بـومـة مينـرڤا

By Die-Nacht

18.7K 1.9K 8.6K

حقـبة جديـدة بدأت ما أن تم الاعتـراف بسحـرة الظـلام كجزء لا يتجزأ من عائلة حـراس التـوازن، لكن هذا وحده لم يج... More

-1- ذكرى II
-2- موسم الهندباء
-3- نورا
-4- الأيّم الشقراء
-5- لأجل أحدهم
-6- أدنى الهرم
-7- إرادة
-8- ضياء نجم مسائي
-9- جرع زائدة من السكر
-10- الـ منطقة
-11- السُخام الأسود
-12- لا تثق بالفراشات
-13- فنون الدم
-14- نوكتوا
-15- أجنحة وريش
-16- أوتار الشفق
-17- إنذار من الأومورا
-18- في مكعب جليدي
-19- ندوبه الغير مرئية
-20- غريق
-21- أرشيف الذكريات
-22- لعنات عابث
-23- أطياف
-24- ظلال البرق الأرجواني
-26- تلك الساحرة
-27- رافيتوس ليلوي
-28- محاكمة
-29- الدم بالدم
-30- عهود غير منسية
-31- أبدي
-32- بومة مينرڤا
الكتاب الثالث

-25- البحث عن الحكمة

454 52 332
By Die-Nacht


استطعت النوم لبعضة ساعات استيقظت فيها على مرأى ريّش أجنحتي تتراقص أمام وجهي حيث ولأول مرة لم يكن الأرق ما جعلني غير قادرة على النوم. قمت بهشهشة ما أستطيع بكفي في محاولة للعودة للنوم لكن عظام صدري كانت قد تحطمت بالفعل وكتفاي يؤلمان من الوضعية الغير صحية التي غفوت عليها.

"فتى سيء."
وبخت غلاكوس وأنا أمسد رأسي من الصداع الذي بدأت أشعر به يزداد عندما استقمت، جناحاي تمايلا لحركتي، ربما هذا طائري يعتذر.

مسحت وجهي بكفي متنهدة، أنا أخرج ندمي على ما فعلته أمسية الأمس على غلاكوس، لا يمكنني لومه وحده فقد كنت أعي ما أفعله بدوري.
"المشاعر تطغى على الأفكار الراجحة أحياناً."
نبست محدقة بأناملي التي راحت ترتعش بخفة، لا، لم أحس بها تتوقف بالأساس عن الاهتزاز منذ الليلة الماضية.

رغم أن الشمس كانت بالكاد قد بزغت إلا أنني شققت طريقي نحو المكتبة إذ أنه ليس لدي وقت للجلوس والشرود، أريد أن أشغل نفسي بأي شيء عن التفكير بنورمانوس لفترة والتساؤل عن ما إن كانت فعلتي بإخباره عن مشاعري نحوه صحيحة أم خطأً فادح.

أفضل بالمثل عدم رؤية الناس أو تركهم ليروني بحالي هذه، أجنحتي تتدلى خلفي بلا سبب وظهري نصف مكشوف.
اضطررت لقصقصة قسم كبير من قميص قديم لأرتديه واستسلمت عن محاولة إصلاح الرداء الذي أهدتني إياه خالتي، لست خبيرة بالحياكة وسينتهي أمري بتقطيعه وتخريبه أكثر.

"عندما أعود سأطلب منها إصلاحه واعتذر."
تمتمت محدثة نفسي وأنا أتجول بين رفوف المكتبة أقوم بترتيب ما هو مبعثر، لم تكن الأخيرة في حالة فوضى لكنني وجدت بعض السكينة في ممارسة هوايتي.

حتى يتم السماح لي بزيارة ذلك الموقع البغيض مجدداً سأحاول التركيز على الدراسة علي أستطيع إمداد ريالين ببعض الأفكار عن كيفية استئصال ذلك الطفيلي أو استنباط طريقة لحماية الناس منه، أي شيء قد يفيد.

"ربما أطلب مساعدة بولاريس."
نبست وأنا أقوم بإلتقاط إحدى ريشي بين أناملي، حدقت بها لثوان قبل أن أسحبها لأقتطفها كما يقتطف المرء التفاح، لم يكن الأمر مؤلماً بحق لكن أجنحتي اهتزت وكأنها أصيبت بقشعريرة.
"هذا عقابك."
قطبت حاجبي، لن أرضى عن غلاكوس قريباً، ربما لهذا السبب بالذات هو مختبئ.

قمت بوضع الريشة في الحبر ثم رحت أخط تلخيصاً لآخر المستجدات بشأن المرض، ضربت النقطة على الورقة ثم ختمت رأس الريشة بغرزها في رأس اصبعي لتتلوث بدمائي.

اتجهت نحو النافذة بها في كفي ووقفت هناك، تنهدت أنفاسي ثم انتظرت. من المفترض أن تكون هذه هي الطريقة للتواصل مع النوكتوا الآخرين.

يقولون أن لريشنا ذاكرة، تحفظ ما تخطه ثم تكتبه لمن إلتقطها، الريشة الغير مختومة تعني رسالة فارغة والرسالة الفارغة تعني طلباً للنجدة، ويقال أن طيور بوم النوكتوا ذاتها من ابتدعت فكرة ريش النجدة بالأساس أما أسلافنا فقاموا بتطويرها -محافظين على الأساس بكونها رسالة نجدة- لتصبح وسيلة تواصل.

كنت محظوظة بكون غرائز غلاكوس سلمية، لولا إياه لما عدت للنوكتوا بسرعة، ربما لم أكن لأجد عائلتي قط.

النسيم داعب الريشة بين أناملي لكنه لم يرفعها، لم اضطر لإستعمال المراسلة قبلاً لذا لست متأكدة الآن من أنها ستعمل.

"اذهبي لبولاريس."
همست بخفوت لكن لا جديد، أغلقت أهدابي بقوة ثم كررت كلمات الرجاء مراراً، لا أريد أن يعلم أفراد ريغان عن تواصلنا، سيكون من السيء والغباء الإفصاح عن خدعي....هذا إن عملت هذه الخدع في المقام الأول.

