعة التي تم بناء قصر الظلال أعلاها. لم أستطع استكشاف سوى حديقة القصر المخضرة في الأيام الماضية، وأشجار هذه البلاد عالية بطريقة تحجب المدينة في الأسفل فلم يظهر منها سوى الأبراج العالية. التجول خارج الأسوار جعلني أشعر بحماس أكبر، ورؤية العمران الجديد عن قرب تركني مبهورة كطفلة ترى الدنيا لأول مرة، وهذا حقيقي، كان واقعي.

الأبنية كانت عالية ومصنوعة من حجر أسود مشابه لذلك الذي تم إنشاء القصر الرئيسي القديم منه. لا يتواجد سوى في أراضيهم ويدعى....
"سكابـ.... لا سكالـ..."
تمتمت بالحروف الأولى في محاولة للتذكر بلا فائدة.
لا أذكر الاسم لطوله ربما وربما بسبب الأصوات العالية للناس هنا وهناك.

حدقت بشرود، عيناي تغدوان كسولتين عن النظر حولي فجأة لكن كل ما دار في بالي أن أفكاري مشتتة إذ أني لا أنسى بسهولة.

تنهدت وأنا أرفع عيني على مهل نحو السماء ليلتقط بصري أن أعلى كل سطح مبنى يتواجد جرم زمردي دار حوله عدة مدارات معدنية رفيعة وغريبة. تماماً كأنوية الذرات.

"أهذا بغرض إنتاج الطاقة؟"
سألت وأنا أميل برأسي يميناً لأجد أن نورمانوس الذي كان من المفترض أن يكون بقربي قد اختفى ومكانه تواجدت طفلة تقوم بتناول الحلوى بنهم. نظرت تلك الأخيرة نحوي وكأنني على وشك سرقة حلواها ثم بدأت الوثب بعيداً بعد إعطائي نظرة تهديد شقية.

قبضت أناملي وابتلعت بقلق إذ بدأت الشوارع بالإزدحام أكثر بطريقة خانقة، ويبدو أن حتى حواسي الجيدة لا تعمل كما ينبغي لها في فضاء مزدحم.

حاولت الحراك لكن قدماي التصقتا بالأرضية من أسفلهما لتجعلانني أفقد ماء وجهي خوفاً من القادم إذ أنه لا يمكن أن تكون هذه كلها علامات خير.

"الأحجار تسمى بالسكابوليت."
شهقة خافتة فرت من فاهي حين امتدت ذراع من خلفي ووضعت صرة من القماش الناعم في كفي اشتممت منها رائحة السكر.
"لأجلي؟"
رفعت رأسي نحو نورمانوس الذي أومأ مجيباً:
"أنتِ لست مضطرة لتجنب الحلوى بسببي، لاحظت أنكِ تحبين السكاكر."

"أنا... بالفعل أفعل."
ضحكت بصعوبة وتذوقت إحداها على عجل، كانت مصنوعة من قطع اللوز الحلو المغلفة بالسكر الملون القاس. حلاوتها ليست شديدة والمكسرات أضافت نكهة مميزة.

"إنها طيبة المذاق."
غمغمت بابتسامة دون أن أرفع رأسي وأنا أقضم المزيد باستمتاع وبحذر من أن أعض فاهي. أشعر بتحسن بسيط وليست الحلوى السبب.

راقبت نورمانوس يتوقف بقربي ثم يرفع أخيراً ببصره عني وينظر لحيث توجهت عيناي سابقاً ويجيب:
"إن هذه الأجرام بالفعل للطاقة، تستمد الطاقة من نور الشمس في النهار ونور القمر في الليل، تعمل على التخزين بالمثل في الأيام الغائمة."
لديهم تقنيات مشابهة لتلك التي سمعت عن وجودها في جهة سحرة النور من العالم الموازي إذاً...لحظة!
حدقتاي ارتعشتا في محاجر عيناي ورؤيتي زاغت.
"سمعتني؟"
سألت بدهشة ليحط بصره علي ويعقد حاجبيه باستغراب:
"أجل، لقد كنت خلفكِ مباشرة."
استدار بنصف جذعه وأشار لعربة قريبة تحملق حولها الأطفال لشراء السكاكر وأنا فقدت القدرة على البلع. لم ألحظه رغم قرب المسافة. كل هذه الأحداث التي دارت في دقائق معدودة في الخارج أشارت للكثير.

"أهنالك خطب ما؟"
سأل نورمانوس بقلق وهو يميل بجذعه نحوي لينظر في وجهي ذو الملامح الضائعة مباشرة.

"أنا بخير."
غمغمت على مهل وهو قطب حاجبيه وكأنه لاحظ أن الجواب لم يكن صريحاً فاقترب أكثر لأتقهقر للخلف حين استفسر بجدية:
"لماذا تتنفسين بسرعة إذاً؟"

ماذا سيظن عندما يعلم؟

صككت أسناني حين شعرت بنظرات الناس من حولي تخترقني على حين غرة فبدأ الهلع مع تضاعف أعداد المارة والعيون من حولنا، يجب أن أتحمل.

اضطربت أنفاسي بحيث أصبحت عالية بوضوح لا يمكن إخفاؤه بعد الآن بعكس ما كنت أحاول فعله ولم أجد شيئاً لأختبئ بظله سوى نورمانوس أمامي فأمسكت بطرف قميصه وأسندت مقدمة رأسي لعضده بوجهي للأسفل.
"أعطني لحظة."
طلبت على استعجال.

هذا حصل من قبل عندما كنت صغيرة.
ظننت أنني بخير وتخطيت الأمر لكن...
ظننت أن السبب هو عدم رؤيتي لوجوه الناس لكن...! وألف لكن أخرى...!

"أغرو..."
صوتي تقطع وغدا غير مفهوماً حتى لنورمانوس الذي أطل من فوقي وسأل مستفسراً عن كلماتي بحروف لم أفقهها فصوته رن ضد طبال أظني كصدى ضعيف بعيد.

يجب أن أخبره بأن يعيدني للمنزل لكنني لا أستطيع في الآن ذاته، أغلقت عيني بقوة وشعرت برأسي يدور لصراع أفكاري واقتتالها مع بعضها البعض بين لفائف دماغي. الخوف كان يتناول كل ما في طريقه من أفكار وسيتسبب لي بإنهيار أعصابي قريب.

"مينا..."
تنفست الصعداء حين شعرت بذراعيه تلتفان حول جذعي ورؤيتي تغرق في الظلام. نورمانوس ضغط رأسي ضد صدره وأخفى هيئتي أسفل معطفه بحيث لم أعد قادرة على رؤية ما حولي من خلق.
"أشعر بكِ تتألمين، ولا داعي لإرغام نفسكِ على التعافي أو الإدعاء أنكِ بخير..."
أعلن وأنا رفعت وجهي نحوه لألمحه ينظر لي بعتاب من بين رموشه السوداء فشعرت بمعدتي تنقلب من فعلتي.

أنا... لا فائدة مني على ما يبدو، تماماً كما توقع لي والداي.

"إن كانت الشمس فلابأس عليكِ."
ربت على رأسي بلطف وأضاف بهمس خافت:
"بإمكانكِ الاحتفاظ بمعطفي كستار حتى نصل بقعة مظللة."
الطريقة التي تلفظ فيها حروفه أخبرتني أنه يعلم أن ما يحدث لي ليس بسبب سخونة الشمس أو ما شابه لكنه يريد أن يمرر الأمر فلسنا وحدنا هنا.

أمسك بكفي بقوة وسحبني بلطف خلفه لنسير عبر الناس على مهل، ساقاي المتصلبتان صارتا أكثر ليونة ما أن أخذت أركز ببصري على شخصه وحسب مدعية أن لا غيره معي أو حولي، تأملت بخصلاته السوداء يداعبها النسيم، منكبيه، ظهره الواسع وكيف تحركت عضلات ألواح كتفيه مع كل خطوة يخطوها. كان قميصه الأبيض غير ضيق لكن يفصل بنيته عند حركته بوضوح لهذه العيون. هذا فاتن، لا أنكر ذلك، بل لا يمكنني.

وجدت نفسي أتذكر ما كن الفتيات يقلنه عنه في حفلة القران الخاص بنا، يبدو أنهن أسهبن بالتحديق ليتوصلن لتلك الحجج ويتلفظن بها جهراً بلا تردد، والآن...وبعد إعادة التفكير ملياً أنا أمانع بحق تفوههن بذلك الكلام أمامي.

أنا كنت ببساطة أتوق لرؤية وجهه كلما كان حولي، ولم أركز على التفاصيل التي تعتبر من الأساسيات للطبيعيين منا كملاحة المظهر أو حسن البنية.

التفت نورمانوس للخلف لوهلة فجأة ليلقي نظرة سريعة علي وحين ابتسم بنظرة غير مقروءة الفجوة وجدت نفسي أفعل المثل على استحياء.
أتم ضبطي يا ترى؟ لسبب ما لا أشعر بالسوء حيال ذلك.

وقفنا بعد بضعة دقائق أمام مبنى عال ذو حديقة خضراء واسعة افترشها الكثير من الأطفال وذويهم. سمحت لعيني بأن تتجولا من أسفل المعطف في الأنحاء ويجب القول أن البناء يبدو قديماً للغاية وحجارته رثة بوضوح وكأنه تعرض للترميم السريع وحسب.

دلفنا عبر الحديقة وتخطينا أشجار التفاح لنجد حارس البوابة الحديدة الواسعة يستقبلنا رغم مظهره المخيف من جسد طويل وضخم بابتسامة ودود.
"طاب يومك سيد آستور."
ألقى التحية وأنا آثرت الصمت حتى غدونا في الردهة المظللة والفارغة من أي كائن سوانا.