نسيم بارد هب فجأة جعلني أفتح عيني بصدمة للشعور المألوف فأرى ريشتي تحلق في الهواء وتبتعد حتى اختفت بين الغيوم.
"ريح شمالية؟"
تساءلت، ليست البرودة وحسب، الرائحة، ملمسها ضد بشرتي، أحسست لوهلة أنني في المنزل.

لحظة إدراك ضربتني فهتفت بخفوت حماسي:
"مرحى!"
قفزت في مكاني شاعرة بالنصر، هذا محرج لكن الآن...أنا أشعر بأنني مميزة فجأة.

.
.
.

جمعت بعض الكتب من الرفوف القديمة ودخلت غرفة الأرشيف لأنثرها أعلى الرخامة الطائفة. شتاب دار حولي متسبباً بنثر غبار سحري أخذ يقلب الصفحات بسرعة ليدلني على ما قد يفيد.
"لا."
نبست مراراً وتكراراً وهو قلّب الصفحات دون تذمر حتى انتهينا من كل كتاب كنت قد جلبته.

"يبدو أن الكتب العادية لن تساعدنا."
فتحت كفي فسقطت العصا بين أناملي بخفة والرخامة إنخفضت أسفل قدمي لأخطو عليها فترفعني بطرقة واحدة من شتاب للأعلى حيث تم تكديس ملفات عن الطفيليات الخاصة والنادرة في عدة أجرار.

مجدداً الأوراق إندثرت في الهواء وشتاب أخذ يحركها بترتيب واضح أمامي لأطلع عليها دون كلل.

مر بعض الوقت على وقوفي في الأعلى فأصيبت ساقاي بالخدر لكن هذا لم يمنعني من الجلوس وحسب بساقي تتدليان للأسفل حتى بدأ ظهري يقوم بالتململ بالمثل من ثقل الأجنحة.

"مينرڤا!"
صوت مألوف هتف من القاع اسمي وحين حركت بصري للأسفل وجدت أنه فرويد. حدق بي دون إضافات للحظات طالت.
"ما الأمر؟"
سألته فأخفض بصره وتنحنح أخيراً:
"عائلة المريض يودون أن يعود إليهم."
استشعرت شيئاً بنبرة صوته المرتبكة.

"بهذه السرعة؟"
تمتمت محبطة، لا أود حقاً أن يعود ذلك الفتى وهو على هذه الحال البائسة لعائلته.

أمسكت بشتاب لأقوم بتلويحة واحدة جعلت كل الأوراق تعود لملفاتها الأصلية ثم تنزلق تلك الأخيرة في درجها الخاص قبل أن أطرق بالعصا على المنصة فتنزل بي للأسفل.

هبطت على ساقي بخفة، عدة ريش تساقطت من أجنحتي لتندثر أرضاً قبل أن تتمايل وتحلق حول فرويد الذي بدا مشدوهاً.

الريش غادرت الأرشيف فسأل بفضول تلألأ في عيونه الحمراء.
"أتتحكمين بها، أين تذهب؟"
حدة نظراته أصبحت أخف، بدت وكأنها وتعود لفتى صغير فضولي.

لم أدرك أنني ابتسم وحسب حتى سعل بحرج.
"اعتذر، لا داعي للإجابة."
استدرك أمره.

"على الإطلاق، نحن نبدل ريش أجنحتنا ككل الطيور وحسب."
أشرت لأجنحتي فاستجمع رباطة جأشه للتحديق حين لاحظ أنني لا أهتم.
"تلك الريش تعود إلى موطنها."
نبست بشعور غريب يختلج صدري إذ أن ريشي هذه ستقطع مسافات طويلة ثم تتكدس أعلى الصرح، بين الغيوم وأسفل مياه المحيط حتى يحين الوقت وتقوم أدلڤايس باستعمالها فالسانكتوس لا يملك بوماً بل يملك سرباً من ريش الأفراد الذين يقودهم، يعتنون به ويعتني بهم. سؤال متأخر لكن أوليس من المفترض أن جميع النوكتوا يمتلكون بوماً؟ أذكر أن محادثتي مع آدلڤايس تم قطعها آنها مع الأسف.

حركت بصري لأستفيق على فرويد أمامي يحدق وحسب دون أي كلمة، يجب أن أتوقف عن الشرود في أمور أخرى.
تنحنحت:
"كنتَ تقول أن عائلة الفتى يطلبون عودته."
تركت صديقي الخشبي السحري ليعود مكانه المحفور ضمن المنصة، أضواء غرفة الأرشيف خفتت بسرعة أما فرويد فأعطاني كتفه مستعداً للمغادرة مشيراً نحو الباب.
"هل نذهب لنُعلم ريالين بالمثل؟"
دعاني لمرافقته وحين لم أجبه رفع حاجباً وترك يداه لتتدليا بجانبه مجدداً.

"لدي سؤال لك..."
أفصحت فقارب حاجبيه. فرويد يتجنبي لسببين، أفهمهما كلاهما.
"استفسار في الواقع."
أضفت فرفع كفه في وجهي مقاطعاً إياي.
"لا يعجبني كيف تحاولين صياغة هذا مينرڤا."
تراجع خطوة واتجه نحو الباب متخلياً بوضوح عن فكرة أخذي معه عندما شعر بالخطر.
"سأذهب وحدي."
أعلن.

تنهدت بقلة حيلة ولحقت به مخاطبة إياه.
"على مهلك."
توقف، ظن أنني سأتي معه لكنني وقفت أمامه لأسد عليه الطريق، الامتعاض بدا جلياً على ملامحه، لكن هذا لم يدم فعندما وضعت كفاي ضد منكبيه ودفعته في لحظة ضد الجرارات المعدنية صوت الضربة ارتد بصدى عال لمدة ثوان طويلة أظهر فيها الدهشة من فعلتي.

"ما الذي تفعلينه؟"
سأل بحيرة حقيقية فلم يشهد يوماً مُدرسته تستعمل 'العنف'

رفعت عيني لأنظر في وجهه فأشاح بعينيه من فوره.
"أنت ستخبرني بما حدث لنورمانوس حرفاً بحرف."
طالبته.

"لا."
نبس سريعاً وكأن الأمر منتهي.

"انظر في وجهي فرويد ريغان، وإياك وأن تكذب."
اقتربت خطوة جعلته يلصق ظهره ضد المعدن البارد.

"ليس وكأنكِ تستطيعين معرفة الصدق من الكذب بمجرد النظر في عيني."
أسدل أهدابه بعناد لكن ما أن تلمست وجهه بأطراف أناملي برقة حتى أجفل ونظر لي أخيراً، حدقتاه الدمويتان متوسعتان بالكامل وتلتمعان بنظرة تهز النفس.
"أستطيع معرفة أنك تحمل شيئاً خاصاً من المشاعر لي دون أن تنبس أجل."
ضغط أسنانه ورغم تمثيله الغضب إلا أنه بدا مفزوعاً بتلك الحدقات المتوسعة.

"اللعنة التي تتحدثين عنها!"
هتف وقبل أن أدري ما حصل وجدت جسدي يرتد ضد الجهة الأخرى من الغرفة، وآهة للألم الشديد تغادر فاهي.

يبدو أن الأمور ستكون أصعب مما تصورت.

"بئس الأمر..."
هدر كلماته بخفوت وكأنه مستاء من نفسه على إدراك ما فعله بي لكنني سرعان ما استقمت بعد أن انحنيت على نفسي للحظات ابتلع فيها الوجع.
"لا عليك."
نبست معتصرة عيني أما أجنحتي فسقطت حولي وكأنها قد تحطمت.

فرويد قبض أصابعه، بدا متردداً من الاقتراب مجدداً لكنه كان خطأي وعلي تحمل عواقب كلماتي وأفعالي.
"لكن يجب أن تنتبه لألفاظك."
نهضت من على الأرض.

"اعتذر بحق."
غمغم بخفوت، لمحت إحدى أذنيه المحمرتين عندما أخفض بصره الذهبي وأشاح بوجهه بعيداً فتنهدت:
"أنا بالمثل، لم أرد التفوه بما قلته لكنك عنيد للغاية كما العادة."

"لما فعلتها إذاً؟"
سأل بخفوت وهو يخفي وجهه خلف ذراعه، أنا أشعر بذنب أعظم الآن، ذنب لابد منه.
"لأنك الشخص الوحيد الذي يعرف و... لم تكن سوى لتقوم بالفرار مني مراراً."
اعترفت وأنا اقترب على مهل منه، يجب ان أخاف ردات فعله اللاإرادية الآن.
"وجدت إطلاعكَ على أنني لاحظت أسهل."
زفرت بخفوت، عظامي مازالت تؤلمني. أتمنى ألا يلوم نفسه على ما حل بي فقد أخطأت بحقه واستحققت العقاب.

"أتظنيني أبلهاً؟"
نظر لي من أعلى ذراعه فرفعت حاجبي باحتيار مما قد يكون يقصده بسؤاله.
"كنت أعرف أنكِ تعلمين ولهذا بالذات كان النظر في عينيكِ صعباً!"
هتف كالمراهق الذي هو عليه، يعاتبني على عدم إحساسي به بل وحبسه بالزاوية لأحرجه. هذا يفسر ردة فعله العنيفة أكثر، استحققت هذا الألم بجدارة.

"آسفة."
نبست، كان دوري لأخفض بصري أما فرويد فهدأت أنفاسه المضطربة سريعاً ما أن قام بمسح وجهه بين كفيه للحظات طويلة.
"فرويد؟"
ناديت باسمه بقلق وحين حاولت الاقتراب خطوة جديدة أوقفني برفضه ذلك.
"ابقي حيث أنتِ مينا!"
بدا وكأن مشاعره لم تهدأ بعد فنفذت ما يريد بصمت.

"سأقوم بذلك لأجل مساعدتكِ في بحثكِ وحسب."
أزاح يديه أخيراً عن وجهه، عيناه تستعيدان لونهما الأحمر على مهل.
"ما الذي تودين معرفته؟"
غمغم.

نظفت حلقي.
"كيف حصل نورمانوس على كتاب سانغويس آرتيوم؟"
سألت مباشرة فلا أحد سوى كبار العائلة ونفسي يعلم عن وجود كتب عن السحر الأسود في مكتبتنا و....

"لا أعرف."
أعلن فرويد فصدقت كلماته على الفور، لا لسبب سوى أنني أدركت أخيراً كيف علم نورمانوس عن أمر الكتب المحرمة.
"إيستر يانا."
نبست بخفوت وأنا اتجه سريعاً نحو المنصة ليساعدني شتاب دون تلكؤ بالبحث عن كتاب الوصايا الذي تركته خلفها، الأرشيف بأكمله ينير لأرى ما حولي.

"ما دخل سلفتنا؟"
استفسر فرويد وحين نثر شتاب غبار سحري ذو لون داكن علمت أن كتاب الوصايا ليس هنا بالمثل.

"لقد قرأ نورمانوس بصفته سليلاً لدمائها وصاياها التي لم يعبأ الكثيرون من ريغان بالإطلاع عليها."
شرحت، شكرت شتاب مجدداً على المساعدة ثم التفتت نحو فرويد مضيفة:
"هي كانت قد ذكرت الكتاب بعفوية عندما حذرت من استعمال السحر الأسود."

"لكن كيف وجده في الأرشيف؟"
قمت بحك ذقني إذ أن الرموز الموضوعة مشفرة.

"الجدة ببساطة أزالت الحاجز الخاص بسبب تعبها وحين رحلت لم يعبأ أحد بالمكان، لم يكن أخذ الكتاب بالصعب له إذ أن سحرة الظلام يشعرون بكل ما هو سلبي وبما أن الكتاب مدنس بآثار الموت فلابد أن إيجاده كان سهلاً له."
صارحني فرويد بما يعتقده ريثما راحت أنوار غرفة الأرشيف تخبو مجدداً، فقط الزخارف الحامية تضيء بنور ذهبي خافت من حولنا.
"لكن عندما احتجنا المعرفة الموجودة في الأرشيف لا أحد استطاع استعماله لضخامته، كنا نضيّع وقتنا وحسب بين كل هذا."
حدق نحو السقف الغير موجود ورمى ذراعيه حوله متنفساً شيئاً من الإحباط.
"لم أظن أن للشخص المسؤول عن الأرشيف عملاً مهماً سوى عندما رحلتِ أنت."
اعترف ويجب أن أقول بأن كل ما نطقه للتو صحيح، فكل شيء مشفر بأحرف قديمة لا يُدرس معناها إلا لكل أرشيف في ريغان، أنا كنت الأخيرة ووحدي من قد يفهم معنى الرموز فيصل بسهولة للملفات أما بالنسبة لشتاب والمنصة فإنهما لن يساعداك ما لم تكن تمتلك المعرفة بتلك الرموز، السحر الذي يواصلان على العمل به يقوم على ما تفكر فيه وليس ما قد تتفوه به. نفسي لا أفهم أحياناً كيف تمكنت السلفة المختارة من صنع هذه الأدوات لكنني متأكدة بأنها تعمل وستظل لكونها تستمد طاقتها من حجر الفلاسفة نفسه.