"آستور؟"
سألت مستفسرة وأنا أخلع معطفه عن رأسي، يبدو أنني لم أسمع ذلك خطأ فحين قام نورا بهرش مؤخرة عنقه أفصح مبرراً:
"لا يستطيع حراس التوازن السير بينهم ببساطة باسم ريغان، هم لا يحبوننا لذا سُمح لنا باستعمال اسم آستور فالعائلة انتهت بالفعل منذ قرون."

"ليس وسكايڤر آستور لم يتم تأكيد وفاته."
جادلته، لم يعجبني الخداع يوماً، رغم أن هذه الطريقة مفيدة لتجنب المشاحانات إلا أنها مضللة.

"فكري بالأمر مينرڤا."
تناول نورمانوس معطفه من بين أناملي ثم استطرد ما أن تأكد بطرف عينه أن لا أحد يستمع:
"لا يجب أن نختلط بهم بشكل مباشر، أن يظنوا أن حراس التوازن يتجاهلونهم أفضل من أن يعرفوا أنهم يراقبونهم فليس الجميع يشعرون بالامتنان لقتل السلف إلياس فونباخ."

حقيقة أن بعض الناس مازالوا يحملون ضغينة ضد كل كائن حي آخر صدمتني. فتحت فاهي في محاولة لمناقشته لكنه ضغط إبهامه ضد فكي السفلي ودفعه للأعلى بسبابته على مرأى أحدهم يدخل المبنى. انخفض بقرب أذني ونبس بخفوت واختصار تام:
"نحن لسنا هنا."

"مفهوم."
دفعت نفسي عنه بحرج ولم أقم بنقاشه أكثر بل واكتفيت بالصمت بعد كلمتي الخافتة. يجب أن أبقى في ظله إن لم أرد أن يتم كشف حقيقتي التي لا تعلمها نفسي حتى للعلن.

"أيضاً، سكايڤر آستور لا يمكن أن يكون على قيد الحياة."
أمسك بكفي مجدداً بلطف وسار بي نحو السلالم مستطرداً:
"فمن وصف قصص الوصايا أرجح أنه ذهب ليموت في صمت وحده لكي لا يثقل كاهل إيستر يانا."

"لسنا واثقين."
اعترضت على جزمه، لا يمكن أن نفعل ذلك بطريقة عمياء فنحن نتحدث هنا عن حياة شخص قام برهن وقته وروحه وجسده مقابل بعض القوة التي ظن بأنها ستساعده على استعادة شقيقه الأصغر.

"لا أظنه يمانع، هو كجد لي."
ضحكة قصيرة فارقت شفاهه، نورا ينحدر أيضاً من دماء آستور لذا هو نوعاً ما لا يخدع أي شخص. تركت الموضوع على إدراك أن المبنى الذي دلفناه مبنى سكني مشترك فما أن وصلنا الطابق الأول حتى انتهى الرواق الممتلئ بالأبواب الثخينة بواحد معدني متفرد بلا أي زينة حوله عكس أبواب الشقق الأخرى التي تزينت بأحواض النباتات الخضراء، وهناك توقفنا نحن

"ها نحن ذا..."
نبس شريكي وكأنه يحدث نفسه.

قام نورمانوس بترك يدي ونقر الباب المعدني مرتين وكأنه لا يود القرع بصوت عال. لم يدم الصمت على الجهة الأخرى طويلاً وانتهى بصوت عدة أقفال ثقيلة تدور في محاورها.

الباب فُتح ومن خلفه ظهرت سيدة في أواخر الأربعينيات، شعرها الأسود تمازج بالرمادي وعيونها اكتسبت لوناً أزرقاً راكداً يخبر المرء عن كم كدت في حياتها.
"نورمانوس آستور."
نبست السيدة بابتسامة مرهقة لكن كريمة ترمي فيها ما تمتلكه من ود للشاب أمامها.

"مرت فترة سيدة كوهشن..."
رفع أنامله قرب قلبه ليحيها بابتسامة بسيطة مقابل خاصتها.
"كيف هي حالكِ؟"
سأل.

"أنا بخير منذ أن طلبت تعيين الشاب رونان لأجل زيارتي وتلبية احتياجاتي. لا ينقصني سوى رؤية وجهك بين كل فترة قريبة وأخرى."
ابتسامتها اتسعت أما نورمانوس فضحك مجاملاً إياها. لا يبدو أن الشابات الصغيرات وحدهن من يحببن النظر لنورمانوس.

"والسيد كوهشن، كيف كانت حاله هذه الفترة؟"
انخفضت تعابيير وجهه على الفور من رؤية السيدة تنزل بصرها بأسف. فتحت السيدة الباب على مصراعه وأفسحت لنا المجال قائلة بنبرة خافتة:
"أرجوك تفضل وألقِ نظرة بنفسك."

"بالإذن إذاً..."
نورمانوس نظر نحوي بعينيه مشيراً لي بأن أتبعه ففعلت بهدوء مستأذنة بدوري.
"نعتذر عن الإزعاج."
حدثت السيدة فهزت برأسها ببسمة لطيفة وأغلقت الباب خلفنا قبل أن تقود الطريق عبر الممرات منزلها التي لم ينرها سوى ضوء الشكس الذي تسلل من النوافذ الصغيرة.