"تصفح كل هذا قد يستغرق سنوات لهذا تأكدنا بأننا نحتاجك."
فرويد استدعى انتباهي باعترافه الذي كنت قد فهمته ضمنياً ولن يقم أي شخص بقوله بصوت عالي قط منذ عودتي.

"ولهذا كنت سعيداً بالسفر للشمال وإيجادي..."
مازحته فقام بهرش عنقه بحرج تاركاً ضحكة هوائية لتغادر صدري.

"لكنني فهمت."
قدمت إيماءة من رأسي وأخرجت مفكرتي الصغيرة لأدون ملاحظاتي.
"سأقوم برسم الرموز مع معانيها على بعض الأوراق وأتركها هنا عندما يحين وقت ذهابي."
تحدثت بعملية بحتة.
"أيضاً إن قررتم من سيكون الأرشيف القادم بالفعل فسأقوم بتعليمه بعض الأمور عن المكان بالمثل."
أضفت.

فرويد رمش على مهل في وجهي عندما أصبحت أمامه لأسلمه الوريقة كطبيب يكتب وصفة طبية.
"هذا أمر لا أدري عنه، لكني سأحدث مايبل ونورمانوس لاحقاً لأوصل لهما عرضكِ سيدتي."
علق بهدوء وهو ينحني بطريقة نبيلة جاعلاً إياي أتنحنح فذلك كان جافاً أكثر من اللازم من جهتي.

"هلا تكرمتَ بسرد الأهم؟ ما الذي حصل بعد تحصله على الكتاب؟"
طلبت لكن فرويد لم يستطع الإجابة بأنه سيفعل ذلك بسرور، ملامحه التي لانت للحظات غدت متأسفة فجأة
"نورمانوس عاد بالكتاب لقصر الظلال، كنت قد تم تعيني بشكل رسمي لمساعدته بسبب إصابته من قبل ريالين عندما كانت مازالت في الإدارة."
عقد ذراعيه أمامه وترك تنهيدة محبطة لتفارق شفاهه.
"تدفق العبثة كان مازال مستمراً على ذات المنوال ورغم ذلك هو لم يسمح لي بالمشاركة في القتل، أنا كنت أمسكهم لكنه وحده من يقوم بتصفيتهم."

طرق على الأرضية بحذائه بوتيرة بطيئة.
"بدأت ألحظ أنه يود العودة مبكراً لجناحه وظننت السبب هو التعب بسبب ساقه لكننا الآن نستطيع الجزم بما كان يفعله عندما لا أكون في الجوار."
عيناه حلقتا في فضاء البرج العالي بطريقة بدا فيها وكأنه يستذكر أكثر من التفاصيل...كأنه يعيشها مجدداً.
"اختفى في ليلة مظلمة بعد أن حاولت تفقده، ساورتني الشكوك فاتبعت أثاره بسهولة، كونه قريبي الوحيد في أرض سحرة الظلام الواسعة سمح لي بإيجاده سريعاً."

"كيف؟"
فضولي تمكن مني فقاطعته، لم يبدو مستاءً من الأمر بل وأجابني سريعاً:
"أنا... حاسة شمي جيدة بطريقة مختلفة عن مصاصي الدماء، أستطيع رؤية روائح الدم ولكل فرد رائحة مميزة سهلة الرؤية، كالهالة تقريباً."

"رأيتني أنزف مراراً، ألم تلاحظ اختلافي؟"
شعرت بحلقي يجف. كان يجب أن أسأل، ألم يلاحظ أي شخص اختلافي؟

"كما قلت، كل فرد مختلف لكنني لا أستطيع تخمين النقي من الهجين، اعتذر."
هز برأسه نفياً ثم أضاف فجأة بعلو ضاغطاً أنامله:
"لكن صدقيني لو علمت لما أخفيت الأمر."

بسطت شفاهي.
"أثق بذلك فأنت شاب صالح."
همهمت مضيفة:
"أيضاً أنا من يجب أن تعتذر هنا على مقاطعتك، أرجوك أكمل ما لديك."

فرويد بدا خجلاً قليلاً عندما استدرك أن حديثنا خرج عن طريقه الأساسي لكنني لم أمانع.
"وصلت الموقع متأخراً، نورمانوس آنها كانت دماؤه متناثرة حول ذلك الثقب الغريب وتشع بلون ألسنة اللهب المستعرة، كيان أسود مهول ينزلق من تلك البالوعة ويحاول...إجبار نفسه في جسده الملقى أرضاً."
ضحكة ساخرة فرت من بين شفاهه، بل مصدومة تقريباً وكأنه مازال لا يستطيع تصديق ما رآه.

"لا أدري كيف تخلصت منه، ربما بتمزيقه لقطع صغيرة أو بإعادته من حيث خرج لكن كل ما أعلمه أنني عندما رأيت الطلاسم التي رسمها قريبي بدمائه تلتمع بضوء أرجواني داكن مشؤوم أدركت أنه لعن نفسه بطريقة أو أخرى."
قبض أنامله بشدة.
"غاب نورمانوس عن الوعي بعدها لمدة سبعة أيام كان يستيقظ فيها ليتقيأ دماءه، جسده جف وغدا على شفير الموت أما أنا ومودياس كنا مستعدين للاستيقاظ على خبر فراقه لكنه رغم كل ذلك لم يفقد حياته ونجى بأعجوبة، استيقظ من غيبوبته ليبدأ بتناول الطعام والتعافي على مهل، مجدداً."
لم يكن ينظر نحوي لكنني رأيت عيناه تحملان قلة الحيلة والألم في صدره. لم يستطع سوى المشاهدة.

"الأمور بدأت تصبح بالآن ذاته أسوأ هناك، المرض تفشى والروح المعنوية العالية لسحرة الظلام إنزلقت للحضيض، الخبر الوحيد الجيد هو أن تدفق العابثين كان قد توقف كالسحر."
قام بفتح كفيه الشاحبين منهياً القصة فعلقت مسرعة بتفهم:
"لم يريدوا أن يصابوا بالمرض بالتأكيد."

"أفراد مودياس لم يلقوا اللوم على ما فعله نورمانوس أياً كان إذ كان على شفير الموت لأجلهم، ضحى بصحته في محاولة لإصلاح أمورهم لكن عواقب ما فعله لم تسمح لهم بمدحه بالمثل."
رمى بذراعيه حوله وهز كتفيه.
"الألم الذي هو فيه الآن عقاب أكثر من كافي."
يدعي فرويد عدم اهتمامه العميق لكنه يفعل العكس، لابد أن إحباطه شديد، ليس فقط من نورمانوس بل ومن نفسه.

"بعد أن استعاد قدرته على الكلام قرر مشاركة همومه معي، أخبرني أخيراً بما يحصل وبعد نقاش طويل أدركنا أنه يجدر بنا إطلاع الجميع أولاً ومعرفة ما نتعامل معه قبل أن نحاول التعامل معه ثانياً."
نظر في وجهي أخيراً واعترف:
"النوكتوا كل ما جال في باله حينها وبريشة من غلاكوس استطاع بمساعدة بسيطة من مايبل وأداة سحرية عظيمة -لم نقم بسرقتها بكل تأكيد من أحد الوزراء العظام- استطعنا تحديد مكانك بشكل تقريبي."
قام بالجثو فجأة على ساق واحدة، عيناه تحدقان بالأرض ونبرته ترتفع برزانة غير معهود:
"أشكركِ بحق على كل مساعدة قدمتها وكل ما ستفعلينه مستقبلاً مينرڤا."

ليس وكأنني أفعل هذا لأجلكم لكن...

"فالتنهض فرويد، الكلمات تكفي لتقنعني بصدقك."
طلبت.

"سؤال أخير؟"
نبست بعد أن طال الصمت.
"أذلك الفتى في الأسفل هو كين مودياس؟"

فرويد هز برأسه على مهل وهو ينهض ليستقيم بجذعه الطويل أخيراً.
"أجل."
أجاب دون محاولة لإخفاء الأمر أما أنا فأغلقت عيني بأسى، رغم معرفتي في قرارة نفسي أنه كان كين منذ زمن إلا أنني رفضت التصديق، لم أرد رؤية أحد الأطفال ينمو على هذه الحال.

"شكراً على إخباري، سيساعدني ما سردته بكل تأكيد."
شبكت أناملي أمامي وتشكرته ببسمة شبح.

"لا يجب أن أتوقع جائزة منكِ على ما بحت به للتو، صحيح؟"
حشر يديه في جيوب بنطاله.

"لا، تذكر من أنا ومن أنت فرويد."
أسدلت أهدابي ريثما رحت أحاضره بطريقة جعلتني أشعر بحنين خاطئ ولا يجب ان أحس به.
"لكن دع نفسك تبتلع مشاعرك الفتية على مهل، لا تحاول إنكارها أو قتلها."
استمررت بما أفعله وما أن انتهت كلماتي حتى فوجئت بأنه ليس أمامي حتى. أكره ما قلته له حتى رحل دون إعلامي؟

شعرت بشفاه تلامس وجنتي بخفة من أعلى كتفي فشهقت بهلع.
"كما ترغبين، مدرستي العزيزة."
أخرج لسانه ريثما أخذ يبتعد نحو الباب.
"سأعود عندما يأتي أفراد مودياس لأخذ كين."
تلمست وجهي بالصدمة ذاتها، قلبي يكاد يخرج من صدري من هول المفاجأة.

"أبناء العم هؤلاء يقومون بالحركات ذاتها."
تذمرت باستياء لم يطغى على إحراجي، يجب ألا استخف بالأصغر سناً.

.
.
.

بعد دقائق طويلة من الشرود وجدت نفسي أفتح كل نوافذ المكتبة سامحة لنسيم بدايات الربيع البارد بلفح وجهي. الورود الحمراء افترشت الحديقة في الأسفل، مازالت في براعمها اليانعة كما زهور أشجار التفاح.
كالعادة، لم تتغير الكثير من ملامح هذا القصر، الجميع يعملون في محاولة عدم تغييره لكن الأناس الذين يقطنونه يفعلون، أحبوا ذلك أم لا.

أجنحتي اهتزت على تغير النسيم، أحدهم دخل المكتبة لكنني لم ألتفت خلفي، ليس من واجبي تلبية طلب أو نداء أي فرد يبحث عن المعرفة منذ زمن لكن عندما سمعت ضحكة أنثوية مألوفة استدرت سريعاً لأرى أويليف ريغان تغطي فاهها بكفها بطريقة عفوية.

"في المنزل الذي كنت أقطنه كنتُ وحيدة لأغلب الوقت، أنيسي كان حمامة بيضاء تأتي لتقف بلا أي سبب في نافذة الغرفة، تهدل وتغني وكأنها تشفق على حالي."
نظرات عيونها البندقية أخيراً وقعت في عيني حيث كنت أحدق بها من بقعتي وكأنني مجرد بومة أخرى تورم جفناها فلم تستطع أن ترمش.
"أتمنى أنني لم أكن فظة بضحكي دون سابق إنذار أو بتشبيهي لكِ بتلك الحمامة."
تحدثت والدة نورمانوس بحرج طفيف وهي تشبك أصابعها أمامها.

"لا."
أجبتها على الفور.
"من حقكِ الضحك فمن يتجول تحت سقف بجناحين على ظهره؟"
تحدثت بهدوء ريثما رحت اقترب منها على مهل.
"البوم للنوكتوا كنصف لكينونتهم لكننا لا نستطيع التحكم بهم بحق وغلاكوس قرر الإختباء مني بي."
أشرت لظهري مضيفة:
"تصرفاتهم إنعكاس لمشاعرنا غالباً لكنها لا تقيدهم عن التصرف كما يرغبون أحياناً."
اعترفت. لم يكن لحاق غلاكوس لنورمانوس في الأنحاء يعود لدمائي التي أعطيتها للشاب ولا للريشة أيضاً إنما بسبب مشاعري نحوه.