"ما سأطلعكِ عليه اليوم سر بيننا نحن فقط."
حدثني نورمانوس دون أن ينظر لي حتى. هو لم يقل تلك الكلمات البارحة وهذا يعني أن الأمر أعظم من كون من يحاولون أذية سحرة الظلام هم العابثون أنفسهم.

"بالطبع."
أومأت برأسي والسيدة أمامنا قامت بدفع ستار عن باب حديدي أخر تم إيصاده بقفل معدني كبير. أخرجت المفتاح من جيبها ووضعته بالقفل بأيدي مرتعشة.
أسدلت أهدابها للحظات وعندما فتحتهم مجدداً رأيت دموعاً تلتمع في مقلتيها.

"سيدتي..."
نورمانوس جثى أمامها ليحمل بيديه أناملها بلطف. نظرت في وجهه كالمفزوعة وبررت سريعاً بتلعثم:
"آسفة، رونان من كان يعتني به. لم أكن قادرة على النظر في وجهه مؤخراً!"
دموعها إنزلقت على وجنتيها وأنا وقفت هناك بصدمة أراقب بعيون متسعة حال المرأة تتبدل رأساً على عقب بسرعة لكن نورمانوس حافظ على هدوءه وابتسامته على محياه.

"أتفهم ذلك."
أسدل أهدابه على مهل في إيماءة مؤازرة من رأسه.
"فالتخرجي لإستنشاق بعض الهواء الطلق عند الشرفة."
نهض دون أن يترك يديها فراقبته المرأة بتلك العيون الباكية ذاتها.
"أعطني المفتاح."
طلب بلطف فقامت بتركه بين يديه ومن دون أي كلمات اختفت من الردهة.

"لما كل هذا الألم في عينيها؟"
سألت نورمانوس فأعطاني ابتسامة آسفة وأجاب:
"ستعرفين الآن."
قام بحل القفل سريعاً ودون تلكؤ ثم دفع الباب وأنار الأضواء.

وقف بطوله للحظات في وجهي ثم ابتعد ليتركني أرى مظهراً جعل أحماض معدتي ترتفع في حلقي. وضعت كفي ضد فاهي في محاولة ناجحة لمنع نفسي من التقيؤ فلم أستطع التحكم بردة فعلي أبداً.

"مينرڤا..."
أحاط نورمانوس بجذعي حين إنحنيت على نفسي لكنني سريعاً استقمت على مهل وربتت على عضده لأخبره أنني بخير.

تمعنت بصعوبة في هيئة الرجل الذي جلس على فراش وثير يحدق بعيون ضاع بياضها في بحر من السواد بالسقف وينفث سخاماً أسوداً من فاهه مع كل نفس يفارق صدره.

كان هزيلاً كجثة وظننته كذلك لو لم أرى صدره يرتفع وينخفض، عروقه وشريينه كانت واضحة في بشرته، بين هيكله العظمي ولحمه الداكن الشاحب.

"ما هذا؟"
سألت أخيراً برمق جاف.
"أهو مرض ما؟"
أردفت مستدركة فظاظة سؤالي الأول بحق الشخص المقيد للسرير هناك، والذي كنا نحدق بهيئته لفترة الآن.

"يسمونه داء السخام الأسود."
أجاب نورمانوس مختصراً جوابه ثم توقف لوهلة ليلخص الحالة أمامنا:
"إنه غير معدٍ ونادر لذا لم أستطع اعتباره شيئاً خطيراً أقوم بالتبليغ عنه أو تجاهل رغبة سحرة الظلام في إبقاءه سراً يخص بلادهم."
كلماته كانت غير واثقة من قراره لكنه في رأيي منطقي بالنسبة لموقعه.

"وما عوارضه؟"
سألت. حاولت الاقتراب بعد أن استجمعت قواي لكن نورمانوس كان مازال يحافظ على قبضته علي حول خصري حين حاول سابقاً إلتقاطي.

الرجل فجأة بدأ يقوم بالأنين وكأنه يتألم وحين حاول النهوض رنت تلك السلاسل التي كبلت ساقيه للسرير. ضرب بكفيه الهزيلين الأصفاد ثم قام بشد شعره في مشهد مخيف قبل أن ينحني على نفسه ويهدأ مجدداً.

"ما ترينه..."
تحدث نورمانوس ثم أطفأ الأنوار لنخرج من الغرفة فيقفلها مجدداً.
"لا يظهر المصاب ولا حتى ذرة وعي واحدة، أغلبهم لا يتحكمون بتصرفاتهم مما يجعل أفراد عائلاتهم يقيدونهم."
لحقت به عبر الممر فوضع المفتاح على الطاولة في الردهة واستطرد:
"يتم تغذيتهم عن طريق الأنابيب الطبية لعدم قدرتهم على التفاعل بطريقة سليمة مع ما حولهم."

خرجنا بهدوء من الشقة وأغلقنا الباب خلفنا لكن قطعة من قلبي كانت مع أولئك الأشخاص بالفعل ولم تغادر.

"أتعلمين لما نسب سحرة الظلام هذا اللقب لأنفسهم وليس اسم كـ سحرة الدم أو ما شابه؟"
سأل نورمانوس فجأة بابتسامة فهمهمت للسؤال الذي كان جوابه شبه معروف بين المجتمعين. لأنهم يعلمسون بعضهم البعض.
"ألديك فكرة لم أسمعها قبلاً؟"
سألت.

"لأن الظلال والدم والسخام تندرج أسفل أنواع مختلفة من العبث ولم يرد سحرة الظلام أن يساء فهمهم لكن ذلك لم يساعد في تحسين صورتهم والتصقت شائعات كونهم ملعونين بهم رغماً عنهم حتى اليوم."
برر ببساطة شديدة فعلقت مستفسرة:
"إذاً ليس لأنهم أرادوا أن يكونوا شيئاً معاكساً لسحرة النور وحسب؟"

"لم يحاولوا معاداة سحرة النور الذين يعتبرون كأبناء عم لهم أبداً. أرادوا أن يتم تمييزهم لكي لا تختلط كينونتهم مع أشياء أخرى فحسب، لكن تم ظن الأسوأ بهم."
أصبحنا في الردهة الرئيسية ونورمانوس لوّح للحارس بالوداع قبل أن يتوقف أسفل ظل إحدى الأشجار ويضيف مختتماً:
"ولهذا بالذات أحتاج لحمايتهم."

"إذاً ماذا تظن عن داء السخام؟"
سألت بعفوية. لا معنى من حمايتهم من القتل إن كان أحد الدخلاء الأكثر فتكاً قد عشش في منازلهم بالفعل.

"على مر عقود من الزمن ارتفعت نسبة المصابين بشكل ملحوظ لعين من يقوم بالعد فقط."
سرد معلومات وحدهم من راقبوا هذه الأرض يعرفونها أو لاحظوها.
"رغم أن الداء غير معدٍ ولا يوجد أي ارتباط أو خصال مشتركة بين المصابين إلا أنني متخوف من كونه قد يغدو جائحة بعد عدة قرون أخرى."
اقترب من حيث وقفت أنا فرفعت بصري نحوه وسألت:
"ولإيقافه يجب أن؟"

"ليس لدينا أي معلومات عن كيف يبدأ ولا أي حالات تعافت منه، لا يمكننا جزم أي شيء."
أحاط بوجنتي بين كفيه فجأة وأخذ يحدق بوجهي.
"لا أفكار للأسف."
استطرد.

"أمن خطب؟"
سألت على استحياء فرفع أحد حاجبيه وسأل فوق سؤالي:
"ما رأيناه هناك لم يكن بسار بوضوح، كيف تشعرين؟"

كدت أن أنسى عن ذلك. ردة فعلي في الأعلى كانت غير متوقعة لأي منا لكنني تعافيت بسرعة وبشأن ما حدث بين الحشود هناك... لا أعتقد أنني أود شرح حالي الآن بالذات له فيعيدني للقصر.

أبعدت يديه بلطف.
"لقد تفاجأت لكن أنا على مايرام الآن."
لم يبدو مقتنعاً بما قلته من كلام لكنه رغم ذلك لم يمانع استمراري بمرافقته لليوم حول أطراف المدينة حيث ساقني حول المساحات الخضراء المترامية حتى بدأت الشمس تميل نحو الغرب.

"لما يعودون لمنازلهم من الآن؟"
سألت حين كنا نأخذ استراحة في ساحة قريبة ورأيت عجوزاً يهتف بمجموعة أطفال بالعودة لمنازلهم قبل أن يختفي النور ويحل الظلام.

"الأمسيات المظلمة تؤجج رغبات الخطايا."
نطق نورمانوس دون أن يحيد ببصره عما أمامه بنبرة مبهمة وأنا غمغمت:
"خطايا؟"

"الظل. إنه الـ 'أنا العليا' متمركزة الذات فينا وصوته عال بطريقة مزعجة."
شرح ببساطة.
"ما أن يبلغ سحرة الظلام نهايات عقودهم الثانية حتى يصبحوا قادرين بشكل كامل على تسخير هبات دمائهم دون القلق من الظل لكن قبل ذلك...الأمور تمليل لأن تكون معقدة للجميع."
سمعت أن فترة المراهقة صعبة بحق لهم بالذات، فالطبيعة التي ولدوا عليها والرفيق المتكلم لا يفتأ يحدثهم عن رغبات مظلمة ليدفع بهم من أجل تحقيقها لمصلحته والتي تصب في مصلحتهم أحياناً بالمثل فيتناغمون.

"هكذا إذاً."
علقت بهدوء وانتهى الحديث عنهم بهمهمة من فاه نورا. أشعر بالإختلاف رغم أنني لا أدري ما إن كنت بنفسي إحداهم أم لا.