أنا أحب نورمانوس بشدة وغلاكوس يقدس مشاعري ويشجعها، فيقوم بمعاملة الشاب بود ورقة كبيرين، لكنه يتناسى تأثير تصرفاته عند المبالغة علي أنا، وهذا يؤلم.

أويليف بدت مدهوشة للحظات من ما سمعته، رغم أن ملامح وجهي لم تخبرها بالكثير إلا أن تعامل غلاكوس مع نورمانوس على المائدة قد أطلعها على القليل بالفعل فابتسمت سريعاً بتلك الطريقة المحببة ونبست بتفهم:
"هكذا إذاً."
ضحكة قصيرة غادرت صدرها مجدداً، بدت بمزاج جيد اليوم.

"بشأن أول لقاء لنا، أشعر أنني كنت فظة عندما افترقنا رغم لطفكِ."
تحدثتُ فنظرت هي في وجهي بتساؤل وكأنها لا تذكر ما أتكلم عنه.

"لا! لا! أرجوكِ لا تفكري بذلك!"
لوحت أخيراً بكفيها بنظرة استدراك عظيمة.
"كلامكِ آنها... أنا احتجت لسماعه وقد أثلج صدري بحق."
ضغطت كفيها ضد صدرها ثم أضافت بامتنان لا أستحقه:
"شكراً لاهتمامكِ بطفلي."
لا أسمي ما فعلته بحقه اهتماماً وما تفوهت به منذ أيام دفاعاً عنه لن يصلح الماضي أو يشفي جروحه، وحتى اعترافي بحبي له لن يفيده.

قبل أن أتفوه بأي شيء قد يخرب مزاجها ضيف جديد غير متوقع وصل، أجنحتي اهتزت وكأن غلاكوس يرحب به بالمثل أما أويليف فنظرت من فوق كتفها ثم ابتسمت بسرعة:
"إيان! حضرت في وقتك."

والد نورمانوس ترك بصره ليجول في أنحاء المكتبة ثم حط به علي ما أن وصل موقعنا في منتصف المكان.
قام بتقديم إيماءة ليحيني بها من رأسه وأويليف أفصحت بعيون محرجة:
"مينرڤا، في الواقع نحن كنا ننتظر فرصة للحديث معكِ."

زوجها قام بتلمس كتفها ليساندها بأخذ زمام المبادرة والحديث لكنها بدت على وشك البكاء فقرر الحديث أولاً:
"على ما فعله أسياد ريغان بحقك، باسم حراس التوازن اعتذر."
الطريقة التي أسدل بها أهدابه عندما اعتذر جعلتني ألاحظ كم يشابه أبناء العم هذا الشخص.
"أنا كنت أحد الأشخاص المسؤولين من ألا يتورط الأنقياء في ريغان، مراقب من ذلك النوع الصارم لكنني تهاونت في مهمتي فتم جركِ لحياة لم تكوني لترغبي بها قط."
استطرد مصارحاً إياي بأنه كان يمكن أن أتجنب كل ما حل بي لو كان هو على علم بما يحصل، وأصدق بأن حراس التوازن كانوا ليجدوا النوكتوا لو حاولوا. الجشع في نفوس بعضهم وجد تبريراً لما عايشته معهم، وربما الخوف من المجهول ما فعل.

"نعلم أنه مهما اعتذرنا لن يكفي، ومهما حاولنا تعويضكِ لن نعيد لك الوقت أو نمسح لحظات الألم والغم عن صدرك لكن نود بسرور أن نكون عوناً لكِ، إن كنتِ تسمحين بذلك بالطبع."
أويليف تحدثت بلهفة جعلتني أرفع حاجبي بشيء من الدهشة فلم أتوقع أنهما من بين كل ريغان سيكترثان لأمري، يجب أن يكرهاني في الواقع.

إيان أومأ موافقاً وأشار لنفسه بأنامله الرفيعة:
"لا داعي لأن تتجادلي مع نورمانوس بشأن العودة للعالم الموازي، أستطيع تدبير الأمور لكِ بنفسي وأي شيء قد تحتاجينه مستقبلاً."

هذا مفاجئ بحق لي لكن...
"لكما شكري..."
ابتسمت في وجهيهما بصدق، لم أفعل منذ مدة الآن.
"لكن أرجوكما لا تقوما بأي شيء قد يكسر كلماته بطريقة مباشرة فنورمانوس لا يحاول منعي إلا لسبب يعلمه هو ونجهله نحن."
حركت بصري في وجه كل منهما على حدى.
"قفا لصفه، إنه لا يملك سواكما."

"لكنكِ..."
حاولت أويليف ثنيي عن رفض مساعدتهما ففتحت كفاي وصارحتهما ببساطة أنني الشخص السيء هنا.
"أنا شجعت شاباً يافعاً على أن يقوم بتنمية وردة زرعها هو بإخلاص فأعطاها عناية خاصة، بل كل ما لديه. لكنني أيضاً من دهس عليها وتسبب بذبولها ثم موتها."
لم يملكا أي كلمات لتقال. كنت ابتسم لكن قلبي يبكي في صدري.

"أنا غريبة في ريغان الآن، عاملاني على هذا المبدأ رجاء."
حاولت الخروج لكنني أدركت أن لديهما المزيد ليقولاه.
"ولهذا بالذات لدينا طلب..."
إيان تحدث فنظرت نحوه من فوق جناحي.
"وحدهم النوكتوا قد يملكون القدرة على المساعدة."
أشرت لهما بالجلوس للكنبة القريبة لنتجاذب أطراف الحديث الذي توقعته. لم يحتاجا لمحاولة التودد لي، فقد كان بودي أن أساعدهم لو أستطيع.

.
.
.

لم يكن من اللائق تسليم كين لذويه عبر غرفة الفحص المظلمة في القبو على الحال الشاحب التي هو عليها فتم إحضاره لصالة المعيشة ووضعه بقرب النافذة أسفل نور الشمس عل شيئاً من الشحوب يفارق وجهه.