"أمازال يحدثك؟"
فضولي ساقني للسؤال الذي بدا مفاجئاً لنورمانوس فتسبب برفعه حاجبيه للحظات قصيرة اختتمها بابتسامة غامضة وكلمات أحجية.
"لا يحتاج لأن يفعل."

.
.
.

عدنا للتجوال مجدداً سريعاً لنلاحق ما تبقى من ضوء النهار قبل أن يسبقنا وهذه المرة في قلب الغابة.

"كنا نسير منذ فترة الآن، أتشعرين بالتعب؟"
سأل باهتمام إذ أنه لاحظ تباطؤ حركتي بوضوح لأرسم ابتسامة وأجيب مطمئنة بصراحة:
"أفعل في الواقع لأنني لا أخرج عادة كثيراً وأمارس تمارين رياضية بسيطة أحافظ فيها على عضلاتي ليّنة، لكن ماذا عنك؟ أنت تقوم بهذا دورياً."
سألت.

"يوجد مجموعات من الشبان والرجال المدربين على القتال الذين يراقبون باستمرار مختلف المناطق، دوماً على استعداد لمساندتي لكنني خط دفاعهم الأول."
ولهذا بالضبط لم أكن أراه، حمايتهم عمل حراس التوازن في المقام الأول ولن يريد أي شخص أن يتلوث بأعمال العابثين إلا لضرورة قصوى.

صوت صفير غريب صدح لأذني ونورمانوس تحرك فجأة ليقف أمامي، أشار لي بسبابته أمام شفاهه لألتزم الصمت فأومأت محافظة على سكوتي.

رأيت دمائه تنزلق على كفيه ومن بين أصابعه وحين امتد سوط ضئيل نحوي تفرق لأربعة التفوا حول جذعي ارتفعت عن الأرض في الهواء.

وضعتني سياط الدم برفق بين الأجمات التي تسلقت شجرة عالية بقربي، ومن دون أي إضافات اختفت مع صاحبها الذي سار مبتعداً. حواسه أفضل من خاصتي بوضوح لكنني لا أشعر بخير من عدم قدرتي على رؤيته.

وقفت في بقعتي بهدوء فإن تحركت قد أتسبب له بالمشاكل وحسب ولكن الخطة لم تكن سهلة التنفيذ عندما شعرت بحركة مريبة تشاركني الأجمات.

تراجعت بضعة خطوات حين ظهر ظل طويل برداء رث داكن من اللامكان واحترقت النباتات الخضراء أسفل قدميه. رفع يده التي امتلكت لوناً داكناً في الهواء أمام وجهي وأنا شعرت بالخطر المحدق، كاد أن يلمسني لكن أصابعه قطعت في ثوان تبعها كفه من الرسغ لتتساقط أجزاء جسده الحجرية كقطع صغيرة على الأرض.

إدراكي أخيراً استوعب خيوط الدماء التي كانت تتلوى حولي فألحظ أن نورا لم يتركني بحق. الأسلاك الرفيعة التي التمعت ضد نور الشمس وظننتها من صنع عنكبوت قريب كانت في الوقع دماءه التي لم تفارقني في المقام الأول قط.

مجهول الهوية استعاد أطرافه المقطعة بسهولة فحين تمتم بطلاسم غير مفهومة بصوته العميق البعيد طافت الحجارة في الهواء وشكلت يده مجدداً وكأنه يقوم بتطبيق أحجية بسيطة.

"سيء."
تمتمت إذ يبدو أنه عنيد. أناملي تسلقت حجر الزريكون خاصتي عندما وجدت دماء نورا بقربي تتلوى دون أن تهاجم، إما أن وعيها الخاص يندرج على حمايتي وحسب أو أنها لا تستطيع فعل المزيد لأن صاحبها بعيد. مازلت لا أدري عن هبات دمائه الخاصة حتى أجزم ولن انتظر الأسوأ لأعرف.

"أنت تخطو على أرض غيرك بطريقة غير شرعية وبموجب قوانين سحرة الظلام فإنك إما أن تستسلم الآن وتتعرض للمساءلة القانونية أو تموت هنا في هذا المكان."
نطقت بنبرة هادئة اخفي خلفها الخوف الذي تسلل لصدري وسحبت الحجر لأتركه متأهباً في باطن كفي.

سحب الغريب رداءه ليغطي هيئته كاملة مجدداً وتراجع مبتعداً ليختفي في لحظات خضم ظلال أغصان الأشجار العالية كما ظهر لكن حجر الزريكون غدا حاراً أكثر في باطن يدي، يحذرني من أن العدو لم يتراجع حقاً.

"جوابه تحدد."
سمعت صوتاً بارداً يعلن من خلفي وكثافة دماء نورمانوس من حولي إزدادت قبل أن تندفع من كل جهة حولي لتشق الهواء ومعه حلق الشخص الذي حاول الفرار.