مايبل قامت بتركيز لباسه وتمليس خصلاته بسحرها المنير بعيون ضيقة حزينة. ريالين راقبت بقربي بالمثل إذ عندما لم تنبس الشابة بأي اعتراض على إعادته لعائلته علمنا أنها لم تصل لما هو مفيد أو مبشر.

آيجل كان موجوداً في باب الصالة يستمع لفرويد يخبره بما سيجري تالياً.

"إنه يستيقظ."
جذبت ريالين انتباهي نحو كين الهزيل بكلماتها فحين استقام عن الكنبة وسعل سامحاً للسخام بمغادرة صدره فتح عينيه السودواين علينا.

اقتربت من البقعة التي جلس فيها الفتى يأن وكأنه يحاول إخراج الكلمات فحاول فرويد أن يحول بيني وبينه.
"تراجعي مينرڤا، لم يعد الطفل الذي تعرفينه، قد يؤذيكِ."
حذرني بنظرة حازمة لكنني ركزت بصري على كين من خلفه يرفع وجهه وكأنه يستطيع رؤيتنا ومجدداً أصوات بلا كلمات تغادر حنجرته.

"حان الوقت."
مايبل لوحت بكفها فشقت صدعاً في فضاء المكان لتخلق منه بوابة كبيرة ظهر منها شاب فارع الطول مع شقيقته الكبرى التي غدت شابة باهرة الجمال.

هايزل حركت بصرها في الأرجاء سريعاً لتألف الوجوه الغريبة لكن ما أن وقع بصرها علي حتى وسعت حدقتيها الزرقاوين ونبست باسمي بدهشة:
"مينرڤا!"

ترين الذي كان قد حمل شقيقه الأصغر بين ذراعيه دار حولنا بنظراته الضيقة، لم يبدو وكأنه يذكرني أو مهتم بالدردشة حتى، ركز كل أحاسيسه على شقيقه المريض.

"مرت فترة طويلة، تمنيت رؤيتكم في مناسبات أكثر بهجة لكن يسرني لقاؤكم بصحة جيدة وآمل أن والديكم بالمثل."
هايزل لم تستطع سوى الابتسام في وجهي.
"مازالت طريقة حديثكِ ذاتها."
هي نبست بصوت خافت وكأن لقاءنا الأول كان البارحة.
"تسرني رؤيتكِ على ما يرام بالمثل."
بنبرة أقرب لها من الممازحة نبست وترين الذي وقف بقرب شقيقته حدثها بصوته الذي تغير لأخر عميق:
"لا وقت للدردشة، يجب أن نعود."

بوابة مايبل إلتمعت بنور غريب وابتلعت نفسها فجأة متسببة بتخليف نسيم عات لفح وجوهنا جميعاً.

"ما الذي يعنينه هذا؟"
سأل فرويد مايبل التي تنهدت بحدة مشيرة بعينيها نحو ريالين، تلك تقدمت من أبناء مودياس وأناملها تلتمع ببقايا سحرها العنيد. لقد قامت بتحطيم بوابة مايبل.

"لما لم يخبر سحرة الظلام الحراس عن الثقب؟"
سألت ريالين من بين أسنانها بحدة فتدخلت مايبل بهدوء وبنبرة أقرب للتذكير:
"إنهم مجرد أطفال ريالين."

بدى التوجس على ملامح الشابين فعقدت ريالين ذراعيها أسفل صدرها تدلل على أنها لا تنوي الأذى، حالياً وحسب على الأقل إذ تبدو مستاءة بحق ومن حقها أن تكون.
"لكنهم ليسوا حمقى."
نقرت بأظفارها ضد ساعدها تنتظر الإجابة.
"منعتمونا من مراقبة أراضيكم بحرية وتكتمتم لعقود...انظروا إلى النتائج."

ترين نظر في وجه شقيقته الكبرى فقبضت تلك أناملها بطريقة جعلت آيجل يقترب بضعة خطوات محذراً إياهم من محاولة أي شيء على أراضي ريغان لكن تلك الأخيرة كانت أكثر رزانة من أن تحاول أذية أي شخص فأجابت:
"لأنه إن لم يستطع الحراس التعامل مع ذلك الثقب أياً كان فسيقومون بأخذ أراضينا منا، إغلاقها وربما محوها من على وجه الوجود."

"لمنع المرض من الانتشار، لا يبدو بخيار سيء."
دارت ريالين حولهما ككائن يتربص بفريسته، تحاول إرباكهما وإخافتهما قدر الإمكان ليُفصحا عن ما -ربما- يعرفانه ويحاولان إخفاءه.

"لنعيش مقهورين على أراضي غيرنا؟"
هايزل تنهدت بحدة وهزت برأسها ترفض الفكرة.
"نحن لن نتسامح مع المزيد من الذل. رفضناه في الحرب فأوشكنا على الإنقراض ومازلنا نرفضه ولو عنا ذلك إنقراضنا بحق هذه المرة."
سمحت لمشاعرها بالسيطرة عليها وعلى حروفها.

"موقفكم ما تسبب بتفشيه الآن، أمر غير مسؤول إن سألتِ أي عاقل."
مايبل تدخلت في المحادثة، نبرتها الخافتة والهادئة تجعل مشاعر هايزل أكثر سهولة للتلاعب بها.
"لا بل عبث أفرادكم كان السبب!"
هتفت كرد تلقي في لحظة استياء أعمى اللوم على نورمانوس.

ريالين رفعت سبابتها في وجه هايزل.
"لا تدعي صوتكِ ليتعالى هكذا، هذا يفسد شخصيتكِ."
تركت أناملها لتتسلل أسفل فك الشابة أمامها فتراجعت تلك خطوة خائفة. ريالين نظرت في عينيها دون تردد وأضافت:
"نورمانوس فعل ما فعله في محاولة لإنقاذكم، حمايتكم، لأجلكم رغم أنه يعلم بأن عقابه سيكون قاسياً."
رغم أنها حاولت قتله على خطيئته إلا أنها لم تنكر نيته.

ريالين أجفلت من آيجل يمسك بمعصمها ليبعدها عن هايزل هامساً بخفوت اعلى رأسها بعتاب:
"لا يمكنكِ فعل هذا بضيوفنا ريا."