صرخ بألم وصوته ضاع مع الضربة التي مزقت جلده. الدماء السوداء تطايرت أمام عيني فاضطربت أنفاسي في حلقي.

جسد الغريب رقد في رمشة عين، بدأ بالتفتت وتحول لرماد غابر أسفل قدمي اللتان ارتعشتا من هول الأمر.

الدماء تراجعت من أمام وجهي وأنا التفتت نحو نورمانوس الذي كان يراقب سواره الشفاف الخاص يستقبل دمائه على مهل حتى سكنت. بصره الذي استحال أسوداً بشكل كامل ارتفع نحوي فتفاجأت من تلك الابتسامة التي رفعت شفاهه قليلاً.

أخبرتني -الابتسامة- أنه لا يحذو حذو القوم هنا، أنه يطعم دمائه ما تريده. لا يوجد ولا حتى ذرة واحدة من جسدي تعتقد أن هذا مبشر.

هذا ما عناه بأن ظله لا يحتاج للحديث معه، لأنه يرضيه بالفعل.

أعدت حجر الزريكون مكانه في جوف الميدالية حول عنقي على مهل بسبب أناملي المرتعشة ثم رمقت الرماد بشيء من الرثاء حتى تناثر مع الرياح واختفى، لم يبقى من أثر العابث سوى الموت في البقعة التي وقف فيها، يا لها من نهاية.

"لما لا تستجوبهم؟"
سألت رغم أنني كنت من أعلن للغريب أن محاولته للمقاومة ستنتهي بمقتله، ونورمانوس الذي أصبح بقربي مسح خصلاته للخلف، راقبت بطرف عيني العروق السوداء أسفل عيونه والتي كانت قد امتدت حتى أسفل عنقه تنصهر ضد بشرته لتتظلل.
"لم ينطق أحدهم يوماً عن سبب محاولاتهم للدخول...مهما فعلت بهم. يعملون معاً ويرفضون خيانة بعضهم البعض بطريقة تدعو للريبة."
أجاب. عيونه السوداء تحط على رأسي حين لاحظ أنني أنبش أحد جيوب معطفي الكثيرة.

"بإمكانك تركه وتتبعه لتكتشف الأمر."
أخرجت منديلاً وقمت بطيه بين كفي لأقترب من نورمانوس وأمسح وجهه إذ فاتته عدة بقع ولايبدو أنها تنوي التبخر، إلا إن كانت دماءه هو وأصيب بطريقة ما.

"إن هذا خطير على الناس."
تحدث. يده حطت على خاصتي فتركت المنديل سريعاً له كمن أصابته الكهرباء الساكنة ليقوم بالإشاحة بوجهه واستكمال ما بدأت أنا بنفسه.
"لا يمكنني تعريضهم لذلك."

"تعتقد أن لهم علاقة بمرض السخام؟"
سألت فأومأ بهدوء، هذا يفسر زيارتنا لمنزل تلك السيدة سابقاً. نورمانوس لديه شكوك لكنه يبقيها لنفسه.
"سيكون هذا جيداً وسيئاً."
علقت.

"كيف؟"
سألني ويا له من سؤال وجيه إذ أن الفكرة التي خطرت لي جعلتني أتجهم وأشعر ببعض الأمل في الآن ذاته.

"جيد لأنه قد يكون طرف خيط يجب أن نمسك به وسيء لأن كل ما يمسه العبث يفسد للأبد."
أجبت شارحة فاستنتج مكرراً:
"لن نستطيع علاج المصابين لكن قد نستطيع حماية القادمين."

"صحيح."
قمت برسم ابتسامة بسيطة على محياي، مهما كانت نظريتنا سيئة عن المرض من الأفضل أن نمتلك واحدة من ألا نمتلك شيئاً أبداً.

"هذا يكفي وكل ما يهم الآن."
انتهى من تنظيف وجهه ووضع المنديل في جيبه. عيناه تنيران على مهل مجدداً بضوء أحجار الياقوت الداكن.

"لا خيار لنا سوى البحث إذاً عما يريدونه."
كوبت وجنتي بكفي بقلة حيلة وتنهدت كلماتي.

"رقعة البلاد هائلة."
نطق وكأن فكرتي لا يمكن تطبيقها خاصة ببضعة أشخاص، عند هذه المرحلة لا يمكننا جلب ما تبقى من ريغان إذ أن مشاكل أعظم ستحدث دون حل فلسنا متيقنين من صحة النظرية بالمقام الأول.

"سأقوم بتضيقها."
تحدثت بهدوء وأنا أخرج قلماً ضئيلاً ومفكرة جيب صغيرة كنت قد حشرتهما في جيوب ملابسي صباحاً.
"امنحني بضعة دقائق."
أضفت وأنا أفترش الأرض لأبدأ بالخربشة على كراستي أسفل ناظريه وأشرح بالآن ذاته ملاحظاتي:
"أعدادهم ليست كبيرة رغم أنهم يتعاونون معاً بغرابة، هذا يعني أنهم ليسوا واثقين من مكان بحثهم على ما يبدو، وبالطبع لن يقصدوا المناطق المأهولة بالسكان. أشكالهم والأثار التي يخلفونها ستفضحهم."
كان سحرهم يقتل النباتات من حولهم وحيث احترق ذاك الغريب سابقاً الأرض ميتة بشكل كامل وكأن النيران التهمت خضارها.