تراجعت الأخيرة فتنفست هايزل بارتياح وهي تتمسك بساعد شقيقها وكأنها تستمد العون من وجوده بقربها.
"نقدر ذلك منه ولا نفعل."
ترين تحدث لأول مرة منذ بداية هذا الصراع:
"حتى تمتلكوا الحل النهائي المرضي، توبيخكم لنا غير صالح."
هذا الشاب اليافع محق فيما يقوله.

"ريالين..."
نبستُ باسم تلك التي سمحت لغضبها في المقام الأول أن ينال منها فنظرت نحوي أنا التي ابتسمت وحسب.
"أنتِ لا تريدين من نورمانوس أن يقوم بحبسكِ مجدداً لذا من الأفضل أن تتراجعي لأننا مازلنا بحاجة ماسة لمساعدتكِ."
طقطقت الشابة بلسانها على كلامي ثم ابتعدت بخطوات ثقيلة لترمي بجسدها لكنبة بعيدة، أشرتُ لمايبل بأن تعيدهما قبل أن يتورطا فيما لا يحمد عقباه، كلما قضوا وقتاً أطول على أراضي ريغان كلما كان هذا أسوأ للعلاقة المضطربة بين الطرفين.

مايبل أومأت برأسها سريعاً وصنعت بوابة جديدة لتعيدهما من حيث أتيا أما أنا فراقبتهما يعبران مع شقيقهم الأصغر المريض دون التفوه بأي كلمات وداعية إذ أشعر بأن لم شملنا القصير هذا لم ينتهي بعد.

إيستر يانا وعدت بحمايتهم وأراضيهم واحترام رغباتهم لكن مجدداً...أنا لست ريغان لأفعل المثل.

البوابة اختفت والهدوء عم المكان.

"إذاً..."
ظل مألوف غطى رؤيتي حيث انتمى لفرويد.
"ماذا الآن؟"
سأل بحاجب مرفوع فنظرت في عينيه مباشرة.
"لما تجزم بأنني أعرف 'ماذا الآن'؟"
دحرجت مقلتي بعيداً.

"كنتِ هادئة للغاية للتو."
أفصح معلقاً، عادة كنت لأجزم بأنه سيظن أن هدوئي يعود لعدم رغبتي في التدخل لكن مداخلتي في النهاية فضحت أنني فقط كنت استمع لما يدور باهتمام فما طرحته ريالين كان أمراً وددت السماع عنه علي اكتشف مدى استعداد سحرة الظلام للتعاون مع حراس التوازن الآن.

"أعتقد أنه يجدر بنا إيجاد سكايڤر آستور."
أفصحت دون أي مقدمات فتحركت الأبصار نحوي وكأني شخص مصاب بنوع من الذهان.

"سكايڤر آستور حارس توازن بالاسم فقط، تشريف لما فعله يوماً لمساندة أسلافنا."
كوبت مايبل كفيها فأنارت خرزة صغيرة بين يديها بصورة مشوشة عن الشخص الذي نبحث عنه، عيون زرقاء راكدة في مستنقع من الغم وخصلات سوداء فاحمة كالليل.
"لم يره أي شخص من أجدادنا الأقرب يوماً وأغلبهم رجح منذ عقود أنه توفي إذ لا يعيش إلا القلة من العابثين لفترات طويلة."
أنهت ما لديها وهي تنثر غبار صورته بعيداً.

"ليس لدينا أي شيء من أثره بالمثل لنحدد مكانه إن كان حيّاً."
رمى فرويد بكفيه في الهواء وريالين سرعان ما تدخلت:
"حتى لو كان حيّاً، الموت الذي يجره خلفه سيحجب أي إشارة حياة قد تنبعث منه."
أسندت قبضتها لفكها وأشاحت متذمرة:
"انسوا الأمر."

همهمت معتصرة دماغي، نحتاج لمن قد يعرف فمجدداً أنا لا أملك المعرفة ومهمتي هنا تقوم على المساعدة بالبحث عنها.
"يوجد شخص آخر يعلم عن آستور."
نبست بخفوت فبدا الجميع متأهبين لجولة أخرى من إحباطي عندما سأل فرويد متململاً:
"من؟"

"ساحرة نور غريبة ذكرتها إيستر يانا في وصاياها، لكن للأسف لوعد قطعته معها لم تذكر شيئاً كثيراً عنها."
أجبت محدقة بالبلاط اللامع أسفل قدمي بشيء من الإحباط.

"هلا أخبرتنا ببعض التفاصيل؟"
استفسرت مايبل بفضول لكن ما كدت أن أتفوه بأي شيء حتى لمحت آيجل في باب القاعة يستقيم بتأهب من مرأى أحدهم.

"أنا أستطيع إطلاعكم على الكثير بهذا الشأن."
وصل سيد ريغان.


*******

بدأنا ندخل في 'الآرك' الأخير للقصة وصدقوني هو الأهم لكل شيء بكل تفاصيله
أحداث متعلقة بماضي سلسلة حراس التوازن والحاضر وطبعاً الأهم المستقبل -غمزة- تفهمون ما أعني

أراكم على خير
ناخت ❤️

Continue Reading

You'll Also Like

56.4K 2.1K 9
تايهيونق الفتى الذي يشعر بالملل، يقرر شراء شخص ما ليسليه 𝘛𝘰𝘱: 𝘑𝘒 • تنويه : الرواية تحتوي على : ° هجائن ° خيال ° الفاظ نابية ° تصرفات مخلة ° 18+ ...
218 51 18
"‏بعض الكلمات خُلقت لتقال مرة واحدة، لشخص واحد، ثم لا يكون لها معنى بعدها"... Hight rink ✨️ 🎖 3 # خرافية 🎖 6 # الغابة 🎖 6 #الغجر 🎖 9 # الحاضر...
18.6K 1.9K 27
كان هُناك جُزءً مني يُريدَك دائماً رغم أخطائك التي لا تُحصى ، كُنتَ جُزءً مني وأنا جُزءً منكَ ، نجد الأمان والحب في بعضنا البعض في عالم لا يعرف الرحم...
667 81 4
عقوبـات سيليـن لحراس التـوازن كانت من النوع الذي لا يؤرقهـم يوماً، لكنها مؤخـراً غيّرت الخـطة وأعطتهم كل ما قد تستطيع تقديمه بعـطاء، قوة القمـر، الشك...