"يأتون من الشمال حيث تم فصل العالم الموازي لقسمين اثنين بغابة مسحورة تدعى أغصان الخداع، عذا يعني أنه حتى بقدراتهم لا يستطيعون الوصول هنا دون العبور من الغابة. البلاد محاطة بالغابة شرقاً وشمالاً أما غرباً بتلال خضراء يسكنها المزارعون لكن جنوباً ستجد سلسلة من الجبال الإنكسارية الغير قابلة للعمران."
سحبت قلم الرصاص على الورق من الأعلى وللأسفل أرسم خطوطاً لن تلتقي سوى في نقطة واحدة.

"بعضهم حاول الالتفاف عند هذه البقع، ملاحقتهم كانت مملة."
علق نورمانوس وهو يشير بسبابته نحو عدة نقاط على الخريطة الصغيرة التي رسمتها لأهمهم:
"خط نهر تونيا."
نهر واسع ينبع من الجبال ويمر بحدود غابة الخداع ليصب في محيط القرن الأول خلف السهول.

"أظن بهذه الحال أنهم يسعون للوصول للجبال."
نطقت مستنتجة ليستهجن شريكي الأمر.
"بعضها حاد أكثر من أن يتم زراعة النباتات حولها فضلاً من عليها. لما قد يحاولون تسلقها؟"
سأل.

رفعت قلمي لأغرسه بين خصلاتي وقلبت بين صفحات مفكرتي نحو ملاحظات كنت قد دونتها عن الجغرافيا التي قرأتها البارحة فقط.
"تواجدت قصص عن استغلال سحرة الظلام القدامى لجغرافيا أراضيهم الخطيرة في المكتبة التي زرتها مؤخراً والأرشيف الخاص بقصر ريغان ذكر بعض الأمور المنقوصة بالمثل مما أكد المعلومة الآن."
رفعت بصري قليلاً نحوه بتردد.
"كانوا يحفرون منازلهم في الجبال ولم يستعمروا سهول الأرض سوى في وقت لاحق."
أفصحت.

"أتظنين أن هذا العمران مازالت قائماً داخل الجبال؟"
سأل مشابكاً حاجبيه بشك فلا يمكن الاستهانة بعوامل الحت والتعرية التي تمون قد دمرت كل شيء والسبب الأول لإخراجهم من الجبال، لكن احتمال ثاني يمكن دوماً أن يظهر.

"امتلكوا هندسات فذة ومعرفة واسعة. تم ذكر بأن نهر تونيا ينبع من بين الصخور الجبل الأكبر لكن لم يتم تحديد أي قسم من الجبل بغرابة."
أغلقت كراستي وواجهته.
"أياً كان ما يريده العابثون فإنه يتواجد هناك عند المنبع، لن يخاطروا بحيواتهم دون علم مسبق هذا أكيد."
اختتمت حديثي وأنا أغلق الدفتر بين يدي لأنهض سريعاً واتجه ببصري صوب أخر نقطة رأينا فيها معبر النهر.

"كل ما علينا هو أن نسبقهم له، صحيح؟"
استفسر نورمانوس بنبرة معتدلة محاولاً جذب أنظاري نحوه لكن... ولما تبقى من اليوم... لم أكن قادرة على النظر في وجهه بحق.


**********

ما الذي نتسابق عليه مع العابثين؟
ما علاقة كل هذا بداء السخام؟
مينرڤا تتعرف على شريكها أكثر... بطريقة مختلفة فبأي طريق ستسير هذه علاقتهما؟

دمتم بحفظ الله وأراكم على خير
ناخت♥️

Continue Reading

You'll Also Like

87.3K 6.8K 22
" لا بأس بالنسبِة لي ، ربما سيبدو ما أرويِه لكَ مستحيلاً أو ضربًا من الجنون ، أتفهمُ أنكَ بعدَ سماَع هذا سوفَ تحكم عليَ بالمبالغة أو الدرامية ِ المبت...
8.8K 1.2K 38
لن تجد كلمات تصف سطوري .. فها هي ساعة الصفر تدق . #منوعات . كتاب يحتوي على مجموعة خواطر و قصص قصيرة من تأليفي الشخصي لذا أرجوا عدم السرقة ! من يود ال...
3.7K 352 4
فقط تأكد بأن ليس كل ما تراه أو تسمعه حقيقة ! #3 psychopath #3 watty2019 #سلسلة -غير متوقع-
20 Day By Bosina Esam

Mystery / Thriller

2.8K 243 21
اين انا؟ ما كل هذا الظلام؟ ه‍ل يوجد احد هنا؟ مرحبا!؟ لماذا لا يوجد احد هنا!؟ تبا هل هذا ...؟